تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُورًا
(10)
قَوْلُهُ ـ تَعَالَى شَأْنُهُ: {تَبَارَكَ الَّذِي} يُبَارِكُ اللهُ ـ جَلَّ وَعَلَا، نَفْسَهُ الْمُقَدَّسَةَ، وَيُنَزِّهُهَا، عَمَّا يَدَّعِيهِ الْمُشْرِكونَ مِنْ وُجودِ الصَّاحِبَةِ والْوَلَدِ والشُّركاءَ لَهُ في مُلْكِهِ، كَمَا قَالَ في كتابِهِ العزيزِ: {وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ * بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} الآيتانِ: (100 و 101) مِنْ سُورَةِ الأنْعامِ، وَمَا ادَّعوهُ مِنْ وُسَطَاءَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عِبَادِه، إِذْ قَالُوا فِيمَا حَكَاهُ عَنْهُمْ فِي الْآيَةِ: (2) مِنْ سُورَةِ الزُّمَرِ: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى}.
وأُعِيدَ لَفْظُ "تَبَارَكَ" الَّذِي ابْتُدِئَتْ بِهِ السُّورَةُ للْإِقْبَالُ عَلَى خِطَابِ الرَّسُولِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، وَالْإِعْرَاضُ عَنْ بَاطِلِ الْمُشْركينَ الذي كانتِ السُّورةُ قدِ ابتُدِئتْ بهِ ترسيخًا وَتَثْبيتًا لِمَبادئِ الإِيمانِ باللهِ ـ تعالى، وتوحيدِهِ في صُدورِ الْمُؤْمنينَ، وهَذا عَلَى طَرِيقَةِ ما يُسَمِّيهِ عُلَماءُ الْبَيانِ (وَصْلُ الْكَلَامِ).
قَوْلُهُ: {إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ} عَلَّقَ الْجَعْلَ بمشيئتِهِ ـ تباركَ وَتَعَالَى، لِأَنَّهُ ـ سُبْحانَهُ وَتَعَالى، لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ، إِلَّا مَا أَوْجَبَهُ هُوَ عَلَى ذَاتِهِ الْمُقَدَّسَةِ العَلِيَّةِ، فإِذا قضَتْ مَشِيئَتُهُ بِشَيْءٍ ـ إِيجادًا أَوْ إِعدامًا، كانَ مُنْجَزًا بِمُجَرَّدِ أَنْ تَتَوَجَّهَ إِلَيْهِ الإِرادَةُ الإِلهِيَّةِ.
وَالْإِشَارَةُ بِـ "ذَلِكَ" إِلَى مَا سَبَقَ ذِكْرُهُ مِنْ قَوْلِهِمْ الذي اقْتَرَحُوا عَلَيْهِ أنْ يُلقى إِلَيْهِ مِنَ السَّماءِ كَنْزٌ مِنَ المالِ يُنْفِقُ منه على نفسِهِ وَمَنْ حَولَهُ، أَوْ تكونَ لهُ جَنَّةٌ يأكُلُ منها ويُطْعِمَهم بَدَلَ أنْ يمشيَ في الأَسْواقِ ساعِيًا إِلى رزْقِهِ كسائر النَّاسِ فيكونَ ذلكَ دَليلًا عَلى كَرامتِهِ على رَبِّهِ. فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْجَنَّاتِ وَالْقُصُورِ جَنَّاتٍ فِي الدُّنْيَا وَقُصُورًا فِيهَا، أَيْ خَيْرًا مِنَ الَّذِي اقْتَرَحُوهُ دَلِيلًا عَلَى صِدْقِكَ ـ فِي زَعْمِهِمْ، بِأَنْ تَكُونَ عِدَّةَ جَنَّاتٍ وَفِيهَا قُصُورٌ. أَيْ إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِنَ الَّذِي اقْتَرَحُوهُ، أَيْ أَفْضَلَ مِنْهُ، فِإِذا شَاءَ عَجَّلَ بِهِ لَكَ فِي الدُّنْيَا، وَبِهَذَا فُسِّرَ قُولُهُ لِنَبِيِّهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّهُ إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ فِي الدُّنْيَا خَيْرًا مِمَّا يَسْأَلُونَ: جَنَاتٍ تَجْرِي فِي جَنَبَاتِها الأَنْهَارُ، وَقُصُورًا وَالقَصْرُ هُوَ البَيْتٍ الْمَبْنِيُّ بِالْحِجَارَةِ.
