عبد القادر الأسود
¤° صاحب الإمتياز °¤
عدد المساهمات : 3986 تاريخ التسجيل : 08/09/2011 العمر : 76 المزاج : رايق الجنس :
| موضوع: فيض العليم ... سورة آل عمران، الآية: 139 الأربعاء مارس 13, 2013 3:26 am | |
| وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ. (139) قولُه تعالى: {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا} ولا تَهِنوا: ولا تضعُفوا، والوهْنُ: الضَعْفُ، والمقصودُ هنا ضَعفُ النَفسِ الذي قد يؤدِّي إلى ضَعفِ الجِسم أيضاً وتقصيره في العمل، ولا "تحزنوا" الحُزْنُ ألمٌ نفسيٌّ يُصيبُ الإنسانَ عند فقدِ ما يُحِبُّ أو عدم إدراكه، أو عندَ نُزولِ أمرٍ يُهِمُّ النفسَ، ويَجعلُها في همٍّ دائمٍ، ومعنى النهيِ عن الوَهْنِ والحُزْنِ ـ وهما أمران نفسيان ـ هو النهيُ عن الاسْتِرسالِ في الأَلَمِ مما أصابهم، والمَغزى: لَا تَسْتَرسِلوا في الهمِّ والألمِ ممّا كان يومَ أُحُدٍ، فإنَّ ذلك يؤدِّي إلى ضَعْفِكم عن القِتالِ، فليس النهيُ مُنْصَبًّا على أصلِ الوَهْنِ والحُزْنِ، ولكنَّه مُنصَبٌّ على سببِهِما الذي هو في قُدرةُ المؤمنِ وهو الاسْتِرسالُ في الوَهْنِ والحُزنِ. والآيةُ الكريمةُ تضمَّنت ذلك النهيَ، وتضمَّنت بِشارةً وتَسليَةً، كما تضمَّنت ـ فوق ذلك ـ بيانَ سببِ النصرِ وهو صِدْقُ الإيمان.وقولُه: {وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ} بشارةٌ للنبيِّ ـ صلى الله عليه وسلَّم ـ وأصحابِه، فقد كان لهم الغَلَبُ على المشركين، لأنَّ قتلى المشركين يومَ بدرٍ أكثر مِن قتلى المؤمنين يومَ أُحُدٍ، لأنَّ قتالَ المؤمنين في سبيلِ الحقِّ لذلك فإنَّ قتلاهم في الجنَّةِ، أما المشركين فإنهم يقاتلون في سبيل الطاغوت، ولذلك فإنَّ قتلاهم في النار، وأيُّ علوٍّ للإنسان أكثرَ من أنْ يَشعُرَ بأنَّه يُقاتلُ نُصْرَةً للحقِّ، فإنَّ الحقَّ عزَّةٌ وعُلُوٌّ، وفي النصِّ أيضاً بِشارةٌ للمتقين بأنَّ العاقبةَ لهم، وأنّ العُلُوَّ في الأرضِ لهم.كما قال تعالى: {وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةَ وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ}. القصص: 5. حكى القُرْطُبِيُّ أنَّهم لم يخرجوا بعد ذلك عسكراً إلَّا ظَفِروا في كلِّ عسكرٍ، كان في عهدِه ـ عليه الصلاة والسلام ـ وكذا في كلِّ عسكرٍ كان بعد، ولو لم يكن فيه إلَّا واحدٌ مِن الصحابةِ ـ رضيَ اللهُ تعالى عنهم).أخرجَ الواحِدِيُّ عن ابنِ عبَّاسٍ ـ رضي الله عنهما ـ أنَّه قال: (انهزم أصحابُ رسولِ اللهِ ـ صلى الله عليه وسلَّم ـ يومَ أُحُدٍ، فبينما هم كذلك إذْ أقبلَ خالدٌ بنُ الوَليدِ بخيلِ المُشركين يُريدون أنْ يَعلوا عليهمُ الجبلَ فقال النبيُّ ـ عليه الصلاةُ والسلام: ((اللَّهُمَّ لا قوَّةَ لنا إلَّا بِك، اللهمَّ ليس يَعْبُدُك بهذه البَلدةِ غيرُ هؤلاءِ النَّفَرِ، فأنزلَ اللهُ ـ تعالى ـ هذه الآية: وثابَ نفرٌ من المسلمين فصَعِدوا الجبلَ ورَموا خيلَ المُشركين حتَّى هَزَموهم)).وعن الزُهري وقَتادة أنَّها نَزَلت تسليةً للمُسلمين لِما نالَهم يومَ أُحُدٍ من القَتْلِ والجِراحِ. وعن الكَلبيِّ أنَّها نَزَلتْ بعدَ يومِ أُحُدٍ حين أمَرَ رسولُ اللهِ ـ صلى اللهُ عليه وسلَّم ـ أصحابَه ـ رضي اللهُ تعالى عنهم ـ بطلبِ القومِ وقد أصابَهم مِن الجِراحِ ما أَصابَهم، فقال: ((لا يَخرُجْ إلَّا مَنْ شَهِدَ معَنا بالأمسِ))، فاشتَدَّ ذلك على المسلمين فأنزلَ اللهُ هذه الآيةَ). وأيًّا ما كان سببُ النزولِ فهي معطوفةٌ على قولِه ـ تعالى: {فَسِيرُواْ فِي الأرضِ} آل عمران: 137. بحسبِ اللَّفظِ، ومُرتَبِطةٌ بِه بِحَسَبِ المَعنى إنْ قلْنا إنَّه عَوْدٌ إلى التفصيلِ. وبما تقدَّمَ مِن قِصَّةِ أُحُدٍ ـ إنْ لم نَقلْ ذلكَ وبِه قالَ جمعٌ ـ وجعَلوا تَوسيطَ حديثِ الرِّبا اسْتِطْراداً أوْ إشارةً إلى نوعٍ آخرَ من عداوةِ الدينِ ومُحارَبةِ المُسلمين، وبَه يَظهرُ الرَّبْطُ، وقد مرَّ توجيهُه بغيرِ ذلك أيْضاً. ومنهم مَنْ جَعلَ ارْتِباطَ هذه الآيةِ لَفظًا بمحذوفٍ، أيْ كونوا مُجِدِّينَ ولا تَهِنوا، ومضى على الخلافِ، وهو تَكَلُّفٌ مُسْتَغنًى عنه، والمعنى لا تَضعُفوا عنْ قِتالِ أعدائكم والجهادِ في سبيلِ اللهِ ـ تعالى ـ بما نالَكم مِنَ الجِراحِ ولا تَحزَنوا على ما أُصِبْتُم بِه مِن قتْلِ الأَعِزَّةِ، وقد قُتِلَ في تلك الغزوةِ خمسةٌ مِنَ المهاجرين، هم: حمزةُ بنُ عبدِ المُطَّلِبِ، ومُصْعَبُ بنُ عُميْرٍ صاحِبُ رايةِ رسولِ اللهِ ـ صلى الله عليه وسلَّم، وعبدُ اللهِ بن ُجَحْشٍ وعثمانُ بنُ شماسٍ، وسعدٌ مولى عُتْبَة رضيَ اللهُ تعالى عنهم، كما قتِلَ سبعونَ مِن الأنصارِ. قوله تعالى: {وَلاَ تَهِنُوا} الأصلُ: "تَوْهِنُوا" فَحُذِفَتِ الواوُ لوقوعِها بيْن ياءٍ وكسرةٍ في الأصلِ، ثم أُجْرِيَتْ حروفُ المضارعةِ مُجْراها في ذلك. ويقال: وَهَنَ بالفتح في الماضي يَهِن بالكسر في المضارع. ونُقِل أنَّه يُقالُ: وَهُنَ وَوَهِنَ بضم الهاء وكسرِها في الماضي. وَوَهَن يُسْتعمل لازماً ومتعدياً تقول: وَهَن زيدٌ أي: ضَعُفَ، قال تعالى: {وَهَنَ العظم مِنِّي} مريم: 4. ووهَنْتُه أي: أَضْعَفْتُه. ومنه الحديثُ: ((وهَنَتْهُم حُمَّى يَثْرِبَ)). والمصدرُ على الوَهَن والوَهْنِ، بفتح العين وبسكونِها. قال زهير بنُ أبي سلمى المُزني يَمدَح هَرَمَ بنِ سِنانٍ المُرِّي:إن الخليطَ أجدَّ البينَ فانفرقا ............ وعلقَ القلبُ من أسماءَ ما علقاوأخلفتكَ ابنةُ البكريّ ما وعدتْ ......... فأصبح الحبلُ منها واهناً خلقاالحبلُ: العهدُ. والواهِنُ: الضعيفُ. والخلِقُ: البالي.قولُه: {وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ} جملةٌ حاليَّةٌ مِن فاعلِ "تَهِنوا" أو "تحزنوا" والاستئنافُ فيها غيرُ ظاهرٍ. و"الأَعْلَوْن": جمعُ أَعْلى، والأصلُ: أَعْلَيُون فتحرَّكت الفاءُ وانفتح ما قبلَها فَقُلِبت ألفاً فَحُذِفَتْ لالتقاءِ الساكنين وبقيت الفتحة لتدلَّ عليها، وإنْ شئتَ قلت: استُثْقِلَتْ الضمةُ على الياء فَحُذِفت فالتقى ساكنان أيضاً الياء والواو، فَحُذِفت الياء لالتقاء الساكنين، وإنَّما احتِجْنا إلى ذلك لأنَّ واوَ الجمعِ لا يكونُ ما قبلها إلاَّ مضموماً لفظاً أو تقديراً، وهذا مثالُ التقديرِ. قولُه: {إِنْ كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ} جوابُه محذوفٌ أي: فلا تَهِنُوا ولا تحْزَنوا. | |
|