روضة الشاعر عبد القادر الأسود
بعد الصلاة على الرحمة المهداة

أهلا وسهلا بك في روضتنا

يسرنا تسجيلك

روضة الشاعر عبد القادر الأسود
بعد الصلاة على الرحمة المهداة

أهلا وسهلا بك في روضتنا

يسرنا تسجيلك

روضة الشاعر عبد القادر الأسود
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

روضة الشاعر عبد القادر الأسود

منتدى أدبي اجتماعي يعنى بشؤون الشعر والأدب والموضوعات الاجتماعي والقضايا اللإنسانية
 
مركز تحميل الروضةالرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
بسـم الله الرحمن الرحيم  :: الحمد لله رب العالمين * الرحمن الرحيم * مالك يوم الدين * إياك نعبد وإياك نستعين * إهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين أنعمت عليهم * غير المغضوب عليهم ولا الضــالين ....  آميـــن

 

 فيض العليم ... سورة النساء، الآية: 3

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
عبد القادر الأسود

¤° صاحب الإمتياز °¤
¤° صاحب الإمتياز °¤
عبد القادر الأسود


عدد المساهمات : 3986
تاريخ التسجيل : 08/09/2011
العمر : 76
المزاج المزاج : رايق
الجنس : ذكر
فيض العليم ... سورة النساء، الآية:  3 Jb12915568671



فيض العليم ... سورة النساء، الآية:  3 Empty
مُساهمةموضوع: فيض العليم ... سورة النساء، الآية: 3   فيض العليم ... سورة النساء، الآية:  3 I_icon_minitimeالأحد أبريل 21, 2013 2:18 am




وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا
مَا طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ
تَعْدِلُوا فَواحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ذلِكَ أَدْنى أَلاَّ
تَعُولُوا
. (3)


قَوْلُهُ ـ تَعَالَى:
{ وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا
تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا مَا طابَ لَكُمْ ..
} أي إن خفتم ألَّا
تعدلوا بَين الْيَتَامَى فِي حفظ الْأَمْوَال فَخَافُوا كذلك أَن لَا تَعدِلوا بَيْن
النِّسَاءِ فِي النَّفَقَة وَالْقِسْمَة وهو ذنب لا يقل خطورة عن الأوّل لما فيه
من ظلم للمرأة الضعيفة التي تكون في عهدة الرجل كما هو الحال في اليتيم. فعليكم أن
تبْتَعِدوا عن ظلم اليتامى لأنَّ اليتيمَ مَظَنَّةٌ أنْ يُظلَمَ لِضَعفِه، وخاصَّةً
إذا كان أُنثى. إنَّ الظلمَ بعامةٍ مُحرَّمٌ في اليتامى وغيرِهم، ولكن الظلمَ للضعيفةِ
كبيرٌ، وكذلك الزوجةُ. فإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فِي مُهُورِهِنَّ وَفِي
النَّفَقَةِ عَلَيْهِنَّ "فَانْكِحُوا
مَا طابَ لَكُمْ
" أَيْ غَيْرَ اليتيمات اللائي في كفالتكم من النساءِ "مَا طابَ لكم" ما حلَّ
لكم نكاحُهُنَّ، وفيه استبعادٌ للمحرمات منهنَّ وقد ذُكِرْنَ في آيات أُخَر. والنساءُ
كثيراتٌ، فمباح لكلٍّ منكم أنْ يَنكِحَ اثنتين أو ثلاثاً أو أربعاً. ورَوى الأئمَّةُ
وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ ـ رضي الله
عنهما ـ فِي قَوْلِه تَعَالَى: "وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا.."
قَالَتْ: يَا ابْنَ أُخْتِي هِيَ الْيَتِيمَةُ تَكُونُ فِي حُجْرِ وَلِيِّها تُشارِكهُ
في مالِه فَيُعْجِبُهُ مَالُهَا وَجَمَالُهَا فَيُرِيدُ وَلِيُّهَا أَنْ
يَتَزَوَّجَهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يُقْسِطَ فِي صَدَاقِهَا فَيُعْطِيهَا مِثْلَ مَا
يُعْطِيهَا غَيْرُهُ، فَنُهُوا أَنْ يَنْكِحُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يُقْسِطُوا
لَهُنَّ وَيَبْلُغُوا بِهِنَّ أَعْلَى سُنَّتِهِنَّ مِنَ الصَّدَاقِ وَأُمِرُوا
أَنْ يَنْكِحُوا مَا طَابَ لَهُمْ مِنَ النِّسَاءِ سِوَاهُنَّ. وَلِهَذَا قُالوا
إِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ الْوَصِيُّ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ لِنَفْسِهِ،
وَيَبِيعَ مِنْ نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ مُحَابَاةٍ. وَلِلْمُوَكِّلِ النَّظَرُ
فِيمَا اشْتَرَى وَكِيلُهُ لِنَفْسِهِ أَوْ بَاعَ مِنْهَا. وَلِلسُّلْطَانِ
النَّظَرُ فِيمَا يَفْعَلُهُ الْوَصِيُّ مِنْ ذَلِكَ. فَأَمَّا الْأَبُ فَلَيْسَ
لِأَحَدٍ عَلَيْهِ نَظَرٌ مَا لَمْ تَظْهَرْ عَلَيْهِ الْمُحَابَاةُ فَيَعْتَرِضُ
عليه السُّلْطَانُ حِينَئِذٍ.



وقال الضحَّاكُ
والحسنُ وغيرُهما: إِنَّ الْآيَةَ نَاسِخَةٌ لِمَا كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ
وَفِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ، مِنْ أَنَّ لِلرَّجُلِ أَنْ يَتَزَوَّجَ مِنَ
الْحَرَائِرِ مَا شَاءَ، فَقَصَرَتْهُنَّ الْآيَةُ عَلَى أَرْبَعٍ. وَقَالَ ابْنُ
عَبَّاسٍ وَابْنُ جُبَيْرٍ وَغَيْرُهُمَا: الْمَعْنَى وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا
تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَكَذَلِكَ خَافُوا فِي النِّسَاءِ، لِأَنَّهُمْ
كَانُوا يَتَحَرَّجُونَ فِي الْيَتَامَى وَلَا يَتَحَرَّجُونَ فِي النِّسَاءِ وَ"خِفْتُمْ" مِنَ
الْأَضْدَادِ، فَإِنَّهُ يَكُونُ الْمَخُوفُ مِنْهُ مَعْلُومَ الْوُقُوعِ، وَقَدْ
يَكُونُ مَظْنُونًا، فَلِذَلِكَ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي تَفْسِيرِ هَذَا
الْخَوْفِ. فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: "خِفْتُمْ" بِمَعْنَى أَيْقَنْتُمْ. وَقَالَ
آخَرُونَ: "خِفْتُمْ"
ظَنَنْتُمْ، وهو عَلَى بَابِهِ مِنَ الظَنِّ لَا مِنَ الْيَقِينِ. التَّقْدِيرُ
مَنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ التَّقْصِيرُ فِي الْقِسْطِ لِلْيَتِيمَةِ فَلْيَعْدِلْ
عَنْهَا. وَ"تُقْسِطُوا"
مَعْنَاهُ تَعْدِلُوا. يُقَالُ: أَقْسَطَ الرَّجُلُ إِذَا عَدَلَ. وَقَسَطَ إِذَا
جَارَ وَظَلَمَ صَاحِبَهُ. قال الله تعالى: {وأَمَّا الْقاسِطُونَ فَكانُوا
لِجَهَنَّمَ حَطَباً} يَعْنِي الْجَائِرُونَ. وَقَالَ عَلَيْهِ الصلاةُ والسَّلَامُ:
((الْمُقْسِطُونَ فِي الدِّينِ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)).
يَعْنِي الْعَادِلِينَ.



وقد اعتمد الإمامُ
الأعظم أَبُو حَنِيفَةَ النُعمان ـ رضي الله عنه ـ على هَذِهِ الْآيَةِ فِي
تَجْوِيزِهِ نِكَاحَ الْيَتِيمَةِ قَبْلَ الْبُلُوغِ. وَقَالَ: إِنَّمَا تَكُونُ
يَتِيمَةً قَبْلَ الْبُلُوغِ، وَبَعْدَ الْبُلُوغِ هِيَ امْرَأَةٌ مُطَلَّقَةٌ لَا
يَتِيمَةٌ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ أَرَادَ الْبَالِغَةَ لَمَا نَهَى عَنْ
حَطِّهَا عَنْ صَدَاقِ مِثْلِهَا، لِأَنَّهَا تَخْتَارُ ذَلِكَ فَيَجُوزُ
إِجْمَاعًا. وَذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَالْجُمْهُورُ مِنَ الْعُلَمَاءِ
إِلَى أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ حَتَّى تَبْلُغَ وَتُسْتَأْمَرَ، لِقَوْلِهِ
تَعَالَى: {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ} وَالنِّسَاءُ اسْمٌ يَنْطَلِقُ عَلَى
الْكِبَارِ كَالرِّجَالِ فِي الذُّكُورِ، وَاسْمُ الرَّجُلِ لَا يَتَنَاوَلُ
الصَّغِيرَ، فَكَذَلِكَ اسْمُ النِّسَاءِ، وَالْمَرْأَةِ لَا يَتَنَاوَلُ
الصَّغِيرَةَ. وَقَدْ قَالَ: {فِي يَتامَى النِّساءِ} وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَاكَ
الْيَتَامَى هُنَا، كَمَا قَالَتْ السيدة عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا.
فَقَدْ دَخَلْتِ الْيَتِيمَةُ الْكَبِيرَةُ فِي الْآيَةِ فَلَا تُزَوَّجُ إِلَّا
بِإِذْنِهَا، وَلَا تُنْكَحُ الصَّغِيرَةُ إِذْ لَا إِذْنَ لَهَا، فَإِذَا
بَلَغَتْ جَازَ نِكَاحُهَا لَكِنْ لَا تُزَوَّجُ إِلَّا بِإِذْنِهَا. كَمَا
رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ نَافِعٍ
عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: زَوَّجَنِي خَالِي قُدَامَةُ بْنُ مَظْعُونٍ بِنْتَ
أَخِيهِ عُثْمَانَ بْنَ مَظْعُونٍ، فَدَخَلَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ عَلَى
أُمِّهَا، فَأَرْغَبَهَا فِي الْمَالِ وَخَطَبَهَا إِلَيْهَا، فَرُفِعَ شَأْنُهَا
إلى النبيِّ ـ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فَقَالَ قُدَامَةُ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ ابْنَةُ أَخِي وَأَنَا وَصِيُّ أَبِيهَا وَلَمْ أُقَصِّرْ بِهَا،
زَوَّجْتُهَا مَنْ قَدْ عَلِمْتُ فَضْلَهُ وَقَرَابَتَهُ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ
اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِنَّهَا يَتِيمَةٌ وَالْيَتِيمَةُ
أَوْلَى بِأَمْرِهَا)). فَنُزِعَتْ مِنِّي وَزَوَّجَهَا الْمُغِيرَةَ بْنَ
شُعْبَةَ. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: لَمْ يَسْمَعْهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ
مِنْ نَافِعٍ، وَإِنَّمَا سَمِعَهُ مِنْ عُمَرَ بْنِ حُسَيْنٍ عَنْهُ. وَرَوَاهُ
ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ حُسَيْنٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ تَزَوَّجَ بِنْتَ خَالِهِ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ قَالَ:
فَذَهَبَتْ أُمُّهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ
فَقَالَتْ: إِنَّ ابْنَتِي تَكْرَهُ ذَلِكَ. فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ ـ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ أَنْ يُفَارِقَهَا فَفَارَقَهَا. وَقَالَ: ((وَلَا
تَنْكِحُوا الْيَتَامَى حَتَّى تَسْتَأْمِرُوهُنَّ فَإِذَا سَكَتْنَ فَهُوَ
إِذْنُهَا)). فتزوَّجها بعدَ عبدِ اللهِ الْمُغِيرَةُ بْنِ شُعْبَةَ. فَهَذَا يَرُدُّ
مَا يَقُولُهُ أَبُو حَنِيفَةَ مِنْ أَنَّهَا إِذَا بَلَغَتْ لَمْ تَحْتَجْ إِلَى
وَلِيٍّ، بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ فِي عَدَمِ اشْتِرَاطِ الْوَلِيِّ فِي صِحَّةِ
النِّكَاحِ. وَقَدْ مَضَى فِي (الْبَقَرَةِ) ذِكْرُهُ، فَلَا مَعْنَى
لِقَوْلِهِمْ: إِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ الْبَالِغَةِ
لِقَوْلِهِ ((إِلَّا بِإِذْنِهَا)) فَإِنَّهُ كَانَ لَا يَكُونُ لِذِكْرِ
الْيَتِيمِ مَعْنًى وَاللَّهُ أَعْلَمُ.



وَفِي
تَفْسِيرِ السيدةِ عَائِشَةَ أمِّ المؤمنين ـ رضيَ اللهُ عنْها ـ لِلْآيَةِ مِنَ
الْفِقْهِ مَا قَالَ بِهِ مَالِكٌ صَدَاقُ الْمِثْلِ، وَالرَّدُّ إِلَيْهِ فِيمَا
فَسَدَ مِنَ الصَّدَاقِ وَوَقَعَ الْغَبْنُ فِي مِقْدَارِهِ، لِقَوْلِهَا:
بِأَدْنَى مِنْ سُنَّةِ صَدَاقِهَا. فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ صَدَاقُ الْمِثْلِ
مَعْرُوفًا لِكُلِّ صِنْفٍ مِنَ النَّاسِ عَلَى قَدْرِ أَحْوَالِهِمْ. وَقَدْ
قَالَ مَالِكٌ: لِلنَّاسِ مَنَاكِحُ عُرِفَتْ لَهُمْ وَعُرِفُوا لَهَا. أَيْ صَدُقات
وأَكْفاء. وسُئلَ مالكٌ عن رجلٍ زَوَّجَ ابنتَه غُنْيَةَ مِنَ ابْنِ أَخٍ لَهُ
فَقِيرٍ فَاعْتَرَضَتْ أُمُّهَا فَقَالَ: إِنِّي لَأَرَى لَهَا فِي ذَلِكَ
مُتَكَلَّمًا. فَسَوَّغَ لَهَا فِي ذَلِكَ الْكَلَامَ حَتَّى يَظْهَرَ هُوَ مِنْ
نَظَرِهِ مَا يُسْقِطُ اعْتِرَاضَ الْأُمِّ عَلَيْهِ. وَرُوِيَ (لَا أَرَى)
بِزِيَادَةِ الْأَلِفِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ. وَجَائِزٌ لِغَيْرِ الْيَتِيمَةِ
أَنْ تُنْكَحَ بِأَدْنَى مِنْ صَدَاقِ مِثْلِهَا، لِأَنَّ الْآيَةَ إِنَّمَا
خَرَجَتْ فِي الْيَتَامَى. هَذَا مَفْهُومُهَا وَغَيْرُ الْيَتِيمَةِ
بِخِلَافِهَا.



فَإِذَا
بَلَغَتِ الْيَتِيمَةُ وَأَقْسَطَ الْوَلِيُّ فِي صَدَاقِهَا جَازَ لَهُ أَنْ
يَتَزَوَّجَهَا، وَيَكُونُ هُوَ النَّاكِحُ وَالْمُنْكِحُ عَلَى مَا فَسَّرَتْهُ أمُّ
الؤمنين السيدة عَائِشَةُ ـ رضي الله عنها. وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ
وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ، وَقَالَهُ مِنَ التَّابِعِينَ
الْحَسَنُ وَرَبِيعَةُ، وَهُوَ قَوْلُ الليث. وقال زفر والشافعي: لَا يَجُوزُ لَهُ
أَنْ يَتَزَوَّجَهَا إِلَّا بِإِذْنِ السُّلْطَانِ، أَوْ يُزَوِّجَهَا مِنْهُ
وَلِيٌّ لَهَا هُوَ أَقْعَدُ بِهَا مِنْهُ، أَوْ مِثْلُهُ فِي الْقَعْدُدِ، وَأَمَّا
أَنْ يَتَوَلَّى طَرَفَيِ الْعَقْدِ بِنَفْسِهِ فَيَكُونُ نَاكِحًا مُنْكِحًا
فَلَا. وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ الْوِلَايَةَ شَرْطٌ مِنْ شُرُوطِ الْعَقْدِ
لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصلاةُ والسَّلَامُ: ((لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ
وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ)). فَتَعْدِيدُ النَّاكِحِ وَالْمُنْكِحِ وَالشُّهُودِ
وَاجِبٌ، فَإِذَا اتَّحَدَ اثْنَانِ مِنْهُمْ سَقَطَ وَاحِدٌ مِنَ
الْمَذْكُورِينَ. وَفِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلٌ ثَالِثٌ، وَهُوَ أَنْ تَجْعَلَ
أَمْرَهَا إِلَى رَجُلٍ يُزَوِّجُهَا مِنْهُ. رُوِيَ هَذَا عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ
شُعْبَةَ، وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ، ذَكَرَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ.



قَوْلُهُ
تَعَالَى: ((مَا طابَ لَكُمْ
مِنَ النِّساءِ
)). قال الْحَسَنُ وابنُ جُبيْرٍ وغيرُهما. مَعْنَاهُ مَا
حَلَّ لَكُمْ، واكتَفى بِمن يَجُوزُ نِكَاحُهُ، لِأَنَّ الْمُحَرَّمَاتِ مِنَ
النِّسَاءِ كَثِيرٌ. "مِنَ
النِّساءِ
" دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يُقَالُ نِسَاءٌ إِلَّا لِمَنْ
بَلَغَ الْحُلُمَ. وَوَاحِدُ النِّسَاءِ نِسْوَةٌ، وَلَا وَاحِدَ لِنِسْوَةٍ مِنْ
لَفْظِهِ، وَلَكِنْ يُقَالُ امْرَأَةٌ.



قَوْلُهُ
تَعَالَى: {مَثْنى وَثُلاثَ
وَرُباعَ
} لَا يَدُلُّ هَذَا الْعَدَدَ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ عَلَى
إِبَاحَةِ تِسْعٍ، كَمَا قال مَنْ بَعُدَ فَهْمُهُ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ،
وَأَعْرَضَ عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ سَلَفُ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَزَعَمَ أَنَّ
الْوَاوَ جَامِعَةٌ، وَعَضَّدَ ذَلِكَ بِأَنَّ النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ نَكَحَ تِسْعًا، وَجَمَعَ بَيْنَهُنَّ فِي عِصْمَتِهِ.
وَالَّذِي صَارَ إِلَى هَذِهِ الْجَهَالَةِ، وَقَالَ هَذِهِ الْمَقَالَةَ
الرَّافِضَةُ وَبَعْضُ أَهْلِ الظَّاهِرِ، فَجَعَلُوا مَثْنَى مِثْلَ اثْنَيْنِ،
وَكَذَلِكَ ثُلَاثَ وَرُبَاعَ. وَذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الظَّاهِرِ أَيْضًا إِلَى
أَقْبَحَ مِنْهَا، فَقَالُوا بِإِبَاحَةِ الْجَمْعِ بَيْنَ ثَمَانِ عَشْرَةَ،
تَمَسُّكًا مِنْهُ بِأَنَّ الْعَدْلَ فِي تِلْكَ الصِّيَغِ يُفِيدُ التَّكْرَارَ
وَالْوَاوُ لِلْجَمْعِ، فَجَعَلَ مَثْنَى بِمَعْنَى اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ
وَكَذَلِكَ ثُلَاثَ وَرُبَاعَ. وَهَذَا كُلُّهُ جَهْلٌ بِاللِّسَانِ وَالسُّنَّةِ،
وَمُخَالَفَةٌ لِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ، إِذْ لَمْ يُسْمَعْ عَنْ أَحَدٍ مِنَ
الصَّحَابَةِ وَلَا التَّابِعِينَ أَنَّهُ جَمَعَ فِي عِصْمَتِهِ أَكْثَرَ مِنْ
أَرْبَعٍ. وَأَخْرَجَ مَالِكٌ فِي مُوَطَّئِهِ، وَالنَّسَائِيُّ
وَالدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِمَا أَنَّ النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ ـ قَالَ لِغَيْلَانَ بْنِ أُمَيَّةَ الثَّقَفِيِّ وَقَدْ أَسْلَمَ
وَتَحْتَهُ عَشْرُ نِسْوَةٍ: ((اخْتَرْ مِنْهُنَّ أَرْبَعًا وفارقْ سائرَهُنَّ)).
وفي كِتَابِ أَبِي دَاوُدَ عَنِ الْحَارِثِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ: أَسْلَمْتُ
وَعِنْدِي ثَمَانِ نِسْوَةٍ، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فَقَالَ: ((اخْتَرْ مِنْهُنَّ أَرْبَعًا)). وَقَالَ
مُقَاتِلٌ: إِنَّ قَيْسَ بْنَ الْحَارِثِ كَانَ عِنْدَهُ ثَمَانِ نِسْوَةٍ
حَرَائِرَ، فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ أَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ ـ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ أَنْ يُطَلِّقَ أَرْبَعًا وَيُمْسِكَ أَرْبَعًا.
كَذَا قَالَ: قَيْسُ بْنُ الْحَارِثِ، وَالصَّوَابُ أنَّ ذلك كان حارث ابن قَيْسٍ
الْأَسَدِيَّ كَمَا ذَكَرَ أَبُو دَاوُدَ. وَكَذَا رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ
فِي كِتَابِ السِّيَرِ الكبير: أنَّ ذلك كان حارث ابن قَيْسٍ، وَهُوَ الْمَعْرُوفُ
عِنْدَ الْفُقَهَاءِ. وَأَمَّا مَا أُبِيحَ مِنْ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ ـ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَلِكَ مِنْ خُصُوصِيَّاتِهِ. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ:
إِنَّ الْوَاوَ جَامِعَةٌ، فَقَدْ قِيلَ ذَلِكَ، لَكِنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَاطَبَ
الْعَرَبَ بِأَفْصَحِ اللُّغَاتِ. وَالْعَرَبُ لَا تَدَعُ أَنْ تَقُولَ تِسْعَةً
وَتَقُولُ اثْنَيْنِ وَثَلَاثَةً وَأَرْبَعَةً. وَكَذَلِكَ تَسْتَقْبِحُ مِمَّنْ
يَقُولُ: أَعْطِ فُلَانًا أَرْبَعَةً سِتَّةً ثَمَانِيَةً، وَلَا يَقُولُ
ثَمَانِيَةَ عَشَرَ. وَإِنَّمَا الْوَاوُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ بَدَلٌ، أَيِ
انْكِحُوا ثَلَاثًا بَدَلًا مِنْ مَثْنَى، وَرُبَاعَ بَدَلًا مِنْ ثَلَاثٍ،
وَلِذَلِكَ عَطَفَ بِالْوَاوِ وَلَمْ يَعْطِفْ بِأَوْ. وَلَوْ جَاءَ بِأَوْ
لَجَازَ أَلَّا يَكُونَ لِصَاحِبِ الْمَثْنَى ثُلَاثُ، وَلَا لِصَاحِبِ الثُّلَاثِ
رُبَاعُ. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إِنَّ مَثْنَى تَقْتَضِي اثْنَيْنِ، وَثُلَاثَ
ثَلَاثَةً، وَرُبَاعَ أَرْبَعَةً، فَتَحَكُّمٌ بِمَا لَا يُوَافِقُهُمْ أَهْلُ
اللِّسَانِ عَلَيْهِ، وَجَهَالَةٌ مِنْهُمْ. وَكَذَلِكَ جَهْلُ الْآخَرِينَ،
بِأَنَّ مَثْنَى تَقْتَضِي اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ، وَثُلَاثَ ثَلَاثَةً ثَلَاثَةً،
وَرُبَاعَ أَرْبَعَةً أَرْبَعَةً، وَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ،
وَثَلَاثًا ثَلَاثًا، وَأَرْبَعًا أَرْبَعًا، حَصْرٌ لِلْعَدَدِ. وَمَثْنَى
وَثُلَاثُ وَرُبَاعُ بِخِلَافِهَا. فَفِي الْعَدَدِ الْمَعْدُولِ عِنْدَ الْعَرَبِ
زِيَادَةُ مَعْنَى لَيْسَتْ فِي الْأَصْلِ، وَذَلِكَ أَنَّهَا إِذَا قَالَتْ:
جَاءَتِ الْخَيْلُ مَثْنَى، إِنَّمَا تَعْنِي بِذَلِكَ اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ، أَيْ
جَاءَتْ مُزْدَوِجَةً. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَكَذَلِكَ مَعْدُولُ الْعَدَدِ.
وَقَالَ غَيْرُهُ: إِذَا قُلْتَ جَاءَنِي قَوْمٌ مَثْنَى أَوْ ثُلَاثَ أَوْ
أُحَادَ أَوْ عُشَارَ، فَإِنَّمَا تُرِيدُ أَنَّهُمْ جَاءُوكَ وَاحِدًا وَاحِدًا،
أَوِ اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ، أَوْ ثَلَاثَةً ثَلَاثَةً، أَوْ عَشَرَةً عَشَرَةً،
وَلَيْسَ هَذَا الْمَعْنَى فِي الْأَصْلِ، لِأَنَّكَ إِذَا قُلْتَ جَاءَنِي قَوْمٌ
ثَلَاثَةٌ ثَلَاثَةٌ، أَوْ قَوْمٌ عَشَرَةٌ عَشَرَةٌ، فَقَدْ حَصَرْتَ عِدَّةَ
الْقَوْمِ بِقَوْلِكَ ثَلَاثَةً وَعَشَرَةً. فَإِذَا قُلْتَ جَاءُونِي رُبَاعَ
وَثُنَاءَ فَلَمْ تَحْصُرْ عِدَّتَهُمْ. وَإِنَّمَا تُرِيدُ أَنَّهُمْ جَاءُوكَ
أَرْبَعَةً أَرْبَعَةً أَوِ اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ. وَسَوَاءٌ كَثُرَ عَدَدُهُمْ
أَوْ قَلَّ فِي هَذَا الْبَابِ، فَقَصْرُهُمْ كُلَّ صِيغَةٍ عَلَى أَقَلِّ مَا
تَقْتَضِيهِ بِزَعْمِهِ تَحَكُّمٌ. وَأَمَّا اخْتِلَافُ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ
فِي الَّذِي يَتَزَوَّجُ خَامِسَةً وَعِنْدَهُ أَرْبَعٌ. فَقَالَ مَالِكٌ
وَالشَّافِعِيُّ: عَلَيْهِ الْحَدُّ إِنْ كَانَ عَالِمًا. وَبِهِ قَالَ أَبُو
ثَوْرٍ. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: يُرْجَمُ إِذَا كَانَ عَالِمًا، وَإِنْ كَانَ
جَاهِلًا أَدْنَى الْحَدَّيْنِ الَّذِي هُوَ الْجَلْدُ، وَلَهَا مَهْرُهَا
وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا وَلَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا حَدَّ
عليْه في شيءٍ مِنْ ذَلِكَ. هَذَا قَوْلُ النُّعْمَانِ. وَقَالَ يَعْقُوبُ
وَمُحَمَّدٌ: يُحَدُّ فِي ذَاتِ الْمَحْرَمِ وَلَا يُحَدُّ فِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ
النِّكَاحِ. وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَتَزَوَّجَ مَجُوسِيَّةً أَوْ خَمْسَةً فِي عُقْدَةٍ
أَوْ تَزَوَّجَ مُتْعَةً أَوْ تَزَوَّجَ بِغَيْرِ شُهُودٍ، أَوْ أَمَةً
تَزَوَّجَهَا بِغَيْرِ إِذْنِ مَوْلَاهَا. وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ: إِذَا عَلِمَ
أَنَّ هَذَا لَا يَحِلُّ لَهُ يَجِبُ أَنْ يُحَدَّ فِيهِ كُلِّهِ إِلَّا
التَّزَوُّجُ بِغَيْرِ شُهُودٍ. وَفِيهِ قَوْلٌ ثَالِثٌ قَالَهُ النَّخَعِيُّ فِي
الرَّجُلِ يَنْكِحُ الْخَامِسَةَ مُتَعَمِّدًا قَبْلَ أَنْ تَنْقَضِيَ عِدَّةُ
الرَّابِعَةِ مِنْ نِسَائِهِ: جَلْدُ مِائَةٍ وَلَا يُنْفَى. فَهَذِهِ فُتْيَا
عُلَمَاءِ المالكيَّةِ فِي الْخَامِسَةِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ
فكيف بما فوقها.



جاءتِ
امْرَأَةٌ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقَالَتْ: يَا
أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ زَوْجِي يَصُومُ النَّهَارَ وَيَقُومُ اللَّيْلَ
وَأَنَا أَكْرَهُ أَنْ أَشْكُوَهُ، وَهُوَ يَعْمَلُ بِطَاعَةِ اللَّهِ عَزَّ
وَجَلَّ. فَقَالَ لَهَا: نِعْمَ الزَّوْجُ زَوْجُكِ. فَجَعَلَتْ تكرِّرُ عليه
القولَ وهو يُكَرِّرُ عَلَيْهَا الْجَوَابَ. فَقَالَ لَهُ كَعْبٌ الْأَسَدِيُّ: يَا
أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، هَذِهِ الْمَرْأَةُ تَشْكُو زَوْجَهَا فِي مُبَاعَدَتِهِ إِيَّاهَا
عَنْ فِرَاشِهِ. فَقَالَ عُمَرُ: كَمَا فَهِمْتَ كَلَامَهَا فَاقْضِ بَيْنَهُمَا.
فَقَالَ كَعْبٌ: عَلَيَّ بِزَوْجِهَا، فَأُتِيَ بِهِ فَقَالَ لَهُ: إِنَّ
امْرَأَتَكَ هَذِهِ تَشْكُوكَ. قَالَ: أَفِي طَعَامٍ أَمْ شَرَابٍ؟ قَالَ لَا.
فَقَالَتِ الْمَرْأَةُ:



يَا أَيُّهَا الْقَاضِي الْحَكِيمُ رَشَدُهْ ..........
أَلْهَى خَلِيلِي عَنْ فِرَاشِي مَسْجِدُهْ



زَهَّدَهُ فِي مَضْجَعِي تَعَبُّدُهْ ..................
فَاقْضِ الْقَضَا كَعْبُ وَلَا تُرَدِّدُهْ



نَهَارُهُ وَلَيْلُهُ مَا يَرْقُدُهْ .....................
فَلَسْتُ فِي أَمْرِ النِّسَاءِ أَحْمَدُهْ



فَقَالَ
زَوْجُهَا:



زَهَّدَنِي فِي فَرْشِهَا وَفِيَّ الْحَجَلْ ..............
أَنِّي امْرُؤٌ أَذْهَلَنِي مَا قَدْ نَزَلْ



فِي سُورَةِ النَّحْلِ وَفِي السَّبْعِ الطِّوَلْ .........
وَفِي كِتَابِ اللَّهِ تَخْوِيفٌ جَلَلْ



فَقَالَ
كَعْبٌ:



إِنَّ لَهَا عَلَيْكَ حَقًّا يَا رَجُلْ ....................
نَصِيبُهَا فِي أَرْبَعٍ لِمَنْ عَقَلْ




فَأَعْطِهَا ذَاكَ وَدَعْ عَنْكَ الْعِلَلْ



ثُمَّ
قَالَ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَحَلَّ لَكَ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى
وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ، فَلَكَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهِنَّ تَعْبُدُ
فِيهِنَّ رَبَّكَ. فَقَالَ عُمَرُ، وَاللَّهِ مَا أَدْرِي مِنْ أَيِّ أَمْرَيْكَ
أَعْجَبُ؟ أَمِنْ فَهْمِكَ أَمْرَهُمَا أَمْ مِنْ حُكْمِكَ بَيْنَهُمَا؟ اذْهَبْ
فَقَدْ وَلَّيْتُكَ قَضَاءَ الْبَصْرَةِ. وَعن أَنَسٍ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: أَتَتِ
النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ امْرَأَةٌ تَسْتَعْدِي
زَوْجَهَا، فَقَالَتْ: لَيْسَ لِي مَا لِلنِّسَاءِ، زَوْجِي يَصُومُ الدَّهْرَ.
قَالَ: ((لَكِ يَوْمٌ وَلَهُ يَوْمٌ، لِلْعِبَادَةِ يَوْمٌ وَلِلْمَرْأَةِ يَوْمٌ)).



قَوْلُهُ
تَعَالَى: {فَإِنْ خِفْتُمْ
أَلَّا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً
} قَالَ الضَّحَّاكُ وَغَيْرُهُ: فِي
الْمَيْلِ وَالْمَحَبَّةِ وَالْجِمَاعِ وَالْعِشْرَةِ والقَسْمِ بيْن الزَوجاتِ
الأَرْبَعِ والثلاثِ والاثنينِ، "فَواحِدَةً". فَمَنَعَ مِنَ الزِّيَادَةِ الَّتِي تُؤَدِّي
إِلَى تَرْكِ الْعَدْلِ فِي الْقَسْمِ وَحُسْنِ الْعِشْرَةِ. وَذَلِكَ دَلِيلٌ
عَلَى وُجُوبِ ذَلِكَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.



قَوْلُهُ
تَعَالَى: {أَوْ مَا مَلَكَتْ
أَيْمانُكُمْ
} يُرِيدُ الْإِمَاءَ. وَهُوَ عَطْفٌ عَلَى "فَواحِدَةً" أَيْ إِنْ
خَافَ أَلَّا يَعْدِلَ في الصَداقِ(إذا كانت يتيمةً وهو كافلُها) والنفقةِ بعامةٍ،
فعليكم بواحدةٍ فقط أو أنْ تتزوجوا بمن هن من جواريكم لأنهنَّ لا أيسر من الحرائر
في المتطلبات، وهنا أمر دقيق يجدر بنا أن نقف عنده، فالحق تبارك وتعالى يرغِّبُ
هنا أيضاً بعتق الرقابِ، وقد جعله كفارة لعدد من الذنوب، فقد رغَّبَ به في هذه
الآية لأنَّه إذا تزوج الرجلُ بجاريته ربما يعتقها، وإذا لم يعتقها عندما يتزوجها
سيفعل عندما تضع له مولوداً، وهذا أيضاً من رحمتِه ـ سبحانه ـ بهذه الجارية
المستضعفة، فقد جاء الإسلامُ وكان الاسترقاقُّ منتشراً بين الناس بكثرةٍ. فجعل
للتخلص منه مناسباتٍ كثيرة هذه إحداها.



قَوْلُهُ ـ تَعَالَى:
{ذلِكَ أَدْنى أَلَّا
تَعُولُوا
} أَيْ ذَلِكَ أَقْرَبُ إِلَى أَلَّا تَمِيلُوا عَنِ الْحَقِّ
وَتَجُورُوا.



قوله ـ تعالى:
{وَإِنْ خِفْتُمْ}
شرطٌ، وجوابُه قولُه: {فانكحوا
وقال بعضهم: {فواحَدةً}
فإن قيلَ: "فواحدةً"
جوابٌ لقولِه: {فَإِنْ
خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ
} فكيف يكون جواباً للأوَّلِ؟ أُجيبَ عن ذلك
بأنَّه أَعادَ الشرطَ الثانيَ، لأنَّه كالأوَّلِ في المعنى، لمَّا طالَ الفصلُ بيْن
الأولِ وجوابِه، وفيه نظرٌ لا يَخفى.



والخوف هنا
على بابِه، فالمُرادُ بِه الحَذَرُ، وقال أبو عبيدةَ: إنَّه بمعنى اليَقينِ، وأَنشَدَ:



فقلتُ لهم خافوا بألفَي مُدَجَّجٍ .............
سَراتُهُم في الفارسيِّ المُسَرَّدِ



أي: أيقِنوا.


قولُه: {أَلاَّ تُقْسِطُواْ} إنْ
قَدَّرْتَ أنَّها على حَذفِ حرفِ جَرٍّ أيْ: "مِنْ أنْ لا" ففيها
الخلافُ المَشهورُ: أهي في محلِّ نصبٍ أوْ جَرٍّ، وإنْ لم تُقدِّرْ ذلك بَل وَصَل
الفعلُ إليْها بنفسِه، كأنَّك قلتَ: "فإنْ حَذرْتم" فهي في محلِّ نصبٍ
فقط.



وقرأ
الجمهورُ: "تُقْسِطوا" بضمِّ التاء مِنْ "أقسط" إذا عَدَلَ، فـ
"لا" على
هذه القراءة نافيةٌ، والتقديرُ: وإنْ خِفْتم عدمَ الإِقْساطِ أي: العدلِ. وقرأَ
إبراهيم النُخَعيُّ ويَحيى بنِ وثاب بفتحِها من "قَسَط"، وفيها تأويلان،
أحدهما: أنَّ "قَسَط" بمعنى جار، وهذا هو المشهور في اللغة، أعني أنَّ
الرباعي بمعنى عَدَل، والثلاثي بمعنى جار، وكأن الهمزةَ فيه للسَلْبِ، فمعنى "أقسط"
أي: أزالَ القِسطَ وهو الجور، و"لا" على هذا القول زائدةٌ ليس إلا ، وإلاَّ يفسُدُ المعنى،
كهي في قولِه: {لئَلاَّ يَعْلَمَ} الحديد: 29. والثاني: أنّ "قسط" الثلاثيَّ
يُستعمل استعمالَ "أقسط" الرباعي، حكاه الزجّاجُ، فعلى هذا تكون "لا" غيرَ زائدة، كهي في
القراءة الشهيرة، إلا أنَّ التفرقةَ هي المعروفة لغة.



قال الراغب:
"القِسْط": أن يأخُذَ قِسْطَ غيرِه، وذلك جَوْرٌ، والإِقساط: أن يُعْطِيَ
قِسْطَ غيره، وذلك إنصافٌ، ولذلك يقال: قَسَط الرجل إذا جار، وأَقسَطَ: إذا عَدَل،
قال تعالى: {وَأَمَّا القاسطون فَكَانُواْ لِجَهَنَّمَ حَطَباً} الجن: 15، وقال
تعالى: {وأقسطوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المقسطين } الحجرات: 9.



ومن غريبِ
ما يُحكى أنَّ الحجَّاجَ لمَّا أَحْضر الحَبْرَ الشهيرَ سعيدَ ابنَ جُبَيْرٍ، قال
له: "ما تقول فِيَّ؟" قال: "قاسط عادل"، فأَعجَبَ الحاضرين،
فقال لهم الحجَّاجُ: "ويلكم لم تَفهموا عنه، إنه جعلَني جائراً كافراً، ألم تَسعمَوا
قوله ـ تعالى: {وَأَمَّا القاسطون فَكَانُواْ لِجَهَنَّمَ حَطَباً} وقولَه ـ تعالى:
{ثْمَّ الذين كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} الأنعام: 1. وقد تقدَّمَ
استيفاءُ الكلامِ في هذه المادَّةِ في قوله: {قَائِمَاً بالقسط} آل عمران: 18.



قولُه: {مَا طَابَ} في "ما" هذه أوْجُهٌ أحدُها:
أنَّها بمعنى الذي، وذلك عند مَنْ يَرى أنَّ "ما" تكون للعاقل، وهي مسألةٌ مشهورة، قال
بعضُهم: وحَسَّن وقوعَها هنا أنَّها واقعةٌ على النِساءِ وهنَّ ناقصاتُ العقولِ.
وبعضُهم يقول: هي لصفاتِ مَنْ يعقِل. وبعضُهم يقول: لنوعِ مَنْ يعقل، كأنَّه قيل:
النوع الطيِّب من النساء، وهي عباراتٌ متقاربة، ولذلك لم نَعُدَّها أوجهاً.



الثاني: أنَّها
نَكِرةٌ موصوفةٌ، أي: انكِحوا جنساً طيِّباً، أو عدداً طيباً.



الثالث: أنَّها
مصدريةٌ، وذلك المصدرُ واقعٌ موقعَ اسْمِ فاعلٍ تقديرُهُ: فانكِحوا الطيِّبَ. والمصدرُ
ـ هنا ـ مقدَّرٌ باسْمِ الفاعلِ، والمعنى: فانكِحوا النِّكاحَ الذي طاب لكم،
والأول أظهر.



الرابع: أنَّها
ظرفيَّةٌ، والظرفيةُ تستلزم المصدريَّةَ، والتقديرُ: فانكِحوا مُدَّةً يَطيبُ فيها
النِكاحُ لكم. إذا تقرَّرَ هذا فإنْ قلْنا: إنَّها موصولةٌ اسميَّةٌ أو نَكِرَةٌ مَوْصوفَةٌ
أو مَصدريَّةٌ، والمصدرُ واقعٌ موقعَ اسْمِ الفاعِلِ كانت "ما" مفعولاً بـ "انكِحوا". ويكون "من النساء" فيه وجهان،
أحدُهُما: أنَّها لبيانِ الجنسِ المُبهمِ في "ما" عند مَنْ يُثبِتُ لها ذلك. والثاني: أنَّها
تبعيضيَّةٌ، أي: بعضَ النساءِ، وتتعلَّقُ بمحذوفٍ على أنَّها حالٌ مِن "ما طاب". وإنْ قلْنا:
إنَّها مَصدريَّةٌ ظَرفيَّةٌ أو مَصدرِيَّةٌ مَحْضَةٌ، ولم يُوقَعِ المصدرُ موقعَ
اسْمِ فاعلٍ كان مفعولَ "فانكِحوا"
قولُه: "من نساء
نحو قولِك: أَكلتُ من الرغيفِ، وشربتُ مِن العسلِ، أي: شيئاً مِنَ الرغيفِ وشيئاً
مِن العَسَلِ. فإنْ قيل: لِمَ لا تَجْعل على هذا "مَثْنى" وما بعدَها مفعولَ "فانكحوا" أي: فانكحوا
هذا العددَ؟ فالجوابُ: أنَّ هذه الألفاظَ المعدولةَ لا تَلي العواملَ.



وقرأ ابنُ
أبي عَبْلَةَ: "مَنْ طاب" وهو مرجِّحٌ كونَ "ما" بمعنى الذي للعاقل.
وفي مُصحَفِ أُبيٍّ بنِ كعبٍ: "طِيب" بالياء، وهذا ليس بمبني للمفعول،
لأنَّه قاصرٌ، وإنَّما كُتِبَ كذلك دَلالةً على الإمالَةِ وهي قراءةُ حمزة.



قولُه: {مَثْنى} منصوبٌ على الحال من
"ما طاب". أو
من "النساء".
ويجوزُ أنْ يكونَ بدلاً من "ما".
وهذان الوجهان ضعيفان: أمَّا الأوَّلُ فلأنَّ المُحَدَّثَ عنه إنَّما هو المَوصولُ،
وأتى بقولِه: "من
النساءِ
" كالتبيين. وأمَّا الثاني فلأنَّ البدلَ على نِيَّةِ تَكرارِ
العامِلِ، وقد تقدَّم أنَّ هذه الألفاظَ لا تُباشِرُ العواملَ.



وهذه
الألفاظُ المعدولةَ فيها خلافٌ، وهل يجوز فيها القياسُ أم يُقتَصَرُ فيها على السَّماعِ؟
قوْلان: قولُ البَصريين عدمُ القياسِ، وقولُ الكُوفيّين وأبي إسحاقَ جًوازُه، والمسموعُ
من ذلك أحدَ عشر لفظاً: أُحاد ومَوْحَد، وثُناء ومَثْنى، وثُلاث وَمَثْلَث، ورُباع
ومَرْبع، ومَخْمس، ولم يُسمعُ خُماس، وعُشار ومَعْشر. واختلفوا أيضاً في صرفِها
وعدمِه: فجمهورُ النحاةِ على منعه، وأجاز الفراء صرفَها، وإن كان المنعُ عنده
أَوْلى.



واختلفوا
أيضاً في سببِ مَنْعِ الصرفِ فيها على أربعةِ مَذاهِبَ، أحدُها: مذهبُ سيبويْهِ،
وهو أنَّها مُنِعَتِ الصرفَ للعدْلِ والوَصْفِ: أمَّا الوصفُ فظاهرٌ، وأمَّا العدلُ
فلِكونِها مَعدولةً مِن صيغةٍ إلى صِيغةٍ، وذلك أنَّها معدولةٌ عن عددٍ مُكرَّرٍ،
فإذا قلت: جاء القوم أحادَ أو مَوْحَدَ، أو ثُلاثَ أو مَثْلَثَ كان بمنزلة قولك:
جاؤوا واحداً واحداً وثلاثةً ثلاثةً ..". ولا يُرادُ بالمَعدولِ عنه التوكيدُ،
إنَّما يُرادُ بِه تكريرُ العددِ كقولِهم: عَلَّمْتُه الحسابَ باباً باباً. والثاني:
مذهبُ الفرّاءِ، وهو العدلُ والتعريفُ بِنِيَّةِ الأَلِفِ واللّامِ، ولذلك يَمْتنعُ
إضافتُها عندَه لِتقديرِ الأَلِفِ واللّامِ، وامتَنَعَ ظهورُ الألِفِ واللّامِ
عنده لأنَّها في نِيَّةِ الإِضافةِ. الثالث: مذهبُ أبي إسحاق: وهو عَدْلُها عن
عددٍ مكرَّرٍ، وعَدْلُها عن التأنيثِ. والرابعُ: نقلَهُ الأخفشُ عن بعضِهم أنَّه تَكرارُ
العدلِ، وذلك أنَّه عُدِلَ عن لفظِ اثنين اثنين، وعن معناه لأنَّه قد لا يُستعمَلُ
في مَوضِعٍ تُستعملُ فيه الأعدادُ غيرُ المعدولةِ تقولُ: جاءني اثنان وثلاثة، ولا
تقول: جاءني مَثْنى وثلاث. حتَّى يتقدَّمَ قبلَه جمعٌ، لأنَّ هذا البابِ جُعِلَ
بياناً لِترتيبِ الفعلِ. فإذا قلتَ: جاءَ القومُ مَثْنَى. أفادَ أنَّ مجيئَهم وقع
من اثنينِ اثنين، بخلافِ غيرِ المعدولة، فإنَّها تُفيدُ الإِخبارَ عن مِقدارِ المَعدودِ
دونَ غيرِه، فقد بانَ بِما ذَكَرْنا اختلافُهما في المعنى، فلذلك جاز أن تقومَ
العلةُ مَقامَ عِلَّتيْن لإِيجابِها حُكميْن مختلفيْن.



وقال
الزمخشريُّ: "إنَّما مُنِعتِ الصَرْفَ لِما فيها من العدلِ: عدلِها عن
صيغتِها، وعدلِها عن تَكررِها، وهنَّ نَكِراتٌ يُعَرَّفْنَ بلامِ التعريفِ، يُقالُ:
"فلانٌ يَنكِح المَثْنى والثُلاث". قال الشيخ: وما ذهبَ إليه من امتناعِها
لذلك لا أعلَم أحداً قالَه، بل المذاهبُ فيه أربعةٌ، وذكرها كما تقدم ، وقد يقال:
إن هذا هو المذهب الرابع، وعَبَّر عن العدل في المعنى بعدلِها عن تكررها. وناقشه
الشيخ أيضاً في مثاله بقوله: "ينكح المثنى" من وجهيْن،



أحدُهما: دخول "أل"
عليها، قال: "وهذا لم يَذْهب إليه أحد، بل لم



تستعمل في لسان
العرب إلا نَكِراتٍ. الثاني: أنَّه أوْلاها العواملَ، ولا تلي العوامل، بل
يتقدمهما شيءٌ يَلي العواملَ، ولا تقع إلَّا أخباراً كقولِه عليْه الصلاةُ والسلام:
"صلاةُ الليلِ مَثْنى مثنى"، أو أحوالاً كهذه الآيةِ الكريمةِ، أو صفاتٍ
نحو قولِه ـ تعالى: {أولي أَجْنِحَةٍ مثنى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ} فاطر: 1، وقول ساعدة بن جؤية:



وَلَكِنَّمَا أَهْلِي بِوَادٍ أَنِيسُهُ ...............
ذِئَابٌ تَبَغَّى النَّاسُ مَثْنَى وَمَوْحَدُ



وقد وقعت إضافتُها
قليلاً كقول
امرؤ القيس:


يُفاكِهُنا سعدٌ ويغدو لِجَمعِنا ............. بمَثنى
الزِّقاقِ المُترعاتِ وبالجُزُرْ



وتَعرِفُ فيهِ مِن أبيهِ شمائلاً ............... ومِن
خالِهِ ومِن يزيدَ ومن حُجُرْ



وقد استدلَّ بعضُهم
على إيلائها العواملَ على قلَّةٍ بقولِه:



ضربْتُ خُماسَ ضربةَ عبشمِيٍّ ................ أدارُ
سداسَ أن لا يستقيما



ويمكنُ تأويلُه على
حذفِ المفعول لفهمِ المعنى تقديرُه: ضربتهم خماسَ.



ومن أحكام هذه
الألفاظ ألاَّ تؤنَّثَ بالتاء، لا تقول: "مَثْناة" ولا "ثُلاثَة"،
بل تَجْري على المذكر والمؤنث جَرَياناً واحداً.



وقرأ النُخعيُّ
وابنُ وثاب : "ورُبَعَ" من غير ألف. وزادَ الزمخشريُّ عن النُخعيِّ: "وثُلَثَ"
أيضاً، وغيرُه عنه: "ثُنَى" مقصوراً من "ثُناء". حَذَفوا الألِفَ
مِن ذلك كلِّه تخفيفاً، كما حذَفها الآخرُ في قولِه (من المجتثِّ) على لسان الضبِّ
وقد دعته ضفدع قائلةً وِرْداً وِرْداً فأجابها:



أصبح قلبي صَرِدا


لا يَشتَهي أنْ يَرِادا


إلّا عِرادًا عَرِدا


وصِلِّيانا بَرِدا


يريد: بارداً.


قوله:
{فَإِنْ خِفْتُمْ} شرط، جوابه: "فواحدة"، وقد تقدَّمَ أنَّ منهم مَنْ جَعلَ "فواحدةً" جواباً للأوّلِ،
وكرَّر الثاني لمَّا طالَ الفصلُ، وجعل قولَه: {فانكحوا} جملةَ اعتراضٍ، ويُعْزَى لأبي عليٍّ،
ولعلَّه لا يَصِحُّ عنه. قال الشيخ: "لأنَّه إذا أُنتج من الآيتين: هذه وقولُه:
{وَلَن تستطيعوا}
النساء: 129. ما أنْتَج من الدلالة اقتضى أنَّه لا يَجوزُ أنْ يتزوَّجَ غيرَ واحدةٍ
أو يَتَسرَّى بما مَلَكَتْ يَمينُه، ويَبقى الفصلُ بجملةِ الاعْتِراضِ لا فائدةَ
له، بل يكونُ لَغْواً على زعمِه".



والجمهور
على نصبِ "فواحِدة"
بإضمارِ فعلٍ أيْ: فانكِحوا واحدةً وطَؤُوا ما مَلَكتْ أيمانُكم، وإنَّما
قَدَّرْنا ناصباً آخرَ لمِلْكِ اليمين؛ لأنَّ النِكاحَ لا يَقعُ في مِلْكِ اليمينِ
إلَّا أنْ يُريدَ بِه الوَطْءَ في هذا والتزوُّجَ في الأول، فليزَمُ استعمالُ
المشتركِ في مَعْنييْه أو الجمعُ بيْنَ الحقيقةِ والمَجازِ، وكلاهُما مَقولٌ به، وهذا
قريبٌ من قول ذي الرمّة يصف فرسَه:



عَلَفْتُها تِبْناً وماءً بارداً .........................
حَتَى غَدَتْ هَمّالَةً عَيْنَاهَا



وقرأَ الحسنُ
وأبو جَعفرٍ: "فواحدةٌ" بالرفع، وفيه ثلاثةُ أوجُهٍ، أحدُها: الرفعُ
بالابتداءِ، وسَوَّغَ الابتداءَ بالنَكِرَةِ اعتمادُها على فاءِ الجزاءِ، والخبرُ
محذوفٌ أي: فواحدةٌ كافيَةٌ. الثاني: أنَّه خبرُ مبتدأٍ محذوفٍ، أي: فالمُقْنِعُ
واحدةٌ. الثالث: أنَّه فاعلٌ بفعلٍ مُقدَّرٍ أي: فيَكفي واحدةٌ.



و"أو" على بابِها مِنْ كَونِها
للإِباحةِ أو التخييرِ. و"ما"
في "ما مَلَكَتْ"
كهيَ في قولِهِ: "ما
طابَ
".



وأضافَ
المِلْكَ لليمين لأنَّها محلُّ المَحاسِنِ، وبِها تُتَلَقَّى راياتُ المجدِ. ورُوي
عن أبي عَمْرٍو: "فما ملكت أيمانكم"، والمعنى: إنْ لم يَعْدِلْ في
عُشْرةِ واحدةٍ فما مَلكتْ يَمينُه. وقرأ ابنُ أبي عَبلةَ: "أو مَنْ ملكت
أيمانكم".



قوله: {ذلك أدنى} مبتدأٌ وخبرٌ، و"ذلك" إشارة إلى اختيار
الواحدةِ أو التَسَرِّي. و"أَدْنى"
أفعلُ تفضيلٍ من دَنا يَدنو أيْ: قَرُب أي: أَقربُ إلى عدمِ العَوْلِ.



و{أَن لاَ تَعُولُواْ} في
محلِّ نصب أو جَرٍّ على الخلافِ المشهور في "أن" بعد حذف حرفِ الجَرِّ،
وفي ذلك الحرفِ المحذوفِ ثلاثةُ أوجُهٍ، أحدُها: "إلى" أي: أدنى إلى
ألاَّ تعولوا. والثاني: "اللام" والتقديرُ: أدنى لئلَّا تعولوا. والثالث
تقديرُه: مِنْ أن لا تميلوا، لأنَّ أفعلَ التفضيلِ يَجْري مُجرى فِعله، فما تعدَّى
به فعلُه تعدَّى هو به، و"أَدْنى"
مِن دنا، و"دنا" يتعدَّى بـ "إلى واللام ومِنْ". تقول:
دَنَوْتُ إليه ولَه ومِنه.



وقرأ
الجمهورُ: "تَعُولوا"
مِنْ عالَ يَعُول إذا مال وجار، والمصدرُ:



العَوْلُ والعِيالَةُ،
وعالَ الحاكمُ أي: جارَ، قال أبو طالب في النبيِّ ـ صلى



الله عليه وسلم:


بميزان قسط لا يخس شعيرة .............. له حاكمٌ من نفسِه غيرُ عائِلِ


وعالَ الرجلُ
عيالَه يَعُولُهم أي: مانَهم مِن المَؤُونةِ، ومنه: (ابدَأْ بنَفسِكَ ثمَّ بِمَنْ
تَعولُ)، وحكى ابنُ الأعرابيِّ: عالَ الرجلُ يَعولُ: كثُرَ عِيالُه، وعالَ يَعِيلُ
افتَقَرَ وصار له عائلةٌ. والحاصلُ: أنَّ "عالَ" يكونُ لازماً ومتعدِّياً،
فاللازمُ يكون بمعنى مالَ وجارَ، ومنه "عال الميزانُ"، وبمعنى كَثُر
عيالُه، وبمعنى تَفاقَمَ الأمرُ، والمُضارِعُ من هذا كلِّه يَعولُ، وعالَ الرجلُ،
افْتَقرَ، وعالَ في الأرضِ ذهبَ فيها، والمُضارِعُ مِنْ هذيْن يَعِيلُ، والمُتعدِّي
يكونُ بمعنى أَثقَل وبمعنى مان مِن المؤونةِ وبمعنى غَلَب، ومنه "عِيلَ صبري"،
ومضارِعُ هذا كلِّه: يَعُول، وبمعنى أَعجَزَ، تقولُ: أعالني الأمرُ أي: أعجزني، ومُضارِعُ
هذا يَعيلُ، والمصدرُ عَيْلٌ ومَعِيلٌ.



فقد تَلخَّصَ
مِن هذا أنَّ "عالَ" اللازمَ يكونُ تارةً مِن ذواتِ الواوِ وتارةً من
ذواتِ الياءِ باختلافِ المعنى، وكذلك "عالَ" المتعدِّي أيضاً.



وفَسَّر
الشافعيُّ ـ رضي الله عنه ـ "تَعُولوا" بمعنى: يكثرُ عيالُكم، وردَّ هذا القولَ جماعةٌ
كأبي بكرٍ بنِ داوودٍ الرازيُّ والزجَّاجُ وصاحبُ النظمِ.



قال الرازيُّ:
"هذا غلطٌ من جهةِ المعنى واللفظِ: أمّا المعنى فلإِباحةِ السَراري معَ أنَّه
مَظَنَّةُ كَثْرَةِ العِيالِ كالتزوُّجِ، وأمَّا اللفظُ فلأنَّ مادَّةَ "عال"
بمعنى كَثُر عيالُه من ذواتِ الياءِ لأنَّه مِن العَيْلَةِ، وأما "عال"
بمعنى جارَ فمِنْ ذواتِ الواو فاختلفتِ المادَّتان، وأيضاً فقد خالَفَ المفسرين".
وقال



صاحب النظمِ: "قال
أولاً" ألاَّ تعدِلوا "فوجَبَ أنْ يكونَ ضدُّه الجورَ".



وقد رُدَّ
عليهم بأَنْ يُجعلَ منْ قولِك: "عالَ الرجلُ عِيالَه يَعولُهم كقولِك: مانَهم
يَمُونهم أي: أنفقَ عليهم، لأنَّ مَنْ كَثُرَ عِيالُه لَزِمَهُ أنْ يَعُولَهم، وفي
ذلك ما يَصْعُب عليه المُحافظةُ مِن كَسْبِ الحلالِ والأخذِ من طيِّبِ الرِزْقِ ولكنْ
للعلماء طرقٌ وأساليبُ، فقد سلكَ الشافعيُّ في تفسير هذه الكلمة مَسْلَكَ
الكنايات. وأمَّا قولُهم: خالفَ المفسرين فليس بصحيح، بلْ قاله زيدٌ ابنُ أَسلمَ
وابنُ زيدٍ. وأمَّا قولُهم "اختلفَ المادَّتان" فليس بصحيح أيضاً؛ لأنَّه
قد تقدَّم حكايةُ ابنِ الأعرابيِّ عن العَرَبِ: "عال الرجل يَعُول: كثُرَ عِيالُه"،
وحكاها الكِسائيُّ أيضاً، قال: "يقالُ: عال الرجلُ يَعُولُ، وأعال يُعيلُ:
كَثُر عيالُه" ونقلها أيضاً الدُوريُّ المقرئُ لغةً عن حِمْيرَ وأنشد:



وإنَّ الموتَ يأخذُ كلَّ حَيٍّ .................... بلا
شك وإنْ أَمْشى وعَالا



أمشى: كثرت
ماشيتُه، وعالَ: كَثُر عِيالُه، ولا حُجَّةَ في هذا؛ لاحتمالِ أنْ يَكونَ "عال"
من ذوات الياء، وهم لا يُنْكرون أنَّ "عال" يكون بمعنى كَثُر عيالُه،
ورُوي عنه أيضاً أنه فسَّر "تَعُولوا"
بمعنى تفتقِروا، ولا يُريدُ به أنَّ تَعولوا وتَعيلوا بمعنى، بل قصدَ الكِنايةَ أيْضاً،
لأنَّ كَثرَةَ العِيالِ سببُ الفَقْرِ.



وقرأ طلحة: "تَعيلوا"
بفتح تاء المضارعة من عالَ يعيل: افتقر، قال أُحَيْحَةُ
بنُ الجُلاحِ الأنصاريُّ
:



وما يَدْري الفقيرُ متى غِناه ................... وما
يَدْري الغنيُّ متى يَعِيل



وقرأ طاووس:
"تُعيلوا" بضمِّها من أعال: كَثُر عيالُه، وهي تَعْضُدُ تفسيرَ الشافعيِّ
المُتقدِّمِ مِن حيثُ المَعنى. وقالَ الراغبُ: "عالَهُ وغالَه يتقاربان، لكنَّ
الغَوْلَ فيما يُهْلِك، والعَوْلَ فيما يُثْقِل، وعالت الفريضة: إذا زادتْ في
القِسْمَةِ المُسمَّاةِ لأَصحابِها بالنصِّ.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
فيض العليم ... سورة النساء، الآية: 3
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» فيض العليم ... سورة النساء، الآية: 41
» فيض العليم ... سورة النساء، الآية: 14
» فيض العليم ... سورة النساء، الآية: 29
» فيض العليم ... سورة النساء، الآية: 62
» فيض العليم ... سورة النساء، الآية: 78

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
روضة الشاعر عبد القادر الأسود :: ...:: الروضة الروحانية ::... :: روضة الذكر الحكيم-
انتقل الى: