روضة الشاعر عبد القادر الأسود
بعد الصلاة على الرحمة المهداة

أهلا وسهلا بك في روضتنا

يسرنا تسجيلك

روضة الشاعر عبد القادر الأسود
بعد الصلاة على الرحمة المهداة

أهلا وسهلا بك في روضتنا

يسرنا تسجيلك

روضة الشاعر عبد القادر الأسود
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

روضة الشاعر عبد القادر الأسود

منتدى أدبي اجتماعي يعنى بشؤون الشعر والأدب والموضوعات الاجتماعي والقضايا اللإنسانية
 
مركز تحميل الروضةالرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
بسـم الله الرحمن الرحيم  :: الحمد لله رب العالمين * الرحمن الرحيم * مالك يوم الدين * إياك نعبد وإياك نستعين * إهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين أنعمت عليهم * غير المغضوب عليهم ولا الضــالين ....  آميـــن

 

 فيض العليم ... سورة النساء، الآية: 6

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
عبد القادر الأسود

¤° صاحب الإمتياز °¤
¤° صاحب الإمتياز °¤
عبد القادر الأسود


عدد المساهمات : 3986
تاريخ التسجيل : 08/09/2011
العمر : 76
المزاج المزاج : رايق
الجنس : ذكر
فيض العليم ... سورة النساء، الآية:  6 Jb12915568671



فيض العليم ... سورة النساء، الآية:  6 Empty
مُساهمةموضوع: فيض العليم ... سورة النساء، الآية: 6   فيض العليم ... سورة النساء، الآية:  6 I_icon_minitimeالإثنين أبريل 22, 2013 3:53 pm

وَابْتَلُوا الْيَتامى حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ
فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ وَلا
تَأْكُلُوها إِسْرافاً وَبِداراً أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كانَ غَنِيًّا
فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذا
دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفى بِاللَّهِ
حَسِيباً.
(6)


قَوْلُهُ
تَعَالَى: {
وَابْتَلُوا
الْيَتامى
} خِطَابٌ لِلْجَمِيعِ فِي
بَيَانِ كَيْفِيَّةِ دَفْعِ أَمْوَالِهِمْ. واخْتَبِرُوا اليَتَامَى،
بِإِعْطَائِهِمْ شَيْئاً مِنَ المَالِ يَتَصَرَّفُونَ فِيهِ ، فَإِنْ أَحْسَنُوا
التَّصَرُّفَ وكَانُوا رَاشِدِينَ، سَلِّمُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ التِي
تَحْتَ أيْدِيكُمْ، أمَّا إذَا لَمْ تَجِدُوهُمْ أَهْلاً لِذلك فَاسْتَمِرُّوا باختباركم
لهم حَتَّى تَأنَسُوا الرُّشْدَ مِنْهُمْ. وَقِيلَ: إِنَّهَا نَزَلَتْ فِي ثَابِتِ
بْنِ رِفَاعَةَ وَفِي عَمِّهِ. وَذَلِكَ أَنَّ رِفَاعَةَ تُوُفِّيَ وَتَرَكَ
ابْنَهُ وَهُوَ صَغِيرٌ، فَأَتَى عَمُّ ثَابِتٍ إِلَى النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فَقَالَ: إِنَّ ابْنَ أَخِي يَتِيمٌ فِي حِجْرِي فَمَا
يَحِلُّ لِي مِنْ مَالِهِ، وَمَتَى أَدْفَعُ إِلَيْهِ مَالَهُ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ
تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ.



وَاخْتَلَفَ
الْعُلَمَاءُ فِي مَعْنَى الِاخْتِبَارِ، فَقِيلَ: هُوَ أَنْ يَتَأَمَّلَ الْوَصِيُّ
أَخْلَاقَ يَتِيمِهِ، وَيَسْتَمِعَ إِلَى أَغْرَاضِهِ، فَيَحْصُلُ لَهُ الْعِلْمُ
بِنَجَابَتِهِ، وَالْمَعْرِفَةُ بِالسَّعْيِ فِي مَصَالِحِهِ وَضَبْطِ مَالِهِ
وَالْإِهْمَالُ لِذَلِكَ. فَإِذَا تَوَسَّمَ الْخَيْرَ قَالَ عُلَمَاؤُنَا
وَغَيْرُهُمْ: لَا بَأْسَ أَنْ يَدْفَعَ إِلَيْهِ شَيْئًا مِنْ مَالِهِ يُبِيحُ
لَهُ التَّصَرُّفَ فِيهِ، فَإِنْ نَمَّاهُ وَحَسَّنَ النَّظَرَ فِيهِ فَقَدْ
وَقَعَ الِاخْتِبَارُ، وَوَجَبَ عَلَى الْوَصِيِّ تَسْلِيمُ جَمِيعِ مَالِهِ
إِلَيْهِ. وَإِنْ أَسَاءَ النَّظَرَ فِيهِ وَجَبَ عَلَيْهِ إِمْسَاكُ مَالِهِ
عِنْدَهُ. وَلَيْسَ فِي الْعُلَمَاءِ مَنْ يَقُولُ: إِنَّهُ إِذَا اخْتَبَرَ
الصَّبِيَّ فَوَجَدَهُ رَشِيدًا تَرْتَفِعُ الْوِلَايَةُ عَنْهُ، وَأَنَّهُ يَجِبُ
دَفْعُ مَالِهِ إِلَيْهِ وَإِطْلَاقُ يَدِهِ فِي التَّصَرُّفِ، لِقَوْلِهِ
تَعَالَى: {حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ}. وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ
الْفُقَهَاءِ: الصَّغِيرُ لَا يَخْلُو مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ، إِمَّا أَنْ
يَكُونَ غُلَامًا أَوْ جَارِيَةً، فَإِنْ كَانَ غُلَامًا رَدَّ النَّظَرَ إِلَيْهِ
فِي نَفَقَةِ الدَّارِ شَهْرًا، أَوْ أَعْطَاهُ شَيْئًا نَزْرًا يَتَصَرَّفُ
فِيهِ، لِيَعْرِفَ كَيْفَ تَدْبِيرُهُ وَتَصَرُّفُهُ، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ يُرَاعِيهِ
لِئَلَّا يُتْلِفَهُ، فَإِنْ أَتْلَفَهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْوَصِيِّ. فَإِذَا
رَآهُ مُتَوَخِّيًا سَلَّمَ إِلَيْهِ مالَه وأشهدَ عليه. وإن كانَ جَارِيَةً رَدَّ
إِلَيْهَا مَا يُرَدُّ إِلَى رَبَّةِ الْبَيْتِ مِنْ تَدْبِيرِ بَيْتِهَا
وَالنَّظَرِ فِيهِ، فَإِنْ رَآهَا رَشِيدَةً سَلَّمَ أَيْضًا إِلَيْهَا مَالَهَا
وَأَشْهَدَ عَلَيْهَا. وَإِلَّا بَقِيَا تَحْتَ الْحَجْرِ حَتَّى يُؤْنَسَ
رُشْدُهُمَا. وَقَالَ الْحَسَنُ وَمُجَاهِدٌ وَغَيْرُهُمَا: اخْتَبِرُوهُمْ فِي
عُقُولِهِمْ وَأَدْيَانِهِمْ وَتَنْمِيَةِ أَمْوَالِهِمْ.



قَوْلُهُ
تَعَالَى: {
حَتَّى
إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ
} أَيِ
الْحُلُمَ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذا بَلَغَ الْأَطْفالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ}
أَيِ الْبُلُوغَ وَحَالَ النكاح. والبلوغ يكون بخمسة أشياء: ثلاثة
يَشْتَرِكُ فِيهَا الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ،
وَاثْنَانِ يَخْتَصَّانِ بِالنِّسَاءِ وَهُمَا الْحَيْضُ وَالْحَبَلُ. فَأَمَّا
الْحَيْضُ وَالْحَبَلُ فَلَمْ يَخْتَلِفِ الْعُلَمَاءُ فِي أَنَّهُ بُلُوغٌ، وَأَنَّ
الْفَرَائِضَ وَالْأَحْكَامَ تَجِبُ بِهِمَا. وَاخْتَلَفُوا فِي الثَّلَاثِ،
فَأَمَّا الْإِنْبَاتُ وَالسِّنُّ فَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَالشَّافِعِيُّ
وَابْنُ حَنْبَلٍ وغيرُهم: خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً بُلُوغٌ لِمَنْ لَمْ
يَحْتَلِمْ. وَتَجِبُ الْحُدُودُ وَالْفَرَائِضُ عِنْدَهُمْ عَلَى مَنْ بَلَغَ
هَذَا السِّنَّ. وَاحْتجَّوا بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ إِذْ عُرِضَ يَوْمَ
الْخَنْدَقِ وَهُوَ ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً فَأُجِيزَ، وَلَمْ يُجَزْ يَوْمَ
أُحُدٍ، لِأَنَّهُ كَانَ ابْنَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.
هَذَا فِيمَنْ عُرِفَ مَوْلِدُهُ، وَأَمَّا مَنْ جُهِلَ مَوْلِدُهُ وَعِدَّةُ أَوْ
جَحَدَهُ فَالْعَمَلُ فِيهِ بِمَا رَوَى نَافِعٌ عَنْ أَسْلَمَ عَنْ عُمَرَ بْنِ
الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ كَتَبَ إِلَى أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ:
أَلَّا تَضْرِبُوا الْجِزْيَةَ إِلَّا عَلَى مَنْ جَرَتْ عَلَيْهِ الْمَوَاسِي
(جمع موسى وهو ما يحلق به الشعر، أي نبت شعر إبطه وعانته). وَقَالَ عَطِيَّةُ
الْقُرَظِيُّ: عَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَنِي
قُرَيْظَةَ، فَكُلُّ مَنْ أَنْبَتَ مِنْهُمْ قَتَلَهُ بِحُكْمِ سَعْدِ بْنِ
مُعَاذٍ، وَمَنْ لَمْ يُنْبِتْ مِنْهُمُ اسْتَحْيَاهُ، فَكُنْتُ فِيمَنْ لَمْ
يُنْبِتْ فَتَرَكَنِي. وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَغَيْرُهُمَا: لَا
يُحْكَمُ لِمَنْ لَمْ يَحْتَلِمْ حَتَّى يَبْلُغَ مَا لَمْ يَبْلُغْهُ أَحَدٌ
إِلَّا احْتَلَمَ، وَذَلِكَ سَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةً، فَيَكُونُ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ
الْحَدُّ إِذَا أَتَى مَا يَجِبُ عَلَيْهِ الحد. وقال مالك: بلوغه بأن يَغْلُظَ
صَوْتُهُ وَتَنْشَقَّ أَرْنَبَتُهُ (ذلك أنَّ الصبيَّ قبل الحلم تكون أرنبةُ أنفه
واحدةً، فإذا بلغ الحلم انشقت). وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَةٌ أُخْرَى: تِسْعَ
عَشْرَةَ سَنَةً، وَهِيَ الْأَشْهَرُ. وَقَالَ فِي الْجَارِيَةِ: بُلُوغُهَا
لِسَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةً وعليها النظر. وَقَالَ دَاوُودُ: لَا يَبْلُغُ
بِالسِّنِّ مَا لَمْ يَحْتَلِمْ وَلَوْ بَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً. فَأَمَّا
الْإِنْبَاتُ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى الْبُلُوغِ، وَقِيلَ:
هُوَ بُلُوغٌ، إِلَّا أَنَّهُ يُحْكَمُ بِهِ فِي الْكُفَّارِ فَيُقْتَلُ مَنْ
أَنْبَتَ وَيُجْعَلُ مَنْ لَمْ يُنْبِتْ فِي الذَّرَارِي، قَالَهُ الشَّافِعِيُّ
فِي الْقَوْلِ الْآخَرِ. وَلَا اعْتِبَارَ بِالْخُضْرَةِ وَالزَّغَبِ، وَإِنَّمَا
يَتَرَتَّبُ الْحُكْمُ عَلَى الشَّعْرِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَثْبُتُ بِالْإِنْبَاتِ
حُكْمٌ، وَلَيْسَ هُوَ بِبُلُوغٍ وَلَا دَلَالَةٍ عَلَى الْبُلُوغِ. وَقَالَ
الزُّهْرِيُّ وَعَطَاءٌ: لَا حَدَّ عَلَى مَنْ لَمْ يَحْتَلِمْ، وَهُوَ قَوْلُ
الشَّافِعِيِّ، وَمَالَ إِلَيْهِ مَالِكٌ مَرَّةً، وَقَالَ بِهِ بَعْضُ
أَصْحَابِهِ. وَظَاهِرُهُ عَدَمُ اعْتِبَارِ الْإِنْبَاتِ وَالسِّنِّ. وَالسِّنُّ
الَّتِي أَجَازَهَا رَسُولُ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ أَوْلَى
مِنْ سِنٍّ لَمْ يَعْتَبِرْهَا،



قَوْلُهُ
تَعَالَى: {
فَإِنْ
آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ
} أَيْ أَبْصَرْتُمْ وَرَأَيْتُمْ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ
تَعَالَى: {آنَسَ مِنْ جانِبِ الطُّورِ نَارًا} القَصص: 29. أَيْ أَبْصَرَ
وَرَأَى. تَقُولُ الْعَرَبُ اذْهَبْ فَاسْتَأْنِسْ هَلْ تَرَى أَحَدًا، مَعْنَاهُ
تُبْصِرُ. قَالَ النابغة:



كَأَنَّ رَحْلِي وَقَدْ زَالَ النَّهَارُ بِنَا ...........
يَوْمَ الجليلِ على مُسْتأنسٍ وَحِدِ



الوحدُ:
المنفرد.
أَرَادَ ثَوْرًا
وَحْشِيًّا يَتَبَصَّرُ هَلْ يَرَى قَانِصًا فَيَحْذَرُهُ. وَقِيلَ: آنَسْتُ
وَأَحْسَسْتُ وَوَجَدْتُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: "
فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً" أَيْ عَلِمْتُمْ. وَالْأَصْلُ فِيهِ أَبْصَرْتُمْ.



وَاخْتَلَفَ
الْعُلَمَاءُ فِي تَأْوِيلِ "
رُشْداً"
فَقَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ وَغَيْرُهُمَا: صَلَاحًا فِي الْعَقْلِ وَالدِّينِ.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالسُّدِّيُّ وَالثَّوْرِيُّ: صَلَاحًا فِي الْعَقْلِ
وَحِفْظَ الْمَالِ. وقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَالشَّعْبِيُّ: إِنَّ الرَّجُلَ
لَيُأْخَذُ بِلِحْيَتِهِ وَمَا بَلَغَ رُشْدَهُ، فَلَا يُدْفَعُ إِلَى الْيَتِيمِ
مَالُهُ وَإِنْ كَانَ شَيْخًا حَتَّى يُؤْنَسَ مِنْهُ رُشْدُهُ. وَهَكَذَا قَالَ
الضَّحَّاكُ: لَا يُعْطَى الْيَتِيمُ وَإِنْ بَلَغَ مِائَةَ سَنَةٍ حَتَّى
يُعْلَمَ مِنْهُ إِصْلَاحُ مَالِهِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: "
رُشْداً" يَعْنِي فِي الْعَقْلِ خَاصَّةً. وَأَكْثَرُ
الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ الرُّشْدَ لَا يَكُونُ إِلَّا بَعْدَ الْبُلُوغِ،
وَعَلَى أَنَّهُ إِنْ لَمْ يَرْشُدْ بَعْدَ بُلُوغِ الْحُلُمِ وَإِنْ شَاخَ لَا
يَزُولُ الْحَجْرُ عَنْهُ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ. وَقَالَ أَبُو
حَنِيفَةَ: لَا يُحْجَرُ عَلَى الْحُرِّ الْبَالِغِ إِذَا بَلَغَ مَبْلَغَ
الرِّجَالِ، وَلَوْ كَانَ أَفْسَقَ النَّاسِ وَأَشَدَّهُمْ تَبْذِيرًا إِذَا كَانَ
عَاقِلًا. وَبِهِ قَالَ زُفَرُ بْنُ الْهُذَيْلِ، وَهُوَ مَذْهَبُ النَّخَعِيِّ.
وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِكَ بِمَا رَوَاهُ قَتَادَةُ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ حِبَّانَ بْنَ
مُنْقِذٍ كَانَ يَبْتَاعُ وَفِي عُقْدَتِهِ ضَعْفٌ، فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ
احْجُرْ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ يَبْتَاعُ وَفِي عُقْدَتِهِ ضَعْفٌ. فَاسْتَدْعَاهُ
النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فقال: ((لاتبع)). فَقَالَ: لَا
أَصْبِرُ. فَقَالَ لَهُ: ((فَإِذَا بَايَعْتَ فَقُلْ لَا خِلَابَةَ وَلَكَ
الْخِيَارُ ثَلَاثًا)). قَالُوا: فَلَمَّا سَأَلَهُ الْقَوْمُ الْحَجْرَ عَلَيْهِ
لَمَّا كَانَ فِي تَصَرُّفِهِ مِنَ الْغَبْنِ وَلَمْ يَفْعَلْ ـ عَلَيْهِ الصلاةُ
والسَّلَامُ، فثَبَتَ أَنَّ الْحَجْرَ لَا يَجُوزُ. وَهَذَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ
فِيهِ، لِأَنَّهُ مَخْصُوصٌ بِذَلِكَ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فِي الْبَقَرَةِ، وغَيْرُهُ
بِخِلَافِهِ. وقال الشافعي: إن كان مُفسِدًا لِمالِه وَدِينِهِ، أَوْ كَانَ
مُفْسِدًا لِمَالِهِ دُونَ دِينِهِ حُجِرَ عليْه، وإن كان مُفسِدًا لدينه
مُصْلِحًا لِمَالِهِ فَعَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا يُحْجَرُ عَلَيْهِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ شُرَيْحٍ.
وَالثَّانِي لا حَجْرَ عليه، وهو اختيارُ أبى إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ، وَهو الْأَظْهَرُ
مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ. قَالَ الثَّعْلَبِيُّ: وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ
مِنَ الْحَجْرِ عَلَى السَّفِيهِ قَوْلُ عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَالزُّبَيْرِ
وَعَائِشَةَ وَابْنِ عبَّاسٍ وعبدِ الله ابنِ جَعْفَرٍ رِضْوَانُ اللَّهِ
عَلَيْهِمْ، وَمِنَ التَّابِعِينَ شُرَيْحٌ، وَبِهِ قَالَ الْفُقَهَاءُ: مَالِكٌ
وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَهْلُ الشَّامِ وَأَبُو يُوسُفَ
وَمُحَمَّدٌ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ. قَالَ الثَّعْلَبِيُّ:
وَادَّعَى أَصْحَابُنَا الْإِجْمَاعَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ.



ويكون
دَفْعُ الْمَالِ بِشَرْطَيْنِ: إِينَاسُ الرُّشْدِ وَالْبُلُوغُ، فَإِنْ وُجِدَ
أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ لَمْ يَجُزْ تَسْلِيمُ الْمَالِ، كَذَلِكَ نَصُّ
الْآيَةِ. وَهُوَ قَوْلُ جَمَاعَةِ الْفُقَهَاءِ إِلَّا أَبَا حَنِيفَةَ وَزُفَرَ
وَالنَّخَعِيَّ فَإِنَّهُمْ أَسْقَطُوا إِينَاسَ الرُّشْدِ بِبُلُوغِ خَمْسٍ
وَعِشْرِينَ سَنَةً.



واشترطَ
بعضُهم فِي الْجَارِيَةِ دُخُولَ الزَّوْجِ بِهَا مَعَ الْبُلُوغِ، وَحِينَئِذٍ
يَقَعُ الِابْتِلَاءُ فِي الرُّشْدِ. وَلَمْ يَرَهُ أَبُو حَنِيفَةَ
وَالشَّافِعِيُّ، وَرَأَوْا الِاخْتِبَارَ فِي الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى عَلَى مَا
تَقَدَّمَ. وَفَرَّقَ عُلَمَاء المالكيّةِ بَيْنَهُمَا بِأَنْ قَالُوا: الْأُنْثَى
مُخَالِفَةٌ لِلْغُلَامِ لِكَوْنِهَا مَحْجُوبَةً لَا تُعَانِي الْأُمُورَ وَلَا
تَبْرُزُ لِأَجْلِ الْبَكَارَةِ فَلِذَلِكَ وُقِفَ فِيهَا عَلَى وُجُودِ
النِّكَاحِ، فَبِهِ تُفْهَمُ الْمَقَاصِدُ كُلُّهَا. وَالذَّكَرُ بِخِلَافِهَا،
فَإِنَّهُ بِتَصَرُّفِهِ وَمُلَاقَاتِهِ لِلنَّاسِ مِنْ أوَّلِ نَشئه إلى بلوغه
يحمل لَهُ الِاخْتِبَارُ، وَيَكْمُلُ عَقْلُهُ بِالْبُلُوغِ، فَيَحْصُلُ لَهُ
الْغَرَضُ. وَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ أَصْوَبُ، فَإِنَّ نَفْسَ الوطءِ
بِإِدْخَالِ الْحَشَفَةِ لَا يَزِيدُهَا فِي رُشْدِهَا إِذَا كَانَتْ عَارِفَةً
بِجَمِيعِ أُمُورِهَا وَمَقَاصِدِهَا، غَيْرَ مُبَذِّرَةٍ لِمَالِهَا. ولَا بُدَّ
بعد دُخُولِ زَوْجِهَا مِنْ مُضِيِّ مُدَّةٍ مِنَ الزَّمَانِ تُمَارِسُ فِيهَا
الْأَحْوَالَ.



وَأَمَّا
تَمَادِي الْحَجْرِ فِي الْمُوَلَّى عَلَيْهَا حَتَّى يَتَبَيَّنَ رُشْدُهَا
فَيُخْرِجُهَا الْوَصِيُّ عَنْهُ، أَوْ يُخْرِجُهَا الْحَكَمُ مِنْهُ فَهُوَ
ظَاهِرُ الْقُرْآنِ. وَالْمَقْصُودُ مِنْ هَذَا كُلِّهِ دَاخِلٌ تَحْتَ قَوْلِهِ
تَعَالَى: "
فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً" فَتَعَيَّنَ اعْتِبَارُ الرُّشْدِ وَلَكِنْ
يَخْتَلِفُ إِينَاسُهُ بِحَسَبِ اخْتِلَافِ حَالِ الرَّاشِدِ.



وَاخْتَلَفُوا
فِي دَفْعِ الْمَالِ إِلَى الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ هَلْ يَحْتَاجُ إِلَى السُّلْطَانِ
أَمْ لَا؟ فَقَالَتْ فِرْقَةٌ: لَا بُدَّ مِنْ رَفْعِهِ إِلَى السُّلْطَانِ،
وَيَثْبُتُ عِنْدَهُ رُشْدُهُ ثم يَدفَعُ إليه مالَه. وَقَالَتْ فِرْقَةٌ: ذَلِكَ
مَوْكُولٌ إِلَى اجْتِهَادِ الْوَصِيِّ دُونَ أَنْ يَحْتَاجَ إِلَى رَفْعِهِ إِلَى
السُّلْطَانِ. وَالصَّوَابُ أَلَّا يُسْتَغْنَى عَنْ رَفْعِهِ إِلَى السُّلْطَانِ
وَثُبُوتِ الرُّشْدِ عِنْدَهُ، لِمَا حُفِظَ مِنْ تَوَاطُؤِ الْأَوْصِيَاءِ عَلَى
أَنْ يَرْشُدَ الصَّبِيُّ، وَيَبْرَأَ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ لِسَفَهِهِ وَقِلَّةِ
تَحْصِيلِهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ.



فَإِذَا
سُلِّمَ الْمَالُ إِلَيْهِ بِوُجُودِ الرُّشْدِ، ثُمَّ عَادَ إِلَى السَّفَهِ
بِظُهُورِ تَبْذِيرٍ وَقِلَّةِ تَدْبِيرٍ عَادَ إِلَيْهِ الْحَجْرُ عِنْدَنَا،
وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا
يَعُودُ، لِأَنَّهُ بَالِغٌ عَاقِلٌ، بِدَلِيلِ جَوَازِ إِقْرَارِهِ فِي
الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ. وَدَلِيلُنَا قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلا تُؤْتُوا
السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِياماً} النساء: 5.
وَقَالَ تَعَالَى: {فَإِنْ كانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً
أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ}
البقرة: 282. وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مَحْجُورًا سَفِيهًا أَوْ
يَطْرَأُ ذَلِكَ عَلَيْهِ بَعْدَ الْإِطْلَاقِ.



وَيَجُوزُ
لِلْوَصِيِّ أَنْ يَصْنَعَ فِي مالِ اليتيمِ ما كان للأبِ أنْ يَصنَعَه مِنْ تِجَارَةٍ
وَإِبْضَاعٍ وَشِرَاءٍ وَبَيْعٍ. وَعَلَيْهِ أَنْ يُؤَدِّيَ الزَّكَاةَ مِنْ
سَائِرِ أَمْوَالِهِ: عَيْنٍ وَحَرْثٍ وَمَاشِيَةٍ وغير ذلك حسبَما نَصَّتْ عليْه
تَعاليمُ الشَرعِ الحَنيفِ. وَيُؤَدِّي عَنْهُ سَائِرَ الْحُقُوقِ اللَّازِمَةِ
شرعًا. وَيَجُوزُ أَنْ يُزَوِّجَهُ وَيُؤَدِّيَ عَنْهُ الصَّدَاقَ، وَيُصَالِحُ
لَهُ وَعَلَيْهِ عَلَى وَجْهِ النَّظَرِ لَهُ.



قَوْلُهُ
تَعَالَى: {
وَلا
تَأْكُلُوها إِسْرافاً وَبِداراً أَنْ يَكْبَرُوا
}
لَيْسَ يُرِيدُ أَنَّ أَكْلَ مَالِهِمْ مِنْ غَيْرِ إِسْرَافٍ جَائِزٌ، فَيَكُونُ
لَهُ دَلِيلُ خِطَابٍ، بَلِ الْمُرَادُ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ فَإِنَّهُ
إِسْرَافٌ. فَنَهَى اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْأَوْصِيَاءَ عَنْ أَكْلِ
أَمْوَالِ الْيَتَامَى بِغَيْرِ الْوَاجِبِ الْمُبَاحِ لَهُمْ. وَالْإِسْرَافُ فِي
اللُّغَةِ الْإِفْرَاطُ وَمُجَاوَزَةُ الْحَدِّ. وَالسَّرَفُ الْخَطَأُ فِي
الْإِنْفَاقِ. وَمِنْهُ قَوْلُ جريرٍ يَمدحُ بني أُميّةَ:



أَعْطَوْا هُنَيْدَةَ يَحْدُوهَا ثَمَانِيَةً ...............
مَا فِي عَطَائِهِمْ مَنٌّ ولا سَرَفُ



الهُنَيْدَةُ:
المئةُ من الإبِلِ، أَيْ لَيْسَ يُخْطِئُونَ مَوَاضِعَ الْعَطَاءِ. وَقَالَ آخَرُ:



وَقَالَ قَائِلُهُمْ وَالْخَيْلُ تَخْبِطُهُمْ .................
أَسْرَفْتُمُ فَأَجَبْنَا أَنَّنَا سَرَفُ



السَّرَفُ
التَّبْذِيرُ، وَالسَّرَفُ الْغَفْلَةُ. "
وَبِداراً"
مَعْنَاهُ المبادرة أن أن يُبادِرَ الوَصيُّ بأكلِ مالِ اليتيمِ قبْلِ أنْ يَكبرَ
مُستًغلاً صِغَرَ سِنِّه وعدَمَ إداراكِه، وضعفَهُ، وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى "
إِسْرافاً". وَ "أَنْ يَكْبَرُوا" أَيْ قبل أن يكبروا أي يبَادِرُ كِبَرَهُ
لِئَلَّا يَرْشُدَ وَيَأْخُذَ مَالَهُ.



قَوْلُهُ
تَعَالَى: "
وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ" الْآيَةَ. بَيَّنَ اللَّهُ ـ تَعَالَى ـ مَا
يَحِلُّ لَهُمْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ، فَأَمَرَ الْغَنِيَّ بِالْإِمْسَاكِ وَأَبَاحَ
لِلْوَصِيِّ الْفَقِيرِ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ مَالِ وَلِيِّهِ بِالْمَعْرُوفِ.
يُقَالُ: عَفَّ الرَّجُلُ عَنِ الشَّيْءِ وَاسْتَعَفَّ إِذَا أَمْسَكَ.
وَالِاسْتِعْفَافُ عَنِ الشَّيْءِ تَرْكُهُ. وَالْعِفَّةُ: الِامْتِنَاعُ عَمَّا
لَا يَحِلُّ وَلَا يَجِبُ فِعْلُهُ. رَوَى أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ حُسَيْنٍ
الْمُعَلِّمِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَجُلًا
أَتَى النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فَقَالَ: إِنِّي فقيرٌ
ليس لي شيءٌ وَلِي يَتِيمٌ. قَالَ: فَقَالَ: ((كُلْ مِنْ مَالِ يتيمِكِ غيرَ مُسْرِفٍ
ولا مُباذِرٍ وَلَا مُتَأَثِّلٍ)). والمتأثل هو من يَجمَعُ ويَخزُن،



وَاخْتَلَفَ
الْعُلَمَاءُ مَنِ الْمُخَاطَبُ وَالْمُرَادُ بِهَذِهِ الْآيَةِ؟ فَفِي صَحِيحِ
مُسْلِمٍ عَنْ عَائِشَةَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: "
وَمَنْ كانَ فَقِيراً
فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ
"
قَالَتْ: نَزَلَتْ فِي وَلِيِّ الْيَتِيمِ الَّذِي يَقُومُ عَلَيْهِ وَيُصْلِحُهُ
إِذَا كَانَ مُحْتَاجًا جَازَ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ. فِي رِوَايَةٍ: بِقَدْرِ
مَالِهِ بِالْمَعْرُوفِ. وَقَالَ بَعْضُهُمُ: الْمُرَادُ الْيَتِيمُ إِنْ كَانَ
غَنِيًّا وَسَّعَ عَلَيْهِ وَأَعَفَّ عَنْ مَالِهِ، وَإِنْ كَانَ فَقِيرًا
أَنْفَقَ عَلَيْهِ بِقَدْرِهِ، قاله رَبِيعَةُ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ.
وَالْأَوَّلُ قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَهُوَ الصَّحِيحُ، لِأَنَّ الْيَتِيمَ لَا
يُخَاطَبُ بِالتَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ لِصِغَرِهِ وَلِسَفَهِهِ. وَاللَّهُ
أَعْلَمُ.



واختلف
الجمهورُ في الأكل بِالْمَعْرُوفِ مَا هُوَ؟ فَقَالَ قَوْمٌ: هُوَ الْقَرْضُ إِذَا
احْتَاجَ وَيَقْضِي إِذَا أَيْسَرَ، قَالَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَابْنُ
عَبَّاسٍ وَعُبَيْدَةُ وَابْنُ جُبَيْرٍ والشعبي
وَمُجَاهِدٌ وَأَبُو الْعَالِيَةِ، وَهُوَ قَوْلُ
الْأَوْزَاعِيِّ. وَلَا يَسْتَسْلِفُ أَكْثَرَ مِنْ حَاجَتِهِ. قَالَ عُمَرُ:
أَلَا إِنِّي أَنْزَلْتُ نَفْسِي مِنْ مَالِ اللَّهِ مَنْزِلَةَ الْوَلِيِّ مِنْ
مَالِ الْيَتِيمِ، إِنِ اسْتَغْنَيْتُ اسْتَعْفَفْتُ، وَإِنِ افْتَقَرْتُ أَكَلْتُ
بِالْمَعْرُوفِ، فَإِذَا أَيْسَرْتُ قَضَيْتُ. رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
الْمُبَارَكِ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ "
وَمَنْ كانَ فَقِيراً
فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ
"
قَالَ: قَرْضًا ثُمَّ تَلَا {فَإِذا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ
فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ}. وَقَوْلٌ ثَانٍ رُوِيَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ وَعَطَاءٍ
وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَالنَّخَعِيِّ وَقَتَادَةَ: لَا قَضَاءَ عَلَى
الْوَصِيِّ الْفَقِيرِ فِيمَا يَأْكُلُ بِالْمَعْرُوفِ، لِأَنَّ ذَلِكَ حَقُّ
النَّظَرِ، وَعَلَيْهِ الْفُقَهَاءُ. قَالَ الْحَسَنُ: هُوَ طُعْمَةٌ مِنَ اللَّهِ
لَهُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ يَأْكُلُ مَا يَسُدُّ جَوْعَتَهُ، وَيَكْتَسِي مَا
يَسْتُرُ عَوْرَتَهُ، وَلَا يَلْبَسُ الرَّفِيعَ مِنَ الْكَتَّانِ وَلَا
الْحُلَلَ. وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ هَذَا الْقَوْلِ إِجْمَاعُ الْأُمَّةِ
عَلَى أَنَّ الْإِمَامَ النَّاظِرَ لِلْمُسْلِمِينَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ غُرْمُ
مَا أَكَلَ بِالْمَعْرُوفِ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ فَرَضَ سَهْمَهُ فِي
مَالِ اللَّهِ. فَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي قَوْلِ عُمَرَ: فَإِذَا أَيْسَرْتُ
قَضَيْتُ أَنْ لَوْ صَحَّ. وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي
الْعَالِيَةِ وَالشَّعْبِيِّ أَنَّ الْأَكْلَ بِالْمَعْرُوفِ هُوَ كَالِانْتِفَاعِ
بِأَلْبَانِ الْمَوَاشِي، وَاسْتِخْدَامِ الْعَبِيدِ، وَرُكُوبِ الدَّوَابِّ إِذَا
لَمْ يَضُرَّ بِأَصْلِ الْمَالِ، كَمَا يَهْنَأُ الْجَرْبَاءَ، وَيَنْشُدُ
الضَّالَّةَ، وَيَلُوطُ الْحَوْضَ، وَيَجُذُّ التَّمْرَ. فَأَمَّا أَعْيَانُ
الْأَمْوَالِ وَأُصُولُهَا فَلَيْسَ لِلْوَصِيِّ أَخْذُهَا. وَهَذَا كُلُّهُ
يُخَرَّجُ مَعَ قَوْلِ الْفُقَهَاءِ: إِنَّهُ يَأْخُذُ بِقَدْرِ أَجْرِ عَمَلِهِ،
وَقَالَتْ بِهِ طَائِفَةٌ وَأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمَعْرُوفُ، وَلَا قَضَاءَ
عَلَيْهِ، وَالزِّيَادَةُ عَلَى ذَلِكَ مُحَرَّمَةٌ. وَفَرَّقَ الْحَسَنُ بْنُ
صَالِحِ بْنِ حَيٍّ وَيُقَالُ ابْنُ حَيَّانَ بَيْنَ وَصِيِّ الْأَبِ
وَالْحَاكِمِ، فَلِوَصِيِّ الْأَبِ أَنْ يَأْكُلَ بِالْمَعْرُوفِ، وَأَمَّا
وَصِيُّ الْحَاكِمِ فَلَا سَبِيلَ لَهُ إِلَى الْمَالِ بِوَجْهٍ، وَهُوَ الْقَوْلُ
الثَّالِثُ. وَقَوْلٌ رَابِعٌ رُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ
قَرْضًا وَلَا غَيْرَهُ. وَذَهَبَ إِلَى أَنَّ الْآيَةَ مَنْسُوخَةٌ، نَسَخَهَا
قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ
بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ). النساء
29. وَهَذَا لَيْسَ بِتِجَارَةٍ. وَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ: إِنَّ الرُّخْصَةَ
فِي هَذِهِ الْآيَةِ مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ
يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً) النسا، الآية: 10. وحكى بشر بن الوليد عن
أبى يُوسُفَ قَالَ: لَا أَدْرِي، لَعَلَّ هَذِهِ الْآيَةَ مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ
عَزَّ وَجَلَّ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ
بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ}.
النساء: 29.



وَهُوَ
الْفَرْقُ بَيْنَ الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ، فَيُمْنَعُ إِذَا كَانَ مُقِيمًا مَعَهُ
فِي الْمِصْرِ. فَإِذَا احْتَاجَ أَنْ يُسَافِرَ مِنْ أَجْلِهِ فَلَهُ أَنْ
يَأْخُذَ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ، وَلَا يَقْتَنِي شَيْئًا، قَالَهُ أَبُو
حَنِيفَةَ وَصَاحِبَاهُ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ. وقَالَ أَبُو قِلَابَةَ: فَلْيَأْكُلْ
بِالْمَعْرُوفِ مِمَّا يَجْنِي مِنَ الْغَلَّةِ، فَأَمَّا الْمَالُ النَّاضُّ
فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئًا قَرْضًا وَلَا غَيْرَهُ. ورَوَى
عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ في "
وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ" قَالَ: إِذَا احْتَاجَ وَاضْطُرَّ.والْمُرَادُ
أَنْ يَأْكُلَ الْوَصِيُّ بِالْمَعْرُوفِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ حَتَّى لَا
يَحْتَاجَ إِلَى مَالِ الْيَتِيمِ، فَيَسْتَعْفِفُ الْغَنِيُّ بِغِنَاهُ،
وَالْفَقِيرُ يُقَتِّرُ عَلَى نَفْسِهِ حَتَّى لَا يَحْتَاجَ إِلَى مَالِ
يَتِيمِهِ. وَهَذَا مِنْ أَحْسَنِ مَا رُوِيَ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ، لِأَنَّ
أَمْوَالَ النَّاسِ محظورةٌ لا يُطلَقُ شيءٌ مِنْهَا إِلَّا بِحُجَّةٍ قَاطِعَةٍ. وَقَدِ
اخْتَارَ هَذَا الْقَوْلَ الْكِيَا الطَّبَرِيُّ فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ لَهُ،
فَقَالَ: "تَوَهَّمَ مُتَوَهِّمُونَ مِنَ السَّلَفِ بِحُكْمِ الْآيَةِ أَنَّ
لِلْوَصِيِّ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ مَالِ الصَّبِيِّ قَدْرًا لَا يَنْتَهِي إِلَى
حَدِّ السَّرَفِ، وَذَلِكَ خِلَافُ مَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ مِنْ
قَوْلِهِ: {ولَا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلَّا أَنْ
تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ} وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ فِي مَالِ الْيَتِيمِ.
فَقَوْلُهُ: "
وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ" يَرْجِعُ إِلَى أَكْلِ مَالِ نَفْسِهِ دُونَ
مَالِ الْيَتِيمِ. فَمَعْنَاهُ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَ الْيَتِيمِ مَعَ
أَمْوَالِكُمْ، بَلِ اقْتَصِرُوا عَلَى أَكْلِ أَمْوَالِكُمْ. وَقَدْ دَلَّ
عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ
إِنَّهُ كانَ حُوباً كَبِيراً}. وَبَانَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: "
وَمَنْ كانَ غَنِيًّا
فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ
" الِاقْتِصَارُ عَلَى الْبُلْغَةِ، حَتَّى لَا
يَحْتَاجَ إِلَى أَكْلِ مَالِ الْيَتِيمِ، فَهَذَا تَمَامُ مَعْنَى الآية.
فَقَدْ
وَجَدْنَا آيَاتٍ مُحْكَمَاتٍ تَمْنَعُ أَكْلَ مَالِ الْغَيْرِ دُونَ رِضَاهُ،
سِيَّمَا فِي حَقِّ الْيَتِيمِ. وَقَدْ وَجَدْنَا هَذِهِ الْآيَةَ مُحْتَمِلَةً
لِلْمَعَانِي، فَحَمْلُهَا عَلَى مُوجِبِ الْآيَاتِ الْمُحْكَمَاتِ مُتَعَيِّنٌ.
فَإِنْ قَالَ مَنْ يَنْصُرُ مَذْهَبَ السَّلَفِ: إِنَّ الْقُضَاةَ يَأْخُذُونَ
أَرْزَاقَهُمْ لِأَجْلِ عَمَلِهِمْ لِلْمُسْلِمِينَ، فَهَلَّا كَانَ الْوَصِيُّ
كَذَلِكَ إِذَا عَمِلَ لِلْيَتِيمِ، وَلِمَ لَا يَأْخُذُ الْأُجْرَةَ بِقَدْرِ
عَمَلِهِ؟ قِيلَ لَهُ: اعْلَمْ أَنَّ أَحَدًا مِنَ السَّلَفِ لَمْ يُجَوِّزْ
لِلْوَصِيِّ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ مَالِ الصَّبِيِّ مَعَ غِنَى الْوَصِيِّ،
بِخِلَافِ الْقَاضِي، فَذَلِكَ فَارِقٌ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ. وَأَيْضًا
فَالَّذِي يَأْخُذُهُ الْفُقَهَاءُ وَالْقُضَاةُ وَالْخُلَفَاءُ الْقَائِمُونَ
بِأُمُورِ الْإِسْلَامِ لَا يَتَعَيَّنُ لَهُ مَالِكٌ. وَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ
ذَلِكَ الْمَالَ الضَّائِعَ لِأَصْنَافٍ بِأَوْصَافٍ، وَالْقُضَاةُ مِنْ
جُمْلَتِهِمْ، وَالْوَصِيُّ إِنَّمَا يَأْخُذُ بِعَمَلِهِ مَالَ شَخْصٍ مُعَيَّنٍ
مِنْ غَيْرِ رِضَاهُ، وَعَمَلُهُ مَجْهُولٌ وَأُجْرَتُهُ مَجْهُولَةٌ وَذَلِكَ
بَعِيدٌ عَنِ الِاسْتِحْقَاقِ. وكَانَ الْإِمَامُ أَبُو الْعَبَّاسِ يَقُولُ: إِنْ
كَانَ مَالُ الْيَتِيمِ كَثِيرًا يَحْتَاجُ إِلَى كَبِيرِ قِيَامٍ عَلَيْهِ
بِحَيْثُ يَشْغَلُ الْوَلِيَّ عَنْ حَاجَاتِهِ وَمُهِمَّاتِهِ فُرِضَ لَهُ فِيهِ
أَجْرُ عَمَلِهِ، وَإِنْ كَانَ تَافِهًا لَا يَشْغَلُهُ عَنْ حَاجَاتِهِ فَلَا
يَأْكُلُ مِنْهُ شَيْئًا، غَيْرَ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ شُرْبُ قَلِيلِ
اللَّبَنِ وَأَكْلِ الْقَلِيلِ مِنَ الطَّعَامِ وَالسَّمْنِ، غَيْرَ مُضِرٍّ بِهِ
وَلَا مُسْتَكْثِرٍ لَهُ، بَلْ عَلَى مَا جَرَتِ الْعَادَةُ بِالْمُسَامَحَةِ
فِيهِ. وَمَا ذَكَرْتُهُ مِنَ الْأُجْرَةِ، وَنَيْلِ الْيَسِيرِ مِنَ التَّمْرِ
وَاللَّبَنِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَعْرُوفٌ، فَصَلُحَ حَمْلُ الْآيَةِ عَلَى
ذَلِكَ. وَالِاحْتِرَازُ عَنْهُ أَفْضَلُ.



وَأَمَّا
مَا يَأْخُذُهُ قَاضِي الْقِسْمَةِ وَيُسَمِّيهِ رَسْمًا وَنَهْبُ أَتْبَاعِهِ
فَلَا أَدْرِي لَهُ وَجْهًا وَلَا حِلًّا، وَهُمْ دَاخِلُونَ فِي عُمُومِ قَوْلِهِ
تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما
يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارً}.



قَوْلُهُ
تَعَالَى: {
فَإِذا
دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ
} أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِالْإِشْهَادِ تَنْبِيهًا
عَلَى التَّحْصِينِ وَزَوَالًا لِلتُّهَمِ. وَهَذَا الْإِشْهَادُ مُسْتَحَبٌّ
عِنْدَ طَائِفَةٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ، فَإِنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْوَصِيِّ،
لِأَنَّهُ أَمِينٌ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: هُوَ فَرْضٌ، وَهُوَ ظاهر الآية. أَلَا
تَرَى أَنَّ الْوَكِيلَ لَوِ ادَّعَى أَنَّهُ قَدْ دَفَعَ لِزَيْدٍ مَا أَمَرَهُ
بِهِ بِعَدَالَتِهِ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ إِلَّا بِبَيِّنَةٍ، فَكَذَلِكَ
الْوَصِيُّ. وَرَأَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَابْنُ
جُبَيْرٍ أَنَّ هَذَا الْإِشْهَادَ إِنَّمَا هُوَ عَلَى دَفْعِ الْوَصِيِّ فِي
يُسْرِهِ مَا اسْتَقْرَضَهُ مِنْ مَالِ يَتِيمِهِ حَالَةَ فَقْرِهِ. قَالَ
عُبَيْدَةُ: هَذِهِ الْآيَةُ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ الْقَضَاءِ عَلَى مَنْ أَكَلَ،
الْمَعْنَى: فَإِذَا اقْتَرَضْتُمْ أَوْ أَكَلْتُمْ فَأَشْهِدُوا إِذَا
غَرِمْتُمْ. وَالصَّحِيحُ أَنَّ اللَّفْظَ يَعُمُّ هَذَا وَسِوَاهُ. وَالظَّاهِرُ
أَنَّ الْمُرَادَ إِذَا أَنْفَقْتُمْ شيئًا على المولى عليه فأشهدوا، حتَّى لو
وَقَعَ خِلَافٌ أَمْكَنَ إِقَامَةُ الْبَيِّنَةِ، فَإِنَّ كُلَّ مَالٍ قُبِضَ
عَلَى وَجْهِ الْأَمَانَةِ بِإِشْهَادٍ لَا يُبْرَأُ مِنْهُ إِلَّا بِالْإِشْهَادِ
عَلَى دَفْعِهِ، لِقَوْلِهِ تعالى: "
فَأَشْهِدُوا"
فإذا دَفَعَ لِمَنْ دَفَعَ إِلَيْهِ بِغَيْرِ إِشْهَادٍ فَلَا يَحْتَاجُ فِي
دَفْعِهَا لِإِشْهَادٍ إِنْ كَانَ قَبْضُها بغير إشهادٍ.



كَمَا
عَلَى الْوَصِيِّ وَالْكَفِيلِ حِفْظُ مَالِ يَتِيمِهِ وَالتَّثْمِيرُ لَهُ،
كَذَلِكَ عَلَيْهِ حِفْظُ الصَّبِيِّ فِي بَدَنِهِ. فَالْمَالُ يَحْفَظُهُ
بِضَبْطِهِ، وَالْبَدَنُ يَحْفَظُهُ بِأَدَبِهِ. وَرُوِيَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ
لِلنَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ فِي حِجْرِي يَتِيمًا
أَآكُلُ مِنْ مَالِهِ؟ قَالَ: ((نَعَمْ غَيْرُ مُتَأَثِّلٍ مَالًا وَلَا وَاقٍ
مَالَكَ بِمَالِهِ). قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَأَضْرِبُهُ؟ قَالَ: ((مَا
كُنْتَ ضَارِبًا مِنْهُ وَلَدَكَ)). قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَإِنْ لَمْ
يَثْبُتْ مُسْنَدًا فَلَيْسَ يَجِدُ أَحَدٌ عَنْهُ مُلْتَحَدًا.



قَوْلُهُ
تَعَالَى: {
وَكَفى
بِاللَّهِ حَسِيباً
} أَيْ
كَفَى اللَّهُ حَاسِبًا لِأَعْمَالِكُمْ وَمُجَازِيًا بِهَا. فَفِي هَذَا وَعِيدٌ
لِكُلِّ جَاحِدِ حَقٍّ. وَالْبَاءُ زَائِدَةٌ، وَهُوَ في موضع رفع.



قوله
ـ تعالى: {
حتى
إِذَا بَلَغُواْ
} في "حتّى"
هذه وما أشبهها أعني الداخلةَ على "إذا" قولان، أشهرُهما: أنَّها حرف
غاية دَخَلَتْ على الجملةِ الشرطيّة وجوابِها، والمعنى: وابْتَلوا اليتامى إلى وقت
بلوغِهم واستحقاقِهم دَفْعَ أموالِهم بشرطِ إيناسِ الرُّشْدِ، فهي حرفُ ابتداءٍ
كالداخلةِ على سائرِ الجُمَلِ كقولِه:



وما زالَتِ القَتْلى تَمُجُّ دماءها .............. بِدَجْلَةَ
حتى ماءُ دَجْلَةَ أَشْكَلُ



وكقولِ
امرىءِ القيس:



سَرَيْتُ بهم حتَّى تَكِلَّ مَطِيُّهم ............. وحتَّى
الجيادُ ما يُقَدْنَ بِأَرْسانِ



والثاني:
وهو قول جماعة منهم الزَجَّاجُ وابنُ دُرُسْتَويْهِ أنَّها حرفُ جَرٍّ، وما بعَدها
مجرورٌ بها، وعلى هذا فـ "
إذا"
تتمحَّضُ للظَرفيةِ، ولا يكون فيها معنى الشرطِ، وعلى القولِ الأولِ يكونُ العاملُ
في "
إذا" ما تَخَلَّصَ مِن معنى جَوابِها تقديرُه: إذا بَلَغوا
النِّكاحَ راشِدين فادْفَعوا. وظاهرُ عبارةِ بعضِهم أنَّ "
إذا" ليست بِشَرْطِيَّةٍ، قال: وإذا ليست بشرطيةٍ لِحصول
ما بعدَها، وأجازَ سِيبَويْهِ أنْ يُجازى بها في الشعرِ، وقال: فَعلوا ذلك مضطرِّين،
وإنَّما جُوزي بها لأنَّها تحتاجُ إلى جَوابٍ، وبأنَّه يَليها الفعلُ ظاهراً أو
مضمراً، واحتجَّ الخليلُ على عدمِ شرطيَّتِها بحصولِ ما بعدها، ألا ترى أنك تقول: "أجيئُكَ
إذا حان الحصاد"، ولا تقولُ: "إنْ حان". وهذا يَدُلُّ على أنَّها
تكونُ ظَرفاً مُجرَّداً ليس فيها معنى الشرط، وهو مخالفٌ للنَحْويين، فإنَّهم كالمُجمِعين
على أنَّها ظرفٌ فيها معنى الشرط غالباً، وإنْ وُجِدَ في عِبارةِ بعضِهم ما يَنْفي
كونَها أداةَ شرطٍ فإنَّما يَعني أنَّها لا يُجْزَمُ بها لا أَنَّها لا تكونُ شَرْطاً.
وقَدَّر بعضهُم مضافاً فقال: تقديره: بَلَغوا حَدَّ النِّكاحِ أوْ وقتَه، والظاهرُ
أنه لا يُحتاج إليه، إذ المعنى: صَلَحوا للنكاح. والفاءُ في قولِه: {
فَإِنْ آنَسْتُمْ} جوابُ "إذا"، وفي قولِه "فادْفَعُوا" جوابُ "إنْ".


وقرأ
ابنُ مسعودٍ: "فإن أحَسْتُم" والأصل: أحْسَسْتُم فَحَذَفَ إِحدى السينين،
ويُحتمل أنْ تَكونَ العينَ أو اللامُ، ومثلُه قولُ أبي زُبَيْدٍ:



سِوى أنَّ العِتاقَ من المَطايا ...................
حَسِيْنَ به فهنَّ إليه شوسُ



وهذا
حذفٌ لا ينقاس، ونَقَلَ بعضُهم أنَّها لُغةُ سُلَيْم، وأنَّها مُطَّردة في عينِ كلِّ
فعلٍ مُضاعفةٍ اتَّصلَ بِه تاءُ الضميرِ أو نونُه.



ونكَّر
"
رُشْداً" دَلالةً على التنويعِ، والمعنى: أيُّ نوعٍ حَصَل
مِنَ الرُّشْدِ كان كافياً. وقرأ الجمهورُ: "
رُشْداً"
بضمةٍ وسُكونٍ، وقرأ ابنُ مسعودٍ والسُلَمِيُ بفتحتين، وبعضُهم بضمتين.



وآنَسَ
كذا: أَحَسَّ به وشَعَرَ، قال الحارث بنُ حِلزةَ:



آنَسَتْ نَبْأَةً وأَفزَعَها القُنَّـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاصُ
عَصْراً وقد دَنا الإِمساءُ



وقيل:
"وَجد"، وقيل: "أبصر".



قوله:
{
إِسْرَافاً وَبِدَاراً} فيه وجهان، أحدُهما: أنّهما منصوبان على المَفعولِ مِنْ
أجلِه أيْ: لأَجْلِ الإِسرافِ والبِدار. ونُقِلَ عنِ ابنِ عبَّاسٍ أنَّه قال: (كان
الأولياءُ يَستَغنِمون أَكلَ مالِ اليَتيمِ، لِئَلَّا يَكبرَ، فينتزعَ المالَ منهم).
والثاني: أنَّهما مصدران في موضِعِ الحالِ أي: مسرِفينَ ومُبادرين. و"
بِداراً" مصدرُ بادرَ، والمُفاعَلةُ هُنا يَجوزُ أنْ تكونَ
مِن اثنين على بابِها، بمعنى "أنَّ الوليَّ يُبادِرُ اليَتيمَ إلى أَخذِ
مالِه، واليَتيمُ يبادِرُ إلى الكبر، ويجوزُ أنْ يَكونَ مِنْ واحدٍ بِمعنى: أنَّ
فاعَلَ بمعنى فَعَلَ نحو: سافَرَ وطارَقَ.



قولُه:
{
أَن يَكْبَرُواْ} فيه وجهان، أحدُهما: أنَّه مفعولٌ بالمَصدرِ أي:
وبِداراً كِبَرَهم، كقولِه: {أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيماً}
البلَدِ: 14 ـ 15، وفي إعمالِ المَصدرِ المُنوَّنِ خِلافٌ مَشهورٌ. والثاني: أنَّه
مفعولٌ مِن أجلِه على حَذْفٍ، أي: مخافةَ أنْ يَكْبَروا، وعلى هذا فمفعولُ "
بِداراً" محذوفٌ. وهذه الجملةُ النَّهْيِيَّة فيها وجهان،
أصحُّهما: أنَّها استئنافيَّةٌ، وليست معطوفةً على ما قبلها. والثاني: أنَّها عَطفٌ
على ما قبلَها وهو جوابُ الشرط بـ "إنْ" أي: فادْفَعوا ولا تأكلوها،
وهذا فاسدٌ، لأنَّ الشرطَ وجوابَه مترتِّبان على بلوغِ النِّكاحِ، وهو معارضٌ لقولِه
{
وَبِدَاراً أَنْ يَكْبَرُوا} فيَلزَمُ منْه سَبْقُه على ما ترتَّبَ عليْه وذلك
ممتنعٌ.



قولُه:
{
وكفى بالله حَسِيباً} في "كفى"
قولان، أحدُهُما: أنَّها اسْمُ فِعلٍ. والثاني: وهو الصحيحُ أنَّها فِعْلٌ، وفي
فاعِلِها قولان: أحدُهُما ـ وهو الصحيحُ ـ أنَّه المجرورُ بالباءِ، والباءُ زائدةٌ
فيه وفي فاعلِ مضارعِه نحو: {
أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ} فُصِّلت: 53. باطِّرادٍ. وزِيدتْ لِتَدُلَّ على معنَى
الأَمْرِ إذِ التقديرُ: اكْتفِ بالله. والثاني: أنَّه مُضمَرٌ، والتَقديرُ: كَفَى
الاكْتِفاءُ، و"
بالله"
على هذا في مَوْضِعِ نَصْبٍ لأنَّه مفعولٌ بِهِ في المَعنى، وهذا رأيُ ابنِ السَرَّاجِ.
ورُدَّ هذا بأنَّ إعْمالَ المَصدَرِ المَحذوفِ لا يجوزُ عند البَصرييّن إلَّا
ضرورةً كقولِه:



هل تَذْكُرون إلى الدَّيْرَيْنِ هِجْرَتَكم .......
ومَسْحَكم صُلْبَكُمْ رُحْمانَ قُرْبانا



أي:
قولَكم يا رُحمان.



وقيل:
الفاعلُ مُضمَرٌ، وهو ضميرُ الاكْتِفاء، أي: كفى هو، أي: الاكتفاء،



والباءُ
ليست زائدةً، فيكونُ في مَوضِعِ نَصْبٍ، ويتعلَّق إذ ذاك بالفاعل، وهذا ال
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
فيض العليم ... سورة النساء، الآية: 6
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» فيض العليم ... سورة النساء، الآية: 48
» فيض العليم ... سورة النساء، الآية: 3
» فيض العليم ... سورة النساء، الآية: 18
» فيض العليم ... سورة النساء، الآية: 33
» فيض العليم ... سورة النساء، الآية: 66

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
روضة الشاعر عبد القادر الأسود :: ...:: الروضة الروحانية ::... :: روضة الذكر الحكيم-
انتقل الى: