عبد القادر الأسود
¤° صاحب الإمتياز °¤
عدد المساهمات : 3986 تاريخ التسجيل : 08/09/2011 العمر : 76 المزاج : رايق الجنس :
| موضوع: فيض العليم ... سورة النساء، الآية: 82 السبت يونيو 01, 2013 5:13 am | |
| أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا (82) قولُه ـ جلَّ ثناؤه: {أفلا يتدبرون القرآن}، لَعَلَّهُ جوابُ سؤالٍ نَشَأَ مِنْ جَعلِ اللهِ تعالى شهيداً كأنَّه قيلَ: شهادةُ اللهِ تعالى لا شُبْهَةَ فيها ولكن مِنْ أيْنِ يُعلَمُ أنَّ ما ذَكرتَه شهادةُ اللهِ تعالى مَحْكِية عنه؟ فأجاب ـ سبحانه ـ بقوله: "أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ" أيْ أَفَلا يَتَدبَّرُ المُبيِّتون غيرَ الذي تقولُ لهم، يا مُحمَّدُ كتابَ اللهِ، فيَعلَموا حُجَّةَ اللهِ عليهم في طاعتِك واتِّباعِ أَمرِكَ، وأنَّ الذي أَتيتَهم بِه مِنَ التَنزيلِ مِنْ عندِ ربِّهم، لاتِّساقِ معانيهِ، وائتِلافِ أَحكامِه، وتأييدِ بعضِه بعضًا بالتَصديقِ، وشهادةِ بعضِهِ لبعضٍ بالتَحقيقِ، فإنَّ ذلك لو كان من عندِ غيرِ اللهِ لاختلفتْ أحكامُه، وتناقضتْ مَعانيه، وأَبانَ بعضُه عنْ فَسادِ بعضٍ، و"أفلا" تستعمل ليُقرَّع مَنْ لا يَعملُ بما بعدها. فقد عَابَ اللهُ ـ سبحانه ـ الْمُنَافِقِينَ بِالْإِعْرَاضِ عَنِ التَّدَبُّرِ فِي الْقُرْآنِ وَالتَّفَكُّرِ فِيهِ وَفِي مَعَانِيهِ. وأصلُ التدبُّرِ النَظرُ في عَواقِبِ الأُمورِ والتفكرُ في أَدبارِها، ثمَّ اسْتُعمِلَ في كلِّ تفكُّرٍ وتأمُّلٍ، وتَدَبَّرْتُ الشَّيْءَ فَكَّرْتُ فِي عَاقِبَتِهِ. وَفِي الْحَدِيثِ ((لَا تَدَابَرُوا)). أَيْ لَا يُوَلِّي بَعْضُكُمْ بَعْضًا دُبُرَهُ. وَأَدْبَرَ الْقَوْمُ مَضَى أَمْرُهُمْ إِلَى آخِرِهِ. وَالتَّدْبِيرُ أَنْ يُدْبِرَ الْإِنْسَانُ أَمْرَهُ كَأَنَّهُ يَنْظُرُ إِلَى مَا تَصِيرُ إِلَيْهِ عَاقِبَتُهُ. وَدَلَّتْ هَذِهِ الْآيَةُ الكريمة والآيةُ الأخرى وهي قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها} محمد: 24. عَلَى وُجُوبِ التَّدَبُّرِ فِي الْقُرْآنِ لِيُعْرَفَ مَعْنَاهُ. فَكَانَ فِي هَذَا رَدٌّ عَلَى فَسَادِ قَوْلِ مَنْ قَالَ: لَا يُؤْخَذُ مِنْ تَفْسِيرِهِ إِلَّا مَا ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أوِ الإمامِ المعصومِ كما قال بعضُ الشيعةِ. وَمَنَعَ أَنْ يُتَأَوَّلَ عَلَى مَا يُسَوِّغُهُ لِسَانُ الْعَرَبِ. وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى الْأَمْرِ بِالنَّظَرِ وَالِاسْتِدْلَالِ وَإِبْطَالِ التَّقْلِيدِ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى إِثْبَاتِ الْقِيَاسِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً} قال ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةَ وَابْنِ زَيْدٍ: أَيْ تَفَاوُتًا وَتَنَاقُضًا، وَلَا يَدْخُلُ فِي هَذَا اخْتِلَافُ أَلْفَاظِ الْقِرَاءَاتِ وَأَلْفَاظِ الْأَمْثَالِ وَالدَّلَالَاتِ وَمَقَادِيرِ السُّوَرِ وَالْآيَاتِ. وَإِنَّمَا أَرَادَ اخْتِلَافَ التَّنَاقُضِ وَالتَّفَاوُتِ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى لَوْ كَانَ مَا تُخْبِرُونَ بِهِ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَاخْتَلَفَ. فحيثُ اطَّرَدَ الصدقُ فِيهِ ولِمْ يَقَعْ ذلكَ قَطُّ عُلِمَ أنَّه بإعلامِهِ ـ تعالى ـ ومِن عندِه. وَقِيلَ: إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ مُتَكَلِّمٍ يَتَكَلَّمُ كَلَامًا كَثِيرًا إِلَّا وُجِدَ فِي كَلَامِهِ اخْتِلَافٌ كَثِيرٌ، إِمَّا فِي الْوَصْفِ وَاللَّفْظِ، وَإِمَّا فِي جَوْدَةِ الْمَعْنَى، وَإِمَّا فِي التَّنَاقُضِ، وَإِمَّا فِي الْكَذِبِ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْقُرْآنَ وَأَمَرَهُمْ بِتَدَبُّرِهِ، لِأَنَّهُمْ لَا يَجِدُونَ فِيهِ اخْتِلَافًا فِي وَصْفٍ، وَلَا رَدًّا لَهُ فِي مَعْنًى، وَلَا تَنَاقُضًا وَلَا كَذِبًا فِيمَا يُخْبَرُونَ به مِنَ الغُيوبِ، كإخباره عنهم بما يسرون في أنفُسهم وفيما بينهم.وكلامُ البَشَرِ بحُكمِ العادةِ لا يَخلوا مِنَ التَناقُضِ عندما يطولُ، والمُرادُ لكان الكثيرُ منْه مختلفاً متناقضاً قد تَفاوَتَ نظمُه وبلاغتُه، فكان بعضُه بالغًا حَدَّ الإعجازِ وبعضُه قاصراً عنه يمكن معارضتُه، وبعضُه إخباراً بغيبٍ قد وافق المُخْبَرَ عنه، وبعضُه إخباراً مُخالِفاً للمُخْبَرِ عنه، وبعضُه دالًّا على معنًى صحيحٍ عند علماءِ المعاني، وبعضُه دالًّا على معنًى فاسِدٍ غيرِ ملتَئمٍ فلمَّا تَجاوبَ كلُّه بَلاغَةً مُعجِزةً "فائقة" لِقُوى البُلَغاءَ وتُناصِرُ صحَّةَ معانٍ وصدقَ إخبارٍ عُلِمَ أنَّه ليسَ إلَّا مِنْ عندِ قادرِ على ما لا يَقدِر عليه غيرُ عالِمٍ بما لا يَعْلَمُه سِواه.وهو مَبنيٌّ على كونِ وجهِ الإعجازِ عندَ علماءِ العَرَبيَّةِ كونُ القرآن في مرتبةِ الأعلى مِن البَلاغة، وكون المقصود من الآية إثبات القرآن كله وبعضه من الله تعالى، وحينئذ لا يمكن وصف الاختلاف بالكثرة لأنه لا يكون الاختلاف حينئذ إلا بأن يكون البعض منه معجزاً والبعض غير معجز، وهو اختلاف واحدٌ فلِذا جعل "وجدوا" متعدياً إلى مفعولين أولهما: "كَثِيراً"، وثانيهما: "اختلافا" بمعنى مخلفاً، وإليه يشير قوله: لكان الكثير منه مختلفاً وإنما جعل اللازم على تقدير كونه من عند غير الله تعالى كون الكثير مختلفاً مع أنَّه يَلزَمُ أنْ يكونَ الكُلُّ مختلِفًا اقتِصارًا على الأقلِّ كما في قولَه ـ تعالى: {يُصِبْكُمْ بَعْضُ الذى يَعِدُكُمْ} غافر: 28. وهو مِنَ الكلامِ المُنْصِفِ، وبهذا يَندفِعُ ما أُورِدَ مِنْ أنَّ الكَثْرَةَ صفةُ الاختلافِ والاختلافُ صفةٌ للكُلِّ في النَظْمِ، وقد جعل صفةَ الكثرةِ والكثرةَ صفةَ الكثيرِ، لأنَّا لا نُسَلِّمُ أنَّ الكَثْرَةَ صِفةُ الاخْتِلافِ بلْ هُما مفعولا "وَجَدُواْ" وكذا ما أُورِدَ مِنْ أنَّه يُفهَمُ مِن قولِهِ: لَكان بعضُه بالِغًا حَدَّ الإعجازِ ثُبوتُ قُدرةِ غيرِه ـ تعالى ـ على الكلامِ المُعجِزِ، وهو باطلٌ لأنَّا لا نُسَلِّمُ ذلك فإنَّ المَقصودَ أنَّ القرآنَ كلاًّ وبعضاً مِنَ اللهِ ـ تعالى ـ أيْ البَعضُ الذي وَقَعَ بِه التَحَدِّي، وهو مِقدارُ أَقصرِ سورةٍ منه ولو كان بعضٌ مِنْ أَبعاضِه مِن غيرِه ـ تعالى ـ لَوَجَدوا فيه الاخْتِلافَ المَذكورَ، وهو أنْ لا يَكون بعضُه بالغًا حَدَّ الإعجازِ. وقال بعضُهم: لا مَحيصَ عنِ الإيرادِ الأَخيرِ سِوى أنْ يُحْمَلَ الكلامُ على الفَرضِ والتَقديرِ أيْ لو كان فيه مَرتبَةُ الإعجازِ ففي البعضِ خاصَةً على أَنْ يَكونَ ذلك القدرُ مأخوذاً مِنْ كلامِ اللهِ ـ تعالى ـ كما في الاقْتِباسِ ونحوِهِ، إلَّا أَنَّه لا يَخفى بُعْدُهُ. قولُه تعالى: {أفلا يَتَدَبَّرُونَ} الهمزة للاستفهام والاسْتِفهامُ هنالإِنْكارِ عدمِ تدبُّرهم، والفاء للعطفِ على مُقَدَّرٍ، أيْ: أَيُعْرِضون عنِ القرآنِ فلا يتأملون فيه؟!. وقرأ ابْنُ محيصِنٍ: بإدْغامِ التاءِ في الدالِ، والأصل: يَتَدبرون وهيَ مخالفةٌ للسَوادِ الأعظمِ من القرّاءِ. وقولُه: {لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً} وجدوا: متعدٍ إلى مَفعوليْنِ أوَّلُهما: "كَثِيراً"، وثانيهما: "اختلافا" و"فيه" الضمير عائدٌ على القرآن وهو الظاهر، ويُحتَمَلُ أنْ يَعودَ على ما يُخبرُهُ اللهُ تعالى به ممَّا يُبَيِّتون ويُسِرُّون، يَعني أنَّه يخبرهم بِه على حَدِّ ما يَقَعُ. | |
|