روضة الشاعر عبد القادر الأسود
بعد الصلاة على الرحمة المهداة

أهلا وسهلا بك في روضتنا

يسرنا تسجيلك

روضة الشاعر عبد القادر الأسود
بعد الصلاة على الرحمة المهداة

أهلا وسهلا بك في روضتنا

يسرنا تسجيلك

روضة الشاعر عبد القادر الأسود
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

روضة الشاعر عبد القادر الأسود

منتدى أدبي اجتماعي يعنى بشؤون الشعر والأدب والموضوعات الاجتماعي والقضايا اللإنسانية
 
مركز تحميل الروضةالرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
بسـم الله الرحمن الرحيم  :: الحمد لله رب العالمين * الرحمن الرحيم * مالك يوم الدين * إياك نعبد وإياك نستعين * إهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين أنعمت عليهم * غير المغضوب عليهم ولا الضــالين ....  آميـــن

 

 فيض العليم ... سورة الأنفال، الآية: 72

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
عبد القادر الأسود

¤° صاحب الإمتياز °¤
¤° صاحب الإمتياز °¤
عبد القادر الأسود


عدد المساهمات : 3986
تاريخ التسجيل : 08/09/2011
العمر : 76
المزاج المزاج : رايق
الجنس : ذكر
فيض العليم ... سورة الأنفال، الآية: 72 Jb12915568671



فيض العليم ... سورة الأنفال، الآية: 72 Empty
مُساهمةموضوع: فيض العليم ... سورة الأنفال، الآية: 72   فيض العليم ... سورة الأنفال، الآية: 72 I_icon_minitimeالأربعاء مارس 11, 2015 2:58 am

إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ
(72)
قولُهُ ـ تعالى ذِكْرُهُ: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ} الغرضُ من هذه الآيةِ الكريمةِ وما بعدَها تِبيانُ مَنازِلِ المُهاجرينَ والأَنْصارِ والمؤمنينَ الذين لم يُهاجِروا والكُفَّارِ، والمُهاجرينَ بَعْدَ صُلْحِ الحُدَيْبِيَةِ، وذلك للإعْلامِ بِأَحْكامِ مُوالاةِ المَسْلِمينَ فيما بينهم، مَنْ هاجر منهم ومَنْ لم يُهاجر، وعَدَمِ موالاتهم للكفَّار، وقد نَشَأَ ذلك عَنْ قَولِ العبَّاسِ بْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ ـ رضي اللهُ عنه، حين أُسِرَ بِبَدْرٍ أَنَّهُ مُسْلِمٌ، وأَنَّ المُشْرِكينَ أَكْرَهوهُ على الخُروجِ إلى بَدْرٍ، ولَعَلَّ بَعْضَ الأَسْرى غَيرَهُ قد قالَ ذَلك وكانوا صادَقينَ، ولَعَلَّ بعضَ المُسلمين عَطَفوا عَلَيْهم وظَنّوهم أَوْلِياءَ لَهُمْ، فأَخْبَرَ اللهُ المُسْلِمينَ وغيرَهم بِحُكْمِ مَنْ آمَنَ واسْتَمَرَّ على البَقاءِ بِدارِ الشِرْكِ. فقسَّمَ في هذِِهِ الآيَةِ المؤمنين، إلى أَرْبَعَةِ أَقْسامٍ، وذَكَرَ حُكْمَ كلِّ قِسْمٍ مِنْهم. فالقِسْمُ الأوَّلُ: همُ المهاجرون الأوَّلون، والثاني: هم الأنصارُ الذين آوَوْهُم ونَصَروهُم، والثالثُ: هم الذين هاجَروا بعدَ ذَلِكَ، والرابعُ هم الذين هاجروا بعد الحديبية، أو بعد معركة بدرٍ. وقد وصفهم اللهُ تعالى في الآية الأخيرة من هذه السورةِ بقولِهِ: "وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولَئِكَ مِنْكُمْ" الآية: 75.
فحين هاجرَ النبيُّ مِنْ مَكَّةَ إلى المَدينةِ صارَ المؤمنونَ على قِسْمَينِ: قِسْمٌ هاجَرَ مَعَهُ إلى المدينَةِ، وهُمُ الأَكْثريّةُ، وقِسْمٌ لم يُهاجِروا وهُمُ الأَقَلِيَّةُ. أَمَّا القِسْمُ الأَوَّلُ: فهُمُ المُهاجِرونَ الأَوَّلونَ، الذين قالَ فيهم مولاهم ـ تبارك وتعالى: "إِنَّ الذين آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وجاهدوا بأموالهم وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ" فوصَفهم بِأَرْبَعِ صِفاتٍ هي:
أَوَّلها: أَنَّهم "آمَنوا" باللهِ والإيمانُ به سبحانه، يَسْتَتْبِعُ الإيمانَ بمَلائكَتِهِ وكُتُبِهِ ورُسُلُهِ واليومِ الآخِرِ، وقبِولَ جميعِ التَكاليفِ التي بَلَّغَها رسولُ اللهِ محمَّدٌ ـ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ.
ثانيها: أنَّهُم "هَاجَرُواْ" أَيْ: تَرَكوا أَوْطانهم وأموالَهم، وفارَقوا الأهلَ الأََقارِبَ والجيرانِ والعشيرة، طاعةً لله ورسوله. وطَلَباً لمَرْضاته، وهذا أَمْرٌ صَعْبٌ شَديدٌ على النَفْسِ يُعادلُ قتلَها، لأنَّهُ سبحانه قرنها به في سورةِ النِساءِ فقال: {وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِنْهُمْ} الآية: 66. أيْ: لو أنّا كتبنا على هؤلاء المنافقين كما كَتَبْنا على بَني إسْرائيلَ، من هجرة من ديارهم وقتلهم أنفُسهم، فجَعَلَ مُفارَقَةَ الأَوْطان مُعادِلةً لِقَتْلِ النَفْسِ.
وأَصْلُ الهجرة التَرْكُ، واشْتُقَّ مِنْهُ صِيغَةُ المُفاعَلَةِ "المهاجرةُ" لخصوصِ تَرْكِ الدارِ والقومِ، فالغالِبُ عندَهم أَنَّهم كانوا يَترُكونَ قومَهم، ويَتْرُكُهَم قومُهم، فلا يُفارِقُ أَحَدٌ قومَهَ إلاَّ لِسُوءِ مُعاشَرَةٍ تَنْشَأُ بينَهُ وبَيْنَهم، كما قلتُ يوماً:
خيرٌ لنفسِكَ إنْ يَسُؤْ جُلاّسُها .......... سُكنى الكهوفِ وإلْفةُ الثعبانِ
فلئن تحالس ناقعاتِ السُمِّ خَيْـ ........ ـرٌ مِنْ جَليسٍ فاقِدِ الوُجدان
وقدْ كانتْ الهِجْرَةُ مِنْ أَشْهَرِ أَحْوالِ المُخالِفينَ لِقومِهمْ في الدينِ فقدْ هاجَرَ أبو الأنبياء إبراهيم ـ عليه وعليهم الصلاةُ والسلامُ، قائلاً: {إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ} سورة الصافّات، الآية: 99. وهاجرَ لوطٌ ـ عَلَيْهِ السّلامُ قائلاً: {إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} سورةُ العَنْكَبوتِ، الآية: 26، وهاجرَ مُوسى ـ عَلَيْهِ السَّلامُ، بنفسِهِ إلى مَدْيَنَ وبِقَوْمِهِ إلى فِلَسْطين، وهاجَرَ محمَّدٌ ـ صَلَّى اللهُ عَليْهِ وسَلَّم، بالمؤمنين من قومِهِ إلى يِثرِبَ، وأمر المسلمين قبلَ ذلك بالهجرةِ إلى الحَبَشَةِ. ولمَّا اسْتَقَرَّ المُسلمون مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ بالمدينةِ المنورةِ (يثرب) غَلَبَ عَليهِمْ وَصْفُ المُهاجرينَ وأصْبحَتْ الهِجْرَةُ صِفَةَ مَدْحٍ في الدِينِ، ولذلك قال النبيُّ ـ صَلَّى اللهُ عليْهِ وسَلَّمَ، في مَقامِ التَفْضيلِ: من حديث الْبُخَارِيِّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ مُوسَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ ((... لولا الهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَأً مِنَ الأَنْصار ...)). وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى. وقال للأعرابي الذي سألَه عن الهجرة: ((ويحَكَ إنَّ شَأْنَها شَديدٌ، ..)). صحيح البخاري: (2/527) عن أَبي سَعيدٍ الخِدْرِيِّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ. وقال: ((لا هجرة بعد الفتحِ ...)). أخرجه البخاري في الجهاد، باب وجوب النفير، وفي الحج، ومسلم في الإمارة، باب المبايعة بعد فتح مكة.
وثالثُها: أَنَّهم: "جاهَدوا بأموالهم وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ" فقدْ ضاعتْ دُورُهم ومَساكِنُهم وضِياعُهم ومَزارِعُهم لمَّا تَرَكوا أَوْطانَهم، وصارتْ إلى أَعدائهم، كما أنهم بذلوا الكَثيرَ من النفقةِ في طريقِ الهجرة، وعلى المعارك والغَزَواتِ التي كانت بينهم وبين الأعداء، كما أنَّ إقدامَهم على القتال في معركةِ بَدْرٍ مِنْ غيرِ آلَةٍ ولا أُهْبَةٍ ولا عُدَّةٍ وعدوُّهم كثيرُ العدَدِ والعدَّةِ، يَدُلُّ على اسْتِعْدادِهم لِبَذْلِ أَنْفُسٍِهم في سَبيلِ اللهِ. ولَعَلَّ تَقديمَ الأَمْوالِ على الأَنْفُسِ لِما أَنَّ المُجاهدَةَ بالأَمْوالِ أَكْثَرُ وُقوعاً وأتمُّ دَفْعاً للحاجَةِ حيْثُ لا يُتَصَوَّرُ المُجاهدَةُ بالنَفْسِ بِلا مُجاهدةٍ بالمال، وقيلَ: تَرتيبُ هذِه المُتَعاطِفاتِ في الآيةِ على حَسَبِ الوُقوعِ، فإنَّ الأوَّلَ الإيمانُ، ثمَّ الهِجْرَةُ ثمَّ الجِهادُ بالمالِ لِنَحْوِ التَأَهُّبِ للحَرْبِ، ثمَّ الجِهادُ بالنفسِ.
أَمَّا رابعها: فهو سبقُهُمُ الناسَ في الإقْدامِ عَلى هَذِهِ الأَفْعالِ المرضيَّةِ والالْتِزامِ بهَذِهِ الأََحْوالِ العليَّةِ، الأَمرُ الذي كانَ لَهُ أعظم الأَثَرِ في نُصْرَةِ الدِّينِ وتَشْجيعِ الناسِ على اتِّباعِهِ. قالَ تعالى مُسجِّلاً لهم هذا السَبْقَ: {لاَ يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الفتح وَقَاتَلَ أُولئكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الذين أَنفَقُواْ مِن بَعْدُ وَقَاتَلُواْ وَكُلاًّ وَعَدَ الله الحسنى} سورةِ الحديد، الآية: 10، وقالَ في سُورةِ التوبة: {والسابقون الأوَّلون مِنَ المهاجرين والأنْصارِ والذين اتَّبَعوهم بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ} الآية: 100. وإنَّما كانَ السَبْقُ مُوجِباً للأفَضليّةِ، لأنَّ إقدامَ السابقين يُثمِرُ اقْتِداءَ غيرِهم بهم، ولهذا فإنّ اللهَ منحهم مِنَ الأَجْرِ والثوابِ مثلَ أُجُورِ مَنْ كانُوا السَبَبَ في إيمانِهِ، لِقولِهِ ـ عليهِ الصلاةُ والسلامُ: ((مَنْ سَنَّ في الإسْلامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُها وأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بها مِنْ بَعدِهِ ... )) أَخْرَجَهُ الأئمَّةُ أحمدٌ، ومُسْلِمٌ، والتِرْمِذِيُّ، والنَسائيُّ، والدارميُّ، والطيالسيُّ، وابْنُ حبَّانَ، وأبو عُوانَةَ، وابْنُ ماجَةَ، كُّهم عَنْ جَريرٍ بْنِ عبدِ اللهِ ـ رَضِيَ اللهُُ عَنْهُ، فإنَّ مِنْ عادَةِ الناسِ أَنَّ دَواعيهم تَقْوى بما يَرَوْنَ مِنْ أَمْثالهم في أَحْوالِ الدُنيا والدينِ، كما أَنَّ المِحَنَ تَخِفُّ على قلوبِهم إذا تشارَكوا فيها، فثَبَتَ أَنَّ حُصولَ هذِهِ الصِفاتِ الأَرْبَعةِ للمُهاجرين الأَوَّلين يَدُلُّ على غايةِ الفَضيلَةِ ونهايَةِ المَنْقَبَةِ، وأَنَّ ذَلِكَ يُوجِبُ على الجميعَ احترامهم وتبجيلهم وتقديمَهم والاعتِرافَ بِكونهم رُؤساءَ المسلمينَ وسادتَهم.
قولُهُ: {وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} وهم الصنفُ الثاني من المؤمنين أيْ: الأَنْصَارِ الذِينَ آوَوُا رَسُولَ الله وصحبَه من المهاجرين وَنَصَرُوهُ، وبَذَلوا النَفْسَ والنفيسَ في ذلك، حتى روى التاريخُ الكَثيرَ عَنْ إيثارِهم الذي بَلَغَ مَرْتَبَةً لا يَتَسامى إليْها البَشَرُ أَبَداً إلاَّ بِصِدْقِ الإيمانِ، ولولاهم لما تمَّ المقْصودُ البَتَّةَ، وهَؤُلاَءِ جَمِيعاً (المهاجرون والأنصار) بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ، وَكُلٌّ مِنْهُمْ أَحَقُّ بِالآخَرِ مِنْ كُلِّ أَحَدٍ. لِذَلِكَ آخَى رَسُولُ الله ـ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، بَيْنَ المُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ، كُلُّ اثْنَيْنِ أَخَوَانِ فِي اللهِ، فَكَانُوا يَتَوَارَثُونَ بِذَلِكَ إِرْثاً مُقَدَّماً عَلَى القَرَابَةِ، حَتَّى نَسَخَ اللهُ تَعَالَى ذَلِكَ بِآيَةِ المَوَارِيثِ. وهذا قولُ مجاهِدٍ، وعِكْرِمَةُ، وقَتادَةُ، والحَسَنُ. ورُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ وابْنِ مَسْعودٍ، وهو قولُ أَبي حَنيفَةَ وأَحمدٍ، وقالَ كثيرٌ مِنَ المُفَسِّرين هَذٍهِ الوَلايةُ هيَ في المُوالاةِ والمُؤازَرَةِ والمُعاوَنَةِ دُونَ الميراثِ اعْتِداداً بأنَّها خاصَّةٌ بهذا الغَرَضِ، وهوَ قولُ مالِكِ بْنِ أَنسٍ أيضاً والشافعيِّ. ورُوِيَ كذلك عنْ أَبي بَكْرٍ الصِدِّيقِ، وزِيدِ بْنِ ثابِتٍ، وابْنِ عُمَرَ وأَهْلِ المدينةِ ـ رضي اللهُ عنهم أجمعين.
وحالُ المُهاجِرينَ هو الأَعْلى في الفَضْلِ لوُجوهٍ:  أَوَّلُها: أَنَّهمْ هُمُ السابقونَ في الإيمانِ الذي هو رأسُ الفَضائلِ وعُنوانُ المَناقِبِ. وثانيها: أَنَّهم تَحَمَّلوا العَناءَ والمَشَقَّةَ طويلاً، مِنْ كُفَّارِ قُرَيْشٍ وصَبَروا عل ذلك. وثالثها: أنهم تحمّلوا المضارَّ الناشئةَ مِنْ مُفارَقَةِ الأَوْطانِ والأَهْلِ والجِيرانِ، ولم يحصُلُ ذلكَ للأنْصارِ. ورابعُها: أَنَّ المُهاجِرينَ بِسَبْقِهم إلى الدينِ كانوا للأَنْصارِ القُدْوةَ والأُسْوةَ الحَسَنَةَ.
وقدْ تَقَدَّمَ أَنَّ "مَنْ سَنَّ سُنَةً حَسَنَةً فلَهُ أَجْرُها وأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بها إلى يوم القيامة" فكلُّ ما يكون من الأنصارِ مِنْ صَالِحِ الأَعْمالِ فإنَّ للمُهاجرينَ مِثْلُ ثوابِهم فضلاً عَمَّا يُحَصِّلونَهُ هم مِنْ أجرٍ على أعمالهم. لذلك وَجَبَ أَنْ يَكونَ المُقْتَدي أَقَلَّ مَرْتَبَةً مِنَ المُقْتَدى بِهِ. ولهذا فأَيْنَما ذَكَرَ اللهُ هذَيْنِ الفَريقينِ، تراه قَدَّمَ المُهاجرينَ على الأَنْصارِ ومِنْ ذلك هذِهِ الآية. ولمَّا ذَكَرَهما اللهُ تعالى قال: "أُوْلَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ".
أَخْرَجَ ابْنُ مَردويْهِ عَنِ ابْنِ عبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما، قال: كانَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلى اللهُ عليه وسلَّمَ، آخى بين المُسْلِمين مِنَ المُهاجِرينَ والأَنْصارِ، فآخى بَينَ حمزَةَ بْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ وبينَ زَيْدِ بْنِ حارثةَ، وبين عُمَرَ بْنِ الخَطابِ ومُعاذِ بْنِ عَفراءَ، وبينَ الزُبيرِ بْنِ العَوَّامِ وعَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعودٍ، وبَينَ أَبي بَكْرٍ الصِدِّيقِ وطَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ، وبين عبدِ الرَحمنِ بْنِ عَوْفٍ وسَعْدِ بْنِ الرَبيعِ. وقالَ لِسائرِ أَصْحابِهِ: تَآخَوا وهذا أَخِي ـ يَعْني عَلِيَّ بْنَ أَبي طالِبٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُم جميعاً، قال: فأَقامَ المُسْلِمونَ على ذلك حتى نَزَلَتْ سُورَةُ الأَنْفالِ، وكان ممَّا شَدَّدَ اللهُ بِهِ عَقْدَ نَبْيِّهِ قولُه تَعالى: "إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض والذين آمنوا ولم يهاجروا" إلى قولِهِ: {لَهُم مَّغْفِرَةٌ ورِزْقٌ كَريمٌ} فأَحْكَمَ اللهُ تَعالى بهذِهِ الآياتِ العَقْدَ الذي عَقَدَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّمَ، بَينَ أَصحابِهِ مِنَ المُهاجِرينَ والأَنْصارِ، يَتَوارَثُ الذين تَآخوا دُونَ مَنْ كانَ مُقيماً بِمَكَّةَ مِنْ ذَوِي الأَرْحامِ والقَراباتِ، فَمَكَثَ الناسُ على ذَلِكَ العَقْدِ ما شاءَ اللهُ، ثمَّ أَنْزَلَ اللهُ الآيةَ الأُخرى فَنَسَخَتْ ما كانَ قَبْلَها فقال: { وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولَئِكَ مِنْكُمْ وَأُولُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللهِ إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} سورة الأنْفال، الآية: 75. ورَجَعَ كلُّ رَجُلٍ إلى نَسَبِهِ ورَحِمِهِ، وانْقَطَعَتْ تِلْكَ الوِراثةِ.
وأَخْرَجَ ابْنُ أَبي حاتمٍ، وابْنُ مردويْهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ـ رَضِيَ اللهُ عنهما، في قولِهِ تعالى: "إنَّ الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله" قال: إنَّ المؤمنين كانوا على عَهْدِ رَسُولِ اللهِ ـ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، على ثلاثِ مَنازِلَ. مِنْهمُ المُؤمِنُ المُهاجِرُ المُبايِنُ لقَومِهِ في الهِجْرَةِ، خَرَجَ إلى قومٍ مُؤمنين في ديارِهم وعَقارِهم وأَمْوالهم، وفي قولِهِ: "والذين آووا ونصروا" وأَعْلَنوا ما أَعْلَنَ أَهْلُ الهِجْرَةِ، وشَهَروا السُيوفَ على مَنْ كَذَّبَ وجَحَدَ، فهذان مُؤمنانِ جَعَلَ اللهُ بعضَهم أَوْلِياءَ بَعْضٍ، وفي قوله: "والذين آمنوا ولم يهاجروا" قال: كانوا يَتَوارَثونَ بَيْنَهم إذا تُوفيَ المُؤمِنُ المُهاجِرُ بالوَلايَةِ في الدين، وكان الذي آمَنَ ولمْ يُهاجِرْ لا يَرِثُ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ لم يُهاجِرْ ولم يَنْصُرْ، فبَوَّأَ اللهُ المؤمنين المهاجرين مِنْ مِيراثهم، وهيَ الولايةُ التي قالَ اللهُ "ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق" وكان حقاً على المؤمنين الذين آووا ونَصَروا إذا اسْتَنْصَروهم في الدينِ أَنْ يَنْصُروهم إنْ قُوتِلوا، إلاَّ أَنْ يَسْتَنْصِروا على قومٍ بَيْنَهم وبَينَ النبيِّ ـ صَلى اللهُ عَليهِ وسَلَّمَ مِيثاقٌ، ولا نَصْرَ لهمْ عَليهم إلاَّ على العَدُوِّ الذي لا مِيثاقَ لهم، ثمَّ أَنْزلَ اللهُ تَعالى بعدَ ذَلكَ: أَنَّ أَلْحَقَ كُلَّ ذِي رَحِمٍ بِرَحِمِهِ مِنَ المُؤمنين الذين آمَنوا ولم يُهاجِروا، فجَعَلَ لِكُلِّ إنْسانٍ مِنَ المؤمنين نَصيباً مَفْروضاً لِقَولِهِ تعالى: {وأُولوا الأرْحامِ بعضُهم أَوْلى بِبَعضٍ في كِتابِ اللهِ، إنَّ اللهَ بِكُلِّ شيءٍ عَليمٌ} سورة الأنفال، الآية: 75.
واخْتَلَف العلماءُ في المُرادِ بهذِهِ الولاية، فقد نَقَلَ الواحِدِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما، أَنَّ المُرادَ هُوَ الوِلايَةُ في الميراثِ. والمُفَسِّرين كُلُّهم على ذلك، على ما هُوَ المَرْوِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. والحَسَنِ. ومجاهِدٍ. والسُدِّيِّ. وقَتَادَةَ ـ رَضِيَ اللهُ تَعالى عَنْهُم، وقالوا جَعَلَ اللهُ تَعالى سَبَبَ الإرْثِ الهِجْرَةُ والنُصْرَةُ دونَ القَرابَةِ. وكانَ القريبُ الذي آمَنَ ولم يُهاجِرْ لم يَرِثْ لأنَّهُ لم يُهاجِرْ ولم يَنْصُرْ. ويُقالُ: "السُلْطانُ وَلِيُّ مَنْ لا وَلِيَّ لَهُ" ولا يُفيدُ ذلك الإرْثَ، وقال تعالى في سورة يونُسَ ـ عليه السلامُ: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء الله لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} الآية: 62. ولم يُفِدِ الإرْثَ بَلِ الولايَةُ فيها تُفيدُ القُرْبَ، فيُمْكِنْ حَمْلُ المعنى على غيرِ الإرْثِ، وهو كونُ بَعْضِهم مُعَظِّماً لِبَعْضٍ مُهْتَمّاً بِشَأْنِهِ مخْصوصاً بمُعاوَنَتِهِ ومُناصَرَتِهِ، والمقصودُ أَنْ يَكونوا يَداً واحدَةً على الأَعْداءِ، وأَنْ يَكونَ حُبُّ كُلِّ واحدٍ لِلآخَرِ جارياً مُجْرى حَبْسِهِ لِنَفْسِهِ، وإذا كان اللفْظُ مُحْتَمِلاً لهذا المعنى كان حملُه على الإرْثِ بَعيداً عَنِ دَلالَةِ اللَّفظِ، لا سيَّما وهم يَقولونَ إنَّ ذلك الحُكْمَ صارَ مَنْسُوخاً بِقَوْلِهِ تَعالى في آخرِ هذه السُورة: {وَأُوْلُواْ الارحام بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ في كتابِ اللهِ}. وكذلك في آيَةِ المواريثِ.
قولُهُ: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا} أمَّا الذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا، بَلْ أَقَامُوا فِي أَمَاكِنِهِمْ فَهُمُ الصنف الثالثُ من المؤمنين، وهؤُلاَءِ لاَ يَثْبُتُ لَهُمْ شَيءٌ مِنْ وَلاَيَةِ المُسْلِمِينَ وَنُصْرَتِهِمْ، إِذْ لاَ سَبِيلَ إِلَى وَلاَيَتِهِمْ حَتَّى يُهَاجِرُوا، وَلَيْسَ لَهُمْ مِنَ المَغَانِمِ نَصِيبٌ وَلاَ فِي خُمْسِهَا إِلاَّ مَا حَضَرُوا فِيهِ القِتَالَ. وقولُهُ تعالى: "مَالَكُمْ مّن ولايتهم مّن شَيْءٍ" يُوهِمُ أَنهم لمَّا لم يُهاجِروا مَعَ رَسُولِ اللهِ ـ صلّى اللهُ عليْهِ وسَلَّمَ، سَقَطَتْ ولايتُهم مُطْلَقاً، فأزالَ اللهُ تَعالى هذا الوهمَ بقولِهِ: "مَالَكُم مّن ولايتهم مّن شَيْء حتى يُهَاجِرُواْ" يَعني أَنَّهم لو هاجروا لعادتْ تِلْكَ الولايَةُ وحَصلَتْ، والمقصودُ مِنْهُ الحمْلُ على الهجْرَةِ التي تهدف الى تكثير عدد المُسلِمين واجْتِماعِهم ليُعين بعضُهم بعضاً، ولحصولِ الأُلَفَةِ بينهم والشَوْكَةِ لهم.
قولُهُ: {وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ} وَإِذَا اسْتَنْصَرَ هَؤُلاَءِ، الذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا، إِخْوَانَهُمُ المِسْلِمِينَ فِي قِتَالٍ دِيني عَلَى عَدُوٍ لَهُمْ، فَعَلَيْهِمْ نَصْرَهُمْ، لأَنَّهُمْ إِخْوَانٌ لهم فِي الدِّينِ. أَمَّا إِذَا كَانَ الاسْتِنْصَارُ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ المُسْلِمِينَ مِيثَاقٌ وَمُهَادَنَةٌ إلَى مُدَّةٍ مُعَيَّنَةٍ، فَيَجِبُ عَلَى المُسْلِمِينَ الاَّ يَخْفِرُوا ذِمَّتَهُمْ وَلاَ أَنْ يَنْقُضُوا أَيْمَانَهُم مَعَ الذِينَ عَاهَدُوهُمْ. لأنَّه لما بَيَّنَ الحُكْمَ في قَطْعِ الولايةِ بين تلكَ الطائفةِ مِنَ المُؤمنين، بيَّنَ أَنَّهُ لَيْسَ المقصودُ مِنْهُ المُقاطعةَ التامَّةَ، بَلْ إذا استنصركم هؤلاءِ فانْصُروهم ولا تخذلوهم. رُوِيَ أَنَّه لما نَزَلَ قولُهُ تَعالى: "مَالَكُمْ مّن ولايتهم مّن شَيْء حتى يُهَاجِرُواْ" قامَ الزُبَيْرُ وقال: فَهَلْ نُعينُهم على أَمْرِ إنِ اسْتَعانوا بِنَا؟ فنَزَلَ: "وَإِنِ استنصروكم فِى الدين فَعَلَيْكُمُ النصر". ثمَّ قالَ تَعالى: "إِلاَّ على قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مّيثَاقٌ" والمعنى أَنِّه لا يجوزُ لكم نَصْرُهم عَلَيْهِمْ لأنَّ المِيثاقُ مانِعٌ مِنْ ذَلك.
قولُهُ: {وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} أَيْ: إنَّهُ سَبحانَه، يرى ويَعْلَمُ كلَّ ما تَصْنَعونَ، فاحذروا أَنْ تُخالِفوا أَمْرَهُ، ولا تَتَجاوَزوا ما حَدَّدهُ لَكمْ كِيْ لا يَحِلَّ عَليكُم غَضَبُهُ ويَنْزِلَ بِكمْ سخطهُ وينالكم عِقابُهُ. وقد جمعهم الله سبحانه وتعالى كمؤمنين في آية واحدةٍ وكُلُّهم في مَرَاتِبِ الإيمانِ وهُم واحدٌ وسيأتي الحديث عما يقابلُهم في الآية التالية إنْ شاء اللهُ تعالى.
قولُهُ تَعالى: {أُولِئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ} أولئك: رَفْعٌ بالابْتِداءِ. "بَعْضُهم" ابْتِداءٌ ثانٍ، "أولياءُ بعضٍ" خَبَرُهُ، وهَذِهْ الجُمْلةُ واقعةٌ في محلِّ رفعِ خَبرِ "إن". من قولِهِ: "إنَّ الذين آمَنوا وهاجَروا" و "الذين" اسمُها.
قولُهُ {مَا لَكم مِنْ وَلايَتِهم مِنْ شَيْءٍ} ما: نافيةٌ مُهْمَلَةٌ، و "لكم" جارٌّ ومجرورُ  مُتَعَلِّقٌ بالخَبَرِ، و "من ولايتهم" جارٌّ وجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بحالٍ مِنْ "شيء"، و "مِنْ شَيْء" "من" زَائدة، و "شيء" مُبْتَدَأٌ، وجملةُ "ما لكم شيء" خبرُ، و "الذين"، الثانية، ابْتِداءٌ عطفاً على "الذينَ" ألأولى، والخبرُ أيضاً "مالكم"، و "حتى يُهاجِروا" حتى حرف جرٍّ و "يُهاجروا" منصوبُ بِ "أَنْ" مُضْمَرَةٍ بَعدَ "حتى"، وعلامةُ نَصْبِهِ حذفُ النُونِ من آخرِهِ لأنَّهُ مِنَ الأفعالِ الخَمسةِ، والمَصدَرُ المؤوَّلُ مِنْ "أَنْ" وما بعدَها مجرورٌ بحرفِ الجَرِّ "حتى"، والجارُّ والمجرورُ مُتَعَلِّقٌ بمحذوفِ خبرٍِ لقولِه تعالى: "مِنْ شيء".
قولُه: {وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فعليكم النصرُ} في: ظَرْفيَّةٌ، هنا، ظرفيَّةً مجازية، تَؤولُ إلى مَعنى التَعْليلِ، أَيْ: إنْ طَلَبوا أنْ تَنْصُروهم لأَجْلِ الدين، لِدرءِ الفِتْنَةِ عنهم، إذ حاول المشركون إرْجاعَهم إلى الشِرْكِ وَجَبَ نَصْرُهُم لأنَّ نَصْرَهُم يكون للدين وليسَ مِنَ الوَلايَةِ لهم.
قولُه: {فَعَلَيْكُمُ النَصْرُ} مُبْتَدَأٌ وخَبَرٌ، أَوْ فِعْلٌ وفاعِلٌ كما هو مذهبُ الأخفش، ولفظةُ "على" تُشْعِرُ بالوُجوبِ. وكذلك قدَّرَهُ الزَمخشريُّ وشَبَّهَهُ بِقول الشاعرِ:
على مُكْثريهم رِزْقُ مَنْ يَعْتريهم ........ وعند المُقِلِّين السماحةُ والبَذْلُ
هذا البيتُ لِزُهِيرٍ بْنِ  أَبي سُلْمى المُزَنيّ مِنْ قَصيدَةٍ يَمْدَحُ فيها هَرَمَ بِنَ سِنانٍ، ومطلعها:
صَحا القلبُ عن سلمى وقد كاد لا يَسْلو
                                         وأَقْفَرَ من سَلْمَى التعانيقُ فالثُّجْلُ
ومنها قولُهُ:
وقد كنتُ من سَلْمى سنيناً ثمانياً ....... على صيرِ أَمْرٍ ما يَمُرُّ وما يحْلُو
وما يَكُ مِنْ خَيْرٍ أَتَوْهُ فَإنَّمَا ................... تَوَارَثَهُ آباءُ آبَائِهِمْ قَبْلُ
وهَلْ يُنْبِتُ الْخَطَيَّ إلاَّ وَشِيجُهُ .......... وتُغْرِسُ إلاَ في مَنَابِتِهَا النَخْلُ؟
وفيهِمْ مقامَات حِسَانٌ وُجُوهُهَا .......... وَأَنْدِيًةٌ يَنتابُهَا الْقَوْلُ والْفعْلُ
لتعانيقُ اسم مَوْضِعٌ: وهو جمْعُ تُعْنُوقٍ، والتُعْنوقُ هو السّهْلُ مِنَ الأَرْضِ. وكذلك الثُجُلُ: اسْمُ مَوْضِعٍ، والثُّجْلَةُ: هي عِظَمُ البَطْن، والواسعُ من كلِّ شيءٍ.
ويجوزُ في "النَصْر" أنْ تُنْصَبَ على الإغراءِ، لكنَّ القِراءَةَ بالرَفْعِ، ولا نَعْرِفُ أَحَداً قَرَأَها بالفَتْحِ. وجملةُ "فعليكم النصر" جوابُ الشَرْطِ.
قولُهُ: {إلاَّ على قومٍ} الجارُّ والمجرورُ مُتَعلِّقٌ بحالٍ مِنَ المُسْتَثْنى المحذوفِ والتقدير: إلاَّ النَصْرَ كائنًا على قومٍ. و "بينكم وبينهم ميثاق" هذه الجملة في محل جرِّ نَعْتٍ ل "قوم".
قَرَأَ الجُمْهورُ: {وَلاَيَتِهِم} بفتحِ الواو، وقرَأَ حمزةٌ والكسائي هُنا وفي الكهفِ {الوِلايةُ للهِ} الآية: 44. بِكَسْرِ الواوِ. وهما لُغتانِ. قالَ أبو عبيدةَ: بالفَتْحِ مِنَ المَوْلَى، يُقالُ: مَوْلى بيِّنُ الوَلاية، وبالكسر مِنْ وِلايَةِ السُلْطانِ، وقالَ الزجّاجُ: بالفَتْحِ مِنَ النُّصْرَة والنَسَبِ، وبالكَسْرِ مِنَ الإِمارَةِ. قال: ويجوزُ الكَسْرُ لأَنَّ في تَوَلِّي بَعْضِ القَوْمِ بَعْضاً جِنْساً مِنَ الصِناعَةِ والعَمَلِ، وكلُّ ما كانَ مِنْ جِنْسِ الصِناعَةِ مَكْسورٌ مِثْل الخِِياطَةِ والقِصارَةِ. وقد خَطَّأ الأَصْمَعيُّ قِراءةَ الكَسْرِ، وهو المُخْطِئُ لأنّها قرارةٌ متواترةٌ.
وقَرَأَ العامَّةُ: {واللهُ بما تَعملون عليمٌ} بالتاءِ للخِطابِ، وقَرَأَ أَبو عبدِ الرحمنِ السُلَمِيُّ، والأَعْرَجُ: "واللهُ بما يَعملون" بالياءِ للغَيْبَةِ، وكأنَّهُ الْتِفاتٌ أو إخْبارٌ عنهم.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
فيض العليم ... سورة الأنفال، الآية: 72
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» فيض العليم ... سورة الأنفال، الآية: 4
» فيض العليم ... سورة الأنفال، الآية: 20
» فيض العليم ... سورة الأنفال، الآية: 36
» فيض العليم ... سورة الأنفال، الآية: 52
» فيض العليم ... سورة الأنفال، الآية: 68

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
روضة الشاعر عبد القادر الأسود :: ...:: الروضة الروحانية ::... :: روضة الذكر الحكيم-
انتقل الى: