روضة الشاعر عبد القادر الأسود
بعد الصلاة على الرحمة المهداة

أهلا وسهلا بك في روضتنا

يسرنا تسجيلك

روضة الشاعر عبد القادر الأسود
بعد الصلاة على الرحمة المهداة

أهلا وسهلا بك في روضتنا

يسرنا تسجيلك

روضة الشاعر عبد القادر الأسود
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

روضة الشاعر عبد القادر الأسود

منتدى أدبي اجتماعي يعنى بشؤون الشعر والأدب والموضوعات الاجتماعي والقضايا اللإنسانية
 
مركز تحميل الروضةالرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
بسـم الله الرحمن الرحيم  :: الحمد لله رب العالمين * الرحمن الرحيم * مالك يوم الدين * إياك نعبد وإياك نستعين * إهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين أنعمت عليهم * غير المغضوب عليهم ولا الضــالين ....  آميـــن

 

 فيض العليم ... سورة هود، الآية: 40

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
عبد القادر الأسود

¤° صاحب الإمتياز °¤
¤° صاحب الإمتياز °¤
عبد القادر الأسود


عدد المساهمات : 3986
تاريخ التسجيل : 08/09/2011
العمر : 76
المزاج المزاج : رايق
الجنس : ذكر
فيض العليم ... سورة هود، الآية: 40 Jb12915568671



فيض العليم ... سورة هود، الآية: 40 Empty
مُساهمةموضوع: فيض العليم ... سورة هود، الآية: 40   فيض العليم ... سورة هود، الآية: 40 I_icon_minitimeالأربعاء نوفمبر 04, 2015 9:25 am

حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ
 (40)

قولُهُ ـ تعالى شأنُهُ: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التنُّورُ} أي: أنَّ نوحاً ـ عليه السلامُ، بقي يَعملُ في صناعةِ الفلكَ إلى أَنْ جاءَ الوقتُ المعلومُ والموعِدُ الذي حددّه اللهُ تعالى لهلاك الكفار من قومِه، فإنَّ "حَتّى" هيَ التي يُبْتَدَأُ بعدَها الكلامُ، وقد أُدْخِلَتْ على الجُمْلَةِ السابقةِ في الآيةِ التي قبلها مِنَ الشَرْطِ والجَزاءِ ووقَعَتْ غايةً لِقولِهِ تعالى: {وَيَصْنَعُ الفلك}. وقد بيَّنَ تعالى بِ "أَمْرُنَا" أَنَّهُ ما مِنْ شيْءٍ يَحْدُثُ في هذا الكونِ إلَّا بِأَمْرِهِ سبحانَهُ، والمُرادُ بالأمرِ هَهُنا هوَ العَذابُ المَوعودُ بِهِ، وهوَ هلاكُهُم. والأمرُ هُنا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكونَ واحدَ الأُمورِ، ويُحْتَمَلُ أَنْ يَكونَ المصدَرَ مِنْ أَمَرَ، فمَعناهُ أَمْرُنا للماءِ بأنْ يَفورَ، أَوْ للسَّحابِ بأنْ يُرْسِلَ ماءَهُ، أَوْ للمَلائِكَةِ بالتَصَرُّفِ في ذَلِكَ ونَحْوَهُ، و "فارَ" انْبَعَثَ بِقوَّةٍ؛ وهو في الأصلِ غَلَيَانُ الْقِدْر ثمَّ أُطْلِقَ عَلَى نَبْعِ الْمَاءِ بِشِدَّةٍ، تَشْبِيهًا لَهُ بِفَوَرَانِ المَاءِ فِي الْقِدْرِ. قالَ النَّابِغَةُ الْجَعْدِيُّ:
تَفُورُ عَلَيْنَا قِدْرُهُمْ فَنُدِيمُهَا ............... وَنَفْثَأُهَا عَنَّا إِذَا قِدْرُهَا غَلَى
يُرِيدُ بِالْقِدْرِ الْحَرْبَ، وَنَفْثَأُهَا، أَيْ نُسَكِّنُهَا، فيُقَالُ: فَثَأَ الْقِدْرُ إِذَا سَكَنَ غَلَيَانُهَا بِصَبِّ الْمَاءِ الباردِ فِيهَا.
وَ "التَّنُّورُ" اسْمٌ لِمَوْقِدِ النَّارِ لِلْخُبْزِ. وَزَعَمَ اللَّيْثُ أَنَّهُ مِمَّا اتَّفَقَتْ اللُّغَاتُ فيه، وهذا يَعني أَنَّهُ فِي الْأَصْلِ أَعْجَمِيٌّ. وَنَسَبَهُ الْخَفَاجِيُّ فِي شِفَاءِ الْغَلِيلِ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رضي اللهُ عنهما. قالوا: والدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ مِنْ "تَنَرَ" على وزنِ "فَعُّولٌ" وَلَا نَعْرِفُ "تَنَرَ" فِي كَلَامِ الْعَرَبِ لِأَنَّهُ مُهْمَلٌ، وَقَيلَ: لَيْسَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ نُونٌ قَبْلَ رَاءٍ فَإِنَّ "نَرْجِسَ" مُعَرَّبٌ أَيْضًا. وَقَدْ عُدَّ فِي الْأَلْفَاظِ الْمُعَرَّبَةِ الْوَاقِعَةِ فِي الْقُرْآنِ. وَنَظَمَهَا ابْنُ السُّبْكِيِّ فِي شَرْحِهِ عَلَى مُخْتَصَرِ ابْنِ الْحَاجِبِ الْأَصْلِيِّ وَنَسَبَ ذَلِكَ إِلَى ابْنِ دُرَيْدٍ. قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ: وَزْنُهُ فَعَّولٌ. وَقال ثَعْلَبٌ: إنَّهُ عَرَبِيٌّ، وَزْنُهُ "تَفْعُول" مِنَ النُّورِ فَالتَّاءُ زَائدَةٌ، وَأَصْلُهُ "تَنُوُورٌ" بِوَاوَيْنِ، فَقُلِبَتِ الْوَاوُ الْأُولَى هَمْزَةً لِانْضِمَامِهَا، ثُمَّ حُذِفَتِ الْهَمْزَةُ تَخْفِيفًا ثُمَّ شُدِّدَتِ النُّونُ عِوَضًا عَمَّا حُذِفَ أَيْ مِثْلَ قَوْلِهِ: تَقَضَّى الْبَازِيُّ بِمَعْنَى تَقَضَّضَ. ومهما يكنْ من أمرهِ فقد قالَ جَمهورُ المُفَسِّرينَ، منْهُمُ ابْنُ عبَّاسٍ والحَسَنُ البَصْرِيُّ ومُجاهِدٌ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهمْ أَجْمَعينَ: "التنورُ" هنا هو الذي يُخْبَزُ فيهِ. ثمَّ اخْتَلَفُوا في صاحِبِ هذا "التَنُّور" فمِنْهم مَنْ قالَ: إنَّهُ تَنُّورٌ كانَ لِنُوحٍ ـ عليْهِ السَّلامُ، ومنهم مَنْ قالَ: إنَّه كانَ لآدَمَ، وقالَ الحَسَنُ: كانَ تَنُّورًا مِنْ حِجارَةٍ، وكانَ لِحَواءَ ـ عليها السلامُ، حتّى صارَ لِنُوحٍ ـ عَلَيْهِ السَّلامُ، أَخْرَجَهُ ابْنُ جَريرٍ الطبريُّ، عَنِ الْحَسَنِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: كَانَ تَنَّورًا مِنْ حِجَارَة كَانَ لِحَوَّاءَ ـ عَلَيْهَا السَّلَامُ، حَتَّى صَار إِلَى نُوحٍ ـ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَقيلَ لَهُ: إِذا رَأَيْتَ المَاءَ يَفورُ مِنَ التَّنُّورِ فارْكَبْ أَنْتَ وَأَصْحَابَكَ. واخْتَلَفوا أيضًا في مَوْضِعِهِ، فقالَ الشَعْبِيُّ: إِنَّهُ كانَ بِنَاحِيَةِ الكُوفَةِ، ورويَ عَنْ أَميرِ المُؤمِنينَ عليٍّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّه في مَسْجِدِ الكُوفَةِ، قال: وقدْ صَلَّى فيهِ سَبْعونَ نَبِيًّا، فقد أَخْرجَ ابْنُ الْمُنْذرِ، وَابْنْ أبي حَاتِمٍ، وَأَبُو الشَّيْخ، عَن عَليِّ بْنِ أَبي طَالبٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: فارَ التَّنُّورُ مِنْ مَسْجِدِ الْكُوفَةِ مِنْ قِبَلِ أَبْوَابِ كِنْدَةَ. وَأَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخِ مِنْ طَرِيقِ الشَّعْبِيِّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنْ عَليٍّ ـ رَضِي اللهُ عَنهُ، قَالَ: وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وبَرَأَ النَّسْمَةَ أَنَّ مَسْجِدَكُمْ هَذَا لَرابِعُ أَرْبَعَةٍ مِنْ مَسَاجِدِ الْمُسْلِمينَ، ولَرَكْعَتانِ فِيهِ أَحَبُّ إليَّ مِنْ عَشْرٍ فِيمَا سِواهُ، إِلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ، وَمَسْجِدَ رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِالْمَدِينَةِ، وَإِنَّ مِنْ جَانِبِهِ الْأَيْمَن مُسْتَقْبَلَ الْقبْلَةِ فارَ التَّنُّورُ. وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَنِ السُّدِّيِّ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الْهَمَدَانِيِّ قَالَ: لَقَدْ نَجَرَ نُوحٌ سَفينَتَهُ فِي وَسَطِ هَذَا الْمَسْجِدِ ـ يَعْنِي مَسْجِدَ الْكُوفَة، وفارَ التَّنُّورُ مِنْ جَانِبِهِ الْأَيْمَن وَإِنَّ الْبَريَّةَ مِنْهُ لَعَلَى اثنيْ عَشَرَ مِيلًا مِنْ حَيْثُ مَا جَنْبهُ ولَصَلاةٌ فِيهِ أَفْضَلُ مِنْ أَربعٍ فِي غَيرِهِ إِلَّا المَسجِدَيْنِ، مَسْجِدَ الْحَرَامِ وَمَسْجِدَ الرَّسُولِ بِالْمَدِينَةِ وَإِنَّ مِنْ جَانِبِهِ الْأَمَيْن مُسْتَقْبلَ الْقِبْلَةِ فارَ التَّنُّورُ. وَأَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخ، عَنْ حَبَّةَ الْعَرَبِيِّ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى عَليٍّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فَقَالَ: إِنِّي قدِ اشْتَرَيْتُ رَاحِلَةً وَفَرَغْتُ مِنْ زَادِي أُرِيدُ بَيْتَ الْمُقَدَّسِ لأُصَلِّي فِيهِ فَإِنَّهُ قدْ صَلَّى فِيهِ سَبْعُونَ نَبِيًّا، وَمِنْه فارَ التَّنُّورُ، يَعْنِي مَسْجِدَ الْكُوفَةِ.
وقيلَ بالشَّامِ بِمَوْضِعٍ يُقالُ لَهُ: عَيْنُ وَرْدانٍ، وهوَ قولُ مُقاتِلٍ. وقيلَ: فارَ التَنُّورُ بالهِنْدِ، أَخْرَجَ ذلك ابْنُ جَريرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ، وَأَبُو الشَّيْخِ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِي اللهُ عَنْهُمَا، قَالَ: كَانَ بَيْنَ دَعْوَةِ نُوحٍ ـ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَبَيْنَ هَلَاكِ قومِهِ ثَلَاثَمِئَةِ سَنَةٍ، وَكَانَ فارَ التَّنُّورُ بِالْهِنْدِ، وطافَتْ سَفينَةُ نُوحٍ ـ عَلَيْهِ السَّلَامُ، بِالْبَيْتِ أُسْبُوعًا. وقيلَ: إنَّ امْرَأَتَهُ كانَتْ تَخْبِزُ في ذَلِكَ التَنُّورِ فأَخْبَرَتْهُ بِخُروجِ الماءِ مِنْ ذَلِكَ التَنُّورِ، فاشْتَغَلَ في الحالِ بِوَضْعِ تِلْكَ الأشياءَ في السَّفِينَةِ. وقالَ جماعةٌ: ليسَ المُرادُ مِنَ التَنُّورِ تَنُّورَ الخُبْزِ، وأَنَّ الماءَ انفجرَ مِنْ وَجْهِ الأَرْضِ لقولِهِ تعالى في سورةِ القَمَرِ: {فَفَتَحْنَا أبوابَ السَّماءِ بِمَاءٍ مُّنْهَمِرٍ * وَفَجَّرْنَا الأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الماءُ على أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ} الآيتان: 11 و 12. والعَرَبُ تُسَمِّي وَجْهَ الأَرْضِ تَنّوراً. وقيلَ إنَّ التَنُّورَ هو أَشْرَفُ مَوْضِعٍ في الأَرْضِ، وأَعْلى مَكانٍ فيها، وقدْ أَخْرَجَ الماءَ إِليْهِ مِنْ ذلكَ المَوْضِعِ لِيَكونَ ذَلكَ مُعْجِزَةً لَهُ، فالمَعْنى أَنَّهُ لَمَّا نَبَعَ الماءُ مِنْ أَعالي الأَرْضِ والأمْاكِنِ المُرْتَفِعَةِ فيها فشُبِّهَتْ بالتَنَانيرِ لارتفاعها. وقيلَ معنى "فَارَ التنور" أَيْ: طَلَعَ الصُبْحُ أَخرجَهُ ابْنُ جَريرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عليٍّ أميرِ المؤمنينَ كرَّمَ اللهُ وجهَهُ، قال: "وَفَارَ التَّنُّورُ" طلع الْفجْر. قيل لَهُ: إِذا طلع الْفجْر فاركب أَنْت وَأَصْحَابك. ويُحْتَمَلُ أَنْ يَكونَ معنى "فَارَ التنور" اشْتَدَّ الأَمْرُ، كَما يُقال في المعارك: حَمِيَ الوَطِيسُ، ومعنى الآية: إِذا رأيتَ الأَمْرَ يَشْتَدُّ، والماءَ يَكْثُرُ فاحْمِلْ في السفينة من كلٍّ زوجين ومن آمنَ معك وانْجُ بِنَفْسِكَ ومَنْ مَعَكَ. وعندنا أَنَّ الأصْلَ حملُ الكَلامِ على حَقيقَتِهِ ولفْظُ التَنُّورِ هو الذي يُخْبَزُ فيهِ ولا امْتِنَاعَ أَنَّ الماءَ نَبَعَ أَوَّلاً مِنْهُ ليكونَ ذَلِكَ علامةَ البدايةِ وإشارةَ انطلاقِ، ليركبَ نوحٌ ـ عليه السلامُ، ومَنْ معهُ السفينةَ، ثم إذا ما كانوا في سفينتهم، تفجرت الأرضُ كلها ينابيعًا، كما قال الله تعالى، أعاليها وأَسافِلَها، وانهمرتْ السماءُ أيضاً بأمطارها، حتى إذا غمَرتِ المِياهُ كلَّ شيءٍ، وماتَ كلُّ شيءٍ على وجهها، وتطهرتْ من أرجاس الكافرينَ بربِّهم ومولاهم، أمسكتِ السَماءُ مطرها، وتوقفت الأرضُ وابتلعت ماءها وتمَّ أمرُهُ ـ جلَّ في عُلاهُ.
قُولُهُ: {قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ} أَيْ: في السَفينَةِ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ لا بُدَّ مِنْهُ في الأَرْضِ "زَوْجَيْنِ" والزَوْجُ يَعْني ما كانَ مُشاكلاً له مِنْ نَوْعِهِ فالذَكَرُ زَوْجٌ للأُنْثى، والأنْثى زَوْجٌ للذكَرِ، وقدْ يُطْلَقُ الزوجُ على مَجْموعِهِمَا فَيُقابِلُ الفَرْدَ، ولإزالةِ ذَلِكَ الاحْتِمالِ قالَ: "اثنين" كُلٌّ مِنْهُما زَوْجٌ للآخَرِ، وَأَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخِ عَن مُجَاهِدٍ ـ رضي اللهُ عنه، فِي قَوْله تعالى: "قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا من كل زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ" قَالَ: فِي كَلَام الْعَرَب وَيَقُولُونَ للذّكر وَالْأُنْثَى: زَوْجانِ.
وإنَّما قُدِّمَ ذَلِكَ عَلى أَهْلِهِ وسائِرِ المُؤْمِنينَ لأَنَّهُ يَحْتاجُ إلى مُزاوَلَةِ العَمَلِ مِنْهُ عَلَيْهِ السَّلامُ، في تَمْييزِ بَعْضِهِ مِنْ بَعْضٍ وتَعْيينِ الأَزْواجِ، فقد رُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ قال: يا رَبِّ كَيْفَ أَحْمِلُ مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ؟. فحَشَرَ اللهُ إليْهِ السِبَاعَ والطَّيْرَ وغيرَهُما فَجَعَلَ يَضْرِبُ بِيَدَيْهِ في كُلِّ جِنْسٍ فَيَقعُ الذَكَرُ في يمينِهِ والأُنْثى في يسارِهِ فيَجْعَلْهُما في السَّفينَةِ، وأَمَّا البَشَرُ فإنَّما يَدْخُلُ الفُلْكَ باخْتِيارِهِ.
قولُه: {وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ} يُطْلَقُ لَفْظُ الْأَهْلِ عَلَى امْرَأَةِ الرَّجُلِ، قَالَ تَعَالَى في سورة الْقَصَص: {فَلَمَّا قَضى مُوسَى الْأَجَلَ وَسارَ بِأَهْلِهِ} الآية: 29، وَقَالَ في سورة آلِ عُمرَان: {وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ} الآية: 121. أَيْ مِنْ عِنْدِ السيدة عَائِشَةَ أمَّ المؤمنين ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا وأرضاها. المُرادُ بِأَهْلِهِ هُنا امْرأتُهُ وبَنُوهُ ونِساؤهُم، والمُرادُ بِ "إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ القول" هو مَنْ لم يؤمنْ به ـ عليهِ السلامُ، مِنْ أَهْلِهِ، و "قولُ اللهِ" هُنَا وَعِيدُهُ السابقُ للكافرين بالهلاكِ. فَالتَّعْرِيفُ فِي "الْقَوْلُ" لِلْعَهْدِ، يَعْنِي إِلَّا مَنْ كَانَ مِنْ أهلك كَافِرًا. أي: إِحْدَى امْرَأَتَيْهِ الْمَذْكُورَةِ فِي سُورَةِ التَّحْرِيمِ وَابْنُهُ مِنْهَا الْمَذْكُورُ فِي آخِرِ هَذِهِ الْقِصَّةِ. وَكَانَ لِنُوحٍ ـ عَلَيْهِ السَّلَامُ، امْرَأَتَانِ، فقدْ سَبَقَ القولُ بِأَنَّهُم مَنَ المُغْرَقينَ بِسَبَبِ ظُلْمِهم وهم ابْنُهُ كَنْعان، وأَمُّهُ واعِلَةُ، وهمُا الذينَ عَنَاهُم اللهُ في قولِهِ: {وَلاَ تُخاطِبْني فِي الذينَ ظَلَمُواْ}، لأنِّهُما كانَا كافِرَيْنِ.
قولُهُ: {وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ} مِنْ غيرِهم، وإيثارُ صيغةِ الإفرادِ في "آمَنَ" مُحافظةً على لَفْظِ "مَنْ" للإيذانِ بِقِلَّتِهم كما أَعْرَبَ عَنْهُ قولُهُ ـ عَزَّ مِنْ قائلٍ: "وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ" فقيل: كانُوا ثَمَانِيَةً، نوحٌ ـ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ وأَهْلُهُ وبَنُوهُ الثَلاثةُ ونِساؤُهم. وعَنِ ابْنِ إِسْحاقَ كانوا عَشَرَةً، خَمْسَةَ رِجالٍ وخَمْسَ نِسْوَةٍ، وعَنْهُ أَيْضًا أَنَّهم كانوا عَشَرَةً سِوَى نِسَائِهم وقيلَ: كانوا اثْنَيْنِ وسَبْعينَ رَجُلاً وامْرَأَةً، وأَوْلادُ نُوحٍ سامٌ وحامٌ ويافث ونِساؤُهم فالجَميعُ ثَمانِيَةٌ وسَبْعونَ نِصْفُهم رَجالٌ ونِصْفُهُمْ نِساءٌ، واعْتِبارُ المَعِيَّةِ في إيمانِهم للإيماءِ إلى المَعِيَّةِ في مَقَرِّ الأَمانِ والنَّجاةِ.
قولُهُ تعالى: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التنورُ} حَتَّى: حَرْفُ جَرٍّ وغايَةٍ، وابْتِداءٍ، و "إِذَا" ظَرْفٌ لِما يُسْتَقْبَلُ مِنَ الزَمانِ، و "جَاءَ" فعلٌ ماضٍّ مبنيٌّ على الفتح الظاهرِ على آخرِهِ، و "أَمْرُنَا" فاعلٌ مرفوعٌ مضافٌ، و "نا" ضميرُ المعظِّمِ نفسَهُ سبحانهُ متَّصلٌ به في محلِّ جرٍّ بالإضافةِ إليه، وهذه الجُمْلَةُ الفعليَّةُ في مَحَلِّ الخَفْضِ بإضافَةِ "إِذَا" إِلَيْها على كَوْنِها فعلَ شَرْطٍ لَها، والظَرْفُ "إذا" مُتَعَلِّقٌ بالجَوابِ، و "وَفَارَ" الواوُ: عاطفةٌ، و "فار" فعلٌ ماضٍ مَبْنِيٌّ على الفتحِ الظاهرِ على آخرِهِ، و "التَّنُّورُ" فاعِلٌ مَرْفوعٌ وعلامةُ رفعِهِ الضمَّةُ الظاهرةُ على آخِرِهِ، وجملةُ "فار" معطوفةٌ عَلى جملةِ "جَاءَ".
قُولُهُ: {قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ} قُلْنَا: فعلٌ ماضٍ مبنيٌّ على السكونِ لاتِّصالِهِ بضمير رفعٍ متحرِّكٍ، و "نا" ضميرُ المعظِّمِ نفسَهُ متَّصلٌ به في محلِّ رفعِ فاعِلِهِ، والجُمْلَةُ الفعليَّةُ هذه جَوابُ "إِذَا" الشرطيَّةِ لا مَحَلَّ لَهَا مِنَ الإعْرابِ، و "احْمِلْ" فعلُ أمرٍ مبنيٍّ على السكونِ الظاهرِ على آخرِه، و "فِيهَا" جارٌ ومجرورٌ متعلِّقٌ به، وفاعلُهُ ضَميرٌ مستترٌ فيه وجوباً تقديرُهُ "أنت" يَعودُ على نُوحٍ ـ عليه السلامُ، والجملةُ هذه في مَحَلِّ النَّصْبِ ب "قُلْنَا"، وجُمْلَةُ "إِذَا" الشرطيَّةُ مِنْ فِعْلِ شَرْطِها وجَوابِها في مَحَلِّ الجَرِّ بِـ "حَتَّى" الغائيَّةِ، سُمِّيَتْ غائِيَّةً لكونِها غايةً لِمَا قَبْلَها، أَعْنِي قولَهَ: {وَيَصْنَعُ} وما بَيْنَهُما اعتِراضٌ، وتَقْديرُ الكلامِ: ويَصْنَعُ الفُلْكَ إلى قولِنَا: احْمِلْ فيها وَقْتَ مَجِيءِ أَمْرِنَا وفَوَرانِ التَنُّورِ، الجارُّ "حتَّى" ومجرُورُها مُتَعَلِّقٌ بـَ "يصنع" وسُمِّيتْ "حتَّى" ابِتِدائِيَّةً، لِدُخولِها على الجُمْلَةِ، و "مِنْ كُلٍّ" (بالتنوين) جارٌّ ومَجْرورٌ في محلِّ نصبِ حالٍ مِنْ "زَوْجَيْنِ" لأنَّهُ صِفَةُ نَكِرَةٍ قُدِّمَتْ عَلَيْها، ومِنْ تَبْعِيضِيَّةٌ، و "زَوْجَيْنِ" مَفْعولٌ بِهِ لِـ "احْمِلْ"، منصوبٌ وعلامةُ نَصْبِهِ الياءُ لأنَّهُ مثنَّى، والنونُ عِوَضًا عن التنوينِ في الاسْمِ المفردِ، و "اثْنَيْنِ" صِفَةٌ مُؤَكِّدَةٌ لِـ "زَوْجَيْنِ"؛ أيْ: احْمِلْ فيها زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ حالَةَ كَوْنِهِما مِنْ كُلِّ حَيَوانٍ، وهذه على قراءَةِ مَنْ نوَّنَ "كلٍّ" أَمَّا على قراءَةِ مَنْ أَضافَها، فالجارٌّ والمَجْرورُ حالٌ مَنْ "اثْنَيْنِ" وعليه فإنَّ "اثْنَيْنِ" مفعولٌ بِهِ لِـ "احْمِلْ".
قولُه: {وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ} الواوُ: للعطف، و" "أَهْلَكَ" مَعْطوفٌ عَلى المَفْعولِ عَلى كِلا القِراءَتَيْنِ أيًّا كانَ المفعولُ بِهِ و "إِلَّا" أَداةُ اسْتِثْناءٍ، و "مَن" اسْمٌ مَوْصُولٌ في مَحَلِّ النَّصْبِ على الاسْتِثْناءِ، و "سَبَقَ" فعلٌ ماضٍ مبنيٌّ على الفتح الظاهرِ على آخرِهِ، و "عَلَيْهِ" جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بِهِ، و "الْقَوْلُ" فاعِلُهُ مرفوعٌ بهِ، والجُمْلَةُ صِلَةُ "مَنْ" المَوْصولَةِ فلا محلَّ لها من الإعرابِ، و "وَأَهْلَكَ" أَهْلُ الرَّجُلِ قَرَابَتُهُ وَأَهْلُ بَيْتِهِ وَهُوَ اسْمُ جَمْعٍ لَا وَاحِدَ لَهُ، والاسْتِثْناءُ هنا مُنْقَطِعٌ إِنْ أُرِيدَ بِالأَهْلِ الأَهْلُ إيمانًا، أَوْ مُتَّصِلٌ إنْ أَريدَ بِهِ الأَهْلُ قَرابَةً، وجيءَ بِ "على" التي هي للاسْتِعْلاءِ لِكونِ المجيءِ بهِ ضَارًّا لَهم، أَمَّا إذا كانَ نافعًا فإنَّه يؤتى ب اللامِ كقولِهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ، في سورةِ الصافّاتِ: {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا المُرْسَلِينَ} الآية: 171. وكما هو قولُهُ في سورة الأنبياء: {إِنَّ الذين سَبَقَتْ لَهُمْ مِّنَّا الحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُون} الآية: 101.
قولُهُ: {وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ} الواوُ: عاطفةٌ، و "مَنْ" اسْمٌ مَوْصولٌ في مَحَلِّ النَّصْبِ عطفًا على المَفْعولِ بهِ قبلَهُ، و "آمَنَ" فعلٌ ماضٍ مبنيٌّ على الفتحِ الظاهرِ على آخرِهِ، وفاعِلُهُ ضَميرٌ مستترٌ جوازًا تقديرُهُ "هو" يَعودُ عَلى "مَنْ" وجُمْلَةُ "آمَنَ" صِلَةُ "مَن" المَوصْولةِ فلا محلَّ لها، و "وَمَا" الواوُ: للاسْتِئْنافِ، و "ما" نافِيَةٌ، و "آمَنَ" فعلٌ ماضٍ مبنيٌّ على الفتحِ، و "مَعَهُ" جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بِهِ، و "إِلَّا" أَداةُ اسْتِثْناءٍ، و "قَلِيلٌ" فاعِلُ "آمَنَ"، والاستثناءُ هنا مُفَرَّغٌ، والجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ، فلا مَحَلَّ لها مِنَ الإعْرابِ.
قَرَأَ الْجُمْهُورُ: {مِنْ كُلِّ زَوْجَيْنِ} بِإِضَافَةِ كُلٍّ إِلَى زَوْجَيْنِ، وقرأَ حفصٌ: "من كلٍّ زوجين".
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
فيض العليم ... سورة هود، الآية: 40
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
روضة الشاعر عبد القادر الأسود :: ...:: الروضة الروحانية ::... :: روضة الذكر الحكيم-
انتقل الى: