عبد القادر الأسود
¤° صاحب الإمتياز °¤
عدد المساهمات : 3986 تاريخ التسجيل : 08/09/2011 العمر : 76 المزاج : رايق الجنس :
| موضوع: فيض العليم ... سورة آل عمران، الآية: 78 الأحد ديسمبر 23, 2012 10:30 am | |
| وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتابِ وَما هُوَ مِنَ الْكِتابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَما هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (78) يُخْبِرُ اللهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ صلى الله عليه وسلم أنَّ فَرِيقاً مِنَ اليَهُودِ (مِثْلَ كَعْبِ بْنِ الأشْرَفِ وَمَالِكِ بْنِ الصَّيْفِ وَأضْرَابِهِمَا) يُحَرِّفُونَ الكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ، وَيَتَأوَّلُونَ كِتَابَ اللهِ، وَهُمْ يَنْسُبُونَهُ إلى اللهِ، وَهَذَا كَذِبٌ عَلَى اللهِ، وَهُمْ يَعْلَمُونَ إنَّهُم لَكَاذِبُونَ. وذلكَ أنَّ المَقصودَ مِنَ الكِتابِ حِفظُ ألفاظِه وعدمُ تغييرِها، وفهمُ المُرادِ منها وإفهامُه، وهؤلاءِ عَكَسُوا القَضِيَّةَ وأَفهَموا غيرَ المُرادِ مِنَ الكِتابِ، إمَّا تَعريضًا وإمَّا تصريحًا، فالتَّعريضُ في قولِه {لتحسبوه من الكتاب} أي: يَلْوُونَ أَلسِنَتَهم ويُوهِمُونَكُمْ أَنَّه هُو المُرادُ مِنْ كتابِ اللهِ، وليْسَ هُو المُرادُ، والتَصْريحُ في قولِهم: {ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون} وهذا أَعْظَمُ جُرْمًا ممَّنْ يَقولُ على اللهِ بِلا عِلْمٍ، فهؤلاء يقولون على اللهِ الكَذِبَ فيَجمعون بيْن نَفْيِ المَعْنى الحَقِّ، وإثْباتِ المَعنى الباطلِ، وتَنْزيلِ اللَّفْظِ الدالِّ على الحَقِّ على المَعْنَى الفاسِدِ، مَعَ عِلْمِهم بِذلك، وكذلك سبيلُ المبطلين في كل عصرٍ ومِصْرٍ. قوله تعالى: {يَلْوُونَ} صفةٌ لـ {فريقاً" فهي في محلِّ نصبٍ، وجَمَعَ الضميرَ اعتبارًا بالمَعنى لأنَّه اسمُ جمعٍ كالقَوْمِ والرَّهْطِ.والعامَّةُ على "يَلوون" بفتح الياء وسكون اللامِ وبَعدَها واوٌ مَضمومَةٌ ثمَّ أُخرى ساكنَةٌ، مُضارعُ لَوَى أي: فَتَل. وقرأ أبو جعفرٍ وشيبةُ، وأبو حاتم عن نافع: يُلَوُّون بضمِّ الياء وفتح اللام وتشديد الواو الأُولى مِن لَوَّى مضعفًا، والتضعيفُ فيه للتكثيرِ والمُبالَغَةِ لا للتعديَةِ.وقرأَ حَميد: "يَلُون" بفتح الياءِ وضمِّ اللَّامِ بعدَها واوٌ مُفرَدَةٌ ساكنةٌ، ونَسَبَها الزمخشري لمجاهدٍ وابنِ كثيرٍ، ووجَّهها هو بأنَّ الأَصْلَ: "يَلْوُون" كقراءةِ العامَّة، ثمَّ أُبْدِلَتِ الواوُ المَضمومَةُ همزةً، وهو بدلٌ قياسيٌّ كأُقِّتت، ثمَّ خُفِّفتِ الهمزةُ بإلقاءِ حركتِها على الساكنِ قبلَها وهو اللامُ وحُذِفَت الهمزة فبقي وزنُ يَلُون: على وزن "يَفُون" بحذف اللام والعين، وذلك أن اللام وهي الياء حُذفت لالتقاءِ الساكنيْن لأنَّ الأصل: "يَلْوِيُون" كيَضْرِبون فاستُثْقِلتِ الضَّمَّةُ على الياءِ فَحُذِفت فالتَقى ساكنان: الياءُ وواوُ الضَميرِ فَحُذِفت الياءُ لالتقائمها، ثمَّ حُذِفتْ الواوُ التي هي عيْنُ الكَلِمَةِ بما قدَّمتْه لك.وأَلْسِنَتُهم: جمعُ لِسانٍ وهذا على لُغةِ مَنْ ذكَّر، وأمَّا على لغةِ مَن يُؤنِّثُه فيقول: هذه لِسان فإنَّه يُجْمع على أَلسُن نحو: ذِراع وأَذْرُع وكِراع وأَكْرُع، وقال الفراء: لم نَسْمَعْه مِن العَرَبِ إلَّا مُذكَّرًا، ويُعَبِّر باللسانِ عن الكلامِ لأنَّه يَنشأُ منه وفيه، والمُرادُ به ذلك أيضًا التذكيرُ والتأنيث.والَّليُّ: الفَتْلُ، يقال: لَوَيْتُ الثوبَ ولَوَيْتُ عُنُقَه أي: فَتَلْتُه والمصدرُ الليُّ والليَّان، قال رُؤبَةُ: قد كُنْت دايَنْتُ بها حَسَّانا ...................... مخافةَ الإِفلاسِ واللَّيَّاناوالأصل: لَوْي ولَوْيان، فأُعِلَّ وهو واضحٌ بما تقدَّم في "ميِّت" وبابِه، ثمَّ يُطْلَقُ الَّليُّ على الإِراغةِ والمُراوَغَة في الحُجَجِ والخُصومةِ تَشبيهًا للمعاني بالأجرام.و{بالكتاب} الباءُ صِلةٌ أو للآلة أو للظرفيَّةِ أو للمُلابَسَةِ، والجار والمجرورُ متعلِّقٌ بـ "يَلْوُون" وهو تعلُّقٌ واضحٌ، وهو حالٌ مِنَ الأَلْسِنَةِ تقديرُه: مُلْتَبِسَةً بالكتاب أو ناطقةً بالكتاب، والضميرُ في {لِتَحْسَبُوهُ} يجوزُ أَنْ يعودَ على ما دَلَّ عليه ما تقدَّمَ مِن ذِكْرِ اللَّيِّ والتحريف أي: لِتَحْسَبوا المُحَرَّفَ مِن التوراةِ، ويَجوزُ أنْ يَعودَ على مُضافٍ مَحذوفٍ دَلَّ عليه المَعنى والأصلُ: يَلْوُون أَلسِنَتَهم بِشِبه الكِتابِ لتَحسَبوا شِبهَ الكِتاب الذي حرَّفوه مِن الكِتابَ، ويكون كقولِه تعالى: {أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ} النور: 4 ثمَّ قال "يَغْشاه" والأصل: أو كذي ظلماتٍ، فالضميرُ من "يغشاه" يعود على ذي المحذوف. و{مِنَ الْكِتَابِ} هو المفعولُ الثاني للحُسْبان. وقُرئَ "ليحسَبوه" بياءِ الغَيْبَةِ والمُرادُ بهم المُسلمون أيْضًا، كما أريدَ بالمُخاطَبين في قراءةِ العامَّةِ، والمَعنى: ليَحسَبَ المُسلمون أنَّ المُحرَّفَ مِن التوراة. | |
|