روضة الشاعر عبد القادر الأسود
بعد الصلاة على الرحمة المهداة

أهلا وسهلا بك في روضتنا

يسرنا تسجيلك

روضة الشاعر عبد القادر الأسود
بعد الصلاة على الرحمة المهداة

أهلا وسهلا بك في روضتنا

يسرنا تسجيلك

روضة الشاعر عبد القادر الأسود
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

روضة الشاعر عبد القادر الأسود

منتدى أدبي اجتماعي يعنى بشؤون الشعر والأدب والموضوعات الاجتماعي والقضايا اللإنسانية
 
مركز تحميل الروضةالرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
بسـم الله الرحمن الرحيم  :: الحمد لله رب العالمين * الرحمن الرحيم * مالك يوم الدين * إياك نعبد وإياك نستعين * إهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين أنعمت عليهم * غير المغضوب عليهم ولا الضــالين ....  آميـــن

 

 الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكر الحكيم: البسملة (2)

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
عبد القادر الأسود

¤° صاحب الإمتياز °¤
¤° صاحب الإمتياز °¤
عبد القادر الأسود


عدد المساهمات : 3986
تاريخ التسجيل : 08/09/2011
العمر : 76
المزاج المزاج : رايق
الجنس : ذكر
الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكر الحكيم: البسملة (2) Jb12915568671



الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكر الحكيم: البسملة (2) Empty
مُساهمةموضوع: الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكر الحكيم: البسملة (2)   الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكر الحكيم: البسملة (2) I_icon_minitimeالإثنين ديسمبر 05, 2011 7:18 am

وتكتبُ "بِسْمِ اللهِ"، بِغَيْرِ أَلِفٍ اسْتِغْنَاءً عَنْهَا بِبَاءِ الإِلْصَاقِ فِي اللَّفْظِ وَالْخَطِّ لِكَثْرَةِ الاسْتِعْمَالِ، بخلاف قولِهِ في أَوْلِ سورة العَلَقِ: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الذي خلقَ} فإنَّها لا تُحْذَفُ لِقِلَّةِ الاسْتِعمالِ. واختلفوا فِي حَذْفِهَا مَعَ الرَّحْمَنِ وَالْقَاهِرِ، فَقَالَ الْكِسَائِيُّ وَسَعِيدٌ الأَخْفَشُ: تُحْذَفُ الأَلِفُ. وَقَالَ يَحْيَى بْنُ وَثَّابٍ: لا تُحْذَفُ إِلاَّ مَعَ "بِسْمِ اللهِ" فَقَطْ، لأَنَّ الاسْتِعْمَالَ إِنَّمَا كَثُرَ فِيهِ. وَاخْتُلِفَ فِي تَخْصِيصِ بَاءِ الْجَرِّ بِالْكَسْرِ عَلَى ثَلاثَةِ مَعَانٍ، فَقِيلَ: لِيُنَاسِبَ لَفْظُهَا عَمَلَهَا. وَقِيلَ لَمَّا كَانَتِ الْبَاءُ لا تَدْخُلُ إِلاَّ عَلَى الأَسْمَاءِ خُصَّتْ بِالْخَفْضِ. الَّذِي لا يَكُونُ إِلاَّ فِي الأَسْمَاءِ. الثَّالِثُ: لِيُفَرَّقَ بينَها وَبَيْنَ مَا قَدْ يَكُونُ مِنَ الْحُرُوفِ اسْماً، نَحْوَ الْكَافِ فِي قَوْلِ امْرِئِ القيسِ:
وَرُحْنَا بِكَ ابْنِ الْمَاءِ يُجْنَبُ وَسْطَنَا ..... تَصَوَّبُ فِيهِ العَيْنُ طَوْراً وَتَرْتَقِي
أَيْ بِمِثْلِ ابْنِ الْمَاءِ أو ما كان مثلَه. فالباءُ فيها زائدةٌ لأَنَّها أَتَتْ للخَفْضِ، وهي تُسَمَّى باءَ التَضْمينِ أَوْ باءَ الإلْصاقِ كقولِكَ: كَتَبْتُ بالقَلَمِ، فالكِتابةُ لاصِقَةٌ بالقَلَمِ. وهي مَكسورةٌ أَبَداً، وخافِضَةٌ لِما بَعدَها فلِذلكَ كُسِرْتَ ميمَ "اسمِ" وفي إعرابها نقول، الباءُ: حرفُ جرٍّ زائدٍ. وكلمةُ "بِسْمِ" جارٌّ ومجرورٌ، وجعل الشيخُ الأكْبَرُ ـ قُدِّسَ سِرُّهُ، هذا الجارَّ خبرَ مبتدأٍ مُضْمَرٍ هو ابتداءُ العالَمِ وظُهورُهُ، لأنَّ سببَ وجودِهِ الأَسْماءُ الإلهيَّةُ، وهي المُسَلَّطَةُ عليْهِ،كجَعْلِهِ متعَلِّقاً بما بعدَه، إذْ لا يُحْمَدُ اللهُ تعالى إلاَّ بأسمائه مِن بابِ الإشارةِ، فلا يُنظَرُ فيه إلى الظاهِرِ، ولا يُتَقَيَّدُ بالقواعدِ، ولا أَرى الاعتِراضَ عليه مِن الإنصاف. وقد ذهب الكثيرُ إلى أنَّ تقديرَ المُتعلِّقِ هنا مؤخَّراً أَحْرى لأنَّ اسْمَ اللهِ تعالى مُقَدَّمٌ على الفِعْلِ ذاتاً، فلْيُقَدّمْ على الفعلِ ذِكراً. وتَحنيكُ طِفْلِ الذِّهْنِ بِحلاوَةِ هذا الاسْم يُعِينُ على فِطامِهِ عن رَضْعِ ضَرْعِ سِواه بدون وضعِ مَرارةِ الحُدوثِ، على أنَّ بَرَكةَ التَبَرُّكِ طافِحَةٌ بالأهميَّةِ، وإنْ قُلْنا بأنَّ في التقديم قطعَ عِرْقِ الشِرْكَةِ رَدًّا على مَنْ يَدَّعيها أَنِسَ بمَقامَ الرِّسالةِ وظَهَرَ سِرُّ تقديمِ الفعلِ في أوَّلِ آيةٍ نَزَلَتْ إذِ المَقامُ إذْ ذَّاك مَقامُ نُبوَّةٍ ولا رَدَّ ولا تبليغَ فيها، ولكلِّ مَقامٍ مَقالٌ، والبلاغةُ مُطابَقةُ الكلامِ لمُقْتَضى الحالِ، وقد اعتركت الأفهامُ هنا فيَ تَوجيه القَصْرِ لظنِّه من ذِكْرِ الاختصاصِ حتَّى ادَّعاهُ بعضُهم بأَنْواعِهِ الثلاثةِ وأَفْرَدَ بَعْضُهم بَعْضَه مُقتصِرٌ على قَصْرِ الإفرادِ، وقائلٌ به وبالقلب، وفي القلبِ مِنْكلِّ شيءٍ وعندي هنا يُقدَّر مَقدَّماً، وبه قال الأكثرون وإنَّ تقديرَه مؤخَّراً مؤخَّرٌ عن ساحةِ التحقيقِ لأنَّه إمَّا أنْ يُقدَّرَ بعد الباءِ أو بعد "اسمِ" أو بعد "اسمِ اللهِ" أو بعدَ البَعْدِ، أمَّا تقديرُه بعد البَاءِ فلا يقولُه مَنْ عَرَفَ الباءَ.
وأَمَّا بعدَ الاسْمِ فَلاسْتِلْزامِها لفصلَ ولو تَعَقُّلاً، حيثُ أَوْجَبوا الحَذْفَ هنا بيْن المُتضايفيْنِ، وأَمَّا بعدَ اسْمِ اللهِ فَلاسْتِلْزامِهِ الِفَصلَ كذلك بين الصِفَةِ والموصوفِ، وأَمَّا بيْن الصِفَتَيْنِ فيَتَّسِعُ الخَرْقُ، وأمَّا بعد التمامِ فيَظهرُ نقصٌ دَقيقٌ لأَنَّ في الجُملَةِ تعليقَ الحُكْمِ بما يُشعِرُ بالعِلِّيَةِ، فكان "الرحمنُ الرحيمُ" علَّةً للقراءةِ المُقيَّدةِ باسمِ اللهِ، فإذا تأخَّرَ العاملُ المُقيِّدُ المَعْلولُ وتَقَدَّمتْ علَّتُه أَشْعَرَ بالانْحصارِ، ولا يَظهَرُ وجهُه وإذا قدّرْنا العاملَ مقدَّماً ـ كما هو الأصل، أَمِنّا مِن المَحذورِ ويَحصل اختصاصٌ أيضاً، إذ كأنّه قِيلَ مثلاً: اقرأْ مُستعيناً أوْ مُتَبَرِّكاً "بِسْمِ الله الرحمنِ الرحيم"، لأنّه الرحمنُ الرحيمُ. وانتفاءُ العِلَّةِ يَستلزِمُ انتفاءَ المعلولِ في المَقامِ الخِطابيِّ إذا لم تظهرْ علَّةٌ أُخرى فيُفيدُ الاختصاصُ لاسيّما عندَ القائلِ بمفهومِ الصفةِ، فيُشعِرُ بِأَنّ مَنْ لم يَتَّصفْ بذلك خارجٌ عن الدائرة. والاقتصارُ هنا ليس كالاقْتِصارِ هناك والتخلُّصُ بتقديرِ التَركيبِ: مُستَعيناً باسمِ الله لأنّه الرحمنُ الرحيمُ أقرأُ، فيه ما لا يَخفى على الطبعِ السليمِ. وإنَّ في تقديمِ الحادثِ تعقُّلاً، وحذفِه ذِكْراً، وعدمِ وُجودِ شيءٍ في الظاهرِ مستقلاًّ سوى الاسمِ القديمِ، رمزٌ خفِيٌّ إلى تقديمِ الأعيانِ الثابتةِ في العِلْمِ وإنْ لم يكن على وُجودِ اللهِ تعالى، إذْ له ـ جَلَّ شأنُه، التقدُّمُ المُطْلَقُ، وعدمُ ظهورِ شيءٍ سِواهُ، وكلُّ شيءٍ هالكٌ إلاَّ وجْهَهُ.
والتَبَرُّكُ كالوُجوبِ يَقتضي التقدُّمَ بالذِكرِ مَكْسوراً لا مَضمُوماً. وها هو كما ترى. ومن الأكابر مَن قالَ: ما رأيتُ شيئاً إلاَّ ورأيتُ اللهَ تعالى فيه، ولا حُلولَ، وقدْ عُدَّ أكْمَلَ من الأَوّلِ ـ أي ما رأيتُ شيئًا إلاَّ ورأيتُ اللهَ قبلَهُ، والمراتبُ أَرْبعٌ، وتحنيكُ الرحمةِ يُغْنِي عَنْ كلِّ دَرٍّ ويَفْطِمُ طفلَ الذِهْنِ عنْ سُدَى جَواري الفِكَرِ، وكأنَّ مَنْ قَدَّرَ العاملَ مُؤخَّراً رَأى قولَهُ تعالى في سورة هود: {بسمِ الله مَجراها}، الآية: 41. وقولَهُ ـ عَلَيْهِ الصلاةُ والسلامُ: ((.. باسمِكَ ربّي وضعتُ جَنْبي وبِكَ أَرفَعُه ..)). متّفقٌ عليه، عن أبي هريرة ـ رَضِيَ اللهُ عنه، وأَمثالَهما. فجَرى مُجْراها. والفَرقُ ظاهرٌ للناظِرِ، وهذا من نسائِمِ الأسحارِ فتيقظْ لهُ ونَمْ عن غيرِه.
والظَرْفُ مُسْتَقِرٌّ عندَ بعضٍ ولَغْوٌ عندَ آخرين، وقد اختُلِفَ في تفسيرِهما، فقيلَ اللَّغْوُ ما يكون عاملُهُ مَذْكوراً، والمُسْتَقِرُّ ما يَكونُ عاملُه محذوفاً مُطْلَقاً. وقيلَ المُسْتَقِرُّ ما يكون عاملُه عامّاً كالحُصولِ والاستقرارِ، وهو مُقَدَّرٌ واللَّغْوُ بخِلافِهِ. وقيل اللغْوُ ما يكونُ عاملُه خارجاً عن الظَرْفِ غيرَ مفهومٍ منه سواءً ذُكِرَ أوْ لم يُذكَر، والمُستقرُّ ما فُهِم منه معنى عاملِه المُقدَّرِ الذي هو مِنَ الأَفعالِ العامَّةِ، وكُلُّ ذلك اصطلاحٌ.
وحيثُ لا مُشَاحةَ (مُضايَقَةً أو مُنازَعَةً) فيه، اختارَ الأوَّلَ، فيكونُ الظَرْفُ هنا مستقرًّا كيف ما قُدِّرَ العاملُ، وإنَّما كُسِرتِ الباءُ، ـ وحَقُّ الحروفِ المُفردةِ أن تُفْتَحَ، لأنَّها مَبْنِيَّةٌ والأَصْلُ فيها البِناءِ. لِثِقَلِهِ وكونِهِ مقابلاً للإعرابِ الوُجوديِّ ـ السكونُ لخِفَّتِهِ وكونِه عَدَميّاً، إلاَّ أَنَّها مِنْ حيثُ كونِها كَلِماتٍ برأسِها مَظَنّةٌ للابتداءِ، وهو بالساكنِ، متعذِّرٌ أو مُتَعَسِرٌ كانَّ حقَّها الفتحُ إذْ هوَ أَخو السكونِ في الخِفَّةِ المَطلوبةِ، في كثيرِ الدوران على الألسنةِ، لامْتِيازِها من بين الحروف، بلزوم الحرفيَّة والجَرِّ، وكلٌّ منهما يُناسِبُ الكَسْرَ، أمَّا الحَرْفيَّةُ فلأنَّها تقتضي عدمَ الحَرَكةِ، والكَسْرُ لِقلَّتِه يُناسِبُ العدَمَ، إذْ لا يوجدُ في الفعلِ، ولا في غيرِ المُنْصَرِفِ، ولا في الحروفِ إلاَّ نادِرًا.
وأمّا الجَرُّ فلِمُوافَقةِ حركةِ الباءِ أَثرُها، ولا نَقْضَ بواوِ العطفِ اللازمةِ للحرفيَّةِ، ولا بِكافِ التَشبيهِ اللازمةِ للجَرِّ لأنَّ المَجموعَ سببُ الامتيازِ، ولم يُوجدْ في كُلٍّ لكنْ يَبقى النَّقْضُ واوَ القَسَمِ وتاءَه ويُجابُ بأنَّ عملَها بالنيابةِ عن الباءِ التي هي الأصْلُ في حروفِه، فكأنَّ الجرَّ ليس أَثَراً لهما، وهذه عِلَلٌ نَحْوِيَّةٌ مُسْتَخْرَجَةٌ بعد الوقوعِ لإبداءِ مناسبَةٍ فلا تَتَحَمَّلُ مُناقَشَةً لِضَعفِها كما قيل:
عهد الذي أهوى وميثاقهُ ................... أَضْعفُ مِن حُجَّةِ نَحْوِي
فلا نُسْهِرُ جَفْنَا لفِكْرِ في ما لَها وعَلَيها. وقال بعضُهم من بابِ الإشارة: كُسِرَتِ الباءُ في البَسملةِ تعليماً للتَوَصُّلِ إلى اللهِ تعالى والتَعَلُّقِ بأَسْمائِهِ بِكَسْرِ الجَنابِ والخُضوعِ، وذُلِّ العُبوديَّة، فلا يُتَوَصَّلُ إلى نوعٍ من أنواعِ المعرفةِ إلاَّ بنوعٍ مِنْ أنواعِ الذُلِّ والكَسْرِ، كما أَشار إلى ذلك سيّدي عُمرُ بنُ الفارضِ قَدَّسَ اللهُ تعالى سِرَّهُ الفائضَ بقولِه:
ولو كنتَ لي مِن نُقطَةِ الباءِ خَفْضَةً ....... رُفِعْتَ إلى ما لمْ تَنَلْهُ بِحِيلَةِ
بحيثُ نَرى أنْ لا تَرى ما عَدَدْتَهُ .........  وأَنَّ الذي أَعْدَدْتَهُ غيرُ عُدَّةِ
فإنَّ الخفضَ يُقابلُ الرفعَ فمَنْ خَفَضَهُ النظرُ إلى ذُلّ العُبوديّةِ، رفعَه القَدَرُ إلى مُشاهدةِ عِزِّ الربوبيّةِ، ولا يُنالُ هذا الرفعُ بحيلةٍ؛ بل هو بمحضِ الموهبةِ الإلهيّةِ الجَليلةِ، ومَنْ تَنَزَّلَ لِيَرتَفِعَ فتَنَزُّلُه مَعلولٌ، وسَعْيُه غيرُ مقبول.
وهو أَمْرٌ مخصوصٌ بباءِ البَسْمَلَةِ لا يُمْكن أنْ يَجري في باءِ الجرِّ مُطلَقاً كما لا يَخفى، وسِرُّ ذلك أنَّ الباءَ هي المَرتبةُ الثانيةُ بالنِسْبَةِ إلى الأَلِفِ البَسيطةِ المُجرَّدَةِ المُتقدِّمَةِ على سائرِ المَراتِبِ، فهي إشارةٌ إلى الوُجودِ الحَقِّ، والباءُ إمَّا إشارةٌ إلى صِفاتِه التي أَظْهَرَتْها نُقْطَةُ الكَونِ ولذلك لمَّا قيلَ للعارِفِ الشِبْلِيِّ أنتَ الشِبْلِيُّ؟ قال أنَا النُّقْطةُ تحتَ الباءِ، وقال سيدي الشيخُ الأَكبَرُ قُدِّسَ سِرُّهُ:
الباءُ للعارِفِ الشِبْلِيِّ مُعْتَبَرٌ ................ وفي نُقَيْطَتِها للقَلْبِ مُدَّكَرُ
سِرُّ العُبودِيَّةِ العَلْياءِ مازَجَها ........... لذاك نابَ مَنابَ الحَقِّ فاعْتَبِروا
أَليْسَ يُحذَفُ من بِسْمٍ حقيقتُه ................. لأنَّه بَدَلٌ مِنه فَذا وَزَرُ
والصفاتُ إمَّا جَمَالِيَّةٌ أو جَلالِيَّةٌ، ولِلأُولى السَبْقُ، كما يُشيرُ إليهِ حديثُ أبي هريرة ـ رَضِيَ اللهُ عنه: ((.. سبقتْ رَحمتي غَضَبي)). رواه مسلمٌ في صحيحِه وغيرُهُ مِنَ الأئمة. وباءُ الجَرِّ إشارةٌ إليها لأنَّها الواسِطةُ في الإضافةِ والإفاضةِ فنَاسَبَها الكَسْرُ وخَفْضُ الجَناحِ ليَتِمَّ الأَمْرُ ويَظهَرَ السِرُّ، وفي الابتداءِ بها هنا تَعجيلٌ لِلبِشارةِ ورَمْزٌ إلى أنَّ المَدارَ هو الرحمةُ كما قال ـ صلى اللهُ عليه وسلَّم، فيما رَواهُ الشيخان وأحمد عَنْ السيدة عائشةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْها: ((سَدِّدوا وقاربوا وأَبْشِروا واعْلَموا أَنَّهُ لَنْ يَدْخُلَ أَحَدُكُمُ الجَنَّةَ عَمَلُهُ، قالوا: ولا أَنْتَ يا رسول الله؟ قال: ((ولا أَنا إلاَّ أنْ يَتَغَمَّدَني اللهُ برحمتِه)). وقد تَدَرَّجَ ـ سبحانَه وتعالى، بإظهارِها فرَمَزَ بالباءِ وأَشارَ باللهِ وصَرَّحَ أَتَمَّ تصريحٍ بالرحمنِ الرحيمِ. وأمَّا الإشارةُ إلى الحقيقةِ المُحمَّديَّةِ والتَّعيينِ الأوَّلِ المُشارِ إليه بقولِه ـ صلى الله عليه وسلم: ((أوَّلُ ما خَلَقَ اللهُ نورَ نبيِّكَ يا جابرُ)). ولا يُلْتَفَتُ إلى مَنْ طَعَنَ في هذا الحديثِ لِما لَهُ مِنْ عَواضِدَ في مَعْناهُ، منها ما رواهُ التِرْمِذِيُّ، والحاكم، وصحَّحاهُ عَنْ أبي هُريرَةَ ـ رَضَيَ اللهُ عنه، وهو قولُه ـ صلى اللهُ عليه وسلَّم: ((كُنْتُ نَبِيّاً وآدمُ بينَ الرّوحِ والجَسَدِ))، ولَهُ رِوايَةٌ أُخرى بلفظ: ((.. وآدمُ بينَ الماءِ والطِينِ)). ومعناهُ أَنَّهُ كانَ مَكْتُوباً عِنْدَ اللهِ نَبِيّاً، وهذا التَفْسيرُ هوَ مِنْ تَفْسيرِ الحديثِ بالحديثِ فقد رَوَى ابْنُ حِبَّان، والحاكِمُ، في صَحيحَيْهِما عنِ العِرباضِ بْنِ ساريةَ ـ رَضٍي اللهُ عنه، مَرْفوعاً: ((إني عندَ اللهِ لمكتوبٌ خاتمَ النَبِيّين وإنَّ آدمَ لَمُجَنْدَلٌ في طِينَتِهِ)). ويَزيدُكَ وُضوحاً قولُهُ تَعالى في آخرِ سُورةِ الشُورى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيم} الآية: 52. وللإمامين الجلالين في تفسيرِهما لهذه الآية: "وَكَذَلِكَ" أَيْ مِثْل إيحَائِنَا إلَى غَيْرك مِنْ الرُّسُل "أَوْحَيْنَا إلَيْك" يَا مُحَمَّد "رُوحاً" هُوَ الْقُرْآن بِهِ تَحْيَا الْقُلُوب "مِنْ أَمْرنَا" الَّذِي نُوحِيهِ إلَيْك "مَا كُنْت تَدْرِي" تَعْرِف قَبْل الْوَحْي إلَيْك "مَا الْكِتَاب" الْقُرْآن "وَلا الإِيمَان" أَيْ شَرَائِعه وَمَعَالِمه وَالنَّفْي مُعَلَّق لِلْفِعْلِ عَنْ الْعَمَل وَمَا بَعْدَه سَدَّ مَسَدّ الْمَفْعُولَيْنِ "وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ" أَيْ الرُّوح أَوْ الْكِتَاب "نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاء مِنْ عِبَادنَا وَإِنَّك لَتَهْدِي" تَدْعُو بِالْوَحْيِ إلَيْك "إلَى صِرَاط" طَرِيق "مُسْتَقِيم" دِين الإِسْلَام. وقال تعالى في سورة الأعراف: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِين} الآية: 172. نقل شيخ المُفسّرين ابْنُ جريرٍ الطَبريُّ ـ رحمه الله، في تفسير هذه الآية عن ابنِ عباسٍ ـ رَضِيَ اللهُ تَعالى عنْهُما، أَنَّ رَسُولَ اللهِ ـ صلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، قال في تفسيرِها: ((أَخَذَ اللهُ الميثاقَ مِنْ ظَهْرِ آدَمَ بنَعْمَان ـ يعني عرفه، فأخرج من صلبِه كلَّ ذُرِّيَّةٍ ذَرَأَها، فنَثَرهم بين يديه كالذَرِّ، ثم كَلَّمَهم قِبَلاً فقال: "ألست بربكم؟ قالوا: بلى شهدنا؟ أنْ تقولوا..." الآية، ورواهُ مَرْفوعاً أَحمدُ في مُسْنَدِهِ برقم: 2455، مِنْ طَريقِ حُسَينٍ بْنِ محمَّدٍ، وهو طَريقُ أَبي جَعْفَرٍ الطبريِّ. ورواه مرفوعاً أيضاً، الحاكمُ في المُستدرك 1: 27، من طريق إبراهيم بن مرزوق البصري، عن وهب بن جريرٍ بنِ حازم، عن جريرٍ بْنِ حازم، بمثلِه، وقال: هذا حديثٌ صحيحُ الإسناد، ولم يُخرجاه (أي البخاري ومسلم) وقد احتج مُسْلِمٌ، بكلثوم بنِ جَبر، ووافقه الذهبي، ثمَّ رواه في المستدرك: 2/ 544/ من طريق الحسين بن محمد، عن جرير بن حازم، وصحَّحَه، ووافَقَهُ الذَهَبيُّ. وأخرجَ الحافظُ أبو الحَسَنِ بْنِ بشران، بسندِهِ عن مَيْسَرةَ ـ رضي اللهُ عنه، قال: قلت: يا رسول الله، متى كنت نَبِيّاً؟ قال: ((لما خَلَقَ اللهُ الأَرْضَ واسْتَوى إلى السماءِ فسَوّاهُنَّ سبعَ سماوات، وخَلَقَ العَرْشَ، كَتَبَ على ساقِ العَرْشِ: محمدٌ رسولُ اللهِ خاتمُ الأَنْبِياءِ، وخَلَقَ اللهُ الجَنَّةَ التي أَسْكَنَها آدَمَ وحَوَّاءَ، فكَتَبَ اسْمي على الأَبوابِ، والأَوراقِ، والقِبابِ، والخِيامِ، وآدمُ بينَ الرّوح ِوالجَسَدِ، فلمّا أَحياهُ اللهُ تعالى: نَظَرَ إلى العرشِ، فرأى اسْمي، فأَخبرهُ اللهُ أَنَّهُ سَيِّدُ وَلَدِك، فلمّا غَرَّهما الشيطانُ، تابا واسْتَشْفَعا باسْمي إليه)). وأخرجَه كذلك ابْنُ الجوزيِّ في (الوفا بحقوق المصطفى) وذكرَهُ العلاّمةُ المحقِّقُ السَيّدُ عبدُ اللهِ بْنُ الصدِّيقِ الغِماريِّ ـ نوَّرَ اللهُ مَرْقَدَهُ، في كتابه (الردِّ المحكَمِ المتين) ص: 138 ـ 139، وقال: إسنادُ هذا الحديث قويّ وهو أقوى شاهدٍ وَقَفْتُ عليْه ... وكذا قال الحافظُ ابْنُ حَجَر. وقال الحافظُ الذهبي: (.. نعم ثبت عند الحاكم في مستدركه، وصحَّحَه، وأبي نُعيمٍ في حلْيَةِ الأولياء، والبُخاري في تاريخِه وأَحمدٍ في مُسنَدِهِ عَنْ مَيْسَرَةَ الضَبّيِّ، قلتُ يا رسولَ اللهِ مَتى كنتَ نَبِيّاً قالَ: وآدَمُ بين الرّوحِ والجَسَدِ. وعندَ البيهقيِّ وأَحمد مِنْ حديثِ العِرباضِ بْنِ ساريةَ مرفوعاً: إني عندَ اللهِ لَخَاتَمُ النَّبيين وإنَّ آدَمَ لَمُنْجَدِلٌ في طِينَتِه، وعند الترمذي عن أبي هريرة إنَّهم قالوا يا رسول الله متى وَجَبَتْ لكَ النُبُوَّةُ؟ قال: وآدمُ بينَ الرُّوحِ والجَسَدِ والأدلَّةُ مِنَ الكتاب والسُنَّةِ على أنَّ الله تعالى قد خَلَقَ الأَرواحَ في عالمِ الأَنْوارَ قبل أنْ يخلق الأجساد في عالم المادَّة، مع ذلك تجدُ قوماً ينتسبون إلى هذا النبيِّ الكريم يُغلقون أسماعَهم وأَبصارَهم عن كل هذه النصوص ويتعلقون بنصٍ آخر في هذا المعنى فيه راوٍ ضعيفٍ أو مجهولٍ لينسفوا هذه الحقيقة مِنْ أَساسِها، ويَروحون يُشنِّعون على مُعتقِدِها ومُصَدِّقِها، ويَعلوا صُراخُهم حتى لَيَحْسَبَ العامَّةُ ومَنْ ليس لهم قَدَمٌ في البحثِ العلميِّ حولَ هذه الأُمورِ، أنَّ الحقيقةَ مَعَ هؤلاءِ. أنَا لا أفهم سَبَبَ عِنادِ بعضِ مَنْ يَدَّعي العِلْمَ وإصرارِهم على نَفيِ هذِه الحَقيقةِ وكأنَّما بينَهم وبينَ رسول الله ـ صلى اللهُ عليه وسلَّم، عداءٌ مُسْتَحْكم، فكلَّما رَأَوْا أَثَراً فيهِ تَفضيلٌ لَهُ وتقديمٌ انْبَرَوْا لِدَحْضِهِ، وتَنَطَّحوا لِتكذيبهِ، أو وَهَّنُوهُ وحَكَموا بوضعِهُ، ويدَّعون الإيمان به ـ صلى اللهُ عليه وسلَّم، وبرسالَتِهِ، أَبِهذا يَنْتَظرون شفاعتَه يومَ القيامة؟! فما المانعُ أنْ يكونَ قد خُلقَ سيدُنا محمدٌ ـ عليه الصلاة والسلامُ، كحَقيقَةٍ نُورانيَّةً قبلَ أنْ يُخلَقَ الخلقُ جميعاً في عالم الذَرِّ، سِيَّما وأَنَّهُ الرَّسولُ الخاتمُ الذي يحمِلُ الرِسالةَ الأتمَّ عنْ مولاه الأجلّ ـ تبارك وتعالى، وبوِساطتِه ـ صلى الله عليه وسلَّم، تكون قد حَصَلَتْ الإفاضةُ، كما يُشيرُ إليه: ((لولاكَ ما خلقتُ الأفلاكَ)) الذي نال منهم كما نال سابقُه من التكذيب مَعَ أنَّه ثمَّةَ عَواضِدُ لَهُ كثيرةٌ في معناه، مِنها ما رواه أبو الشيخ بِسَنَدِهِ عن ابْنِ عباسٍ ـ رضيَ اللهُ عنهما، قال: أَوْحى اللهُ تعالى إلى عيسى ـ عليه السلامُ: ((آمِنْ بمحمد ـ صلى الله عليه وسلم، وأْمُرْ أُمَّتَكَ أَنْ يُؤمِنوا بِهِ، فلولا محمَّدٌ ما خَلَقْتُ آدَمَ ولا الجَنَّةَ ولا النّارَ، ولَقَدْ خَلَقْتُ العَرْشَ على الماءِ فاضْطَرَبَ فكَتَبْتُ عليهِ لا إله إلاَّ الله محمّدٌ رسولُ اللهِ فَسَكَنَ)). ورواه الحاكم في مُسْتَدْرَكِهِ وصَحَّحَهُ، وأَقَرَّهُ السِبْكِيُّ في شِفاءِ السِّقامِ، والبَلْقينيُّ في فتاواه. وإذا كانتْ حقيقةُ محمَّدٍ ـ صلى اللهُ عليه وسلَّم، هي نور رِسالتِه مِن رَبِّهِ إلى الخلق أجمعين فمِنَ الطبيعي ألاّ يَسْتَقِرَّ الكونُ إلاَّ بهذه الرِسالَةِ إلى نبيّه محمدٍ التي هي الناظم للكون بأسْرِهِ. وليس هذا هو المكان المُناسِبُ لِتَقصّي كلُّ تلك الأخبار المؤيدة لهذه الحقيقة، ولا للإطالةِ فيه،إنَّما نَترُكُهُ لأهْلِ الحَديثِ، ولقد تَكَلَّموا فيه وبَيَّنوا ووضَّحوا، لكنَّ أُولئكَ الحانِقينَ على نَبِيِّنا لا يَقرؤونَ إلاَّ ما يَنْسَجِمُ مَعَ مُبْتَغاهم، ويتركون ما يُميطُ اللثامَ عَنْ الحَقيقةِ. ولا حَوْلَ ولا قُوَّةَ إلاَّ بالله العلي العظيم. والأشدُّ نِكايةً مِنْ ذلك كلِّه أنَّهم يُحاوِلون اليومَ ـ بكلِّ ما أُوتوا مِنْ قُوَّةٍ، فرضَ معتقدِهم على المسلمين بِقُوَّةِ السِلاحِ، فحَسْبُنا اللهُ ونِعْمَ الوَكيل.
ولِكونِ الغالِبِ عليه ـ صلى الله عليه وسلَّم، صفةُ الرحمةِ لاسيَّما على مُؤمِني الأُمَّة،كما يُشيرُ إليه قولُه تعالى في سورة الأنبياء: {وَمَا أرسلناك إِلاَّ رَحْمَةً للعالمين}، الآية: 107. وقولُهُ تعالى: في سورة التوبة {بالمؤمنين رَؤوفٌ رَّحِيمٌ}، الآية: 128، ناسَبَ ظهورُ الكَسْرِ فيما يُشيرُ إلى مَرْتَبَتِه. وفي الابتِداءِ بِه ـ هُنا، رَمْزٌ إلى صِفَةِ مَنْ أُنْزِلَ عليه الكِتابُ،الداعي إلى الله. وفي ذلك مع بيانِ صِفَةِ المَدْعُوِّ إليْه بأنَّه الرَّحمنُ الرَّحيمُ تَشويقٌ تامٌّ وتَرغيبٌ عظيمٌ. وقد تَدَرَّجَ أيْضاً ـ جَلَّ شأنُه، في وصْفِهِ ـ صلى اللهُ عليه وسلَّم، بذلك في القرآن إلى أنْ قالَ سبحانَه: {وَإِنَّكَ لعلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}، سورة القلم، الآية: 4. واكْتَفى بالرَّمْزِ لِعَدَمِ ظُهورِ الآثارِ بعدُ، وأَوَّلُ الغيثِ قَطرٌ ثمَّ يَنهمِلُ، ومَا مَنْ سُورَةٍ إلاَّ افْتَتَحَها الرَّبُّ ـ جلَّ وعَلا، بالرَّمِزِ إلى حالِه ـ صلى الله عليه وسلم، تعظيماً لَهُ وبِشارةً لِمَن أَلقى السَمْعَ وهو شهيدٌ.
ولمَّا كان الجَلالُ في سورةِ: "براءةٌ" ظاهِراً ترَكَ  الإشارةَ بالبَسْمَلَةِ وأتى بِباءٍ مفتوحةٍ لِتغييرِ الحالِ وإرخاءِ السَتْرِ على عرائِسِ الجمالِ ولم يتركْ ـ سبحانَه وتعالى، الرمزَ بالكُلِّيَّةِ إلى الحَقيقةِ المُحمَّدِيَّةِ، ولا يَسَعُنا هنا الإفْصاحُ بأكثرَ مِنْ هذا في هذا البابِ، خَوفاً مِنْ قالِ أَربابِ الحِجابِ وسوءِ ظنِّهم بالمؤمنينَ، وخَلفَه سِرٌّ جليلٌ، واللهُ تعالى الهادي إلى سواءِ السَّبيلِ.
والباء ـ هنا، للاسْتِعانَةِ لأنَّ المعنى: أَقرأُ مُستَعيناً بالله، أو باسْمِ اللهِ، ولها مَعانٍ أُخَرُ وهي:
ـ الإِلصاقُ حقيقةً أو مجازاً، نحو: "مَسَحْتُ بِرأْسي" على الحقيقة. و"مَرَرْتُ بزيدٍ "على سبيل المجاز.
ـ والسَبَبِيَّةُ نحو: {فَبِظُلْمِ مِّنَ الذين هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ} أي بِسَبَبِ ظُلْمِهم.
ـ والمُصاحَبَةُ نحو: خَرَجَ المُجاهِدُ في سَبيلِ اللهِ ـ تعالى ـ بنفسه ومالِهِ، أَيْ مُصاحِبَاً له، ويُقالُ كذلك خَرَجَ المَهْزومُ بثِيابِه، مصاحباً لثيابه.
ـ والبَدَلُ أو "العِوَضُ" كقوله ـ عَلَيْهِ الصلاةُ والسَّلامُ: ((ما يَسُرُّنِي بها حُمْرُ النَّعَمِ)). أَيْ: بَدَلُها كما لو قلتَ: هذا بذاك.
ـ والقَسَمُ: أي أَحْلِفُ باللهِ لأَفْعَلنَّ كذا، أو بالله عَلَيْكَ إلاَّ فَعَلْتَ كذا وكذا.
ـ والظَرْفيَّةُ نحو قولِه تعالى: {إنَّ أوَّلَ بيتٍ وُضِعَ للنَّاسِ لَلَّذي بِبَكَّةَ} أي فيها، وكذلك قولُك: نَهْرُ بَردى بالشام.
ـ والتَعْدِيَةُ نحو قولِهِ تعالى في الآية: 17، من سورة البقرة: {ذَهَبَ الله بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ}. لأنَّ هذا الفعلَ "ذَهبَ" فعلٌ لازمٌ في مثلِ قولِكَ: ذَهَبَ فُلانٌ، فالجُملَةُ ـ هنا، فعلٌ وفاعلٌ فقط، دون مفعولٍ بِه، فإذا أرَدْنا أنْ نُعَدَّيَه، لِيتَّخِذَ مَفعولاً بِه وَجَبَ أَنْ نَقولَ: ذَهَبَ فلانٌ بِفُلانٍ.
ـ والتَبعيضُ كقول عَنترةَ:
شَرِبَتْ بِمَاءِ الدُّحْرُضَيْنِ فأصْبَحَتْ ...... زَوْرَاءَ تَنْفِرُ عنْ حِيَاضِ الدَّيْلَمِ
أي بعضًا مِنْ مائِه. ولذلك قال بعضُ الفُقَهاءِ في "فامْسَحوا بِرؤوسِكم" أي بِبَعْضِها.
ـ والمقابلة: اشتريتُهُ بألفٍ من الدنانيرِ الذهبيَّةِ، أيْ: قابلتُهُ بِهَذا الثمنِ.
ـ والمُجاوَزَةُ في مِثلِ قولِه تعالى في سورة الفُرقان: {وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السماءُ بالغَمَامِ} الآية: 25. أيْ: تتشقَّقُ عن الغَمَامِ، ونحوَ قولِه ـ سبحانَه، في الآية: 59. مِنْ سُورةِ الفُرقانِ أَيْضاً: {الرحمنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً}ـ أي عنه.
ـ والاسْتِعلاءُ كقولِه ـ تعالى: {ومنهم مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ} أي على قِنْطارٍ.
وقد تُزادُ مُطَّرِدةً وغيرَ مُطَّرِدةٍ، فالمطَّردةُ في فاعلِ"كفى" نحو: {وكفى باللهِ شَهيداً} وفي خبرِ "ليس" وخبرِ "ما" أُختِها، كقولِه تعالى: {أَلَيْسَ اللهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ} و {وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عمَّا يَعمَلُ الظالمون} وفي: بِحَسْبِكَ زيدٌ.
وغيرَ مُطَّرِدَةٍ في مفعولِ" كفَى" كقولِ حسّانِ بنِ ثابتٍ الأنصاريِّ أَو كعبِ بْنِ مالك ـ رضي الله عنهما:
فكفى بِنا فَضْلاً على مَنْ غيرُنا ................ حُبُّ النبيِّ محمدٍ إيانا
أي:كَفانا فضلاً. وفي المُبتدأِ غيرِ "حَسْبُ"، أو في خبرِ "لا" أُخْتِ "ليس"، كقولِ سَوادِ بنِ قارِبَ الأَسديِّ يُخاطبُ رسول اللهِ ـ صلى الله عليه وسلم:
فكُنْ لي شفيعاً يومَ لا ذو شفاعةٍ ...... بمُغْنٍ فَتيلاً عن سَوادِ بنِ قاربِ
أي: مُغْنياً، وفي خبرِ"كان" مَنْفِيَّةً نحوَ قولِ الشَّنْفَرى:
وإنْ مُدَّتِ الأيدي إلى الزادِ لم أَكْنْ . بأعْجلِهم، إذْ أَجْشَعُ القومِ أَعْجَلُ
أي: لم أكنْ أعجلَهم. وفي الحال، وثاني مفعولَيْ ظنَّ منفيَّيْنِ أيضاً كقول دُريدٍ بنِ الصِّمَّة يَرثي أَخاه:
دعاني أخي والخيلُ بيني وبيْنَهُ .......... فلمَّا دعاني لم يَجِدْني بقُعْدَدِ
أي: لم يَجِدْني قُعْدَدًا. وفي خبرِ "إنَّ" كقول امرئ القيس:
فإنْ تَنْأَ عنها حِقْبَةً لا تُلاقِها ............. فإنك ممَّا أَحْدَثَتْ بالمُجَرِّبِ
أي: فإنك المُجرِّب. وقد اشتُهِرَ أنَّ معاني الكُتُبِ السَماويَّةِ كلِّها في القرآن، ومعاني القرآنِ في الفاتحةِ، ومَعاني الفاتِحةِ في البَسْمَلَةِ، ومعاني البسمَلَةِ في الباء. فالباءُ في "بسم الله" حرفُ التَضمين؛ أَيْ بِاللهِ ظَهَرَتِ الحادثاتُ، وبِه وُجِدَتِ المَخلوقاتُ. وقد أَوْدَعَ جميعَ العلومِ في الباءِ، أي بِي كانَ ما كانَ وبِي يكونُ ما يَكونُ فوُجودُ العوالِم بِي وليسَ لِغيري وُجودٌ حقيقيٌّ إلاَّ بالاسْمِ والمَجاز، وهو معنى قولهم ما نظرتُ شيئاً إلاَّ رأَيْتُ اللهَ فيه أو قبلَهُ، ومعنى قولِه ـ عليه الصلاةُ والسلامُ، في الحديث القدسِيِّ عن ربِّه: ((لا تَسُبُّوا الدهرَ فإنَّي أنا الدهرُ)) متّفقٌ عليه. سبحانَه الذي خَلَقَ هو هو الفاعِلُ فيه ولا فِعلَ للدَّهْرِ نُسْنِدُهُ إليْه.
والاستعانةُ أَوْلى بلْ يكادُ أنْ تكونَ مُتَعَيِّنَةً، إذْ فيها مَنَالُ أَدَبِ والاستكانَةِ وإِظهارِ العُبوديَّةِ ما ليس في دعوى المُصاحبَة، ولأنَّ فيها تلميحاً مِنْ أَوَّلِ وَهْلةٍ إلى إسقاطِ الحَوْلِ والقُوَّةِ ونَفْيِ اسْتِقلالِ قَدَرِ العبادِ وتأثيرِها. وهو استفتاحٌ لبابِ الرحمةِ وظَفَرٌ بكنْزِ لا حولَ ولا قوّةَ إلّا بالله.
وكان عمرُ بْنُ عبدِ العزيز ـ رحمه الله، يقولُ فيها لِكُتَّابِهِ: (طَوِّلوا الباءَ وأظهِروا السينَ، وفرِّجوا بينَهُما، ودَوِّروا الميم تعْظيماً لِكلامِ اللهِ تعالى).
وقد أَسقَطوا الألِفَ بعدَها للتَخفيفِ، إذِ الأَصْلُ أنْ تَقولَ باِسْمِ اللهِ وفي الكَلامِ إضمارٌ واختصارٌ تقديرُه: قُلْ، أو ابْدَأْ "بسمِ اللهِ" والمعنى: بالله تكوَّنَتِ المَوجوداتُ، وبه قامتْ المَخلوقات. فأمّا معنى الاسم، فهو عينُ المُسَمَّى وحقيقةُ المَوْجُودِ، وذاتُ الشيءِ وعيْنُه ونَفْسُه واسْمُهُ، وكُلُّها تُفيدُ معنًى واحدًا. والدليلُ على أنَّ الاسْمَ عينُ المُسمَّى قولُهُ تعالى في سورة مريم: {يا زكريا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلاَمٍ اسْمُهُ يَحيى} الآية: 7. فأَخْبَرَ أنَّ اسْمَه يَحيى، ثمَّ نادى الاسمَ وخاطبَه فقال: {يا يحيى} فيحيى هو الاسْمُ، والاسمُ هو يَحيى. وقولُه تعالى في سورة يوسف: {مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أنتم وآباؤكم} الآية: 40. وأَرادَ الأَشخاصَ المَعبودةَ؛ لأنَّهم كانوا يعبدون المُسمَّياتِ. وقولُه تعالى في سورة الأعلى: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأعْلى} الآية: 1. وقولُه في سورة الرحمن: {تَبَارَكَ اسمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالإِكْرَام} الآية: 78. وقولُهُ ـ صلى اللهُ عليه وسلَّم: ((لَتَضْرِبَنَّ مُضَرُ عِبادَ اللهِ حتَّى لا يُعبَدَ لَهُ اسْمٌ)). أيْ حتَّى لا يُعبَدَ هو.
والاسمُ عند البَصريِّين مِن الأَسماءِ العَشَرةِ التي بُنِيتْ أَوائلُها على السُّكونِ وهي: ابْنٌ وابنةٌ وابْنُمٌ واسْمٌ واسْتٌ واثْنان واثْنتان وامرؤٌ وامرأةٌ وأيْمُنُ اللهِ، وأيْمُ اللهِ منهُ، فإذا نطقوا بها زادوا همزةً لِبَشاعةِ الابتداءِ بالساكنِ عندَهم، وفيها يَمْتَنِعُ الأمرُ ذوقاً، وهو مما حُذِفَ عجُزُه كَ "يَدٍ" واشتقاقُه مِنَ السُمُوِّ كالعُلُوِّ لأنّه لدَلالتِهِ على مُسمّاه يُعْليه مِنْ حَضيضِ الخَفاءِ إلى ذُروةِ الظُهورِ والجَلاء.
وأصلُه سِمْوَ "مِنَ السُمُوِّ"وجَمعُه: أَسماءٌ، مثلُ قِنْوٍ وأَقْناءٍـ وحِنْوٍ وأَحْناء، فحُذفت الواوُ للاسْتِثْقال، ونُقِلت حَرَكَةُ الواو إلى الميمِ فأُعرِبت الميمُ بِحسَبِ مَحَلِّها في الإعْرابِ، ونُقِلَ سُكونُ المِيمِ إلى السين فسَكَنتْ، ثمَّ أُدْخِلتْ ألفٌ مهموزةٌ لسُكونِ السِّينِ "اسْم"؛ لأجلِ الابْتِداءِ يَدُلُّك عليه التصغيرُ والتصريفُ، يُقالُ: "سُمَيٌّ" في التذكير و"سُمَيَّةٌ" في التأنيث لأنَّ كلَّ ما سَقَطَ في التصغيرِ والتَّصريفِ فهو غيرُ أصليٍّ.
والاسمُ لُغةً: ما أَبانَ عن مُسَمًّى، واصْطِلاحًا: ما دَلَّ على معنًى في نفسِه فقط غيرَ متعرِّضٍ بِبُنْيَتِهِ لِزمانٍ، بِعكْسِ الفِعلِ فهو مُتعلِّقٌ بِزمانٍ ما: "ماضٍ "كالفعلِ الماضي، أوْ "حاضرٍ "كالفعلِ المُضارِعِ، أو "مُستقبلٍ" كفعلِ الأمرِ والمُضارعِ إذا سُبِقَ بالسِّينِ أو سوفَ. والتَّسْمِيَةُ: جَعْلُ ذلك اللفظِ دالاًّ على ذلك المعنى.
واختُلِف: هلِ الاسمُ عينُ المُسَمَّى أو غيرُه؟ وقد بسَطْنا في ذلك آنفاً، وما يَعنينا مِن ذلك هنا: أنَّ الاسمَ هنا، بمعنى التسميَةِ، والتَسْمِيَةُ غيرُ الاسمِ، لأنَّ التَسْمِيةَ هي اللفظُ بالاسْم والاسْمُ هو اللازمُ للمُسَمَّى.
ثمَّ إنَّ في الكلامِ حَذْفَ مضافٍ، تقديرُهُ: باسمِ مُسَمَّى اللهِ. والاسْمُ مشتقٌّ مِن السُّمُوِّ وهو الارتِفاعُ، ـ كما تقدَّم،  لأنَّه يَدُلُّ على مُسَمَّاه فيَرفَعُه ويُظْهِرُهُ، وذهبَ بعضُهم إلى أنَّه مُشتَقٌّ مِن الوَسْمِ، والوَسْمُ العلامةُ لأنَّ الاسمَ علامةٌ على مُسَمَّاه.
       وقيل في "بسم" إنَّ الباءَ بَهاءُ اللهِ ـ عَزَّ وجَلَّ، والسينَ سناءُ اللهُ تعالى، والميمَ مَجْدُ اللهِ سبحانه، فقد جاء في الحديث الشريفِ عن أبي سعيدٍ الخِدريِّ ـ رَضيَ اللهُ عنه، أنَّه قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلَّم: ((إنَّ عيسى بْنَ مريمَ أسلمَتْهُ أمُّه إلى الكُتَّابِ لِيَتَعَلَّمَ، فقال له المُعلِّمُ: قلْ باسْمِ اللهِ. قال عيسى: وما باسْمِ اللهِ؟ فقال لَه المُعَلِّمُ: ما أدري. قال: أي عيسى ـ عليه السلام: الباءُ: بَهاءُ اللهِ، والسِّينُ: سَناءُ اللهِ، والميمُ: مَملَكَةُ اللهِ)). فاعْجَبْ لِمُتَعَلِّمٍ يُعَلِّمُ أستاذَه.
ولفظُ الجلالةِ "الله" عَلَمٌ على ذاتِ الخالقِ ـ عزَّ وجلَّ، تَفَرَّدَ به سبحانه، ولا يُطلَق على غيرِه، ولا يُشارِكُه فيه أَحَدٌ.
و"الله" اسمٌ لواجبِ الوُجودِ، وليس مِنْ أَحَدٍ واجبٌ وُجودُهُ سواه ـ سبحانَه وتعالى. فقد قسَّمَ العلماءُ بالتوحيدِ الوُجودَ إلى: واجبٍ، وهو وُجودُ خالقٍ للمَوجودات جميعِها، ووُجودٍ جائزٍ أو مُمكِنٍ، وهو وُجودُ العالَمِ وما فيه، ووُجُودٍ مُسْتَحيلٍ كوُجودِ شريكٍ للخالقِ ـ سبحانه وتعالى، قال تعالى في سُورة المؤمنون: {وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ ـ سُبْحَانَ اللهِ عَمَّا يَصِفُونَ} الآية: 91.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكر الحكيم: البسملة (2)
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكر الحكيم: البسملة (3)
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكر الحكيم: البسملة (1)
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكر الحكيم: التعوذ
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكر الحكيم: المقدّمة
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكر الحكيم، المقدِّمات (2)

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
روضة الشاعر عبد القادر الأسود :: ...:: الروضة الروحانية ::... :: روضة الذكر الحكيم-
انتقل الى: