روضة الشاعر عبد القادر الأسود
بعد الصلاة على الرحمة المهداة

أهلا وسهلا بك في روضتنا

يسرنا تسجيلك

روضة الشاعر عبد القادر الأسود
بعد الصلاة على الرحمة المهداة

أهلا وسهلا بك في روضتنا

يسرنا تسجيلك

روضة الشاعر عبد القادر الأسود
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

روضة الشاعر عبد القادر الأسود

منتدى أدبي اجتماعي يعنى بشؤون الشعر والأدب والموضوعات الاجتماعي والقضايا اللإنسانية
 
مركز تحميل الروضةالرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
بسـم الله الرحمن الرحيم  :: الحمد لله رب العالمين * الرحمن الرحيم * مالك يوم الدين * إياك نعبد وإياك نستعين * إهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين أنعمت عليهم * غير المغضوب عليهم ولا الضــالين ....  آميـــن

 

 فيض العليم ... سورة يوسف، الآية: 40

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
عبد القادر الأسود

¤° صاحب الإمتياز °¤
¤° صاحب الإمتياز °¤
عبد القادر الأسود


عدد المساهمات : 3986
تاريخ التسجيل : 08/09/2011
العمر : 76
المزاج المزاج : رايق
الجنس : ذكر
فيض العليم ... سورة يوسف، الآية: 40 Jb12915568671



فيض العليم ... سورة يوسف، الآية: 40 Empty
مُساهمةموضوع: فيض العليم ... سورة يوسف، الآية: 40   فيض العليم ... سورة يوسف، الآية: 40 I_icon_minitimeالخميس يوليو 28, 2016 1:31 pm

فيض العليم ... سورة يوسف، الآية: 40

مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا للهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (40)

