عبد القادر الأسود
¤° صاحب الإمتياز °¤
عدد المساهمات : 3986 تاريخ التسجيل : 08/09/2011 العمر : 76 المزاج : رايق الجنس :
| موضوع: فيض العليم ... سورة النساء، الآية: 72 الأحد مايو 26, 2013 6:22 pm | |
| وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيدًا. (72) قولُهُ تبارك وتعالى: {وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ} وهذا نَعتٌ مِنَ اللهِ ـ تعالى ذِكرُهُ ـ للمُنافقين، نَعَتَهمْ لِنَبِيِّهِ ـ صلى الله عليه وسلّمَ ـ ولأصحابِه ـ رضوانُ اللهِ تعالى عليهم ـ ووَصَفَهم بِصِفَتِهم فقال وَمِنَ النَّاسِ مَنْ هُمْ مُنَافِقُونَ وُجُبَنَاء وضِعَافُ الإِيْمَانِ لذلك فهم يَتَأخَّرُون عَنِ الخُرُوجِ إلَى الجِهَادِ، وَيَتَبَاطؤون، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقْعُدُ عَنِ الجِهَادِ، وَيُثَبِّطُ النَّاسَ عَنِ الخُرُوجِ، كما ثَبَّطَ ابْنُ أُبيٍّ أُناساً يومَ أُحُدٍ. والمُرادُ بقولِه: "مِنْكُمْ" أيْ مِنْ جِنْسِكم ومِمَّن يَعيشونَ مَعَكم ويُساكنونَكم، ويَرْتَبِطونَ مَعَكمْ بِربِاطِ القَرابَةِ، ويَتظاهرون بالإِسْلامِ، فلقد كان المُنافقون في المدينةِ تَرْبِطُهم روابطُ متَعدِّدةٌ بالمؤمنين الصادقينَ، كما هو معروفٌ في التاريخِ الإِسلامي. فعبدُ اللهِ بْنُ أُبَيٍّ بْنِ سَلولٍ ـ زعيمُ المنافقين مثلًا ـ كان أحدُ أبنائه مِنَ المؤمنين الصادقين.والتعبيرُ بقولِه "لَيُبَطِّئَنَّ" تعبيرٌ في أسْمى درجاتِ البَلاغَةِ والرَّوعَةِ، لأنّهُ يُصوِّرُ الحَرَكَةَ النَفْسِيَّةَ للمُنافقين وضِعافِ الإِيمانِ وهُمْ يَشُدُّونَ أنفسَهم شَدًّا، ويُقدِّمون رِجْلًا ويُؤخِّرون أُخْرى عندما يَدعوهم داعي الجِهادِ إلى الخُروجِ مِنْ أجلِ إعلاءِ كَلِمةِ اللهِ. قولُه: {فَإِنْ أصابتكم مُّصِيبَةٌ} أي فَإنْ أَصَابَتِ المُؤْمِنِينَ مُصِيبَةٌ مِنْ قَتْلِ وشَهَادَةٍ، أَوْ تَغَلَّبَ عليهم عَدُوُّهم. قولُه: {قَالَ قَدْ أَنْعَمَ الله عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَّعَهُمْ شَهِيداً} قال: أيْ المُبْطِئُ فَرِحًا بقعودِه وتَخَلُّفِهُ الذي أَنْجَاهُ ـ برأيِه ـ مِنَ المُصَابِ الذِي حَلَّ بِالمُسْلِمِينَ وَعَدَّ تَخَلُّفَهُ عَنِ الجِهَادِ نِعْمَةً، وَلَمْ يَدْرِ مَا فَاتَهُ مِنَ الأَجْرِ فِي الصَّبْرِ عَلَى الشِّدَّةِ، وَالشَّهَادَةِ إنْ قُتِلَ. وحَمَدَ لِنَفْسِه أنَّه لم يَكنْ حاضراً معهم في المعركة وإلا لكان أصابَه مثلُ الذي أصابَهم مِن البَلاءِ والشِدَّةِ، وقيل بأنَّه يُحتمَلُ أنْ يكون المعنى إذْ لَم أَكُنْ واحداً من شُهدائهم، أوْ لم أَكُنْ معهم في مَعْرِضِ الشهادةِ، فالنعمةُ عنده هي النَّجاةُ من القتلِ وخوفُه عَبَّرَ عنه بالشَهادَةِ تَهَكُّماً ولا يَخفى بُعْدُه، فالخِطابُ ـ إذاً ـ لعَسكَرِ رَسولِ اللهِ ـ صلى الله عليه وسلّمَ ـ مؤمِنيهم ومُنافِقيهم والمُبَطِّئونَ هَمُ المُنافقون منهم. ومن صفةِ المنافقين مَا رَوَاهُ الْأَئِمَّةُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِخْبَارًا عَنِهم: ((إِنَّ أَثْقَلَ صَلَاةٍ عَلَيْهِمْ صَلَاةُ الْعِشَاءِ وَصَلَاةُ الْفَجْرِ ولو يَعلمونَ ما فيهما لأتوهُما وَلَوْ حَبْوًا)). الْحَدِيثَ. فِي رِوَايَةٍ ((وَلَوْ عَلِمَ أَحَدُهُمْ أَنَّهُ يَجِدُ عَظْمًا سَمِينًا لَشَهِدَهَا)). يَعْنِي صلاةَ العِشاءِ. يقول: لو لاحَ شيءٌ مِنَ الدُّنْيَا يَأْخُذُونَهُ وَكَانُوا عَلَى يَقِينٍ مِنْهُ لَبَادَرُوا إِلَيْهِ.قوله: {وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَن لَّيُبَطِّئَنَّ} منكم: خبرٌ مُقدَّمٌ لـ "إنَّ" واسْمُها "مَنْ" ودَخَلَتْ اللامُ على الاسْمِ تَأكيداً لَمَّا فُصِلَ بَيْنَه وبَيْنَها بالخبر، و"مَنْ" يجوزُ أنْ تكونَ موصولةً أو نَكِرَةً مَوْصوفةً. واللامُ في "لَيُبَطِّئَنَّ" جوابُ قَسَمٍ مَحذوفٍ، تقديرُه: أُقسِمُ باللهِ لَيُبَطِّئَنَّ، والجُملتان ـ القسمُ وجوابُه ـ صلةٌ لـ "مَنْ" أو صِفةٌ على حَسَبِ القولين المتقدميْن، والعائدُ على كلا التقديرين هو الضمير المرفوعُ بـ "ليبطِّئن" والتقديرُ: وإنَّ منكم "لَلَّذي" أو "لَفريقاً" واللَّهِ لَيُبَطِّئَنْ.واستدلَّ بعضُ النُّحاةِ بِهذِه الآيةِ على أنَّه يَجوزُ وَصْلُ المَوصولِ بجملةِ القسمِ وجوابِه إذا عَرِيَتْ جملةُ القَسَمِ مِنْ ضميرٍ عائدٍ على المَوصولِ، نحو: "جاءَ الذي أَحْلِفُ باللَّهِ لَقد قامَ أَبوه" وجَعَلَه ردَّاً على قُدماءِ النُّحاةِ حيثُ زَعَموا مَنْعَ ذلك، ولا دَلالةً في ذلك، إذْ لِقائلٍ أنْ يقول: ذلك القسمُ المحذوفُ لا أُقدِّرُه إلَّا مُشتَمِلاً على ضميرٍ عائدٍ على الموصولِ.وقيل في لام "لَيُبَطِّئَنَّ" إنّها لامُ التأكيدِ بعدَ تَأكيدٍ، وهذا خطأٌ مِنْ قائلِه. وقيل: هي زائدة.وَالتَّبْطِئَةُ وَالْإِبْطَاءُ التَّأَخُّرُ، تَقُولُ: مَا أَبْطَأَكَ عَنَّا، فَهُوَ لَازِمٌ. وَيَجُوزُ بَطَّأْتُ فُلَانًا عن كذا أيْ أَخَّرتُه، فهو مُتَعَدٍّ.وقرأ الجمهورُ على "لَيُبَطِّئَنَّ" بتشديدِ الطاء، وقرأ مجاهدٌ بالتَخفيفِ، وعلى كلتا القراءتيْن يُحتَمَلُ أنْ يَكونَ الفعلُ لازماً ومتعدِّياً، يُقالُ: أَبْطَأَ وبَطَّأَ بمعنى بَطُؤَ، أيْ: تَكاسَلَ وتَثَبَّطَ، فهذان لازِمان، وإنْ قَدَّرَ أنَّهما متعدِّيان فمَفعولُهُما محذوفٌ أي: لَيُبَطِّئَنَّ غيرَه، أيْ: يُثَبِّطُه ويُجْبِنُه عن القتال. وقولُه {إذْ لمْ أَكن} ظرفٌ منصوبٌ وناصبُه "أنعم الله". | |
|