روضة الشاعر عبد القادر الأسود
بعد الصلاة على الرحمة المهداة

أهلا وسهلا بك في روضتنا

يسرنا تسجيلك

روضة الشاعر عبد القادر الأسود
بعد الصلاة على الرحمة المهداة

أهلا وسهلا بك في روضتنا

يسرنا تسجيلك

روضة الشاعر عبد القادر الأسود
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

روضة الشاعر عبد القادر الأسود

منتدى أدبي اجتماعي يعنى بشؤون الشعر والأدب والموضوعات الاجتماعي والقضايا اللإنسانية
 
مركز تحميل الروضةالرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
بسـم الله الرحمن الرحيم  :: الحمد لله رب العالمين * الرحمن الرحيم * مالك يوم الدين * إياك نعبد وإياك نستعين * إهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين أنعمت عليهم * غير المغضوب عليهم ولا الضــالين ....  آميـــن

 

 فيض العليم ... سورة النساء، الآية: 5

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
عبد القادر الأسود

¤° صاحب الإمتياز °¤
¤° صاحب الإمتياز °¤
عبد القادر الأسود


عدد المساهمات : 3986
تاريخ التسجيل : 08/09/2011
العمر : 76
المزاج المزاج : رايق
الجنس : ذكر
فيض العليم ... سورة النساء، الآية:  5 Jb12915568671



فيض العليم ... سورة النساء، الآية:  5 Empty
مُساهمةموضوع: فيض العليم ... سورة النساء، الآية: 5   فيض العليم ... سورة النساء، الآية:  5 I_icon_minitimeالإثنين أبريل 22, 2013 2:26 am

وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ
اللَّهُ لَكُمْ قِياماً وَارْزُقُوهُمْ فِيها وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ
قَوْلاً مَعْرُوفاً.
(5)


قولُه ـ
تعالى شأنه: { وَلا تُؤْتُوا
السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِياماً
} هو خِطَابٌ
لِمَجْمُوعِ الأُمَّةِ، وَالنَّهْيُ فِيهِ شَامِلٌ لِكُلِّ مَالٍ يُعْطَى لأيِّ
سَفِيهٍ، ويَأْمُرُ الله ـ تعالى ـ بِإِعْطَاءِ كُلِّ يَتِيمٍ مَالَهُ إذَا بَلَغَ،
وَكُلِّ امْرَأَةٍ صَدَاقَهَا، إلاَّ إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا سَفِيهاً لاَ
يُحْسِنُ التَّصَرُّفَ فِي مَالِهِ فَعَلَى المَسْؤُولِينَ عَنِ المَالِ أنْ لاَ
يُعْطُوهُ مِنْهُ لِئَلاَّ يُبَذِّرَهُ، وَأنْ يَحْفَظُوهُ لَهُ حَتَّى يَرْشُدَ.
وَقَدْ جَعَلَ اللهُ الأَمْوَالَ لِلْنَّاسِ لِتَقُومَ بِهَا مَعَاشَاتُهُمْ
وَتِجَارَتُهُمْ، وَتَثْبُتَ بِهَا مَنَافِعُهُمْ وَمَرَافِقُهُمْ.
فَمَرَافِقُهُمْ وَمَصَالِحُهُمُ العَّامَّةُ لاَ تَزَالُ ثَابِتَةً قَائِمَةً مَا
دَامَتْ أَمْوَالُهُمْ فِي أَيْدِي الرَّاشِدِينَ المُقْتَصِدِينَ مِنْهُمْ، الَّذِينَ
يُحْسِنُونَ تَثْمِيرَهَا. وَنَبَّهَ اللهُ ـ تَعَالَى ـ الأَوْلِيَاءَ الذِينَ
يَتَوَلَّوْنَ أَمْوَالَ السُّفَهَاءِ وَتَثْمِيرَهَا، بِأنَّ عَلَيهِمْ أنْ
يُنْفِقُوا عَلَيْهِمْ، وَيُقَدِّمُوا لَهُمْ كِفَايَتَهُمْ مِنَ الطَّعَامِ
وَالثِّيَابِ وَنَحُوَ ذَلِكَ، مِنْ نِتَاجِ الأَمْوَالِ وَأَرْبَاحِهَا، لاَ مِنْ
صُلْبِ المَالِ حَتَّى لاَ يَأكُلَهُ الإِنْفَاقُ. وَعَلَى الوَلِيِّ أنْ يَنْصَحَ
اليَتِيمَ الصَّغِيرَ، أوِ السَّفِيهَ، وَأنْ يُبَيِّنَ لَهُ مَا فِيهِ خَيْرُهُ
وَمَصْلَحَتُهُ، وَأنْ يَحُثَّهُ عَلَى تَرْكِ الإِسْرَافِ وَالتَّبْذِيرِ، وَأنْ
يُعَامِلهُ بِالرِّفْقِ وَالإِحْسَانِ وَالكَلِمَةِ الطَّيِّبَةِ. وقد أَمَرَ
اللَّهُ ـ تَعَالَى ـ بِدَفْعِ أَمْوَالِ الْيَتَامَى إِلَيْهِمْ فِي قَوْلِهِ: {وَآتُوا
الْيَتامى أَمْوالَهُمْ} النساء: 2. وَإِيصَالُ الصَّدَقَاتِ إِلَى الزَّوْجَاتِ،
بَيَّنَ أَنَّ السَّفِيهَ وَغَيْرَ الْبَالِغِ لا يَجوزُ دفعُ مالِه إليه. فدلت الْآيَةُ
عَلَى ثُبُوتِ الْوَصِيِّ وَالْوَلِيِّ وَالْكَفِيلِ لِلْأَيْتَامِ. وَأَجْمَعَ
أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الْوَصِيَّةَ إِلَى الْمُسْلِمِ الْحُرِّ الثِّقَةِ
الْعَدْلِ جَائِزَةٌ. وَاخْتَلَفُوا فِي الْوَصِيَّةِ إِلَى الْمَرْأَةِ
الْحُرَّةِ، فَقَالَ عَوَامُّ أَهْلِ الْعِلْمِ: الْوَصِيَّةُ لَهَا جَائِزَةٌ.
وَاحْتَجَّ أَحْمَدُ بِأَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَوْصَى إِلَى
حَفْصَةَ. وَرُوِيَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ أَنَّهُ قَالَ فِي رَجُلٍ
أَوْصَى إِلَى امْرَأَتِهِ قَالَ: لَا تَكُونُ الْمَرْأَةُ وَصِيًّا، فَإِنْ
فُعِلَ حُوِّلَتْ إِلَى رَجُلٍ مِنْ قَوْمِهِ. وَاخْتَلَفُوا فِي الْوَصِيَّةِ
إِلَى الْعَبْدِ، فَمَنَعَهُ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ وَمُحَمَّدٌ وَيَعْقُوبُ.
وَأَجَازَهُ مَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ. وَهُوَ قَوْلُ
النَّخَعِيِّ إِذَا أَوْصَى إِلَى عَبْدِهِ.



قَوْلُهُ
تَعَالَى: {السُّفَهاءَ}
اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي هَؤُلَاءِ السُّفَهَاءِ، مَنْ هُمْ؟ فقال سَعِيدُ بْنُ
جُبَيْرٍ: هُمُ الْيَتَامَى لَا تُؤْتُوهُمْ أَمْوَالَكُمْ. وَهَذَا مِنْ أَحْسَنِ
مَا قِيلَ فِي الْآيَةِ. وقَيلَ: هُمُ الْأَوْلَادُ الصِّغَارُ، لَا تُعْطُوهُمْ
أَمْوَالَكُمْ فيُفسِدوها وتَبْقَوا بلا شيْءٍ. وَقال مُجَاهِدٍ: هُمُ النِّسَاءُ.
وَهَذَا الْقَوْلُ لَا يَصِحُّ، إِنَّمَا تَقُولُ الْعَرَبُ فِي النِّسَاءِ
سَفَائِهُ أَوْ سَفِيهَاتٌ، لِأَنَّهُ الْأَكْثَرُ فِي جَمْعِ فَعِيلَةٍ.
وَيُقَالُ: لَا تَدْفَعْ مَالَكَ مُضَارَبَةً وَلَا إِلَى وَكِيلٍ لَا يُحْسِنُ
التِّجَارَةَ. وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ ـ رضي الله عنه ـ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ لَمْ
يَتَفَقَّهْ فَلَا يَتَّجِرْ فِي سُوقِنَا، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: "وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ
أَمْوالَكُمُ
" يَعْنِي الْجُهَّالَ بِالْأَحْكَامِ. وَيُقَالُ: لَا
تَدْفَعْ إِلَى الْكُفَّارِ، وَلِهَذَا كَرِهَ الْعُلَمَاءُ أَنْ يُوَكِّلَ
الْمُسْلِمُ ذِمِّيًّا بِالشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ، أَوْ يَدْفَعَ إِلَيْهِ
مُضَارَبَةً. وَقَالَ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:
السُّفَهَاءُ هُنَا كُلُّ مَنْ يَسْتَحِقُّ الْحَجْرَ. وَهَذَا جَامِعٌ. وَأَمَّا
الْحَجْرُ عَلَى السَّفِيهِ فَالسَّفِيهُ لَهُ أَحْوَالٌ: حَالٌ يُحْجَرُ عَلَيْهِ
لِصِغَرِهِ، وَحَالَةٌ لِعَدَمِ عَقْلِهِ بِجُنُونٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَحَالَةٌ
لِسُوءِ نَظَرِهِ لِنَفْسِهِ فِي مَالِهِ. فَأَمَّا الْمُغْمَى عَلَيْهِ
فَاسْتَحْسَنَ مَالِكٌ أَلَّا يُحْجَرَ عَلَيْهِ لِسُرْعَةِ زَوَالِ مَا بِهِ.
وَالْحَجْرُ يَكُونُ مَرَّةً فِي حَقِّ الْإِنْسَانِ وَمَرَّةً فِي حَقِّ
غَيْرِهِ، فَأَمَّا الْمَحْجُورُ عليه في حق نفسِه مَنْ ذَكَرْنَا. وَالْمَحْجُورُ
عَلَيْهِ فِي حَقِّ غَيْرِهِ الْعَبْدُ وَالْمِدْيَانُ وَالْمَرِيضُ فِي
الثُّلُثَيْنِ، وَالْمُفْلِسُ وَذَاتُ الزَّوْجِ لِحَقِّ الزَّوْجِ، وَالْبِكْرُ
فِي حَقِّ نَفْسِهَا. فَأَمَّا الصَّغِيرُ وَالْمَجْنُونُ فَلَا خِلَافَ فِي الْحَجْرِ
عَلَيْهِمَا. وَأَمَّا الْكَبِيرُ فَلِأَنَّهُ لَا يُحْسِنُ النَّظَرَ لِنَفْسِهِ
في مالِه، ولا يُؤمَنُ منْه إتْلافُ مالِه فِي غَيْرِ وَجْهٍ، فَأَشْبَهَ
الصَّبِيَّ، وَفِيهِ خِلَافٌ يأتي. ولا فرقَ بيْن أنْ يُتلِفَ مالَه في المَعاصي
أو في القُرَبِ والمُباحات. واخْتَلفوا إذا أَتلفَ مالَه فِي الْقُرَبِ،
فَمِنْهُمْ مَنْ حَجَرَ عَلَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَحْجُرْ عَلَيْهِ.
وَالْعَبْدُ لَا خِلَافَ فِيهِ. وَالْمِدْيَانُ يُنْزَعُ مَا بِيَدِهِ
لِغُرَمَائِهِ، لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ، وَفِعْلِ عُمَرَ ذَلِكَ بِأُسَيْفِعِ
جُهَيْنَةَ، ذَكَرَهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ. وَالْبِكْرُ مَا دَامَتْ فِي
الْخِدْرِ مَحْجُورٌ عَلَيْهَا، لِأَنَّهَا لَا تُحْسِنُ النَّظَرَ لنفسِها. حتَّى
إذ تَزَوَّجَتْ وَدَخَلَ إِلَيْهَا النَّاسُ، وَخَرَجَتْ وَبَرَزَ وَجْهُهَا
عَرَفَتِ الْمَضَارَّ مِنَ الْمَنَافِعِ. وَأَمَّا ذَاتُ الزَّوْجِ فَلِأَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ قَالَ: ((لَا يَجُوزُ
لِامْرَأَةٍ مَلَكَ زَوْجُهَا عِصْمَتَهَا قَضَاءٌ فِي مَالِهَا إِلَّا فِي
ثُلُثِهَا)). قُلْتُ: وَأَمَّا الْجَاهِلُ بِالْأَحْكَامِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ
مَحْجُورٍ عَلَيْهِ لِتَنْمِيَتِهِ لِمَالِهِ وَعَدَمِ تَدْبِيرِهِ، فَلَا
يُدْفَعُ إِلَيْهِ الْمَالُ، لِجَهْلِهِ بِفَاسِدِ الْبِيَاعَاتِ وَصَحِيحِهَا
وَمَا يَحِلُّ وَمَا يَحْرُمُ مِنْهَا. وَكَذَلِكَ الذِّمِّيُّ مِثْلُهُ فِي الْجَهْلِ
بِالْبِيَاعَاتِ وَلِمَا يُخَافُ مِنْ مُعَامَلَتِهِ بِالرِّبَا وَغَيْرِهِ.
وَاللَّهُ أَعْلَمُ.



وَاخْتَلَفُوا
فِي وَجْهِ إِضَافَةِ الْمَالِ إِلَى الْمُخَاطَبِينَ عَلَى هَذَا، وَهِيَ
لِلسُّفَهَاءِ، فَقِيلَ: أَضَافَهَا إِلَيْهِمْ لِأَنَّهَا بِأَيْدِيهِمْ وَهُمُ
النَّاظِرُونَ فِيهَا فَنُسِبَتْ إِلَيْهِمُ اتِّسَاعًا، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَسَلِّمُوا
عَلى أَنْفُسِكُمْ} وَقَوْلهُ {فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ}. وَقِيلَ: أَضَافَهَا
إِلَيْهِمْ لِأَنَّهَا مِنْ جِنْسِ أَمْوَالِهِمْ، فَإِنَّ الْأَمْوَالَ جُعِلَتْ
مُشْتَرَكَةً بَيْنَ الْخَلْقِ تَنْتَقِلُ مِنْ يَدٍ إِلَى يَدٍ، وَمِنْ مِلْكٍ
إِلَى مِلْكٍ، أَيْ هِيَ لَهُمْ إِذَا احْتَاجُوهَا كَأَمْوَالِكُمُ الَّتِي تَقِي
أَعْرَاضَكُمْ وَتَصُونُكُمْ وَتُعَظِّمُ أَقْدَارَكُمْ، وَبِهَا قِوَامُ
أَمْرِكُمْ. وَقَوْلٌ ثَانٍ قَالَهُ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ وَابْنُ عَبَّاسٍ
وَالْحَسَنُ وَقَتَادَةُ: (أَنَّ الْمُرَادَ أَمْوَالُ الْمُخَاطَبِينَ حَقِيقَةً.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَا تَدْفَعْ مَالَكَ الَّذِي هُوَ سَبَبُ مَعِيشَتِكَ
إِلَى امْرَأَتِكَ وَابْنِكَ وَتَبْقَى فَقِيرًا تَنْظُرُ إِلَيْهِمْ وَإِلَى مَا
فِي أَيْدِيهِمْ، بَلْ كُنْ أَنْتَ الَّذِي تُنْفِقُ عَلَيْهِمْ. فَالسُّفَهَاءُ
عَلَى هَذَا هُمُ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ، صِغَارُ وَلَدِ الرَّجُلِ
وَامْرَأَتُهُ. وَهَذَا يُخَرَّجُ مَعَ قولِ مجاهدٍ وأبي مالكٍ في السفهاء.



وَدَلَّتِ
الْآيَةُ عَلَى جَوَازِ الْحَجْرِ عَلَى السَّفِيهِ، لِأَمْرِ اللَّهِ عَزَّ
وَجَلَّ بِذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: "وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ" وَقَالَ {فَإِنْ
كانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً} البقرة: 282. فَأَثْبَتَ
الْوِلَايَةَ عَلَى السَّفِيهِ كَمَا أَثْبَتَهَا عَلَى الضَّعِيفِ. وَكَانَ
مَعْنَى الضَّعِيفِ رَاجِعًا إِلَى الصَّغِيرِ، وَمَعْنَى السَّفِيهِ إِلَى
الْكَبِيرِ الْبَالِغِ، لِأَنَّ السَّفَهَ اسْمُ ذَمٍّ وَلَا يُذَمُّ الْإِنْسَانُ
عَلَى مَا لَمْ يَكْتَسِبْهُ، وَالْقَلَمُ مَرْفُوعٌ عَنْ غَيْرِ الْبَالِغِ،
فَالذَّمُّ وَالْحَرَجُ مَنْفِيَّانِ عَنْهُ، قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ.



وَاخْتَلَفَ
الْعُلَمَاءُ فِي أَفْعَالِ السَّفِيهِ قَبْلَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ، فَقَالَ
مَالِكٌ وَجَمِيعُ أَصْحَابِهِ غَيْرَ ابْنِ الْقَاسِمِ: إِنَّ فِعْلَ السَّفِيهِ
وَأَمْرَهُ كُلَّهُ جَائِزٌ حَتَّى يَضْرِبَ الْإِمَامُ عَلَى يَدِهِ. وَهُوَ
قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي يُوسُفَ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: أَفْعَالُهُ
غَيْرُ جَائِزَةٍ وَإِنْ لَمْ يَضْرِبْ عَلَيْهِ الْإِمَامُ. وإِنْ كَانَ ظَاهِرَ
السَّفَهِ فَأَفْعَالُهُ مَرْدُودَةٌ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ظَاهِرِ السَّفَهِ
فَلَا تُرَدُّ أَفْعَالُهُ حَتَّى يَحْجُرَ عَلَيْهِ الْإِمَامُ. وَاحْتَجَّ القاضي
سُحْنُونٌ لِقَوْلِ مَالِكٍ بِأَنْ قَالَ: لَوْ كَانَتْ أَفْعَالُ السَّفِيهِ
مَرْدُودَةً قَبْلَ الْحَجْرِ مَا احْتَاجَ السُّلْطَانُ أَنْ يَحْجُرَ عَلَى
أَحَدٍ. وَحُجَّةُ ابْنِ الْقَاسِمِ مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ
جَابِرٍ أَنَّ رَجُلًا أَعْتَقَ عَبْدًا لَيْسَ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ فَرَدَّهُ
النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَلَمْ يَكُنْ حَجَرَ عَلَيْهِ
قَبْلَ ذَلِكَ.



وَاخْتَلَفُوا
فِي الْحَجْرِ عَلَى الْكَبِيرِ، فَقَالَ مَالِكٌ وَجُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ:
يُحْجَرُ عَلَيْهِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يُحْجَرُ عَلَى مَنْ بَلَغَ
عَاقِلًا إِلَّا أَنْ يَكُونَ مُفْسِدًا لِمَالِهِ، فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ مُنِعَ
مِنْ تَسْلِيمِ الْمَالِ إِلَيْهِ حَتَّى يَبْلُغَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ سَنَةً،
فَإِذَا بَلَغَهَا سُلِّمَ إِلَيْهِ بِكُلِّ حَالٍ، سَوَاءً كَانَ مُفْسِدًا أَوْ
غَيْرَ مُفْسِدٍ، لِأَنَّهُ يُحْبَلُ مِنْهُ لِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً، ثُمَّ
يُولَدُ لَهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَيَصِيرُ جَدًّا وأبًا، وأنا أستحي أَنْ
أَحْجُرَ عَلَى مَنْ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ جَدًّا. وَقِيلَ عَنْهُ: إِنَّ فِي
مُدَّةِ الْمَنْعِ مِنَ الْمَالِ إِذَا بَلَغَ مُفْسِدًا يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ
عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَإِنَّمَا يُمْنَعُ مِنْ تَسْلِيمِ الْمَالِ احْتِيَاطًا.
وَهَذَا كُلُّهُ ضَعِيفٌ فِي النَّظَرِ وَالْأَثَرِ. وَقَدْ رَوَى
الدَّارَقُطْنِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ
الصَّوَّافُ أَخْبَرَنَا حَامِدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَخْبَرَنَا شُرَيْحُ بْنُ يُونُسَ
أَخْبَرَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ـ هُوَ أَبُو يُوسُفَ الْقَاضِي ـ
أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ
جَعْفَرٍ أَتَى الزُّبَيْرَ فَقَالَ: إِنِّي اشْتَرَيْتُ بَيْعَ كَذَا وَكَذَا،
وَإِنَّ عَلِيًّا يُرِيدُ أَنْ يَأْتِيَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَيَسْأَلُهُ أَنْ
يَحْجُرَ عَلَيَّ فِيهِ. فَقَالَ الزُّبَيْرُ: أَنَا شَرِيكُكَ فِي الْبَيْعِ.
فَأَتَى عَلِيٌّ عُثْمَانَ فَقَالَ: إِنَّ ابْنَ جَعْفَرٍ اشْتَرَى بَيْعَ كَذَا
وَكَذَا فَاحْجُرْ عَلَيْهِ. فَقَالَ الزُّبَيْرُ: فَأَنَا شَرِيكُهُ فِي
الْبَيْعِ. فَقَالَ عُثْمَانُ: كَيْفَ أَحْجُرُ عَلَى رَجُلٍ فِي بَيْعٍ شَرِيكُهُ
فِيهِ الزُّبَيْرُ؟ قَالَ يَعْقُوبُ: أَنَا آخُذُ بِالْحَجْرِ وَأَرَاهُ،
وَأَحْجُرُ وَأُبْطِلُ بَيْعَ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ وَشِرَاءَهُ، وَإِذَا
اشْتَرَى أَوْ بَاعَ قَبْلَ الْحَجْرِ أَجَزْتُ بَيْعَهُ. قَالَ يَعْقُوبُ بْنُ
إِبْرَاهِيمَ: وَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ لَا يَحْجُرُ وَلَا يَأْخُذُ بِالْحَجْرِ.
فَقَوْلُ عُثْمَانَ: كَيْفَ أَحْجُرُ عَلَى رَجُلٍ، دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ
الْحَجْرِ عَلَى الْكَبِيرِ، فَإِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ وَلَدَتْهُ
أُمُّهُ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ، وَهُوَ أَوَّلُ مَوْلُودٍ وُلِدَ فِي الْإِسْلَامِ
بِهَا، وَقَدِمَ مَعَ أَبِيهِ عَلَى النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ ـ عَامَ خَيْبَرَ فَسَمِعَ مِنْهُ وَحَفِظَ عَنْهُ. وَكَانَتْ خَيْبَرُ
سَنَةَ خَمْسٍ مِنَ الْهِجْرَةِ. وَهَذَا يَرُدُّ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ قَوْلَهُ.
وَسَتَأْتِي حُجَّتُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.



قَوْلُهُ
تَعَالَى: {الَّتِي جَعَلَ
اللَّهُ لَكُمْ قِياماً
} أَيْ لِمَعَاشِكُمْ وَصَلَاحِ دِينِكُمْ.
وَالْقِيَامُ وَالْقِوَامُ: مَا يُقِيمُكَ بِمَعْنًى. يُقَالُ: فُلَانٌ قِيَامُ
أَهْلِهِ وَقِوَامُ بَيْتِهِ، وَهُوَ الَّذِي يُقِيمُ شَأْنَهُ، أَيْ يُصْلِحُهُ.
أَيْ وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي تَصْلُحُ بِهَا
أُمُورُكُمْ فَيَقُومُوا بِهَا قِيَامًا.



قَوْلُهُ
تَعَالَى: {وَارْزُقُوهُمْ
فِيها وَاكْسُوهُمْ
} قِيلَ: مَعْنَاهُ اجْعَلُوا لَهُمْ فِيهَا أَوِ
افْرِضُوا لَهُمْ فِيهَا. وَهَذَا فِيمَنْ يَلْزَمُ الرَّجُلَ نَفَقَتُهُ
وَكِسْوَتُهُ مِنْ زَوْجَتِهِ وَبَنِيهِ الْأَصَاغِرِ. فَكَانَ هَذَا دَلِيلًا
عَلَى وُجُوبِ نَفَقَةِ الْوَلَدِ عَلَى الْوَالِدِ وَالزَّوْجَةِ عَلَى
زَوْجِهَا. وَفِي الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((أَفْضَلُ
الصَّدَقَةِ مَا تَرَكَ غِنًى، وَاليَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ
السُّفْلَى وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ، تَقُولُ الْمَرْأَةُ إِمَّا أَنْ
تُطْعِمَنِي وَإِمَّا أَنْ تُطَلِّقَنِي وَيَقُولَ الْعَبْدُ أَطْعِمْنِي
وَاسْتَعْمِلْنِي وَيَقُولَ الِابْنُ أَطْعِمْنِي إِلَى مَنْ تَدَعُنِي))؟
فَقَالُوا: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، سَمِعْتَ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ـ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: لَا، هَذَا مِنْ كِيسِ أَبِي هُرَيْرَةَ!. قَالَ
الْمُهَلَّبُ: النَّفَقَةُ عَلَى الْأَهْلِ وَالْعِيَالِ وَاجِبَةٌ بِإِجْمَاعٍ،
وَهَذَا الْحَدِيثُ حُجَّةٌ فِي ذَلِكَ.



قَالَ ابْنُ
الْمُنْذِرِ: وَاخْتَلَفُوا فِي نَفَقَةِ مَنْ بَلَغَ مِنَ الْأَبْنَاءِ وَلَا
مَالَ لَهُ وَلَا كَسْبَ، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: عَلَى الْأَبِ أَنْ يُنْفِقَ عَلَى
وَلَدِهِ الذُّكُورِ حَتَّى يَحْتَلِمُوا، وَعَلَى النِّسَاءِ حَتَّى
يَتَزَوَّجْنَ وَيُدْخَلُ بِهِنَّ. فَإِنْ طَلَّقَهَا بَعْدَ الْبِنَاءِ أَوْ
مَاتَ عَنْهَا فَلَا نَفَقَةَ لَهَا عَلَى أَبِيهَا. وَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ
الْبِنَاءِ فَهِيَ عَلَى نَفَقَتِهَا. وَلَا نَفَقَةَ لِوَلَدِ الْوَلَدِ عَلَى
الْجَدِّ، هَذَا قَوْلُ مَالِكٍ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يُنْفِقُ عَلَى وَلَدِ
وَلَدِهِ حَتَّى يَبْلُغُوا الْحُلُمَ وَالْمَحِيضَ. ثُمَّ لَا نَفَقَةَ عَلَيْهِ
إِلَّا أَنْ يَكُونُوا زَمْنَى، وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الذُّكُورُ وَالْإِنَاثُ مَا
لَمْ يَكُنْ لَهُمْ أَمْوَالٌ، وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ وَلَدُهُ أَوْ وَلَدُ وَلَدِهِ
وَإِنْ سَفَلُوا مَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ أَبٌ دُونَهُ يَقْدِرُ عَلَى النَّفَقَةِ
عَلَيْهِمْ، هَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ. وَأَوْجَبَتْ طَائِفَةٌ النَّفَقَةَ
لِجَمِيعِ الْأَطْفَالِ وَالْبَالِغِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ إِذَا لَمْ
يَكُنْ لَهُمْ أَمْوَالٌ يَسْتَغْنُونَ بِهَا عَنْ نَفَقَةِ الْوَالِدِ، عَلَى
ظَاهِرِ قَوْلِهِ ـ عَلَيْهِ الصلاة والسَّلَامُ لِهِنْدٍ: ((خُذِي مَا يَكْفِيكِ
وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ)). وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ ((يَقُولُ الِابْنُ
أَطْعِمْنِي إِلَى مَنْ تَدَعُنِي؟)) يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إِنَّمَا يَقُولُ
ذَلِكَ مَنْ لَا طَاقَةَ لَهُ عَلَى الْكَسْبِ وَالتَّحَرُّفِ. وَمَنْ بَلَغَ
سِنَّ الْحُلُمِ فَلَا يَقُولُ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ قَدْ بَلَغَ حَدَّ السَّعْيِ
عَلَى نَفْسِهِ وَالْكَسْبِ لَهَا، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ((حَتَّى إِذا
بَلَغُوا النِّكاحَ)) الْآيَةَ. فَجَعَلَ بُلُوغَ النِّكَاحِ حَدًّا فِي ذَلِكَ.
وَفِي قَوْلِهِ: ((تَقُولُ الْمَرْأَةُ إِمَّا أَنْ تُطْعِمَنِي وَإِمَّا أَنْ
تُطَلِّقَنِي)) يَرُدُّ عَلَى مَنْ قَالَ: لَا يُفَرَّقُ بِالْإِعْسَارِ
وَيَلْزَمُ الْمَرْأَةَ الصَّبْرُ، وَتَتَعَلَّقُ النَّفَقَةُ بِذِمَّتِهِ
بِحُكْمِ الحاكم. هذا قولُ عطاءٍ وَالزُّهْرِيِّ. وَإِلَيْهِ ذَهَبَ
الْكُوفِيُّونَ مُتَمَسِّكِينَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ((وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ
فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ)) البقرة: 280. قَالُوا: فَوَجَبَ أَنْ يُنْظَرَ إِلَى
أَنْ يُوسِرَ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ} النور: 32.
الْآيَةَ. قَالُوا: فَنَدَبَ تَعَالَى إِلَى إِنْكَاحِ الْفَقِيرِ، فَلَا يَجُوزُ
أَنْ يَكُونَ الْفَقْرُ سَبَبًا لِلْفُرْقَةِ وَهُوَ مَنْدُوبٌ مَنْعُهُ إِلَى
النِّكَاحِ. وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى مَا يَأْتِي
بَيَانُهُ فِي مَوْضِعِهَا. وَالْحَدِيثُ نَصٌّ فِي مَوْضِعِ الْخِلَافِ. وَقِيلَ:
الْخِطَابُ لِوَلِيِّ الْيَتِيمِ لِيُنْفِقَ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ الَّذِي لَهُ
تَحْتَ نَظَرِهِ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنَ الْخِلَافِ فِي إِضَافَةِ الْمَالِ.
فَالْوَصِيُّ يُنْفِقُ عَلَى الْيَتِيمِ عَلَى قَدْرِ مَالِهِ وَحَالِهِ، فَإِنْ
كَانَ صَغِيرًا وَمَالُهُ كَثِيرٌ اتَّخَذَ لَهُ ظِئْرًا وَحَوَاضِنَ وَوَسَّعَ
عَلَيْهِ فِي النَّفَقَةِ. وَإِنْ كَانَ كَبِيرًا قَدَّرَ لَهُ نَاعِمَ اللِّبَاسِ
وَشَهِيَّ الطَّعَامِ وَالْخَدَمَ. وَإِنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ فَبِحَسَبِهِ.
وَإِنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ فَخَشِنَ الطَّعَامِ وَاللِّبَاسِ قَدْرَ الْحَاجَةِ.
فَإِنْ كَانَ الْيَتِيمُ فَقِيرًا لَا مَالَ لَهُ وَجَبَ عَلَى الْإِمَامِ
الْقِيَامُ بِهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلِ الْإِمَامُ وَجَبَ
ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ الْأَخَصِّ بِهِ فَالْأَخَصِّ. وَأُمُّهُ أَخَصُّ
بِهِ فَيَجِبُ عَلَيْهَا إِرْضَاعُهُ وَالْقِيَامُ بِهِ. وَلَا تَرْجِعُ عَلَيْهِ
وَلَا عَلَى أَحَدٍ. وَقَدْ مَضَى فِي الْبَقَرَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ: {وَالْوالِداتُ
يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ} البقرة: 233.



قَوْلُهُ
تَعَالَى: {وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفاً} أَرَادَ تَلْيِينَ الْخِطَابِ
وَالْوَعْدَ الْجَمِيلَ. وَاخْتُلِفَ فِي الْقَوْلِ الْمَعْرُوفِ، فَقِيلَ:
مَعْنَاهُ ادْعُوا لَهُمْ: بَارَكَ اللَّهُ فِيكُمْ، وَحَاطَكُمْ وَصَنَعَ لَكُمْ،
وَأَنَا نَاظِرٌ لَكَ، وَهَذَا الِاحْتِيَاطُ يَرْجِعُ نَفْعُهُ إِلَيْكَ.
وَقِيلَ: مَعْنَاهُ وَعِدُوهُمْ وَعْدًا حَسَنًا، أَيْ إِنْ رَشَدْتُمْ دَفَعْنَا
إِلَيْكُمْ أَمْوَالَكُمْ. وَيَقُولُ الْأَبُ لِابْنِهِ: مَالِي إِلَيْكَ
مَصِيرُهُ، وَأَنْتَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ صاحبُه إذا مَلَكتَ رُشْدَكَ وعَرَفْتَ تَصَرًّفَكَ.



قوله ـ تعالى:
{وَلاَ تُؤْتُواْ السفهاء
أَمْوَالَكُمُ
} أصل تُؤتوا: تُؤْتِيُوا مثل:



تُكْرِموا، فاستثقلت
الضمةُ على الياءِ ، فَحُذِفت الضمة فالتقى ساكنان: الياء وواو الضمير، فَحُذِفت
الياءُ لئلا يلتقيَ ساكنان.



والسُّفهاء
جمعُ سفيه، وقد نَقل بعضُهم أنَّ سفيهةَ تُجْمع على سُفَهاء كالمذكر، وعلى هذا لا
يَضْعُف قول مجاهد، وجمعُ فَعِيلة الصفةِ على فُعَلاء وإن كان نادراً إلا أنَّه
نُقِل في هذا اللفظِ خصوصاً، وتخصيصُ ابنِ عطيَّةَ جمْعَ فَعِيلةٍ بفعائلٍ أو
فَعيلاتٍ ليس بظاهرٍ، لأنَّها يَطَّرِدُ فيها أيضاً "فِعال" نحو: كَريمة
وكِرام وظَرِيفة وظِراف، وكذلك إطلاقُه فَعِيلة وكان من حقه أَنْ يقيِّدها بألاَّ
تكون بمعنى مَفْعولة تَحَرُّزاً من قتيلة فإنها لا تُجمع على فَعائِل.



والجمهورُ
على "التي جَعَلَ الله
لَكُمْ
" بلفظِ الإِفراد صفةً للأموال، وإنْ كانت جمعاً؛ لأنَّه تقدَّم
غيرَ مرَّةٍ أنَّ جمعَ ما لا يَعقِلُ في الكثرة، أو لم يَكنْ لَه إلَّا جمعٌ واحدٌ،
الأحسنُ فيه أن يُعامَل معاملةَ الواحدة المؤنثة، والأموالُ مِن هذا القَبيلِ لأنَّها
جمعُ ما لا يَعقِلُ، ولم تُجْمعْ إلَّا على أَفْعالٍ، وإن كانت بلفظِ القلَّةِ
لأنَّ المُرادَ بها الكَثرةُ.



وقرأ الحسن
والنخعي: "اللاتي" مطابقةً للفظِ الجمع، وكان القياسُ ألاَّ يوصفَ بـ "اللاتي"
إلَّا ما يُوصَفُ مفرَدُه بـ "التي"، والأموالُ لا يُوصَفُ مفردُها وهو "مال"
بـ "التي". والعربُ تقولُ في النساء: "اللاتي" أكثرَ مِمَّا
تقول "التي"، وفي الأموال: "التي" أكثر مما تقول "اللاتي".
وكلاهما في كليهما جائز. وقرئ: "اللواتي" وهي جمعُ اللاتي، فهي جمعُ
الجمع، أو جمع "التي" نفسِها.



قوله: "قياماً" إنْ قلنا إنَّ "جَعَلَ"
بمعنى "صَيَّر" فـ "قياماً" مفعولٌ ثانٍ، والأولُ محذوفٌ وهو عائدُ الموصولِ،
والتقديرُ: "التي جعلَها" أي: صَيَّرَها لكم قياماً. وإنْ قلْنا إنَّها
بمعنى "خَلَقَ" فـ "قِياماً" حالٌ من ذلك العائدِ المحذوفِ،
التقديرُ: جَعَلَها أي: خلقها وأوجدها في حالِ كونِها قياماً.



وقرأ نافعٌ
وابنُ عامرٍ: "قِيَماً" وباقي السبعةِ: "قِياماً" وابنُ عُمَرَ:
"قِواماً" بكسر القاف، والحسن وعيسى بن عمر: "قَواماً" بفتحها،
ويُروى عن أبي عَمرو. وقرئ "قِوَماً" بِزِنَةِ عِنَبٍ.



فأمّا قراءةُ
نافعٍ وابنِ عامرٍ ففيها ثلاثةُ أَوْجُهٍ، أحدُهما: أنَّ "قِيَماً"
مصدرٌ كالقيام وليس مقصوراً منه، قال الكِسائيُّ والأخفشُ والفرّاءُ، فهو مصدرٌ
بمعنى القيامِ الذي يُرادُ بِه الثَباتُ والدوامُ.



وقد رُدَّ
هذا القولُ بأنَّه كان يَنبغي أنْ تَصِحَّ الواوُ لِتَحَصُّنِها بتوسُّطِها، كما
صَحَّت واو "عِوَض" و"حِوَل". وأُجيب عنه بأنَّه تَبِعَ فعلَه
في الإِعلالِ. فكما أُعِلَّ فعلُه أُعِلَّ هو، ولأنَّه بمعنى القِيامِ فَحُمِل عليْه
في الإِعْلالِ. وحَكَى الأخفَشُ: قِيَماً وقِوَماً قال: والقياسُ تصحيحُ الواو،
وإنَّما اعتلَّتْ على وجهِ الشُذوذِ كقولِهم: "ثِيَرة"، وقولِ بَني ضَبَّةَ:
"طِيال" في جمع طويل، وقولِ الجَميعِ "جِياد" جمع جَواد، وإذا
أعلُّوا "دِيَماً" لاعتلالِ "دِيْمةٍ" فاعتلالُ المَصدرِ لاعتِلالِ
فعلِه أَوْلى، ألا تَرى إلى صِحَّةِ الجَمعِ مع اعتلالِ مفردِه في معيشةٍ ومَعايِشَ،
ومقامَةٍ ومقاوِم، ولم يصحِّحوا مصدراً أعلُّوا فِعْلَه.



الثاني: أنَّه
مقصورٌ من "قيامٍ"، فحَذَفوا الأَلِفَ تَخفيفاً كما قالوا: خيَم في "خِيام"
و"مِخْيَط" و"مِقْول" في: "مِخْياط" و"مِقْوال".



والثالث: أنَّه
جمعُ "قِيمةٍ" ك "دِيَم" في جمعِ دِيْمَةٍ، والمعنى: أنَّ
الأموالَ كالقِيَمِ للنُّفوسِ لأنَّ بقاءَها بها. وقد رَدَّ الفارسيُّ هذا الوجهَ،
وإنْ كان هو قولَ البصريين غيرَ الأخفشِ بأنَّه قد قُرِئَ قولُه ـ تعالى: {دِيناً
قِيَماً مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ} الأنعام: 161. وقوله: {البيت الحرام قِيَماً
لِّلنَّاسِ} المائدة: 97. ولا يَصِحُّ معنى القِيَمةِ فيهما. وقد رُدَّ عليه بأنَّه
لا يَلزَمُ مِن عَدَمِ صِحَّةِ معناه في الآيتين المذكورتين ألاَّ يَصِحَّ هنا، إذْ
معناهُ هنا لائقٌ، وهناك معنىً آخرُ يَليقُ بالآيتين المذكورتين كما سيأتي.



وأمَّا
قراءةُ باقي السبعةِ فهو مصدرُ "قام" والأصلُ قِوام، فَأُبْدلتِ الواوُ
ياءً للقاعدةِ المعروفة، والمعنى: التي جَعَلَها اللهُ سببَ قيامِ أبدانِكم أي:
بقائِها. وقال الزمخشريُّ: "أي تقومون بها وتنتعشون".



وأما قراءةُ
عبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ ففيها وجهان، أحدُهما: أنَّه مصدرُ قاوَمَ ك "لاوَذَ
لِواذاً"، صحَّتِ الواوُ في المصدر كما صحَّتْ في الفعل. والثاني: أنَّه اسْمٌ
لِما يَقومُ بِه الشيءُ، وليس بمصدرٍ كَقولِهم: هذا مِلاكُ الأمرِ. أي ما يُمْلَك
به.



وأمَّا
قراءةُ الحسنِ ففيها وجْهان، أحدُهما: أنَّه اسمُ مصدرٍ كالكَلامِ والدوامِ
والسلامِ. والثاني: أنَّه لُغةٌ في القِوامِ المُراد بِه القامةُ، والمعنى: التي
جعلَها اللهُ سببَ بَقاءِ قاماتِكم، يُقالُ: جاريةٌ حَسَنَةُ القِوامِ والقَوامِ
والقَامةِ، كلُّه بمعنىً واحدٍ. وقال أبو حاتِمٍ: "قَوام بالفتح خطأٌ" لأنَّ
القَوامَ امتدادُ القامةِ، وقد تقدَّم تأويلُ ذلك، على أنَّ الكِسائيَّ قال: هو
بمعنى القِوام، أي بالكسرِ، يَعني أنَّه مَصدر. وأمَّا "قِوَماً" فهو
مصدرٌ جاءَ على الأصلِ، أَعني تصحيحَ العينِ كالحِوَلِ والعِوَضِ.



قوله: {فيها} في: على بابِها مِن الظرفيَّةِ
أي: اجْعَلوا رزقَهم فيها. أو هي بمعنى "مِنْ" أي: بعضها، والمرادُ: مِن
أرباحِها بالتجارة.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
فيض العليم ... سورة النساء، الآية: 5
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
روضة الشاعر عبد القادر الأسود :: ...:: الروضة الروحانية ::... :: روضة الذكر الحكيم-
انتقل الى: