لغةُ الحضارة
ظنُّوا غُلُوّي بالتَسامُحِ ضَعْفا ** وأنا المهنَّدُ إنْ تَجَرَّدَ أعْفى
أنا من (جريرٍ) قد رَوِيتُ و (جَرولٍ) ** وغرفْتُ من بحرِ (الفرزدقِ) غَرْفا
أنا من (لبيدٍ) قد نَهَلْتُ فمَوْرِدي ** أغنى وأنْفَعُ للعِطاشِ وأصفى
ومن (امْرئِ القيس) اسْتَنَرْتُ، فمِشْعلي ** ما زالَ في كلِّ الحَوالكِ يُعْفى
أنا يَعْرُبيٌّ وانتمائي حُلَّةٌ ** أزْهو بها مهما الزمانُ أسَفّا
قوْلي الصُراحُ وما لسوءِ طَوِيَّةٍ ** أنْ يختفي، مهما المموِّهُ أَضْفى
فإذا كَرِهْتُ فإنَّ كُرْهيَ واضِحٌ ** وإذا وَدَدْتُ شَرِبْتَ وِدِّيَ صِرْفا
ما المَكرُ من شِيَمِ الرجالِ .. وإنَّ لي ** من كلِّ ما يُرضي الرجولَةَ ضِعْفا
أُغضي عن الزّلَلِ الكثيرِ وإنّني ** لأشَدُّ من رَدَّ الجِماحَ وأكْفا
وأعُفُّ عن حقّي لأُرضي صاحبي ** أوْ شانئي إنْ كان ذلك أوفى
نِعْمَ الحقوقُ بضاعةً يُشْرى بها ** وُدُّ القلوبِ الحانقاتِ لتَشْفى
...
يا مَنْ أَصاخَ لكلِّ صوتٍ ناشزٍ ** ظَنَّ التنكُّرَ للأصالةِ ظَرْفا
وهْمُ الحداثةِ لن يُضَلِّلَ أمَّتي ** عمّا يُمَوَّهُ بالحَديثِ ويُخفى
لُغةُ الحضارةِ يومَ سادتْ أُمَّتي ** هذي الدُنا أنّى تُسامُ وتُجْفى؟
فإذا أضاعَ الطفلُ يوماً أمَّهُ ** وأباه كان لذي المآربِ أهْفى
ماذا يَضُرُّ الشعرُ جذلاً واضحاً ** سهلَ التناولِ للعُفاة مُقفّى؟
أمْ أَنَّ رُوّادَ الحديثِ يخيفُهم ** كشفُ الغطاءِ؟ ومَنْ تَخوَّفَ أخفى