روضة الشاعر عبد القادر الأسود
بعد الصلاة على الرحمة المهداة

أهلا وسهلا بك في روضتنا

يسرنا تسجيلك

روضة الشاعر عبد القادر الأسود
بعد الصلاة على الرحمة المهداة

أهلا وسهلا بك في روضتنا

يسرنا تسجيلك

روضة الشاعر عبد القادر الأسود
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

روضة الشاعر عبد القادر الأسود

منتدى أدبي اجتماعي يعنى بشؤون الشعر والأدب والموضوعات الاجتماعي والقضايا اللإنسانية
 
مركز تحميل الروضةالرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
بسـم الله الرحمن الرحيم  :: الحمد لله رب العالمين * الرحمن الرحيم * مالك يوم الدين * إياك نعبد وإياك نستعين * إهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين أنعمت عليهم * غير المغضوب عليهم ولا الضــالين ....  آميـــن

 

 الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 24

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
عبد القادر الأسود

¤° صاحب الإمتياز °¤
¤° صاحب الإمتياز °¤
عبد القادر الأسود


عدد المساهمات : 3986
تاريخ التسجيل : 08/09/2011
العمر : 76
المزاج المزاج : رايق
الجنس : ذكر
الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 24 Jb12915568671



الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 24 Empty
مُساهمةموضوع: الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 24   الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 24 I_icon_minitimeالإثنين يوليو 29, 2019 4:11 pm

إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا
(24)


قوْلُهُ ـ تَعَالى شَأْنُهُ: {إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللهُ} اسْتِثْنَاءٌ مِمَّا قَبْلَهُ. وَقدِ اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرونَ فِي كَيْفِيَّةِ نَظْمِ هَذَا، فَمُقْتَضَى كَلَامِ الزَّمَخْشَرِيِّ أَنَّهُ مِنْ بَقِيَّةِ جُمْلَةِ النَّهْيِ، أَيْ هُوَ اسْتِثْنَاءٌ مَنْ حُكْمِ النَّهْيِ، والمَعنَى لَا تَقُولَنَّ: إِنِّي فَاعِلٌ إِلَخْ .. . إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللهُ أَنْ تَقُولَهُ. وَمَشِيئَةُ اللهِ تُعْلَمُ مِنْ إِذْنِهِ بِذَلِكَ، فَصَارَ الْمَعْنَى: إِلَّا أَنْ يَأْذَنَ اللهُ لَكَ بِأَنْ تَقُولَهُ. وَعَلِيْهِ فَالْمَصْدَرُ المَسْبُوكُ مِنْ "أَنْ يَشاءَ اللهُ" مُسْتَثْنًى مِنْ عُمُومِ الْمَنْهِيَّاتِ، وَهُوَ مِنْ كَلَامِ اللهِ تَعَالَى، وَمَفْعُولُ "يَشاءَ اللهُ" مَحْذُوفٌ دَلَّ عَلَيْهِ مَا قَبْلَهُ كَمَا هُوَ شَأْنُ فِعْلِ الْمَشِيئَةِ وَالتَّقْدِيرُ: إِلَّا قَوْلًا شَاءَهُ اللهُ فَأَنْتَ غَيْرُ مَنْهِيٍّ عَنْ أَنْ تَقُولَهُ. وَمُقْتَضَى كَلَامِ الْكِسَائِيِّ وَالْأَخْفَشِ وَالْفَرَّاءِ أَنَّهُ مُسْتَثْنًى مِنْ جُمْلَةِ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَدًا، فَيَكُونُ مُسْتَثْنًى مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وصحبِهِ وَسَلَّمَ، الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، أَيْ إِلَّا قَوْلًا مُقْتَرِنًا بِـ (إِنْ شَاءَ اللهُ)، فَيَكُونُ الْمَصْدَرُ الْمُنْسَبِكُ مِنْ "أَنْ" وَالْفِعْلِ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى نَزْعِ الْخَافِضِ، وَهُوَ بَاءُ الْمُلَابَسَةِ. وَالتَّقْدِيرُ: إِلَّا بِـ "أَنْ يَشَاءَ اللهُ"، أَيْ: بِمَا يَدُلُّ عَلَى ذِكْرِ مَشِيئَةِ اللهِ، لِأَنَّ مُلَابَسَةَ القَوْلِ لِحَقِيقَةِ الْمَشِيئَةِ مُحَالٌ، فَعُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ تَلَبُّسُهُ بِذِكْرِ الْمَشِيئَةِ بِلَفْظِ (إِنْ شَاءَ اللهُ) وَنَحْوِهِ، فَالْمُرَادُ بِالْمَشِيئَةِ إِذْنُ اللهِ تَعَالى لَهُ ـ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، وعَلَى هَذَا فقد فُسِّرَتِ المَشيئَةُ بالإِذْنِ لأَنَّ وَقْتَ المَشيئَةِ لا يُعْلَمُ إِلَّا بإِعْلامِهِ تَعَالى بِهِ وَإِذْنِهِ فِيهِ، فَيكونُ مَآلُ المَعْنَى لَا تَقُولَنَّ إِلَّا بَعْدَ أَنْ يُؤْذَنَ لَكَ بِالقَوْلِ. وَقَدْ جَمَعَتْ هَذِهِ الْآيَةُ كَرَامَةً للنَّبِيِّ ـ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، مِنْ ثَلَاثِ جِهَاتٍ:
الْأُولَى: أَنَّهُ ـ سُبْحانَهُ، أَجَابَ سُؤْلَهُ، فَبَيَّنَ لَهُمْ مَا سَأَلُوهُ إِيَّاهُ عَلَى خِلَافِ عَادَةِ اللهِ مَعَ الْمُكَابِرِينَ.
الثَّانِيَةُ: أَنَّهُ عَلَّمَهُ عِلْمًا عَظِيمًا مِنْ أَدَبِ النُّبُوَّةِ.
الثَّالِثَةُ: أَنَّهُ مَا عَلَّمَهُ ذَلِكَ إِلَّا بَعْدَ أَنْ أَجَابَ سُؤْلَهُ اسْتِئْنَاسًا لِنَفْسِهِ أَنْ لَا يُبَادِرَهُ بِالنَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُجِيبَهُ، كَيْلَا يَتَوَهَّمَ أَنَّ النَّهْيَ يَقْتَضِي الْإِعْرَاضَ عَنْ إِجَابَةِ سُؤَالِهِ، وَكَذَلِكَ شَأْنُ تَأْدِيبِ الْحَبِيبِ الْمُكَرَّمِ. وَمِثَالُهُ مَا فِي الصَّحِيحِ: أَنَّ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: ((سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ فَأَعْطَانِي، ثُمَّ سَأَلْتُهُ فَأَعْطَانِي، ثُمَّ سَأَلْتُهُ فَأَعْطَانِي، ثُمَّ قَالَ: يَا حَكِيمُ إِنَّ هَذَا الْمَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ، فَمَنْ أَخَذَهُ بِسَخَاوَةِ نَفْسٍ بُورِكَ لَهُ فِيهِ، وَمَنْ أَخَذَهُ بِإِشْرَافِ نَفْسٍ لَمْ يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ، وَكَانَ كَالَّذِي يَأْكُلُ وَلَا يَشْبَعُ، وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى)). قَالَ حَكِيمٌ: يَا رَسُولَ اللهِ! وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَا أَرْزَأُ أَحَدًا بَعْدَكَ شَيْئًا حَتَّى أُفَارِقَ الدُّنْيَا)). أَخْرَجَهُ الحُمَيْدِيُّ: (553). وأَحْمَدُ: (3/434، برقم: 15659). والدارِمِي: (1650 و 2750). والبُخَارِي: (2/152، برقم: 1472) و: (4/6، برقم: 2750) و (4/113، برقم: 3143) و: (8/116، برقم: 6441). ومُسْلِمٌ: (3/94، برقم: 2351). والتِّرْمِذِيُّ: (2463). والنَّسائيُّ: (5/60)، وفي الكُبْرَى: (2322). و: (2395). فَقد عَلِمَ حَكِيمٌ أَنَّ قَوْلَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ، لَهُ ذَلِكَ لَيْسَ الْقَصْدُ مِنْهُ مَنْعَهُ مِنْ سُؤْلِهِ وَإِنَّمَا قَصَدَ مِنْهُ تَخْلِيقَهُ بِخُلُقٍ جَمِيلٍ، فَلِذَلِكَ أَقْسَمَ حَكِيمٌ: أَنْ لَا يَأْخُذَ عَنْ أَحَدٍ غَيْرِ رَسُولِ اللهِ شَيْئًا، وَلَمْ يَقُلْ: لَا أَسْأَلُكَ بَعْدَ هَذِهِ الْمَرَّةِ شَيْئًا. فَإِنَّ نَظْمَ الْآيَةِ أَنَّ اللَّامَ فِي قَوْلِهِ: "لِشَيْءٍ" لَيْسَتِ اللَّامَ الَّتِي يَتَعَدَّى بِهَا فِعْلُ الْقَوْلِ إِلَى الْمُخَاطَبِ بَلْ هِيَ لَامُ الْعِلَّةِ، أَيْ لَا تَقُولَنَّ: إِنِّي فَاعِلٌ كَذَا لِأَجْلِ شَيْءٍ تَعِدُ بِهِ، فَاللَّامُ فيهِ بِمَنْزِلَةِ (فِي). وَ "شَيْءٍ" اسْمٌ مُتَوَغِّلٌ فِي التَّنْكِيرِ يُفَسِّرُهُ الْمَقَامُ والسِّياقُ، أَيْ: لِشَيْءٍ تُرِيدُ أَنْ تَفْعَلَهُ.
وَالْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: "ذلِكَ" عَائِدَةٌ إِلَى "شَيْءٍ". أَيْ إِنِّي فَاعِلٌ الْإِخْبَارَ بِأَمْرٍ يَسْأَلُونَهُ. و "غَدًا" مُسْتَعْمَلٌ فِي الْمُسْتَقْبَلِ مَجَازًا. وَلَيْسَ المُرادُ بِهَا الْيَوْمَ الَّذِي يَلِي اليَوْمَ المُتَكَلَّمَ فيهِ، وَلَكِنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ فِي مَعْنَى الزَّمَانِ الْمُسْتَقْبَلِ، كَمَا يُسْتَعْمَلُ الْيَوْمُ بِمَعْنَى زَمَانِ الْحَالِ، وَالْأَمْسُ بِمَعْنَى زَمَنِ الْمَاضِي. وَقَدْ جَمَعَهَا قَوْلُ زُهَيْرٍ بْنُ أبي سُلْمَى في بيتٍ مِنَ الشِّعرِ فقالَ:
وَأَعْلَمُ عِلْمَ الْيَوْمِ وَالْأَمْسِ قَبْلَهُ ......... وَلَكِنَّنِي عَنْ عِلْمِ مَا فِي غَدٍ عَمِ
وَظَاهِرُ الْآيَةِ اقْتِصَارُ إِعْمَالِهَا عَلَى الْإِخْبَارِ بِالْعَزْمِ عَلَى فِعْلٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ دُونَ مَا كَانَ مِنَ الْكَلَامِ إِنْشَاءً مِثْلَ الْأَيْمَانِ، فَلِذَلِكَ اخْتَلَفَ فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ فِي شُمُولِ هَذِهِ الْآيَةِ لِإِنْشَاءِ الْأَيْمَانِ وَنَحْوِهَا، فَقَالَ جُمْهُورُهُمْ: يَكُونُ ذِكْرُ "إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ" حَلًّا لِعَقْدِ الْيَمِينِ يُسْقِطُ وُجُوبَ الْكَفَّارَةِ. وَلَعَلَّهُمْ أَخَذُوهُ مِنْ مَعْنَى "شَيْءٍ" فِي قَوْلِهِ: وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ إِلَخْ: بِحَيْثُ إِذَا أَعْقَبْتَ الْيَمِينَ بِقَوْلِ "إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللهُ" وَنَحْوِهِ لَمْ يَلْزَمِ الْبِرُّ فِي الْيَمِينِ. وَرُويَ عَنْ الإمامِ مَالِكٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ قَوْلَهُ: "وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ" إِلَخْ .. . إِنَّمَا قُصِدَ بِذَلِكَ ذِكْرُ اللهِ عِنْدَ السَّهْوِ، وَلَيْسَ بِاسْتِثْنَاءٍ. يَعْنِي أَنَّ حُكْمَ الثُّنْيَا فِي الْأَيْمَانِ لَا يُؤْخَذُ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ بَلْ هُوَ مِمَّا ثَبَتَ بِالسَّنَةِ. وَلِذَلِكَ لَمْ يُخَالِفْ مَالِكٌ فِي إِعْمَالِ الثُّنْيَا فِي الْيَمِينِ، وَهِيَ قَوْلُ: (إِنْ شَاءَ اللهُ). وَهَو قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ أَيضًا ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما.
قوْلُهُ: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ} هوَ عَطْفٌ عَلَى النَّهْيِ، أَيْ: لَا تَعِدْ بِوَعْدٍ فَإِنْ نَسِيتَ فَقُلْتَ: إِنِّي فَاعِلٌ، فَاذْكُرْ رَبَّكَ، أَيِ: اذْكُرْ مَا نَهَاكَ عَنْهُ. وَالْمُرَادُ بِالذِّكْرِ التَّدَارُكُ، وَهُوَ هُنَا مُشْتَقٌّ مِنَ الذُّكْرِ ـ بِضَمِّ الذَّالِ، وَهُوَ كِنَايَةٌ عَنْ لَازِمِ التَّذَكُّرِ، وَهُوَ الِامْتِثَالُ، كَمَا قَالَ أَميرُ المُؤْمنينَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ـ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ: (أَفْضَلُ مِنْ ذِكْرِ اللهِ بِاللِّسَانِ ذِكْرُ اللهِ عِنْدَ أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ).
"وَاذْكُرْ رَبَّكَ" أَيْ واذكُرْ مَشِيئَةَ رَبِّكَ، فالكَلامُ عَلَى حَذْفِ مُضافٍ، وَذِكْرُ مَشِيئَتِهِ تَعَالَى أَنْ يُقالَ: "إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى"، وَهُوَ مَا دَلَّ عَلَيْهِ مَا قَبْلُ. وَقْدْ قالَ ذَلِكَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حِينَ نَزلَتْ، وَ "إِذَا نَسِيتَ" أَيْ: إِذا نَسيتَ أَنْ تقولَ ذَلِكَ ثُمَّ تَذَكَّرْتَهُ، فإِنَّهُ غيرُ مأْمورٍ بِالذِّكْرِ مَا دَامَ نَاسِيًا، وَبَعْضُ الَّذِينَ أَعْمَلُوا آيَةَ "إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ" فِي حَلِّ الْأَيْمَانِ بِذِكْرِ الِاسْتِثْنَاءِ بِمَشِيئَةِ اللهِ جَعَلُوا قَوْلَهُ تَعَالى: "وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ" تَرْخِيصًا فِي تَدَارُكِ الثُّنْيَا عِنْدَ تَذَكُّرِ ذَلِكَ. فهوَ إِذًا أَمْرٌ بِالتَدَارُكِ عِنْدَ التَذَكُّرِ، سَوَاءٌ طالتِ المُدَّةُ أَمْ قَصُرَتِ. لِما أَخْرَجَ ابْنُ جَريرٍ، والطَبَرَانِيُّ، وابْنُ المُنْذِرِ، وَغَيْرُهُمْ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُما، أَنَّهُ كانَ يَرَى الاسْتِثْنَاءَ وَلَوْ بَعْدَ سَنَةٍ وَيَقْرَأُ الآيَةَ، ورُوِيَ ذَلِكَ أَيْضًا عَنْ أَئِمَّةِ أَهْلِ البَيْتِ ـ رضْوانُ اللهِ تَعَالى عليْهِم، وَهو مَرْوِيٌّ عَنِ الإمامِ أَحْمَدٍ ـ عَلَيْهِ رضوانُ اللهِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ عَنِ ابْنِ جُبَيْرٍ ـ رضِيَ اللهُ عنْهُ، فِي رَجُلٍ حَلَفَ، وَنَسِيَ أَنْ يَسْتَثْنِيَ، قالَ: لَهُ ثُنْيَاهُ إِلَى شَهْرٍ. وأَخْرَجَ ابْنُ أَبي حَاتِمٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينارٍ عَنْ عَطاء، أَنَّهُ قَالَ: مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَلَهُ الثُّنْيَا، حَلْبُ نَاقَةٍ، قالَ: وَكانَ طَاووس يَقولُ مَا دَامَ فِي مَجْلِسِهِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبي حاتمٍ أَيْضًا عَنْ إِبراهيم النَّخعيِّ ـ رَضِيَ اللهُ عنْهُ، قال: يَسْتَثْني مَا دَامَ فِي كلامِهِ. وجمهورُ الفُقَهاءِ عَلَى اشْتِرَاطِ اتِّصالِ الاسْتِثْنَاءِ في عَدَمَ الحَنْثِ، وَلَوْ صَحَّ جَوَازُ الفَصْلِ، وَعَدَمُ تَأْثيرِهِ في الأَحْكامِ، لا سِيَّما إِلى الغايَةِ المَرْوِيَّةِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُما، وهي سنةٌ ـ كما تقدَّمَ، لَمَا تَقَرَّرَ إِقْرَارٌ، وَلَا طَلاقٌ، ولا عِتَاقٌ، وَلَما عُلِمَ صِدْقٌ وَلا كَذِبٌ. وَقَدِ اسْتَدَلُّوا بِأَنَّ السُّنَّةَ المُطَهَّرةَ وَرَدَتْ بِخِلَافِهِ.
وقالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّ ذَلِكَ مِنْ خَصَائِصِهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَهُ ـ عَلَيْهِ صَلاةُ اللهِ وسَلامُهُ، أَنْ يَسْتَثْنِي وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ، بِخِلافِ غَيْرِهِ. فَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ أَبي حاتِمٍ، وابْنُ مِرْدُوَيْهِ، والطَبَرَانِيُّ فِي معجَمِهِ الكَبيرِ بِسَنَدٍ مُتَّصِلٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُمَا، أَنَّهُ قالَ في الآيَةِ: إِذَا نَسِيتَ الاسْتِثْنَاءَ فَاسْتَثْنِ إِذَا ذَكَرْتَ. ثُمَّ قَالَ: هِيَ خَاصَّةٌ لِرَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَيْسَ لِأَحَدِنَا أَنْ يَسْتَثْنِيَ إِلَّا فِي صَلَةِ يَمِينٍ، وَقِيلَ: لَيْسَ فِي الآيَةِ والخَبَرِ أَنَّ الاسْتِثْنَاءَ المُتَدارَكَ مِنَ القَوْلِ السَّابِقِ، بَلْ مِنْ مُقَدَّرٍ مَدْلُولٍ بِهِ عَلَيْهِ، والتَقْديرُ في الآيَةِ: كُلَّمَا نَسيتَ ذِكْرَ اللهِ تَعَالَى، اذْكُرْهُ حِينَ التَذَكُّرِ ـ إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى، وَفي الحَديثِ الشريفِ: ((لا أَنْسَى المَشيئَةَ بَعْدَ اليَومٍ، وَلا أَتْرُكُهَا ـ إِنْ شاءَ اللهُ تَعَالَى، أَوْ أَقُولُ: إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالى، إِذَا قُلْتُ: إِنِّي فاعِلٌ أَمْرًا فِيما بَعْدُ)).
يُحْكَى أَنَّهُ بَلَغَ الخليفةَ العباسيَّ المَنْصورَ، أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ النُّعْمَانَ ـ رَضِيَ اللهُ تَعَالى عَنْهُ، خَالَفَ ما نُقِلَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُما، فِي هَذِهِ المَسْأَلَةِ، فاسْتَدعاهُ لِيُنْكِرَ عَلَيْهِ، فَحَضَرَ، فَقَالَ لَهُ أَبُو حَنيفَةَ: هَذَا يَرْجِعُ إِلَيْكَ، إِنَّكَ تَأْخُذُ البَيْعَةَ بِالأَيْمَانِ، أَفَتَرْضَى أَنْ يَخْرُجُوا مِنْ عِنْدِكَ فَيَسْتَثْنُوا فَيَخْرُجُوا عَلَيْكَ؟ فَاسْتَحْسَنَ الخَلِيفَةُ المَنْصُورُ كَلامَهُ.
وَجُوِّزَ أَنْ يَكونَ المَعْنَى وَاذْكُرْ رَبَّكَ بِالتَسْبيحِ والاسْتِغْفارِ إِذَا نَسِيتَ الاسْتِثْنَاءَ، وَالمُرَادُ مِنْ ذَلِكَ المُبَالَغَةُ فِي الحَثِّ عَلَيْهِ بِإِيهامِ أَنَّ تَرْكَهُ مِنَ الذُّنُوبِ التي جِيبَ لَهَا التَوْبَةُ والاسْتِغْفَارُ. وَقِيلَ المَعْنَى: واذْكُرْ رَبَّكَ وَعِقَابَهُ إِذا تَرَكْتَ بَعْضَ مَا أَمَرَكَ بِهِ لِيَبْعَثَكَ ذَلِكَ عَلَى التَدَارُكِ، وَحَمْلِ النِسْيَانِ عَلَى التَّرْكِ مَجَازٌ لِعَلاقِةِ السَّبَبِيَّةِ والمُسَبّبِيَّةِ، أَوِ اذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا عَرَضَ لَكَ نِسْيَانٌ لِيُذَكِّرَكَ المَنْسِيَّ، وَعَلَيْهِ فَـ  "نَسِيتُ" مُنَزَّلٌ مَنْزِلَةَ اللازِمِ، وَعَلى هَذَيْنِ المَعْنَيَيْنِ، لَا يَخْفَى بُعْدُ ارْتِباطِ الآيَةِ بِمَا سَبَقَ.
وقدْ حَمَلَ قَتَادَةُ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُ، هَذِهِ الآيَةَ عَلَى أَدَاءِ الصَّلاةِ المَنْسِيَّةِ، عِنْدَ ذِكْرِهَا، فإِذا كانَ يُريدُ أَنَّ المَقْصودَ بالآيَةِ: وَاقْضِ الصَّلاةَ المَنْسِيَّةَ إِذْ ذَكَرْتَهَا، فَهُوَ وَأَمْرُ الارْتِباطِ كَمَا فِي سَابِقِهِ، وَإِنْ أَرادَ أَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى الأَمْرِ بِقَضَاءِ الصَّلاةِ المَنْسِيَّةِ عِنْدَ ذِكْرِهَا لِمَا أَنَّهَا دَلَّتْ عَلَى الأَمْرِ بِذِكْرِ الاسْتِثْنَاءِ المَنْسِيِّ، وَأَمْرُ الصَّلاةِ أَشَدُّ، والاهْتِمَامُ بِهَا أَعْظَمُ، فَالْأَمْرُ أَسْهَلُ، ولَكِنَّ ظَاهِرَ كَلامِهِمْ أَنَّهُ أَرادَ الأَوَّلَ، واللهُ أعلمُ.
وأَخْرَجَ ابْنُ أَبي شَيْبَةَ، والبَيْهَقِيُّ ـ فِي (شُعَبِ الإِيمانِ)، وَغَيْرُهُما، عَنْ عِكْرِمَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ فِي الآيَةِ، المَعْنى: اذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا غَضِبْتَ، وَوَجْهُ تَفْسيرِ النِّسْيَانِ بالغَضَبِ أَنَّهُ سَبَبٌ للنِّسْيانِ، وَأَمْرُ هذا القَوْلِ نَظيرُ مَا مَرَّ. وَفِي تَعْرِيفِ الْجَلَالَةِ بِالرُّبوبيَّةِ مُضَافًا إِلَى ضَمِيرِ الْمُخَاطَبِ دُونَ اسْمِ الْجَلَالَةِ الْعَلَمِ (الله) مِنْ كَمَالِ مُلَاطَفَتهِ لرَسُلِهِ مَا لَا يَخْفَى. وَقد حُذِفَ مَفْعُولِ "نَسِيتَ" لِظُهُورِهِ مِنَ الْمَقَامِ، أَيْ إِذَا نَسِيتَ النَّهْيَ فَقُلْتَ: إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ.
قوْلُهُ: {وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا} أَيِ: اذْكُرْ أَمْرَهُ وَنَهْيَهُ، وَقُلْ ذَلِكَ فِي نَفْسِكَ، وَادْعُهُ بِهَذَا. وهوَ عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ {فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ}، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ عَطْفًا عَلَى جُمْلَةِ "وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ". فإنَّهُ لَمَّا أَبَرَّ اللهُ وَعْدَ نَبِيِّهِ ـ صَلَّى الله عَلَيْهِ وسَلَّم، الَّذِي وَعَدَهُ الْمُشْرِكِينَ بِأَنْ يُبَيِّنَ لَهُمْ أَمْرَ أَهْلِ الْكَهْفِ، فَأَوْحَاهُ إِلَيْهِ، وَأَوْقَفَهُمْ عَلَيْهِ، أَعْقَبَ ذَلِكَ بِعِتَابِهِ عَلَى التَّصَدِّي لِمُجَارَاتِهِمْ فِي السُّؤَالِ عَمَّا هُوَ خَارِجٌ عَنْ غَرَضِ الرِّسَالَةِ دُونَ إِذْنٍ مِنَ اللهِ تَعَالى، وَأَمَرَهُ أَنْ يَذْكُرَ نَهْيَ رَبِّهِ. وَيَعْزِمَ عَلَى تَدْرِيبِ نَفْسِهِ عَلَى إِمْسَاكِ الْوَعْدِ بِبَيَانِ مَا يُسْأَلُ مِنْهُ بَيَانُهُ دُونَ أَنْ يَأْذَنَ اللهُ لهُ بِهِ. وأَمَرَهُ هُنَا أَنْ يُخْبِرَ سَائِلِيهِ بِأَنَّهُ مَا بُعِثَ لِلِاشْتِغَالِ بِمِثْلِ ذَلِكَ، وَأَنَّهُ يَرْجُو أَنَّ يَهْدِيَهُ اللهُ إِلَى مَا هُوَ أَقْرَبُ إِلَى الرُّشْدِ مِنْ بَيَانِ أَمْثَالِ هَذِهِ الْقِصَّةِ، فَإِنَّ الْهُدَى الَّذِي فِيهِ بَيَانُ الشَّرِيعَةِ أَعْظَمُ وَأَهَمُّ، وَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ الْقِصَّةُ تَشْتَمِلُ عَلَى مَوْعِظَةٍ وَهُدًى. وَقدِ انْتَصَبَ قولُهُ: "رَشَدًا" عَلَى تَمْيِيزِ نِسْبَةِ التَّفْضِيلِ مِنْ قَوْلِهِ: "لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا". وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَنْصُوبًا عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ مُبَيِّنٌ لِنَوْعِ فِعْلِ "أَنْ يَهْدِيَنِ" لِأَنَّ الرُّشْدَ نَوْعٌ مِنَ الْهِدَايَةِ. فَـ "عَسَى" مُسْتَعْمَلَةٌ هُنَا فِي الرَّجَاءِ تَأَدُّبًا، وَاسْمُ الْإِشَارَةِ "ذلكَ" عَائِدٌ إِلَى الْمَذْكُورِ مِنْ قِصَّةِ أَهْلِ الْكَهْفِ، بِقَرِينَةِ وُقُوعِ هَذَا الْكَلَامِ مُعْتَرِضًا فِي أَثْنَائِهَا. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى: وَارْجُ مِنَ اللهِ أَنْ يَهْدِيَكَ، فَيُذَكِّرَكَ أَنْ لَا تَعِدَ وَعْدًا بِبَيَانِ شَيْءٍ دُونَ إِذْنِ اللهِ ـ جلَّ وعَلا. وَالرَّشَدُ ـ بِفَتْحَتَيْنِ: الْهُدَى وَالْخَيْرُ. وَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِيهِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى فِي هَذِهِ السُّورَةِ المُباركةِ: {وَهَيِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا رَشَدًا} الْآيةَ: 10.
قوْلُهُ تَعَالى: {إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللهُ} إِلَّا: أَدَاةُ اسْتِثْناءٍ مُفَرَّغٍ مِنْ أَعَمِّ الأَحْوَالِ؛ أَيْ: لَا تَقُلْ لِشَيْءٍ فِي حَالٍ مِنَ الأَحْوالِ، إِلَّا في حالِ تَلَبُّسِكَ بالتَّعْليقِ بِالمَشيئَةِ الإلهيَّةِ. وقالَ أَبُو البَقَاءِ العُكْبُريُّ: فِي المُسْتَثْنَى مِنْهُ ثَلاثَةُ أَوْجُهٍ: أَحَدُها: هوَ مِنَ النَّهْيِ. والمَعْنَى: لا تَقُولَنَّ: أَفْعَلُ غَدًا، إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكَ فِي القَوْلِ. وثانيها: هوَ مِنْ "فاعِلٌ"، أَيْ: لا تَقُولَنَّ إِنِّي فاعِلٌ غَدًا حَتَّى تَقْرِنَ بِهِ قَوْلَ "إِنْ شَاءَ اللهُ". والثالِثُ: أَنَّهُ مُنْقَطِعٌ. وَمَوْضِعُ "أَنْ يشاء اللهُ" هو النَّصْبُ عَلَى وَجْهَيْنِ، إِمَّا عَلَى الاسْتِثْنَاءِ، والتَقْديرُ: لَا تَقُولَنَّ ذَلِكَ في وَقْتٍ إِلَّا وَقْتَ أَنْ يَشَاءَ اللهُ، أَيْ: يَأْذَنَ، فَحَذَفَ الوَقْتَ وهُوَ مُرادٌ. وَالثاني: هُوَ حَالٌ والتَقْديرُ: لَا تَقُولَنَّ: أَفْعَلُ غَدًا إِلَّا قائلًا: إِنْ شَاءَ اللهُ، وَحَذْفُ القَوْلِ كَثِيرٌ، وَجَعَلَ قَوْلَهُ: "إِلَّا أَنْ يَشَاءَ" فِي مَعْنَى: إِنْ شَاءَ، وَهُوَ مِمَّا حُمِلَ عَلَى المَعْنَى. وَقِيلَ: التَقْديرُ: إِلَّا بِأَنْ يَشَاءَ اللهُ، أَيْ: مُلْتَبِسًا بِقَوْلِ: "إِنْ شَاءَ اللهُ". وَقَدْ رَدَّ الزَّمَخْشَرِيُّ الوَجْهَ الثانيَ، فَقَالَ: "إِلَّا أَنْ يَشَاءَ" مُتَعَلِّقٌ بِالنَّهْيِ لَا بِقَوْلِهِ "إِنِّي فاعلٌ" لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ: إِنِّي فاعِلٌ كَذَا "إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللهُ"، كَانَ مَعْناَهُ: إِلَّا أَنْ تَعْتَرِضَ مَشيئَةُ اللهِ دُونَ فِعْلِهِ، وَذَلِكَ ممَّا لَا مَدْخَلَ فِيهِ للنَّهْيِ. يَعْنِي أَنَّ النَّهْيَ عَنْ مِثْلِ هَذَا المَعْنَى لَا يَحْسُنُ. ثُمَّ قَالَ: وَتَعَلُّقُهُ بِالْنَّهْيِ مِنْ وَجْهَيْنِ، أَحَدُهُمَا: وَلَا تَقُولَنَّ ذَلِكَ القَوْلَ "إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللهُ" أَنْ تَقولَهُ، بِأَنْ يَأْذَنَ لَكَ فَيهِ. وَالثاني: وَلَا تَقُولَنَّهُ إِلَّا بِأَنْ يَشَاءَ اللهُ أَيْ: إِلَّا بِمَشِيئَتِهِ تَعَالى، وهوَ في مَوْضِعِ الحالِ، أَيْ: مُلْتَبْسًا بِمَشِيئَةِ اللهِ، قائلًا: إِنْ شَاءَ اللهُ. وَفيهِ وَجْهٌ ثَالِثٌ: وَهوَ أَنْ يكونَ "إِلَّا أَنْ يَشَاءَ" في مَعْنَى كَلِمَةِ تَأْبيدٍ، كَأَنَّهُ قِيلَ: وَلَا تَقُولَنَّهُ أَبَدًا، وَنَحْوُ ذلِكَ قولُهُ تَعَالَى مِنْ سُورةِ الأَعرافِ: {وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَّعُودَ فِيهَا إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللهُ رَبُّنَا} الآيةَ: 89، لِأَنَّ عَوْدَهم فِي مِلَّتِهم مِمَّا لَمْ يَشَأِ اللهُ.
وَهَذَا الذي ذَكَرَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ، رَدَّهُ ابْنُ عَطِيَّةَ بَعْدَ أَنْ حَكاهُ عَنِ الطَبَرِيِّ وَغَيْرِهِ، وَلَمْ يُوضِّحْ وَجْهَ الفَسَادِ فيهِ. وَقَالَ أَبُو حَيَّانَ الأَنْدَلُسِيُّ: وإِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللهُ اسْتِثْنَاءٌ لَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى ظَاهِرِهِ، لِأَنَّهُ يَكونُ داخِلًا تَحْتَ القَوْلِ فَيَكونُ مِنَ المَقُولِ، وَلَا يَنْهَاهُ اللهُ أَنْ يَقُولَ: "إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللهُ"، لِأَنَّهُ كَلامٌ صَحِيحٌ فِي نَفْسِهِ لا يُمْكِنُ أَنْ يُنْهَى عَنْهُ، فَاحْتِيجَ فِي تَأْويلِ هَذَا الظَّاهِرِ إِلَى تَقْديرٍ. فَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: في الكلامِ حَذْفٌ يَقْتَضَيهِ الظاهِرُ، وَيُحَسِّنُهُ الإِيجازُ، التَقْديرُ: إِلَّا أَنْ تَقُولَ: "إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللهُ"، أَوْ إِلَّا أَنْ تَقُولَ: إِنْ شَاءَ اللهُ. والمَعْنَى: إِلَّا أَنْ تَذْكُرَ مَشِيئَةَ اللهِ، فَلَيْسَ "إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللهُ" مِنَ القَوْلِ الذي نَهَى اللهُ عَنْهُ. وَ "أَنْ" حَرْفٌ نَاصِبٌ، ومصدريٌّ، وَ " يَشاءَ" فعلٌ مُضارعٌ منصوبٌ بِهِ. ولفظُ الجلالةِ "اللهُ" مرفوعٌ بالفاعليَّةِ، والجُمْلةُ الفِعْلِيَّةُ هذِهِ منْ "أَنْ" وما بعدَها في تَأْويلِ مَصْدَرٍ مَنْصُوبٍ عَلى الاسْتِثْناءِ، ولكِنْ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ، والتَقْديرُ: لَا تَقُولَنَّ ذَلِكَ فِي وَقْتٍ مِنَ الَأوْقاتِ إِلِّا وَقْتَ مَشَيِئَةِ اللهِ، فَحُذِفَ الوَقْتُ، وَهوَ مُرادٌ، أَوْ هو منصوبٌ عَلَى الحالِ، والتَقْديرُ: لَا تَقُولَنَّ أَفْعَلُ غَدًا إِلَّا حَالَةَ كَوْنِكِ قائلًا إِنْ شَاءَ اللهُ، أَوْ إِلَّا حَالَةَ كَوْنِكَ مُتَلَبِّسًا بِقَوْلِ إِنْ شَاءُ اللهُ. وَيَجُوزُ أَنْ تَكونَ "إِلَّا" أَداةَ حَصْرٍ، والمَصْدَرُ المُؤَوَّلُ بَعْدَهَا فِي مَحَلِّ الجَرِّ بِحَرْفِ جَرٍّ مَحْذُوفٍ هوَ الباءُ، مُتَعَلِّقٌ بِحَالٍ، أَيْ: إِلَّا مُلْتَبْسًا بِمَشِيئَةِ اللهِ.
قوْلُهُ: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ} الواوُ: للعَطْفِ، و "اذْكُرْ" فعلُ أَمْرٍ مبنيٌّ على السُّكونِ. وفاعلُهُ ضميرٌ مُسْتترٌ فيهِ وجوبًا تقديرُهُ (أَنْتْ) يعودُ على حضرةِ النبيِّ محمدٍ ـ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ. و "رَبَّكَ" مَفْعُولٌ بِهِ منصوبٌ، وهو مضافٌ، وكافُ الخِطابِ ضميرٌ متَّصِلٌ بِهِ في محلِّ الجرِّ بالإضافةِ إِليْهِ، والجُمْلَةُ مَعْطُوفَةٌ عَلَى جُمْلَةِ قَوْلِهِ: {وَلا تَقُولَنَّ} على كونِها في مَحَلِّ النَّصْبِ عَطْفًا عَلَى جُمْلَةِ {فَلا تُمَارِ}، أَوْ مُسْتَأْنَفَةً لا مَحَلَّ لَهَا مِنَ الإِعْرابِ. و "إِذا" ظَرْفٌ لِمَا يُسْتَقْبَلُ مِنَ الزَّمَانِ خافضٌ لِشَرْطِهِ متعَلِّقٌ بِجَوَابِهِ، مُجَرَّدٌ عَنْ مَعْنَى الشَّرْطِ، وَ "نَسِيتَ" فِعْلٌ ماضٍ مبنيٌّ على السُّكونِ لاتِّصالِهِ بضميرِ رفعٍ متحرِّكٍ هوَ تاءُ الفاعِلِ، وتاءُ الفاعِلِ ضميرٌ متَّصِلٌ بِهِ مبنيٌّ على الفتْحِ في مَحَلِّ الرَّفْعِ بالفاعِلِيَّةِ، والجُمْلَةُ فِي مَحَلِّ الجَرِّ بإضافةِ "إِذا" إِلَيْها، والتقديرُ: واذْكُرْ مَشِيئَةَ رَبِّكَ وَقْتَ نِسْيَانِكَ إِيَّاها، عِنْدَ تَذَكُّرِكَ بِهَا.
قوْلُهُ: {وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا} الوَاوُ: للعَطْفِ، وَ "قُلْ" فِعْلَ أَمْرٍ مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكونِ، وفاعِلُهُ ضَميرٌ مستترٌ فيهِ وُجوبًا تقدرُهُ (أَنْتَ) يَعُودُ عَلى سيِّدِنا مُحَمَّدٍ ـ صَلَّى اللهُ عَليْهِ وسَلَّمَ، والجُمْلَةُ مَعْطوفَةٌ عَلى جُمْلَةِ "اذْكُرْ". و "عَسَى" فعلٌ ماضٍ تامٌّ مبنيٌّ عَلَى الفَتْحِ المُقَدَّرِ على آخرِهِ لِتَعَذُّرِ ظهورِهِ على الأَلِفِ، والمَصْدَرُ المُؤَوَّلُ مِنْ "أَنْ" المَصْدَريَّةِ و "يَهْدِيَنِ" بعدَها فِي مَحَلِّ الرَّفْعِ فاعِلُ "عَسَى". ويجوزُ أَنْ تُعْرَبَ "عَسَى" فِعْلًا مَاضٍ ناقِصًا مِنْ أَفْعَالِ الرَّجَاءِ، مَبْنِيًّا عَلَى الفتْحِ المُقدَّرِ عَلَى آخِرِهِ لِتَعَذُرِ ظُهُورِهِ عَلَى الأَلِفِ. واسْمُهَا ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ فِيهَا: تَقْديرُهُ "هُوَ" يَعُودُ عَلَى "رَبَّكَ" ـ سُبْحانَهُ وتَعَالى، والأَوْلَى أَنْ يَكونَ "رَبِّي" اسْمَها مُؤخَّرًا، و "أَنْ" حَرْفَ نَصْبٍ وَمَصْدَرٍ، و "يَهْدِيَنِ" فِعْلٌ مُضَارِعٌ مَنْصُوبٌ بِـ "أَنْ"، وَعَلامَةُ نَصْبِهِ الفَتْحَةُ الظاهِرَةُ فِي آخِرِهِ، وَالنُّونُ للوِقايَةِ، ويَاءُ المُتَكَلِّمِ المَحْذوفَةُ رَسْمًا اجْتِزَاءً عَنْهَا بِكَسْرِ نُونِ الوِقايَةِ، فِي مَحَلِّ النَّصْبِ بالمَفْعوليَّةِ، وَفَاعِلُهُ لَفْظَةُ "رَبِّي" أَوْ ضَمِيرٌ يَعُودُ عَلَّى لفْظِةِ "رَبِّي" المُتَقَدِّمَةِ رُتْبَةً، وعلامةُ الرَّفعِ الضَمَّةُ المُقَدَّرَةُ عَلَى مَا قَبْلِ ياءِ المتَكَلِّمِ لاشْتغالِ المَكانِ بِالحَرَكَةِ المناسِبةِ للْيَاءِ، وهوَ مُضافٌ، والياءُ: ضَمِيرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في مَحَلِّ الجَرِّ بالإِضَافَةِ إِليْهِ. وَ "لِأَقْرَبَ" اللامُ حرْفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِـ "يَهْدِيَنِ"، وَ "أَقْرَبَ" مَجْرُورٌ بِحَرْفِ الجَرِّ، وعَلامَةُ جَرِّهِ الفَتْحَةُ نِيابَةً عَنِ الكَسْرَةِ لأَنَّهُ اسْمُ تفضيلٍ بوزنِ "أَفعل" وللوَصْفيَّةِ. وَ "مِنْ" حرفُ جرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِاسْمِ التَفْضِيلِ "أَقْرَبَ" و "هَذَا" الهاءُ: للتَنْبِيهِ، و "ذا" اسْمُ إِشارةٍ مبنيٌّ عَلى السُّكونِ في محلِّ الجرِّ بِحَرْفِ الجرِّ. و "رَشَدًا" منصوبٌ عَلَى التَمْيِيزِ لِـ "أَقْرَبَ"، أَيْ: لِشَيْءٍ أَقْرَبَ إِرْشادًا للنَّاسِ، أَوْ مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ نائبٌ عَنْ مَصْدَرِهِ فهُوَ مُرَادِفُهُ، أَيْ يَهْدِيَني رَشَدًا، أَيْ: هِدَايَةً؛ أَيْ: يَهْدِيَنِي هَدَايَةً فَيَكونُ مُلاقيًا لِعَامِلِهِ بِهَذَا المَعْنَى، والأَوَّلُ أَقْرَبُ، وَجُمْلَةُ يَهْدِيَنِي مَعَ أَنْ المَصْدَرِيَّةِ فِي تَأْويلِ مَصْدَرٍ مَنْصوبٍ عَلَى الخَبَرِيَّةِ، لِـ "عَسَى"، وَلَكِنَّهُ فِي تَأْويلِ اسْمِ الفَاعِلِ، لِيَصِحَّ الإِخْبَارُ بِهِ، والتَقْديرُ: وَقُلْ عَسَى رَبِّي هَادِيًا لِي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الكهف الآية: 24
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
روضة الشاعر عبد القادر الأسود :: ...:: الروضة الروحانية ::... :: روضة الذكر الحكيم-
انتقل الى: