روضة الشاعر عبد القادر الأسود
بعد الصلاة على الرحمة المهداة

أهلا وسهلا بك في روضتنا

يسرنا تسجيلك

روضة الشاعر عبد القادر الأسود
بعد الصلاة على الرحمة المهداة

أهلا وسهلا بك في روضتنا

يسرنا تسجيلك

روضة الشاعر عبد القادر الأسود
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

روضة الشاعر عبد القادر الأسود

منتدى أدبي اجتماعي يعنى بشؤون الشعر والأدب والموضوعات الاجتماعي والقضايا اللإنسانية
 
مركز تحميل الروضةالرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
بسـم الله الرحمن الرحيم  :: الحمد لله رب العالمين * الرحمن الرحيم * مالك يوم الدين * إياك نعبد وإياك نستعين * إهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين أنعمت عليهم * غير المغضوب عليهم ولا الضــالين ....  آميـــن

 

 فيض العليم ... سورة النساء، الآية: 36

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
عبد القادر الأسود

¤° صاحب الإمتياز °¤
¤° صاحب الإمتياز °¤
عبد القادر الأسود


عدد المساهمات : 3986
تاريخ التسجيل : 08/09/2011
العمر : 76
المزاج المزاج : رايق
الجنس : ذكر
فيض العليم ... سورة النساء، الآية:  36 Jb12915568671



فيض العليم ... سورة النساء، الآية:  36 Empty
مُساهمةموضوع: فيض العليم ... سورة النساء، الآية: 36   فيض العليم ... سورة النساء، الآية:  36 I_icon_minitimeالخميس مايو 09, 2013 8:02 pm

وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً
وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَبِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى



وَالْمَساكِينِ وَالْجارِ ذِي الْقُرْبى وَالْجارِ الْجُنُبِ
وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ


السَّبِيلِ وَما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ
لَا يُحِبُّ مَنْ كانَ مُخْتالاً فَخُوراً.




(36)


قولُهُ
ـ عَزَّ مِنْ قائلٍ: {
وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً} يَأْمُرُ اللهُ تَعَالَى عِبَادَهُ بِعِبَادَتِهِ
وَحْدَهُ، وَبِعَدَمِ الإشْرَاكِ بِهِ، وهو كلامٌ مبتَدَأٌ مَسوقٌ للإرشاد إلى
خلالٍ مُشْتَمِلةٍ على مَعالي الأمورِ إثْرَ إرشادِ كلٍّ منَ الزّوجيْن إلى المُعاملةِ
الحَسَنَةِ، وإزالةِ الخُصومةِ والخُشونةِ إذا وقعتْ في البينِ، وفيه تأكيدٌ لِرعايةِ
حقِّ الزوجيَّة وتعليمِ المُعامَلَةِ مع أصنافٍ مِنَ الناسِ، وقُدِّمَ الأمرُ بما
يَتَعلَّقُ بحقوقِ اللهِ تعالى لأنَها المَدارُ الأعظمُ، وفي ذلك إيماءٌ أيضاً إلى
ارتفاعِ شأنِ ما نُظِمَ في ذلك السِلكِ، والعِبادةُ أَقصى غايةِ الخُضوعِ، وقد أَجْمَعَ
الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مِنَ الْمُحْكَمِ الْمُتَّفَقِ عليه،
ليس منها شيْءٌ مَنْسُوخٌ. وَكَذَلِكَ هِيَ فِي جَمِيعِ الْكُتُبِ. وَلَوْ لَمْ
يَكُنْ كَذَلِكَ لَعُرِفَ ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ الْعَقْلِ، وَإِنْ لَمْ يَنْزِلْ
بِهِ الْكِتَابُ. وَقَدْ مَضَى مَعْنَى الْعُبُودِيَّةِ وَهِيَ التَّذَلُّلُ
وَالِافْتِقَارُ، لِمَنْ لَهُ الْحُكْمُ وَالِاخْتِيَارُ، فَأَمَرَ اللَّهُ
تَعَالَى عِبَادَهُ بِالتَّذَلُّلِ لَهُ وَالْإِخْلَاصِ فِيهِ، فَالْآيَةُ أَصْلٌ
فِي خُلُوصِ الْأَعْمَالِ لِلَّهِ تَعَالَى وَتَصْفِيَتِهَا مِنْ شَوَائِبِ
الرِّيَاءِ وَغَيْرِهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ
رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً} وقَالَ:
{أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخالِصُ} وَقَالَ: {وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا
اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ}. وقالوا إِذَا أَحَسَّ الرَّجُلُ بِدَاخِلٍ
فِي الرُّكُوعِ وَهُوَ إِمَامٌ لَمْ يَنْتَظِرْهُ، لِأَنَّهُ يُخْرِجُ رُكُوعَهُ
بِانْتِظَارِهِ عَنْ كَوْنِهِ خَالِصًا لِلَّهِ تَعَالَى. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: ((قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ
الشِّرْكِ مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي تَرَكْتُهُ
وَشِرْكَهُ)). وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ عن أنسٍ بْنِ مَالِكٍ قَالَ، قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((يُجَاءُ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ بِصُحُفٍ مُخْتَمَةٍ فَتُنْصَبُ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ ـ سبحانه ـ فَيَقُولُ
اللَّهُ تَعَالَى لِلْمَلَائِكَةِ أَلْقُوا هَذَا وَاقْبَلُوا هَذَا فَتَقُولُ
الْمَلَائِكَةُ وَعِزَّتِكَ مَا رَأَيْنَا إِلَّا خَيْرًا فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ
وَجَلَّ ـ وَهُوَ أَعْلَمُ ـ إِنَّ هَذَا كَانَ لِغَيْرِي وَلَا أَقْبَلُ
الْيَوْمَ مِنَ الْعَمَلِ إِلَّا مَا كَانَ ابْتُغِيَ بِهِ وَجْهِي)). وَرُوِيَ
أَيْضًا عَنِ الضَّحَّاكُ بْنُ قَيْسٍ الْفِهْرِيِّ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ـ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ أَنَا
خَيْرُ شَرِيكٍ فَمَنْ أَشْرَكَ مَعِي شَرِيكًا فَهُوَ لِشَرِيكِي. يَا أَيُّهَا
النَّاسُ أَخْلِصُوا أَعْمَالَكُمْ لِلَّهِ تَعَالَى فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبَلُ
إِلَّا مَا خَلَصَ لَهُ وَلَا تَقُولُوا هَذَا لِلَّهِ وَلِلرَّحِمِ فَإِنَّهَا
لِلرَّحِمِ وَلَيْسَ للهِ منها شيءٌ وَلَا تَقُولُوا هَذَا لِلَّهِ
وَلِوُجُوهِكُمْ فَإِنَّهَا لِوُجُوهِكُمْ وليس للهِ تعالى منها شيءٌ)).



وقَالُوا:
الشِّرْكُ عَلَى ثَلَاثِ مَرَاتِبَ وَكُلُّهُ مُحَرَّمٌ. وَأَصْلُهُ اعْتِقَادُ
شَرِيكٍ لِلَّهِ فِي أُلُوهِيَّتِهِ، وَهُوَ الشِّرْكُ الْأَعْظَمُ وَهُوَ شِرْكُ
الْجَاهِلِيَّةِ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ((إِنَّ اللَّهَ لَا
يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ)).
وَيَلِيهِ فِي الرُّتْبَةِ اعْتِقَادُ شَرِيكٍ لِلَّهِ تَعَالَى فِي الْفِعْلِ،
وَهُوَ قَوْلُ مَنْ قَالَ: إِنَّ مَوْجُودًا مَا غَيْرَ اللَّهِ تَعَالَى
يَسْتَقِلُّ بِإِحْدَاثِ فِعْلٍ وَإِيجَادِهِ وَإِنْ لَمْ يَعْتَقِدْ كَوْنَهُ إِلَهًا
كَالْقَدَرِيَّةِ مَجُوسِ هَذِهِ الْأُمَّةِ. وَيَلِي هَذِهِ الرُّتْبَةَ
الْإِشْرَاكُ فِي الْعِبَادَةِ وَهُوَ الرِّيَاءُ، وَهُوَ أَنْ يَفْعَلَ شَيْئًا
مِنَ الْعِبَادَاتِ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ بِفِعْلِهَا لَهُ لِغَيْرِهِ. وَهَذَا
هُوَ الَّذِي سِيقَتِ الْآيَاتُ وَالْأَحَادِيثُ لِبَيَانِ تَحْرِيمِهِ، وَهُوَ
مُبْطِلٌ لِلْأَعْمَالِ وَهُوَ خَفِيٌّ لَا يَعْرِفُهُ كُلُّ جَاهِلٍ غَبِيٍّ.
وَفِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ عَنْ أَبِي سَعِيدِ بْنِ أَبِي فَضَالَةَ
الْأَنْصَارِيِّ وَكَانَ مِنَ الصَّحَابَةِ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ـ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِذَا جَمَعَ اللَّهُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ
لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ نَادَى مُنَادٍ مَنْ كَانَ
أَشْرَكَ فِي عَمَلٍ عَمِلَهُ لِلَّهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ أَحَدًا فَلْيَطْلُبْ ثَوَابَهُ
مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ)).
وَفِيهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ
ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَنَحْنُ نتذاكر المسيخ الدَّجَّالَ
فَقَالَ: ((أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِمَا هُوَ أَخْوَفُ عليكم عندي من المسيخِ
الدَّجَّالِ؟)) قَالَ: فَقُلْنَا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ: ((الشِّرْكُ
الْخَفِيُّ، أَنْ يَقُومَ الرَّجُلُ يُصَلِّي فَيُزَيِّنُ صَلَاتَهُ لِمَا يَرَى
مِنْ نَظَرِ رَجُلٍ)). وعَنْ شَدَّادٍ بْنِ أَوْسٍ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ـ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إنَّ أَخْوَفَ مَا أَتَخَوَّفُ عَلَى
أُمَّتِي الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، أَمَا إِنِّي لَسْتُ أَقُولُ يَعْبُدُونَ
شَمْسًا وَلَا قَمَرًا وَلَا وَثَنًا وَلَكِنْ أَعْمَالًا لِغَيْرِ اللَّهِ
وَشَهْوَةً خَفِيَّةً)). خَرَّجَهُ التِّرْمِذِيُّ الْحَكِيمُ. وَرَوَى ابْنُ
لَهِيعَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ ـ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ عَنِ الشَّهْوَةِ الْخَفِيَّةِ فَقَالَ: ((هُوَ
الرَّجُلُ يَتَعَلَّمُ الْعِلْمَ يُحِبُّ أَنْ يُجْلَسَ إِلَيْهِ)). قَالَ سهلٌ بْنُ
عَبْدِ اللَّهِ التُّسْتَرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: الرِّيَاءُ عَلَى ثَلَاثَةِ
وُجُوهٍ، أَحَدُهَا: أَنْ يَعْقِدَ فِي أَصْلِ فِعْلِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ
وَيُرِيدَ بِهِ أَنْ يُعْرَفَ أَنَّهُ لِلَّهِ، فَهَذَا صِنْفٌ مِنَ النِّفَاقِ وتَشَكُّكٌ
في الإيمان. والآخر يَدْخُلُ فِي الشَّيْءِ لِلَّهِ فَإِذَا اطَّلَعَ عَلَيْهِ
غَيْرُ اللَّهِ نَشِطَ، فَهَذَا إِذَا تَابَ يَزِيدُ أَنْ يُعِيدَ جَمِيعَ مَا
عَمِلَ. وَالثَّالِثُ: دَخَلَ فِي الْعَمَلِ بِالْإِخْلَاصِ وَخَرَجَ بِهِ لِلَّهِ
فَعُرِفَ بِذَلِكَ وَمُدِحَ عَلَيْهِ وَسَكَنَ إِلَى مَدْحِهِمْ، فَهَذَا
الرِّيَاءُ الَّذِي نَهَى اللَّهُ عَنْهُ. فإِنْ كَانَ سُكُونُهُ وَسُرُورُهُ
إِلَيْهِمْ لِتَحْصُلَ مَنْزِلَتُهُ فِي قُلُوبِهِمْ فيحمدوه ويجلوه ويبرؤه
وَيَنَالَ مَا يُرِيدُهُ مِنْهُمْ مِنْ مَالٍ أَوْ غَيْرِهِ فَهَذَا مَذْمُومٌ،
لِأَنَّ قَلْبَهُ مَغْمُورٌ فَرَحًا بِاطِّلَاعِهِمْ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانُوا
قَدِ اطَّلَعُوا عَلَيْهِ بَعْدَ الْفَرَاغِ. فَأَمَّا مَنْ أَطْلَعَ اللَّهُ
عَلَيْهِ خَلْقَهُ وَهُوَ لَا يُحِبُّ اطِّلَاعَهُمْ عَلَيْهِ فَيُسَرُّ بِصُنْعِ
اللَّهِ وَبِفَضْلِهِ عَلَيْهِ فَسُرُورُهُ بِفَضْلِ اللَّهِ طَاعَةٌ، كَمَا قَالَ
تَعَالَى: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ
خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ}. وقَالَ
لُقْمَانُ لِابْنِهِ: الرِّيَاءُ أَنْ تَطْلُبَ ثَوَابَ عَمَلِكَ فِي دَارِ
الدُّنْيَا، وَإِنَّمَا عَمَلُ الْقَوْمِ لِلْآخِرَةِ. ودَوَاءُ الرِّيَاءِ
كِتْمَانُ الْعَمَلِ، فمَا كُلِّفْتَ إِظْهَارَهُ مِنَ الْعَمَلِ فَلَا تَدْخُلْ
فِيهِ إِلَّا بِالْإِخْلَاصِ، وَمَا لَمْ تُكَلَّفْ إِظْهَارَهُ أَحِبَّ أَلَّا
يَطَّلِعَ عَلَيْهِ إِلَّا اللَّهُ. وَكُلُّ عَمَلٍ اطَّلَعَ عَلَيْهِ الْخَلْقُ
فَلَا تَعُدَّهُ مِنَ الْعَمَلِ. وسُئلَ سَهْلٌ عَنْ حَدِيثِ النَّبِيِّ ـ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((أَنِّي أُسِرُّ الْعَمَلَ فَيُطَّلَعُ عَلَيْهِ
فَيُعْجِبُنِي)). قَالَ: يُعْجِبُهُ مِنْ جِهَةِ الشُّكْرِ لِلَّهِ الَّذِي
أَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ أَوْ نَحْوَ هَذَا.



قَوْلُهُ
تَعَالَى: {
وَبِالْوالِدَيْنِ
إِحْساناً
} قَدْ تَقَدَّمَ فِي صَدْرِ
هَذِهِ السُّورَةِ أَنَّ مِنَ الْإِحْسَانِ إِلَيْهِمَا عِتْقَهُمَا. وقَالَ
الْعُلَمَاءُ: أَحَقُّ النَّاسِ بَعْدَ الْخَالِقِ الْمَنَّانِ بِالشُّكْرِ
وَالْإِحْسَانِ وَالْتِزَامِ البِرِّ والطاعةِ له وَالْإِذْعَانِ مَنْ قَرَنَ
اللَّهُ الْإِحْسَانَ إِلَيْهِ بِعِبَادَتِهِ وَطَاعَتِهِ وَشُكْرِهِ بِشُكْرِهِ
وَهُمَا الْوَالِدَانِ، فَقَالَ تَعَالَى: {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ}. وعن
عبدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو بْنِ الْعَاصِ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ـ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((رِضا الربِّ في رضا الْوَالِدَيْنِ وَسُخْطُهُ فِي
سُخْطِ الْوَالِدَيْنِ)).



قَوْلُهُ
تَعَالَى: {
وَبِذِي
الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ
}
قَدْ مَضَى الْكَلَامُ فِيهِ فِي (الْبَقَرَةِ).



قَوْلُهُ
تَعَالَى: {
وَالْجارِ
ذِي الْقُرْبى وَالْجارِ الْجُنُبِ
}
أَمَّا الْجَارُ فَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِحِفْظِهِ وَالْقِيَامِ
بِحَقِّهِ، وأوصى بِرعايةِ ذِمَّتِهِ، فِي كِتَابِهِ وَعَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ.
أَلَا تَرَاهُ سُبْحَانَهُ أَكَّدَ ذِكْرَهُ بَعْدَ الْوَالِدَيْنِ
وَالْأَقْرَبِينَ فَقَالَ تَعَالَى: "
وَالْجارِ ذِي الْقُرْبى"
أَيِ الْقَرِيبِ. "
وَالْجارِ الْجُنُبِ"
أَيِ الْغَرِيبِ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَكَذَلِكَ هُوَ فِي اللُّغَةِ. وَقيلَ:
"
الْجارِ ذِي الْقُرْبى" المسلم "وَالْجارِ الْجُنُبِ"
الكتابي.



يَقُولُونَ:
إِنْ أَوْصَى الرَّجُلُ لِجِيرَانِهِ أُعْطِيَ اللَّصِيقُ وَغَيْرُهُ، إِلَّا
أَبَا حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ قَالَ: لَا يُعْطَى إِلَّا اللَّصِيقُ وَحْدَهُ.



وَاخْتَلَفَ
النَّاسُ فِي حَدِّ الْجِيرَةِ، فَكَانَ الْأَوْزَاعِيُّ يَقُولُ: أَرْبَعُونَ
دَارًا مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ، وَرُوِيَ أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ ـ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فقال: إني نَزَلْتُ مَحَلَّةَ قَوْمٍ وَإِنَّ
أَقْرَبَهُمْ إِلَيَّ جِوَارًا أشدُّهم لي أذى، فَبَعَثَ النَّبِيُّ ـ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعَلِيًّا يَصِيحُونَ عَلَى
أَبْوَابِ الْمَسَاجِدِ: أَلَا إِنَّ أَرْبَعِينَ دَارًا جَارٌ وَلَا يَدْخُلُ
الْجَنَّةَ مَنْ لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ. وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي
طَالِبٍ: مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ فَهُوَ جَارٌ. وَقَالَتْ فِرْقَةٌ: مَنْ سَمِعَ
إِقَامَةَ الصَّلَاةِ فَهُوَ جَارُ ذَلِكَ الْمَسْجِدِ. وَقَالَتْ فِرْقَةٌ: مَنْ
سَاكَنَ رَجُلًا فِي مَحَلَّةٍ أَوْ مَدِينَةٍ فَهُوَ جَارٌ. قَالَ اللَّهُ
تَعَالَى: {لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ} إِلَى قَوْلِهِ: {ثُمَّ لَا
يُجاوِرُونَكَ فِيها إِلَّا قَلِيلًا} فَجَعَلَ تَعَالَى اجْتِمَاعَهُمْ فِي
الْمَدِينَةِ جِوَارًا.



وَالْجِيرَةُ
مَرَاتِبُ بَعْضُهَا أَلْصَقُ مِنْ بَعْضٍ، أَدْنَاهَا الزَّوْجَةُ، كَمَا قَالَ
الأعشى:



أَيَا جَارَتَا بِينِي فَإِنَّكِ طَالِقَهْ
................. ومَوْمُوقَةٌ مَا دُمْتِ فِينا وَوَامِقَه



مَوْموقةٌ:
أي مَعشوقةٌ.



وَمِنْ
إِكْرَامِ الْجَارِ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((يَا أَبَا ذَرٍّ إِذَا طَبَخْتَ مَرَقَةً
فَأَكْثِرْ مَاءَهَا وَتَعَاهَدْ جِيرَانَكَ)). فَحَضَّ ـ عَلَيْهِ الصلاةُ والسَّلَامُ
ـ عَلَى مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ، لِمَا رَتَّبَ عَلَيْهَا مِنَ الْمَحَبَّةِ
وَحُسْنِ الْعِشْرَةِ وَدَفْعِ الْحَاجَةِ وَالْمَفْسَدَةِ، فَإِنَّ الْجَارَ قَدْ
يَتَأَذَّى بِقُتَارِ قِدْرِ جَارِهِ، وَرُبَّمَا تَكُونُ لَهُ ذُرِّيَّةٌ
فَتَهِيجُ مِنْ ضُعَفَائِهِمُ الشَّهْوَةُ، وَيَعْظُمُ عَلَى الْقَائِمِ
عَلَيْهِمُ الْأَلَمُ وَالْكُلْفَةُ، لَا سِيَّمَا إِنْ كَانَ الْقَائِمُ ضَعِيفًا
أَوْ أَرْمَلَةً فَتَعْظُمُ الْمَشَقَّةُ وَيَشْتَدُّ مِنْهُمُ الْأَلَمُ
وَالْحَسْرَةُ. وَكُلُّ هَذَا يَنْدَفِعُ بِتَشْرِيكِهِمْ فِي شيْءٍ مِنَ
الطَّبِيخِ يُدْفَعُ إِلَيْهِمْ، وَلِهَذَا الْمَعْنَى حَضَّ ـ عَلَيْهِ الصلاةُ والسَّلَامُ
ـ الْجَارَ الْقَرِيبَ بِالْهَدِيَّةِ، لِأَنَّهُ يَنْظُرُ إِلَى مَا يَدْخُلُ
دَارَ جَارِهِ وَمَا يَخْرُجُ منها، فإذا رأى ذلك أَحَبَّ أَنْ يُشَارِكَ فِيهِ،
وَأَيْضًا فَإِنَّهُ أَسْرَعُ إِجَابَةً لِجارِهِ عندَ ما يَنوبَه مِنْ حَاجَةٍ
فِي أَوْقَاتِ الْغَفْلَةِ وَالْغِرَّةِ، فَلِذَلِكَ بَدَأَ بِهِ عَلَى مَنْ
بَعْدَ بَابِهِ وَإِنْ كَانَتْ دَارُهُ أَقْرَبَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.



قَالَ
الْعُلَمَاءُ: لَمَّا قَالَ ـ عَلَيْهِ الصلاةُ والسَّلَامُ: ((فَأَكْثِرْ
مَاءَهَا)) نَبَّهَ بِذَلِكَ عَلَى تَيْسِيرِ الْأَمْرِ عَلَى الْبَخِيلِ
تَنْبِيهًا لَطِيفًا، وَجَعَلَ الزِّيَادَةَ فِيمَا لَيْسَ لَهُ ثَمَنٌ وَهُوَ
الْمَاءُ، وَلِذَلِكَ لَمْ يَقُلْ: إِذَا طَبَخْتَ مَرَقَةً فَأَكْثِرْ لَحْمَهَا،
إِذْ لَا يَسْهُلُ ذَلِكَ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ. وَلَقَدْ أَحْسَنَ الْقَائِلُ:



قِدْرِي وَقِدْرُ الْجَارِ وَاحِدَةٌ ........................
وَإِلَيْهِ قَبْلِي تُرْفَعُ الْقِدْرُ



وَلَا
يُهْدِي النَّزْرَ الْيَسِيرَ الْمُحْتَقَرَ، لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصلاةُ والسَّلَامُ:
((ثُمَّ انْظُرْ أَهْلَ بَيْتٍ مِنْ جِيرَانِكَ فَأَصِبْهُمْ مِنْهَا بِمَعْرُوفٍ)).
أَيْ بِشَيْءٍ يُهْدَى عُرْفًا، فَإِنَّ الْقَلِيلَ وَإِنْ كَانَ مِمَّا يُهْدَى
فَقَدْ لَا يَقَعُ ذَلِكَ الْمَوْقِعَ، فَلَوْ لَمْ يَتَيَسَّرْ إِلَّا الْقَلِيلُ
فَلْيُهْدِهِ وَلَا يَحْتَقِرْه، وَعَلَى الْمُهْدَى إِلَيْهِ قَبُولُهُ،
لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصلاةُ والسَّلَامُ: ((يَا نساءَ المؤمنات لا تَحْتَقِرْنَ
أحداكنَّ لِجَارَتِهَا وَلَوْ كُرَاعَ شَاةٍ مُحْرَقًا)). أَخْرَجَهُ مَالِكٌ فِي
مُوَطَّئِهِ. و"يَا نِسَاءَ الْمُؤْمِنَاتِ" بِالرَّفْعِ عَلَى غَيْرِ
الْإِضَافَةِ، تقديرُه: يَا أَيُّهَا النِّسَاءُ الْمُؤْمِنَاتُ، كَمَا تَقُولُ
يَا رِجَالَ الْكِرَامِ، فَالْمُنَادَى مَحْذُوفٌ وَهُوَ يَا أَيُّهَا،
وَالنِّسَاءُ فِي التَّقْدِيرِ النَّعْتُ لِأَيِّهَا، وَالْمُؤْمِنَاتُ نَعْتٌ
لِلنِّسَاءِ. قَدْ قِيلَ فِيهِ: يَا نِسَاءَ الْمُؤْمِنَاتِ بِالْإِضَافَةِ، وَالْأَوَّلُ
أَكْثَرُ.



ومِنْ
إِكْرَامِ الْجَارِ أَلَّا يُمْنَعَ مِنْ غَرْزِ خَشَبَةٍ لَهُ إِرْفَاقًا بِهِ،
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لا يَمْنَعُ
أَحَدُكُمْ جَارَهُ أَنْ يَغْرِزَ خَشَبَةً فِي جِدَارِهِ)). ثُمَّ يَقُولُ أَبُو
هُرَيْرَةَ: مَا لِي أَرَاكُمْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ، وَاللَّهِ لَأَرْمِيَنَّ
بِهَا بَيْنَ أَكْنَافِكُمْ. رُوِيَ (خُشُبَهُ وَخَشَبَةً) عَلَى الْجَمْعِ
وَالْإِفْرَادِ. وَرُوِيَ (أَكْتَافَهُمْ) بِالتَّاءِ و(أَكْنَافَهُمْ)
بِالنُّونِ. وَمَعْنَى (لَأَرْمِيَنَّ بِهَا) أَيْ بِالْكَلِمَةِ وَالْقِصَّةِ.
وَهَلْ يُقْضَى بِهَذَا عَلَى الْوُجُوبِ أَوِ النَّدْبِ؟ فِيهِ خِلَافٌ بَيْنَ
الْعُلَمَاءِ. فَذَهَبَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُمَا إِلَى أَنَّ
مَعْنَاهُ النَّدْبُ إِلَى بِرِّ الْجَارِ وَالتَّجَاوُزِ لَهُ وَالْإِحْسَانِ
إِلَيْهِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ عَلَى الْوُجُوبِ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ ـ عَلَيْهِ الصلاة
والسَّلَامُ: ((لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا عن طِيبٍ نَفْسٍ مِنْهُ)).
قَالُوا: وَمَعْنَى قَوْلِهِ ((لَا يَمْنَعُ أَحَدُكُمْ جَارَهُ)) هُوَ مِثْلُ
مَعْنَى قَوْلِهِ ـ عَلَيْهِ الصلاةُ والسَّلَامُ: ((إِذَا اسْتَأْذَنَتْ
أَحَدَكُمُ امْرَأَتُهُ إِلَى الْمَسْجِدِ فَلَا يَمْنَعْهَا)). وَهَذَا مَعْنَاهُ
عِنْدَ الْجَمِيعِ النَّدْبُ، عَلَى مَا يَرَاهُ الرَّجُلُ مِنَ الصَّلَاحِ وَالْخَيْرِ
فِي ذَلِكَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ
وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُدُ بْنُ عَلِيٍّ وَجَمَاعَةُ أَهْلِ
الْحَدِيثِ: إِلَى أَنَّ ذَلِكَ عَلَى الْوُجُوبِ. قَالُوا: وَلَوْلَا أَنَّ أَبَا
هُرَيْرَةَ فَهِمَ فِيمَا سَمِعَ مِنَ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ ـ مَعْنَى الْوُجُوبِ مَا كَانَ لِيُوجِبَ عَلَيْهِمْ غَيْرَ وَاجِبٍ.
وَهُوَ مَذْهَبُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَإِنَّهُ قَضَى
عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ لِلضَّحَّاكِ بْنِ خَلِيفَةَ فِي الْخَلِيجِ أَنْ
يَمُرَّ بِهِ فِي أَرْضِ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ، فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ
مَسْلَمَةَ: لَا وَاللَّهِ. فَقَالَ عُمَرُ: وَاللَّهِ لَيَمُرَّنَّ بِهِ وَلَوْ
عَلَى بَطْنِكَ. فَأَمَرَهُ عُمَرُ أَنْ يَمُرَّ بِهِ فَفَعَلَ الضَّحَّاكُ
رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ. وَزَعَمَ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ (الرَّدِّ)
أَنَّ مَالِكًا لَمْ يَرْوِ عَنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ خِلَافَ عُمَرَ فِي
هَذَا الْبَابِ، وَأَنْكَرَ عَلَى مَالِكٍ أَنَّهُ رَوَاهُ وَأَدْخَلَهُ فِي
كِتَابِهِ وَلَمْ يَأْخُذْ بِهِ وَرَدَّهُ بِرَأْيِهِ. قَالَ أَبُو عُمَرَ: لَيْسَ
كَمَا زَعَمَ الشَّافِعِيُّ، لِأَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ كَانَ رَأْيُهُ
فِي ذَلِكَ خِلَافَ رَأْيِ عُمَرَ، وَرَأْيُ الْأَنْصَارِ أَيْضًا كَانَ خِلَافًا
لِرَأْيِ عُمَرَ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ فِي قِصَّةِ الرَّبِيعِ
وَتَحْوِيلِهِ ـ وَالرَّبِيعُ السَّاقِيَّةُ ـ وَإِذَا اخْتَلَفَتِ الصَّحَابَةُ
وَجَبَ الرُّجُوعُ إِلَى النَّظَرِ، وَالنَّظَرُ، يَدُلُّ عَلَى أَنَّ دِمَاءَ
الْمُسْلِمِينَ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَعْرَاضَهُمْ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ حَرَامٌ
إِلَّا مَا تَطِيبُ بِهِ النَّفْسُ خَاصَّةً، فَهَذَا هُوَ الثَّابِتِ عَنِ
النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَيَدُلُّ عَلَى الْخِلَافِ فِي
ذَلِكَ قَوْلُ أَبِي هُرَيْرَةَ: مَا لِي أَرَاكُمْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ وَاللَّهِ
لَأَرْمِيَنَّكُمْ بِهَا، هَذَا أَوْ نَحْوُهُ. أَجَابَ الْأَوَّلُونَ فَقَالُوا:
الْقَضَاءُ بِالْمِرْفَقِ خَارِجٌ بِالسُّنَّةِ عَنْ مَعْنَى قَوْلِهِ ـ عَلَيْهِ الصلاةُ
والسَّلَامُ: ((لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا عن طِيبِ نفسٍ منه))
لِأَنَّ هَذَا مَعْنَاهُ التَّمْلِيكُ وَالِاسْتِهْلَاكُ وَلَيْسَ الْمِرْفَقُ
مِنْ ذَلِكَ، لِأَنَّ النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ قَدْ
فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فِي الْحُكْمِ. فَغَيْرُ وَاجِبٍ أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَ مَا
فَرَقَ رَسُولُ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَحَكَى مَالِكٌ
أَنَّهُ كَانَ بِالْمَدِينَةِ قَاضٍ يَقْضِي بِهِ يُسَمَّى أَبُو الْمُطَّلِبِ.
وَاحْتَجُّوا مِنَ الْأَثَرِ بِحَدِيثِ الْأَعْمَشِ عن أنسٍ قال: اسْتُشْهِدَ
مِنَّا غُلَامٌ يَوْمَ أُحُدٍ فَجَعَلَتْ أُمُّهُ تَمْسَحُ التُّرَابَ عَنْ
وَجْهِهِ وَتَقُولُ: أَبْشِرْ هَنِيئًا لَكَ الْجَنَّةُ، فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ
ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((وَمَا يُدْرِيكِ لَعَلَّهُ كَانَ
يَتَكَلَّمُ فِيمَا لَا يَعْنِيهِ وَيَمْنَعُ مَا لَا يَضُرُّهُ)). وَالْأَعْمَشُ
لَا يَصِحُّ لَهُ سَمَاعٌ مِنْ أَنَسٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَهُ أَبُو عُمَرَ.
وَرَدَ حَدِيثٌ جَمَعَ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فِيهِ
مَرَافِقَ الْجَارِ، وَهُوَ حَدِيثُ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ: قُلْنَا يَا
رَسُولَ اللَّهِ، مَا محق الْجَارِ؟ قَالَ: ((إِنِ اسْتَقْرَضَكَ أَقْرَضْتَهُ
وَإِنِ اسْتَعَانَكَ أَعَنْتَهُ وَإِنِ احْتَاجَ أَعْطَيْتَهُ وَإِنْ مَرِضَ
عُدْتَهُ وَإِنْ مَاتَ تَبِعْتَ جِنَازَتَهُ وَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ سَرَّكَ
وَهَنَّيْتَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ مُصِيبَةٌ سَاءَتْكَ وَعَزَّيْتَهُ ولا تؤذِهِ بِقِتارِ
قِدْرِكَ إلَّا أَنْ تَغرِفَ لَهُ مِنْهَا وَلَا تَسْتَطِلْ عَلَيْهِ بِالْبِنَاءِ
لِتُشْرِفَ عَلَيْهِ وَتَسُدَّ عَلَيْهِ الرِّيحَ إِلَّا بِإِذْنِهِ وَإِنِ
اشْتَرَيْتَ فَاكِهَةً فَأَهْدِ لَهُ مِنْهَا وَإِلَّا فَأَدْخِلْهَا سِرًّا لَا
يَخْرُجُ وَلَدُكَ بِشَيْءٍ مِنْهُ يَغِيظُونَ بِهِ وَلَدَهُ وَهَلْ تَفْقَهُونَ
مَا أَقُولُ لَكُمْ لَنْ يُؤَدِّيَ حَقَّ الْجَارِ إِلَّا الْقَلِيلُ مِمَّنْ
رَحِمَ اللَّهُ)). أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا. هَذَا حَدِيثٌ جَامِعٌ وَهُوَ حَدِيثٌ
حَسَنٌ، فِي إِسْنَادِهِ أَبُو الْفَضْلِ عُثْمَانُ بْنُ مَطَرٍ الشَّيْبَانِيُّ
غَيْرُ مَرْضِيٍّ.



قَالَ
الْعُلَمَاءُ: الْأَحَادِيثُ فِي إِكْرَامِ الْجَارِ جَاءَتْ مُطْلَقَةً غَيْرَ
مُقَيَّدَةٍ حَتَّى الْكَافِرِ كَمَا بَيَّنَّا. وَفِي الْخَبَرِ قَالُوا: يَا
رَسُولَ اللَّهِ أَنُطْعِمُهُمْ مِنْ لُحُومِ النُّسُكِ؟ قَالَ: ((لَا تُطْعِمُوا
الْمُشْرِكِينَ مِنْ نُسُكِ الْمُسْلِمِينَ)). وَنَهْيُهُ ـ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. عَنْ إِطْعَامِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ نُسُكِ الْمُسْلِمِينَ
يَحْتَمِلُ النُّسُكَ الْوَاجِبَ فِي الذِّمَّةِ الَّذِي لَا يَجُوزُ لِلنَّاسِكِ
أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ وَلَا أَنْ يُطْعِمَهُ الْأَغْنِيَاءَ، فَأَمَّا غَيْرُ
الْوَاجِبِ الَّذِي يُجْزِيهِ إِطْعَامُ الْأَغْنِيَاءِ فَجَائِزٌ أَنْ يُطْعِمَهُ
أَهْلَ الذِّمَّةِ. قَالَ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ لِعَائِشَةَ
عِنْدَ تَفْرِيقِ لَحْمِ الْأُضْحِيَةِ: ((ابْدَئِي بِجَارِنَا الْيَهُودِيِّ)).
وَرُوِيَ أَنَّ شَاةً ذُبِحَتْ فِي أَهْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَلَمَّا
جَاءَ قَالَ: أَهْدَيْتُمْ لِجَارِنَا الْيَهُودِيِّ؟ ـ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ـ
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ يقول: ((مَا
زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالْجَارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ)).



قَوْلُهُ
تَعَالَى: {
وَالصَّاحِبِ
بِالْجَنْبِ
} أَيِ الرَّفِيقِ فِي
السَّفَرِ. وَأَسْنَدَ الطَّبَرِيُّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ كَانَ مَعَهُ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ وَهُمَا عَلَى
راحلتين، فَدَخَلَ غَيْضَةً، فَقَطَعَ قَضِيبَيْنِ أَحَدُهُمَا مُعْوَجٌّ،
فَخَرَجَ وَأَعْطَى لِصَاحِبِهِ الْقَوِيمِ، فَقَالَ: كُنْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ
أحق بهذا! فقال: ((كلَّا يَا فُلَانُ إِنَّ كُلَّ صَاحِبٍ يَصْحَبُ آخَرَ
فَإِنَّهُ مَسْئُولٌ عَنْ صَحَابَتِهِ وَلَوْ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ)). وَقَالَ
رَبِيعَةُ بْنُ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ: لِلسَّفَرِ مُرُوءَةٌ وَلِلْحَضَرِ
مُرُوءَةٌ، فَأَمَّا الْمُرُوءَةُ فِي السَّفَرِ فَبَذْلُ الزَّادِ، وَقِلَّةُ
الْخِلَافِ عَلَى الْأَصْحَابِ، وكثرةُ المزاحِ فِي غَيْرِ مَسَاخِطِ اللَّهِ.
وَأَمَّا الْمُرُوءَةُ فِي الْحَضَرِ فَالْإِدْمَانُ إِلَى الْمَسَاجِدِ،
وَتِلَاوَةُ الْقُرْآنِ وَكَثْرَةُ الْإِخْوَانِ فِي اللَّهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ.
وَلِبَعْضِ بَنِي أَسَدٍ، وَقِيلَ إِنَّهَا لِحَاتِمٍ الطَّائِيِّ:



إِذَا مَا رَفِيقِي لَمْ يَكُنْ خَلْفَ نَاقَتِي .....
لَهُ مَرْكَبٌ فَضْلًا فَلَا حَمَلَتْ رِجْلِي



وَلَمْ يَكُ مِنْ زَادِي لَهُ شَطْرُ مِزْوَدِي ....
فَلَا كُنْتُ ذَا زَادٍ وَلَا كُنْتُ ذَا فَضْلِ



شَرِيكَانِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ وَقَدْ أَرَى ........
عَلَيَّ لَهُ فَضْلًا بِمَا نَالَ مِنْ فَضْلِي



وَقَالَ
عَلِيٌّ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى: "
الصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ" الزَّوْجَةُ. وقال ابْنُ جُرَيْجٍ: هُوَ الَّذِي
يَصْحَبُكَ وَيَلْزَمُكَ رَجَاءَ نَفْعِكَ. وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، وَهُوَ قَوْلُ
ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ جُبَيْرٍ وَعِكْرِمَةَ وَمُجَاهِدٍ وَالضَّحَّاكِ. وَقَدْ
تَتَنَاوَلُ الْآيَةُ الْجَمِيعَ بِالْعُمُومِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.



قَوْلُهُ
تَعَالَى: {
وَابْنِ
السَّبِيلِ
} قَالَ مُجَاهِدٌ: هُوَ
الَّذِي يَجْتَازُ بِكَ مَارًّا. وَالسَّبِيلُ الطَّرِيقُ، فَنُسِبَ الْمُسَافِرُ
إِلَيْهِ لِمُرُورِهِ عَلَيْهِ وَلُزُومِهِ إِيَّاهُ. وَمِنَ الْإِحْسَانِ
إِلَيْهِ إِعْطَاؤُهُ وَإِرْفَاقُهُ وَهِدَايَتُهُ وَرُشْدُهُ.



قَوْلُهُ
تَعَالَى: {
وَما
مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ
}
أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِالْإِحْسَانِ إِلَى الْمَمَالِيكِ، وَبَيَّنَ ذَلِكَ
النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرَوَى مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ
عَنِ ابْنِ سُوَيْدٍ قَالَ: مَرَرْنَا بِأَبِي ذَرٍّ بِالرَّبَذَةِ وَعَلَيْهِ
بُرْدٌ وَعَلَى غُلَامِهِ مِثْلُهُ، فَقُلْنَا: يَا أَبَا ذَرٍّ لَوْ جَمَعْتَ
بَيْنَهُمَا كَانَتْ حُلَّةً، فَقَالَ: إِنَّهُ كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ رَجُلٍ
مِنْ إِخْوَانِي كَلَامٌ، وَكَانَتْ أُمُّهُ أَعْجَمِيَّةً فَعَيَّرْتُهُ
بِأُمِّهِ، فَشَكَانِي إِلَى النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فَلَقِيَتُ النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فَقَالَ: ((يَا
أَبَا ذَرٍّ إِنَّكَ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ)) قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ
سَبَّ الرِّجَالَ سَبُّوا أَبَاهُ وَأُمَّهُ. قَالَ: ((يَا أَبَا ذَرٍّ إِنَّكَ
امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ هُمْ إِخْوَانُكُمْ جَعَلَهُمُ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ
فَأَطْعِمُوهُمْ مِمَّا تَأْكُلُونَ وَأَلْبِسُوهُمْ مِمَّا تَلْبَسُونَ وَلَا
تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ)).
وَرُوِيَ عَنِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ رَكِبَ بَغْلَةً ذَاتَ يَوْمٍ فَأَرْدَفَ
غُلَامَهُ خَلْفَهُ، فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ: لَوْ أَنْزَلْتَهُ يَسْعَى خَلْفَ
دَابَّتِكَ، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: لَأَنْ يَسْعَى مَعِي ضِغْثَانِ مِنْ نَارٍ
يُحْرِقَانِ مِنِّي مَا أَحْرَقَا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يَسْعَى غُلَامِي
خَلْفِي. وَخَرَّجَ أَبُو دَاوُدَ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ـ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ لَايَمَكُمْ مِنْ مَمْلُوكِيكُمْ
فَأَطْعِمُوهُ مِمَّا تَأْكُلُونَ وَاكْسُوهُ مِمَّا تَكْتَسُونَ وَمَنْ لَا
يلائمكم مِنْهُمْ فَبِيعُوهُ وَلَا تُعَذِّبُوا خَلْقَ اللَّهِ)). لَايَمَكُمْ
وافقكم. والملائمة الْمُوَافَقَةُ. وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ـ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ ـ عَنِ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ قَالَ:
((لِلْمَمْلُوكِ طَعَامُهُ وَكِسْوَتُهُ وَلَا يُكَلَّفُ مِنَ الْعَمَلِ إِلَّا
مَا يُطِيقُ)) وَقَالَ ـ عَلَيْهِ الصلاةُ والسَّلَامُ: ((لَا يَقُلْ أَحَدُكُمْ
عَبْدِي وَأَمَتِي بَلْ لِيَقُلْ فَتَايَ وَفَتَاتِي)). وقد تقدَّم. فَنَدَبَ ـ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ السَّادَةَ إِلَى مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ
وَحَضَّهُمْ عَلَيْهَا وَأَرْشَدَهُمْ إِلَى الْإِحْسَانِ وَإِلَى سُلُوكِ طَرِيقِ
التَّوَاضُعِ حتى لا يَرَوْا لأنفُسِهم مَزِيَّةً عَلَى عَبِيدِهِمْ، إِذِ
الْكُلُّ عَبِيدُ اللَّهِ وَالْمَالُ مَالُ اللَّهِ، لَكِنْ سَخَّرَ بَعْضَهُمْ
لِبَعْضٍ، وَمَلَّكَ بَعْضَهُمْ بَعْضًا إِتْمَامًا لِلنِّعْمَةِ وَتَنْفِيذًا
لِلْحِكْمَةِ، فَإِنْ أَطْعَمُوهُمْ أَقَلَّ مِمَّا يَأْكُلُونَ، وَأَلْبَسُوهُمْ
أَقَلَّ مِمَّا يَلْبَسُونَ صِفَةً وَمِقْدَارًا جَازَ إِذَا قَامَ بِوَاجِبِهِ
عَلَيْهِ. وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو إِذْ جَاءَهُ قَهْرَمَانٌ لَهُ فَدَخَلَ فَقَالَ:
أَعْطَيْتُ الرَّقِيقَ قُوتَهُمْ؟ قَالَ لَا. قَالَ: فَانْطَلِقْ فَأَعْطِهِمْ،
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((كَفَى بِالْمَرْءِ
إِثْمًا أَنْ يَحْبِسَ عَمَّنْ يَمْلُكُ قُوتَهُمْ)). وثَبَتَ عنه ـ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ أَنَّهُ قَالَ: ((مَنْ ضَرَبَ عَبْدَهُ حَدًّا لَمْ
يَأْتِهِ أَوْ لَطَمَهُ فَكَفَّارَتُهُ أَنْ يُعْتِقَهُ. وَمَعْنَاهُ أَنْ
يَضْرِبَهُ قَدْرَ الْحَدِّ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ حَدٌّ. وَجَاءَ عَنْ نَفَرٍ
مِنَ الصَّحَابَةِ أَنَّهُمُ اقْتَصُّوا لِلْخَادِمِ مِنَ الْوَلَدِ فِي الضَّرْبِ
وَأَعْتَقُوا الْخَادِمَ لَمَّا لَمْ يرد الْقِصَاصَ. وَقَالَ ـ عَلَيْهِ الصلاة والسَّلَامُ:
((مَنْ قَذَفَ مَمْلُوكَهُ بِالزِّنَا أَقَامَ عَلَيْهِ الْحَدَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
ثَمَانِينَ)). وَقَالَ: ((لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ سَيِّئُ المَلَكةِ. وقال: (سوءُ
الخُلُقِ شُؤمٌ وَحُسْنُ الْمَلَكَةِ نَمَاءٌ وَصِلَةُ الرَّحِمِ تَزِيدُ فِي
الْعُمُرِ وَالصَّدَقَةُ تَدْفَعُ مِيتَةَ السُّوءِ)).



وَاخْتَلَفَ
الْعُلَمَاءُ مِنْ هَذَا الْبَابِ أَيُّهُمَا أَفْضَلُ الْحُرُّ أَوِ الْعَبْدُ،
فَرَوَى مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ـ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لِلْعَبْدِ الْمَمْلُوكِ الْمُصْلِحِ أَجْرَانِ)).
وَالَّذِي نفسُ أبي هريرةَ بيده لَوْلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ
وَالْحَجُّ وَبِرُّ أُمِّي لَأَحْبَبْتُ أَنْ أَمُوتَ وَأَنَا مَمْلُوكٌ. وَرُوِيَ
عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ قَالَ:
((إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا نَصَحَ لِسَيِّدِهِ وَأَحْسَنَ عِبَادَةَ اللَّهِ فَلَهُ
أَجْرُهُ مَرَّتَيْنِ)). فَاسْتُدِلَّ بِهَذَا وَمَا كَانَ مِثْلَهُ مِنْ فَضْلِ
الْعَبْدِ، لِأَنَّهُ مُخَاطَبٌ مِنْ جِهَتَيْنِ: مُطَالَبٌ بِعِبَادَةِ اللَّهِ،
مُطَالَبٌ بِخِدْمَةِ سَيِّدِهِ. وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ أَبُو عُمَرَ يُوسُفُ بْنُ
عَبْدِ الْبَرِّ النَّمَرِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
أَحْمَدَ الْعَامِرِيُّ الْبَغْدَادِيُّ الْحَافِظُ. اسْتَدَلَّ مَنْ فَضَّلَ
الْحُرَّ بِأَنْ قَالَ: الِاسْتِقْلَالُ بِأُمُورِ الدِّينِ والدنيا وإنما
يَحْصُلُ بِالْأَحْرَارِ وَالْعَبْدُ كَالْمَفْقُودِ لِعَدَمِ اسْتِقْلَالِهِ،
وَكَالْآلَةِ الْمُصَرَّفَةِ بِالْقَهْرِ، وَكَالْبَهِيمَةِ الْمُسَخَّرَةِ
بِالْجَبْرِ، وَلِذَلِكَ سُلِبَ مَنَاصِبَ الشَّهَادَاتِ وَمُعْظَمَ
الْوِلَايَاتِ، وَنَقَصَتْ حُدُودُهُ عَنْ حُدُودِ الْأَحْرَارِ إِشْعَارًا
بِخِسَّةِ الْمِقْدَارِ، وَالْحُرُّ وَإِنْ طُولِبَ مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ
فَوَظَائِفُهُ فِيهَا أَكْثَرُ، وَعَنَاؤُهُ أَعْظَمُ فَثَوَابُهُ أَكْثَرُ.
وَقَدْ أَشَارَ إِلَى هَذَا أَبُو هُرَيْرَةَ بِقَوْلِهِ: لَوْلَا الْجِهَادُ
وَالْحَجُّ، أَيْ لَوْلَا النَّقْصُ الَّذِي يَلْحَقُ الْعَبْدَ لِفَوْتِ هَذِهِ
الْأُمُورِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.



قَوْلُهُ
تَعَالَى: {
إِنَّ
اللَّهَ لَا يُحِبُّ
} أَيْ
لَا يَرْضَى. {مَنْ كانَ مُخْتالًا فَخُوراً} فَنَفَى سُبْحَانَهُ مَحَبَّتَهُ
وَرِضَاهُ عَمَّنْ هَذِهِ صِفَتُهُ، أَيْ لَا يَظْهَرُ عَلَيْهِ آثَارُ نِعَمِهِ
فِي الْآخِرَةِ. وَفِي هَذَا ضَرْبٌ مِنَ التَّوَعُّدِ. وَالْمُخْتَالُ ذُو
الْخُيَلَاءِ أَيِ الْكِبْرِ. وَالْفَخُورُ: الَّذِي يَعْدُدْ مَنَاقِبَهُ كِبْرًا.
وَالْفَخْرُ: الْبَذَخُ وَالتَّطَاوُلُ. وَخَصَّ هَاتَيْنِ الصِّفَتَيْنِ
بِالذِّكْرِ هُنَا لِأَنَّهُمَا تَحْمِلَانِ صَاحِبَيْهِمَا عَلَى الْأَنَفَةِ
مِنَ الْقَرِيبِ الْفَقِيرِ وَالْجَارِ الْفَقِيرِ وَغَيْرِهِمْ مِمَّنْ ذُكِرَ
فِي الْآيَةِ فَيَضِيعُ أَمْرُ اللَّهِ بِالْإِحْسَانِ إِلَيْهِمْ.



قوله
تعالى: {
وبالوالدين
إِحْسَاناً
} تقدَّم نظيرتها في البقرة،
إلا أنَّ هنا قال: {
وَبِذِي القربى}
بإعادة الباء، وذلك لأنّها في حَقِّ هذه الأمّةِ فالاعتناءُ بها أكثرُ، وإعادةُ
الباءِ يَدُلُّ على زيادة تأكيد فناسَبَ ذلك هنا بخلافِ آيةِ البقرةِ فإنّها في حقِّ
بني إسرائيل. وقرأ ابنُ أبي عَبْلةَ "إحسانٌ" بالرفع، على أنّه مبتدأٌ
وخبرُه الجار قبلَه، والمرادُ بهذه الجملةِ الأمرُ بالإِحسان وإن كانت خبريةً كقولِه:
{فَصَبْرٌ جَمِيلٌ} يوسف: 83.



قولُه:
{
والجار ذِي القربى} الجمهورُ على خفضِ "الجار" والمرادُ به القريبُ النَسَبِ، وبالجارِ الجَنْبِ
البعيدُ النسب. وعن ميمون بن مهران: والجارِ ذي القربى أريد به الجار القريب. قال
ابن عطية: وهذا خطأٌ لأنَّه على تأويلِه جمعَ بيْنَ "أل" والإِضافةِ، إذْ
كان وجهُ الكلامِ "وجارِ ذي القربى". ويُمكنُ تصحيحُ كلامِ ابنِ مهرانَ
على أن "
ذي
القربى
" بدلٌ من "الجار"
على حذفِ مُضافٍ، أي: والجارِ جارِ ذي القُربى كقولِ ابن قيس الرقيّات:



نَضَر اللهُ أعظماً دفنوها .....................
بسجستانَ طلحةِ الطَّلَحاتِ



أي:
أعظُمَ طلحة، ومِنْ كلامهم: لو يعلمون: العلمُ الكبيرةِ سنةٌ أي:



علم
الكبيرة سنة، فحَذَف البدلَ لدلالةِ الكلام عليه.



وقرأ
بعضُهم: "
والجارَ ذا القربى"
نَصْبًا. وخَرَّجه الزمخشري على الاختصاص كقولِه: {حَافِظُواْ عَلَى الصلوات والصلاة
الوسطى} البقرة: 238.



والجُنُب
صفةٌ على فُعُل نحو: ناقة سُرُح، ويستوي فيه المُفردُ والمُثنَّى والمَجموع مذكَّراً
ومؤنثاً نحو: رجال جُنُب، قال تعالى: {وَإِن كُنتُمْ جُنُباً} المائدة: 6، وبعضُهم
يُثَنِّيه ويجمعه، ومثله: شُلُل. وعن عاصم: "
والجار الجَنْب"
بفتح الجيم وسكون النون، وهو وصفٌ أيضاً بمعنى المُجانب كقولِهم: رجلٌ عَدْل وألفُ
الجارِ عن واوٍ لِقولِهم: تجاوروا وجاوَرْتُه، ويُجمع على جِيرة وجيران. والجَنابة:
البُعْد. قال علقمة بن عبدة:



فلا تَحْرِمَنِّي نائلاً عن جَنابةٍ .............. فإني
أمرؤٌ وَسْطَ القِبابِ غريبُ



لأنَّ
الإِنسان يُتْركُ جانباً، ومنه: {واجْنُبْنِي وَبَنِيَّ} إبراهيم: 35.



قوله:
{
بالجنب} يَجوزُ في الباءِ أنْ تَكونَ بمعنى "في". ويجوزُ
أنْ تكونَ على بابِها وهو الأَوْلى، وعلى كلا التقديرين تتعلَّق بمحذوف لأنها حال
من الصاحب.



وقولُه:
{
وَمَا مَلَكَتْ} يَجوز أنْ يُريدَ بـ "ما" غيرَ العبيدِ والإِماءِ، حَمْلاً على الأنواعِ
كقولِه: {
مَا
طَابَ لَكُمْ
} النساء: 3. وأنْ يكونَ أُريدَ
جميعُ ما مَلَكَه الإِنسانُ مِنَ الحيواناتِ فاختلطَ العاقلُ بغيرِه فأتى بـ "
ما".
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
فيض العليم ... سورة النساء، الآية: 36
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» فيض العليم ... سورة النساء، الآية: 48
» فيض العليم ... سورة النساء، الآية: 3
» فيض العليم ... سورة النساء، الآية: 18
» فيض العليم ... سورة النساء، الآية: 33
» فيض العليم ... سورة النساء، الآية: 66

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
روضة الشاعر عبد القادر الأسود :: ...:: الروضة الروحانية ::... :: روضة الذكر الحكيم-
انتقل الى: