روضة الشاعر عبد القادر الأسود
بعد الصلاة على الرحمة المهداة

أهلا وسهلا بك في روضتنا

يسرنا تسجيلك

روضة الشاعر عبد القادر الأسود
بعد الصلاة على الرحمة المهداة

أهلا وسهلا بك في روضتنا

يسرنا تسجيلك

روضة الشاعر عبد القادر الأسود
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

روضة الشاعر عبد القادر الأسود

منتدى أدبي اجتماعي يعنى بشؤون الشعر والأدب والموضوعات الاجتماعي والقضايا اللإنسانية
 
مركز تحميل الروضةالرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
بسـم الله الرحمن الرحيم  :: الحمد لله رب العالمين * الرحمن الرحيم * مالك يوم الدين * إياك نعبد وإياك نستعين * إهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين أنعمت عليهم * غير المغضوب عليهم ولا الضــالين ....  آميـــن

 

 فيض العليم ... سورة النساء، الآية: 43 (3)

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
عبد القادر الأسود

¤° صاحب الإمتياز °¤
¤° صاحب الإمتياز °¤
عبد القادر الأسود


عدد المساهمات : 3986
تاريخ التسجيل : 08/09/2011
العمر : 76
المزاج المزاج : رايق
الجنس : ذكر
فيض العليم ... سورة النساء، الآية:  43 (3) Jb12915568671



فيض العليم ... سورة النساء، الآية:  43 (3) Empty
مُساهمةموضوع: فيض العليم ... سورة النساء، الآية: 43 (3)   فيض العليم ... سورة النساء، الآية:  43 (3) I_icon_minitimeالإثنين مايو 13, 2013 7:15 am

وَالَّذِي
يُرَاعَى مِنْ وُجُودِ الْمَاءِ أَنْ يَجِدَ مِنْهُ مَا يَكْفِيهِ لِطَهَارَتِهِ،
فَإِنْ وَجَدَ أَقَلَّ مِنْ كِفَايَتِهِ تَيَمَّمَ وَلَمْ يَسْتَعْمِلْ مَا وَجَدَ
مِنْهُ. وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ
وَالشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ،
لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ فَرْضَهُ أَحَدَ الشَّيْئَيْنِ، إِمَّا الْمَاءُ
وَإِمَّا التُّرَابُ. فَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْمَاءُ مُغْنِيًا عَنِ التَّيَمُّمِ
كَانَ غَيْرَ مَوْجُودٍ شَرْعًا، لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ مِنْ وُجُودِهِ
الْكِفَايَةُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَوْلِ الْآخَرِ: يَسْتَعْمِلُ مَا
مَعَهُ مِنَ الْمَاءِ وَيَتَيَمَّمُ، لِأَنَّهُ وَاجِدٌ مَاءً فَلَمْ يَتَحَقَّقْ
شَرْطُ التَّيَمُّمِ، فَإِذَا اسْتَعْمَلَهُ وَفَقَدَ الْمَاءَ تَيَمَّمَ لِمَا
لَمْ يَجِدْ. وَاخْتَلَفَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ أَيْضًا فِيمَا إِذَا نَسِيَ
الْمَاءَ فِي رَحْلِهِ فَتَيَمَّمَ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُعِيدُ، لِأَنَّهُ
إِذَا كَانَ الْمَاءُ عِنْدَهُ فَهُوَ وَاجِدٌ وَإِنَّمَا فَرَّطَ. وَالْقَوْلُ
الْآخَرُ لَا يُعِيدُ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، لِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يَعْلَمْهُ
فَلَمْ يَجِدْهُ.



وَأَجَازَ
أَبُو حَنِيفَةَ الْوُضُوءَ بِالْمَاءِ الْمُتَغَيِّرِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: "
فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً" فَقَالَ: هَذَا نَفْيٌ فِي نَكِرَةٍ، وَهُوَ
يَعُمُّ لُغَةً، فَيَكُونُ مُفِيدًا جَوَازَ الْوُضُوءِ بالماءِ المُتغيِّرِ وغيرِ
المُتَغيِّرِ، لإطلاقِ اسْمِ الْمَاءِ عَلَيْهِ. والنَّفْيُ فِي النَّكِرَةِ
يَعُمُّ كما قال، وَلَكِنْ فِي الْجِنْسِ، فَهُوَ عَامٌّ فِي كُلِّ مَاءٍ كَانَ
مِنْ سَمَاءٍ أَوْ نَهَرٍ أَوْ عَيْنٍ عَذْبٍ أَوْ مِلْحٍ. فَأَمَّا غَيْرُ
الْجِنْسِ وَهُوَ الْمُتَغَيِّرُ فَلَا يَدْخُلُ فِيهِ، كَمَا لَا يَدْخُلُ فِيهِ
مَاءُ الْبَاقِلَاءِ وَلَا مَاءُ الْوَرْدِ، ولا ماء الصابون.. إلخ.



وَأَجْمَعُوا
عَلَى أَنَّ الْوُضُوءَ وَالِاغْتِسَالَ لَا يَجُوزُ بِشَيْءٍ مِنَ الْأَشْرِبَةِ
سِوَى النَّبِيذِ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: "
فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا" يَرُدُّهُ. وَالْحَدِيثُ الَّذِي فِيهِ ذِكْرُ
الْوُضُوءِ بِالنَّبِيذِ رَوَاهُ ابْنُ مَسْعُودٍ، وَلَيْسَ بِثَابِتٍ، لِأَنَّ
الَّذِي رَوَاهُ أَبُو زَيْدٍ، وَهُوَ مَجْهُولٌ لَا يُعْرَفُ بِصُحْبَةِ عَبْدِ
اللَّهِ، قَالَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ.



والْمَاءُ
الَّذِي يُبِيحُ عَدَمُهُ التَيَمُّمَ هو الطاهرُ المُطهِّرُ الباقي على أوصافِ
خِلْقَتِهِ. وَقَالَ بَعْضُ مَنْ أَلَّفَ فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ لَمَّا قَالَ
تَعَالَى: "
فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا"" فَإِنَّمَا أَبَاحَ التَّيَمُّمَ عِنْدَ
عَدَمِ كُلِّ جُزْءٍ مِنْ مَاءٍ، لِأَنَّهُ لَفْظٌ مُنَكَّرٌ يَتَنَاوَلُ كُلَّ
جُزْءٍ مِنْهُ، سَوَاءً كَانَ مُخَالِطًا لِغَيْرِهِ أَوْ مُنْفَرِدًا بِنَفْسِهِ.
وَلَا يَمْتَنِعُ أَحَدٌ أَنْ يَقُولَ فِي نَبِيذِ التَّمْرِ مَاءٌ، فَلَمَّا
كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَجُزْ التَّيَمُّمُ مَعَ وُجُودِهِ. وَهَذَا مَذْهَبُ
الْكُوفِيِّينَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ، وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ
بِأَخْبَارٍ ضَعِيفَةٍ.



قَوْلُهُ
تَعَالَى: "
فَتَيَمَّمُوا"
التَّيَمُّمُ مِمَّا خُصَّتْ بِهِ هَذِهِ الْأُمَّةُ تَوْسِعَةً عَلَيْهَا، قَالَ ـ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((فُضِّلْنَا عَلَى النَّاسِ بِثَلَاثٍ
جُعِلَتْ لَنَا الْأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدًا وَجُعِلَتْ تُرْبَتُهَا لَنَا
طَهُورًا)). وَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ نُزُولِهِ، وَذَلِكَ
بِسَبَبِ الْقِلَادَةِ حَسْبَمَا بَيَّنَّاهُ. وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ
الْأَسْبَابِ الَّتِي تُبيحُه، والكلامُ هاهنا فِي مَعْنَاهُ لُغَةً وَشَرْعًا،
وَفِي صِفَتِهِ وَكَيْفِيَّتِهِ وَمَا يُتَيَمَّمُ بِهِ وَلَهُ، وَمَنْ يَجُوزُ
لَهُ التَّيَمُّمُ، وَشُرُوطُ التَّيَمُّمِ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَحْكَامِهِ.
فَالتَّيَمُّمُ لُغَةً هُوَ الْقَصْدُ. وقَوْلُهمْ: "قَدْ تَيَمَّمَ
الرَّجُلُ" مَعْنَاهُ قَدْ مَسَحَ التُّرَابَ عَلَى وَجْهِهِ وَيَدَيْهِ.
وَهَذَا هُوَ التَّيَمُّمُ الشَّرْعِيُّ، إِذَا كَانَ الْمَقْصُودُ بِهِ
الْقُرْبَةُ. وَلفْظُ التَّيَمُّمِ ذَكَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ فِي
(الْبَقَرَةِ) وَفِي هَذِهِ السُّورَةِ وَ(الْمَائِدَةِ) وَالَّتِي فِي هَذِهِ
السُّورَةِ هِيَ آيَةُ التَّيَمُّمِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو
بكر بنُ الْعَرَبِيِّ: هَذِهِ مُعْضِلَةٌ مَا وَجَدْتُ لِدَائِهَا مِنْ دواءٍ عندَ
أحَدٍ، هُمَا آيَتَانِ فِيهِمَا ذِكْرُ التَّيَمُّمِ إِحْدَاهُمَا فِي
(النِّسَاءِ) وَالْأُخْرَى فِي (الْمَائِدَةِ). فَلَا نَعْلَمُ أَيَّةَ آيَةٍ
عَنَتْ عَائِشَةُ ـ رضي الله عنها ـ بِقَوْلِهَا: (فَأَنْزَلَ اللَّهُ آيَةَ
التَّيَمُّمِ). ثُمَّ قَالَ: وَحَدِيثُهَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّيَمُّمَ
قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ مَعْلُومًا وَلَا مَفْعُولًا لَهُمْ. أَمَّا قَوْلُهُ:
(فَلَا نَعْلَمُ أَيَّةَ آيَةٍ عَنَتْ عَائِشَةُ) فَهِيَ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى
مَا ذَكَرْنَا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وأمَّا قَوْلُهُ: (وَحَدِيثُهَا يَدُلُّ عَلَى
أَنَّ التَّيَمُّمَ قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ يكن معلومًا ولا مفعولًا لهم) فصحيحٌ وَلَا
خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ أَهْلِ السِّيَرِ، لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ أَنَّ غُسْلَ
الْجَنَابَةِ لَمْ يُفْتَرَضْ قَبْلَ الْوُضُوءِ، كَمَا أَنَّهُ مَعْلُومٌ عِنْدَ
جَمِيعِ أَهْلِ السِّيَرِ أَنَّ النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ
مُنْذُ افْتُرِضَتْ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ بِمَكَّةَ لَمْ يُصَلِّ إِلَّا بِوُضُوءٍ
مِثْلِ وُضُوئِنَا الْيَوْمَ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ آيَةَ الْوُضُوءِ إِنَّمَا
نَزَلَتْ لِيَكُونَ فَرْضُهَا الْمُتَقَدِّمُ مَتْلُوًّا فِي التَّنْزِيلِ. وَفِي
قَوْلِهِ: (فَنَزَلَتْ آيَةُ التَّيَمُّمِ) وَلَمْ يَقُلْ آيَةَ الْوُضُوءِ مَا
يُبَيِّنُ أَنَّ الَّذِي طَرَأَ لَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ
حُكْمُ التَّيَمُّمِ لَا حُكْمَ الْوُضُوءِ، وَهَذَا بَيِّنٌ لَا إِشْكَالَ فِيهِ.



والتَّيَمُّمُ
يَلْزَمُ كُلَّ مُكَلَّفٍ لَزِمَتْهُ الصَّلَاةُ إِذَا عَدِمَ الْمَاءَ وَدَخَلَ،
وَقْتُ الصَّلَاةِ. وَقَالَ أبو حنيفةَ وصاحباه وَالْمُزَنِيُّ صَاحِبُ
الشَّافِعِيِّ: يَجُوزُ قَبْلَهُ، لِأَنَّ طَلَبَ الْمَاءِ عِنْدَهُمْ لَيْسَ
بِشَرْطٍ قِيَاسًا عَلَى النَّافِلَةِ، فَلَمَّا جَازَ التَّيَمُّمُ لِلنَّافِلَةِ
دُونَ طَلَبِ الْمَاءِ جَازَ أَيْضًا لِلْفَرِيضَةِ. وَاسْتَدَلُّوا مِنَ
السُّنَّةِ بِقَوْلِهِ ـ عَلَيْهِ الصلاةُ والسَّلَامُ ـ لِأَبِي ذَرٍّ: ((الصَّعِيدُ
الطَّيِّبُ وَضُوءُ الْمُسْلِمِ وَلَوْ لَمْ يَجِدِ الْمَاءَ عَشْرَ حِجَجٍ)).
فَسَمَّى ـ عَلَيْهِ الصلاةُ والسَّلَامُ ـ الصَّعِيدَ وَضُوءً كَمَا يُسَمَّى
الْمَاءُ، فَحُكْمُهُ إِذًا حُكْمُ الْمَاءِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَدَلِيلُنَا
قَوْلُهُ تَعَالَى: "
فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً"
وَلَا يُقَالُ: لَمْ يَجِدِ الْمَاءَ إِلَّا لِمَنْ طَلَبَ وَلَمْ يَجِدْ. وَقَدْ
تَقَدَّمَ هَذَا الْمَعْنَى، وَلِأَنَّهَا طَهَارَةٌ ضَرُورَةٌ
كَالْمُسْتَحَاضَةِ، وَلِأَنَّ النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ قَالَ:
((فَأَيْنَمَا أَدْرَكَتْكَ الصَّلَاةُ تَيَمَّمْتَ وَصَلَّيْتَ)). وَهُوَ قَوْلُ
الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عن عليٍّ وابنِ عمرَ وابنِ عبَّاسٍ ـ
رضي الله عنهم.



