روضة الشاعر عبد القادر الأسود
بعد الصلاة على الرحمة المهداة

أهلا وسهلا بك في روضتنا

يسرنا تسجيلك

روضة الشاعر عبد القادر الأسود
بعد الصلاة على الرحمة المهداة

أهلا وسهلا بك في روضتنا

يسرنا تسجيلك

روضة الشاعر عبد القادر الأسود
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

روضة الشاعر عبد القادر الأسود

منتدى أدبي اجتماعي يعنى بشؤون الشعر والأدب والموضوعات الاجتماعي والقضايا اللإنسانية
 
مركز تحميل الروضةالرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
بسـم الله الرحمن الرحيم  :: الحمد لله رب العالمين * الرحمن الرحيم * مالك يوم الدين * إياك نعبد وإياك نستعين * إهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين أنعمت عليهم * غير المغضوب عليهم ولا الضــالين ....  آميـــن

 

 فيض العليم ... سورة الأنعام، الآية: 27

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
عبد القادر الأسود

¤° صاحب الإمتياز °¤
¤° صاحب الإمتياز °¤
عبد القادر الأسود


عدد المساهمات : 3986
تاريخ التسجيل : 08/09/2011
العمر : 76
المزاج المزاج : رايق
الجنس : ذكر
فيض العليم ... سورة الأنعام، الآية: 27 Jb12915568671



فيض العليم ... سورة الأنعام، الآية: 27 Empty
مُساهمةموضوع: فيض العليم ... سورة الأنعام، الآية: 27   فيض العليم ... سورة الأنعام، الآية: 27 I_icon_minitimeالخميس نوفمبر 14, 2013 9:53 am

وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقالُوا يَا لَيْتَنا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ.
(27)
قَوْلُهُ تَعَالَى شأنُه: {وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ} أَيْ إِذْ وُقِفُوا غَدًا، والخطابُ للنَبِيِّ ـ صلى اللهُ عليْه وسَلَّمَ ـ أو لِكُلِّ مَنْ لَهُ أَهْلِيَّةُ الرؤيةِ، والقصدُ بيانُ سُوءِ حالِهم. وهو أيضًا شُروعٌ في حِكايةِ ما سَيَصْدُرُ عنهم يومَ القِيامَةِ مِنَ القولِ المُناقِضِ لِما صَدَرَ عنهم في الدُنيا مِنَ القَبائَحِ. وَمَا سَيَكُونُ فَكَأَنَّهُ كَانَ، لِأَنَّ خَبَرَ اللهِ تَعَالَى حَقٌّ وَصِدْقٌ، فَلِهَذَا عَبَّرَ بِالْمَاضِي. وَمَعْنَى "وُقِفُوا" حُبِسُوا، و"وُقِفوا عَلَى النَّارِ" أَيْ هُمْ فَوْقَهَا عَلَى الصِّرَاطِ وَهِيَ تَحْتَهُمْ. وَقِيلَ: "عَلَى" هنا بِمَعْنَى الْبَاءِ، أَيْ وَقَفُوا بِقُرْبِهَا وَهُمْ يُعَايِنُونَهَا. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: جَمَعُوا، يَعْنِي عَلَى أَبْوَابِهَا. وَيُقَالُ: وَقَفُوا عَلَى مَتْنِ جَهَنَّمَ وَالنَّارُ تَحْتَهُمْ. وَفِي الْخَبَرِ: أَنَّ النَّاسَ كُلَّهُمْ يُوقَفُونَ عَلَى مَتْنِ جَهَنَّمَ كَأَنَّهَا مَتْنُ إِهَالَةٍ (شحمٌ مُذابٌ)، ثُمَّ يُنَادِي مُنَادٍ خُذِي أَصْحَابَكِ وَدَعِي أَصْحَابِي. وَقِيلَ: معنى "وُقِفُوا" دَخَلُوهَا، فَعَلَى هنا بِمَعْنَى "فِي" أَيْ وُقِفُوا فِي النَّارِ. وحُذِفَ جَوَابُ "لَوْ" ليَذْهَبَ الوهم إلى كلِّ شيءٍ فَيَكُونُ أَبْلَغَ فِي التَّخْوِيفِ، وَالْمَعْنَى: لَوْ تَرَاهُمْ فِي تِلْكَ الْحَالِ لَرَأَيْتَ أَسْوَأَ حَالٍ، أَوْ لَرَأَيْتَ مَنْظَرًا هَائِلًا، أَوْ لَرَأَيْتَ أَمْرًا عَجَبًا وَمَا كَانَ مِثْلَ هَذَا التَّقْدِيرِ، وهذا مِنْ عَظَمَةِ البلاغةِ القرآنيَّةِ، لِيَذْهَبَ كلُّ سامع في المعنى مذاهبه التي يَراها، فهناك أحداثٌ لا تَقْوى العِباراتُ على أدائها، ولذلك حذَفَها الحقُّ تبارك وتعالى. ومع ذلك فقد أرادَ البعضُ أنْ يِتَصَيَّدَ لَأساليبِ القُرآنِ، كما قال الإمامُ محمد متولي الشعراويُّ ـ رحمه اللهُ ـ ومنهم مَنْ قال: كيف تقولون إنَّ القرآنَ عالي البيانِ، فصيحُ الأُسلوبِ، مُعْجِزُ الأَداءِ، وهو يَقولُ ما يَقولُ عن شَجَرَةِ الزَّقومِ: {أَذَلِكَ خَيْرٌ نُّزُلاً أَمْ شَجَرَةُ الزَّقومِ * إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِّلظَّالِمِينَ * إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ في أَصْلِ الجحيم * طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشياطين} الصافات: 62 ـ 65. إنَّ كلَّ شجرةٍ تَحتاجُ إلى ماءٍ وهَواءٍ، وفيها حياةٌ تَظهَرُ باخْضِرارِ الأَوْراقِ، فكيفَ تَخْرُجُ هذه الشَجَرَةُ مِنَ النَّارِ، أَلَيْسَ في ذلك شذوذٌ؟ ثمَّ تتمادى الصورةُ، صورةُ الشَجَرَةِ، فيَصِفُ الحَقُّ ثِمارَها بقولِه: {طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشياطين * فَإِنَّهُمْ لآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا البُطونَ} الصافات: 65 ـ 66. ونحنُ لم نَرَ شَجَرَةَ الزَّقومِ، ولمْ نَرَ رأسَ الشَيْطانِ. فكيفَ يُشبِّهُ اللهُ المَجهولَ بمَجهولٍ؟ وماذا يَسْتفيدُ السامِعُ مِنْ تَشبيهِ مَجهولٍ بمَجهولٍ؟ ونَقولُ رَدًّا عليهم: إن غباءكم وفقدانكم لِمَلَكَةِ اللغةِ العرَبِيَّةِ هو الذي يَجعلُكم لا تَفهمون ما في هذا القولِ مِنْ بَلاغةٍ. فقد أَرادَ الحقُّ ـ سبحانه وتعالى ـ إطلاقَ الخيالِ لِتَصَوُّرِ شَجَرَةِ الزَّقومِ، وتَصَوُّرِ رأسِ الشَيْطان. إشاعَةً للفائدةِ مِنْ إظْهارِ بَشاعةِ صورةِ الشَجَرَةِ التي يَأْكُلُ منها أَهْلُ الكُفرِ. وكذلك هو قولُ الحق هنا: "وَلَوْ ترى إِذْ وُقِفُواْ عَلَى النار" فالذي يَحدُثُ لِهؤلاءِ الوُقوفِ على النَّارِ لا يَأتي خبرُه هنا، بل يَكتَفي الحَقُّ بأنْ يُعبِّرَ لنا عن أَنَّنا نَراهم في مثلِ هذا المَوقفِ؛ لأنَّ اليومَ الآخِرَ هو يَومُ الجَزاء؛ إمَّا إلى الجَنَّةِ وإمَّا إلى النار. والجنَّةُ ـ كما نعلمُ مِنْ قولِ رسولِ الله ـ صلى اللهُ عليْهِ وسلَّم ـ إنَّ فيها ما لا عَيْنٌ رَأتْ ولا أُذُنٌ سَمِعَتْ ولا خَطَرَ على قلبِ بَشَرٍ. ونعلمُ أنَّ رُؤيةَ العيْنِ مَحدودةٌ، ورُقْعَةَ السَمْعِ أكثرُ اتِّساعًا، ذلك أَنَّ الأُذُنَ تَسْمَعُ ما تَراهْ أَنْتَ وما رَآهُ غيرُك، لكنَّ عينيْك لا تَريان إلَّا ما رَأيتَه أَنتَ بِمُفرَدِك، ولا يَكتَفي الحقُّ بذلك بَلْ يُخْبِرُ رسولَه ـ صلى الله عليه وسَلَّمَ ـ أنَّ في الجَنَّةِ ما لا يَخْطُرُ على قلبِ بَشَرٍ، أيْ أنَّ في الجَنَّةِ أَشياءَ لا تَستطيعُ اللُّغةُ أنْ تُعَبِّرَ عنْها؛ فاللّغةُ تُعَبَّرُ عن مُتَصَوَّراتِ النَّاسِ في الأشياءِ وهذه التصورات والتخيلاتُ إنما هي انطباعات لما وصلها عن طريق البصرِ. فالمَعْنى يُوجَدُ أوَّلًا ثمَّ يُوجَدُ اللفظُ المُعَبِّرُ عنْه في اللغةِ. وهكذا هو الحالُ بالنسبةِ لِما في النّارِ مِنْ ألوانِ العَذابِ. لِذلك فقد حَذفَ الجوابَ وتَرَكَهُ لِخَيالِ السامِعِ.
وحَذْفُ الجوابِ كثيرٌ سواء في التنزيلِ أو في النَّظْمِ، مِنْ ذلك قولُهُ تعالى: {وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا} الرعد: 31. ومنه قولُ امرئ القيس:
وجَدِّك لو شيءٌ أتانا رسولُه .............. سِواك ولكن لم نَجِدْ لك مَدْفَعا
وقوله أيضًا:
فلو أنها نفسٌ تموتُ جميعةً ................. ولكنها نفسٌ تساقَطُ أنفُسَا
وقوله:
كَذَبَ العواذِلُ لو رَأَيْنَ مُنَاخَنَا ............... بحَزيزِ رامةَ والمَطِيُّ سَوَامي
وحَذْفُ الجوابِ أَبْلَغُ لأنَّ السَّامع تَذْهَبُ نفسُه كلَّ مذهب، فلو صُرِّحَ لَه بالجَوابِ وَطَّنَ نفسَه عليْهِ فلم يَخْشَ مِنْهُ كثيرًا، ولِذلكَ قالَ كُثَيِّرٌ:
فقلتُ لها يا عَزُّ كلُّ مصيبةٍ .................. إذا وُطِّنَتْ لها النفسُ ذَلَّتِ  
قَوْلُهُ: {فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ
الْمُؤْمِنِينَ} دَاخِلٌ فِي مَعْنَى التَّمَنِّي، أَيْ لَتَمَنَّوُا الرَدَّ وَأَلَّا يُكَذِّبُوا وَأَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ. وَاخْتَارَ سِيبَوَيْهِ الْقَطْعَ فِي (وَلَا نُكَذِّبُ) فَيَكُونُ غَيْرَ دَاخِلٍ فِي التَّمَنِّي، الْمَعْنَى: وَنَحْنُ لَا نُكَذِّبُ عَلَى مَعْنَى الثَّبَاتِ عَلَى تَرْكِ التَّكْذِيبِ، أَيْ لَا نُكَذِّبُ رَدَدْنَا أَوْ لَمْ نَرُدَّ، وَهُوَ مِثْلُ قَوْلِك: دَعْنِي وَلَا أَعُودُ، أَيْ لَا أَعُودُ عَلَى كُلِّ حَالٍ تَرَكْتَنِي أَوْ لَمْ تَتْرُكْنِي. وَاسْتَدَلَّ أَبُو عَمْرٍو عَلَى خُرُوجِهِ مِنَ التَّمَنِّي بِقَوْلِهِ: "وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ" لِأَنَّ الْكَذِبَ لَا يَكُونُ فِي التَّمَنِّي إِنَّمَا يَكُونُ فِي الْخَبَرِ. وَقَالَ مَنْ جَعَلَهُ دَاخِلًا فِي التَّمَنِّي: الْمَعْنَى وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ فِي الدُّنْيَا فِي إِنْكَارِهِمُ الْبَعْثَ وَتَكْذِيبِهِمُ الرُّسُلَ.
قولُه تعالى: {وَلَوْ ترى إذ وقفوا على النار} لو: إمَّا أنْ تكونَ الامْتِناعِيَّةَ فينْصرِفُ المُضارعِ بَعدَها للمُضِيِّ ، و"إذ" باقيةٌ على أَصْلِها مِنْ دَلالَتِها على الزَمَنِ الماضي، وإن كان لمْ يَقَعْ بَعْدُ، إلَّا أَنَّه أُبْرِزَ في صورة الماضي لِتَحَقُّقِ الوَعْدِ. أو أنَّها بمعنى "إنْ" الشَرْطِيَّةِ، و"إذْ" هنا تَكونُ بمَعنى "إذا" والذي حَمَلَ هذا القائلَ على ذلك كونُه لم يقَعْ بعْدُ. وجوابُ "لو" مَحذوفٌ، والتقديرُ: لَرأيتَ شيئًا عظيمًا وهَوْلًا فظيعًا. و"ترى" يَجوزُ أنْ تَكونَ بَصَريةً ومفعولُها محذوف، أي: ولَوْ تَرى حالَهم، ويَجوزُ أنْ تَكونَ القَلْبِيَّةَ، والمعنى: ولو صَرَفْتَ فِكرَكَ الصَّحيحَ لأنْ تَتَدبَّر حالَهم لازْدَدْتَ يَقينًا.
وقرأ الجمهور: "وُقِفُوا" مَبْنِيًّا للمَفعولِ مِنْ وَقَفَ ثُلاثِيًّا. و"على" يُحْتمل أنْ تكونَ على بابِها ـ وهو الظاهر ـ أي: حُبِسُوا عليها، ويَجوزُ أنْ
تكون بمعنى "في"، كما تقدَّمَ وليس بذاك.
وقرأَ ابْنُ السَّمَيْفَعِ وزَيْدٌ بْنُ عليٍّ: "وَقَفوا" مَبْنِيًّا للفاعل. و"وقف" يتعدَّى ولا يَتَعَدَّى، وفرَّقَتِ العَرَبُ بينَهُما بالمَصْدَرِ، فمَصْدَرُ اللازِمِ على فُعُولٍ، ومَصْدَرُ المُتَعدِّي على فَعْلٍ، ولا يُقالُ: أَوْقَفْتُ. قال أبو عَمْرٍو بِنُ العَلاءِ: لم أسمعْ شيئًا في كلامِ العَرَبِ: أَوْقفتُ فُلانًا، إلّا أَنِّي لو رَأيْتُ رَجُلاً واقِفًا فقلتُ: له: "ما أَوْقَفَكَ هَهنا" لَكانَ عِنْدي حَسَنًا" وإنَّما قال كذلك لأنَّ تعدِّيَ الفعلِ بالهَمْزَةِ مَقيسٌ نحو: ضَحِكَ زَيْدٌ وأَضْحَكْتُهُ أنا، ولكنْ سَمِعَ غيرَه في "وقف" المُتَعَدِّي أَوْقَفْتُه. قال الراغبُ: ومنه ـ يعني من لفظِ وَقَفْتُ القومَ ـ اسْتُعير وَقَفْتُ الدَابَّةَ إذا سَبَلْتُها "فَجَعَل الوقفَ حقيقةً في مَنْع المَشْيِ وفي التَسْبيلِ مَجازًا على سَبيلِ الاسْتِعارةِ، وذلك أَنَّ الشيءَ المُسْبَلَ كأنَّه مَمْنوعٌ مِنَ الحَرَكَةِ، والوَقْفُ لَفْظٌ مُشْتَرَكٌ بيْنَ ما تَقَدَّمَ وبيْنَ سِوارٌ مِنْ عاجٍ، ومنه: "حمارٌ مُوَقَّفٌ بأرْساغِه مِثْلُ الوَقْفِ مِنَ البَياضِ".
قولُهُ: {يا ليتنا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِين} يا: المباشِرةُ للحرَفِ والفِعلِ للتَنْبيهِ أوْ للنِداءِ والمُنادى محذوفٌ تقديره يا قومَنا. و"ليت" للتمَنِّي أو التَرجي، و"ولا نُكَذِّبُ" و"ونكونُ" قرأ نافعٌ وأبو عَمْرٍو وابنُ كثيرٍ والكِسائيُّ: برفعِهِما، وقرأَ حمزةُ عنْ عاصِمٍ بنصبهما، وقرأ ابنُ عامرٍ وأبو بَكْرٍ بِرفعِ الأوَّلِ ونَصْبِ الثاني. ونَقلَ أبو حيَّانَ التَوحيديُّ عن ابْنِ عامرٍ أنَّه نَصَبَ الفِعْلين. وقرَأَ ابْنُ عامرٍ في روايةِ هِشامٍ بْنِ عمّار عن أَصحابِه عنِ ابْنِ عامرٍ: "ولا نكذِّبُ" بالرفع، و"ونكونَ" بالنصب. فأمَّا قراءةُ الرَّفعِ فيهِما فهي إمَّا أنَّ الرفعَ فيهِما عَطْفٌ على الفِعلِ قبلَهُما وهو "نُرَدُّ"، ويكونون قد تَمَنَّوا ثلاثةَ أشياءَ: الردَّ إلى دارِ الدُنيا، وعدمَ تكذيبِهم بآياتِ ربِّهم، وكونَهم مِنَ المُؤمنين. وإمّا أنَّ الواوَ واوُ الحالِ، والمُضارعَ خبرُ مُبْتَدأٍ مُضْمَرٍ، والجُمْلَةُ الاسْمِيَّةُ في مَحَلِّ نَصْبٍ على الحالِ مِنْ فاعِل "نُرَدُّ"، والتقديرُ: يا ليتَنا نُرَدُّ غَيْرَ مُكَذِّبين وكائنين مِنَ المُؤمنين، فيَكونُ تمَنِّي الرَدِّ مُقَيَّدًا بهاتيْن الحالَيْن، فيكونُ الفِعلانِ أَيْضًا داخلَيْن في التَمَنِّي.
وقدْ اسْتَشْكَلوا هذيْن الوَجْهيْن: بأنَّ التَمَنّي إنْشاءٌ، والإِنشاءُ لا يَدْخُلُهُ الصِدْقُ ولا الكَذِبُ، وإنَّما يَدخُلانِ في الإِخْبارِ، وهذا قدْ دَخَلَه الكَذِبُ لِقولِه تعالى: "وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ" وقد أُجيبَ عن ذلك بثلاثةِ أَوْجُهٍ أَحَدُها أنَّ هذا تَمَنٍّ تَضمَّنَ مَعنى الوعدِ فجازَ أنْ يَدْخُلَهُ التَكذيبُ كما يَقولُ الرَجُلُ: "ليتَ اللهَ يَرزُقني مالًا فأُحْسِنَ إليْك، وأُكافئَكَ على صَنِيعِك" فهذا مَتَمَنٍّ في معنى الواعِدِ، فلو رُزِق مالًا ولم يُحْسِنْ إلى صاحِبِهِ ولم يكافِئْهُ كَذَبَ، وصَحَّ أنْ يُقالَ لَه كاذبٌ، كأنَّه قال: إنْ رَزَقَني اللهُ مالًا أحسنتُ إليْكَ. وثانيها: أنَّ قولَه تعالى: "وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ" ليسَ مُتَعَلِّقًا بالمُتَمَنَّى، بل هو مَحْضُ إخبارٍ مِنَ اللهَ بأنَّهم دَيْدَنُهم الكَذِبُ، فلم يَدْخُلِ الكَذِبُ في التَمَنِّي. وهذان الجوابانِ واضحانِ، وثانيهُما أوضح.
والثالث: أنَّا لا نُسَلِّم أنَّ التَمَنِّي لا يَدْخُلُه الصِدْقُ ولا الكذبُ، بلْ يَدْخُلانِهِ. واحتُجَّ على ذلك بقولِ الشاعر:
مُنَىً إن تكن حقاً يكنْ أحسنَ المنى ........ وإلاَّ فقد عِشنا بها زمناً رغْدا
قالوا فإذا جازَ أنْ تُوصَفَ المُنى بكونِها حَقًّا جازَ أنْ تُوصَفَ بِكونِها باطلًا وكذبًا وليس هذا بجوابٍ، فإنَّ الذي وُصِفَ بالحقِّ إنَّما هو المُنى، ومفردُها مُنْيَةٍ، والمُنْيَةُ تُوصَفُ بالصِدْقِ والكَذِبِ مَجازًا؛ لأنَّها كأنَّها تَعِدُ النَفْسَ بِوُقوعِها فيُقالُ لِما وَقَعَ مِنْها صادقٌ ولِما لَمْ يَقَعْ مِنْها كاذبٌ، فالصِدْقُ والكَذِبُ إنَّما دَخَلا في المُنْيَةِ لا في التَمَنّي.
ويمكن أنْ نعتبرَ قولَه: "ولا نكذِّبُ" خبرًا لِمُبْتَدَأٍ مَحذوفٍ، والجُملةَ استِئنافيةً لا تَعلُّقَ لها بما قبلَها، وإنَّما عُطِفَتْ هاتان الجُملَتانِ الفِعْلِيَّتانِ على الجُمْلَةِ المُشْتَمِلَةِ على أَداةِ التَمَنِّي وما في حَيِّزِها، فليسَتْ داخلةً في التَمني أصلاً، وإنَّما أَخبرَ اللهُ تعالى عنهم أَنَّهم أَخْبروا عنْ أَنْفسِهم بأنَّهم لا يُكَذِّبون بآياتِ ربِّهم، وأنَّهم يكونون من المؤمنين، فتَكونُ هذهِ الجُملةُ وما عُطِفَ عليْها في مَحَلِّ نَصْبٍ بالقولِ، كأنَّ التقديرَ: فقالوا: يا لَيْتَنا نُرَدُّ وقالوا: نحنُ لا نُكَذِّبُ ونكونُ مِنَ المؤمنين، واختارَ سِيبَوَيْهِ هذا الوجهَ، وشبَّهَه بقولِهم: "دَعْني ولا أَعودُ" أيْ وأنَا لا أَعودُ تَرَكْتَني أوْ لم تَتْرُكْني، أي: لا أَعودُ على كلِّ حالٍ، كذلك معنى الآيةِ أَخْبَروا أنَّهم لا يُكَذِّبون بآياتِ ربِّهم وأنَّهم يَكونون مِنَ المُؤمنين على كلِّ حالٍ، رُدُّوا أوْ لَمْ يُرَدُّوا.
وهذا الوجهُ وإنْ كان الناسُ قد ذكروه ورجَّحوه واختارَه سِيبَويْهِ ـ كما مرَّ ـ فإنَّ بعضَهم اسْتَشْكَلَ عليْه إشكالًا وهو: أنَّ الكذبَ لا يَقَعُ في الآخرةِ فكيفَ وُصِفوا بأنَّهم كاذبون في الآخرِةِ في قولِهم "ولا نُكَذِّبُ ونَكونُ"؟ والجواب أنَّ قوله: "وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ" استيثاقٌ لذَمِّهم بالكَذِبِ، وأنَّ ذلك شأنُهم كما تَقدَّمَ. وأنَّهم صَمَّموا في تلك الحالِ على أنَّهم لو رُدُّوا لَمَا عادوا إلى الكُفْرِ لِما شاهدوا مِنَ الأهوالِ والعقوباتِ، فأَخْبَرَ اللهُ تعالى أنَّ قولَهم في تلك الحالِ: "ولا نكذِّبُ" وإنْ كان عنِ اعْتِقادٍ وتَصميمٍ يَتِغيَّرُ على تقديرِ الرَّدِّ ووُقوعِ العَوْدِ، فيَصيرُ قولُهم: "ولا نكذب" كَذِبًا، كما يقولُ اللِّصُّ عندَ أَلَمِ العُقوبَةِ: "لا أعود"، ويَعتَقِدُ ذلكَ ويُصَمِّمُ عليه، فإذا خُلِّصَ وعادَ كان كاذبًا.
 وقدْ أَجابَ مَكِيٌّ أيْضًا بجوابيْن، أَحَدُهُما قريبٌ ممَّا تَقَدَّمَ، والثاني لِغيْرِه، فقال: أي: لَكاذبون في الدُنيا في تَكذيبِهمُ الرُّسُلَ وإنْكارِهمُ البَعْثَ للحالِ التي كانوا عَليْها، وقد أجازَ أبو عَمْرٍو وغيرُه وُقوعَ التَكذيبِ في الآخرةِ لأنَّهم ادَّعَوا أنَّهم لو رُدُّوا لم يكذِّبوا بآياتِ اللهِ، فعَلِمَ اللهُ ما لا يَكونُ لو كانَ كيفَ يَكونُ، وأنَّهم لو رُدُّوا لم يُؤمِنوا ولَكَذَّبوا بآياتِ اللهِ، فأكْذَبَهمُ اللهُ في دَعواهم.
وأمَّا نَصْبُهُما فبإضمارِ "أَنْ" بعدَ الواوِ التي بِمَعنى مَعَ، كقولِكَ: "ليتَ لي مالًا وأُنْفِقَ منْه" فالفِعلُ منصوبٌ بإضمارِ "أن" و"أنْ" مصدريَّةٌ يَنْسَبِكُ منها ومِنَ الفِعْلِ بعدَها مَصْدَرٌ، والواوُ حَرْفُ عَطْفٍ فيَسْتَدْعي معطوفًا عليه، وليس قبلَها في الآيةِ إلَّا فِعْلٌ فكيفَ يُعْطَفُ اسْمٌ على فِعْلٍ؟ فلا جَرَمَ أنَّا نُقَدِّرُ مَصْدَرًا مُتَوَهَّمًا يُعْطَفُ هذا المصدرُ المُنْسَبِكُ مِنْ "أَنْ" وما بعدَها عليه، والتقدير: يا ليتَنا لَنا رَدٌّ، وانتِفاءُ تَكذيبٍ بآياتِ ربِّنا، وكَونٌ من المؤمنين، أي: ليتَنا لَنا رَدٌّ مع هذيْن الشيئيْنِ، فيكون عدمُ التَكذيبِ والكونُ مِنَ المؤمنين مُتَمَنَّيَيْنِ أيْضًا، فهذه الثلاثةُ الأشياءِ: أَعني الرَدَّ وعدمَ التَكذيبِ والكونَ مِنَ المُؤمنين مُتَمنَّاةٌ بِقيدِ الاجْتِماعِ، لا أنَّ كلَّ واحدٍ مُتَمَنًّى وحدَه؛ لأنَّه ـ كما قَدَّمْنا: هذه الواوُ شرطُ إضْمارِ "أنْ" بعدَها: أنْ تَصلُحَ "مع" في مَكانِها، فالنصبُ يُعَيِّنُ أحدَ محتملاِتها في قولك "لا تأكلِ السمكَ وتشربِ اللَّبَنَ" وشِبْهَه، والإِشكالُ المتقدِّمُ وهو إدْخالُ التَكذيبِ على التَمنّي واردٌ هُنا، وقدْ تقدَّم جَوابُ ذلك، إلَّا أنَّ بعضَه يَتَعَذَّرُ ههنا: وهو كونُ "لا نُكَذِّبُ، ونَكونُ" متسأنَفَيْن سِيقا لِمُجَرَّدِ الإِخْبارِ، فبَقيَ: إمَّا لِكوْنِ التَمَنِّي دَخَلَه معنى الوَعْدِ، وإمَّا أنَّ قولَه تعالى: {وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} ليسَ راجعًا إلى تمَنِّيهم، وإمَّا لأنَّ التمنِّي يَدخُلُه التَكذيبُ، وقد تقدَّم فَسادُه.
وقال ابْنُ الأَنباري: أَكْذَبَهم في معنى التَمَنّي؛ لأنَّ تَمَنِّيَهم راجعٌ إلى معنى: "نحن لا نكذِّب إذا رُدِدْنا" فغَلَّبَ ـ عزَّ وجَلَّ ـ تأويلَ الكلام فأكذَبَهم، ولم يُسْتعملْ لفظُ التَمَنّي. وهذا الذي قالَهُ ابْنُ الأَنباريّ تقدَّم معناه بأوضح من هذا. قال الشيخ أبو حيّان: وكَثيرًا ما يُوجَدُ في كُتُبِ النحوِ أنَّ هذه الواوَ المَنصوبُ بعدَها هو على جوابُ التَمَنِّي.
وقرئ: ولا نُكذِّبَ ونكونَ بالنَّصْبِ بإضمارِ "أَنْ" على جوابِ التَمَنّي، ومعناه: إنْ رُدِدْنا لم نكذِّبْ ونكنْ من المؤمنين. وليسَ كما ذُكَرَ، فإنَّ نَصْبَ الفعلِ بعدَ الواوِ ليسَ على جِهةِ الجَوابِ؛ لأنَّ الواوَ لا تَقَعُ في جَوابِ الشرطِ فلا يَنعقِدُ مِمَّا قبلَها ولا ممَّا بعدَها شَرْطٌ وجَوابٌ، وإنَّما هي واوُ "مع" يُعْطَفُ ما بَعدَها على المَصْدَرِ المُتَوَهَّمِ قبلَها، وهي واوُ العطفِ يَتَعيَّنُ مَعَ النَّصبِ أحدُ مَحامِلِها الثلاثةُ: وهي المَعيَّةُ ويُمَيِّزها من الفاء تقديرُ "مع" موضعها، كما أنَّ فاءَ الجَوابِ إذا كان بعدَها فعلٌ مَنْصوبٌ مَيِّزَها تقديرُ شرْطٍ قبلَها أوْ حالٌ مَكانَها. وشُبْهَةُ مَنْ قال إنَّها جوابٌ أنَّها تَنْصبُ في المَواضِعِ التي تَنْصِبُ فيها الفاءُ فتُوُهَّم أنَّها جَوابٌ. وقال سيبويْهِ: والواوُ تَنْصِبُ ما بَعدَها في غيرِ الواجِبِ مِن حيثُ انْتَصَبَ ما بعدَ الفاء، والواو والفاء معناهما مختلفان، ألا ترى أنَّ قول أبي الأسود الدؤلي:
لا تَنْهَ عن خلق وتأتيَ مثله .................. عار عليك إذا فعلت عظيم
لو دَخلتِ الفاءُ هُنا لأفْسَدَتِ المعنى، وإنَّما أَرادَ: لا تجمعِ النهيَ والإِتيانَ وتقول: "لا تأكلِ السمكَ وتشربَ اللبن" لو أَدْخَلْتَ الفاء فَسَدَ المعنى. قال الشيخ: ويوضِّح لك أنَّها ليْستْ بِجَوابٍ انْفرادُ الفاءِ دونَها بأنَّها إذا حُذِفت انْجَزَمَ الفِعْلُ بعدَها بما قبلَها لِما تضمَّنه مِنْ معنى الشَرْطِ إلَّا في النفي، فإن ذلك لا يجوز.
وخرَّج أبو بكرٍ بْنُ الأَنْباريِّ النَّصْبَ على وجهيْن، قال: في نصبِ "نكذِّبَ" وجهان، أحدُهما: أنَّ الواوَ مُبْدَلةٌ مِنَ الفاءِ، والتقديرُ: يا لَيْتَنا نُرَدُّ فلا نكذِّبَ ونكونَ، فتكون الواو هنا بمنزلة الفاء في قوله: {لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ المحسنين} الزمر: 58 ] يُؤكِّدُ هذا قراءةُ ابنِ مسعودٍ وابْنِ أَبي إسحاق: "يا ليتَنا نردُّ فلا نكذبَ" بالفاءِ منصوبًا. والوجهُ الآخَرُ: النَصْبِ على الصَرْفِ ومعناه الحالُ، أي: يا ليتَنا نُرَدُّ غيرَ مكذِّبين.
وأمَّا قراءة ابنِ عامر ـ برفعِ الأول ونصب الثاني ـ فظاهرةٌ بما تقدَّم؛ لأنَّ الأولَ يرتفع على حدِّ ما تقدَّم من التأويلات، وكذلك نصبُ الثاني يتخرَّج على ما تقدَّم، ويكون قد أدخل عدم التكذيب في التمني أو استأنفه، إلا أنَّ المنصوبَ يحتمل أن يكون من تمام قوله: "نُرَدُّ" أي: تَمَنَّوا الردَّ مع كونِهم مِنَ المؤمنين، وهذا ظاهرٌ إذا جَعَلْنا "ولا نُكَذِّبَ" معطوفًا على "نردُّ" أوْ حالًا منه. وأمَّا إذا جَعَلْنا "ولا نكذِّبُ" مُستَأنَفًا فيَجوزُ ذلك أيْضًا ولكنْ على سَبيلِ الاعْتِراضِ، ويُحتَمَلُ أنْ يَكونَ مِنْ تَمامِ "ولا نكذِّب" أي: لا يكونُ منا تكذيب مع كوننا من المؤمنين، ويكون قوله "ولا نكذب" حينئذٍ على حالِه، أَعني مِنْ احْتِمالِه العَطْفَ على "نُرَدُّ" أو الحالية أو الاستئناف، ولا يَخفى حينئذٍ دُخولُ كونِهم مَعَ المؤمنين في التمنّي وخروجُه مِنه بما قرَّرْتاه.
وقُرئ شاذًّا عكسَ قراءةِ ابْنِ عامرٍ، أي: بِنَصْبِ "نكذبَ" ورفع "نكون" وتَخريجُها على ما تَقَدَّمَ، إلَّا أنَّها يَضعُفُ فيها جَعْلُ "ونكونُ من المؤمنين" حالًا لكونِه مُضارِعًا مُثْبَتًا إلَّا بتأويلٍ بعيدٍ كقولِ ابنِ همام السَلوليِّ:
 فَلَمَّا خَشِيْتُ أظافيرَهُمْ .......................... نَجَوْتُ وأَرْهَنُهم مالكاً
أي: وأنا أَرْهَنُهم، وقولهم: "قمتُ وأصكُّ عينه"، ويَدُلُّ على حذفِ
هذا المُبتَدَأِ قراءةُ أُبيٍّ: "ونحن نكونُ من المؤمنين".
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
فيض العليم ... سورة الأنعام، الآية: 27
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» فيض العليم ... سورة الأنعام، الآية: 13
» فيض العليم ... سورة الأنعام، الآية: 29
» فيض العليم ... سورة الأنعام، الآية: 46
» فيض العليم ... سورة الأنعام، الآية: 62
» فيض العليم .... سورة الأنعام، الآية: 77

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
روضة الشاعر عبد القادر الأسود :: ...:: الروضة الروحانية ::... :: روضة الذكر الحكيم-
انتقل الى: