روضة الشاعر عبد القادر الأسود
بعد الصلاة على الرحمة المهداة

أهلا وسهلا بك في روضتنا

يسرنا تسجيلك

روضة الشاعر عبد القادر الأسود
بعد الصلاة على الرحمة المهداة

أهلا وسهلا بك في روضتنا

يسرنا تسجيلك

روضة الشاعر عبد القادر الأسود
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

روضة الشاعر عبد القادر الأسود

منتدى أدبي اجتماعي يعنى بشؤون الشعر والأدب والموضوعات الاجتماعي والقضايا اللإنسانية
 
مركز تحميل الروضةالرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
بسـم الله الرحمن الرحيم  :: الحمد لله رب العالمين * الرحمن الرحيم * مالك يوم الدين * إياك نعبد وإياك نستعين * إهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين أنعمت عليهم * غير المغضوب عليهم ولا الضــالين ....  آميـــن

 

 الموسوعةُ القرآنيةُ (فيضُ العليم مِن معاني الذكْر الحكيم) سورةُ (طه) الآية: 77

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
عبد القادر الأسود

¤° صاحب الإمتياز °¤
¤° صاحب الإمتياز °¤
عبد القادر الأسود


عدد المساهمات : 3986
تاريخ التسجيل : 08/09/2011
العمر : 76
المزاج المزاج : رايق
الجنس : ذكر
الموسوعةُ القرآنيةُ (فيضُ العليم مِن معاني الذكْر الحكيم) سورةُ (طه) الآية: 77 Jb12915568671



الموسوعةُ القرآنيةُ (فيضُ العليم مِن معاني الذكْر الحكيم) سورةُ (طه) الآية: 77 Empty
مُساهمةموضوع: الموسوعةُ القرآنيةُ (فيضُ العليم مِن معاني الذكْر الحكيم) سورةُ (طه) الآية: 77   الموسوعةُ القرآنيةُ (فيضُ العليم مِن معاني الذكْر الحكيم) سورةُ (طه) الآية: 77 I_icon_minitimeالإثنين يونيو 29, 2020 5:49 pm

وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى (77)


قوْلُهُ ـ تَعَالَى شَأْنُهُ: {وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى} هُوَ اسْتِئْنافُ إِخْبَارٍ عَنْ شَيْءٍ مِنْ قِصَّةِ مُوسَى ـ عَلَيْهِ السَّلامُ، وَمَا كَانَ مِنْ أَمْرِهِ مَعَ فِرْعَوْنَ، وَتَصْديرُ الجُمْلَةِ بِالْقَسَمِ لِإِبْرازِ كَمَالِ العِنَايَةِ بِمَضْمُونِها، وَافْتُتِحَتِ بِحَرْفِ التَّحْقِيقِ "قَدْ" لِإِثارةِ اهْتِمَامِ السامِعِ بِالْقِصَّةِ. وَتَغْيِيرُ الْأُسْلُوبِ فِي ابْتِدَاءِ هَذِهِ الْجُمْلَةِ يَعْنِي أَنَّ قَصَصًا قدْ طُوِيَ ذِكْرُها قَبْلَ هَذِهِ، فَلَوِ اقْتُصِرَ عَلَى حَرْفِ الْعَطْفِ لَتُوُهِّمَ أَنَّ حِكَايَةَ الْقِصَّةِ الْأُولَى لَمْ تَزَلْ مُتَّصِلَةً فَتُوُهِّمُ أَنَّ الْأَمْرَ بِخُرُوجِ موسَى ومعَهُ بَنُوا إِسْرائيلَ وَقَعَ ِبعدَ انْتِهَاءِ ما كانَ مِنْ أَمْرِ السَّحَرَةِ مُباشَرةً، ولكِنَّ قَصَصًا كَثِيرَةً وَقَعَتْ بَيْنَ ذَلِكَ، ذَكَرَها فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ وَغَيْرِهَا مِنَ السُّورِ التي حَكَتْ قِصَّةَ مُوسَى وَفِرْعَونَ، فَإِنَّ الأَمْرَ بِالْخُرُوجَ نَزَلَ عَلَى مُوسَى ـ عليْهِ السَّلامُ، بَعْدَ آيَاتٍ كَثِيرَةٍ ظَهَرَتْ عَلَى يَدَيْهِ لِإِرْهَابِ فِرْعَوْنَ، كُلَّمَا هَمَّ بِإِطْلَاقِ سَبِيلِ بَنِي إِسْرَائِيلَ والسَّمَاحِ لَهُمْ بالْخُرُوجِ ثُمَّ نَكَلَ، فَقَدْ كَانَ فِرْعَوْنُ كُلَّمَا رَأَى آيَةً أَذِنَ بخروجِ بَني إِسْرائيلَ إِذا كُشِفَ العَذَابُ عَنْهُ، فِإذَا انْكَشَفَ نَكَثَ بِعَهْدِهِ، ورَجَعَ بوعْدِهِ، إِلَى أَنْ أَذِنَ لَهُمْ بِذَلِكَ في آخِرَ مَرَّةٍ، فَخَرَجُوا، ثُمَّ نَدِمَ عَلَى ذَلِكَ فَأَتْبَعَهُمْ بجيشِهِ وَجُنْدِهِ ليَغْرَقَ في اليَمِّ، ويَغْرَقوا مَعَهُ جميعًا، فَقَدْ طُوِيَ ذِكْرُ نحْوٍ مِنْ عِشْرينَ آيةً مِنَ الآياتِ الَّتي أَظْهَرَها اللهُ ـ تَعَالىَ، عَلَى يَدِ رَسولِهِ مُوسَى ـ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ.
قوْلُهُ: {أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي} أَنْ: هِيَ المُفَسِّرَةُ لِمَا في الوَحِيِ المَذْكورِ قَبْلَها مِنْ مَعْنَى القَوْلِ، وَيَجُوزُ أَنْ تكونَ مَصْدَرِيَّةً حُذِفَ الجَارُّ عَنْهَا. وهَذَا أَمْرٌ لِمُوسَى أَنْ يَكونَ سُراهُ بِعِبَادِ اللهِ ـ وَهُمْ بَنُو إِسْرَائِيلَ، الذينَ أُرْسِلَ لِإنْقَاذِهِمْ وَإِخْراجَهِمْ مِنْ قَبْضَةِ فِرْعَوْنَ، مِنْ مِصْرَ لَيْلًا.
وذَكَرَ ـ تَعَالَى، أَنَّهم عِبَادُهُ إِظْهَارًا لِرَحْمَتِهِ بِهِمْ، وَعِنَايَتِهِ بِشُؤُونِهِمْ، وتَنْبِيهًا عَلَى قُبْحِ ما فَعَلَهُ فِرْعَوْنَ بِهِمْ حِينَ اسْتَعْبَدَهُمْ، وَهُمْ في الحَقِيقَةِ عِبَادٌ للهِ ـ تَبَاركَ وَتَعَالَى، وَقَدْ تَفَنَّنَ بظُلْمِهِ لَهُمْ، ولمْ يُراقِبْ اللهَ مَوْلاهُمُ الحَقيقِيَّ فِيهِمْ.
وَتدُلُّ هَذِهِ الآيَةُ الكريمَةُ عَلى أَنَّهُ قَدْ كَثُرتْ أَعْدادُ مَنْ آمَنَ برسالةِ مُوسَى ـ عَلَيْهِ السَّلامُ، فَأَرَادَ اللهُ تَعَالَى تَمْييزَهُمْ مِنْ قومِ فِرْعُوْنَ وأَتْبَاعِهِ، ولذلكَ فقد أَوْحَى إِلَيْهِ أَنْ يَسْرِيَ بِهِمْ لَيْلًا، حَتَى لا يَعْلَمَ بأمْرِهِمْ فِرْعَوْنُ فَيَمْنَعَهُمْ، أَوْ حَتَّى لَا يَرَى أَتْبَاعُ مُوسَى عَسْكَرَ فِرْعَوْنَ حينَ يَتَّبِعُهُمْ فَيَهَابُونَهُمْ لكَثْرَةِ عَدَدِهم، وعُدَدِهِمْ.
قولُهُ: {فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا} أَمْرٌ مِنَ اللهِ ـ عزَّ وجَلَّ، لنبيِّهِ مُوسَى ـ عَلَيْهِ السَّلامُ، أَنْ يَضْرِبَ البَحْرَ بِعَصَاهُ فيشُقَّ لَهُمْ طَرِيقًا يَابِسًا فِي الْبَحْرِ لَا مَاءَ فِيهِ، وَلَا بَلَلَ وَلَا طِينَ، وَقوْلُهُ: "فاضْرِبْ لَهُمْ طَريقًا في البحرِ" مِنَ المَجَازِ العَقْلِيِّ، لِأَنَّ الأَصْلَ أَنْ يَضْرِبَ البَحْرَ لِيَصِيرَ لَهُمْ طَريقًا .. .
وَ "يَبَسًا" أَيْ: يابِسًا، فقدْ أَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: "طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا} قَالَ: يَابِسًا. وَرُوِيَ أَنَّ مُوسَى ـ عَلَيْهِ السَّلامُ، لَمَّا ضَرَبَ البَحْرَ وانْفَلَقَ حَتَّى صَارَتْ فِيهِ طُرُقٌ، بَعَثَ اللهُ تَعَالَى عَلَيْها رِيحَ الصَّبَا فَجَفَّفَتْ تِلْكَ الطُّرُقَ حَتَّى يَبِسَتْ. وَوَصْفُ الطَّريقِ بِاليابسةِ للمُبَالَغَةِ، فَقَدْ جَعَلَ الطَّريقَ كَالأَشْيَاءِ اليابِسَةِ لِفَرْطِ يَبْسِهَا، وهو كَمَا قالوا فِي بَيْتِ القُطَامِي الذي يَقُولُ فِيهِ:
كَأَنَّ قُتُودَ رَحْلِي حِينَ ضَمَّتْ ................ حَوَالِبَ غُرْزًا وَمَعِيَ جِيَاعا
بِأَنَّهُ جَعَلَ المَعِيَ لِفَرْطِ جُوعِهِ كَجَمَاعَةِ جِياعٍ، أَوْ قَدَّرَ كُلَّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الطَّريقِ طَريقًا يَابِسةً كَمَا قِيلَ فِي قولِهِ تَعَالى مِنْ سُورةِ الإِنْسانِ: {نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ} الآيَةَ: 2. وكقولِهِم: ثَوْبٌ أَخْلَاقٌ، أَوْ حَيْثُ أُريدَ بِالطَّريقِ الجِنْسُ، وَكانَ مُتَعَدِّدًا بِحَسَبِ تَعَدُّدِ الأَسْبَاطِ، لَا طَريقٌ وَاحِدَةٌ ـ عَلى الصَحيحِ، فَجاءَ وَصْفُهُ جَمْعًا، ويُحْتَمَلُ أَنْ يَكونَ اسْمَ جَمْعٍ، ولا فَرْقَ هُنَا بَيْنَ اليَبَسِ واليَبْسِ في المَعْنَى لِأَنَّهُ قُرِئَ بِهِمَا، وَأَصْلُهُ مَصْدَرٌ كَ "الْعَدَمِ" وَ "الْعُدْمِ"، وَهوَ وَصْفٌ بِمَعْنَى الْيَابِسِ. وُصِفَ بِهِ لِلْمُبَالَغَةِ وَلِذَلِكَ لَا يُؤَنَّثُ فَقَالُوا: نَاقَةٌ يَبَسٌ إِذَا جَفَّ لَبَنُهَا. وَفِي "القامُوسِ" اليَبْسُ مَا كانَ أَصْلُهُ رَطْبًا فَجَفَّ، وَمَا كانَ أَصْلُهُ اليبوسَةُ وَلَمْ يُعْهَدْ رَطْبًا يَبَس ـ بالتحريكِ، وَأَمَّا طَريقُ مُوسَى ـ عَلَيْهِ السَّلامُ، فِي البَحْرِ فَإْنَّه لَمْ يُعْهَدْ طَريقًا لَا رَطْبًا وَلَا يَابِسًا، إِنَّمَا أَظْهَرَهُ اللهُ ـ جلَّ وعَزَّ، لَهُمْ حِينَئِذٍ مَخْلُوقًا عَلَى تِلْكَ الحالةِ.
وقالَ الرَّاغِبُ الأصْفهانيُّ بِأَنَّ "اليَبَسَ" ـ بِالتَّحْريكِ، هوَ مَا كانَ فِيهِ رُطُوبَةٌ فَذَهَبَتْ، والمَكانُ إِذَا كَانِ فِيهِ مَاءٌ فَذَهَبَ. وقالَ اللَّيْثُ بْنُ سعدٍ: طَريقٌ يَبَسٌ: لَا نَداوَةَ فِيهِ وَلَا بَلَلٌ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ في "مَجَازُ القُرْآنِ" لَهُ: (2/24): "يَبَسٌ" وَ "يَبْسٌ" بِمَعْنَى: يَابس، وَأَنْشَدَ عَلَيْهِ بيتًا لِعَلْقَمَةَ ابْنِ عَبْدَةَ التَّمِيمِيِّ يقولُ فيهِ:
تَخَشْخَشُ أَبْدَانُ الحَدِيْدِ عَلَيهِمُ ... كَمَا خَشْخَشَتْ يَبْسَ الحَصَاد جَنُوُبُ
وَقَالَ الأَزْهَرِيُّ: (يُقالُ لِلْأَرْضِ إِذَا يَبِسَتْ: يَبَسٌ، وَلِلْبَقُولِ وَالحَطَبِ يَبِس، وَأَنْشَدَ عَلَيْهِ قولَ الشَّاعِرِ ذي الرُّمَّةِ:
ولَمْ يَبْقَ بالخَلْصاءِ مِما عَنَتْ بِه ........ مِنَ الرُّطَبِ إلا يَبْسُهَا وهَجِيرُها
"مَجَازُ القُرْآنِ" لِأَبِي عُبَيْدَةَ: (2/24). وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقٍ الزجَّاجُ: (يُقالُ: يَبَسَ الشَّيْءُ يَبَسًا، وَيُبْسًا، وَيَبْسًا، ثَلاثُ لُغَاتٍ فِي المَصْدَرِ، وَطَريقًا يَبَسًا، نَعْتٌ بِالمَصْدَرِ، وَالمَعْنَى: طَريقٌ ذَا يَبَسٍ). "مَعَانِي القُرْآنِ وإعْرابُهُ" له: (3/369). وَقَالَ مُجاهِدٌ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: (يَبَسًا يابِسًا) "جَامِعُ البَيَانِ" للطَّبرِيِّ: (16/143)، و "الدُّرُّ المَنْثُورُ" للسُّيوطيِّ: (4/543). وَذَلِكَ أَنَّ اللهَ تَعَالَى قد أَيْبَسَ لَهُمُ تِلْكَ الطُرُقَ حَتَّى لَمْ يَكُنْ فيها مَاءٌ وَلَا طِينٌ. فقدْ أَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ القُرظِيِّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فِي قَوْلِهِ تَعالى: "فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا" قَالَ: يَابِسًا لَيْسَ فِيهِ مَاءٌ وَلَا طِينٌ.
قولُهُ: {لَا تَخَافُ دَرَكًا} هُوَ خَبَرٌ مُرَادٌ بِهِ الْبُشْرَى، وَوَعْدٌ مِنَ اللهِ تَعَالَى لِمُوسَى ـ عَلَيْهِ السّلامُ، أَنَّهُ لَا يَخَافُ دَرَكًا مِنْ فِرْعَوْنَ وَرَاءَهُ أَنْ يَنَالَهُ بِسُوءٍ. وقدِ اقْتُصِرَ عَلَى وَعْدِهِ بِهَذَا دُونَ بَقِيَّةِ قَوْمِهِ لِأَنَّهُ قُدْوَتُهُمْ فَإِذَا لَمْ يَخَفْ هُوَ تَشَجَّعُوا وَقَوِيَ يَقِينُهُمْ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنْهُما، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: "لَا تَخَافُ دَرَكًا" قَالَ: مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ "وَلَا تَخْشَى" مِنَ الْبَحْرِ غَرَقًا. وَجَمِيعُ المُفَسِّرينَ عَلَى ذَلِكَ. وانْظُرْ: جامِعَ البَيَانِ عنْ تأْويلِ آيِ القرآنِ" للطَّبريِّ: (16/191)، و "الكَشْفُ والبَيَانُ عَنْ مَعاني القرآنِ" للثَّعْلَبيِّ: (3/22 أ).
وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ أَصْحَاب مُوسَى: هَذَا فِرْعَوْن قَدْ أَدْرَكَنَا، وَهَذَا الْبَحْرُ قَدْ عَمَّنَا. فَأَنْزَلَ اللهُ تعالى: "وَلَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى" مِنَ الْبَحْرِ غَرَقًا وَلَا وَحْلًا.
قوْلُهُ: {وَلاَ تخشى} الخَشْيَةُ هِيَ أَعْظَمُ الخَوْفِ، وَلِذَلِكَ فقدِ اخْتِيرَتِ هُنَا لِأَنَّهُ عُبِّرَ عَنِ إِدْرَاكِ فِرْعَوْنَ وجُنْدِهِ لَهُمْ بالخَوْفِ، وَالغَرَقُ في البحْرِ أَعْظَمُ خَطَرًا مِنَ إِدْرَاكِ فِرْعَوْنَ وَجُنُودِهِ لهُمْ، لِأَنَّ إِدْراكَهمْ يحتمِلُ السلامةَ والنَّجَاةَ بيْنمَا الغرَقُ لا سلامةَ فِيهِ، ثُمَّ إِنَّهُمْ ذَكَرُوا مَا يَدُلُّ عَلَى خَوْفِهِمْ مِنْ إِدْراكِهِ أَوَّلًا كما جاءَ في الآيةِ: 61، مِنْ سُورَةِ الشُّعَراءِ: {فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ}، وَلَذَلكَ سُورِعَ فِي إِزَالَةِ خوفِهِم بِتَقْديمِ نَفْيِهِ، فأَجابهُمْ مُوسَى ـ عَلَيْهِ السلامُ: {قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِين}.
وَهُوَ عَطْفٌ عَلَى "لا تَخَافُ"، بحَسَبِ قِراءَةِ الرَّفْعِ؛ وَاسْتِئنافٌ بِحْسَبِ قِراءَةِ الجَزْمِ، أَيْ وَأَنْتَ لَا تَخْشَى، وَقِيلَ: هو عَطْفٌ عَلَى المَجْزومِ، وجيءَ بالأَلِفِ للإِطْلاقِ مُراعاةً لِأَوَاخِرِ الآيِ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى مِنْ سورةِ الأحزابِ: {وتَظُنُّونَ باللهِ الظُّنونَا} الآيَةَ: 10، وكقولِهِ في الآيةَ: 67، مِنْ نَفْسِ السُورةِ: {فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا}، أَوْ هُوَ مَجْزُومٌ بِحَذْفِ الحَرَكَةِ المُقَدَّرَةِ كَمَا فِي قَوْلِ الرَّاجِزِ رُؤْبةَ بْنِ العَجَّاجِ:
إذَا العَجُوزُ غَضِبَتْ فَطلِّقِ ....................... وَلَا تَرَضَّاهَا وَلَا تَمَلَّقِ
وَهَذِهِ عِنْدَ قَوْمٍ لُغَةٌ قَلِيلَةٌ، وَعِنْدَ آخَرينَ ضَرُورَةٌ فَلَا يَجُوزُ تَخْرجُ التَنْزيلِ الجَلِيلِ الشَّأْنِ عَلَيْهِ، أَوْ لَا يَلِيقُ مَعَ وُجُودِ مِثْلِ الاحْتِمَالَيْنِ السَّابِقَيْنِ، أَوِ الأَوَّلِ مِنْهُمَا.
وَقَدْ أَوْضَحَ هَذِهِ الْقِصَّةَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ مِنْ كتابِهِ العزيزِ، فَقَالَ مِنْ سُورَةِ الشُّعَرَاءِ: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ * فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ * إِنَّ هَؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ * وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ * وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ * فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ * فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ * فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ} الآياتِ: (52 ـ 63).
فَقَوْلُهُ فِي سُورةِ الشُّعَرَاءِ: {أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ}، أَيْ: فَضَرَبَهُ فَانْفَلَقَ، يُوَضِّحُ مَعْنَى قَوْلِهِ هُنَا: "فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا"، وَقَوْلُهُ هناكَ: {قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} يُوَضِّحُ مَعْنَى قَوْلِهِ هُنَا: "لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى"، وَقَدْ أَشَارَ تَعَالَى إِلَى ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ مِنْ سُورَةِ الدُّخَانِ: {فَدَعَا رَبَّهُ أَنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ مُجْرِمُونَ * فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلًا إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ * وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ} الآيات: (22 ـ 24)، إِلَى غَيْرِها مِنَ الْآيَاتِ.
قوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى} الواوُ: اسْتِئْنَافِيَّةٌ، وَاللَّامُ: مُوَطِّئَةٌ للْقَسَمِ، و "قد" حَرْفُ تَحْقِيقٍ. و "أَوْحَيْنَا" فِعْلٌ ماضٍ مبنيٌّ على السُّكونِ لاتِّصالِهِ بِضَمِيرِ رَفْعٍ مُتَحَرِّكٍ هوَ "نَا" المُعَظِّمِ نَفْسَهِ ـ سُبْحانَهُ، وَ "نا" التَعْظيمِ هَذِهِ ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكونِ في مَحَلِّ الرَّفْعِ بالفاعِلِيَّةِ، و "إِلَى" حَرْفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِـ "أَوْحَيْنَا"، و "مُوسَى" مَجْرُورٌ بِحَرْفِ الجَرِّ، وعلامةُ جَرِّهِ كَسْرَةٌ مُقَدَّرةٌ عَلَى آخِرِهِ لتَعَذُّرِ ظهُرِها على الأَلِفِ، والجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ هَذِهِ: جَوَابُ القَسَمِ لا مَحَلَّ لَهَا مِنَ الإعرابِ، وَجُمْلَةُ القَسَمِ مُسْتَأْنَفَةٌ لا مَحَلَّ لها مِنَ الإعرابِ.
قَوْلُهُ: {أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي} أَنْ: مُفَسِّرَةٌ بِمَعْنَى "أَيْ". و "أَسْرِ" فِعْلُ أَمْرٍ مَبْنِيٌّ عَلَى حَذْفِ حَرْفِ العِلَّةِ مِنْ آخِرِهِ، وَفَاعِلُهُ ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ فِيهِ "وُجُوبًا" تقديرُهُ "أَنْتَ" يَعُودُ عَلَى "مُوسَى" ـ عَلَيْهِ السَّلامُ. و "بِعِبَادِي" الباءُ: حرفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِـ "أَسْرِ"، و "عِبَادِي" مَجْرُورٌ بحرفِ الجَرِّ مُضافٌ، وَاليَاءُ ضميرُ المُتَكَلِّمِ مُتَّصِلٌ بِهِ في مَحَلِّ الجَرِّ بالإضافةِ إِلَيْهِ، وَالجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ هَذِهِ مُفَسِّرَةٌ لِجُمْلَةِ "أَوْحَيْنَا" لا مَحَلَّ لها مِنَ الإعرابِ.
قوْلُهُ: {فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا} الفاءُ: عَاطِفَةٌ، و "اضْرِبْ" فِعْلُ أَمْرٍ مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكونِ، وفاعِلُهُ ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ فِيهِ "وُجُوبًا" تقديرُهُ "أَنْتَ" يَعُودُ عَلَى "مُوسَى" ـ عَلَيْهِ السَّلامُ. و "لَهُمْ" اللامُ: حَرْفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِـ "اضْرِبْ"، قائِمٌ مَقَامَ المَفْعُولِ الثانِي؛ لِأَنَّ "ضَرَبَ" هُنَا بِمَعْنَى "جَعَلَ" فيتعدَّى إلى مَفعولَيْنِ، وَالهَاءُ: ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في مَحَلِّ الجرِّ بِحَرْفِ الجَرِّ، والميمُ للجَمْعِ المُذَكَّرِ. وَ "طَرِيقًا" مَفْعُولُهُ الأَوَّلُ مَنْصوبٌ بِهِ، وَذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ المَجَازِ: وَهُوَ أَنَّ الطَّريقَ مُتَسَبِّبٌ عَنْ ضَرْبِ البَحْرِ، إِذِ المَعْنَى: اضْرِبِ البحْرَ لِيَنْفَلِقَ لَهُمْ فَيَصِيرَ طَريقًا، فَبِهَذَا صَحَّ نِسْبَةُ الضَّرْبِ إِلَى الطَّريقِ. وَقِيلَ: "ضَرَبَ" هُنَا بِمَعْنَى جَعَلَ أَيْ: اجْعَلْ لَّهُمْ طَريقًا، وَأَشْرِعْهُ فِيهِ. ويَجوزُ أَنْ يكونَ مَنْصُوبًا عَلَى الظَّرْفِيَّةِ المكانيَّةِ، وَقدَّرَهُ أَبو البَقَاءِ العُكْبُريُّ بِـ: مَوْضِعَ طَريقٍ، فَهُوَ مَفْعُولٌ بِهِ عَلَى الظَّاهِرِ. وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ مِنْ سورةِ الشُّعَراءِ: {أَنِ اضرب بِّعَصَاكَ البحر} الآيةَ: 63، وَهُوَ مِثْلُ قولِكَ: ضَرَبْتُ فلانًا. وَقِيلَ: "ضَرَبَ" هُنَا بِمَعْنَى "جَعَلَ"، وَ "شَرَعَ" مِثْلَ قَوْلِهِمْ: ضَرَبْتُ لَهُ بسَهْمٍ في الأمْرِ الفلانِيِّ. فَقَوْلُ العُكْبُريِّ أعلاهُ (عَلَى الظَّاهِرِ) يَعْنِي أَنَّهُ لَوْلَا التَّأْويلُ لَكَانَ ظَرْفًا. وَ "فِي" حرفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِصِفَةٍ أُولَى لِـ "طَرِيقًا"، و "الْبَحْرِ" مَجْرورٌ بِحِرْفِ الجَرِّ. و "يَبَسًا" صِفَةٌ ثَانِيَةٌ لِـ "طَرِيقًا" وَهُوَ وَصْفٌ لَهُ بِمَا يَؤُولُ إِلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَبَسًا بَعْدُ، إِنَّمَا مَرَّتْ عَلَيْهِ ريحُ الصَّبَا فَجَفَّفَتْهُ، كَمَا تقدَّمَ فِي مَبْحَثِ التَّفْسيرِ. وَهَلِ هُوَ فِي الأَصْلِ مَصْدَرٌ وُصِفَ بِهِ مُبَالَغَةً، أَوْ هوَ عَلى حَذْفِ مُضافٍ، أَوْ هوَ جَمْعُ "يَابْسٍ" ك "خادِمْ" و "خَدَم"، فَوُصِفَ بِهِ الوَاحِدُ مُبَالَغَةً كَقَوْلِ القُطامي المُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُ في مبحَثِ التفسيرِ:
كَأَنَّ قُتُودَ رَحْلِي حِينَ ضَمَّتْ ................ حَوَالِبَ غُرْزًا وَمَعِيَ جِيَاعا
أَيْ: كَجَمَاعَةٍ جِياعٍ، وَصَفَ بِهِ لِفَرْط جُوعِهِ؟. وَالجُمْلَةُ مَعْطُوفَةٌ عَلَى جُمْلَةِ "أَسْرِ"، عَلَى كَونِها جُمْلَةً مُفَسِّرَةً لِجُمْلَةِ "أَوْحَيْنَا" فليسَ لَهَا مَحَلَّ مِنَ الإعرابِ.
قوْلُهُ: {لَا تَخَافُ دَرَكًا} لَا: نَافِيَةٌ، و "تَخَافُ" فِعْلٌ مُضَارِعٌ مَرْفوعٌ لتجرُّدِهِ مِنَ الناصِبِ والجازِمِ، وَفاعِلُهُ ضَمِيرٌ مُسْتترٌ فِيهِ وُجوبًا تقديرُهُ (أنتَ) يَعُودُ عَلَى سيِّدِنا "مُوسَى" ـ عليْهِ السَّلامُ. و "دَرَكًا" مَفْعُولُهُ مَنْصوبٌ بِهِ، وَالجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ هذِهِ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ على الحالِ مِنْ فَاعِلِ "اضْرِبْ"؛ أَيْ: اضْرِبْ لَهُمْ طَريقًا حَالَةَ كَوْنِكَ غَيْرَ خَائِفٍ، أَوْ صِفَةٌ لِـ "طَرِيقًا"، والعائدُ: مَحْذوفٌ؛ أَيْ: "لَا تَخَافُ" فِيهِ، أَوْ ِهيَ: جُمْلَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ لا مَحَلَّ لها مِنَ الإعرابِ.
قَوْلُهُ: {وَلَا تَخْشَى} الوَاوُ: حرفٌ للعَطْفِ، و "لَا" نافيَةٌ كَسابقتِها. و "تَخْشَى" فِعْلٌ مُضَارِعٌ مَرْفوعٌ لِتَجَرُّدِهِ مِنَ الناصِبِ والجَازِمِ، وعلامةُ رَفْعِهِ ضمَّةٌ مُقدَّرةٌ على آخِرِهِ، لتَعَذُّرِ ظهُورِها عَلَى الأَلِفِ. وَفاعِلُهُ ضَمِيرٌ مُسْتترٌ فِيهِ وُجوبًا تقديرُهُ (أنتَ) يَعُودُ عَلَى سيِّدِنا "مُوسَى" ـ عَلَيْهِ السَّلامُ. والجُمْلةُ مَعْطوفَةٌ عَلَى جُمْلَةِ "لَا تَخَافُ".
قَرَأَ أَبو حَيَوَةَ ـ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: {طَريقًا يَبَسًا}، أَيْ: يَابِسًا، عَلَى أَنَّهُ مَصْدَرًا جُعِلَ وَصْفًا لِـ "طَريقًا" مُبَالَغَةً، وَهُوَ يَسْتَوِي فِيهِ الوَاحِدُ المُذَكَّرُ وَغَيْرُهُ، وَقَرَأَهُ أَيْضًا: "يابِسًا" أَيْ: اسْمَ فَاعِلٍ. وَقَرَأَ الحَسَنُ ـ رَضِيَ اللهُ تعالى عَنْهُ: "طَريقًا يَبْسًا" بِالسُّكونِ. وَهُوَ مَصْدَرٌ أَيْضًا. وَقِيلَ: المَفْتُوحُ اسْمٌ، والسَّاكِنُ مَصْدَرٌ.
قَرَأَ العامَّةُ: {لا تَخَافُ} مَرْفُوعًا، على أَنَّهُ مُسْتَأْنَفٌ، فَلَا مَحَلَّ للجُملَةِ مِنَ الإِعْرَابِ ـ كَمَا تقدَّمَ. أَوْ عَلَى أَنَّهُ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ عَلَى الحَالِ مِنْ فاعِلِ "اضْرِبْ" أَيْ: اضْرِبْ غَيْرَ خائفٍ. أَوْ أَنَّهُ صِفَةٌ لِـ "طَريقًا"، والعائدُ مَحْذوفٌ، أَيْ لَا تَخَافُ فِيهِ.
وَقَرَأَ الأَعْمَشُ، وَحَمْزَةُ، وَابْنُ أَبي لَيْلَى "لَا تَخَفْ"، بِالْجَزْمِ عَلَى أَنَّ "لا" نَاهِيَةُ وَلَيْسَتْ نافيةً، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ نَهْيٌ مُسْتَأْنَفٌ كَمَا ذَكَرَهُ الزَّجَّاجُ. وَفِيها أَوْجُهٌ:
أَحَدُهُا: أَنْ يَكونَ نَهْيًا مُسْتَأْنَفًا.
الثاني: أَنَّ يكونَ نَهْيًا أَيْضًا، فِي مَحَلِّ النَّصْبِ عَلى الحالِ مِنْ فَاعِلِ "اضْرِبْ"، والتَّقْدِيرُ: فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا غَيْرَ خَائِفٍ وَلَا خَاشٍ مِنْ أَحَدٍ. أَوْ صِفَةً لِـ "طَريقًا"، كَمَا تَقَدَّمَ فِي قِراءةِ العَامَّةِ، لِأَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى يَبَسٍ الَّذِي هُوَ صِفَةٌ، إِلَّا أَنَّ ذَلِكَ يَحْتَاجُ إِلَى إِضْمَارِ قَوْلٍ، أَيْ: مَقُولًا لَكَ، أَوْ طَريقًا مَقُولًا فِيهَا: لَا تَخَفْ. فَحَذَفَ الرَّاجِعَ مِنَ الصِّفَةِ. كَما في قَوْلِ العَجَّاجُ الراجِزِ:
حَتَّى إِذَا جَنَّ الظَّلامُ واخْتَلَطْ ...... جَاؤوا بِمَذْقٍ هَلْ رَأَيْتَ الذِّئْبَ قَطْ؟
أَيْ بِمَذْقٍ مَقُولٌ فِيهِ هَذَا الْقَوْلَ، ذلكَ لِأَنَّ فِيهِ لَوْنُ الزُّرْقَةِ الَّتِي هِيَ مَعْنَى الذِّئْبِ. لِأَنَّ اللَّبَنَ إِذَا خُلِطَ بِالْمَاءِ ضَرَبَ إِلَى الغُبْرَةِ، وَ "المَذْقُ" اللَّبَنُ المَمْزُوجُ بالمَاءِ.
وَيَجوزُ أَنْ يَكُونَ مُنْقَطِعًا عَمَّا قبْلِهِ فيكون خَبَرَ مُبْتَدَأٍ مَحْذوفٍ والتَّقْديرُ: وَأَنْتَ لَا تَخَافُ.
الثالث: أَنْ يكونَ جَزْمُهُ عَلَى أَنَّهُ جَوَابُ الأَمْرِ، أَيْ: إِنْ تَضْرَبْ طَريقًا يَبَسًا لَا تَخَفْ.
وَلَمْ يُقْرَأْ قَوْلُهُ: "وَلاَ تَخْشَى" إِلَّا ثَابِتَ الأَلِفِ. وَكَانَ مِنْ حَقِّ مَنْ قَرَأَ "لَا تَخَفْ" جَزْمًا أَنْ يَقْرأَ "لَا تَخْشَ" بِحَذْفِهَا، كَذَا قَالَ بَعْضُهُمْ. وَلَيْسَ بِشَيْءٍ لِأَنَّ القِراءَةَ سُنَّةٌ. وَفِيهَا أَوْجُهٌ:
أَحَدُهَا: أَنْ تَكونَ حَالًا. وَفِيهِ إِشْكالٌ: وَهُوَ أَنَّ المُضَارِعَ المَنْفِيَّ بـ "لَا" كَالمُثْبَتِ فِي عَدَمِ مُبَاشَرَةِ الوَاوِ لَهُ. وَتَأْوِيلُهُ عَلَى حَذْفِ مُبْتَدَأٍ، أَيْ: وَأَنْتَ لَا تَخْشَى كَقَوْلِ همامٍ السَّلولي مِنَ المُتقاربِ:
فَلَمَّا خَشِيتُ أَظَافِيرَهُمْ ........................ نَجَوْتُ وأرْهَنُهُمْ مَالِكَا
والثاني: أَنَّهُ مُسْتَأْنَفٌ. أَخْبَرَهُ تَعَالى أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ لَهُ خَوْفٌ.
والثالثُ: أَنَّهُ مَجْزومٌ بِحَذْفِ الحَرَكَةِ تَقْديرًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى مِنْ سُورَةِ الأَعْلَى: {فَلَا تَنَسَى} الآيَةَ: 6، فِي أَحَدِ القَوْلَيْنِ، إِجْراءً لِحَرْفِ العِلَّةِ مُجْرَى الحَرْفِ الصَّحيحِ. وَهَذَا مَذْهَبُ الْفَرَّاءِ، ومِنْهُ قَوْلُ الشاعِرِ الجاهليِّ عَبْدِ يَغوثِ بْنِ وَقَّاص:
وتَضْحَكُ مِنِّي شَيْخَةٌ عَبْشَمِيَّة ........... كَأَنْ لم تَرَيْ قَبْلي أَسِيرًا يَمانِيَا
وقولُ رُؤْبَةَ بْنِ العجَّاجِ:
إذَا العَجوْزُ غَضِبَتْ فَطَلِّقِ ....................... ولا تَرَضَّاها وَلَا تَمَلَّقِ
وَقَالَ أَبو عَمْرِو بْنُ العَلاءِ، مُخَاطِبًا الفَرَزْدَقَ وقدْ جاءَهُ مُعْتَذِرًا إِلَيْهِ مِنْ هِجاءٍ بَلَغَهُ عَنْهُ:
هَجَوْتَ زَبَّانَ ثُمَّ جِئْتَ مُعْتَذِرًا ......... مِنْ هَجْوِ زَبَّانَ لَمْ تَهْجُو وَلَمْ تَدَعِ
وَقَالَ قيسُ بْنُ زُهَيْرٍ العَبْسِيُّ:
أَلَمْ يَأْتِيكَ وَالْأَنْبَاءُ تَنْمِي ..................... بِمَا لَاقَتْ لَبُونُ بَنِي زِيَادِ
فأَثْبَتَ اليَاءَ فِي مَوْضِعِ جَزْمٍ، وَلِسُكونِهَا جَازَ، وَإِثْبَاتُ الْوَاوِ وَالْيَاءِ وَالْأَلِفِ مَعَ الْجَازِمِ لُغَةٌ لِبَعْضِ الْعَرَبِ وَضَرُورَةٌ لِغَيْرِهِمْ.
قَالَ النَّحَّاسُ: وَهَذَا مِنْ أَقْبَحِ الْغَلَطِ أَنْ يُحْمَلَ كِتَابُ اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ، عَلَى الشُّذُوذِ مِنَ الشِّعْرِ، وَأَيْضًا فَإِنَّ الَّذِي جَاءَ بِهِ مِنَ الشِّعْرِ لَا يُشْبِهُ مِنَ الْآيَةِ شَيْئًا، لِأَنَّ الْيَاءَ وَالْوَاوَ مُخَالِفَتَانِ لِلْأَلِفِ، لِأَنَّهُمَا تَتَحَرَّكَانِ وَالْأَلِفُ لَا تَتَحَرَّكُ، وَلِلشَّاعِرِ إِذَا اضْطُرَّ أَنْ يُقَدِّرَهُمَا مُتَحَرِّكَتَيْنِ ثُمَّ تُحْذَفُ الْحَرَكَةُ لِلْجَزْمِ، وَهَذَا مُحَالٌ فِي الْأَلِفِ.
والرَّابِعُ: أَنَّهُ مَجْزُومٌ أَيْضًا وَعَلامَةُ جَزْمِهِ حَذْفُ حَرْفِ العِلَّةِ. وَهَذِهِ الأَلِفُ هِيَ أَلِفُ إِشْبَاعٍ أُتِيَ بِهَا مُوَافَقَةً للْفَوَاصِلِ وَرُؤوسِ الآيِ، فَهِيَ كالَّتِي فِي قَوْلِهِ في الآيةِ: 10، مِنْ سَورَةِ الأَحْزَابِ: {الظُّنُونَا} وقولِهِ في الآيةِ: 66، منها: {الرَّسُولَا}، وَقولِهِ في الآيةِ: 67، مِنْهَا: {فأَضَلُّونا السَّبِيلَا}، وَلَيْسَتْ لَامَ الكَلِمَةِ.
وَإِنَّما يُحْتَاجُ إِلَى هَذِهِ الأَوْجُهِ الأَرْبَعَةِ فِي قِرَاءَةِ جَزْمِ "لَا تَخَفْ". وأَمَّا مَنْ قَرَأَهُ مَرْفُوعًا فَهَذَا مَعْطُوفٌ عَلَيْهِ.
وَقَرَأَ أَبُو حَيَوَةَ، وَطَلْحَةُ، والأَعْمَشُ: {دَرَكًا} بِسُكونِ الرَّاءِ، وَهُوَ اسْمٌ مِنَ الإِدْرَاكِ، أَيْ: اللُّحُوقِ، كَ "الدَرَكِ" بِالتَّحْريكِ، وَقَالَ الرَّاغِبُ الأَصْفهانيِّ: الدَرَكُ ـ بالتَّحْريكِ فِي الآيَةِ مَا يَلْحَقُ الإِنْسَانَ مِنْ تَبِعَةٍ، أَيْ: لا تَخَافُ تَبِعَةً.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الموسوعةُ القرآنيةُ (فيضُ العليم مِن معاني الذكْر الحكيم) سورةُ (طه) الآية: 77
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الموسوعةُ القرآنيةُ (فيضُ العليم مِن معاني الذكْر الحكيم) سورةُ (طه) الآية: 128
» الموسوعةُ القرآنيةُ (فيضُ العليم مِن معاني الذكْر الحكيم) سورةُ (طه) الآية: 14 (1)
» الموسوعةُ القرآنيةُ (فيضُ العليم مِن معاني الذكْر الحكيم) سورةُ (طه) الآية: 29
» الموسوعةُ القرآنيةُ (فيضُ العليم مِن معاني الذكْر الحكيم) سورةُ (طه) الآية: 45
» الموسوعةُ القرآنيةُ (فيضُ العليم مِن معاني الذكْر الحكيم) سورةُ (طه) الآية: 61

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
روضة الشاعر عبد القادر الأسود :: ...:: الروضة الروحانية ::... :: روضة الذكر الحكيم-
انتقل الى: