العاقل من اتعظ بغيره
أخطاء قاتلة وقع فيها البعثيون لا سيما في الستينات وما بعدها عندما آل الحكم إليهم، أرى أن الثوار اليوم يكررونها، بشكل أسوء مما كان عليه الأمر في القرن الماضي حيث أخرت البلاد سنين وساد الظلم في المجتمع وغمط الكثيرون حقهم. لكن أن تكرر نفس الخطاء اليوم، فهو أمر أشنع، ذلك لأن أولئك كانوا علمانيين أما اليوم فإن الغالب على الثورة هو الطابع الديني الإسلامي، وإن ما يرتكب من أخطاء سيحسبه الكثيرون على الدين وسيكون مثلبة وثغرة ينفذ منها أعداء الثورة ليطعنوا فيها وفي القائمين عليها.
من ذلك أننا نرى شاباً يصعد المنابر يخطب في الناس ويتقدم ليؤمهم في الصلاة دون أن يتقن تلاوة القرآن وأحكام تجويده التي هي فرض عين على المسلم، لا لشيء إلا لأنه كان سجيناً في أقبية النظام الهالك، وهو اليوم من الثوار، ولا أعلم بعد ذلك إن كان يعلم أحكام الصلاة، شروطها وأركانها وواجباتها ومفسداتها.. و وكأن الأمر غنيمة حرب يستأثر بها وليس مسؤولية أمام الله قبل كل شيء، وكأنه لم يسمع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه الأئمة عن أبي الوليد عُبادة بن الصامت - رضي الله عنه - قال: بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في العسر واليسرِ ، والمنشط والمكره، وعلى أثره علينا، وعلى أن لا ننازع الأمر أهلهُ إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله تعالى فيه برهان ، وعلى أن نقول بالحق أينما كنا لا نخاف في الله لؤمة لائم" متفق عليه.
وأشد ما أخشاه أن نقع فيما حذر منه عليه الصلاة والسلام فيما روي عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ثَلاثٌ مُهْلِكَاتٌ: شُحٌّ مُطَاعٌ، وَهَوًى مُتَّبَعٌ، وَإِعْجَابُ الْمَرْءِ بِنَفْسِهِ". ناهيك عن تجرؤ آخرين على المجلس الشرعي الإسلامي دون مؤهلات كافية، ذلك هو القضاء الذي كان الأئمة الأعلام يتخوفون منه لقوله عليه الصلاة قاض في الجنة وقاضيان في النار هذا الكفء فكيف بمن نصب نفسه دون كفاءة ليحكم في دماء المسلمين ومصالحهم، الأمر الذي لا يقدم عليه إلا مغرور جاهل. هذا والشواهد كثيرة لكن العاقل من اتعظ بغيره وتعلم من الآخرين، لقد برم الشعب بالعهد الزائل وتأخرت البلاد كثيراً عن ركب الحضارة بمثل هذه الممارسات التي أرجو ويرجو الشعب كله أن تنتهي لينعم الناس بعدالة الإسلام وإنصافه، فلنعط القوس باريها كائناً من كان ولنراقبه ونحاسبه على عمله، ثم إني أريد أن أهمس في أذن الإخوة المجاهدين: هل جاهدت في سبيل الله أم في سبيل مكسب ومنصب؟؟؟
(( فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً)) فاحرص أيها الأخ المجاهد على أن يكون جهادك خالصاً لوجهه الكريم لا لدنيا تصيبها. وإلا كنت الخاسر مرتين: مرة لنك خسرت ثواب ربك ومرة لأنك خسرت ثقة أمتك وشعبك، واعلم بأنك ستخسر بعد ذلك ثورتك.