قولُهُ ـ تعالى جَدُّهُ: {مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ} نَفَى وُجودَ ما يُسَمُّونَهُ آلِهَةً، فهي في حقيقةِ أَمْرِها لَا وُجودَ لَها وُجودًا حَقيقِيًّا، فضْلًا عَنْ أَنْ تَكونَ آلِهَة مَعبودَةً وذَلِكَ حَقٌّ؛ لأَنَّ قُدَماءَ المَصْرِيِّينَ كانوا يَفْرِضونَ آلِهَةً للزُّروعِ، وأُخرى تتوالَدُ وتَتَقاتلُ، وكلُّها لَا وجودَ لَها في الحَقيقةِ والواقعِ، سوى في مخيِّلاتِهمْ وأوهامهم، فَهي مُجرَّدُ أَسماءٍ سَمُّوها وعَبَدُوها. وَمَعْنَى قَصْرِهَا ب "إِلَّا" عَلَى أَنَّهَا أَسْمَاءٌ قَصْرًا إِضَافِيًّا، أَنَّهَا أَسْمَاءٌ لَا مُسَمَّيَاتٍ لَهَا فَلَيْسَ لَهَا فِي الْوُجُودِ إِلَّا أَسْمَاؤُهَا فقط. وَكَانَتْ دِيَانَةُ الْقِبْطِ فِي سَائِرِ الْعُصُورِ الَّتِي حَفِظَهَا التَّارِيخُ وَشَهِدَتْ بِهَا الْآثَارُ دِيَانَةَ شِرْكٍ، أَيْ ديانةَ تَعَدُّدِ الْآلِهَةِ، إلى أنْ جاءَ موسى ـ عَلَيهِ السَّلامُ، مُخَلِّصًا لبَنِي إِسْرائيلَ الذين كانوا نَزَلوا بِمِصْرَ زَمَنَ يُوسُفَ ـ عليهِ السَّلامُ، جاءَ مُخَلِّصًا لهم مِنْ جَبَروتِ الأَقْبَاطِ وشِرْكِهم وتسلُّطِهِمْ عَلَيْهمْ، وما آمَنَ مَعَهُ إلَّا قليلٌ، ثمَّ جاءَ عِيسَى ـ عَلَيْهِ السَّلامُ، فاعْتَنَقَ الأَقْباطُ النَّصْرانِيَّةَ. وَبِالرَّغْمِ عَلَى مَا يُحَاوِلُهُ بَعْضُ الْمُؤَرِّخِينَ الْمِصْرِيِّينَ وَالْإِفْرِنْجِ مِنْ إِثْبَاتِ اعْتِرَافِ الْقِبْطِ بِإِلَهٍ وَاحِدٍ وَتَأْوِيلِهِمْ لَهُمْ تَعَدُّدَ الْآلِهَةِ بِأَنَّهَا رُمُوزٌ لِلْعَنَاصِرِ فَإِنَّهُمْ لَمْ يَسْتَطِيعُوا أَنَّ يُثْبِتُوا إِلَّا أَنَّ هَذَا الْإِلَهَ هُوَ مُعْطِي التَّصَرُّفَ لِلْآلِهَةِ الْأُخْرَى. وَذَلِكَ هُوَ شَأْنُ سَائِرِ أَدْيَانِ الشِّرْكِ، فَإِنَّ الشِّرْكَ يَنْشَأُ عَنْ مِثْلِ ذَلِكَ الْخَيَالِ فَيُصْبِحُ تَعَدُّدَ آلِهَةٍ. وَالْأُمَمُ الْجَاهِلَةُ تَتَخَيَّلُ هَذِهِ الِاعْتِقَادَاتِ مِنْ تَخَيُّلَاتِ نِظَامِ مُلُوكِهَا وَسَلَاطِينِهَا وَهُوَ النِّظَامُ الْإِقْطَاعِيُّ الْقَدِيمُ. وتَتَابَعْتْ أَجْيالُهم عَلى عبادةٍ لَيْسَتْ إلَّا أَسْماءً سَمَّاها آباؤهم، وتَبِعوا آباءهم في ذَلِكَ تَبَعِيَّةَ الوَهْمِ للوَهْم، وما كان لها وُجُودٌ البتَّة.
وإِنَّما لَمْ يَذْكُرِ المُسَمَّيَاتِ تَرْبِيَةً لِمَا يَقْتَضِيهِ المَقامُ مِنْ إِسْقاطِها عَنْ مَرْتَبَةِ الوُجُودِ، وإيذانًا بِأَنَّ تَسْمِيَتَهم في البُطْلانِ، حَيْثُ كانَتْ بِلا مُسَمًّى، كعِبادَتِهم حَيْثُ كانتْ بِلَا مَعْبودٍ فقال لهم، مَا تَعْبُدُونَ غيرَ الإلهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ، إِلَّا أَسْمَاءً وَضَعْتُمُوهَا لِمُسَمَّيَاتٍ نَحَلْتُمُوهَا صِفَاتِ الرُّبُوبِيَّةِ وَأَعْمَالَ الرَّبِّ الْوَاحِدِ، فَاتَّخَذْتُمُوهَا أَرْبَابًا وَمَا هِيَ بِأَرْبَابٍ تَخْلُقُ، وَلَا تَرْزُقُ، وَلَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ، وَلَا تُدَبِّرُ وَلَا تَشْفَعُ، فَهِيَ فِي الْحَقِيقَةِ لَا مُسَمَّيَاتٍ لَهَا بِالْمَعْنَى الْمُرَادِ مِنْ لَفْظِ الرَّبِّ الْإِلَهِ الْمُسْتَحِقِّ لِلْعِبَادَةِ، حَتَّى يُقَالَ إِنَّهَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ خَيْرٌ. لقد بَنَى الْقِبْطُ تَعَدُّدَ الْآلِهَةِ عَلَى تَعَدُّدِ الْقُوَى وَالْعَنَاصِرِ وَبَعْضِ الْكَوَاكِبِ ذَاتِ الْقُوَى. وَمِثْلُهُمُ فِي ذَلِكَ الْإِغْرِيقُ، فَقد كانوا أَحْسَنَ حَالًا مِنْ مُشْرِكِي الْعَرَبِ الَّذِينَ أَلَّهُوا الْحِجَارَةَ. وَقُصَارَى مَا قَسَّمُوهُ فِي عِبَادَتِهَا أَنْ جَعَلُوا بَعْضَهَا آلِهَةً لِبَعْضِ الْقَبَائِلِ كَمَا قَالَ ضِرارُ بْنُ الخَطَّابِ الفِهْرِيُّ:
وَفَرَّتْ ثَقِيفٌ إِلَى لَاتِهَا ..................... بِمُنْقَلَبِ الخائبِ الخاسِرِ
كما كانوا أَحْسَنَ حَالًا مِنَ الصَّابِئَةِ الكَلْدانِيِّينَ والآشوريِّينَ الَّذِينَ جَعَلُوا الْآلِهَةَ رُمُوزًا لِلنُّجُومِ وَالْكَوَاكِبِ. وَكَانَتْ آلِهَةُ الْقِبْطِ نَحْوًا مِنْ ثَلَاثِينَ رَبًّا أَكْبَرَهَا عِنْدَهُمْ آمَونْ رَعْ. وَمِنْ أَعْظَمِ آلِهَتِهِمْ ثَلَاثَةٌ أُخَرُ وَهِيَ: أُوزُورِيسُ، وَإِزيسُ، وَهُورُوسُ. فَلِلَّهِ بَلَاغَةُ الْقُرْآنِ إِذْ عَبَّرَ عَنْ تَعَدُّدِهَا بِالتَّفَرُّقِ فَقَالَ الآيةِ: 39، السابقةِ: {أَأَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ خيرٌ}. وَبَعْدَ أَنْ أَثَارَ لَهُمَا الشَّكَّ فِي صِحَّةِ إِلَهِيَّةِ آلِهَتِهِمُ الْمُتَعَدِّدِةِ، انْتَقَلَ إِلَى إِبْطَالِ وُجُودِ تِلْكَ الْآلِهَةِ عَلَى الْحَقِيقَةِ بِقَوْلِهِ: "مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْماءً سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ"، يَعْنِي أَنَّ تِلْكَ الْآلِهَةَ لَا تَحَقُّقَ لِحَقَائِقِهَا فِي الْوُجُودِ الْخَارِجِيِّ بَلْ هِيَ تَوَهُّمَاتٌ تَخَيَّلُوهَا.
قولُهُ: {مَا أَنْزَلَ اللهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ} أَيْ ما أنزلَ اللهُ بها منْ حُجَّةٍ تُسَوِّغُ عِبَادَتَها، وإنَّ الحُكْمَ والسُلْطانَ، والقُدْرَةَ القاهِرَةَ لَيْسَتْ إِلَّا للهِ وحدَهُ، خالِقِ كُلِّ شَيْءٍ. فمَا أَنْزَلَ اللهُ بِتَسْمِيَتِهَا أَرْبَابًا عَلَى أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ أَيُّ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الْبُرْهَانِ وَالْحُجَّةِ، فَيُقَالُ إِنَّكُمْ تَتَّبِعُونَهُ بِالْمَعْنَى الَّذِي أَرَادَهُ اللهُ تَعَالَى مِنْهُ، تَعَبُّدًا لَهُ وَحْدَهُ وَطَاعَةً لِرُسُلِهِ، فَيَكُونُ اتِّبَاعُهَا أَوْ تَعْظِيمُهَا غَيْرَ مُنَافٍ لِتَوْحِيدِهِ، كَاسْتِلَامِ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ عِنْدَ الطَّوَافِ بِالْكَعْبَةِ الْمُعَظَّمَةِ، مَعَ الِاعْتِقَادِ بِأَنَّهُ حَجَرٌ لَا يَنْفَعُ وَلَا يَضُرُّ، كَمَا ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ الشريف، فَإنَّ تَسْمِيَتَهم لتلكَ الأربابِ لَا دَلِيلَ عَلَيْهَا مِنَ النَّقْلِ السَّمَاوِيِّ فَتَكُونَ مِنْ أُصُولِ الْإِيمَانِ، وَلَا دَلِيلَ عَلَيْهَا مِنَ الْعَقْلِ فَتَكُونَ مِنْ نَتَائِجِ الْبُرْهَانِ.
قولُهُ: {إِنِ الْحُكْمُ إلَّا للهِ} إِبْطَالٌ لِجَمِيعِ التَّصَرُّفَاتِ الْمَزْعُومَةِ لِآلِهَتِهِمْ بِأَنَّهَا لَا حُكْمَ لَهَا فِيمَا زَعَمُوا أَنَّهُ مِنْ حُكْمِهَا وَتَصَرُّفِهَا. أَيْ مَا الْحُكْمُ الْحَقُّ فِي الرُّبُوبِيَّةِ، وَالْعَقَائِدِ وَالْعِبَادَاتِ الدِّينِيَّةِ المُتَفَرِّعَةِ عَلى تِلْكَ التَسْمِيَةِ إِلَّا للهِ وَحْدَهُ يُوحِيهِ لِرُسُلِهِ الذين اصْطَفَاهُم مِنْ عبادِه، فلَا يُمْكِنُ لِبَشَرٍ أَنْ يَحْكُمَ فِيهِ بِهَوَاهُ ورَأْيِهِ، وَلَا بِاسْتِدْلَالِهِ وعَقْلِهِ، وَلَا بِاجْتِهَادِهِ وَاسْتِحْسَانِهِ، فَهَذِهِ الْقَاعِدَةُ هِيَ أَسَاسُ دِينِ اللهِ ـ تبارك وتَعَالَى، عَلَى أَلْسِنَةِ جَمِيعِ أَنْبيائهِ ورُسُلِهِ، لَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَزْمِنَةِ وَلا الْأَمْكِنَةِ، فهُوَ ـ سُبْحانَهُ، الجَديرُ بالسُّلْطانِ وَحْدَهَ.
قولُه: {أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} انْتِقَالٌ مِنْ أَدِلَّةِ إِثْبَاتِ انْفِرَادِ اللهِ تَعَالَى بِالْإِلَهِيَّةِ إِلَى التَّعْلِيمِ بِامْتِثَالِ أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ، لِأَنَّ ذَلِك نتيجة إِثْبَات الْإِلَهِيَّةِ وَالْوَحْدَانِيَّةِ لَهُ، فَهِيَ بَيَانٌ لِجُمْلَةِ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا للهِ مِنْ حَيْثُ مَا فِيهَا مِنْ مَعْنَى الْحُكْمِ. وقد أَمَرَ اللهُ أَلَّا تعبدوا إلَّا إيّاه، فَادْعُوه وَحْدَهُ وَاعْبُدُوه وحْدَهُ، وَلَهُ وَحْدَهُ فَارْكَعُوا وَاسْجُدُوا، وَإِلَيْهِ وَحْدَهُ فَتَوَجَّهُوا، وإيّاهُ فاقصدوا، حُنَفَاءَ للهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ مَلَكًا مِنَ الْمَلَائِكَةِ الرُّوحَانِيِّينَ، وَلَا مَلِكًا مِنَ الْمُلُوكِ الْحَاكِمِينَ، وَلَا كَاهِنًا مِنَ الْمُتَعَبِّدِينَ، وَلَا شَمْسًا وَلَا قَمَرًا، وَلَا نَجْعًا وَلَا شَجَرًا، وَلَا نَهْرًا مُقَدَّسًا كَ "نهر ِالْكِنْغِ" أو "الغانج" عندَ الهنودِ، وَالنِّيلِ عندَ قدماءِ المِصْريِّين، وَلَا حَيَوَانًا كَالْعِجْلِ عندَ اليهود والبقرِ عند البوذيين، فَالْمُؤْمِنُ الْمُوَحِّدُ للهِ لَا يَذِلُّ نَفْسَهُ بِالتَّعَبُّدِ لِغَيْرِ اللهِ ـ سبحانه وتعالى، فلا يرفعُ لها دُعَاءً وَلَا يَتَقَدَّمُ منها برجاءٍ، لِإِيمَانِهِ بِأَنَّ الله هُوَ الرَّبُّ الْمُدَبِّرُ الْمُسَخِّرُ لِكُلِّ شَيْءٍ، وَأَنَّ كُلَّ مَا عَدَاهُ خَاضِعٌ لِإِرَادَتِهِ وَسُنَنِهِ، فِي أَسْبَابِ الْمَنَافِعِ وَالْمَضَارِّ، لَا يَمْلِكُ لِنَفْسِهِ وَلَا لِغَيْرِهِ غَيْرَ مَا أَعْطَاهُ مِنَ الْقُوَى الَّتِي هِيَ قِوَامُ جِنْسِهِ وَمَادَّةُ حَيَاةِ شَخْصِهِ فإنَّه ـ سبحانَهُ، قد {أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} الآية: 50، مِنْ سُورَةِ طَهَ. فَإِلَيْهِ وَحْدَهُ الْمَلْجَأُ لِلْجَزَاءِ عَلَى الْأَعْمَالِ يَوْمَ الْحِسَابِ.
وَأخرج ابْنُ جَريرٍ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنْ أبي الْعَالِيَةَ الرِّياحيِّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فِي قَوْلِهِ تعالى: "إِن الحكم إِلَّا لله أَمر أَلا تعبدوا إِلَّا إِيَّاه" قَالَ: أَسَّسَ الدِّينَ عَلَى الْإِخْلَاصِ للهِ وَحدَهُ لَا شَريكَ لَهُ.
قولُهُ: {ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ} هُوَ بِمَنْزِلَةِ رَدِّ الْعَجُزِ عَلَى الصَّدْرِ لِقَوْلِهِ تعالى قبل ذلك في الآية: 38: {إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ} إِلَى قولِهِ: {لَا يَشْكُرُونَ}. أيْ: هذا التَّوحيدُ للهِ تعالى الذي تقدَّمَ بيانُهُ وتفصيلُهُ، هو الدِّينُ القَيِّمُ والسِّراطُ المُستقيمُ الثابتُ، الذي تَعَاضَدَتْ عَلَيْهِ البراهينُ العَقْليَّةُ والنَقْلِيَّةُ، الدينُ الذي لا يَتَنَافَى مَعَ العقلِ القويمِ والإدراكِ السَّليمِ، فهو الْحَقُّ والمُبينُ، والسِّراطُ البيِّنُ الواضِحُ الْمُسْتَقِيمُ، الَّذِي لَا اختلافَ ولا عِوَجَ فِيهِ، مِنْ جَهَالَاتِ الْوَثَنِيِّينَ، وتُرَّهاتِ المُلحِدين، وهذا هوَ الدِّينُ الَّذِي دَعَا إِلَيْهِ رُسُلُ اللهِ أَقْوَامَهُمْ أجَمِعين، وَمِنْهُمْ آبَائِي: إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ ـ عليهمُ الصلاةُ والسلامُ، إلى يومِ الدينِ. وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن ابْن جريج رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله "ذَلِك الدّين الْقيم" قَالَ: الْعدْل.
قولُهُ: {وَلَكنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمونَ} خُلَاصَةٌ لِمَا تَقَدَّمَ مِنَ الِاسْتِدْلَالِ، أَيْ ذَلِكَ الدِّينُ لَا غَيْرُهُ مِمَّا أَنْتُمْ عَلَيْهِ وَغَيْرُكُمْ، وذَلِكَ هو حَقَّ الْعِلْمِ، لِاتِّبَاعِهِمْ أَهْوَاءَ آبَائِهِمُ فلَيْسَ لَهُم بالحقائقِ عِلْمٌ، بَلْ تُسَيْطِرُ عَلَيْهم الأَوْهامُ الباطلةُ، التي تَخْدَعُ العُقولَ فلا تَعْلَمُ شيئًا. وقد كانَ المِصْرِيُّونَ القدماءُ خاضِعينَ للأوهامِ، ولا تَزالُ بَقِيَّةٌ مِنهم كذلك، وهُمُ الذينَ لَمْ يَدْخُلوا في دِينِ التَّوْحيدِ دِينِ اللهِ القَويمِ.
قولُهُ تعالى: {مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً} ما: نافيَةٌ لا عَمَلَ لها. و "تَعْبُدُونَ" فعلٌ مضارعٌ مرفوعٌ لِتَجَرُّدِه منَ الناصِبِ والجازِمِ، وعلامةُ رفعِهِ ثباتُ النونِ في آخِرِهِ لأنَّهُ مِنَ الأفعالِ الخَمْسَةِ، الواوُ الدالَّةُ على الجماعةِ ضميرٌ متَّصلٌ به مبنيٌّ عل السكونِ في محلِّ رفعِ فاعلِهِ. و "مِنْ" حرفُ جرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِهِ، و "دُونِهِ" مجرورٌ بحرفِ الجَرِّ مضافٌ، والهاءُ ضميرٌ متَّصلٌ بهِ في محلِّ جرِّ مضافٍ إليه. والمستثنى منه محذوف تقديره: ما تعبدون من دونه شيئًا. و "إلَّا" أَداةُ اسْتِثْنَاءٍ، وحَصْرٍ، و "أَسْمَاءً" منصوبٌ على الاستثناءٍ، أو على المفعوليَّةِ. فإمَّا أنْ يُرادَ بها المُسَمَّياتُ أَوْ عَلَى حَذْفِ مُضافٍ، أَي: ذَواتٌ لِمُسَمَّيَاتْ.
قولُهُ: {سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ} سَمَّيْتموها: فعلٌ ماضٍ مبنيٌّ على السكونِ لاتِّصالِهِ بضميرِ رفعٍ متحرِّكٍ هو تاءُ الفاعلِ، وهي ضميرٌ متَّصلٌ بهِ مبنيٌّ في محلِّ رفعِ الفاعل، والميمُ للمذكَّرِ، والواوُ زائدةٌ لإشباعِ مدِّ الضمَّةِ والهاءُ ضميرٌ متَّصلٌ في محلِّ النصبِ مفعولٌ بهِ، وجملة "سمَّيتموها" في محلِّ نصبٍ صفةٌ ل "أسماءً"، وهي مُتَعَدِّيَةٌ لاثْنَيْنِ حُذِفَ ثانِيهُما، والتقديرُ: سَمَّيْتموها آلهةً. و "أَنْتُمْ" تَأْكيدٌ لِتاءِ المُخاطَبين، ليُعْطَفَ عليه ما بعده. {وَآبَاؤُكُمْ} معطوفٌ عَلَى تاءِ الفاعِلِ.
قولُهُ: {مَا أَنْزَلَ اللهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ} ما: نافية. و "أَنْزَلَ" فعلٌ ماضٍ مبنيٌّ على الفتحِ، ولفظُ الجلالةِ "اللهُ" فاعلٌ به مرفوعٌ، والجُمْلَةُ في مَحَلِّ النَّصْبِ بالقولِ لِ "قَالَ" أو صفةً ل "أسماء". و "بِهَا" جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بِـ "أَنْزَلَ". وثمَّةَ مضافٌ محذوفٌ هنا، والتقديرُ: ما أنزلَ بِعبادَتِها سُلْطانًا. و "مِنْ" زائدةٌ حرفُ جرٍّ و "سُلْطَانٍ" مجرورٌ لفظًا بخرفِ الجرِّ الزائدِ، ونصوبٌ محلًّا مَفْعولٌ به.
قولُهُ: {إِنِ الْحُكْمُ إلَّا للهِ} إنْ: نافيَةٌ لا عَمَلَ لَها. ولا يَجُوزُ إِتباعُها لِضَمَّةِ الحاءِ، كَقولِهِ: {قالتُ اخْرُجْ} ونحوِهِ، لأنَّ الألف واللامَ كَلِمَةٌ مُسْتَقِلَّة فهي فاصِلَةٌ بَيْنَهما. و "الْحُكْمُ" مرفوعٌ بالابتداء. و "إلَّا" أَداةُ اسْتِثْنَاءٍ مُفَرَّغٍ، أو أداةُ حصرٍ. و "للهِ" جارٌّ ومَجْرورٌ في محلِّ رفع خَبَرِ المُبْتَدَأِ، والجُمْلَةُ في مَحَلِّ النَّصْبِ ب "قال".
قولُه: {أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} أمَرَ: فعلٌ ماضٍ مَبْنِيٌّ على الفتحِ الظاهِرِ، وفاعلُهُ ضَميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جوازًا تقديرُهُ "هو" يَعودُ عَلَى اللهِ تعالى، والجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ عَلَى كَوْنِها مَقولَ "قال"، وهو الظاهرُ، ويجوزُ أَنْ تَكونَ حالًا في محلِّ النَّصبِ، و "قد" مَعَهُ مُرادَةٌ عِنْدَ بَعْضِهم. وهو ضعيفٌ لِضَعْفِ العاملِ فيهِ، والعامِلُ هو ما تضَمَّنَهُ الجارُّ في قولِهِ: "إِلَّا للهِ" مِنَ الاسْتِقْرارِ. و "أَلَّا" هي "أنْ" حَرْفُ نَصْبٍ مَصْدَرِيٌّ. و "لا" النافيَةُ. و "تَعْبُدُوا" فعلٌ مُضارعٌ منصوبٌ بها، وعلامةُ نَصْبِهِ حذفُ النونِ من آخرِهِ لأَنَّهُ مِنَ الأفعال الخمسةِ، وواوُ الجماعةِ ضميرٌ متَّصلٌ بِهِ مبنيٌّ على السكونِ في محلِّ رفعِ فاعِلِه. "إِلَّا" أَداةُ اسْتِثْناءٍ مُفَرَّغٍ أو حصرٍ. و "إِيَّاهُ" ضَميرُ نَصْبٍ مُنْفَصِلٍ في مَحَلِّ النَّصْبِ مَفْعولٌ بِهِ، و وجملة "أَلَّا تَعْبُدُوا" في تأويلِ مَصْدَرٍ مَجْرورٍ بِحَرْفِ جَرٍ مَحذوفٍ، والتَقديرُ: أَمَرَ بِعَدَمِ عِبَادَتِكم إلَّا إِيَّاهُ.
قولُهُ: {ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ} ذا: اسمُ إشارةٍ مبنيٌّ على السكونِ في محلِّ الرفعِ بالابتداءِ، وال حذف لامُ للبُعدِ، والكافُ للخطاب. و "الدِّينُ" خَبَرُهُ مرفوعٌ. و "الْقَيِّمُ" صِفَةٌ لِـ "الدِّينُ" مرفوعةٌ مثلَه، والجُمْلَةُ في مَحَلِّ النَّصْبِ مَقولًا ل "قال".
قولُهُ: {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} الواوُ للعطفِ، و "لكنَّ" حَرْفٌ ناصِبٌ ناسِخٌ مُشَبَّهٌ بالفِعْلِ للاسْتِدْراكِ. و "أكثرَ" اسْمُ مَنْصوبٌ بها وهو مضافٌ، و "الناسِ" مُضافٌ إِلَيْهِ مَجْرورٌ، و "لا" نافيةُ لا عمَلَ لها، و "يعلمون" فعلٌ مضارعٌ مرفوعٌ لتجرُّدِهِ مِنَ الناصِبِ والجازِمِ، وعلامةُ رفعِهِ ثبوتُ النونِ في آخرهِ، والواوُ الدالَّةُ على الجماعةِ ضميرٌ متَّصلٌ به مبنيٌّ على السكونِ في محلِّ الرفعِ فاعلُهُ. وجملة "لَا يَعْلَمُونَ" في مَحَلِّ الرَّفْعِ خَبَرًا ل "لكن"، وجملةُ "لكن" في مَحَلِّ النَّصْبِ عطْفًا على الجُمْلَةِ التي قَبْلَها.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
فيض العليم ... سورة يوسف، الآية: 40
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» فيض العليم ... سورة يوسف، الآية: 59
» فيض العليم ... سورة يوسف، الآية: 13
» فيض العليم ... سورة يوسف، الآية: 29
» فيض العليم ... سورة يوسف، الآية: 45
» فيض العليم ... سورة يوسف، الآية: 61

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
روضة الشاعر عبد القادر الأسود :: ...:: الروضة الروحانية ::... :: روضة الذكر الحكيم-
انتقل الى: