روضة الشاعر عبد القادر الأسود
بعد الصلاة على الرحمة المهداة

أهلا وسهلا بك في روضتنا

يسرنا تسجيلك

روضة الشاعر عبد القادر الأسود
بعد الصلاة على الرحمة المهداة

أهلا وسهلا بك في روضتنا

يسرنا تسجيلك

روضة الشاعر عبد القادر الأسود
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

روضة الشاعر عبد القادر الأسود

منتدى أدبي اجتماعي يعنى بشؤون الشعر والأدب والموضوعات الاجتماعي والقضايا اللإنسانية
 
مركز تحميل الروضةالرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
بسـم الله الرحمن الرحيم  :: الحمد لله رب العالمين * الرحمن الرحيم * مالك يوم الدين * إياك نعبد وإياك نستعين * إهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين أنعمت عليهم * غير المغضوب عليهم ولا الضــالين ....  آميـــن

 

 فيض العليم ... سورة آل عمران، الآية: 144

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
عبد القادر الأسود

¤° صاحب الإمتياز °¤
¤° صاحب الإمتياز °¤
عبد القادر الأسود


عدد المساهمات : 3986
تاريخ التسجيل : 08/09/2011
العمر : 76
المزاج المزاج : رايق
الجنس : ذكر
فيض العليم ... سورة آل عمران، الآية:  144 Jb12915568671



فيض العليم ... سورة آل عمران، الآية:  144 Empty
مُساهمةموضوع: فيض العليم ... سورة آل عمران، الآية: 144   فيض العليم ... سورة آل عمران، الآية:  144 I_icon_minitimeالأحد مارس 17, 2013 4:59 am

وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ
قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ
وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي
اللَّهُ الشَّاكِرِينَ.
(144)


قوله
ـ تعالى: {
وَمَا
مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرسل
} رُوِيَ أنَّه لمَّا الْتَقتِ الفِئتانِ يَومَ أُحُدٍ
وحَمِيَتِ الحَرْبُ قال رسولُ الله ـ صلى اللهُ عليه وسلَّم: ((مَن يأخُذُ هذا
السيفَ بحقِّه ويَضربُ به العدوَّ حتّى ينحني؟)) فأخذَه أبو دُجانةَ (سِماكُ بنُ خَرَشَة
الأنصاريُّ) ثمَّ تعمَّمَ بعِمامةٍ حمراءَ وجعلَ يَتبختَرُ ويقول:



أنا الذي عاهدني خليلي ....................
ونحن بالسفحِ لدى النخيلِ



أنْ لا أَقومَ الدهرَ في الكُبولِ
................ أَضربْ بسيفِ اللهِ والرسولِ



فقال
رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم: إنَّها لَمِشْيَةٌ يُبْغِضُها اللهُ ورسولُه إلَّا
في هذا المَوْضِعِ، فجعلَ لا يَلقى أَحَداً إلَّا قتَلَهُ، وقاتلَ عليٌّ ـ كرم
الله ـ وجهَه يومَها قتالاً شديداً حتّى الْتَوَى سيفُه. ووقفَ حمزةُ بنُ عبدِ
المُطَّلِبِ ـ رَضِيَ اللهُ عنْه ـ يُقاتِلُ بيْن يَدَيْ رسولِ اللهِ ـ صلى اللهُ
عليْه وسلَّم ـ بسيفيْن وهو يَقولُ أنا أَسَدُ اللهِ، حتّى قتَلَ أَحَدَ النَّفَرِ
الذين كانوا يَحملون اللواءَ مِنْ بَني عبدِ الدارِ، كما قَتَلَ يومَها ثلاثةً
وعشرين مِنْ كُفَّارِ قُريشٍ، ولمَّا قَتَلَ أصحابَ لواءِ المُشركين واحدًا بعدً
واحدٍ ولم يَقدِرْ أحدٌ أنْ يَدْنُوَ منْه انهزَم المُشركون وولُّوا الأدبار لا
يلوون على شيءٍ، ونساؤهم يَدعون بالويلِ بعدَ فرحِهم وضَرْبِهم بالدُفوفِ، وأَلقيْنَ
الدُفوفَ وقصَدْنَ الجبلَ كاشفاتٍ سيقانَهُنَّ يَرْفَعْنَ ثِيابَهُنَّ، وتَبِعَ
المُسلمون المُشركين يَضعون فيهم السلاحَ ويَنتَهِبون الغَنائمَ، ففارقتِ الرُماةُ
مَحَلَّهم الذي أَمَرَهم ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنْ لا يُفارقوه، ونَهاهم أميرُهم
عبدُ اللهِ بنُ جُبيْرٍ فقالوا لَه: انْهَزَمَ المُشركون فمَا مُقامًنا ههنا؟
وانطلقوا يَجمعونَ الغنائم، وثَبَتَ عبدُ اللهِ بنُ جُبيْرٍ مكانَه، وثَبَتَ معه
دونَ العَشَرةِ وقالَ لا أُجاوِزُ أَمرَ رسولِ اللهِ ـ صلى اللهُ عليْه وسلَّمَ ـ فنَظَرَ
خالدٌ بنُ الوليدِ إلى خَلاءِ الجَبَلِ مِن الرُّماةِ وقِلَّةِ مَن بِه منهم، فَكَرَّ
بالخيلِ ومعه عِكْرِمَةُ بنُ أَبي جَهْلٍ، فحَمَلوا على مَنْ بَقِيَ مِنَ الرُّماةِ
فقَتَلوهم مَعَ أَميرِهم عبدِ اللهِ بنِ جُبَيْرٍ. فبينَما المسلمون قد شُغِلوا
بالغنائم والأَسْرِ، إذْ دَخَلَتْ خُيولُ المُشرِكين تُنادي فرْسانَها بِشِعارِها
يا لَلْعُزَّى يا لَهُبَلْ وَوَضَعوا السُّيوفَ في المُسلمين وهُمْ آمنون، وتفرَّقَ
المُسلِمون في كلِّ وجْهٍ وتَرَكوا ما انْتَهَبُوا وخَلُّوا مَنْ أَسَروا، وانْتَفَضتْ
صُفوفُ المُسلمين واختلطتْ، وصار المسلمونَ يَضربُ بعضُهم بعضًا مما أصابَهم مِنَ
الدَهشةِ والحِيرةِ. وعندما فَرَّ مَنْ فَرَّ مِنَ المسلمين، وَقَفَ حمزةٌ بنُ عبدِ
المُطلبِ ـ رضي الله عنه ـ وسَطَ الفريقيْن ـ وكان يَضَعُ ريشةَ نَعامٍ على
صَدْرِهِ ـ قائلاً: اللهمَّ إنِّي أَبْرَأُ إليكَ ممَّا جاءَ به هؤلاء ـ يعني
كفَّارَ قُريشٍ ـ وأَعتذرُ إليك عمَّا فعَلَ هؤلاءِ ـ يعني الذين تولّوا من
المسلمين ـ فبينما هو كذلك إذْ عَثَرَ عَثْرةً وَقَعَ منها على ظهرِه فانْكَشَفتْ
الدِّرْعُ عن بَطنِهِ فَرَماهُ وحْشِيٌّ الحَبَشِيُّ بحربتِه من بعيد. وكانت هند
زوج أبي سفيان قد وعدته بعتق رقبته إن هو قتل الحمزة ثأراً لقتلاها في بدر.



يَقولُ
وَحْشيٌّ: خَرَجتُ أَنْظُرُ حمزةَ حتَّى رأيتُه في عُرْضِ الناسِ مثلَ الجَمَلِ
الأَوْرقِ يَهُدُّ الناسَ بِسيفِه هَدًّا ما يَقومُ له شيءٌ، فواللهِ إنِّي لَأَتَهَيَّأُ
لَه أُريدُهُ وأَسْتَتِرُ منه بِشجرةٍ أو بِحَجَرٍ لِيَدْنوَ منِّي إذْ تَقَدَّمَني
إليْه سِباعُ بنُ عبدِ العُزّى الغَبشانيِّ، فلمَّا رآهُ حمزةُ قال لهُ هَلُمَّ
إليَّ يا بنَ مُقَطِّعةِ البُظورِ ـ وكانتْ أُمُّه خَتَّانةً بِمَكَّةَ ـ قال فَضَرَبَه
ضَرْبَةً فكأنَّما أَخطأ رأسَه، قال: وهَزَزْتُ حَرْبَتي حتَّى إذا رضيتُ منها دَفَعْتُها
عليْه فَوَقَعَتْ في ثَنْيَتِه حتَّى خَرَجتْ مِن بيْن رِجليْه، وذَهَبَ لِينوءَ
نحوي فغُلِبَ، وتَركتُه وإيَّاها حتَّى ماتَ، ثمَّ أَتيتُه فأخذتُ حَربتي ورَجَعتُ
إلى العَسْكَرِ، فقَعَدْتُ فيه ولم تَكُنْ لي بِغيرِه حاجةٌ إنَّما قَتَلتُه لأُعْتَقَ.



وحَزِنَ
عليه رسولُ اللهِ ـ صلى اللهُ عليْه وسلَّم ـ حُزْناً شديداً، يَقولُ عبدُ اللهِ بنُ
مَسْعودٍ ـ رضيَ اللهُ عنْه: ما رأيْنا رَسولَ اللهِ ـ صلى اللهُ عليْه وسلَّمَ ـ باكياً
قطُّ أشدَّ مِن بُكائِه على
عَمِّهِ حَمزة بنِ
عبدِ المُطَّلِبِ. وضَعَه في القِبلةِ، ثمَّ وَقَفَ على
جَنازَتِه وانْتَحَبَ حتَّى نَشَعَ (شَهَقَ)من البُكاء. ونساءُ المدينةِ كلُّهنَّ بَكِينَه.
فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ـ رضي الله عنه ـ قَالَ: لَمَّا رَجَع النَّبِيُّ ـ صَلَّى
الله عَلَيه وسَلَّم ـ مِنْ أُحُدٍ سَمِعَ نِسَاءَ الأَنْصَارِ يَبْكِينَ، فَقَالَ:
لكنَّ حَمْزَةُ لاَ بَوَاكِي لَهُ، فَبَلَغَ ذَلِكَ نِسَاءَ الأَنْصَارِ فَبَكَيْنَ
حَمْزَةَ، فَنَامَ رَسُولُ اللهِ ثُمَّ اسْتَيْقَظَ وَهُنَّ يَبْكِينَ، فَقَالَ:
يَا وَيْحَهُنَّ، أَمَا زِلْنَ يَبْكِينَ مُنْذُ الْيَوْمِ، فَلْيَبْكِينَ، وَلاَ
يَبْكِينَ عَلَى هَالِكٍ بَعْدَ الْيَوْمِ.



وقَالَتْ
صَفِيّةُ بِنْتُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ تَبْكِي أَخَاهَا حَمْزَةَ ـ رضي الله عنهما:



أَسَائِلَةٌ أَصْحَابَ أُحْدٍ مَخَافَةً .................
بَنَاتُ أَبِي مِنْ أَعْجَمٍ وَخَبِيرِ



فَقَالَ الْخَبِيرُ أَنَّ حَمْزَةَ قَدْ ثَوَى ...............
وَزِيرُ رَسُولِ اللّهِ خَيْرُ وَزِيرِ



دَعَاهُ إلَهُ الْحَقّ ذُو الْعَرْشِ دَعْوَةً ................
إلَى جَنّةٍ يَحْيَا بِهَا وَسُرُورِ



فَذَلِكَ مَا كُنّا نُرْجِي وَنَرْتَجِي ..............
لِحَمْزَةَ يَوْمَ الْحَشْرِ خَيْرُ مَصِيرِ



فَوَاَللّهِ لَا أَنْسَاك مَا هَبّتِ الصّبَا ...........
بُكَاءً وَحُزْنًا مَحْضَرِي وَمَسِيرِي



عَلَى أَسَدِ اللّهِ الّذِي كَانَ مِدْرَهَا ..............
يَذُودُ عَنْ الْإِسْلَامِ كُلّ كَفَوْرِ



فَيَا لَيْتَ شِلْوِي عِنْدَ ذَاكَ وَأَعْظُمِي ...........
لَدَى أَضْبُعٍ تَعْتَادَنِي وَنُسُورِ



أَقُولُ وَقَدْ أَعْلَى النّعِيُّ عَشِيرَتِي ............
جَزَى اللّهُ خَيْرًا مِنْ أَخٍ وَنَصِيرِ



قولها:
كان مدرها أي كان عظيمها.



وَقَالَ
حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ يَبْكِي حَمْزَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُطّلِبِ ـ رضي الله عنهما:



أَتَعْرِفُ الدّارَ عَفَا رَسْمُهَا .................
بَعْدَك صَوْبَ الْمُسَنْبَلِ الْهَاطِلِ



بَيْنَ السّرَادِيحِ فَأُدْمَانَةٍ ........................
فَمَدْفَعِ الرّوْحَاءِ فِي حَائِلِ



سَاءَلْتهَا عَنْ ذَاكَ فَاسْتَعْجَمَتْ ...............
لَمْ تَدْرِ مَا مَرْجُوعَةُ السّائِلِ؟



دَعْ عَنْك دَارًا قَدْ عَفَا رَسْمُهَا ...............
وَابْكِ عَلَى حَمْزَةَ ذِي النّائِلِ



الْمَالِئِ الشّيزَى إذَا أَعْصَفَتْ .............
غَبْرَاءُ فِي ذِي الشّيْمِ الْمَاحِلِ
(1)


وَالتّارِكِ الْقِرْنَ لَدَى لِبْدَةٍ .................
يَعْثُرُ فِي ذِي الْخُرُصِ الذّابِلِ
(2)


وَاللّابِسِ الْخَيْلَ إذْ أَجْحَمَتْ ................
كَاللّيْثِ ـ فِي غَابَتِهِ ـ الْبَاسِلِ



أَبْيَضُ فِي الذّرْوَةِ مِنْ هَاشِمٍ ..................
لَمْ يَمُرّ دُونَ الْحَقّ بِالْبَاطِلِ



مَالَ شَهِيدًا بَيْنَ أَسْيَافِكُمْ ....................
شُلّتْ يَدا وَحْشِيِّ مِنْ قَاتِلِ



أَيُّ امْرِئٍ غَادَرَ فِي أَلّةٍ ...........................
مَطْرُورَةٍ مَارِنَةِ الْعَامِلِ
(3)


أَظْلَمَتِ الْأَرْضُ لِفِقْدَانِهِ .......................
وَاسْوَدَّ نُورُ الْقَمَرِ النّاصِلِ



صَلّى عَلَيْهِ اللّهُ فِي جَنّةٍ ...........................
عَالِيَةٍ مُكْرَمَةِ الدّاخِلِ



كُنّا نَرَى حَمْزَةَ حِرْزًا لَنَا ........................
فِي كُلّ أَمْرٍ ـ نَابَنَا ـ نَازِلِ



وَكَانَ فِي الْإِسْلَامِ ذَا تُدْرَإِ ...................
يَكْفِيك فَقْدَ الْقَاعِدِ الْخَاذِلِ



لَا تَفْرَحِي يَا هِنْدُ وَاسْتَحْلِبِي ....................
دَمْعًا وَأَذْرِي عَبْرَةَ الثّاكِلِ



وَأَبْكِي عَلَى عُتْبَةَ إذْ قَطّهُ ................
بِالسّيْفِ تَحْتَ الرّهْجِ الْجَائِلِ
(4)


إذَا خَرَّ فِي مَشْيَخَةٍ مِنْكُمُ ....................
مِنْ كُلِّ عَاتٍ قَلْتَةُ جَاهِلِ
(5)


أَرْدَاهُمْ حَمْزَةُ فِي أُسْرَةٍ ....................
يَمْشُونَ تَحْتَ الْحَلَقِ الْفَاضِلِ



غَدَاةَ جِبْرِيلَ وَزِيرٌ لَهُ ...........................
نِعْمَ وَزِيرُ الْفَارِسِ الْحَامِلِ



(1)الشيزى:
خشبة سوداء. (2)الخرص: البردُ والجوع. (3)مطرورة: محفوفة، محدَّدةٌ. (4) الرهج:
الغبار المُثار. (5) القلتة: الهالك.



وَقَالَ
كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ ـ أيضاً ـ يَبْكِيه:



طَرَقَتْ هُمُومُك فَالرّقَادُ مُسَهَّدُ .......
وَجَزِعْتَ أَنْ سُلِخَ الشّبَابُ الْأَغْيَدُ
(1)


وَدَعَتْ فُؤَادَك لِلْهَوَى ضَمْرِيّةٌ ..............
فَهَوَاك غَوْرِيٌّ وَصَحْوُك مُنْجِدُ



فَدَعْ التّمَادِي فِي الْغَوَايَةِ سَادِرًا ...........
قَدْ كُنْت فِي طَلَبِ الْغَوَايَةِ تُفْنَدُ



وَلَقَدْ أَتَى لَك أَنّ تَنَاهَى طَائِعًا ..............
أَوْ تَسْتَفِيقَ إذَا نَهَاك الْمُرْشِدُ



وَلَقَدْ هُدِدْتُ لِفَقْدِ حَمْزَةَ هَدَّةً ............
ظَلّتْ بَنَاتُ الْجَوْفِ مِنْهَا تَرْعَدُ



وَلَوْ انَّهُ فُجِعَتْ حِرَاءٌ بِمِثْلِهِ ..................
لَرَأَيْت رَأْسِيْ صَخْرِهَا يَتَبَدّدُ



قَرْمٌ تَمَكَّنَ فِي ذُؤَابَةِ هَاشِمٍ ................
حَيْثُ النُّبُوَّةُ وَالنَّدَى وَالسُّؤْدَدُ



وَالْعَاقِرُ الْكُومَ الْجِلَادَ إذَا غَدَتْ ...........
رِيحٌ يَكَادُ الْمَاءُ مِنْهَا يَجْمُدُ
(2)


وَالتّارِكُ الْقِرْنَ الْكَمِيّ مُجَدّلًا .................
يَوْمَ الْكَرِيهَةِ وَالْقَنَا يَتَقَصّدُ



وَتَرَاهُ يَرْفُلُ فِي الْحَدِيدِ كَأَنّهُ ................
ذُو لِبْدَةٍ شَثْنُ الْبَرَاثِنِ أَرْبَدُ
(3)


عَمّ النّبِيّ مُحَمّدٍ وَصَفِيّهُ ..................
وَرَدَ الْحِمَامَ فَطَابَ ذَاكَ الْمَوْرِدُ



وَأَتَى الْمَنِيَّةَ مُعْلَمًا فِي أُسْرَةٍ ............
نَصَرُوا النَّبِيّ وَمِنْهُمْ الْمُسْتَشْهَدُ
(4)


وَلَقَدْ إخَالُ بِذَاكَ هِنْدًا بُشّرَتْ ...............
لَتُمِيتُ دَاخِلَ غُصَّةٍ لَا تَبْرُدُ



مِمَّا صَبَحْنَا بِالْعَقَنْقَلِ قَوْمَهَا ..............
يَوْمًا تَغَيَّبَ فِيهِ عَنْهَا الْأَسْعَدُ
(5)


وَبِبِئْرِ بَدْرٍ إذْ يَرُدُّ وُجُوهَهُمْ ...................
جِبْرِيلُ تَحْتَ لِوَائِنَا وَمُحَمَّدُ



حَتّى رَأَيْت لَدَى النّبِيِّ سَرَاتَهُمْ ............
قِسْمَيْنِ: يُقْتُلُ مَنْ نَشَاءُ وَيُطْرُدُ



فَأَقَامَ بِالْعَطَنِ الْمُعَطِّنِ مِنْهُمْ ...............
سَبْعُونَ عُتْبَةُ مِنْهُمْ وَالْأَسْوَدُ
(6)


وَابْنُ الْمُغِيرَةِ قَدْ ضَرَبْنَا ضَرْبَةً ...............
فَوْقَ الْوَرِيدِ لَهَا رَشَاشٌ مُزِيدُ



وَأُمَيّةُ الْجُمَحِيُّ قَوَّمَ مَيْلَهُ ..................
عَضْبٌ بِأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ مُهَنَّدُ



فَأَتَاكِ فَلُّ الْمُشْرِكِينَ كَأَنَّهُمْ .................
وَالْخَيْلُ تَثْفِنُهُمْ نَعَامٌ شُرّدُ
(7)


شَتّانَ مَنْ هُوَ فِي جَهَنّمَ ثَاوِيًا .............
أَبَدًا وَمَنْ هُوَ فِي الْجِنَانِ مُخَلّدُ



(1) أَيْ
الْأَغْيَدُ صَاحِبُهُ وَهُوَ النّاعِمُ. (2) الكوم: الأسنمة، أي الكريم الذي يعقر
اللإبل ليُطعم. (3) شثن البراثن: غليظ الأصابع. (4) المُعلَم:
الذي يفعل فعالاً، يكون له
علماً، والذي أشهر نفسَه حتى يعرف بها في الحرب. (5) صبحنا بالعقنقل قومها: أي
سقيناهم الصبوحَ في الرمال المتلبِّدة المنعقدة. (6) العطن المعطّن: المكان الذي
تنوخ فيه الإبل، أي أقاموا في مكان وسِخ. (7) تَثْفِنُهُمْ أَيْ تَتَّبِعُ
آثَارَهُمْ وَأَصْلُهُ مِنْ ثَفِنَاتِ الْبَعِيرِ وَهُوَ مَا حَوْلَ الْخُفّ
مِنْهُ.



وَقَالَ
عَبْدُ اللّهِ بْنُ رَوَاحَةَ أيضاً يَبْكِي حَمْزَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُطّلِبِ:



بَكَتْ عَيْنِي وَحُقَّ لَهَا بُكَاهَا ..................
وَمَا يُغْنِي الْبُكَاءُ وَلَا الْعَوِيلُ



عَلَى أَسَدِ الْإِلَهِ غَدَاةَ قَالُوا ....................
أَحَمْزَةَ ذَاكُمْ الرّجُلُ الْقَتِيلُ



أُصِيبَ الْمُسْلِمُونَ بِهِ جَمِيعًا ................
هُنَاكَ وَقَدْ أُصِيبَ بِهِ الرّسُولُ



أَبَا يَعْلَى لَك الْأَرْكَانُ هُدّتْ ..................
وَأَنْتَ الْمَاجِدُ الْبَرُّ الْوَصُولُ



عَلَيْك سَلَامُ رَبّك فِي جِنَانٍ ......................
مُخَالِطُهَا نَعِيمٌ لَا يَزُولُ



أَلَا يَا هَاشِمَ الْأَخْيَارِ صَبْرًا ....................
فَكُلُّ فِعَالِكُمْ حَسَنٌ جَمِيلُ



رَسُولُ اللّهِ مُصْطَبِرٌ كَرِيمٌ ........................
بِأَمْرِ اللّهِ يَنْطِقُ إذْ يَقُولُ



أَلَا مَنْ مُبْلِغٍ عَنّي لُؤَيًّا ...........................
فَبَعْدَ الْيَوْمِ دَائِلَةٌ تَدُولُ



وَقَبْلَ الْيَوْمِ مَا عَرَفُوا وَذَاقُوا ....................
وَقَائِعَنَا بِهَا يُشْفَى الْغَلِيلُ



نَسِيتُمْ ضَرْبَنَا بِقَلِيبِ بَدْرٍ ....................
غَدَاةَ أَتَاكُمْ الْمَوْتُ الْعَجِيلُ



غَدَاةَ ثَوَى أَبُو جَهْلٍ صَرِيعًا ....................
عَلَيْهِ الطّيْرُ حَائِمَةٌ تَجُولُ



وَعُتْبَةُ وَابْنُهُ خَرّا جَمِيعًا .....................
وَشَيْبَةُ عَضّهُ السّيْفُ الصّقِيلُ



وَمَتْرَكُنَا أُمَيّةَ مُجْلَعِبًّا ...........................
وَفِي حَيْزُومِهِ لَدْنٌ نَبِيلِ
(1)


وَهَامُ بَنِي رَبِيعَةَ ـ سَائِلُوهَا ـ ......................
فَفِي أَسْيَافِنَا مِنْهَا فُلُولُ



أَلَا يَا هِنْدُ فَابْكِي لَا تَمَلّي ...................
فَأَنْتِ الْوَالِهُ الْعَبْرَى الْهَبُولُ



أَلَا يَا هِنْدُ لَا تُبْدِي شِمَاتًا ........................
بِحَمْزَةَ إنْ عَزَّكُمْ ذَلِيلُ



(1) المجلعب: المضطجع،والحيزوم الصدر.


ومما كان في هذه المعركة أنَّه لمّا أَنْزَلَ اللهُ ـ تعالى
ـ النصرَ على المسلمين وأَدبَرَ المُشركون وترك الرُّماةُ أماكنَهم يَجمعون
الغنيمةَ مخالفين أمرَ رسولِ الله ـ صلى الله عليه وسلَّمَ ـ إلَّا قليلاً منهم ورأى
خالدٌ بنُ الوليدِ قلَّةَ الرُّماةِ واشتغالَ الناسِ بالغنيمةِ، ورأى ظهورَ
المُسلمين خاليةً، صاح في خيلِه وحَمَلَ على أصحابِ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلَّم
ـ مِن خلفِهم في مئتين وخمسينَ فارساً ففرَّقوهم وقتلوا نحواً من ثلاثين رجلاً،
ورمى عبدُ اللهِ بنُ قَميئةَ الحارِثيُّ رسولَ اللهِ صلى اللهُ عليْه وسلَّمَ بحجرٍ
فَكَسَرَ رباعِيَّتَه وشَجَّ وجهَهُ الكريم، وأَقبلَ يُريدُ قتلَه، فَذَبَّ عنْه مُصعب
بنُ عُميرٍ صاحبُ الرايةِ ـ رضيَ اللهُ تعالى عنه ـ حتَّى قتَلَه ابنُ قَميئة. وقيلَ:
إنَّ الرامي هو عُتبةُ بنُ أبي وقَّاصٍ، فرَجَع وهو يَرى أنَّه قَتَلَ رسولَ اللهِ
ـ صلى اللهُ عليْه وسَلَّم ـ فقال: إنِّي قتلتُ محمَّداً وصَرَخَ صارخٌ لا أحدٌ يدري
من هو حتى قيلَ: إنَّه إبليسُ، أَلا إنَّ محمَّداً قد قُتِلَ فانْكَفَأَ الناسُ،
وجَعَلَ رسولُ اللهِ ـ صلى اللهُ عليه وسلَّم ـ يَدعو: إليَّ عبادَ اللهِ، فاجْتَمَعَ
إليْه ثلاثون رَجُلاً فحَمُوهُ حتَّى كَشَفوا عنْه المُشركين، ورَمى سعدٌ بنُ أبي
وقّاص حتّى انْدَقَّتْ سِيَةُ قوسِه، ونَثَلَ لهُ رسولُ اللهِ ـ صلى اللهُ عليْه
وسلَّم ـ كِنانَتَه، وكان يقول: ((ارْمِ فِداكَ أبي وأُمّي)) وأُصيبتُ يَدُ طَلحةَ
بنِ عُبَيْدِ اللهِ فيَبِسَتْ، وعَيْنُ قَتادةَ حتِّى وَقَعَتْ على وَجنتِه، فأعادَها
رسولُ اللهِ ـ صلى اللهُ عليه وسلَّم ـ فعادت كأَحسَن ما كانت، فلمّا انْصَرَفَ
رسولُ اللهِ أدركه أبيّ بنُ خَلَفٍ الجُمَحِيُّ وهو يقول: لا نَجَوْتُ إنْ نَجَوْتَ،
فقال القوم: يا رسول اللهِ أَلا يَعطِفُ عليْه رجلٌ منَّا، فقال: ((دَعوهُ)) حتَّى
إذا دَنا منْه تَناوَلَ رسولُ اللهِ ـ صلى اللهُ عليْه وسلَّم ـ الحربةَ مِن الحَرْثِ
بنِ الصِّمَّةِ، ثمَّ استقبَلَه فَطَعَنَه في عُنُقِه وخَدَشَه خَدْشَةً فتَدَهْدَى
مِنْ فَرَسِه وهو يَخورُ كما يَخورُ الثورُ وهو يَقول: قَتَلني محمَّدٌ، وكان أُبيّ
قبلَ ذلك يَلقى رسولَ اللهِ ـ صلى اللهُ عليه وسلَّمَ ـ فيقول: عندي رَمْكةٌ أَعْلِفُها
كلَّ يومٍ فِرْقَ ذُرَةٍ أَقتُلُك عليها، ورَسولُ اللهِ ـ صلى اللهُ عليْه وسلَّمَ
ـ يقولُ له: بلْ أنَا أَقتُلُك ـ إنْ شاءَ اللهُ تعالى ـ فاحتَمَلَه أصحابُه
وقالوا: ليس عليك بأسٌ، قال: بَلى لو كانت هذه الطَعْنَةُ بِرَبيعةَ ومُضَرٍ لَقَتَلَتْهم،
أَلَيْسَ قال لي: أَقتُلكَ؟ فلو بَزَقَ عليَّ بعدَ تلكَ المَقالةِ قتَلَني، فلم يَلْبَثْ
إلَّا يَوماً حتَّى ماتَ.



ولمَّا
فشَا في الناسِ أنَّ رسولَ اللهِ ـ صلى اللهُ عليه وسلَّم ـ قد قُتِلَ قال بعضُ
المُسلمين: ليتَ لَنا رسولاً إلى عبدِ اللهِ بنِ أُبَيٍّ فيَأخُذَ لنا أَماناً مِنْ
أبي سُفيان، وبعضُهم جَلَسوا وأَلقوا بأيديهم. وقال أناسٌ مِنْ أهلِ النِّفاقِ إنْ
كان محمَّدٌ قد قُتِلَ فالْحَقوا بِدينِكم الأوَّل، فقال أنس بنُ النَّضْرِ عمُّ
أنسٍ بنِ مالك: إنْ كان محمَّدٌ قد قُتِلَ فإنَّ رَبَّ محمَّدٍ لم يُقْتَلْ، وما تَصنعون
بالحياةِ بعدَ رسولِ اللهِ؟ فقاتِلوا على ما قاتَلَ عليْه ومُوتوا على ما مات عليْه،
ثمَّ قال: اللهمَّ إنّي أَعتَذِرُ إليْكَ ممَّا قالَ هؤلاءِ يَعني المُسلمين وأَبْرَأُ
إليْك عمّا قال هؤلاءِ ـ يَعني المُنافقين ـ ثمَّ شَدَّ بسيفِهِ فقاتَلَ حتَّى قُتِلَ
رضيَ اللهُ عنه.



ورُويَ
أنَّ أوَّلَ مَنْ عَرَفَ رسولَ اللهِ ـ صلى اللهُ عليْه وسلَّمَ ـ كعب بنُ مالكٍ،
قال: (عَرَفْتُ عَيْنَيْهِ تحتَ المَغْفَرِ تُزْهِران فَنَاديْتُ بأعلى صوتي يا
معشرَ المُسلمين: أَبْشِروا هذا رسولُ اللهِ. فأشارَ إليَّ أنِ اسْكُتْ فانْحازَتْ
إليْه طائفةٌ من أصحابِه ـ رضيَ اللهُ تَعالى عنهم ـ فلامَهم النَبِيُّ عليْه الصلاةُ
والسلامُ ـ على الفرارِ فقالوا: يا رسولَ اللهِ فديْناك بآبائنا وأبنائِنا أَتانا
الخبرُ بأنَّك قُتلتَ فرعبت قلوبُنا فولَّيْنا مُدبِرين) فأَنزَلَ اللهُ تعالى هذه
الآية.



قولُه:
{
أَفَإن مَّاتَ أَوْ قُتلَ
انقلبتم على أعقابكم
} الانْقلابُ
على الأعقابِ في الأصل ِالرجوعُ القَهقْرَى، وأُريدَ به الارْتِدادُ والرُّجوعُ
إلى ما كانوا عليه من الكُفرِ في المَشهورِ، والغَرضُ إنْكارُ ارْتِدادِهم عنِ الدِّينِ
بِخُلُوِّهِ ـ صلى الله عليه وسلَّم ـ بموتِ أو قُتِلَ بعدَ عِلمِهم بِخُلوِّ الرُسُلِ
قبلَه وبقاءِ دينِهم مُتَمَسَّكًا به، واسْتُشْكِلَ بأنَّ القومَ لم يَرتدّوا فكيف
عَبَّرَ بالانقلاب على الأعقابِ المُتبادرِ منه ذلك؟ وأُجيبَ بأنَّه ليسَ المُرادُ
الارتدادَ حقيقةً وإنَّما هو تغليظٌ عليهم فيما كان منهم من الفرار والانكشاف عن
رسول الله، وإسلامِهم إيَّاه للهلاك، وقيل: هو إخبار عمَّا وقعَ لأهلِ الرِدَّةِ
بعدَ موتِه ـ صلى الله عليه وسلَّم ـ وتعريضٌ بما وَقَعَ مِن الهزيمةِ لِشَبَهِهِ
به.وحَمَلَ بعضُهم الانقلابَ هنا على نقصِ الإيمانِ لا الكفرِ بعدَه.



وذهب
بعضُهم إلى القول بأنَّ المَعنى لا ينبغي أنْ تَجعلوا خُلُوَّ الرسلِ قبلَه سبباً
لانقلابِكم على أعقابِكم بعدَ موتِه أو قَتْلِه بَلِ اجعلوه سبَباً للتَمَسُّكِ بِدينِه
كما هو حُكمُ سائرِ الأنبياءِ.



ورُوِيَ
أَنَّ هَذه الآيةِ قد نَزَلَتْ بِسَبَبِ انْهِزَامِ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ أُحُدٍ
حِينَ صَاحَ الشَّيْطَانُ: قَدْ قُتِلَ مُحَمَّدٌ. قَالَ عَطِيَّةُ الْعَوْفِيُّ:
فَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: قَدْ أُصِيبَ مُحَمَّدٌ فَأَعْطُوهُمْ بِأَيْدِيكُمْ
فَإِنَّمَا هُمْ إِخْوَانُكُمْ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنْ كَانَ مُحَمَّدٌ قَدْ
أُصِيبَ أَلَا تَمْضُونَ عَلَى مَا مضى عليه نبيُّكم حتَّى تَلْحَقُوا بِهِ،
فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ: "
وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ
قَبْلِهِ الرُّسُلُ
"
إلى قوله: {
فَآتاهُمُ
اللَّهُ ثَوابَ الدُّنْيا
} آل
عمران: 148. فَأَعْلَمَ اللَّهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ الرُّسُلَ
لَيْسَتْ بِبَاقِيَةٍ فِي قَوْمِهَا أَبَدًا، وَأَنَّهُ يَجِبُ التَّمَسُّكَ بِمَا
أَتَتْ بِهِ الرُّسُلُ وَإِنْ فُقِدَ الرَّسُولُ بِمَوْتٍ أَوْ قَتْلٍ.



وَأَكْرَمَ
الله ـ سبحانه ـ نَبِيَّهُ عَلَيْهِ الصلاةُ وَالسَلامُ ـ وَصَفِيَّهُ،
بِاسْمَيْنِ مُشْتَقَّيْنِ مِنَ اسْمِهِ: مُحَمَّدٌ وَأَحْمَدُ، وتقول الْعَرَبُ:
رَجُلٌ مَحْمُودٌ وَمُحَمَّدٌ إِذَا كَثُرَتْ خِصَالُهُ الْمَحْمُودَةِ، قَالَ الأعشى:



إِليكَ أَبَيْتَ الَّلْنَ كانَ كَلَالُها .......... إِلَى الْمَاجِدِ الْقَرْمِ
الْجَوَادِ الْمُحَمَّدِ



وَقَالَ
عَبَّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ:



يَا خَاتِمَ النُّبَآءِ إِنَّكَ مُرْسَلٌ ...............
بِالْخَيْرِ كُلُّ هُدَى السَّبِيلِ هُدَاكَا



إِنَّ الْإِلَهَ بَنَى عَلَيْكَ مَحَبَّةً .....................
فِي خَلْقِهِ وَمُحَمَّدًا سَمَّاكَا



ومحمَّدٌ
عَلَمٌ لِنبيِّنا ـ صلى اللهُ عليه وسلم ـ منقولٌ من اسْمِ المَفعولِ مِن حَمِدَ
المُضاعفِ لغةً بالتشديد "محمَّد"، سمَّاه بِه جَدُّه عبدُ المُطَّلِبِ
لِسابعِ وِلادتِه لِموتِ أبيه قبلَها، ولمَّا سُئلَ عن ذلك قال لرؤيةٍ رآها: رَجَوْتُ
أنْ يُحمَدَ في السماءِ والأرضِ، ومعناه قبلَ النَقلِ، مَنْ يُحمَدُ كثيراً وضِدَّه
المُذمَّمُ، وفي الخبرِ أنَّه ـ صلى اللهُ عليه وسلَّم ـ قال: ((ألم تَرَوا كيفَ صَرَفَ
اللهُ ـ تعالى ـ عنِّي لَعْنَ قريشٍ وشَتْمَهمُ؟ يَشْتُمون مُذَمَّمًا وأنا محمَّدٌ)).
وقد جَمعَ هذا الاسْمُ الكريمُ مِن الأسرارِ ما لا يُحصى، وعُبِّرَ عنْه ـ صلى
اللهُ عليْه وسلَّم ـ بهذا الاسْمِ هنُا لأنَّه أوّلُ أسمائه وأشهرُها وبِه صَرَخَ
الصارخُ.



فَهَذِهِ
الْآيَةُ مِنْ تَتِمَّةِ الْعِتَابِ مَعَ الْمُنْهَزِمِينَ، أَيْ لَمْ يَكُنْ
لَهُمُ الِانْهِزَامُ وَإِنْ قُتِلَ مُحَمَّدٌ، وَالنُّبُوَّةُ لَا تَدْرَأُ
الْمَوْتَ، وَالْأَدْيَانُ لَا تَزُولُ بِمَوْتِ الْأَنْبِيَاءِ. وَاللَّهُ
أَعْلَمُ.



وهَذِهِ
الْآيَةُ أَدَلُّ دَلِيلٍ عَلَى شَجَاعَةِ الصِّدِّيقِ وجُرأتِه، فَإِنَّ
الشَّجَاعَةَ وَالْجُرْأَةَ حَدُّهُمَا ثُبُوتُ الْقَلْبِ عِنْدَ حُلُولِ
الْمَصَائِبِ، وَلَا مُصِيبَةَ أَعْظَمَ مِنْ مَوْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي "الْبَقَرَةِ"
فَظَهَرَتْ عِنْدَهُ شُجَاعَتُهُ وَعِلْمُهُ. قَالَ النَّاسُ: لَمْ يَمُتْ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِنْهُمْ عُمَرُ، وَخَرِسَ عُثْمَانُ،
وَاسْتَخْفَى عَلِيٌّ، وَاضْطَرَبَ الْأَمْرُ فَكَشَفَهُ الصِّدِّيقُ بِهَذِهِ
الْآيَةِ حِينَ قُدُومِهِ مِنْ مَسْكَنِهِ بِالسُّنْحِ ـ موضع بعوالي المدينة، وهى
منازلُ بني الحارثِ بنِ الخَزْرَجِ، بينهما وبين منزلِ النبيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ميل ـ كَما جاء فِي الْبُخَارِيِّ. وَفِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ
عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ عِنْدَ امْرَأَتِهِ ابْنَةِ خَارِجَةَ بِالْعَوَالِي،
فَجَعَلُوا يَقُولُونَ: لَمْ يَمُتِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
إِنَّمَا هو بعضُ ما كان يأخذُه عندَ
الْوَحْيِ. فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ فَكَشَفَ عَنْ وَجْهِهِ
وَقَبَّلَ بَيْنَ عَيْنَيْهِ وَقَالَ: أَنْتَ أَكْرَمُ عَلَى اللَّهِ مِنْ أَنْ
يُمِيتَكَ! مَرَّتَيْنِ. قَدْ وَاللَّهِ مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعُمْرُ فِي نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ يَقُولُ: وَاللَّهِ مَا
مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا يَمُوتُ حَتَّى
يَقْطَعَ أَيْدِيَ أُنَاسٍ مِنَ المنافقين كثيرٍ وأرجلَهم. فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ
فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ فَقَالَ: مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ حَيٌّ
لَمْ يَمُتْ، وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ مُحَمَّدًا فَإِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ مَاتَ، وتلا:
"
وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ
قَدْ خَلَتْ..
" الآية. قَالَ عُمَرُ: "فَلَكَأَنِّي
لَمْ أَقْرَأْهَا إِلَّا يَوْمَئِذٍ". وَرَجَعَ عَنْ مَقَالَتِهِ الَّتِي
قَالَهَا فِيمَا ذَكَرَ الْوَائِلِيُّ أَبُو نَصْرٍ عُبَيْدُ اللَّهِ فِي
كِتَابِهِ الْإِبَانَةِ: عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ بْنَ
الْخَطَّابِ حِينَ بُويِعَ أَبُو بَكْرٍ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ ـ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَاسْتَوَى عَلَى مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ ـ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ تَشَهَّدَ قَبْلَ أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ: أَمَّا
بَعْدُ فَإِنِّي قُلْتُ لَكُمْ أَمْسِ مَقَالَةً وَإِنَّهَا لَمْ تَكُنْ كَمَا
قُلْتُ، وَإِنِّي وَاللَّهِ مَا وَجَدْتُ الْمَقَالَةَ الَّتِي قُلْتُ لَكُمْ فِي
كِتَابٍ أَنْزَلَهُ اللَّهُ وَلَا فِي عَهْدٍ عَهِدَهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ـ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَكِنِّي كُنْتُ أَرْجُو أَنْ يَعِيشَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى يَدْبُرَنَا ـ يُرِيدُ أَنْ
يَقُولَ حَتَّى يَكُونَ آخِرَنَا مَوْتًا ـ فَاخْتَارَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ
لِرَسُولِهِ الَّذِي عِنْدَهُ عَلَى الَّذِي عِنْدَكُمْ، وَهَذَا الْكِتَابُ
الَّذِي هَدَى اللَّهُ بِهِ رَسُولَهُ فَخُذُوا بِهِ تَهْتَدُوا لِمَا هُدِيَ لَهُ
رَسُولُ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ الْوَائِلِيُّ أَبُو
نَصْرٍ: الْمَقَالَةُ الَّتِي قَالَهَا ثُمَّ رَجَعَ عَنْهَا هِيَ "أَنَّ
النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ لَمْ يَمُتْ وَلَنْ يَمُوتَ
حَتَّى يَقْطَعَ أَيْدِيَ رِجَالٍ وَأَرْجُلَهُمْ" وَكَانَ قَالَ ذَلِكَ
لِعَظِيمِ مَا وَرَدَ عَلَيْهِ، وَخَشِيَ الْفِتْنَةَ وَظُهُورَ الْمُنَافِقِينَ،
فَلَمَّا شَاهَدَ قُوَّةَ يَقِينِ الصِّدِّيقِ الْأَكْبَرِ أَبِي بَكْرٍ،
وَتَفَوُّهَهُ بِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: "كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ
الْمَوْتِ" آل عمران: 185. وقولِه: "إِنَّكَ
مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ" الزمر: 30. وما قاله ذلك اليوم ـ تنبيه
وَتَثْبِيتٌ وَقَالَ: كَأَنِّي لَمْ أَسْمَعْ بِالْآيَةِ إِلَّا مِنْ أَبِي
بَكْرٍ. وَخَرَجَ النَّاسُ يَتْلُونَهَا فِي سِكَكِ الْمَدِينَةِ، كَأَنَّهَا لَمْ
تَنْزِلْ قَطُّ إِلَّا ذَلِكَ الْيَوْمَ. وَمَاتَ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ ـ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ بِلَا اخْتِلَافٍ، فِي وَقْتِ دُخُولِهِ
الْمَدِينَةَ فِي هِجْرَتِهِ حِينَ اشْتَدَّ الضَّحَاءُ، وَدُفِنَ يَوْمَ
الثُّلَاثَاءِ، وَقِيلَ لَيْلَةَ الْأَرْبِعَاءِ. وَقَالَتْ صَفِيَّةُ بِنْتُ
عَبْدِ الْمُطَّلِبِ تَرْثِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:



أَلَا يَا رَسُولَ اللَّهِ كُنْتَ رَجَاءَنَا ...............
وَكُنْتَ بِنَا بَرًّا وَلَمْ تَكُ جَافِيَا



وَكُنْتَ رَحِيمًا هَادِيًا وَمُعَلِّمًا ..............
لِيَبْكِ عَلَيْكَ الْيَوْمَ مَنْ كَانَ بَاكِيَا



لَعَمْرُكَ مَا أَبْكِي النَّبِيَّ لِفَقْدِهِ ..........،.
وَلَكِنْ لِمَا أَخْشَى مِنَ الْهَرْجِ آتِيَا



كَأَنَّ عَلَى قَلْبِي لِذِكْرِ مُحَمَّدٍ ...........
وَمَا خِفْتُ مِنْ بَعْدِ النَّبِيِّ الْمَكَاوِيَا



أَفَاطِمَ صَلَّى اللَّهُ رَبُّ مُحَمَّدٍ ..............
عَلَى جَدَثٍ أَمْسَى بِيَثْرِبَ ثَاوِيَا



فِدًى لِرَسُولِ اللَّهِ أُمِّي وَخَالَتِي ...............
وَعَمِّي وَآبَائِي وَنَفْسِي وَمَالِيَا



صَدَقْتَ وبلَّغتَ الرسالةَ صادقًا .......... ومِتَّ صَلِيتَ
الْعُودِ أَبْلَجَ صَافِيَا



فَلَوْ أَنَّ رَبَّ النَّاسِ أَبْقَى نَبِيَّنَا .............
سَعِدْنَا، وَلَكِنْ أَمْرُهُ كَانَ مَاضِيَا



عَلَيْكَ مِنَ اللَّهِ السَّلَامِ تَحِيَّةً ............
وَأُدْخِلْتَ جَنَّاتٍ من عَدْنَ رَاضِيَا



أَرَى حَسَنًا أَيْتَمْتَهُ وَتَرَكْتَهُ ..................
يُبَكِّي وَيَدْعُو جَدَّهُ الْيَوْمَ نَاعِيَا



فَإِنْ
قِيلَ فَلِمَ أُخِّرَ دَفْنُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَقَدْ قَالَ لِأَهْلِ بَيْتٍ أَخَّرُوا دَفْنَ مَيِّتِهِمْ: ((عَجِّلُوا دَفْنَ
جِيفَتِكُمْ وَلَا تُؤَخِّرُوهَا)). فَالْجَوَابُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:
الْأَوَّلُ: مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ عَدَمِ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى مَوْتِهِ. الثَّانِي:
لِأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ حَيْثُ يَدْفِنُونَهُ. قَالَ قَوْمٌ فِي الْبَقِيعِ،
وَقَالَ آخَرُونَ فِي الْمَسْجِدِ، وَقَالَ قَوْمٌ: يُحْبَسُ حَتَّى يُحْمَلَ
إِلَى أَبِيهِ إِبْرَاهِيمَ. حَتَّى قَالَ الْعَالِمُ الْأَكْبَرُ: سَمِعْتُهُ
يَقُولُ: ((مَا دُفِنَ نَبِيٌّ إِلَّا حَيْثُ يَمُوتُ)) ذَكَرَهُ ابْنُ مَاجَهْ
وَالْمُوَطَّأُ وَغَيْرُهُمَا. الثَّالِثُ أَنَّهُمُ اشْتَغَلُوا بِالْخِلَافِ
الَّذِي وَقَعَ بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ فِي الْبَيْعَةِ،
فَنَظَرُوا فِيهَا حَتَّى اسْتَتَبَّ الْأَمْرُ وَانْتَظَمَ الشَّمْلُ
وَاسْتَوْثَقَتِ الْحَالُ، وَاسْتَقَرَّتِ الْخِلَافَةُ فِي نِصَابِهَا
فَبَايَعُوا أَبَا بَكْرٍ، ثُمَّ بَايَعُوهُ مِنَ الْغَدِ بَيْعَةً أُخْرَى عَنْ
مَلَأٍ مِنْهُمْ وَرِضًا، فَكَشَفَ اللَّهُ بِهِ الْكُرْبَةَ مِنْ أَهْلِ
الرِّدَّةِ، وَقَامَ بِهِ الدِّينُ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
ثُمَّ رَجَعُوا بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَنَظَرُوا فِي دَفْنِهِ وَغَسَّلُوهُ وَكَفَّنُوهُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. الرَّابِعَةُ
وَاخْتُلِفَ هَلْ صُلِّيَ عَلَيْهِ أَمْ لَا، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لَمْ يُصَلِّ
عَلَيْهِ أَحَدٌ، وَإِنَّمَا وَقَفَ كُلُّ وَاحِدٍ يَدْعُو، لِأَنَّهُ كَانَ
أَشْرَفَ مِنْ أَنْ يُصَلَّى عَلَيْهِ. وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَهَذَا
كَلَامٌ ضَعِيفٌ، لِأَنَّ السُّنَّةَ تُقَامُ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ فِي
الْجِنَازَةِ، كَمَا تُقَامُ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ فِي الدُّعَاءِ، فَيَقُولُ:
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَذَلِكَ مَنْفَعَةٌ
لَنَا. وَقِيلَ: لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ إِمَامٌ.
وَهَذَا ضَعِيفٌ، لِأَنَّ الَّذِي كَانَ يُقِيمُ بِهِمُ الصَّلَاةَ الْفَرِيضَةَ
هُوَ الَّذِي كَانَ يَؤُمُّ بِهِمْ فِي الصَّلَاةِ. وَقِيلَ: صَلَّى عَلَيْهِ النَّاسُ
أَفْذَاذًا، لِأَنَّهُ كَانَ آخِرَ الْعَهْدِ بِهِ، فَأَرَادُوا أَنْ يَأْخُذَ
كُلُّ أَحَدٍ بَرَكَتَهُ مَخْصُوصًا دُونَ أَنْ يَكُونَ فِيهَا تَابِعًا
لِغَيْرِهِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِصِحَّةِ ذَلِكَ. قُلْتُ: قَدْ خَرَّجَ ابْنُ
مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ بَلْ صَحِيحٍ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَفِيهِ:
فَلَمَّا فَرَغُوا مِنْ جِهَازِهِ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ وُضِعَ عَلَى سَرِيرِهِ
فِي بَيْتِهِ، ثُمَّ دَخَلَ النَّاسُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَرْسَالًا يُصَلُّونَ عَلَيْهِ، حَتَّى إِذَا فَرَغُوا أَدْخَلُوا
النِّسَاءَ، حَتَّى إِذَا فَرَغْنَ أَدْخَلُوا الصِّبْيَانَ، وَلَمْ يَؤُمَّ
النَّاسَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ أَحَدٌ.



وفِي
تَغْيِيرِ الْحَالِ بَعْدَ مَوْتِ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
عَنْ أَنَسٍ قَالَ: لَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الَّذِي دَخَلَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ ـ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ الْمَدِينَةَ أَضاءَ منها كُلُّ شيءٍ،
فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الَّذِي مَاتَ فِيهِ أَظْلَمَ منها كلُّ شيءٍ، وَمَا
نَفَضْنَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَيْدِيَ حَتَّى
أَنْكَرْنَا قُلُوبَنَا. أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ.



قَوْلُهُ
تَعَالَى: {
أَفَإِنْ
ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ
}
"
أَفَإِنْ ماتَ" الْمَعْنَى: أَفَتَنْقَلِبُونَ عَلَى أَعْقَابِكُمْ
إِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ؟ وَكَذَلِكَ كُلُّ اسْتِفْهَامٍ دَخَلَ عَلَى حَرْفِ
الْجَزَاءِ، فَإِنَّهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ، وَمَوْضِعُهُ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ
جَوَابِ الشَّرْطِ. وَقَوْلُهُ: "انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ"
تَمْثِيلٌ، ومعناه ارتددتم كفارا بعد إيمانكم، قاله قَتَادَةُ وَغَيْرُهُ.
وَيُقَالُ لِمَنْ عَادَ إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ: انْقَلَبَ عَلَى عَقِبَيْهِ.
وَمِنْهُ "نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ". وَقِيلَ: الْمُرَادُ
بِالِانْقِلَابِ هُنَا الِانْهِزَامُ، فَهُوَ حَقِيقَةٌ لَا مَجَازٌ. وَقِيلَ:
الْمَعْنَى فَعَلْتُمْ فِعْلَ الْمُرْتَدِّينَ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ رِدَّةً.



قَوْلُهُ
تَعَالَى: {
وَمَنْ
يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً
} بَلْ يَضُرُّ نَفْسَهُ وَيُعَرِّضُهَا لِلْعِقَابِ
بِسَبَبِ الْمُخَالَفَةِ، وَاللَّهُ تَعَالَى لَا تَنْفَعُهُ الطَّاعَةُ وَلَا
تَضُرُّهُ الْمَعْصِيَةُ لِغِنَاهُ.



قولُه:
{
وَسَيَجْزِي اللَّهُ
الشَّاكِرِينَ
}، أَيِ الَّذِينَ صَبَرُوا وَجَاهَدُوا



وَاسْتُشْهِدُوا.
وَجَاءَ "
وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ" بَعْدَ قَوْلِهِ: "فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً" فهو اتصالُ وعْدٍ بوَعيدٍ.


قولُه
تعالى : {
وَمَا
مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ
} ما: نافيةٌ ولا عملَ لها هنا مطلقاً أعني على لغة
الحجازيين والتميميين، لأنَّ التميميين لا يُعْملونها البتَّةَ، والحجازيون
يُعْملونها بشروط منها: ألاَّ ينتقضَ النفيُ بـ "إلا"، إذ يَزولُ السببُ
الذي عَمِلَتْ لأجلِه وهو شَبَهُها بـ "ليس" في نفيِ الحالِ، فيكونُ "
محمد" مبتدأً، و"رسول"
خبرَه، هذا هو مذهب الجمهور، أعني إهمالَها إذا نُقِضَ نفيُها، وقد أجاز إعمالَها
منتقضةً النفيِ بإلاَّ يونس وأنشد:



وما الدهرُ إلا منجَنوناً بأهلِه ........... وما صاحبُ
الحاجات إلا مُعَذَّبا



فَنَصَبَ
"منجنوناً" و"مُعَذَّباً" على خبرِ "
ما"، وهما بعدَ "إلاَ"، ومثلُه قول الآخر:


وما حَقُّ الذي يَعْتُو نهاراً .........................
ويَسْرِقُ ليلَه إلاَّ نَكالا


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
فيض العليم ... سورة آل عمران، الآية: 144
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
روضة الشاعر عبد القادر الأسود :: ...:: الروضة الروحانية ::... :: روضة الذكر الحكيم-
انتقل الى: