روضة الشاعر عبد القادر الأسود
بعد الصلاة على الرحمة المهداة

أهلا وسهلا بك في روضتنا

يسرنا تسجيلك

روضة الشاعر عبد القادر الأسود
بعد الصلاة على الرحمة المهداة

أهلا وسهلا بك في روضتنا

يسرنا تسجيلك

روضة الشاعر عبد القادر الأسود
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

روضة الشاعر عبد القادر الأسود

منتدى أدبي اجتماعي يعنى بشؤون الشعر والأدب والموضوعات الاجتماعي والقضايا اللإنسانية
 
مركز تحميل الروضةالرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
بسـم الله الرحمن الرحيم  :: الحمد لله رب العالمين * الرحمن الرحيم * مالك يوم الدين * إياك نعبد وإياك نستعين * إهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين أنعمت عليهم * غير المغضوب عليهم ولا الضــالين ....  آميـــن

 

 الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 33 / 3

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
عبد القادر الأسود

¤° صاحب الإمتياز °¤
¤° صاحب الإمتياز °¤
عبد القادر الأسود


عدد المساهمات : 3986
تاريخ التسجيل : 08/09/2011
العمر : 76
المزاج المزاج : رايق
الجنس : ذكر
الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية:  33 / 3 Jb12915568671



الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية:  33 / 3 Empty
مُساهمةموضوع: الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 33 / 3   الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية:  33 / 3 I_icon_minitimeالأحد فبراير 24, 2019 3:23 pm

قَالَ أَبُو دَاوُدَ: قَرَأْتُ عَلَى سَعِيدِ بْنِ يَعْقُوبَ الطَّالَقَانِيِّ قَالَ: ثِنَا أَبُو تُمَيْلَةَ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ: ذَكَرَ عَطَاءٌ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُ، قَالَ: فَرَضَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَذَكَرَ مِثْلَ حَدِيثِ مُوسَى، وَقَالَ: وَعَلَى أَهْلِ الطَّعَامِ شَيْئًا لَمْ أَحْفَظْهُ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ فِي سُنَنِهِ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: حَدَّثْنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ: أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَاشِدٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ((مِنْ قُتِلَ خَطَأً فَدَيْتُهُ مِئَةٌ مِنَ الْإِبِلِ: ثَلَاثُونَ بِنْتَ مَخَاضٍ، وَثَلَاثُونَ بِنْتَ لَبُونٍ، وَثَلَاثُونَ حَقَّةً، وَعَشَرَةٌ بَنِي لَبُونٍ ذُكُورٍ)). قَالَ: وَكَانَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يُقَوِّمُهَا عَلَى أَهْلِ الْقُرَى أَرْبَعَمِئَةِ دِينَارٍ، أَوْ عَدْلَهَا مِنَ الْوَرِقِ، وَيُقَوِّمُهَا عَلَى أَهْلِ الْإِبِلِ إِذَا غَلَتْ رَفَعَ قِيمَتَهَا، وَإِذَا هَانَتْ نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهَا عَلَى نَحْوِ الزَّمَانِ مَا كَانَ. فَبَلَغَ قِيمَتُهَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَا بَيْنَ الْأَرْبَعِمِئَةِ دِينَارٍ، إِلَى ثَمَانِمِئَةِ دِينَارٍ أَوْ عَدْلِهَا مِنَ الْوَرَقِ. قَالَ: وَقَضَى رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّ مَنْ كَانَ عَقْلُهُ فِي الْبَقَرِ: عَلَى أَهْلِ الْبَقَرِ مِئَتَيْ بَقَرَةٍ، وَمَنْ كَانَ عَقْلُهُ فِي الشَّاءِ: أَلْفَيْ شَاةٍ، وَقَضَى رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَنَّ الْعَقْلَ مِيرَاثٌ بَيْنَ وَرَثَةِ الْقَتِيلِ عَلَى فَرَائِضِهِمْ، فَمَا فَضَلَ فَلِلْعَصَبَةِ" وَقَضَى رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَنْ يَعْقِلَ عَلَى الْمَرْأَةِ عَصَبَتُهَا مَنْ كَانُوا، وَلَا يَرِثُونَ مِنْهُ إِلَّا مَا فَضَلَ عَنْ وَرَثَتِهَا، وَإِنْ قُتِلَتْ فَعَقْلُهَا بَيْنَ وَرَثَتِهَا وَهُمْ يَقْتُلُونَ قَاتِلَهَا". وَقَالَ النَّسَائِيُّ فِي سُنَنِهِ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، عَنْ مُعَاذِ بْنِ هَانِئٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ (ح)، وَأَخْبَرَنَا أَبُو دَاوُدَ قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هَانِئٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُما، قَالَ: قَتَلَ رَجُلٌ رَجُلًا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَعَلَ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، دِيَتَهُ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا وَذَكَرَ قَوْلَهُ تعالى منْ سورةِ التوبة: {إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ} الآية: 74، فِي أَخْذِهِمُ الدِّيَةَ وَاللَّفْظُ لِأَبِي دَاوُدَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَيْمُونٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُما: أَنَّ النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "قَضَى بِاثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا" ـ يَعْنِي فِي الدِّيَةِ، انْتَهَى كَلَامُ النَّسَائِيِّ رَحِمَهُ اللهُ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ أَيْضًا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْأَنْبَارِيُّ، ثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُما: أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي عَدِيٍّ قُتِلَ. فَجَعَلَ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، دِيَتَهُ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا، قَالَ أَبُو دَاوُدَ: رَوَاهُ ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ يَذْكُرِ ابْنَ عَبَّاسٍ. وَقَالَ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ: حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ جَعْفَرٍ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُما، عَنِ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "جَعَلَ الدِّيَةَ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا" قَالَ: وَذَلِكَ قَوْلُهُ منْ سورةِ التوبة: {وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ} الآية: 74، قَالَ: بِأَخْذِهِمُ الدِّيَةَ. وَفِي الْمُوَطَّأِ عَنْ مَالِكٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُ: أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُ، قَوَّمَ الدِّيَةَ عَلَى أَهْلِ الْقُرَى فَجَعَلَهَا عَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ أَلْفَ دِينَارٍ، وَعَلَى أَهْلِ الْوَرِقِ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ. قَالَ مَالِكٌ: فَأَهْلُ الذَّهَبِ أَهْلُ الشَّامِ وَأَهْلُ مِصْرَ، وَأَهْلُ الْوَرِقِ أَهْلُ الْعِرَاقِ. وَعَنْ مَالِكٍ فِي الْمُوَطَّأِ أَيْضًا: أَنَّهُ سَمِعَ أَنَّ الدِّيَةَ تَقْطَعُ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ، أَوْ أَرْبَعِ سِنِينَ، قَالَ مَالِكٌ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُ: وَالثَّلَاثُ أَحَبُّ مَا سَمِعْتُ إِلَى فِي ذَلِكَ. وقَالَ مَالِكٌ: الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فِي الدِّيَةِ الْإِبِلُ، وَلَا مِنْ أَهْلِ الْعَمُودِ الذَّهَبُ وَلَا الْوَرِقُ، وَلَا مِنْ أَهْلِ الذَّهَبِ الْوَرِقُ، وَلَا مِنْ أَهْلِ الْوَرِقِ الذَّهَبُ.
فُرُوعٌ تَتَعَلَّقُ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ.
الْأَوَّلُ: جُمْهُورُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الدِّيَةَ فِي الْخَطَأِ وَشِبْهِ الْعَمْدِ مُؤَجَّلَةٌ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ، يَدْفَعُ ثُلْثَهَا فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ السِّنِينَ الثَّلَاثِ. قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ فِي "الْمُغْنِي": وَلَا خِلَافَ بَيْنِهِمْ فِي أَنَّهَا مُؤَجَّلَةٌ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ، فَإِنَّ عُمَرَ وَعَلِيًّا ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، جَعَلَا دِيَةَ الْخَطَأِ عَلَى الْعَاقِلَةِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ، وَلَا نَعْرِفُ لَهُمَا فِي الصَّحَابَةِ مُخَالِفًا، فَاتَّبَعَهُمْ عَلَى ذَلِكَ أَهْلُ الْعِلْمِ. وَمِثْلُ هَذَا يُسَمَّى إِجْمَاعًا سُكُوتِيًّا، وَهُوَ حُجَّةٌ ظَنِّيَّةٌ عِنْدَ جَمَاعَةٍ مِنْ أَهْلِ الْأُصُولِ، وَأَشَارَ إِلَى ذَلِكَ صَاحِبُ "مَرَاقِي السُّعُودِ" مَعَ بَيَانِ شَرْطِ الِاحْتِجَاجِ بِهِ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِذَلِكَ بِقَوْلِهِ:
وَجَعْلُ مَنْ سَكَتَ مِثْلَ مَنْ أَقَرْ ............. فِيهِ خِلَافٌ بَيْنِهِمْ قَدِ اشْتُهِرْ
فَالِاحْتِجَاجُ بِالسُّكُوتِي نَمَّا ...................... تَفْرِيعَهُ عَلَيْهِ مَنْ تَقَدَّمَا
وَهُوَ بِفَقْدِ السُّخْطِ وَالضِّدِّ حَرِي ................. مَعَ مُضِيِّ مُهْلَةٍ لِلنَّظَرِ
وَتَأْجِيلُهَا فِي ثَلَاثِ سِنِينَ هُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ.
الْفَرْعُ الثَّانِي: اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي نَفْسِ الْجَانِي، هَلْ يَلْزَمُهُ قِسْطٌ مِنْ دِيَةِ الْخَطَأِ كَوَاحِدٍ مِنَ الْعَاقِلَةِ، أَوْ لَا. فَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَشْهُورُ مَذْهَبِ مَالِكٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُما: أَنَّ الْجَانِيَ يَلْزَمُهُ قِسْطٌ مِنَ الدِّيَةِ كَوَاحِدٍ مِنَ الْعَاقِلَةِ.
وَذَهَبَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَالشَّافِعِيُّ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُما: إِلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ مِنَ الدِّيَةِ شَيْءٌ، لِظَاهِرِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ الْمُتَقَدِّمِ: أَنَّ النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "قَضَى بِالدِّيَةِ عَلَى عَاقِلَةِ الْمَرْأَةِ" وَظَاهِرُهُ قَضَاؤُهُ بِجَمِيعِ الدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَحُجَّةُ الْقَوْلِ الْآخَرِ: أَنْ أَصْلَ الْجِنَايَةِ عَلَيْهِ وَهُمْ مُعِينُونَ لَهُ، فَيَتَحَمَّلُ عَنْ نَفْسِهِ مِثْلَ مَا يَتَحَمَّلُ رَجُلٌ مِنْ عَاقِلَتِهِ.
الْفَرْعُ الثَّالِثُ: اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي تَعْيِينِ الْعَاقِلَةِ الَّتِي تَحْمِلُ عَنِ الْجَانِي دِيَةَ الْخَطَأِ. فَمَذْهَبُ الْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُ: أَنَّ الْعَاقِلَةَ هُمْ أَهْلُ دِيوَانِ الْقَاتِلِ إِنْ كَانَ الْقَاتِلُ مِنْ أَهْلِ دِيوَانٍ، وَأَهْلُ الدِّيوَانِ أَهْلُ الرَّايَاتِ، وَهُمُ الْجَيْشُ الَّذِينَ كَتَبَتْ أَسْمَاؤُهُمْ فِي الدِّيوَانِ لِمُنَاصَرَةِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا، تُؤْخَذُ الدِّيَةُ مِنْ عَطَايَاهُمْ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ دِيوَانٍ فَعَاقِلَتُهُ قَبِيلَتُهُ، وَتُقْسَمُ عَلَيْهِمْ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ، فَإِنْ لَمْ تَتَّسِعِ الْقَبِيلَةُ لِذَلِكَ ضُمَّ إِلَيْهِمْ أَقْرَبُ الْقَبَائِلِ نَسَبًا عَلَى تَرْتِيبِ الْعَصِبَاتِ. وَمَذْهَبُ مَالِكٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُ: الْبُدَاءَةُ بِأَهْلِ الدِّيوَانِ أَيْضًا، فَتُؤْخَذُ الدِّيَةُ مِنْ عَطَايَاهُمْ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَطَاؤُهُمْ قَائِمًا فَعَاقِلَتُهُ عَصَبَتُهُ الْأَقْرَبَ فَالْأَقْرَبَ، وَلَا يَحْمِلُ النِّسَاءَ وَلَا الصِّبْيَانَ شَيْئًا مِنَ الْعَقْلِ. وَلَيْسَ لِأَمْوَالِ الْعَاقِلَةِ حَدٌّ إِذَا بَلَغَتْهُ عَقَلُوا، وَلَا لِمَا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ حَدٌّ، وَلَا يُكَلَّفُ أَغْنِيَاؤُهُمُ الْأَدَاءَ عَنْ فُقَرَائِهِمْ. وَمِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ عَصَبَةً فَعَقْلُهُ فِي بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ. وَالْمَوَالِي بِمَنْزِلَةِ الْعَصَبَةِ مِنَ الْقَرَابَةِ، وَيَدْخُلُ فِي الْقَرَابَةِ الِابْنُ وَالْأَبُ. قَالَ سَحْنُونٌ: إِنْ كَانَتِ الْعَاقِلَةُ أَلْفًا فَهُمْ قَلِيلٌ، يُضَمُّ إِلَيْهِمْ أَقْرَبُ الْقَبَائِلِ إِلَيْهِمْ.
وَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُ: أَنَّهُ لَا يُؤْخَذُ مِنْ وَاحِدٍ مِنْ أَفْرَادِ الْعَصَبَةِ مِنَ الدِّيَةِ أَكْثَرُ مِنْ دِرْهَمٍ وَثُلُثٍ فِي كُلِّ سَنَةٍ مِنَ السِّنِينَ الثَّلَاثِ، فَالْمَجْمُوعُ أَرْبَعَةُ دَرَاهِمَ.
وَمَذْهَبُ أَحْمَدَ وَالشَّافِعِيُّ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُما: أَنَّ أَهْلَ الدِّيوَانِ لَا مَدْخَلَ لَهُمْ فِي الْعَقْلِ إِلَّا إِذَا كَانُوا عَصَبَةً، وَمَذْهَبُهُمَا رَحِمَهُمَا اللهُ: أَنَّ الْعَاقِلَةَ هِيَ الْعَصَبَةُ، إِلَّا أَنَّهُمُ اخْتَلَفُوا: هَلْ يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ الْأَبْنَاءُ وَالْآبَاءُ؟ فَعَنْ أَحْمَدَ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ: أَنَّهُمْ دَاخِلُونَ فِي الْعَصَبَةِ، لِأَنَّهُمْ أَقْرَبُ الْعَصَبَةِ، وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ أُخْرَى وَالشَّافِعِيُّ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُما: أَنَّهُمْ لَا يَدْخُلُونَ فِي الْعَاقِلَةِ، لِظَاهِرِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عنْهُ، الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ الْمُتَقَدِّمُ: ((أَنَّ مِيرَاثَ الْمَرْأَةِ لِوَلَدِهَا، وَالدِّيَةَ عَلَى عَاقِلَتِهَا))، وَظَاهِرُهُ عَدَمُ دُخُولِ أَوْلَادِهَا، فَقِيسَ الْآبَاءُ عَلَى الْأَوْلَادِ.
وَقَالَ ابْنُ قُدَامَةَ فِي "الْمُغْنِي": وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِيمَا يَحْمِلُهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ. فَقَالَ أَحْمَدُ: يَحْمِلُونَ عَلَى قَدْرِ مَا يُطِيقُونَ. هَذَا لَا يَتَقَدَّرُ شَرْعًا، وَإِنَّمَا يَرْجِعُ فِيهِ إِلَى اجْتِهَادِ الْحَاكِمِ، فَيَفْرِضُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ قَدْرًا يَسْهُلُ وَلَا يُؤْذِي، وَهَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ، لِأَنَّ التَّقْدِيرَ لَا يَثْبُتُ إِلَّا بِتَوْقِيفٍ، وَلَا يَثْبُتُ بِالرَّأْيِ وَالتَّحَكُّمِ، وَلَا نَصَّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَوَجَبَ الرُّجُوعُ فِيهَا إِلَى اجْتِهَادِ الْحَاكِمِ كَمَقَادِيرِ النَّفَقَاتِ.
وَعَنْ أَحْمَدَ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُ، رِوَايَةٌ أُخْرَى: أَنَّهُ يَفْرِضُ عَلَى الْمُوسِرِ نِصْفَ مِثْقَالٍ، لِأَنَّهُ أَقَلُّ مَالٍ يَتَقَدَّرُ فِي الزَّكَاةِ فَكَانَ مُعَبَّرًا بِهَا، وَيَجِبُ عَلَى الْمُتَوَسِّطِ رُبُعُ مِثْقَالٍ، لِأَنَّ مَا دُونَ ذَلِكَ تَافِهٌ لِكَوْنِ الْيَدِ لَا تُقْطَعُ فِيهِ، وَقَدْ قَالَتْ السيِّدَةُ عَائِشَةُ، أَمِّ المُؤْمِنينَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: لَا تُقْطَعُ الْيَدُ فِي الشَّيْءِ التَّافِهِ، وَمَا دُونَ رُبُعِ دِينَارٍ لَا تُقْطَعُ فِيهِ. وَهَذَا اخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ، وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُ: أَكْثَرُ مَا يُحْمَلُ عَلَى الْوَاحِدِ أَرْبَعَةُ دَرَاهِمَ، وَلَيْسَ لِأَقَلِّهِ حَدٌّ. اه كَلَامُ صَاحِبِ "الْمُغْنِي".
الْفَرْعُ الرَّابِعُ: لَا تَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ شَيْئًا مِنَ الْكَفَّارَةِ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهَا فِي قَوْلِهِ مِنْ سُورةِ النِّساءِ: {وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} الآية: 92، بَلْ هِيَ فِي مَالِ الْجَانِي إِجْمَاعًا، وَشَذَّ مَنْ قَالَ: هِيَ فِي بَيْتِ الْمَالِ. وَالْكَفَّارَةُ فِي قَتْلِ الْخَطَأِ وَاجِبَةٌ إِجْمَاعًا بِنَصِّ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ الصَّرِيحَةِ فِي ذَلِكَ.
وَاخْتَلَفُوا فِي الْعَمْدِ، وَاخْتِلَافُهُمْ فِيهِ مَشْهُورٌ، وَأَجْرَى الْقَوْلَيْنِ عَلَى الْقِيَاسِ عِنْدِي قَوْلُ مَنْ قَالَ: لَا كَفَّارَةَ فِي الْعَمْدِ، لِأَنَّ الْعُمَدَ فِي الْقَتْلِ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يُكَفِّرَهُ الْعِتْقُ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي الْقَاتِلِ عَمْدًا: {فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} الآية: 93، مِنْ سورةِ النِّساءِ، فَهَذَا الْأَمْرُ أَعْلَى وَأَفْخَمُ مِنْ أَنْ يُكَّفَرَ بِعِتْقِ رَقَبَةِ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللهِ تَعَالَى. وَالدِّيَةُ لَا تَحْمِلُهَا الْعَاقِلَةُ إِنْ كَانَ الْقَتْلُ خَطَّأً ثَابِتًا بِإِقْرَارِ الْجَانِي وَلَمْ يُصَدِّقُوهُ، بَلْ إِنَّمَا تَحْمِلُهَا إِنْ ثَبَتَ الْقَتْلُ بِبَيِّنَةٍ، كَمَا ذَهَبَ إِلَى هَذَا عَامَّةُ أَهْلِ الْعِلْمِ، مِنْهُمُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَالشَّعْبِيُّ، وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَالْحَسَنُ، وَالزُّهْرِيُّ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى، وَالثَّوْرِيُّ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَإِسْحَاقُ. وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَمَالِكٌ، وَأَبُو حَنِيفَةَ وَغَيْرُهُمْ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُم. وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللهِ تَعَالَى.
الْفَرْعُ الْخَامِسُ: جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ دِيَةَ الْمَرْأَةِ الْحُرَّةِ الْمُسْلِمَةِ نِصْفُ دِيَةِ الرَّجُلِ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ عَلَى مَا بَيَّنَّا. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ دِيَةَ الْمَرْأَةِ نِصْفُ دِيَةِ الرَّجُلِ، وَحَكَى غَيْرُهُمَا عَنِ ابْنِ عُلَيَّةَ وَالْأَصَمِّ، أَنَّهُمَا قَالَا: دِيَتُهَا كَدِيَةِ الرَّجُلِ. وَهَذَا قَوْلٌ شَاذٌّ، مُخَالِفٌ لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ، كَمَا قَالَهُ صَاحِبُ الْمُغْنِي. وَجِرَاحُ الْمَرْأَةِ تُسَاوِي جِرَاحَ الرَّجُلِ إِلَى ثُلُثِ الدِّيَةِ، فَإِنْ بَلَغَتِ الثُّلُثَ فَعَلَى النِّصْفِ. قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ فِي "الْمُغْنِي": وَرُوِيَ هَذَا عَنْ عُمَرَ، وَابْنِ عُمَرَ، وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَبِهِ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، وَالزُّهْرِيُّ، وَقَتَادَةُ، وَالْأَعْرَجُ، وَرَبِيعَةُ، وَمَالِكٌ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُم جميعًا. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَهُوَ قَوْلُ فُقَهَاءِ الْمَدِينَةِ السَّبْعَةِ، وَجُمْهُورِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَحُكِيَ عَنِ الشَّافِعِيِّ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُ، فِي الْقَدِيمِ.
وَقَالَ الْحَسَنُ البصْريُّ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُ: يَسْتَوِيَانِ إِلَى النِّصْفِ، وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَنَّهَا عَلَى النِّصْفِ فِيمَا قَلَّ أَوْ كَثُرَ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، وَبِهِ قَالَ الثَّوْرِيُّ، وَاللَّيْثُ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَابْنُ شُبْرُمَةَ، وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ. وَأَبُو ثَوْرٍ، وَالشَّافِعِيُّ فِي ظَاهِرِ مَذْهَبِهِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ، لِأَنَّهُمَا شَخْصَانِ تَخْتَلِفُ دِيَةُ نَفْسِهِمَا فَاخْتَلَفَ أَرْشُ جِرَاحِهُمَا. اه وَهَذَا الْقَوْلُ أَقِيسُ. وكَلَامُ ابْنِ قُدَامَةَ وَالْخِرَقِيِّ صَرِيحٌ فِي أَنَّ مَا بَلَغَ ثُلُثَ الدِّيَةِ يَسْتَوِيَانِ فِيهِ، وَأَنَّ تَفْضِيلَهُ عَلَيْهَا بِنِصْفِ الدِّيَةِ إِنَّمَا هُوَ فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ، فَمُقْتَضَى كَلَامِهِمَا أَنَّ دِيَةَ جَائِفَةِ الْمَرْأَةِ وَمَأْمُومَتِهَا كَدِيَةِ جَائِفَةِ الرَّجُلِ وَمَأْمُومَتِهِ، لِأَنَّ فِي كُلٍّ مِنَ الْجَائِفَةِ وَالْمَأْمُومَةِ ثُلُثَ الدِّيَةِ، وَأَنَّ عَقْلَهَا لَا يَكُونُ عَلَى النِّصْفِ مِنْ عَقْلِهِ إِلَّا فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ، كَدِيَةِ أَرْبَعَةِ أَصَابِعَ مِنَ الْيَدِ، فَإِنَّ فِيهَا أَرْبَعِينَ مِنَ الْإِبِلِ، إِذْ فِي كُلِّ إِصْبَعٍ عَشْرٌ، وَالْأَرْبَعُونَ أَكْثَرُ مِنْ ثُلْثِ الْمِائَةِ. وَكَلَامُ مَالِكٍ فِي الْمُوَطَّأِ وَغَيْرِهِ صَرِيحٌ فِي أَنَّ مَا بَلَغَ الثُّلُثُ كَالْجَائِفَةِ وَالْمَأْمُومَةِ تَكُونُ دِيَةُ الْمَرْأَةِ فِيهِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَةِ الرَّجُلِ، وَأَنَّ مَحَلَّ اسْتِوَائِهَا إِنَّمَا هُوَ فِيمَا دُونَ الثُّلْثِ خَاصَّةً كَالْمُوَضَّحَةِ وَالْمُنَقِّلَةِ، وَالْإِصْبَعِ وَالْإِصْبَعَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ، وَهُمَا قَوْلَانِ مَعْرُوفَانِ لِأَهْلِ الْعِلْمِ، وَأَصَحَّهُمَا هُوَ مَا ذَكَرْنَاهُ عَنْ مَالِكٍ، وَرَجَّحَهُ ابْنُ قُدَامَةَ فِي آخِرِ كَلَامِهِ بِالْحَدِيثِ الْآتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَهَذَا الْقَوْلُ مُشْكِلٌ جِدًّا لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْمَرْأَةَ إِنَّ قَطَعَتْ مِنْ يَدِهَا ثَلَاثَةَ أَصَابِعَ كَانَتْ دِيَتُهَا ثَلَاثِينَ مِنَ الْإِبِلِ كَأَصَابِعِ الرَّجُلِ، لِأَنَّهَا دُونَ الثُّلْثِ، وَإِنْ قَطَعَتْ مِنْ يَدِهَا أَرْبَعَةَ أَصَابِعَ كَانَتْ دِيَتُهَا عِشْرِينَ مِنَ الْإِبِلِ، لِأَنَّهَا زَادَتْ عَلَى الثُّلُثِ فَصَارَتْ عَلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَةِ الرَّجُلِ، وَكَوْنُ دِيَةِ الْأَصَابِعِ الثَّلَاثَةِ ثَلَاثِينَ مِنَ الْإِبِلِ، وِدِيَةِ الْأَصَابِعِ الْأَرْبَعَةِ عِشْرِينَ فِي غَايَةِ الْإِشْكَالِ كَمَا تَرَى.
وَقَدِ اسْتَشْكَلَ هَذَا رَبِيعَةُ بْنُ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَلَى سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، فَأَجَابَهُ بِأَنَّ هَذَا هُوَ السُّنَّةُ، فَفِي مُوَطَّأِ مَالِكٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ قَالَ: سَأَلْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ كَمْ فِي إِصْبَعِ الْمَرْأَةِ؟ قَالَ: عَشْرٌ مِنَ الْإِبِلِ. فَقُلْتُ: كَمْ فِي إِصْبَعَيْنِ؟ قَالَ: عِشْرُونَ مِنَ الْإِبِلِ. فَقُلْتُ: كَمْ فِي ثَلَاثٍ؟ فَقَالَ: ثَلَاثُونَ مِنَ الْإِبِلِ. فَقُلْتُ: كَمْ فِي أَرْبَعٍ؟ قَالَ: عِشْرُونَ مِنَ الْإِبِلِ. فَقُلْتُ: حِينَ عَظُمَ جُرْحُهَا، وَاشْتَدَّتْ مُصِيبَتُهَا نَقَصَ عَقْلُهَا؟ فَقَالَ سَعِيدٌ: أَعِرَاقِيٌّ أَنْتَ؟ فَقُلْتُ. بَلْ عَالِمٌ مُتَثَبِّتٌ، أَوْ جَاهِلٌ مُتَعَلِّمٌ. فَقَالَ سَعِيدٌ: هِيَ السُّنَّةُ يَا بْنَ أَخِي. وَظَاهِرُ كَلَامِ سَعِيدٍ هَذَا: أَنَّ هَذَا مِنْ سُنَّةِ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَلَوْ قُلْنَا: إِنَّ هَذَا لَهُ حُكْمُ الرَّفْعِ فَإِنَّهُ مُرْسَلٌ، لِأَنَّ سَعِيدًا لَمْ يُدْرِكْ زَمَنَ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ ـ رَحِمَهُ اللهُ، فِي سُنَنِهِ: أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمْزَةُ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((عَقْلُ الْمَرْأَةِ مِثْلُ عَقْلِ الرَّجُلِ حَتَّى يَبْلُغَ الثُّلُثَ مِنْ دِيَتِهَا)) وَهَذَا يُعَضِّدُ قَوْلَ سَعِيدٍ: إِنَّ هَذَا هُوَ السُّنَّةُ. وإِسْنَادُ النَّسَائِيِّ هَذَا ضَعِيفٌ فِيمَا يَظْهَرُ مِنْ جِهَتَيْنِ.
إِحْدَاهُمَا: أَنَّ إِسْمَاعِيلَ بْنَ عَيَّاشٍ رَوَاهُ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، وَرِوَايَةُ إِسْمَاعِيلَ الْمَذْكُورِ عَنْ غَيْرِ الشَّامِيِّينَ ضَعِيفَةٌ كَمَا قَدَّمْنَا إِيضَاحَهُ، وَابْنُ جُرَيْجٍ لَيْسَ بِشَامِيٍّ، بَلْ هُوَ حِجَازِيٌّ مَكِّيٌّ.
الثَّانِيَةُ: أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ عَنْعَنَهُ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، وَابْنُ جُرَيْجٍ ـ رَحِمَهُ اللهُ مُدَلِّسٌ، وَعَنْعَنَةُ الْمُدَلِّسُ لَا يُحْتَجُّ بِهَا مَا لَمْ يَثْبُتِ السَّمَاعُ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى كَمَا تَقَرَّرَ فِي عُلُومِ الْحَدِيثِ، وَيُؤَيِّدُ هَذَا الْإِعْلَالَ مَا قَالَهُ التِّرْمِذِيُّ ـ رَحِمَهُ اللهُ: مِنْ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ ـ يَعْنِي الْبُخَارِيَّ، قَالَ: إِنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُ ابْنُ حَجَرٍ فِي (تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ) فِي تَرْجَمَةِ ابْنِ جُرَيْجٍ الْمَذْكُورِ.
وَبِمَا ذَكَرْنَا تَعْلَمُ أَنَّ تَصْحِيحَ ابْنِ خُزَيْمَةَ لِهَذَا الْحَدِيثِ غَيْرُ صَحِيحٍ، وَإِنْ نَقَلَهُ عَنْهُ ابْنُ حَجَرٍ فِي "بُلُوغِ الْمَرَامِ" وَسَكَتَ عَلَيْهِ، وَاللهُ أَعْلَمُ. وَهَذَا مَعَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ كَوْنِ مَا تَضَمَّنَهُ هَذَا الْحَدِيثُ يَلْزَمُهُ أَنْ يَكُونَ فِي ثَلَاثَةِ أَصَابِعَ مِنْ أَصَابِعِ الْمَرْأَةِ ثَلَاثُونَ، وَفِي أَرْبَعَةِ أَصَابِعَ عِشْرُونَ، وَهَذَا مُخَالِفٌ لِمَا عَهِدَ مِنْ حِكْمَةِ هَذَا الشَّرْعِ الْكَرِيمِ كَمَا تَرَى، اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يُقَالَ: إِنْ جَعَلَ الْمَرْأَةَ عَلَى النِّصْفِ مِنَ الرَّجُلِ فِيمَا بَلَغَ الثَّالِثَ فَصَاعِدًا أَنَّهُ فِي الزَّائِدِ فَقَطْ، فَيَكُونُ فِي أَرْبَعَةِ أَصَابِعَ مِنْ أَصَابِعِهَا خَمْسٌ وَثَلَاثُونَ، فَيَكُونُ النَّقْصُ فِي الْعَشْرَةِ الرَّابِعَةُ فَقَطْ، وَهَذَا مَعْقُولٌ وَظَاهِرٌ، وَالْحَدِيثُ مُحْتَمِلٌ لَهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَمِنَ الْأَدِلَّةِ عَلَى أَنَّ دِيَةَ الْمَرْأَةِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَةِ الرَّجُلِ: مَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي السُّنَنِ الْكُبْرَى مِنْ وَجْهَيْنِ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ نُسَيٍّ، عَنِ ابْنِ غَنَمٍ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ: قَالَ: رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((دِيَةُ الْمَرْأَةِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَةِ الرَّجُلِ))، ثُمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ ـ رَحِمَهُ اللهُ: وَرُوِيَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ نُسَيٍّ وَفِيهِ ضَعْفٌ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ عُبَادَةَ بْنَ نُسَيٍّ ثِقَةٌ فَاضِلٌ، فَالضَّعْفُ الَّذِي يَعْنِيهِ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ غَيْرِهِ، وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا عَنْ عَلِيٍّ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُ، مَرْفُوعًا: ((دِيَةُ الْمَرْأَةِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَةِ الرَّجُلِ فِي الْكُلِّ)). وَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنْهُ وَفِيهِ انْقِطَاعٌ، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ الشَّعْبِيِّ عَنْهُ، وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْهُ وَعَنْ عُمَرَ، قَالَهُ الشَّوْكَانِيُّ ـ رَحِمَهُ اللهُ.
الْفَرْعُ السَّادِسُ: اعْلَمْ أَنَّ أَصَحَّ الْأَقْوَالِ وَأَظْهَرُهَا دَلِيلًا: أَنَّ دِيَةَ الْكَافِرِ الذِّمِّيِّ عَلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَةِ الْمُسْلِمِ، كَمَا قَدَّمْنَا عَنْ أَبِي دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: أَنَّ دِيَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ كَانَتْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَةِ الْمُسْلِمِينَ، وَأَنَّ عُمَرَ لَمْ يَرْفَعْهَا فِيمَا رَفَعَ عِنْدَ تَقْوِيمِهِ الدِّيَةَ لَمَّا غَلَتِ الْإِبِلُ. وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ أَيْضًا فِي سُنَنِهِ: حَدَّثْنَا يَزِيدُ بْنُ خَالِدِ بْنِ مَوْهَبٍ الرَّمْلِيُّ، ثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ((دِيَةُ الْمُعَاهِدِ نِصْفُ دِيَةِ الْحُرِّ)). قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَرَوَاهُ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ اللَّيْثِيُّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ مِثْلَهُ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ فِي سُنَنِهِ: أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ رَاشِدٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى. ـ وَذَكَرَ كَلِمَةً مَعْنَاهَا، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((عَقْلُ أَهْلِ الذِّمَّةِ نِصْفُ عَقْلِ الْمُسْلِمِينَ وَهُمُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى)). أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ السَّرْحِ، قَالَ: أَنْبَأَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو ـ رَضِيَ اللهُ عنهُما: أَنَّ رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ((عَقْلُ الْكَافِرِ نِصْفُ عَقْلِ الْمُؤْمِنِ)). وَقَالَ ابْنُ مَاجَهْ ـ رَحِمَهُ اللهُ فِي سُنَنِهِ: حَدَّثْنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، ثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَيَّاشٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَضَى أَنَّ عَقْلَ أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ نِصْفُ عَقْلِ الْمُسْلِمِينَ، وَهُمُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى. وَأَخْرَجَ نَحْوَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ.
قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي (نَيْلِ الْأَوْطَارِ): وَحَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ هَذَا حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ الْجَارُودِ. وَبِهَذَا تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ مَنْ قَالَ: دِيَةُ أَهْلِ الذِّمَّةِ كَدِيَةِ الْمُسْلِمِينَ، كَأَبِي حَنِيفَةَ وَمَنْ وَافَقَهُ. وَمَنْ قَالَ: إِنَّهَا قَدْرُ ثُلْثِ دِيَةِ الْمُسْلِمِ. كَالشَّافِعِيِّ وَمَنْ وَافَقَهُ. وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللهِ تَعَالَى.
وَاعْلَمْ أَنَّ الرِّوَايَاتِ الَّتِي جَاءَتْ بِأَنَّ دِيَةَ الذِّمِّيِّ وَالْمُعَاهِدِ كَدِيَةِ الْمُسْلِمِ ضَعِيفَةٌ لَا يُحْتَجُّ بِهَا، وَقَدْ بَيَّنَ الْبَيْهَقِيُّ ـ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى، ضَعْفَهَا فِي (السُّنَنِ الْكُبْرَى)، وَقَدْ حَاوَلَ ابْنُ التُّرْكُمَانِيِّ ـ رَحِمَهُ اللهُ، فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى سُنَنِ الْبَيْهَقِيِّ أَنْ يَجْعَلَ تِلْكَ الرِّوَايَاتِ صَالِحَةً لِلِاحْتِجَاجِ، وَهِيَ لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ صَحِيحٌ.
أَمَّا الِاسْتِدْلَالُ بِظَاهِرِ قَوْلِهِ تَعَالَى مِنْ سورةِ النِّساءِ: {وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} الآية: 92، فَيُقَالُ فِيهِ: هَذِهِ دَلَالَةُ اقْتِرَانٍ، وَهِيَ غَيْرُ مُعْتَبِرَةٍ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَغَايَةُ مَا فِي الْبَابِ: أَنَّ الْآيَةَ لَمْ تُبَيِّنْ قَدْرَ دِيَةِ الْمُسْلِمِ وَلَا الْكَافِرِ، وَالسُّنَّةُ بَيَّنَتْ أَنَّ دِيَةَ الْكَافِرِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَةِ الْمُسْلِمِ، وَهَذَا لَا إِشْكَالَ فِيهِ. أَمَّا اسْتِوَاؤُهُمَا فِي قَدْرِ الْكَفَّارَةِ فَلَا دَلِيلَ فِيهِ عَلَى الدِّيَةِ، لِأَنَّهَا مَسْأَلَةٌ أُخْرَى.
وَالْأَدِلَّةُ الَّتِي ذَكَرْنَا دَلَالَتَهَا أَنَّهَا عَلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَةِ الْمُسْلِمِ أَقْوَى، وَيُؤَيِّدُهَا: أَنَّ فِي الْكِتَابِ الَّذِي كَتَبَهُ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ: ((وَفِي النَّفْسِ الْمُؤْمِنَةِ مِئَةٌ مِنَ الْإِبِلِ))، فَمَفْهُومُ قَوْلِهِ: "الْمُؤْمِنَةِ" أَنَّ النَّفْسَ الْكَافِرَةَ لَيْسَتْ كَذَلِكَ، عَلَى أَنَّ الْمُخَالِفَ فِي هَذِهِ الْإِمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُ، وَالْمُقَرَّرُ فِي أُصُولِهِ: أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ دَلِيلُ الْخِطَابِ أَعْنِي مَفْهُومَ الْمُخَالَفَةِ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ عَنْهُ. وَلَا يَقُولُ بِحَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيِّدِ، فَيَسْتَدِلُّ بِإِطْلَاقِ النَّفْسِ عَنْ قَيْدِ الْإِيمَانِ فِي الْأَدِلَّةِ الْأُخْرَى عَلَى شُمُولِهَا لِلْكَافِرِ، وَالْقَوْلِ بِالْفَرْقِ بَيْنَ الْكَافِرِ الْمَقْتُولِ عَمْدًا فَتَكُونُ دِيَتُهُ كَدِيَةِ الْمُسْلِمِ، وَبَيْنَ الْمَقْتُولِ خَطَأً فَتَكُونُ عَلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَةِ الْمُسْلِمِ، لَا نَعْلَمُ لَهُ مُسْتَنَدًا مِنْ كِتَابٍ وَلَا سَنَةٍ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللهِ تَعَالَى.
وَأَمَّا دِيَةُ الْمَجُوسِيِّ: فَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّهَا ثُلْثُ خُمْسِ دِيَةِ الْمُسْلِمِ، فَهِيَ ثَمَانِمِئَةِ دِرْهَمٍ، وَنِسَاؤُهُمْ عَلَى النِّصْفِ مِنْ ذَلِكَ.
وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُم، مِنْهُمْ عُمَرُ وَعُثْمَانُ، وَابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ، وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ، وَعَطَاءٌ، وَعِكْرِمَةُ، وَالْحَسَنُ، وَإِسْحَاقُ. وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُ، أَنَّهُ قَالَ: دِيَتُهُ نِصْفُ دِيَةِ الْمُسْلِمِ كَدِيَةِ الْكِتَابِيِّ. وَقَالَ النَّخَعِيُّ، وَالشَّعْبِيُّ: دِيَتُهُ كَدِيَةِ الْمُسْلِمِ، وَهَذَا هُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُم. وَالِاسْتِدْلَالُ عَلَى أَنَّ دِيَةَ الْمَجُوسِيِّ كَدِيَةِ الْكِتَابِيِّ بِحَدِيثِ: ((سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ)). لَا يَتَّجِهُ، لِأَنَّا لَوْ فَرَضْنَا صَلَاحِيَةَ الْحَدِيثِ لِلِاحْتِجَاجِ، فَالْمُرَادُ بِهِ أَخْذُ الْجِزْيَةَ مِنْهُمْ فَقَطْ، بِدَلِيلِ أَنَّ نِسَاءَهُمْ لَا تَحِلُّ، وَذَبَائِحُهُمْ لَا تُؤْكَلُ. وَقَالَ ابْنُ قُدَامَةَ فِي (الْمُغْنِي): إِنَّ قَوْلَ مَنْ ذَكَرْنَا مِنَ الصَّحَابَةِ: إِنَّ دِيَةَ الْمَجُوسِيِّ ثُلُثُ خُمْسِ دِيَةِ الْمُسْلِمِ، لَمْ يُخَالِفْهُمْ فِيهِ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ فَصَارَ إِجْمَاعًا سُكُوتِيًّا. وَقَدْ قَدَّمْنَا قَوْلَ مَنْ قَالَ: إِنَّهُ حُجَّةٌ. وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: دِيَةُ الْمُرْتَدِّ إِنْ قُتِلَ قَبْلَ الِاسْتِتَابَةِ كَدِيَةِ الْمَجُوسِيِّ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ. وَأَمَّا الْحَرُبِيُّونَ فَلَا دِيَةَ لَهُمْ مُطْلَقًا. وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللهِ تَعَالَى.
الْفَرْعُ السَّابِعُ: اعْلَمْ أَنَّ الْعُلَمَاءَ اخْتَلَفُوا فِي مُوجَبِ التَّغْلِيظِ فِي الدِّيَةِ، وَبِمَ تُغَلَّظُ؟ فَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى أَنَّهَا تُغَلَّظُ بِثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ: وَهِيَ الْقَتْلُ فِي الْحَرَمِ، وَكَوْنُ الْمَقْتُولِ مُحْرِمًا بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ، أَوْ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ، فَتُغَلَّظُ الدِّيَةُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا بِزِيَادَةِ ثُلُثِهَا. فَمَنْ قَتَلَ مُحْرِمًا فَعَلَيْهِ دِيَةٌ وَثُلُثٌ، وَمَنْ قَتَلَ مُحْرِمًا فِي الْحَرَمِ فِدْيَةٌ وَثُلْثَانِ، وَمَنْ قَتَلَ مُحْرِمًا فِي الْحَرَمِ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ فَدِيَتَانِ. وَهَذَا مَذْهَبُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُ، وَرُوِيَ نَحْوُهُ عَنْ عُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ، نَقَلَهُ عَنْهُمُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ.
وَمِمَّنْ رَوَى عَنْهُ هَذَا الْقَوْلَ: سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَعَطَاءٌ، وَطَاوُسٌ، وَالشَّعْبِيُّ، وَمُجَاهِدٌ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ، وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ، وَقَتَادَةُ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَغَيْرُهُمْ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُم، كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُمْ صَاحِبُ الْمُغْنِي. وَقَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُ: تُغَلِّظُ الدِّيَةُ بِالْحَرَمِ، وَالْأَشْهُرِ الْحُرُمِ، وَذِي الرَّحِمِ الْمُحْرِمِ، وَفِي تَغْلِيظِهَا بِالْإِحْرَامِ عَنْهُمْ وَجْهَانِ. وَصِفَةُ التَّغْلِيظِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ: هِيَ أَنْ تَجْعَلَ دِيَةَ الْعَمْدِ فِي الْخَطَأِ، وَلَا تُغَلَّظُ الدِّيَةُ عِنْدَ مَالِكٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُ، فِي قَتْلِ الْوَالِدِ وَلَدَهُ قَتْلًا شِبْهَ عَمْدٍ، كَمَا فَعَلَ الْمُدْلِجِيُّ بِأَبِيهِ، وَالْجَدُّ وَالْأُمُّ عِنْدَهُ كَالْأَبِ. وَتَغْلِيظُهَا عِنْدَهُ: هُوَ تَثْلِيثُهَا بِكَوْنِهَا ثَلَاثِينَ حَقَّةً، وَثَلَاثِينَ جَذَعَةً، وَأَرْبَعِينَ خِلْفَةً فِي بُطُونِهَا أَوْلَادُهَا، لَا يُبَالِي مِنْ أَيِّ الْأَسْنَانِ كَانَتْ، وَلَا يَرِثُ الْأَبُ عِنْدَهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ مِنْ دِيَةِ الْوَلَدِ وَلَا مِنْ مَالِهِ شَيْئًا. وَظَاهِرُ الْأَدِلَّةِ أَنَّ الْقَاتِلَ لَا يَرِثُ مُطْلَقًا مِنْ دِيَةٍ وَلَا غَيْرِهَا، سَوَاءٌ كَانَ الْقَتْلُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً. وَفَرَّقَ الْمَالِكِيَّةُ فِي الْخَطَأِ بَيْنَ الدِّيَةِ وَغَيْرِهَا، فَمَنَعُوا مِيرَاثَهُ مِنَ الدِّيَةِ دُونَ غَيْرِهَا مِنْ مَالِ التَّرِكَةِ. وَالْإِطْلَاقُ أَظْهَرُ مِنْ هَذَا التَّفْصِيلِ، وَاللهُ أَعْلَمُ. وَقِصَّةُ الْمُدْلِجِيُّ: هِيَ مَا رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ: أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي مُدْلِجٍ يُقَالُ لَهُ "قَتَادَةُ" حَذَفَ ابْنَهُ بِالسَّيْفِ، فَأَصَابَ سَاقَهُ فَنَزَّى فِي جُرْحِهِ فَمَاتَ، فَقَدِمَ سُرَاقَةُ بْنُ جَعْشَمٍ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُ: أَعْدِدْ عَلَى مَاءِ قَدِيدٍ عِشْرِينَ وَمِئَةَ بَعِيرٍ حَتَّى أَقْدَمَ عَلَيْكَ، فَلَمَّا قَدِمَ إِلَيْهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُ، أَخَذَ مِنْ تِلْكَ الْإِبِلِ ثَلَاثِينَ حَقَّةً، وَثَلَاثِينَ جَذَعَةً، وَأَرْبَعِينَ خِلْفَةً، وَقَالَ: أَيْنَ أَخُو الْمَقْتُولِ؟ قَالَ: هَا أَنَذَا. قَالَ: خُذْهَا، فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ((لَيْسَ لِقَاتِلٍ شَيْءٌ)).
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الإسراء، الآية: 33 / 3
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
روضة الشاعر عبد القادر الأسود :: ...:: الروضة الروحانية ::... :: روضة الذكر الحكيم-
انتقل الى: