نص تعقيبي على مهاترات تيجري على صفحة الحرية لمعتقلي إدلب وسوريا الأحرار
أرجو أن يكون فيه بلغة وفائدة
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه وبعد.
لقد قرأت هنا كلاماً لإخوة كرام موجه إلى أخ كريم ما كنت أحب أن يصدر عن
أمثالهم وهم الطيبون أبناء هذا البلد الطيب، وذلك للأسباب الآتية:
أولاً: ـ وهم المسلمون أولا وقبل كلِّ شيءٍ ـ فإنَّ المسلمَ مُتأسٍّ برسولِ
الإسلامِ لا مَحالةَ، إنْ كان يُريدُ الفَلاحَ في الدُنيا والآخرةِ،
والرسولُ ـ عليه الصلاةُ والسلامُ ـ لم يُعاقِبْ ولم يعاتبْ أحداً من
المشركين الذين دَخَلوا في الإسلامِ بالرَغمِ من أذاهم الشديدِ لَه
ولأتباعِه من المسلمين، علماً أنَّ بعضَهم، كأبي سُفيانَ وخالدٍ بنِ
الوليدِ ـ رضي الله عنهما ـ كان في عنقه الكثير من دماء المسلمين وحقوقِهم،
فلم يَعفُ عنهما وحَسْبُ بل عَرَفَ لهما مكانتَهما في قومِهِما وأعطاهما
أكثرَ ممّا كان لَهما في قريشٍ، فجعل دارَ الأوَّلِ، بمثابة بيت الله
الحرام، ركناً آمناً يَجدُ فيه مَنْ يَلجأُ إليْه الأَمنَ والطُمأنينةَ،
ولم يكن قدْ قدَّمَ شيئاً بعدُ لإسلامِ والمسلمين، وهذا الكرمُ النبويُّ
جعلَه وذريتَه وعشيرتَه يَتفانَوْن في خدمةِ الإسلامِ والمُسلمين فنشروه في
أصقاع الأرض، ومنها هذه التي نعيشُ اليوم عليها، وبَنَوا لنا المجدَ الذي
تغنينا به ونتغنّى إلى قيام الساعةِ، أمّا خالدٌ بنُ الوليدِ فقد ولاه
رسولُ اللهِ ـ صلى اللهُ عليه وسلَّمَ ـ قيادةَ جيوشِ الفَتحِ الإسلاميِّ،
وغنيٌّ عن البيانِ ما قام به خالدٌ في خدمةِ هذا الدين، ولو أنّه ـ عليْه
الصلاةُ والسلامُ ـ حاسَبَهُما وسواهما على ما كان منهم قبلَ الإسلام مِن
أذًى لَه ولأَتباعِه لاخْتَلفتْ الأُمورُ كثيراً.
أمَّا أخونا الدكتور
رياض نعسان آغا فهو ـ وإن تبوأ عدداً من المناصب القياديّة في الحقبة
الماضية ـ فهو لم يَتبوأْها إلّا لكفاءتِه شأنُه شأنَ أيِّ موظَّفٍ في
الدولةِ كبيراً كان أو صغيراً كلٌّ حسب كفاءتِه، وقد قدَّمَ خِدْماتٍ جُلّى
لِبَلَدِه وأهلِه يجب أنْ يُشكرَ عليها، ولم يُؤذِ أحداً مِن أهلِ هذِه
البلدِ ولا مِن غيرِها ـ بحسبِ ما أعلم ـ فالذي لم يستطعْ أنْ يَنفَعه لم
يَضرَّهْ. إذاً فليس في عُنقِه دَمُ أحدٍ ولا عليه حقٌّ لأحدٍ. أمَّا
السفارةُ أو الوَزارةُ فإنَّها لو كانت قدْ عُرِضَتْ عليَّ أو على الأخَ
الكريمِ الذي تَحامَلَ عليْه بِشأنِها ما كان لِيأباها ولا كنتُ كذلك. فكيف
نحاسبه على أمرٍ كنَّا نَتَمنَّاه لأنفُسِنا؟
ثانياً: إنَّ الحُقبةَ
الماضيةَ قد ذهبتْ ـ بإذْنِ الله ـ إلى غيرِ رَجْعةٍ بعُجَرِها وبُجَرِها،
ولو أنَّنا فتَحْنا مثلَ هذا البابِ لم نَستَطِعْ إغْلاقَه إلى قيامِ
الساعةِ، ولَأوقعْنا أنفُسَنا في حَرَجٍ وعَنَتٍ شديدين. وهُنا أَسألُ هذا
الأخَ الكريمَ هل يَستطيعُ أنْ يُوجِّهَ مثلَ هذا الكلامِ إلى جميعِ مَن
كان في السُلطةِ كالأستاذ نذير دويدري مثلاً. أم أنّ للعشائريَّةِ
اعتبارُها من قلَّةٍ وكثرةٍ وقوَّةٍ وضَعف؟.
ثالثاً: إنّ الأمورَ في
المرحلةِ الماضيةِ لم تَكن واضحةً جليَّةً كما هي اليومَ، فقد كان للإعلامِ
دورٌ هامٌّ في طمسِ الحقائقِ وضبابيّةِ الرؤية، ولقد خُدعْنا جميعاً
بأحداثٍ ـ كَحرْبِ تِشْرينَ فرحنا نمجدها والقائمين بها ـ وبشعاراتٍ
وطنيّةٍ، كشعارِ المُقاومَةِ والمُمانَعةِ، وغيرِها من الشعارات الوطنية
والقومية البرَّاقةِ التي خَدَعتِ الكثيرين إلى أنْ حَصحَصَ الحقُّ وجاءت
هذه الثورةُ المباركةُ لِتَكْشِفَ جَميعَ الأوراقِ حتّى سُميتْ بالفاضحة،
ومَن مِنّا لم يَكن يُحبُّ حسن نصر الله ويَنظُرُ إليْه نظرة إكبارٍ
وإجلالٍ لمواقفه الجهاديّة، إلى أنْ أَظهرتْه هذه الثورةُ طائفياً بَغيضاً.
وإذا أردْنا مُحاسَبةَ جميعِ الذين خُدِعوا إذاً لَوجدْنا أنَّ أكثرَ مِن
نِصفِ العالمِ متَّهماً.
ثالثاً: لولا أمثالُ الدُكتور رياض من
المثقفين الواعين والذين كانوا يَتَبوَّؤون مناصبَ قياديّةً في الحزب
الحاكم والدولةِ لمَا كانتْ هذه الثورةُ، لأنّ معظمَ رُوّادِها الأوائل
كانوا في مناصبَ قياديّة إنْ في الحِزْبِ وإنْ في الدولةِ، وما كان
العامَّة إلّا تَبَعاً لَهم معَ عظيمِ تقديري لِجسيمِ تَضحياتِهم لكنّه
مَنطقُ الحياةِ الذي مَحيدَ عنْه.
رابعاً: لو أنَّنا تَخليْنا عن
مُثقّفينا الشرفاء القادرين على قيادةِ المجتمعِ في المرحلة القادمةِ
لأَصبحتِ الأمورُ خبطَ عشواءَ ولَتحوَّلَ انتصارُنا هزيمةً، ولَ كنّا كمن
يقطعُ رأسَه بيدهِ لأنَّ المُثقَّفَ هو عقلُ الُمجتَمعِ وضميرُه، ومجتمعٌ
بِلا مُثقَّفين جِسْمٌ بِلا رأسٍ، فلا حياةَ فيه.
أخيراً أنتظرُ منَ
الأخِ أو الإخوةِ الكِرامِ الذين أخطؤوا بحقِّ أخينا العزيز الدكتور رياض
أنْ يعترِفوا بِخَطئهم ويقدّموا اعتذارَهم، فليس العيبُ أنْ نُخطئَ لكن
العيبَ أنْ نستمرَّ على خطئنا، والاعترافُ بالخطأ فضيلةٌ والاعتذارُ
مَكرُمَةٌ لا يستطيعها إلّا الكِرامُ الكِبارُ أمثالُكم.
وأختمُ
بالصلاةِ والسلامِ على مُعلِّم الناس الخيرَ الهادي البشير من أُرسلَ رحمةً
للعالمين، وآخرُ دعوانا أن الحمدُ لله ربِّ العالمين.