قالَ مُجاهِدٌ ـ رَضِيَ اللهُ عنْهُ: أَيْ: "خَيْرًا مِمَّا قالُوا" "تَفْسِيرُ مُجاهِدٍ" (447). وَأَخْرَجَهُ عَنْهُ أَيْضًا ابْنُ جَريرٍ الطَّبَرِيُّ فِي تَفْسيرِهُ: (18/185). وَابْنُ أَبي حاتِمٍ في تَفْسيرِه: (8/2666). والثَّعْلَبِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ: (8/92 ب).
وَقَالَ مُقاتٍلٌ: يَعْنِي أَفْضَلَ مِنْ الْكَنْزِ وَالْجَنَّةِ. "تَفْسيرُ مُقاتِلِ بْنِ سُلَيْمانَ": (ص: 43 ب).
وَقيلَ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ المَعنى: أَنْ تَمْشِيَ فِي الْأَسْوَاقِ مُلْتَمِسًا المَعَاشَ كَبَاقِي النَّاسِ، خَيْرٌ لَكَ مِنْ مِنْ إِلْقاءِ كَنْزٍ، وَأَنْ تَكونَ لَكَ جَنَّةٌ تَأْكُلُ مِنْهَا.
قولُهُ: {جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} هِيَ جَنَّاتٌ إِذًا وَلَيْسَتْ جَنَّةً واحِدَةً يمْكِنُ أَنْ يُعْطِيها اللهُ ـ تعَالى، رَسولَهُ ـ صلَّى اللهُ علَيْهِ وسَلَّمَ، فإِنَّ ما عندَ اللهِ لا حَدَّ لَهُ ولا نَفَادَ، لِأَنَّ قُدْرَتَهُ لا حَدَّ لَهَا، فإِنَّ خَلْقَ الْقَلِيلِ وَالكَثيرِ عِنْدَهُ سيّانِ، لِأَنَّهُ واحِدٌ فِي مِيزَانِ الْقُدْرةِ الإِلَهِيَّةِ، وإِنَّما أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ "كُنْ فَيَكونُ" مَهْمَا كانَ صغيرًا أَوْ كبيرًا، قليلًا أَوْ كَثيرًا، جاءَ ذلكَ في غيرِ مَوْضوعٍ مِنْ كاتِبٍ اللهِ العزيزِ، منها قولُهُ في الآيَةِ: (117)، مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ: {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}، وقولُهُ مِنْ سُورَةِ يَس: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فيكونُ} الآيةَ: (82).
رُوِيَ في أَسْبابِ نزولِ هَذِهِ الآيةِ الكَريمَةِ أَنَّهُ قِيلَ لِلنَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنْ شِئْتَ أَنْ نُعْطِيَكَ خَزَائِنَ الأَرْضِ، وَمَفَاتِيحَهَا، مَا لَمْ نُعْطِ نَبِيًّا قَبْلَكَ، وَلَا نُعْطِي أَحَدًا بَعْدَكَ، وَلَا يُنْقِصُ ذَلِكَ مِمَّا لَكَ عِنْدَ اللهِ.
فَقَالَ ـ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: اجْمَعُوهَا لِي فِي الآخِرَةِ. فَأَنْزَلَ اللهُ ـ تَعَالَى، هَذِهِ الْآيَةَ الْكَرِيمَةَ.
قولُهُ تَعَالَى: {تَبَارَكَ الَّذِي} تَبَارَكَ: فعلٌ ماضٍ مَبْنِبيٌّ على الفتْحِ. و "الَّذِي" اسْمٌ مَوْصولٌ، مَبنِيٌّ على السُّكونِ في مَحَلِّ الرَّفعِ بالفاعِلِيَّةِ، والْجُمْلَةُ الفعلِيَّةُ هَذِهِ جُمْلَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ اسْتِئْنَافًا وَاقِعًا مَوْقِعَ الْجَوَابِ عَنْ قَوْلِهِمْ: {أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ} الْآية: (، فليس لها مَحَلَّ مِنَ الإِعْرابِ. قوْلُهُ: {إِنْ شَاءَ} إِنْ: حَرْفُ شَرْطٍ. و "شَاءَ" فِعْلٌ مَاضٍ مَبْنِيٌّ على الفتْحِ فِي مَحَلِّ الْجَزْمِ بِـ "إِنْ" الشَّرْطِيَّةِ عَلَى كَوْنِهَا فِعْلَ شرْطٍ لَهَا، وَفَاعِلُهُ مُسْتَتِرٌ فِيهِ جَوَازًا تَقْديرُهُ (هوَ) يَعُودُ عَلَى الاسْمِ الْمَوْصُولِ "الَّذي". والجملةُ في محلِّ الجَزمِ على أنَّها فعلُ شَرطِ "إِنَّ".
قولُهُ: {جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ جَنَّاتٍ} جَعَلَ: فِعْلٌ مَاضٍ مَبْنِيٌّ عَلَى الْفَتْحِ فِي مَحَلِّ الْجَزْمِ بِـ "إِنْ" الشَّرْطِيَّةِ عَلَى كَوْنِهِ جَوَابًا لَهَا، وَفاعِلُهُ مُسْتَتِرٌ فِيهِ جوازًا تقديرُهُ (هُوَ) يَعُودُ عَلَى الاسْمِ الْمَوْصُولِ "الَّذي". و "لَكَ" اللامُ حَرْفُ جَرٍّ مُتَعلِّقٌ بِالْمَفْعُولِ الثَّاني لِـ "جَعَلَ"، والكافُ: ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في مَحَلِّ الجَرِّ بِحَرْفِ الجَرِّ. وَ "خَيْرًا" مَفْعُولُهُ الأَوَّلُ مَنْصوبٌ بِهِ. وَ "مِنْ" جَرْفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِـ "خَيْرًا"، وَ "ذَلِكَ" ذا: اسْمُ إِشارةٍ مَبْنِيٌّ على السُّكونِ في مَحَلِّ الجَرِّ بحرفِ الجَرِّ، واللامُ: للبُعْدِ والكافُ: للخِطابِ. وَ "جَنَّاتٍ" مَنْصُوبٌ على البَدَلِ مِنْ "خَيْرًا"، وَيَجُوزُ أَنْ يَكونَ عَطْفَ بَيَانٍ عِنْدَ مَنْ يَرى جَوازَهُ فِي النَّكِراتِ، كما يجوزُ أَنْ يَكونَ نَصْبًا عَلَى الاخْتِصَاصِ أَوْ بِإِضْمَارِ "أَعْني"، وَعَلَامَةُ نَصْبِهِ الْكَسْرُ الظَّاهِرُ على آخِرِهِ بَدَلًا مِنَ الفتحِ لِأَنَّهُ جمعُ المُؤنَّثِ السَّالِمً. والجملةُ الفِعْلِيَّةُ هَذِهِ في مَحَلِّ الْجَزْمِ عل كونِها جوابَ شَرْطِ "إنَّ"، وَجُمْلَةُ "إِنْ" الشَّرْطِيَّةِ، صِلَةُ الْمَوْصُولِ لَا مَحَلَّ لَهَا مِنْ الإِعْرابِ.
قوْلُهُ: {تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} تَجْرِي: فِعْلٌ مُضَارِعٌ مَرْفُوعٌ لِتَجَرُّدِهِ مِنَ النّاصِبِ والجَازمِ، وَعَلَامَةُ رَفْعِهِ مُقدَّرةٌ عَلَى آخِرِهِ مَنَعَ مِنْ ظُهُورِها ثِقَلُها على الياءِ. و "مِنْ" حَرْفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِـ "تَجْرِي"، وَ " تَحْتِهَا" تَحْتِ: مجرورٌ بحرفِ الجَرِّ مُضافٌ، و "ها" ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكونِ في مَحَلِّ الْجَرِّ بالْإِضافةِ إلَيْهِ. وَ "الْأَنْهَارُ" فَاعِلُ "تَجْرِي" مَرْفوعٌ بِهِ. والْجُمْلَةُ الغعلِيَّةُ هَذِهِ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ صِفَةً لِـ "جَنَّاتٍ".
قوْلُهُ: {وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُورًا} الوَاوُ: للعَطْفِ. وَ "يَجْعَلْ" فِعْلٌ مُضَارِعٌ وفاعل مستتر يعود على الموصول، مَجْزومً بِـ "إِنَّ" عَطْفًا عَلَى مَحَلِّ "جَعَلَ" الْوَاقِعِ جَوَابًا لِلشَّرْطِ. وَ "لَكَ" اللَّامُ: حَرْفُ جَرٍّ مُنَعَلِّقٌ بِالْمَفْعُولِ الثّاني لِـ "يَجْعَلْ". و "قُصُورًا" مَفْعُولُهُ الأَوَّلُ مَنْصوبٌ بِهِ. والجُمْلةُ الغعلِيَّةُ هَذِهِ جَوَابُ شَرْطِ "إِنَّ" عَطْفًا عَلى جُمْلَةِ "جَعَلَ".
قرَأَ العامَّةُ: {وَيَجْعَلْ لَّكَ} بالعَطْفِ عَلَى مَحَلِّ جُمْلَةِ "جَعَلَ"، بِإِدْغَامِ لَامِ "يَجْعَلْ" فِي لَامِ "لَكَ"، وَهذِهِ القِراءةُ تَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ سُكونَ الْلامِ لِلْجَزْمِ عَطْفًا عَلَى مَحَلِّ "جَعَل"؛ لِأَنَّهُ جَوَابُ الشَّرْطِ ـ كَمَا تَقَدَّمَ بيانُهُ في مَبْحَثِ الإِعْراب.
الثاني: أَنَّهُ مَرْفُوعٌ، وَإِنَّمَا سُكِّن لِأَجْلِ الإِدْغَام. وَفِيهِ نَظَرٌ؛ مِنْ حَيْثُ إِنَّ مِنْ جُمْلَةِ مَنْ قَرَأَ بِذَلِكَ وَهُوَ نافعٌ وَالْأَخَوَانِ "الكِسائيُّ وحمزةُ) وَحَفْصٌ، لَيٍسَ مِنْ أَصًولِهمُ الإِدْغامُ، حَتَّى يُدَّعَى لَهُمْ فِي هَذَا الْمَكانِ. نَعَمٌ أَبُو عَمْرٍو أَصْلُهُ الإِدْغَامُ، وَهٌوَ يَقْرَأُ هُنَا بِسُكُونِ اللَّامِ، فَيُحْتَمَلُ ذَلِكَ عَلَى قِرَاءَتِهِ، وَهَذَا مِنْ مَحَاسِنِ عِلْمِ النَّحْوِ وَالْقِراءَاتِ مَعًا.
وَقَرَأَ ابْنُ كَثيرٍ، وَابْنُ عَامِرٍ، وَأَبُو بَكْرِ ابْنِ الأَنْبارَيِّ "وَيَجْعَلُ" بِالرَّفْعِ وَفِيهِ وَجْهَانِ، أَحْدُهُمَا: أَنَّهُ كلامٌ مُسْتَأْنَفٌ. وَالثّاني: أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى جَوَابِ الشَّرْطِ. قَيلَ: لِأَنَّ الشَّرْطَ إِذَا وَقَعَ مَاضِيًا جَازَ فِي جَوَابِهِ الرَّفْعُ وَالْجَزْمُ، كَما في قَوْلِ زُهَيْرِ بْنِ أَبي سُلمى يمدَحُ هَرَمَ بْنَ سِنانٍ:
وَإِنْ أَتَاهُ خَليلٌ يَوْمَ مَسْأَلَةٍ ..................... يَقُولُ لَا غَائِبٌ مَالِي وَلَا حَرِمُوَمَذْهَبُ سِيبَوَيْهِ، أَنَّ الْجَوابَ مَحْذُوفٌ، وَأَنَّ هَذَا الْمُضَارِعَ مَنْوِيُّ بِهِ التَّقْديمُ، وَمَذْهُبُ أبي العبَّاسِ الْمُبَرِّدِ وَالْكُوفِيِّينَ أَنَّهُ جَوَابٌ عَلَى حَذْفِ الْفَاءِ. وَمَذْهُبُ آخَرينَ: أَنَّهُ جَوَابٌ ولَيْسَ عَلَى حَذْفِها، بَلْ لَمَّا كَانَ الشَّرْطُ مَاضِيًا ضَعُفَ تَأْثيرُ "إِنْ" فَارْتَفَعَ.
وَقَرَأَ طَلْحَةُ بْنُ سُلَيْمانَ "وَيَجْعَلَ" بِالنَّصْبِ؛ وَذَلِكَ بِإِضْمَارِ "أنْ" عَلَى جَوَابِ الشَّرْطِ، وَاسْتَضْعَفَ ابْنُ جِنِّي هَذِهِ القراءةَ. وَمِثْلُ هَذِهِ الْقِرَاءِةِ قولُ النَّابِغَةِ الذُّبيانيِّ:
فإنْ يَهْلَكْ أبو قابوسَ يَهْلَكْ ...................... رَبيعُ الناسِ والبَلدُ الحرامُونَأْخُذْ بعدَه بذِنابِ عيشٍ ........................ أَجبَّ الظهرِ ليسَ له سَنامُفقد رُوِيَ: "نَأْخذ"، بالتَّثْلِيثِ.