وَأَجْمَعَ
الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ التَّيَمُّمَ لَا يَرْفَعُ الْجَنَابَةَ وَلَا الْحَدَثَ،
وَأَنَّ الْمُتَيَمِّمَ لَهُمَا إِذَا وَجَدَ الْمَاءَ عَادَ جُنُبًا كَمَا كَانَ
أَوْ مُحْدِثًا، لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصلاةُ والسَّلَامُ لِأَبِي ذَرٍّ: ((إِذَا
وَجَدْتَ الْمَاءَ فَأَمِسَّهُ جِلْدَكَ)). إِلَّا ما رُوِيَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ
بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، رَوَاهُ ابْنُ جُرَيْجٍ وَعَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ
جُبَيْرِ بْنِ شَيْبَةَ عَنْهُ، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ حَرْمَلَةَ عَنْهُ قَالَ فِي الْجُنُبِ الْمُتَيَمِّمِ يَجِدُ
الْمَاءَ وَهُوَ عَلَى طَهَارَتِهِ: لَا يَحْتَاجُ إِلَى غُسْلٍ وَلَا وُضُوءٍ
حَتَّى يُحْدِثَ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ فِيمَنْ تَيَمَّمَ وَصَلَّى ثُمَّ وَجَدَ
الْمَاءَ فِي الْوَقْتِ أَنَّهُ يَتَوَضَّأُ وَيُعِيدُ تِلْكَ الصَّلَاةَ. قَالَ
ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَهَذَا تَنَاقُضٌ وَقِلَّةُ رَوِيَّةٍ. وَلَمْ يَكُنْ
أَبُو سَلَمَةَ عِنْدَهُمْ يَفْقَهُ كَفِقْهِ أَصْحَابِهِ التَّابِعِينَ
بِالْمَدِينَةِ.



وَأَجْمَعُوا
عَلَى أَنَّ مَنْ تيمَّمَ ثُمَّ وَجَدَ الْمَاءَ قَبْلَ الدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ
بَطَلَ تَيَمُّمُهُ، وَعَلَيْهِ اسْتِعْمَالُ الْمَاءِ. وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ
مَنْ تَيَمَّمَ وَصَلَّى وَفَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ، وكان قد اجْتَهَدَ في طَلَبِهِ
الْمَاءَ وَلَمْ يَكُنْ فِي رَحْلِهِ أَنَّ صَلَاتَهُ تَامَّةٌ، لِأَنَّهُ أَدَّى
فَرْضَهُ كَمَا أُمِرَ. فَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ تُوجَبَ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ
بِغَيْرِ حُجَّةٍ. وَمِنْهُمْ مَنِ اسْتَحَبَّ لَهُ أَنْ يُعِيدَ فِي الْوَقْتِ
إِذَا تَوَضَّأَ وَاغْتَسَلَ. وَرُوِيَ عَنْ طَاوُوسٍ وَعَطَاءٍ وَالْقَاسِمِ بْنِ
مُحَمَّدٍ وَمَكْحُولٍ وَابْنِ سِيرِينَ وَالزُّهْرِيِّ وَرَبِيعَةَ كُلُّهُمْ
يَقُولُ: يُعِيدُ الصَّلَاةَ. وَاسْتَحَبَّ الْأَوْزَاعِيُّ ذَلِكَ وَقَالَ:
لَيْسَ بِوَاجِبٍ، لِمَا رَوَاهُ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ، قَالَ: خَرَجَ
رَجُلَانِ فِي سَفَرٍ فَحَضَرَتِ الصَّلَاةُ وَلَيْسَ مَعَهُمَا مَاءٌ
فَتَيَمَّمَا صَعِيدًا طَيِّبًا فَصَلَّيَا، ثُمَّ وَجَدَا الْمَاءَ فِي الْوَقْتِ
فَأَعَادَ أَحَدُهُمَا الصَّلَاةَ بِالْوُضُوءِ وَلَمْ يُعِدِ الْآخَرُ، ثُمَّ
أَتَيَا رَسُولَ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فَذَكَرَا ذَلِكَ
لَهُ فَقَالَ لِلَّذِي لَمْ يُعِدْ: ((أَصَبْتَ السُّنَّةَ وَأَجْزَأَتْكَ
صَلَاتُكَ)). وَقَالَ لِلَّذِي تَوَضَّأَ وَأَعَادَ: ((لَكَ الْأَجْرُ مَرَّتَيْنِ)).
أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَقَالَ: وَغَيْرُ ابْنِ نَافِعٍ يَرْوِيهِ عَنِ
اللَّيْثِ عَنْ عَمِيرَةَ بْنِ أَبِي نَاجِيَةَ عَنْ بَكْرِ بْنِ سَوَادَةَ عَنْ
عَطَاءٍ عَنِ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَذَكَرَ أَبِي
سَعِيدٍ فِي هَذَا الْإِسْنَادِ لَيْسَ بِمَحْفُوظٍ. وَأَخْرَجَهُ
الدَّارَقُطْنِيُّ وَقَالَ فِيهِ: ثُمَّ وَجَدَ الْمَاءَ بعدُ في الوقتِ.



وَاخْتَلَفَ
الْعُلَمَاءُ إِذَا وَجَدَ الْمَاءَ بَعْدَ دُخُولٍ فِي الصَّلَاةِ، فَقَالَ



مَالِكٌ:
لَيْسَ عَلَيْهِ قَطْعُ الصَّلَاةِ وَاسْتِعْمَالُ الْمَاءِ وَلْيُتِمَّ صَلَاتَهُ
وَلْيَتَوَضَّأْ لِمَا يَسْتَقْبِلُ، وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَاخْتَارَهُ
ابْنُ الْمُنْذِرِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَجَمَاعَةٌ مِنْهُمْ أَحْمَدُ بْنُ
حَنْبَلٍ وَالْمُزَنِيُّ: يَقْطَعُ وَيَتَوَضَّأُ وَيَسْتَأْنِفُ الصَّلَاةَ
لِوُجُودِ الْمَاءِ. وَحُجَّتُهُمْ أَنَّ التَّيَمُّمَ لَمَّا بَطَلَ بِوُجُودِ
الْمَاءِ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَكَذَلِكَ يَبْطُلُ مَا بَقِيَ مِنْهَا، وَإِذَا
بَطَلَ بَعْضُهَا بَطَلَ كُلُّهَا، لِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ
الْمُعْتَدَّةَ بِالشُّهُورِ لَا يَبْقَى عَلَيْهَا إِلَّا أَقَلُّهَا ثُمَّ
تَحِيضُ أَنَّهَا تَسْتَقْبِلُ عِدَّتَهَا بِالْحَيْضِ. قَالُوا: وَالَّذِي
يَطْرَأُ عَلَيْهِ الْمَاءُ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ كَذَلِكَ قِيَاسًا وَنَظَرًا.
وَدَلِيلُنَا قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ}. وَقَدِ اتَّفَقَ
الْجَمِيعُ عَلَى جَوَازِ الدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ بِالتَّيَمُّمِ عِنْدَ عَدَمِ
الْمَاءِ، وَاخْتَلَفُوا فِي قطعِها إذا روي الْمَاءُ، وَلَمْ تَثْبُتْ سُنَّةٌ
بِقَطْعِهَا وَلَا إِجْمَاعٌ. وَمِنْ حُجَّتِهِمْ أَيْضًا أَنَّ مَنْ وَجَبَ
عَلَيْهِ الصَّوْمُ فِي ظِهَارٍ أَوْ قَتْلٍ فَصَامَ مِنْهُ أَكْثَرَهُ ثُمَّ
وَجَدَ رَقَبَةً لَا يُلْغِي صَوْمَهُ وَلَا يَعُودُ إِلَى الرَّقَبَةِ.
وَكَذَلِكَ مَنْ دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ بِالتَّيَمُّمِ لَا يَقْطَعُهَا وَلَا
يَعُودُ إِلَى الْوُضُوءِ بِالْمَاءِ. وَاخْتَلَفُوا هَلْ يُصَلِّي بِهِ صَلَوَاتٍ
أَمْ يَلْزَمُ التَّيَمُّمُ لِكُلِّ صَلَاةِ فَرْضٍ وَنَفْلٍ، فَقَالَ شَرِيكُ
بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْقَاضِي: يَتَيَمَّمُ لِكُلِّ صَلَاةِ نَافِلَةٍ
وَفَرِيضَةٍ. وَقَالَ مَالِكٌ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ، لِأَنَّ عَلَيْهِ أَنْ
يَبْتَغِيَ الْمَاءَ لِكُلِّ صَلَاةٍ، فَمَنِ ابْتَغَى الْمَاءَ فَلَمْ يَجِدْهُ
فَإِنَّهُ يَتَيَمَّمُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ وَاللَّيْثُ
وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ وَدَاوُدُ: يُصَلِّي مَا شَاءَ بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ مَا
لَمْ يُحْدِثْ، لِأَنَّهُ طَاهِرٌ مَا لَمْ يَجِدِ الْمَاءَ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ
طَلَبُ الْمَاءِ إِذَا يَئِسَ مِنْهُ. لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَوْجَبَ
عَلَى كُلِّ قَائِمٍ إِلَى الصَّلَاةِ طَلَبَ الْمَاءِ، وَأَوْجَبَ عِنْدَ عَدَمِهِ
التَّيَمُّمَ لِاسْتِبَاحَةِ الصَّلَاةِ قَبْلَ خُرُوجِ الْوَقْتِ، فَهِيَ
طَهَارَةُ ضَرُورَةٍ نَاقِصَةٌ بِدَلِيلِ إِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى
بُطْلَانِهَا بِوُجُودِ الْمَاءِ وَإِنْ لَمْ يُحْدِثْ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ
الطَّهَارَةُ بِالْمَاءِ. وَقَدْ يَنْبَنِي هَذَا الْخِلَافُ أَيْضًا فِي جَوَازِ
التَّيَمُّمِ قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ، فَالشَّافِعِيُّ وَأَهْلُ الْمَقَالَةِ
الْأُولَى لَا يُجَوِّزُونَهُ، لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى "
فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً
فَتَيَمَّمُوا
" ظَهَرَ مِنْهُ تَعَلُّقُ
أَجْزَاءِ التَّيَمُّمِ بِالْحَاجَةِ، وَلَا حَاجَةَ قَبْلَ الْوَقْتِ. وَعَلَى
هَذَا لَا يُصَلِّي فَرْضَيْنِ بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ، وَهَذَا بَيِّنٌ. وَاخْتَلَفَ
عُلَمَاؤُنَا فِيمَنْ صَلَّى صَلَاتَيْ فرض بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ، فَرَوَى يَحْيَى
بْنُ يَحْيَى عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ: يُعِيدُ الثَّانِيةَ مَا دَامَ فِي
الْوَقْتِ. وَرَوَى أَبُو زَيْدِ بْنُ أَبِي الْغَمْرِ عَنْهُ: يُعِيدُ أَبَدًا.
وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ يُعِيدُ الثَّانِيةَ
أَبَدًا. لِأَنَّ طَلَبَ الْمَاءِ شَرْطٌ. وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدُوسٍ أَنَّ ابْنَ
نَافِعٍ رَوَى عَنْ مَالِكٍ فِي الَّذِي يَجْمَعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ أَنَّهُ
يَتَيَمَّمُ لِكُلِّ صَلَاةٍ. وَقَالَ أَبُو الْفَرَجِ فِيمَنْ ذَكَرَ صَلَوَاتٍ:
إِنْ قَضَاهُنَّ بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ فلا شي عَلَيْهِ وَذَلِكَ جَائِزٌ لَهُ.
وَهَذَا عَلَى أَنَّ طَلَبَ الْمَاءِ لَيْسَ بِشَرْطٍ. وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ.
وَاللَّهُ أَعْلَمُ.



قَوْلُهُ
تَعَالَى: "
صَعِيداً طَيِّباً"
الصَّعِيدُ: وَجْهُ الْأَرْضِ كَانَ عَلَيْهِ تُرَابٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ، وَإِنَّمَا
سُمِّيَ صَعِيدًا لِأَنَّهُ نِهَايَةُ مَا يُصْعَدُ إِلَيْهِ مِنَ الْأَرْضِ.
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهِ مِنْ أَجْلِ تَقْيِيدِهِ بِالطَّيِّبِ، فَقَالَتْ
طَائِفَةٌ: يَتَيَمَّمُ بِوَجْهِ الْأَرْضِ كُلِّهِ تُرَابًا كَانَ أَوْ رَمْلًا
أَوْ حِجَارَةً أَوْ مَعْدِنًا أَوْ سَبْخَةً. وهو مَذْهَبُ مَالِكٍ وأبي حنيفة
والثوري والطبري. و"
طَيِّباً"
مَعْنَاهُ طَاهِرًا. وَقَالَتْ فُرْقَةٌ: "
طَيِّباً"
حَلَالًا، وَهَذَا قَلِقٌ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو يُوسُفَ: الصَّعِيدُ
التُّرَابُ الْمُنْبِتُ وَهُوَ الطَّيِّبُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَالْبَلَدُ
الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ} فَلَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ
عِنْدَهُمْ عَلَى غَيْرِهِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَقَعُ الصَّعِيدُ إِلَّا
عَلَى تُرَابٍ ذِي غُبَارٍ. وَذَكَرَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ
أَنَّهُ سُئِلَ أَيُّ الصَّعِيدِ أَطْيَبُ؟ فَقَالَ: الْحَرْثُ. قَالَ أَبُو
عُمَرَ: وَفِي قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ هَذَا مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الصَّعِيدَ
يَكُونُ غَيْرَ أَرْضِ الْحَرْثِ. وَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: هو
التراب خَاصَّةً. وَفِي كِتَابِ الْخَلِيلِ: تَيَمَّمْ بِالصَّعِيدِ، أَيْ خُذْ
مِنْ غُبَارِهِ، حَكَاهُ ابْنُ فَارِسٍ. وَهُوَ يَقْتَضِي التَّيَمُّمَ
بِالتُّرَابِ فَإِنَّ الْحَجَرَ الصَّلْدَ لَا غُبَارَ عَلَيْهِ. وَقَالَ الْكِيَا
الطَّبَرِيُّ وَاشْتَرَطَ الشَّافِعِيُّ أَنْ يَعْلَقَ التُّرَابُ بِالْيَدِ
وَيَتَيَمَّمَ بِهِ نَقْلًا إِلَى أَعْضَاءِ التَّيَمُّمِ، كَالْمَاءِ يُنْقَلُ
إِلَى أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ. قَالَ الْكِيَا: وَلَا شَكَّ أَنَّ لَفْظَ الصعيدِ
ليس نَصًّا فيما قال الشَّافِعِيُّ، إِلَّا أَنَّ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ ـ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((جُعِلَتْ لِيَ الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَتُرَابُهَا
طَهُورًا)) بَيَّنَ ذَلِكَ. فَاسْتَدَلَّ أَصْحَابُ هَذِهِ الْمَقَالَةِ بهذا
الحديث وَقَالُوا: هَذَا مِنْ بَابِ الْمُطْلَقِ وَالْمُقَيَّدِ وَلَيْسَ
كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ بَابِ النَّصِّ عَلَى بَعْضِ أَشْخَاصِ
الْعُمُومِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {فِيهِما فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ} وَقَدْ
ذَكَرْنَاهُ فِي (الْبَقَرَةِ) عِنْدَ قَوْلِهِ {وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ
وَجِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ}. وَقَدْ حَكَى أَهْلُ اللُّغَةِ أَنَّ الصَّعِيدَ
اسْمٌ لِوَجْهِ الْأَرْضِ كَمَا ذَكَرْنَا، وَهُوَ نَصُّ الْقُرْآنِ كَمَا
بَيَّنَّا، وَلَيْسَ بَعْدَ بَيَانِ اللَّهِ بَيَانٌ. وَقَالَ ـ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ لِلْجُنُبِ: ((عَلَيْكَ بِالصَّعِيدِ فَإِنَّهُ يَكْفِيكَ)).
وَسَيَأْتِي. فَـ "
صَعِيداً"
عَلَى هَذَا ظَرْفُ مَكَانٍ. وَمَنْ جَعَلَهُ لِلتُّرَابِ فَهُوَ مَفْعُولٌ بِهِ
بِتَقْدِيرِ حَذْفِ الْبَاءِ أَيْ بصعيد. و"
طَيِّباً"
نَعْتٌ لَهُ. وَمَنْ جَعَلَ "
طَيِّباً"
بِمَعْنَى حَلَالًا نَصَبَهُ عَلَى الْحَالِ أَوِ الْمَصْدَرِ. ومَكَانُ
الْإِجْمَاعِ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ أَنْ يَتَيَمَّمَ الرَّجُلُ عَلَى تُرَابٍ
مُنْبِتٍ طَاهِرٍ غَيْرِ مَنْقُولٍ وَلَا مَغْصُوبٍ. وَمَكَانُ الْإِجْمَاعِ فِي
الْمَنْعِ أَنْ يَتَيَمَّمَ الرَّجُلُ عَلَى الذَّهَبِ الصِّرْفِ وَالْفِضَّةِ
وَالْيَاقُوتِ وَالزُّمُرُّدِ وَالْأَطْعِمَةِ كَالْخُبْزِ وَاللَّحْمِ
وَغَيْرِهِمَا، أَوْ عَلَى النَّجَاسَاتِ. وَاخْتُلِفَ فِي غَيْرِ هَذَا
كَالْمَعَادِنِ، فَأُجِيزَ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ. وَمُنِعَ وَهُوَ
مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرُهُ. وَقَالَ ابْنُ خُوَيْزِ مَنْدَادُ: وَيَجُوزُ
عِنْدَ مَالِكٍ التَّيَمُّمُ عَلَى الْحَشِيشِ إِذَا كَانَ دُونَ الْأَرْضِ،
وَاخْتُلِفَ عَنْهُ فِي التَّيَمُّمِ عَلَى الثَّلْجِ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ
وَالْمَبْسُوطِ جَوَازُهُ، وَفِي غَيْرِهِمَا مَنْعُهُ. وَاخْتَلَفَ الْمَذْهَبُ
فِي التَّيَمُّمِ عَلَى الْعُودِ، فَالْجُمْهُورُ عَلَى الْمَنْعِ. وقيل هو جائز. وَقِيلَ:
بِالْفَرْقِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مُنْفَصِلًا أَوْ مُتَّصِلًا فَأُجِيزَ عَلَى
الْمُتَّصِلِ وَمُنِعَ فِي الْمُنْفَصِلِ. وَذَكَرَ الثَّعْلَبِيُّ أَنَّ مَالِكًا
قَالَ: لَوْ ضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى شَجَرَةٍ ثُمَّ مَسَحَ بِهَا أَجْزَأَهُ.
قَالَ: وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ: يَجُوزُ بِالْأَرْضِ وَكُلِّ مَا
عَلَيْهَا مِنَ الشَّجَرِ وَالْحَجَرِ وَالْمَدَرِ وَغَيْرِهَا، حَتَّى قَالَا:
لَوْ ضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى الْجَمَدِ (الجليد) وَالثَّلْجِ أَجْزَأَهُ. قَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ: وَأَمَّا التُّرَابُ الْمَنْقُولُ مِنْ طِينٍ أَوْ غَيْرِهِ
فَجُمْهُورُ الْمَذْهَبِ عَلَى جَوَازِ التَّيَمُّمِ بِهِ، وَفِي الْمَذْهَبِ
الْمَنْعُ وَهُوَ فِي غَيْرِ الْمَذْهَبِ أَكْثَرُ، وَأَمَّا مَا طُبِخَ
كَالْجَصِّ وَالْآجُرِّ فَفِيهِ فِي الْمَذْهَبِ قَوْلَانِ: الْإِجَازَةُ وَالْمَنْعُ،
وَفِي التَّيَمُّمِ عَلَى الْجِدَارِ خِلَافٌ. وَالصَّحِيحُ الْجَوَازُ لِحَدِيثِ
أَبِي جُهَيْمِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الصِّمَّةِ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ: أَقْبَلَ
رَسُولُ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ مِنْ نَحْوِ بِئْرِ جَمَلٍ
فَلَقِيَهُ رَجُلٌ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ النَّبِيُّ ـ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ حَتَّى أَقْبَلَ عَلَى الْجِدَارِ فَمَسَحَ
بِوَجْهِهِ وَيَدَيْهِ، ثُمَّ رَدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ. أَخْرَجَهُ
الْبُخَارِيُّ. وقد تقدّم. وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ التَّيَمُّمِ بِغَيْرِ
التُّرَابِ كَمَا يَقُولُ مَالِكٌ وَمَنْ وَافَقَهُ. وَيَرُدُّ عَلَى
الشَّافِعِيِّ وَمَنْ تَابَعَهُ فِي أَنَّ الْمَمْسُوحَ بِهِ تُرَابٌ طَاهِرٌ ذُو
غُبَارٍ يَعْلَقُ بِالْيَدِ. وَذَكَرَ النَّقَّاشُ عَنِ ابْنِ عُلَيَّةَ وَابْنِ كَيْسَانَ
أَنَّهُمَا أَجَازَا التَّيَمُّمَ بِالْمِسْكِ وَالزَّعْفَرَانِ. قَالَ ابْنُ
عَطِيَّةَ: وَهَذَا خَطَأٌ بَحْتٌ مِنْ جِهَاتٍ. قَالَ أَبُو عُمَرَ: وَجَمَاعَةُ
الْعُلَمَاءِ عَلَى إِجَازَةِ التَّيَمُّمِ بِالسِّبَاخِ إِلَّا إسحاق ابن
رَاهَوَيْهِ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِيمَنْ أَدْرَكَهُ التَّيَمُّمُ
وَهُوَ فِي طِينٍ قَالَ يَأْخُذُ مِنَ الطِّينِ فَيَطْلِي بِهِ بَعْضَ جَسَدِهِ،
فَإِذَا جَفَّ تَيَمَّمَ بِهِ. وَقَالَ الثَّوْرِيُّ وَأَحْمَدُ: يَجُوزُ
التَّيَمُّمُ بِغُبَارِ اللِّبَدِ. قَالَ الثَّعْلَبِيُّ: وَأَجَازَ أَبُو
حَنِيفَةَ التَّيَمُّمَ بِالْكُحْلِ وَالزِّرْنِيخِ وَالنُّورَةِ وَالْجَصِّ
وَالْجَوْهَرِ الْمَسْحُوقِ. قَالَ: فَإِذَا تَيَمَّمَ بِسِحَالَةِ (بُرادة) الذَّهَبِ
وَالْفِضَّةِ وَالصُّفْرِ (معدن) وَالنُّحَاسِ وَالرَّصَاصِ لَمْ يُجْزِهِ،
لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ.



قَوْلُهُ
تَعَالَى: {
فَامْسَحُوا
بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ
}
الْمَسْحُ لَفْظٌ مُشْتَرَكٌ وَالْمُرَادُ هُنَا بِالْمَسْحِ جَرُّ اليَدِ عَلَى
الْمَمْسُوحِ خَاصَّةً، فَإِنْ كَانَ بِآلَةٍ فَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ نَقْلِ
الْآلَةِ إِلَى الْيَدِ وَجَرِّهَا عَلَى الْمَمْسُوحِ، وَهُوَ مُقْتَضَى قَوْلِهِ
تَعَالَى فِي آيَةِ الْمَائِدَةِ: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ
مِنْهُ}. فَقَوْلُهُ (مِنْهُ) يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ نَقْلِ
التُّرَابِ إِلَى مَحِلِّ التَّيَمُّمِ. وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، وليس
بشرطٍ لِأَنَّ النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ لَمَّا وَضَعَ
يَدَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ وَرَفَعَهُمَا نَفَخَ فِيهِمَا، وَفِي رِوَايَةٍ:
نَفَضَ. وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ الْآلَةِ، يُوَضِّحُهُ تَيَمُّمُهُ
عَلَى الْجِدَارِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: لَمَّا لَمْ يَكُنْ بُدٌّ فِي مَسْحِ
الرَّأْسِ بِالْمَاءِ مِنْ بَلَلٍ يُنْقَلُ إِلَى الرَّأْسِ، فَكَذَلِكَ الْمَسْحُ
بِالتُّرَابِ لَا بُدَّ مِنَ النَّقْلِ. وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ حُكْمَ الْوَجْهِ
فِي التَّيَمُّمِ وَالْوُضُوءِ الِاسْتِيعَابُ وَتَتَبُّعُ مَوَاضِعِهِ، وَأَجَازَ
بَعْضُهُمْ أَلَّا يُتَتَبَّعَ كَالْغُضُونِ فِي الْخُفَّيْنِ وَمَا بَيْنَ
الْأَصَابِعِ فِي الرَّأْسِ، وَهُوَ فِي الْمَذْهَبِ قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ
مَسْلَمَةَ، حَكَاهُ ابْنُ عَطِيَّةَ. وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {
بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ} فَبَدَأَ بِالْوَجْهِ قَبْلَ الْيَدَيْنِ وَبِهِ قَالَ
الْجُمْهُورُ. وَوَقَعَ فِي الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ عَمَّارٍ فِي (بَابِ
التَّيَمُّمِ ضَرْبَةً) ذَكَرَ الْيَدَيْنِ قَبْلَ الْوَجْهِ. وَقَالَهُ بَعْضُ
أَهْلِ الْعِلْمِ قِيَاسًا عَلَى تَنْكِيسِ الْوُضُوءِ.



وَاخْتَلَفَ
الْعُلَمَاءُ أَيْنَ يَبْلُغُ بِالتَّيَمُّمِ فِي الْيَدَيْنِ، فَقَالَ ابْنُ
شِهَابٍ: إِلَى الْمَنَاكِبِ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ. وَفِي
مُصَنَّفِ أَبِي دَاوُدَ عَنِ الْأَعْمَشِ أنَّ رسولَ اللهِ ـ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ مَسَحَ إِلَى أَنْصَافِ ذِرَاعَيْهِ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ:
وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِهَذَا الْحَدِيثِ فِيمَا حَفِظْتُ. وَقِيلَ: يَبْلُغُ بِهِ
إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ قِيَاسًا عَلَى الْوُضُوءِ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ
وَالشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِهِمَا وَالثَّوْرِيِّ وَابْنِ أَبِي سَلَمَةَ
وَاللَّيْثِ كُلُّهُمْ يَرَوْنَ بُلُوغَ الْمِرْفَقَيْنِ بِالتَّيَمُّمِ فَرْضًا
وَاجِبًا. وَبِهِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ
وَابْنِ نَافِعٍ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ إِسْمَاعِيلُ الْقَاضِي. قَالَ ابْنُ نَافِعٍ:
مَنْ تَيَمَّمَ إِلَى الْكُوعَيْنِ أَعَادَ الصَّلَاةَ أَبَدًا. وَقَالَ مَالِكٌ
فِي الْمُدَوَّنَةِ: يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ. وَرَوَى التَّيَمُّمَ إِلَى
الْمِرْفَقَيْنِ عَنِ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَابِرُ
بْنُ عبد الله وابنِ عمر وَبِهِ كَانَ يَقُولُ. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: سُئِلَ
قَتَادَةُ عَنِ التَّيَمُّمِ فِي السَّفَرِ فَقَالَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ
إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ. وَكَانَ الْحَسَنُ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ يَقُولَانِ
إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ. قَالَ: وَحَدَّثَنِي مُحَدِّثٌ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ قَالَ: ((إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ)).
قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: فَذَكَرْتُهُ لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ فَعَجِبَ مِنْهُ
وَقَالَ مَا أَحْسَنَهُ!. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يَبْلُغُ بِهِ إِلَى الْكُوعَيْنِ
وَهُمَا الرُّسْغَانِ. رُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ
وَعَطَاءٍ وَالشَّعْبِيِّ فِي رِوَايَةٍ، وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ
وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ وَدَاوُدُ بْنُ عَلِيٍّ وَالطَّبَرِيُّ. وَرُوِيَ
عَنْ مَالِكٍ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ. وَقَالَ مَكْحُولٌ:
اجْتَمَعْتُ أَنَا وَالزُّهْرِيُّ فَتَذَاكَرْنَا التَّيَمُّمَ فَقَالَ
الزُّهْرِيُّ: الْمَسْحُ إِلَى الْآبَاطِ. فَقُلْتُ: عَمَّنْ أَخَذْتَ هَذَا؟
فَقَالَ: عَنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: "
فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ
وَأَيْدِيكُمْ
" فَهِيَ يَدٌ كُلُّهَا.
قُلْتُ لَهُ: فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ
فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما} فَمِنْ أَيْنَ تُقْطَعُ الْيَدُ؟ قَالَ: فَخَصَمْتُهُ.
وَحُكِيَ عَنِ الدَّرَاوَرْدِيِّ أَنَّ الْكُوعَيْنِ فَرْضٌ وَالْآبَاطُ
فَضِيلَةٌ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: هَذَا قَوْلٌ لَا يُعَضِّدُهُ قِيَاسٌ وَلَا
دَلِيلٌ، وَإِنَّمَا عَمَّمَ قَوْمٌ لَفْظَ الْيَدِ فَأَوْجَبُوهُ مِنَ
الْمَنْكِبِ: وَقَاسَ قَوْمٌ عَلَى الْوُضُوءِ فَأَوْجَبُوهُ مِنَ الْمَرَافِقِ
وَهَاهُنَا جُمْهُورُ الْأُمَّةِ، وَوَقَفَ قَوْمٌ مَعَ الْحَدِيثِ فِي
الْكُوعَيْنِ، وَقِيسَ أَيْضًا عَلَى الْقَطْعِ إِذْ هُوَ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ
وَتَطْهِيرٌ كَمَا هَذَا تَطْهِيرٌ، وَوَقَفَ قَوْمٌ مَعَ حَدِيثِ عَمَّارٍ فِي
الْكَفَّيْنِ. وَهُوَ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ.



وَاخْتَلَفَ
الْعُلَمَاءُ أَيْضًا هَلْ يَكْفِي فِي التَّيَمُّمِ ضَرْبَةٌ وَاحِدَةٌ أَمْ لَا؟
فَذَهَبَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ التَّيَمُّمَ بِضَرْبَتَيْنِ: ضَرْبَةٌ
لِلْوَجْهِ وَضَرْبَةٌ لِلْيَدَيْنِ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ
وَالشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِمْ، وَالثَّوْرِيِّ وَاللَّيْثِ
وَابْنِ أَبِي سَلَمَةَ. وَرَوَاهُ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَابْنُ عُمَرَ
عَنِ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي
الْجَهْمِ: التَّيَمُّمُ بِضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ. وَرُوِيَ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ فِي
الْأَشْهَرِ عَنْهُ، وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ وَالشَّعْبِيِّ فِي رِوَايَةٍ. وَبِهِ
قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقُ وَدَاوُدُ وَالطَّبَرِيُّ. وَهُوَ
أَثْبَتُ مَا رُوِيَ فِي ذَلِكَ مِنْ حَدِيثِ عَمَّارٍ. قَالَ مَالِكٌ فِي كِتَابِ
مُحَمَّدٍ: إِنْ تَيَمَّمَ بِضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ أَجْزَأَهُ. وَقَالَ ابْنُ
نَافِعٍ: يُعِيدُ أَبَدًا. قَالَ أَبُو عُمَرَ وقال ابنُ أَبِي لَيْلَى
وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ: ضَرْبَتَانِ، يَمْسَحُ بِكُلِّ ضَرْبَةٍ مِنْهُمَا
وَجْهَهُ وَذِرَاعَيْهِ وَمِرْفَقَيْهِ. وَلَمْ يَقُلْ بِذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ
أَهْلِ الْعِلْمِ غَيْرُهُمَا. قَالَ أَبُو عُمَرَ: لَمَّا اخْتَلَفَتِ الْآثَارُ
فِي كَيْفِيَّةِ التَّيَمُّمِ وَتَعَارَضَتْ كَانَ الْوَاجِبُ فِي ذَلِكَ
الرُّجُوعَ إِلَى ظَاهِرِ الْكِتَابِ، وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى ضَرْبَتَيْنِ ضَرْبَةٍ
لِلْوَجْهِ، وَلِلْيَدَيْنِ أُخْرَى إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ، قِيَاسًا عَلَى
الْوُضُوءِ وَاتِّبَاعًا لِفِعْلِ ابْنِ عُمَرَ، فَإِنَّهُ مَنْ لَا يُدْفَعُ
عِلْمُهُ بِكِتَابِ اللَّهِ. وَلَوْ ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فِي ذلك شيءٌ وَجَبَ الْوُقُوفُ عِنْدَهُ. وَبِاللَّهِ
التَّوْفِيقِ.



وقَوْلُهُ:
{
إِنَّ اللَّهَ كانَ عَفُوًّا
غَفُوراً
} أَيْ لَمْ يَزَلْ كَائِنًا
يَقْبَلُ الْعَفْوَ وَهُوَ



السَّهْلُ،
وَيَغْفِرُ الذنب أي يَستُرَ عقوبَتَه فلا يُعاقب.



قوله
تعالى: {
لاَ
تَقْرَبُواْ الصلاة
} في
الكلامِ حَذْفُ مُضافٍ تقديرُه: مواضعَ الصلاةِ، والمُرادُ بِمَواضِعِها المَساجدُ،
ويؤيدُ هذا قولُه بعد ذلك: "
إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ"
في أحدِ التأويليْن. وقيل لا حذفَ، والنهيُ عنْ قُربانِ نفسِ الصلاةِ في هذه
الحالة.



قولُه:
{
وَأَنْتُمْ سكارى} مبتدأٌ وخبرٌ في محلِّ نصبٍ على الحالِ مِنْ فاعلِ "تقربوا". وقرأ الجمهورُ: "سُكارى" بضمِّ السينِ
وألفٍ بعد الكاف، وفيه قولان، أحدُهما: وهو الصحيحُ أنَّه جمعُ تكسيرٍ، نصَّ عليْه
سِيبَوَيْهِ، قال: وقد يُكَسِّرون بعضَ هذا على فُعالى، وذلك كقولِ بعضِهم "سُكارى"
و"عُجالى". والثاني: أنّه اسمُ
جمع، وزَعم ابنُ الباذِ أنَّه مذهبُ سيبويْهِ، قال: وهو القياسُ لأنَّه لم يأتِ مِن
أَبْنِيَةِ الجَمعِ شيءٌ على هذا الوزن. وذكر السيرافي الخلافَ، ورجَّح كونَه تَكسيراً.



وقرأ
الأعمشُ: "سُكْرى" بضم السين وسكون الكاف، وتوجيهُها أنَّها صفةٌ على
فُعْلى كحُبْلى، وقعتْ صِفةً لِجماعةٍ أي: وأنتمْ جماعةٌ سُكْرى. وحَكى جناح بن
حبيش: كُسْلى وكَسْلى، بضمِّ الكافِ وفتحِها. وقرأ النُخَعِيُّ: "سَكْرى"
بفتح السين وسكون الكاف، وهذه تحتملُ وجهيْن، أحدُهما: ما تقدَّمَ في القِراءةِ
قبلَها وهو أنَّها صفةٌ مُفرَدةٌ على فَعْلى كامرأةٍ سَكْرى وُصِفَ بها الجماعة.
والثاني: أنَّها جمعُ تكسيرٍ كجَرْحى ومَوْتى وهَلْكى، وإنَّما جَمْعُ سَكْران على
"فَعْلى" حملاً على هذه؛ لِما فيه مِن الآفةِ اللاحقةِ للفعلِ، وقد
تقدَّم شيءٌ مِن هذا في البقرةِ عندَ قولِه: {وَإِن يَأتُوكُمْ أُسارى} الآية: 85،
وقُرئ "سَكارى" بفتحِ السينِ، والأَلِفِ، وهذا جمعُ تكسيرِ نحو: نَدْمان
ونَدامى وعَطْشان وعَطاشَى.



والسُّكْرُ
لُغةً: السَّدُّ، ومنْه قيلَ لِما يَعْرِضُ للمَرْءِ مِنْ شُرْبِ المُسْكِرِ؛ لأنَّه
يَسُدُّ مابيْن المرءِ وعقلِه، وأكثرُ ما يُقالُ السُّكْرُ لإِزالةِ العقلِ بالمُسْكِرِ،
وقد يُقال ذلك لإِزالتِه بغضبٍ ونحوِه مِنْ عِشْقٍ وغيرِه قال الخليعُ أبو عبد
الله وهو شاعر عباسيٌّ أدرك البحتري وعاش إلى زمن سيف الدولة الحمداني:



سُكْرانِ سُكْرُ هوىً وسُكْرُ مُدامَةٍ ...............
أنَّى يُفيقُ فتىً به سُكْرانِ



والسَّكْرُ
بالفتحِ وسُكونِ الكافِ حَبْسُ الماءِ، وبكسرِ السينِ نَفسُ الموضعِ المَسدودِ،
وأمَّا "السَّكَر" بفتحهما فما يُسْكَرُ بِه مِنَ المَشروبِ، ومنه
{سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً} النحل: 67، وقيل: السُّكْرُ بضمِّ السينِ وسكون الكاف
السَّدُّ أي: الحاجزُ بين الشيئين قال:



فما زِلْنَا على السُّكْرِ ............................
نُداوي السُّكْرِ بالسُّكْرِ



والحاصلُ:
أنَّ أصلَ المادَّةِ الدَّلالةُ على الانْسِدادِ، ومنه "سَكِرتْ عينُ البازيِّ"
إذا خالَطَها نومٌ، و"سَكِر النهرُ" إذا لم يَجْرِ، وسَكَرْتُه أنا.



قولُه:
{
حتى تَعْلَمُواْ} حتّى: جارَّةٌ
بِمعنى "إلى"، فهي متعلِّقةٌ بفعلِ النهي، والفعلُ بعدَها منصوبٌ بإضمارِ
"أَنْ"، وقد تقدَّمَ تحقيقُه. و"
ما" إمّا
أنْ تكونَ بمعنى الذي، أو نَكِرةً موصوفةً، والعائدُ على هذين القوليْن مَحذوفٌ،
أي: يَقولونَه، أو تكون مَصْدريَّةً فلا حَذْفَ إلَّا على رأيِ ابنِ السَراجِ
ومَنْ تَبِعَه.



قولُه:
{
وَلاَ جُنُباً} نَصْبٌ على أنَّه معطوفٌ على الحالِ قبلَه، وهو قولُه:
"
وَأَنْتُمْ سكارى"، عَطَفَ المُفرَدَ على الجُملَةِ لَمَّا كانَتْ
في تأويلِهِ، وأَعادَ معَها "
لا"
تنبيهاً على أنَّ النهيَ عن قُربانِ الصلاةِ معَ كلِّ واحدَةٍ مِنْ هذيْن الحاليْنِ
على انْفِرادِهما، فالنهيُ عنها مَعَ اجْتِماعِ الحاليْن آكَدُ وأَوْلى.



والجُنُبُ:
مشتقٌ من الجَنابة وهي البُعْد قال علقمةُ بنُ عَبْدَةَ:



فلا تَحْرِمَنِّي نائلاً عن جَنابَةٍ ..............
فإني امرؤٌ وَسْطَ القِبابِ غريبُ



وسُمِّي
الرجلُ جُنُباً لبُعْده عن الطهارةِ، أو لأنَّه ضاجَعَ بجَنْبه ومَسَّ به،
والمشهورُ أنَّه يُسْتَعملُ بلفظٍ واحدٍ للمُفرَدِ والمُثنَّى والمَجموعِ والمُذَكَّرِ
والمؤنَّثِ، ومنه الآيةُ الكريمة. لجَرَيانه مَجَرى المَصدرِ الذي هو الإِجْنابُ ومِنَ
العربِ مَنْ يُثَنِّيه فيقول: "جُنُبان" ويجمعُه سَلامَةً فيقول: "جُنُبون"
وتكسيراً فيقول: "أَجْناب"، ومِثلُه في ذلك: "شُلُل" وتقدَّم
تحقيق ذلك.



قولُه:
{
إِلاَّ عَابِرِي} منصوبٌ على الحال، فهوَ اسْتِثناءٌ مُفرَّغ، والعاملُ
فيها فعلُ النَهْيِ، والتقديرُ: لا تَقرَبوا الصلاةَ في حالِ الجَنابةِ، إلَّا في
حالِ السَفَرِ أوْ عبورِ المَسْجِدِ، على حَسَب القوليْن. وقيل هو استثناءٌ مِنْ
عامَّةِ أحوالِ المُخاطَبين، وانْتِصابُه على الحالِ. وجَمَع بيْن هذهِ الحالِ
والحالِ التي قبلَها. كأنَّه قيل: لا تَقرَبوا الصلاةَ في حالِ الجَنابةِ إلَّا ومَعكم
حالٌ أُخرى تُعْذَرُون فيها وهي حالُ السفر، وعبُورُ السبيلِ عبارةٌ عنه. ويمكن أن
ينتصبَ "
عابري" على أنَهُ صفةٌ لِـ "جُنُباً" و"إلا"
بمعنى "غير" فظَهَرَ الإِعرابُ فيما بعدَها، كأنَّه قيلَ: لا تَقْرَبوها
جُنُباً غيرَ عابرِي سبيلٍ أي: جُنُباً مُقِيمين غيرَ مَعْذُورين، وهذا معنًى واضحٌ
على تفسيرِ العبورِ بالسفر. وأمَّا مَنْ فَسَّرَها بمَواضِعِ الصَلاةِ فالمَعنى
عندَه: لاتقْربوا المساجدَ جُنُباً إلَّا مُجتازين، لِكونهِ لا ممرَّ سِواه، أو
غيرِ ذلك بحَسَبِ الخلاف.



والعُبورُ:
الجَوازُ، ومنه: "ناقةٌ عُبْرُ الهَواجِر" قال:



عَيْرانَةٌ سُبُحُ اليدينِ شِمِلَّةٌ ...............
عُبْرُ الهواجرِ كالهِزَفِّ الخاضِبِ



وقولُه:
{
حتى تَغْتَسِلُواْ} كقوله: {حتى تَعْلَمُواْ} فهي متعلِّقةٌ بفعلِ النهي.


قوله:
{
أَوْ على سَفَرٍ} في محلِّ نصبٍ عطفاً على خبرِ "كان" وهو "مَرْضَى" وكذلك قولُه: {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ}
و{
أَوْ لاَمَسْتُمُ} وفيه دليلٌ على مَجيءِ خبرِ "كان" فعلاً
ماضياً مِنْ غيرِ "قد"، وادِّعاءُ حذفِها تَكلُّفٌ لا حاجةَ إليه، ولا
دليلَ فيه لاحْتِمالِ أنْ يَكونَ "
أو جاء"
عطفاً على "
كنتم"
تقديرُه: "وإنْ جاء أحدٌ"، وهو أظهرُ مِنَ الأوَّلِ، واللهُ أعلم.



وقولُه:
{
منكم} في محلِّ رفعٍ لأنَّه صفةٌ لـ "أحد"، فيتعلَّقُ بمحذوفٍ.


وقولُه:
{
من الغائط} متعلِّقٌ بـ "جاء
فهو مفعولُه.



وقرأ
الجمهور: "
الغائِط[color:8073
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
فيض العليم ... سورة النساء، الآية: 43 (3)
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
روضة الشاعر عبد القادر الأسود :: ...:: الروضة الروحانية ::... :: روضة الذكر الحكيم-
انتقل الى: