روضة الشاعر عبد القادر الأسود
بعد الصلاة على الرحمة المهداة

أهلا وسهلا بك في روضتنا

يسرنا تسجيلك

روضة الشاعر عبد القادر الأسود
بعد الصلاة على الرحمة المهداة

أهلا وسهلا بك في روضتنا

يسرنا تسجيلك

روضة الشاعر عبد القادر الأسود
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

روضة الشاعر عبد القادر الأسود

منتدى أدبي اجتماعي يعنى بشؤون الشعر والأدب والموضوعات الاجتماعي والقضايا اللإنسانية
 
مركز تحميل الروضةالرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
بسـم الله الرحمن الرحيم  :: الحمد لله رب العالمين * الرحمن الرحيم * مالك يوم الدين * إياك نعبد وإياك نستعين * إهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين أنعمت عليهم * غير المغضوب عليهم ولا الضــالين ....  آميـــن

 

 فيض العليم ... سورة النساء، الآية: 4

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
عبد القادر الأسود

¤° صاحب الإمتياز °¤
¤° صاحب الإمتياز °¤
عبد القادر الأسود


عدد المساهمات : 3986
تاريخ التسجيل : 08/09/2011
العمر : 76
المزاج المزاج : رايق
الجنس : ذكر
فيض العليم ... سورة النساء، الآية:  4 Jb12915568671



فيض العليم ... سورة النساء، الآية:  4 Empty
مُساهمةموضوع: فيض العليم ... سورة النساء، الآية: 4   فيض العليم ... سورة النساء، الآية:  4 I_icon_minitimeالأحد أبريل 21, 2013 1:53 pm

وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ
طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا.
(4)


قوله ـ
تبارك وتعالى: {وَآتُواْ
النساءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً
} أَعطوهُنَّ الصَداقَ هِبَةً مِنَ اللهِ ـ
عَزَّ وجَلَّ ـ لَهُنَّ. وقد نهى النبيُّ ـ صلى اللهُ عليْه وسلَّم: عن منعِ
الأَجيرِ أُجرَتَه، والمَرأةِ مَهرَها. والصَّدُقَاتُ جَمْعٌ، الْوَاحِدَةُ
صَدُقَةٌ. وَالْخِطَابُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ لِلْأَزْوَاجِ. أَمَرَهُمُ اللَّهُ
تَعَالَى بِأَنْ يَتَبَرَّعُوا بِإِعْطَاءِ الْمُهُورِ نِحْلَةً مِنْهُمْ
لِأَزْوَاجِهِمْ. وَقِيلَ: الْخِطَابُ لِلْأَوْلِيَاءِ. وَكَانَ الْوَلِيُّ
يَأْخُذُ مَهْرَ الْمَرْأَةِ وَلَا يُعْطِيهَا شَيْئًا، فَنُهُوا عَنْ ذَلِكَ
وَأُمِرُوا أَنْ يَدْفَعُوا ذَلِكَ إِلَيْهِنَّ. فقد كَانَ الْوَلِيُّ من أَهْلِ
الْجَاهِلِيَّةِ إِذَا زَوَّجَهَا وكَانَتْ مَعَهُ لَمْ يُعْطِهَا مِنْ مَهْرِهَا
كَثِيرًا وَلَا قَلِيلًا، وَإِنْ كَانَتْ بعيدَةً حَمَلَهَا عَلَى بَعِيرٍ إِلَى
زَوْجِهَا وَلَمْ يُعْطِهَا شَيْئًا غَيْرَ ذَلِكَ الْبَعِيرِ، فَنَزَلَ: "وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ
نِحْلَةً
". وقيل بأَنَّ الْمُرَادَ بِالْآيَةِ الْمُتَشَاغِرُونَ
الَّذِينَ كَانُوا يَتَزَوَّجُونَ امْرَأَةً بِأُخْرَى، فَأُمِرُوا أَنْ
يَضْرِبُوا الْمُهُورَ. وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ، فَإِنَّ الضَّمَائِرَ وَاحِدَةٌ
وَهِيَ بِجُمْلَتِهَا لِلْأَزْوَاجِ فَهُمُ الْمُرَادُ، لِأَنَّهُ قال: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى} إِلَى
قَوْلِهِ: {وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً}. وَذَلِكَ يُوجِبُ
تَنَاسُقَ الضَّمَائِرِ وَأَنْ يَكُونَ الْأَوَّلُ فِيهَا هُوَ الْآخِرُ.



هَذِهِ
الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الصَّدَاقِ لِلْمَرْأَةِ، وَهُوَ مُجْمَعٌ
عَلَيْهِ وَلَا خِلَافَ فِيهِ إِلَّا مَا رُوِيَ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ
مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ أَنَّ السَّيِّدَ إِذَا زوَّجَ عبدَه مِن أمتِه أنَّه لا
يَجِبُ فِيهِ صَدَاقٌ، وَلَيْسَ بِشَيْءٍ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: "
وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ
نِحْلَةً
" فَعَمَّ. وَقَالَ:
"فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ
بِالْمَعْرُوفِ} النساء: 25. وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ أَيْضًا أنَّه لا حَدَّ
لِكَثِيرِهِ، وَاخْتَلَفُوا فِي قَلِيلِهِ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ فِي
قَوْلِهِ: {وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً} النساء: 20. وَالنُّحْلَةُ،
بِكَسْرِ النُّونِ وَضَمِّهَا لُغَتَانِ. وَأَصْلُهَا مِنَ الْعَطَاءِ، نَحَلْتُ
فُلَانًا شَيْئًا أَعْطَيْتُهُ. فَالصَّدَاقُ عَطِيَّةٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى
لِلْمَرْأَةِ. وَقِيلَ: (
نِحْلَةً)
أَيْ عَنْ طِيبِ نَفْسٍ مِنَ الْأَزْوَاجِ مِنْ غَيْرِ تَنَازُعٍ. وَقَالَ
قَتَادَةُ: مَعْنَى "
نِحْلَةً"
فَرِيضَةٌ وَاجِبَةٌ. ابْنُ جُرَيْجٍ وَابْنُ زَيْدٍ: فَرِيضَةٌ مُسَمَّاةٌ. قَالَ
أَبُو عُبَيْدٍ: وَلَا تَكُونُ النِّحْلَةُ إِلَّا مُسَمَّاةً مَعْلُومَةً.
وَقَالَ الزَّجَّاجُ: "
نِحْلَةً"
تَدَيُّنًا. وَالنِّحْلَةُ الدِّيَانَةُ وَالْمِلَّةُ. يُقَالُ: هَذَا نِحْلَتُهُ
أَيْ دِينُهُ. وَهَذَا يَحْسُنُ مَعَ كَوْنِ الْخِطَابِ لِلْأَوْلِيَاءِ الَّذِينَ
كَانُوا يَأْخُذُونَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَانْتَزَعَهُ اللَّهُ مِنْهُمْ
وَأَمَرَ بِهِ لِلنِّسَاءِ. حَتَّى قَالَت امرأةٌ فِي زَوْجِهَا تمتدحه: (لَا
يَأْخُذُ الْحُلْوَانَ مِنْ بَنَاتِنَا) فهو لَا يَفْعَلُ مَا يَفْعَلُهُ
غَيْرُهُ.



قَوْلُهُ
تَعَالَى: {
فَإِنْ
طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً
}
مُخَاطَبَةٌ لِلْأَزْوَاجِ، وَيَدُلُّ بِعُمُومِهِ عَلَى أَنَّ هِبَةَ الْمَرْأَةِ
صَدَاقَهَا لِزَوْجِهَا بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا جَائِزَةً، وَبِهِ قَالَ
جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ. وَمَنَعَ مَالِكٌ مِنْ هِبَةِ الْبِكْرِ الصَّدَاقَ
لِزَوْجِهَا وَجَعَلَ ذَلِكَ للوليِّ معَ أنَّ المُلكَ لها.



وَزَعَمَ
الْفَرَّاءُ أَنَّهُ مُخَاطَبَةٌ لِلْأَوْلِيَاءِ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا
يَأْخُذُونَ الصَّدَاقَ وَلَا يُعْطُونَ الْمَرْأَةَ مِنْهُ شَيْئًا، فَلَمْ
يُبَحْ لَهُمْ مِنْهُ إِلَّا مَا طَابَتْ بِهِ نَفْسُ الْمَرْأَةِ. وَالْقَوْلُ
الْأَوَّلُ أَصَحُّ، لِأَنَّهُ لَمْ يَتَقَدَّمْ لِلْأَوْلِيَاءِ ذِكْرٌ، وَالضَّمِيرُ
فِي "
مِنْهُ" عَائِدٌ عَلَى الصَّدَاقِ. وَكَذَلِكَ قَالَ
عِكْرِمَةُ وَغَيْرُهُ. وَسَبَبُ الْآيَةِ فِيمَا ذُكِرَ أَنَّ قَوْمًا
تَحَرَّجُوا أنْ يَرجِعَ إليهم شيءٌ مِمَّا دَفَعُوهُ إِلَى الزَّوْجَاتِ
فَنَزَلَتْ "
فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ".



وَاتَّفَقَ
الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ الْمَالِكَةَ لِأَمْرِ نَفْسِهَا إِذَا
وَهَبَتْ صَدَاقَهَا لِزَوْجِهَا نَفَذَ ذَلِكَ عَلَيْهَا، وَلَا رُجُوعَ لَهَا
فِيهِ. إِلَّا أَنَّ شُرَيْحًا رَأَى الرُّجُوعَ لَهَا فِيهِ، وَاحْتَجَّ
بِقَوْلِهِ: "
فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً" وَإِذَا كَانَتْ طَالِبَةً لَهُ لَمْ تَطِبْ بِهِ
نَفْسًا. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَهَذَا بَاطِلٌ، لِأَنَّهَا قَدْ طَابَتْ
وَقَدْ أَكَلَ فَلَا كَلَامَ لَهَا، إِذْ لَيْسَ الْمُرَادُ صُورَةُ الْأَكْلِ،
وَإِنَّمَا هُوَ كِنَايَةٌ عَنِ الْإِحْلَالِ وَالِاسْتِحْلَالِ، وَهَذَا بَيِّنٌ.



فَإِنْ
شَرَطَتْ عَلَيْهِ عِنْدَ عَقْدِ النِّكَاحِ أَلَّا يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا،
وَحَطَّتْ عَنْهُ لِذَلِكَ شَيْئًا مِنْ صَدَاقِهَا، ثُمَّ تَزَوَّجَ عَلَيْهَا
فَلَا شيءَ لَهَا عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ، لِأَنَّهَا شَرَطَتْ
عَلَيْهِ مَا لَا يَجُوزُ شَرْطُهُ. كَمَا اشْتَرَطَ أَهْلُ بَرِيرَةَ أَنْ
تُعْتِقَهَا عَائِشَةُ وَالْوَلَاءُ لِبايعِها، (وبريرة: مولاةُ عائشةٍ ـ رضيَ
اللهُ عنها كانت لِعُتْبَةَ بْنِ أبي لَهَبٍ. وقيل: لبعض بني هلالٍ، فكاتبوها ثمَّ
باعوها فاشترتْها عائشة، وجاء الحديث في شأنِها بأنَّ الوَلاءَ لِمن أَعتَقَ)
فَصَحَّحَ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ الْعَقْدَ وَأَبْطَلَ
الشَّرْطَ. كَذَلِكَ هَاهُنَا يَصِحُّ إِسْقَاطُ بَعْضِ الصَّدَاقِ عَنْهُ
وَتَبْطُلُ الزِّيجَةُ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: إِنْ كَانَ بَقِيَ مِنْ
صَدَاقِهَا مِثْلُ صَدَاقِ مِثْلِهَا أَوْ أَكْثَرَ لَمْ تَرْجِعْ عَلَيْهِ
بِشَيْءٍ، وَإِنْ كَانَتْ وَضَعَتْ عَنْهُ شَيْئًا مِنْ صَدَاقِهَا فَتَزَوَّجَ
عَلَيْهَا رَجَعَتْ عَلَيْهِ بِتَمَامِ صَدَاقِ مِثْلِهَا، لِأَنَّهُ شَرَطَ عَلَى
نَفْسِهِ شَرْطًا وَأَخَذَ عَنْهُ عِوَضًا كَانَ لَهَا وَاجِبًا أَخْذُهُ مِنْهُ،
فَوَجَبَ عَلَيْهِ الْوَفَاءُ لِقَوْلِهِ ـ عَلَيْهِ الصلاةُ والسَّلَامُ:
((الْمُؤْمِنُونَ عند شروطِهم)).



وَفِي
الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْعِتْقَ لَا يَكُونُ صَدَاقًا، لِأَنَّهُ لَيْسَ
بِمَالٍ، إِذْ لَا يمكن المرأة هِبَتُهُ وَلَا الزَّوْجِ أَكْلُهُ. وَبِهِ قَالَ
مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَزُفَرُ وَمُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيُّ. وَقَالَ
أَحْمَدُ ابن حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقُ وَيَعْقُوبُ: يَكُونُ صَدَاقًا وَلَا مَهْرَ
لها غيرُ العِتْقِ، على حديثِ صفيةَ بِنتِ حُيَيٍّ بِنِ أَخْطَبَ، التي سَبَاهَا
رَسُولُ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وأَنَّه أَعْتَقَهَا
وَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا. رَوَاهُ الْأَئِمَّةُ. وَرُوِيَ عَنْ أَنَسٍ
أَنَّهُ فَعَلَهُ، وَهُوَ رَاوِي حَدِيثِ صَفِيَّةَ. وَأَجَابَ الْأَوَّلُونَ
بِأَنْ قَالُوا: لَا حُجَّةَ فِي حَدِيثِ صَفِيَّةَ، لِأَنَّ النَّبِيَّ ـ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ كَانَ مَخْصُوصًا فِي النِّكَاحِ بِأَنْ يَتَزَوَّجَ
بِغَيْرِ صَدَاقٍ، وَقَدْ أَرَادَ زَيْنَبَ فَحَرُمَتْ عَلَى زَيْدٍ فَدَخَلَ
عَلَيْهَا بِغَيْرِ وَلِيٍّ وَلَا صَدَاقٍ. فَلَا يَنْبَغِي الِاسْتِدْلَالُ
بِمِثْلِ هَذَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.



قَوْلُهُ
ـ تَعَالَى: {
فَكُلُوهُ} لَيْسَ الْمَقْصُودُ صُورَةَ الْأَكْلِ، وَإِنَّمَا
الْمُرَادُ بِهِ



الِاسْتِبَاحَةُ
بِأَيِّ طَرِيقٍ كَانَ، وَهُوَ الْمَعْنِيُّ بِقَوْلِهِ فِي الْآيَةِ الَّتِي
بَعْدَهَا {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً}. وَلَيْسَ
الْمُرَادُ نَفْسَ الْأَكْلِ، إِلَّا أَنَّ الْأَكْلَ لمَّا كان أوفى أَنْوَاعِ
التَّمَتُّعِ بِالْمَالِ عُبِّرَ عَنِ التَّصَرُّفَاتِ بِالْأَكْلِ. وَنَظِيرُهُ
قَوْلُهُ ـ تَعَالَى: {إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ
فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} الجُمُعة: 9. يُعْلَمُ أَنَّ
صُورَةَ الْبَيْعِ غَيْرُ مَقْصُودَةٍ، وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ مَا يَشْغَلُهُ
عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ ـ تَعَالَى ـ مِثْلَ النِّكَاحِ وَغَيْرِهِ، وَلَكِنْ ذَكَرَ
الْبَيْعَ لِأَنَّهُ أَهَمُّ مَا يُشْتَغَلُ بِهِ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ.



قَوْلُهُ
ـ تَعَالَى: {
هَنِيئاً
مَرِيئاً
} كُلُّ مَا لَمْ يَأْتِ
بِمَشَقَّةٍ وَلَا عَنَاءٍ فهو هَنِئٌ. وَهَنَّأَنِي الطَّعَامُ وَمَرَّأَنِي
عَلَى الْإِتْبَاعِ، فَإِذَا لَمْ يُذْكَرْ (هَنَّأَنِي) قُلْتُ: أَمْرَأَنِي
الطَّعَامُ بِالْأَلِفِ، أَيِ انْهَضَمَ. وَهَذَا كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ
((ارْجِعْنَ مَأْزُورَاتٍ غَيْرَ مَأْجُورَاتٍ)). فَقَلَبُوا الْوَاوَ مِنْ
(مَوْزُورَاتٍ) أَلِفًا إِتْبَاعًا لِلَفْظِ مَأْجُورَاتٍ. وَقِيلَ: "
هَنِيئاً" أيْ لا إثْمَ فيه، و"مَرِيئاً" أي لَا دَاءَ فِيهِ. قَالَ كُثَيِّرٌ:


هَنِيئًا مَرِيئًا غَيْرَ دَاءٍ مُخَامِرٍ ................
لِعَزَّةَ مِنْ أَعْرَاضِنَا مَا اسْتَحَلَّتِ



وَدَخَلَ
رَجُلٌ عَلَى عَلْقَمَةَ وَهُوَ يَأْكُلُ شَيْئًا وَهَبَتْهُ امْرَأَتُهُ مِنْ
مَهْرِهَا فَقَالَ لَهُ: كُلْ مِنَ الهَنِيِّ المَرِيِّ. وقيلَ: الهَنِيُّ
الطَيِّبُ المُساغُ الذي لا يُنَغِّصُهُ شيءٌ، والمَرِيُّ الْمَحْمُودُ
الْعَاقِبَةِ، التَّامُّ الْهَضْمِ الَّذِي لَا يَضُرُّ وَلَا يُؤْذِي. يَقُولُ:
لَا تَخَافُونَ فِي الدُّنْيَا بِهِ مُطَالَبَةً، وَلَا فِي الْآخِرَةِ تَبِعَةً.
يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ "
فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ
شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ
"
فَقَالَ: ((إِذَا جَادَتْ لِزَوْجِهَا بِالْعَطِيَّةِ طَائِعَةً غَيْرَ مُكْرَهَةٍ
لَا يَقْضِي بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانٌ، وَلَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ ـ تَعَالَى ـ
بِهِ في الآخرة))، ورُويَ عنْ عليٍّ بنِ أَبِي طَالِبٍ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ـ
قَالَ: (إِذَا اشْتَكَى أَحَدُكُمْ شَيْئًا فَلْيَسْأَلِ امْرَأَتَهُ دِرْهَمًا
مِنْ صَدَاقِهَا، ثُمَّ لِيَشْتَرِ بِهِ عَسَلًا فَلْيَشْرَبْهُ بِمَاءِ السماءِ،
فيَجمَعُ اللهُ عزَّ وجَلَّ لَه الهَنِيَّ والمَرِيَّ والماءَ المُبارَك. والله
أعلم.



قوله ـ
تعالى: {صَدُقَاتِهِنَّ
نِحْلَةً
} مفعولٌ ثان، وهي جمع "صَدُقة" بفتحِ الصادِ وضَمِّ الدالِ بزِنَةِ
"سَمُرة"، والمرادُ بها المَهْر، وهذه القراءةُ المشهورة، وهي لغةُ
الحجاز. وقرأ قَتَادةُ: "صُدْقاتهنَّ" بضمِّ الصادِ وإسكانِ الدالِ،
جمعُ صُدْقَةٍ بِزِنَة غُرْفةٍ. وقرأَ مُجاهدٌ وابنُ أبي عَبْلَةَ بضمِّهما، وهي
جمعُ صُدُقة بضمِّ الصادِ والدالِ، وهي تثقيلُ الساكنةِ الدالِ للإِتباعِ. وقرأ
ابنُ وثاب والنُخَعيُّ: "صُدُقَتَهُنَّ" بضمِّهِما مَعَ الإِفرادِ. وهي
تثقيلُ "صُدْقة" كقولِهم في "ظُلْمَةٍ": "ظُلُمَة".
وقرئ: "صَدْقاتِهن" بفتحِ الصادِ وإسكانِ الدالِ، وهي تخفيفُ القراءةِ
المشهورةِ كقولِهم في عَضُدٍ: عَضْد.



وفي نصبِ
"نِحْلةً"
أربعةُ أوْجُهٍ، أَحدُها: أنَّها منصوبةٌ على المَصدَرِ والعاملُ فيها الفِعلُ
قبلَها؛ لأنَّ "آتُوهُنَّ"
بمعنى انْحِلوهُنَّ، فهي مصدرٌ على غيرِ الصدرِ نحو: "قَعَدْت جلوساً".



الثاني:
أنَّها مصدرٌ واقعٌ موقعَ الحال، وفي صاحبِ الحالِ ثلاثةُ احْتِمالاتٍ، أحدُها:
أنَّه الفاعلُ في "فآتُوهُنَّ"
أي: فآتوهن ناحِلين. الثاني: أنَّه المفعولُ الأوَّلُ وهو "النساءَ". الثالث:
أنَّه المفعولُ الثاني وهو "صَدُقاتِهِنَّ"
أي: منحولاتٍ.



الوجه
الثالث: أنَّها مفعولٌ من أجلِه؛ إذا فُسِّرت بمعنى "شِرْعة".



الوجه
الرابع: انتصابُها بإضمارِ فعلٍ بمعنى شَرَع، أي: نَحَلَ اللهُ ذلك نِحْلة أي:
شَرَعَهُ شِرْعَةً وديناً.



والنِّحْلة:
العَطيَّةُ عن طِيبِ نفسٍ على سبيلِ التبرُّعِ، وهي أخصُّ من الهِبةِ، إذْ كلُّ
هبةٍ نِحْلةٌ وليست كلُّ نحلةٍ هِبَةً، واشتقاقُه من النَّحْلِ نَظراً إلى فِعله،
فكأنَّ "نَحَلْتُه" أعطيتُه عطيَّةَ النَّحْلِ، ويَجوزُ أنْ تكونَ
النِّحْلةُ أصلاً فسُمِّي النحلُ بذلك اعتِباراً بفعلِه، والنِّحْلَةُ:
الشِّرْعَةُ، ومنه "نِحْلةُ الإِسلامِ خيرُ النِحَلِ"، وفلانٌ
يَنْتَحِلُ بِكذا أيْ: يَدِين به، والنِّحْلةُ: الفريضةُ. ونَحَلَه أعطاهُ، ووهبَه
نِحْلةً ونَحْلاً، ومنه حديثُ أبي بكر رضي الله عنه: (إنّي كنتُ نَحَلْتُكِ جَدادَ
عشرينَ وَسْقاً).



وقولُه:
"منه" في
محلِّ جَرٍّ، لأنَّه صفةٌ لـ "شيءٍ" فيتعلَّقُ بمحذوفٍ أي: عنْ شيءٍ كائنٍ منه. و"مِنْ" فيها وجهان،
أحدُهما: أنَّها للتبعيض، ولذلك لا يَجوزُ لها أنْ تَهَبَهُ كلَّ الصَّداقِ. وإليه
ذَهبَ الليثُ. والثاني: أنَّها للبيان، ولذلك يجوزُ أن تَهَبَه كلَّ الصَّداقِ.
و"مِنْ"
لبيانِ الجِنْسِ ههنا، ولذلك يَجوزُ أنْ تَهَبَ المَهرَ كلَّه، ولو وقعتْ على
التبعيض لَما جازَ ذلك.



وقد تقدَّم
أنَّ الليثَ يَمنعُ ذلك فلا يُشْكِلُ كونُها للتعبيض. وفي هذا الضميرِ أقوالٌ،
أحدُها: أنَّه يَعودُ على الصَّداقِ المدلولِ عليه بـ "صَدُقاتِهِنَّ".
الثاني: أنَّه يعودُ على "الصَّدُقاتِ" لِسدِّ الواحدِ مَسَدَّها، لو
قيل: "صَداقَهُنَّ" لم يختلَّ المعنى، وهو شبيهٌ بقولِهم: "هو
أحسنُ الفتيان وأجملُه" لأنَّه لو قيل: "هو أحسن فتىً" لَصَحَّ
المعنى، ومثلُه قولُ الراجز:



إذا رأيْت أنجماً مِنَ الأسَدْ
.................... جَبْهَتَه أو الخَرَاتَ والْكَتَدْ



بَالَ سُهَيْلٌ في الْفَضِيخِ فَفَسَدْ
.................. وَطَاب ألْبانُ اللِّقاحِ وبَرَدْ



قوله: "من
الأسد" أيْ مِن بُرْجِ الأسد، والخَراتُ اسمُ نَجْم، وكذلك الكَتَدُ وقولُه:
بال سهيل ـ النجم المعروف ـ في اللفضيخ معناه أنَّ الفضيخ يَفسُد عندَ طُلوعِ
سهيلٍ فكأنَّه بالَ فيه والفَضيخُ: الرُّطَبُ، و"طاب ألبان اللقاح
وبرد": أراد وطاب لَبَنُ اللِّقاح. وفي "برد" ضميرٌ يعود على
"ألبان" لسدِّ "لَبَن" مَسَدَّها. الثالث: أنّه يعودُ على
"الصَّدُقات"
أيضاً، لكن ذهاباً بالضمير مذهبَ الإِشارة، فإنَّ اسمَ الإِشارةَ قد يُشارُ به
مفرداً مذكَّراً إلى أشياءَ تقدَّمَتْه كقولِه: {قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ
مِّن ذلكم} آل عمران: 15. بعد ذِكْرِه أشياءَ قبلَه، وقد تقدَّم لك في البقرة ما
حُكِي عن رُؤبة لَمَّا قيل له في قوله:



فيها خطوطٌ من سوادٍ وبَلَقْ ................ كأنَّه في
الجلدِ تَوْليعُ البَهَقْ



"أردْتُ
ذلك"، فَأَجْرى الضميرُ مُجْرى اسمَ الإِشارةِ. الرابع: أنَّه يَعودُ على
المالِ، وإن لم يَجْرِ له ذِكْرٌ، لأنَّ الصَّدُقات تَدُلُّ عليه. الخامس: أنّه
يعودُ على الإِيتاءِ المدلولِ عليه بـ "آتُوا". السادس: يجوزُ أن يُذَكَّر الضمير
لينصرف إلى الصَّداق الواحد، فيكون متناولاً بعضَه، ولو أُنِّث لتناول ظاهرُه هبةَ
الصَّداق كلِّه، لأنَّ بعض الصَّدُقات واحد منها فصاعداً. وحَسَّن تذكيرَ الضميرِ
أنَّ معنى "فإنْ طِبْنَ":
فإنْ طابَتْ كلُّ واحدةٍ، فلذلك قال "منه" أي: مِنْ صَداقِها، وهو نظير: {وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ
مُتَّكَئاً} يوسف: 31. أي: لكلِّ واحدةٍ، ولذلك أفردَ "مُتَّكأً".



قولُه:
"نَفْساً"
منصوب على التمييز، وهو هنا منقولٌ من الفاعل، إذ الأصل: فإنْ طابَتْ أنفسُهُنَّ،
ومثله: {واشتعل الرأس شَيْباً} مريم: 4، وهذا منصوبٌ عن تمامِ الكلام. وجِيء
بالتمييز هنا مفرداً، وإن كان قبلَه جمعٌ لعدمِ اللَّبْسِ، إذ من المعلوم أنَّ
الكلَّ لَسْنَ مشتركاتٍ في نفس واحدة، ومثله: "قَرَّ الزيدون عيناً"
ويجوز "أنفساً" و"أعيناً". ولا بدَّ من التعرُّضِ لقاعدةٍ
يَعُمُّ النفعُ بها: وهي أنَّه إذا وقعَ تمييزٌ بعدَ جمعٍ منتَصِبٍ عن تمامِ
الكلام فلا يخلو: إمَّا أَنْ يكونَ موافقاً لِما قبله في المعنى أو مخالفاً له،
فإنْ كان الأوَّلَ وَجَبَتْ مطابقةُ التمييز لِما قبلَه نحو: "كَرُمَ الزيدون
رجالاً" كما يطابقُه خبراً وصفةً وحالاً.



وإنْ كان
الثانيَ: فإمَّا أن يكونَ مفردَ المدلول أو مختلفَه، فإن كان مفردَ المدلول وَجَبَ
إفرادُ التمييز كقولك في أبناء رجل واحد: "كَرُم بنو زيد أباً أو
أصلاً"، أي: إنَّ لهم جميعاً أباً واحداً متصفاً بالكرم، ومثله: "كَرُم
الأتقياءُ سَعْياً" إذا لم تقصدِ بالمصدرِ اختلافَ الأنواع لاختلاف مَحالِّه.
وإنْ كان مختلفَ المدلول: فإمّا أَنْ يُلْبِسَ إفرادُ التمييز لو أُفرد أو لا، فإن
أَلْبَسَ وَجَبَت المطابقة نحو: كَرُم الزيدون آباءً، أي: أنَّ لِكلِّ واحدٍ أباً
غيرَ أبِ الآخَرِ يتَّصفُ بالكَرَم، ولو أُفردت هنا لتُوُهِّم أنهم كلَّهم بنو أبٍ
واحدِ، والغرضُ خلافُه. وإنْ لم يُلْبِس جاز الأمران: المطابقةُ والإِفراد، وهو
الأَوْلى، ولذلك جاءت عليه الآيةُ الكريمةُ، وحكمُ التثنية في ذلك كالجمعِ.



وحَسَّن
الإِفرادَ أيضاً هنا ما تقدَّم مِنْ مُحَسِّنِ تذكيرِ الضمير وإفرادِه في "منه" وهو أنَّ المعنى:
فإنْ طابت كلُّ واحدةٍ نفساً. وقال بعضُ البَصريين: إنَّما أفرَدَ لأنَّ المُرادَ
بالنفسِ هنا الهوى، والهوى مصدرٌ، والمصادرُ لا تُثَنَّى ولا تُجْمع. وقال
الزمخشري: ونفساً تمييزٌ، وتوحيدُها لأنَّ الغرضَ بيانُ الجنسِ، والواحدُ يَدُلُّ
عليه. ونَحا أبو البَقاءِ نحوَه، وشَبَّهه بـ "درهماً" في قولك: عشرون
درهماً.



واختلفَ
النحاةُ في جوازِ تقديمِ التمييزِ على عاملِه إذا كان متصرِّفاً، فمَنعَه سيبويهِ،
وأَجازه المُبرِّدُ وجماعةٌ مُستدلّين بقول
المُخَبَّلِ:


أَتَهْجُرُ ليلى بالفراقِ حبيبَها ................ وما
كان نفساً بالفراقِ تَطِيب



وكقولِ ربيعةَ
بنِ مَقروم، وهو شاعر جاهليٌّ إسْلامي مِن شعراءِ مُضَرَ المَعدودين، شهِدَ القادِسيَّةَ:



ووارِدَةٍ كأَنَّها عُصَبُ القَطَا ................
تُثِيرُ عَجَاجاً بالسَّنَابِكِ أَصْهَبا



وَزَعْتُ بِمِثِل السِّيدِ نَهْدٍ مُقَلَّصٍ .............
جَهِيزٍ إِذَا عِطفَاهُ ماءً تَحَلَّبَا



والأصل:
تطيبُ نفساً، وتحلَّبا ماءً. وحجةُ سيبويْهِ في منعِ ذلك أنَّ التمييزَ فاعلٌ في
الأصل، والفاعلُ لا يتقدَّمُ فكذلك ما في قوتِه. واعتُرِض على هذا بنحو: "زيداً"
من قولِك: "أخرجْتُ زيداً" فإنَّ "زيداً" في الأصلِ فاعلٌ قبلَ
النقلِ، إذِ الأصلُ: "خرجَ زيدٌ". والفرق لائحٌ. وللتمييزِ أقسامٌ كثيرةٌ
مذكورةٌ في كُتُبِ القوم.



والجارَّان
في قولِه: "فإن طِبْنَ
لكم عن شيءٍ
" متعلِّقان بالفعلِ قبلَهما مضمَّناً معنى الإِعراض،
ولذلك عُدِّي بـ "عَنْ"
كأنَّه قيل: فإنْ أَعْرَضْنَ لكم عنْ شيءٍ طيِّباتِ النفوس. والفاءُ في "فَكُلوه" جوابُ الشرطِ
وهي واجبةٌ، والهاءُ في "فَكُلوه"
عائدةٌ على "شيءٍ".



قولُه: {هَنِيئاً مَّرِيئاً} في نصبِ
"هنيئاً"
أربعةُ أقوالٍ: أحدُها: أنَّه منصوبٌ على أنَّه صفةٌ لِمصدرٍ محذوفٍ، تقديرُه:
أكلاً هنيئاً. الثاني: أنَّه منصوبٌ على الحالِ من الهاء في "فكلوه" أي: مُهَنَّأً
أي: سهلاً. الثالث: أنَّه منصوبٌ على الحالِ بفعلٍ لا يَجوزُ إظهارُه البَتَّةَ،
لأنَّه قَصَدَ بهذه الحالِ النِيابةَ عن فعلِها نحو: "أقائماً وقد قعدَ الناسُ"،
كما يَنوب المَصدرُ عن فعلِه نحو: "سُقْياً له ورَعْياً". الرابع: أنَّهما
صفتان قامَتا مَقامَ المَصدرِ المقصودِ بِه الدُعاءُ النائبِ عن فعلِه. وقد يُوقفُ
على "فكلوه"
ويُبْتدأُ "هنيئاً
مريئاً
" على الدُعاءِ، وعلى أنَّهما صِفتان أُقيمَتا مَقامَ المصدريْن
كأنَّه قيل: هَنْئاً مَرْءاً. وأمَّا نصبُ "مريئاً" فيه خمسةُ أوجهٍ، أحدُها: أنَّه صفةٌ
لـ "هنيئاً
وقد منعَ الفارسيُّ ذلك لأنَّ هنيئاً قامَ مَقامَ الفعلِ والفعلُ لا يوصَفُ،
ويؤيِّد ما قالَه أنَّ اسمَ الفاعِلِ واسمَ المفعولِ وأمثلةَ المبالغةِ والمصادرَ
إذا وُصِفت لم تَعْمَلْ عملَ الفعلِ. والثاني: أنَّه انتصب انتصابَ "هنيئاً"، وقد تقدَّم ما
فيه من الوجوه.



ولم يُستعمل
"مريئاً" إلَّا
تابعاً لـ "هنيئاً".
ونَقَلَ بعضُهم أنَّه قد يَجيءُ غيرَ تابع، وهو مردودٌ، لأنَّ العربَ لم تَستعمِلْه
إلّا تابعاً.



وذهب
الزمخشري إلى أنهما وصفان، قال: الهَنِيءُ والمَرِيءُ صفتان من هَنُؤ الطعامُ
ومَرُؤ إذا كان سائغاً لا تنغيص فيه.



وهَنا
يَهْنَا بغير همزٍ لُغةٌ ثانيةٌ أيضاً. ويقال: هَنَأني الطعامُ ومَرَأني، فإنْ أَفردتَ
"مَرَأني" لم يُسْتعمل إلّا رباعياً فتقول "أَمْرأَني" وإنّما
استُعمل ثلاثياً للتشاكلِ مع "هَنأَني"، وهذا كما قالوا: "أَخَذَه
ما قَدُم وما حَدُث" بضمِّ دالِ "حدث" مشاكلة لـ "قَدُم"،
ولو أُفرِدَ لم يُستعملْ إلَّا مفتوح الدال، وله نظائرُ أُخَر. ويُقال: هَنَأْتُ
الرَجُلَ أَهْنِئُه بِكسرِ العينِ في المُضارِعِ أي: أعطيتُه. واشتقاقُ الهنِيءِ
من الهِناءِ وهو ما يُطلى به البعيرِ من الجرب، قال دريد بنُ الصمَّة حين مرَّ
بالخنساءِ بنتِ عَمْرو بن الشريد ـ رضي الله عنها ـ حين رآها تَهْنَأُ بعيرًا لها
وقد تبذَّلتْ، حتَّى إذا فرَغَتْ منه، نَضَتْ عنْها ثيابَها فاغْتَسلتْ، ودريدٌ
يراها وهي لا تشعرُ بِه، فأعجَبَتْهُ، فانْصرَفَ إلى رَحْله يقول:



حَيُّوا تُمَاضِرَ وَارْبعُوا صَحْبي .................
وَقِفُوا، فَإِنَّ وُقُوفَكُمْ حَسْبي



أَخُنَاسَ، قَدْ هَامَ الفُؤَادُ بكُمْ ......................
وأصابَهُ تَبْلٌ مِنَ الحُبِّ



مَا إِنْ رَأَيْتُ وَلا سَمِعْتُ بِه .....................
كاليَوْمَ طَالِيَ أَيْنقٍ جُرْبِ



مُتَبَذِّلاً تَبْدُو محاسِنُه ........................
يَضَع الهِناءَ مواضِعَ النُّقْبِ



ثم عاد فخطبها لكنها
أبتْه، وقد عرضنا لذلك بشيءٍ من التفصيل في كتابنا "الشواعر بين الماضي
والحاضر"



والمَرِيءُ:
ما ساغ وسَهُل في الحلقِ، ومنه قِيلَ لِمَجرى الطعامِ مِنَ الحُلْقوم إلى فَمِ
المعدةِ: مَرِيء.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
فيض العليم ... سورة النساء، الآية: 4
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» فيض العليم ... سورة النساء، الآية: 48
» فيض العليم ... سورة النساء، الآية: 3
» فيض العليم ... سورة النساء، الآية: 18
» فيض العليم ... سورة النساء، الآية: 33
» فيض العليم ... سورة النساء، الآية: 66

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
روضة الشاعر عبد القادر الأسود :: ...:: الروضة الروحانية ::... :: روضة الذكر الحكيم-
انتقل الى: