روضة الشاعر عبد القادر الأسود
بعد الصلاة على الرحمة المهداة

أهلا وسهلا بك في روضتنا

يسرنا تسجيلك

روضة الشاعر عبد القادر الأسود
بعد الصلاة على الرحمة المهداة

أهلا وسهلا بك في روضتنا

يسرنا تسجيلك

روضة الشاعر عبد القادر الأسود
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

روضة الشاعر عبد القادر الأسود

منتدى أدبي اجتماعي يعنى بشؤون الشعر والأدب والموضوعات الاجتماعي والقضايا اللإنسانية
 
مركز تحميل الروضةالرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
بسـم الله الرحمن الرحيم  :: الحمد لله رب العالمين * الرحمن الرحيم * مالك يوم الدين * إياك نعبد وإياك نستعين * إهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين أنعمت عليهم * غير المغضوب عليهم ولا الضــالين ....  آميـــن

 

 الموسوعةُ القرآنيةُ (فيضُ العليم مِن معاني الذكْر الحكيم) سورةُ الحج، الآية: 2

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
عبد القادر الأسود

¤° صاحب الإمتياز °¤
¤° صاحب الإمتياز °¤
عبد القادر الأسود


عدد المساهمات : 3986
تاريخ التسجيل : 08/09/2011
العمر : 76
المزاج المزاج : رايق
الجنس : ذكر
الموسوعةُ القرآنيةُ (فيضُ العليم مِن معاني الذكْر الحكيم) سورةُ الحج، الآية: 2 Jb12915568671



الموسوعةُ القرآنيةُ (فيضُ العليم مِن معاني الذكْر الحكيم) سورةُ الحج، الآية: 2 Empty
مُساهمةموضوع: الموسوعةُ القرآنيةُ (فيضُ العليم مِن معاني الذكْر الحكيم) سورةُ الحج، الآية: 2   الموسوعةُ القرآنيةُ (فيضُ العليم مِن معاني الذكْر الحكيم) سورةُ الحج، الآية: 2 I_icon_minitimeالجمعة يناير 22, 2021 10:47 am

يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا
وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللهِ شَدِيدٌ
(2)
قولُهُ ـ تَعَالَى شأْنُهُ: {يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ} أَيْ: يَوْمَ تَرَوْنَ تِلْكَ الزَلْزَلَةَ المَذْكورةَ في الآيَةِ الَّتِي قَبْلَهَا، تَنْسَى الأُمُّ المُرْضِعُ طِفْلَهَا الَّذي تُرْضِعُهُ حِينَ الزَّلْزلَةِ، لأَنَّ فَتْرةَ الإْرضاعِ هِيَ الفَتْرَةُ الَّتي تَكونُ فيها الأُمُّ أَشَدَّ حُبًّا لِطِفْلِها وَتَعَلُّقًا بِهِ، وَهِيَ الفَتْرةُ الَّتِي يَكونُ فِيهَا الإِنْسانُ أَشَدَّ مَا يَكونُ حاجَةً لأُمِّهِ، فعاطِفَةُ الأُمِّ إِنَّما تكونُ عَلَى قَدْرِ حاجَةِ وليدِها إِلَيْهَا بحَسَبِ تقديرِ العَلِيمِ الحَكِيمِ.
أَمَّا حِينَ الزَّلْزَلَةِ فَإِنَّ الأُمَّ المُرْضِعَ تَذْهلُ عَنْ رَضِيعِها ولَوْ كانَ عَلى ثَدْيِهَا وَتَنْشَغِلُ عَنْهُ فلا تَعُودُ تهتمُّ بِهِ أَوْ تَشْعُرُ بوجودِهِ، بالرَّغمِ مِنْ أَنَّهَا تكونُ في ذُرْوَةِ تَدَفُّقِ حَنَانِهَا وَعَاطِفَتِها عَلى طِفْلِها الرَّضيعِ، وَذَلِكَ لِمَا تَرَى مِنَ الأَهْوَالِ والشَّدائدِ، وَمَا يَغْشَاهَا مِنَ الخَوْفِ والهَلَعِ. وَهَذَا كَقولِهِ ـ تَعَالَى مِنْ سورةِ المُزَّمِّلِ: {فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدانَ شِيبًا} الآيةَ: 17.
وَأَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ عَنِ الحَسَنِ البَصْرِيِّ ـ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ، أَنُهُ قالَ في تَفْسيرِ هَذِهِ الآيَةِ المُباركَةِ: (تَذْهَلُ المُرْضِعَةُ عَنْ وَلَدِهَا لَغَيْرِ فِطَامٍ، وَتَضَعُ الحامِلُ مَا فِي بَطْنِهَا لِغَيْرِ تَمَامٍ). تَفسيرُ ابْنِ جريرٍ الطبريِّ المُسمَّى "جامع العلومِ والحِكَمِ": (17/114).
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبي حَاتِمٍ عَنْ سُفْيَانَ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُ، فِي قَوْلِهِ ـ تَعَالى: "يَوْم ترونها تَذْهَلُ"، قَالَ: تَغْفُلُ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ جَريرٍ عَنِ الْحَسَنِ البَصْرِيِّ ـ رَضِيَ اللهُ تَعَالى عنْهُ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: "تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ"، قَالَ: ذَهَلَتْ عَنْ أَوْلَادِهَا لِغَيْرِ فِطَامٍ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ جَريرٍ عَنِ ابْنِ زَيْدٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنْهُ، فِي قَوْلِهِ ـ تَعَالَى: "يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ" قَالَ: تَتْرُكُ وَلَدَهَا لِلْكَرْبِ الَّذِي نَزَلَ بِهَا.
وإِذا كانَ هَذا حالُ المُرْضِعِ فما بالُكَ بِغَيْرِها؟ فإِنَّ الْمَرْأَةَ كَثِيرَةُ الِاسْتِحْضَارِ لِمَا تُشْفِقُ عَلَيْهِ، لِشِدَّةِ شَفَقَتِهَا. وَالْمُرْضِعُ أَشَدُّ النِّسَاءِ شَفَقَةً عَلَى رَضِيعِهَا، فَإِنَّهَا فِي حَالِ الْإِرْضَاعِ أَبْعَدُ ما تكونُ عَنِ الذُّهُولِ، فَإِذَا ذُهِلَتْ عَنْ رَضِيعِهَا دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْهَوْلَ الْعَارِضَ لَهَا هَوْلٌ خَارِقٌ لِلْعَادَةِ. وَهَذَا مِنْ بَدِيعِ الْكِنَايَةِ عَنْ شِدَّةِ ذَلِكَ الْهَوْلِ، لِأَنَّ اسْتِلْزَامَ ذُهُولِ الْمُرْضِعِ عَنْ رَضِيعِهَا لِشِدَّةِ الْهَوْلِ يَسْتَلْزِمُ شِدَّةَ الْهَوْلِ لِغَيْرِهَا بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، وَيُسَمَّى هَذَا النَّوْعُ مِنَ الْكِنَايَةِ "الْإِيمَاءَ".
وَقالَ "كُلُّ" لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ هَذَا الذُّهُولَ يَعْتَرِي كُلَّ مُرْضِعٍ وَلَيْسَ مُخْتَصًّا بِبَعْضِ الْمَرَاضِعِ لِضَعْفٍ فِي ذَاكِرَتِهَا، أَوِ اخْتِلَالٍ في عَقْلِها، أَوْ قساوةٍ في طَبَعِها، وتبلُّدٍ في مَشاعِرِها، واللهُ أَعْلمُ.
و "تَذْهَلُ" مِنْ ذَهَلَ عَنِ الشَّيْ، وذَهَلَ فِيهِ إذا انْشَغَلَ عَنْهُ فَنَسِيَهُ رغْمَ أَهَمِّيَّتِهِ عِنْدَهُ. وَيَقَالُ أَيْضًا: "ذَهِلَ" بكَسْرِ الهاءِ أَيْضًا فهُما لُغَتَانِ وَلِكِنَّهُ الثانِيَةَ قَلِيلَةُ الاسْتِعْمَالِ.
وَأَذْهَلْتُهُ الأَمْرَ إِذْهالًا، أَنْسيْتُهُ إِياهُ. وأَذْهَلْتُهُ عَنْهُ: شَغَلْتُهُ عَنْهُ. وَيُقالُ: ذَهَلَ عَنِ الشَّيْءِ ذَهْلًا، وَذَهِلَ ذُهُولًا، إِذَا تَرَكَ الشَّيْءَ وَتَنَاسَاهُ عَمْدًا أَوْ أَنَّ شاغِلًا شَغَلَهُ عَنْهُ، أَوْ غَفلَ عَنْهُ، أَوْ طاشَ عَقْلُهُ فِيهِ.
و "الذَّهُلُ مِنَ اللَّيْلِ": الهَدْأَةُ مِنَ الليْلِ أَوِ القِطْعَةُ مِنْهُ. وَقَدْ سَمَّتِ العَرَبُ "ذُهْلَ"، وَمِنْهم بَطْنٌ مِنْ تغلِبَ، وقد سُمُّوا باسْمِ أَبِيهِمُ "ذُهْلِ" بْنِ شَيْبَانَ بْنِ ثَعْلَبَةَ ابْنِ عُكَابَةَ، وَهُمْ قَبِيلَةٌ مِنْ بَكْرِ بْنِ وَائِل التَّغْلِبِيِّ الَّذينَ قَالَ فِيهْمُ الشَّاعِرُ قُرَيْطُ بْنُ أُنَيْفٍ:
لو كُنْتُ مِن مَازِنٍ لم تَسْتَبحُ إِبِلِي ....... بَنُو اللَّقِيطَةِ مِنْ ذُهْلِ بْنِ شَيْبَانَا
وَكذلكَ فَقَدْ سَمَّتِ العربُ "ذُهَيْل"، ك "زُبَيْرٍ"، وَمِنْهُم التَّابِعِيُّ ذُهَيْلُ بْنُ عَوْفِ بْنِ شَمَّاخٍ الطُّهَوِيُّ ـ رَضِيَ اللهُ عنْهُ.
وَ "مُرْضِعٍ": أَيْ ذَاتِ رَضاعٍ، قالَهُ أَبُو إِسْحاقٍ الزَّجَّاجُ في "مَعَاني القُرْآنِ وإِعْرابُهُ" لَهُ: (3/409 ـ 410). فَإِذا قلتَ: فُلانَةُ امْرَأَةٌ مُرْضِعٌ، فقدْ عَنَيْتَ أَنَّ لَهَا وَلَدًا تُرْضِعُهُ، فَإِنْ وَصَفْتَهَا بِإِرْضَاعِ الوَلَدِ قُلْتَ مُرْضِعَةٌ. وهوَ مِنْ قولِكَ: رَضِعَ يَرْضَعُ رَضاعًا كَقولِكَ: سَمِعَ يَسْمَعُ سَمَاعًا. وَ: رَضَعَ يَرْضِعُ رَضْعًا، كَ: ضَرَبَ يَضْرِبُ ضَرْبًا.
وَيُقالُ "رَضَاعٌ" ـ بفتْحِ الرَّاءِ، وَرِضَاعٌ ـ بِكَسْرِها، وهما لُغَتَانِ. ومِنْ ذلكَ قوْلُ الشَّاعِرِ ابْنِ هَمَّامٍ السَّلُولِيِّ:
وذَمُّوا لَنَا الدُّنْيَا وَهُمْ يَرْضِعُونَها ............ أَفاويقَ حَتَّى مَا يَدِرُّ لَهَا ثَعْلُ
وَتَقُولُ: هَذَا أَخِي مِنَ الرَّضَاعَةِ (بالفَتْحِ)، وَهَذَا رَضِيعِي ـ إِذَا كَانَ يَرْضَعُ مَعَكَ، كَمَا تَقَولُ: هَذَا أَكِيلِي، إِذَا كانَ يأْكُلُ مَعَكَ. وَقالوا أَيْضًا: رَضُعَ الرَّجُلُ الشَّيْءَ ـ بِضَّمِّ الضَّادِ، يَرْضُعُهُ، رَضَاعَةً، أَيْ: طُبِعَ الرَّجُلُ عَلَى هَذَا الأَمْرِ.
قَوْلُهُ: {وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا} يَعْنِي: أَنَّ المَرَأَةَ الحَامِلَ يَسْقُطُ جَنِينُها الَّذي تَحْمِلُهُ في بَطْنِها مِنْ فَظَاعَةِ مَا تَرَاهُ مِنْ أَهْوالِ ذَلِكَ الْيَوْمِ وعجائِبِهِ.
وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الزَّلْزَلَةَ إِنَّما تَكونُ فِي الحياةِ الدُّنْيَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَكونُ بَعْدَ البَعْثِ مُرضِعٌ، وَلَا حُبْلَى لِتُلْقِيَ جَنِينَها مِنْ شِدَّةِ الرُّعْبِ وَالفَزَعِ والهَلَعِ.
وَقَدْ ذَكَرَتِ العَرَبُ هَذَا في أَشْعارهم، وَوَصَفُوا شِدَّةَ الفَزَعِ فيهِ فقالَ الشَّاعرُ مُزَرِّدُ، وهوَ أَخْو الشَّاعِرِ المُخَضْرَمِ الشَّمَّاخِ بْنِ ضِرَارِ بْنِ حَرْمَلَةَ بْنِ سِنَانٍ المَازِنِيِّ الذُّبْيَانِيِّ الغَطَفَانِيِّ مِنْ قَصِيدَةٍ يَرْثِي فِيهَا أَمِيرَ المُؤْمِنينَ عُمَرَ بْنِ الخطابِ ـ رَضِيَ اللهُ تَعَالى عَنْهُ، لَمَّا طَعَنَهُ المَجُوسِيُّ اللَّعِينُ أَبُو لُؤْلُؤَةَ غِيلَةً وَهُوَ فِي الصَّلاةِ:
تَظَلُّ الحَصَانُ البِكْرُ تُلْقِي جَنِينَهَا ........... نَثَا خَبَرٍ فَوْقَ المُطِيِّ مُعَلَّقُ
يَقولُ: تَرَى الحَامِلَ يُسْقِطُ حَمْلَهَا مَا يُنْثَى مِنْ خَبَرٍ سَارَ بِهِ الرُّكْبَانُ، اسْتِفْظاعًا لِهَوْلِهِ، والنَّثَا، انْتِشارُ الخَبَرِ في خَيْرًا كانَ أَوْ شَرًّا. تَقولُ: نَثَوْتُ الكَّلَامَ أَنْثُوهُ نَثْوًا، إِذَا أَفشَيْتَهُ ونَشَرْتَهُ وَأَظْهَرْتَهُ. هَذَا وَقَدْ نَسَبَ البَيْتَ بَعْضُهُمْ للشَّمَّاخِ نَفْسِهِ.
وأَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ عَنِ الحَسَنِ البَصْرِيِّ ـ رَضِيَ اللهُ تَعَالى عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ فِي تَفْسيرِ هَذِهِ الآيَةِ: تَذْهَلُ المُرْضِعَةُ عَنْ وَلَدِهَا لَغَيْرِ فِطَامٍ، وَتَضَعُ الحامِلُ مَا فِي بَطْنِهَا لِغَيْرِ تَمَامٍ. تَفْسيرُ ابْنِ جريرٍ الطَّبَرِيِّ "جامِعُ البَيَانِ في تأْويلِ القُرآنِ": (17/114).
وَأَخْرَجَ ابْنُ جَريرٍ أَيْضًا عَنِ الْحَسَنِ البَصْرِيِّ ـ رَضِيَ اللهُ عنْهُ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: "وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا" قَالَ: أَلْقَت الْحَوَامِل مَا فِي بُطُونِها لِغَيْرِ تَمَامٍ. وَقَدْ نَسَبَ البَيْتَ بعضُهُمْ للشَّمَّاخِ نَفْسِهِ
قَوْلُهُ: {وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى} أَيْ: إِذا نَظَرتَ إلى النَّاسِ في ذَلِكَ اليَوْمِ العَصِيبِ حَسِبْتَهُمْ سُكارَى قَدْ أَفْقَدَتْهُمْ الخَمْرَةُ تَوَازُنُهُمْ فَلَا تَكَادُ تَثْبُتُ لَهُمْ قَدَمٌ، يَبْدُوا عَلَى وُجوهِهِمُ الذُّعْرُ والدَّهشةُ وَالذُّهُولُ، قَدْ ذهَبَ لُبُّهُمْ، وفَقَدُوا رُشْدَهُم، وكأَنَّهُمْ في سُكْرٍ شَديدٍ.  
والْخِطَابُ فِي "تَرَى" لِكُلُّ مَنْ قدْ تَتَأَتَّى مِنْهُ الرُّؤْيَةُ، ومَنْ هُوَ أَهلٌ للخطابِ وَهُوَ مُسَاوٍ فِي الْمَعْنَى لِلْخِطَابِ الأَوَّلِ فِي قَوْلِهِ مِنَ الجُمْلَةِ الأُولى: "يَوْمَ تَرَوْنَها". وَإِفْرادُ الخطابُ هُنَا تَفَنُّنٌ في التَّعبيرِ، حتَّى لا يُعَادَ الْجَمْعِ. وَالْمُضَارِعُ للتَّعْجِيبِ مِنَ الْحَالَةِ وَاسْتِحْضَارِها، فهوَ كَقَوْلِهِ مِنْ سُورةِ الرُّومِ: {فَتُثِيرُ سَحابًا} الآيَةَ: 48، وَكَقَوْلِهِ في الآيةِ: 38، مِنْ سُورةِ هُودٍ: {وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ}.
وَ "سُكارَى" وَ "سَكَارَى" ـ بِضَمِّ السِّينِ وفَتْحِها: جَمْعُ "سَكِرٍ" ك "فَرِحٍ" وَ "سَكْرانٍ" ك "فرحانِ"، مِنْ سَكِرَ سُكْرًا، وَسُكُرًا، وَسَكْرًا، وَسَكَرًا، وَسَكَرانًا، فَهُوَ سَكِرٌ، وَسَكْرَانُ، وَهِيَ سَكِرَةٌ، وَسَكْرَى، وسَكْرانَةٌ، والسُّكْرُ نَقيضُ الصَّحْوِ، ويَعْنِي غِيابَ دورِ العقلِ أَوْ ضعْفَهُ. والمُبَالَغَةُ مِنْهُ: سِّكِّير، ومِسْكِير، وسَكِر، وسَكُور، لمنْ كَثُرَ سُكْرُهُ. وَالسَّكَرُ: الخَمْرُ، وَكُلُّ مَا يُسْكِرُ، قالَ تَعَالَى مِنْ سُورَةِ النَّحْلِ: {وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا} الآيَةَ: 67.  
قولُهُ: {وَلَكِنَّ عَذَابَ اللهِ شَدِيدٌ} لَكِنَّ مَا بِهِمْ مِنْ حالَ السَكَارَى لَيْسَ مِنْ فعلِ الخَمْرةِ، وإِنَّما مِنْ فَظَاعَةِ الهَوْلِ، وفَدَاحَةِ الكَرْبِ وَشِدَّةَ العَذابِ ـ والعِيَاذُ بِاللهِ تَعَالَى العَلِيِّ العَظِيمِ، فَعَذَابُهُ فِي الدُّنْيَا مِنَ الْفَزَعِ وَالرُّعْبِ وَالْوَجَعِ، وعَذابُهُ فِي الْآخِرَةِ بِالْإِحْسَاسِ بِلَفْحِ النَّارِ، وَضَرْبِ سِيَاطِ مَلَائِكَةِ الْعَذَابِ، نَلُوذُ بِرَحْمَتِهِ وعفوِهِ وَعَظَمَتِهِ مِنْ ذلكَ كُلِّهِ.
قولُهُ تَعَالَى: {يَوْمَ تَرَوْنَهَا} يومَ: مَنْصُوبٌ عَلَى الظَّرْفيَّةِ الزَّمَانِيَّةِ للفِعْلِ "تَذْهَلُ" الآتي بَعْدَهُ، أَيْ: فِي ذَلِكَ اليَوْمِ تَذْهَلُ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكونَ نَصْبُهُ بِـ {عَظِيمٌ} مِنَ الآيَةِ الأُولَى، أَوْ بِإِضْمَارِ "اذْكُرْ"، أَوْ بَدَلًا مِنَ السَّاعَةِ. وَفُتِحَ لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ لِإِضَافَتِهِ إِلَى الفِعْلِ عَلَى مَذْهَبِ الأَخْفَشِ، أَوْ أَنَّهُ بَدَلُ اشْتِمَالٍ مِنْ {زَلْزَلَةَ}؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَشْتَمِلَ الحدَثُ عَلَى زَمَانِهِ، ويجوزُ العكْسُ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَنْتَصِبَ بِـ {زَلْزَلَةَ} لِلُزومِ الفَصْلِ بَيْن المَصْدَرِ وَمَعْمُولِهِ بِالْخَبَرِ. وَ "تَرَوْنَها" فعْلٌ مُضارعٌ مرفوعٌ لتَجَرُّدِهِ مِنَ الناصِبِ والجازِمِ، وعلامَةُ رَفعِهِ ثَبَاتُ النُّونِ في آخِرِهِ لأَنَّهُ مِنَ الأَفْعَالِ الخَمْسَةِ، وواوُ الجماعةِ ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ، مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكونِ في مَحَلِّ الرَّفعِ بالفاعِلِيَّةِ، و "ها" ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ مَبْنِيٌّ على السُّكونِ في محلِّ النَّصْبِ عَلى المَفْعولِيَّةِ لِأَنَّ الرُّؤْيَةَ هُنَا بَصَرِيَّةٌ فَيَنْصِبُ فِعْلُها مَفْعُولًا وَاحِدًا. ويعودُ هَذا الضَّمِيرُ عَلَى الزَّلْزَلَةِ لِأَنَّهَا المُحدَّثُ عَنْهَا، يُؤَيِّدُهُ أَيْضًا قوْلُهُ بعدَها: "تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ" وعَلَيْهِ فيَكونُ الذُّهولُ والوَضْعُ حَقِيقَةً لِأَنَّهُ فِي الدُّنْيَا. وَيَجُوزُ أَنْ يكونَ ضَميرَ "السَّاعَةِ"، وَعَليْهِ فيَكونُ الأمْرُ عَلَى سَبِيلِ التَّعْظيمِ والتَّهْويلِ، وَأَنَّهَا بِهَذِهِ الحَيْثِيَّةِ، إِذِ المُرَادُ بِالسَّاعَةِ القِيَامَةُ، وَهُوَ كَقَوْلِهِ ـ تَعَالَى، مِنْ سُورَةِ المُزَّمِلِ: {يَوْمًا يَجْعَلُ الوِلْدانَ شِيبًا} الآيَةَ: 17، وَالجُمْلَةُ الفِعْليَّةُ هَذِهِ في مَحَلِّ الجَرِّ بإضَافَةِ "يَوْمَ" إِلَيْهَا.
قَوْلُهُ: {تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ} فِعْلٌ مُضارِعٌ مَرْفوعٌ لِتَجَرُّدِهِ مِنَ النَّاصِبِ والجازِمِ، و "كلُّ" فاعِلُهُ مَرْفوعٌ بِهِ، وهوَ مُضافٌ. وَ "مُرْضِعَةٍ" مَجرورٌ بالإِضَافَةِ إِلَيْهِ، وَالجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ اسْتِئْنافًا بيانِيًا لَا مَحَلَّ لَهَا مِنَ الإعرابِ، ويجوزُ أَنْ تَكونَ في مَحَلِّ النَّصْبِ عَلَى الحالِ مِنَ الزَّلْزَلَةِ أَوْ مِنَ السَّاعَةِ لِأَنّ المُضَافَ مِن بَعْضِ أَجْزَاءِ المُضَافِ إِلَيْهِ، وَهِيَ بِمَعْنَى الفَاعِلِ، أَوِ المَفْعُولِ للزَّلْزَلَةِ، وَحِينَئِذٍ يُقَدَّرُ فِي الجَمْلَةِ ضَمِيرُ أَيْ فِيها .. . أَوْ في مَحَلِّ النَّصْبِ عَلَى الحَالِ مِنْ  "هَا" في "تَرَوْنَها" فَإِنَّ الرُّؤْيَةَ هُنَا بَصَريَّةٌ، وَهَذَا إِنَّمَا يَجِيْءُ عَلَى غَيْرِ الوَجْهِ الأَوَّلِ. وَأَمَّا الوَجْهُ الأَوَّلُ وَهُوَ أَنَّ "تَذْهَلُ" نَاصِبٌ لِـ "يَوْمَ تَرَوْنَها" ـ كَمَا تَقَدَّمَ، إِذًا فَلَا مَحَلَّ لِلْجُملةِ مِنَ الإِعْرَابِ لِأَنَّها مُسْتَأْنَفَةٌ، أَوْ يَكونُ مَحَلُّهَا النَّصْبَ عَلَى الحالِ مِنَ الزَّلْزَلَةِ، أَوْ مِنَ الضَّمِيرِ فِي "عَظيم"، وَإِنْ كَانَ مُذَكَّرًا، لِأَنَّهُ هُوَ الزَّلْزَلَةُ فِي المَعْنَى، أَوْ مِنَ "السَّاعَةَ"، وَإِنْ كَانَتْ مُضَافًا إِلَيْهَا، لِأَنَّهَا: إِمَّا فَاعِلٌ أَوْ مَفْعُولٌ بِهِ كَمَا تَقَدَّمَ. وَإِذَا جَعَلْناهَا حَالًا فَلَا بُدَّ مِنْ ضَمِيرٍ مَحْذُوفٍ تَقْديرُهُ: تَذْهَلُ فِيهَا.
قوْلُهُ: {عَمَّا أَرْضَعَتْ} عَمَّا: عنْ حَرْفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِـ "تَذْهَلُ"، وَ "ما" مَوْصُولَةٌ أَوَ مَصْدَرِيَّةٌ، مبنيَّةٌ على السُّكونِ في محلِّ الجرِّ بحرفِ الجَرِّ. و "أَرْضَعَتْ" فِعْلٌ مَاضٍ مبنيٌّ على الفتْحِ، والتاءُ السَّاكنةُ لتأنيثِ الفاعلِ، و فاعِلُهُ ضَمِيرٌ مُسْتترٌ فيهِ جوازًا تقديرُهُ: (هيَ) يَعُودُ عَلَى الـ "مُرْضِعَةٍ"، وَالجْمُلَةُ الفعليَّةُ هذِهِ صِلَةُ "مَا" المَوْصُولَةِ، لَا محلَّ لها مِنَ الإعرابِ، وَالعائْدُ مَحْذُوفٌ، والتَّقْديرُ: عَنِ الَّذي أَرْضَعَتْهُ، أَوْ هي صِلَةُ "ما" المَصْدَرِيَّةِ؛ والتقديرُ: عَنْ إِرْضَاعِهَا.
قوْلُهُ: {وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا} الوَاوُ: للعَطْفِ، وَ "تَضَعُ" فعلٌ مُضارعٌ مَرفوعٌ لتَجَرُّدِهِ مِنَ الناصِبِ والجازِمِ. و "كُلُّ" فَاعِلُهُ مرفوعٌ بِهِ، وهوَ مُضافٌ، و "ذاتِ" مجرورٌ بالإضافةِ إلَيْهِ، وهوَ مُضافٌ أَيْضًا، و "حَمْلٍ" مجرورٌ بالإضافةِ إلَيْهِ، و "حملَها" مفعولُهُ منصوبٌ بِهِ وهو مُضافٌ، و "ها" ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ مبنيٌّ على السُّكونِ في محلِّ الجَرِّ بالإضافةِ إلَيْهِ، والجملةُ مَعْطُوفَ عَلَى جملةِ "تَذْهَلُ"، عَلَى كَوْنِهَا مُسْتَأْنفةً لا مَحَلَّ لها مِنَ الإعرابِ، أَوْ في محلِّ النَّصْبِ على الحالِ.
قولُهُ: {وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى} الواوُ: عَاطِفَةٌ، و "تَرَى" فِعْلٌ مُضارِعٌ مرفوعٌ لِتَجَرُّدِهِ مِنَ الناصِبِ والجازِمِ، وعلامةُ رَفْعِهِ ضَمَّةٌ مُقدَّرَةٌ عَلى آخِرِهِ لِتَعَذُّرِ ظهورها على الألِفِ. وَالرُّؤْيَةُ هُنَا بَصَرِيَّةٌ، وَفَاعِلُهُ مُسْتترٌ فيهِ وُجوبًا تقديرُهُ (أَنْتَ) يَعُودُ عَلَى كُلِّ مَنْ كانَ أهلًا للخِطابِ ومُؤَهَّلًا للرُّؤْيَةِ، والنَّاسَ مفعولُهُ منصوبٌ بِهِ. و "سُكارَى" منصوبٌ على الحالِ مِنَ "النَّاس" والجُملةُ الفعليَّةُ هَذِهِ مَعْطُوفَةٌ عَلَى جُمْلَةِ "تَرَوْنَهَا" وَإِنَّمَا جُمِعَ الضَّميرُ فِي "تَرَوْنَهَا"، وَأُفْرِدَ هُنَا لِأَنَّ الرُّؤْيَةَ الأُولَى عُلِّقَتْ بِالزَّلْزَلَةِ أَوِ السَّاعَةِ، وَكُلُّ النَّاسِ يَرَوْنَهَا، أَمَّا الثانيةُ فَهِيَ مُتَعَلِّقَةٌ بِكَوْنِ النَّاسِ "سُكَارَى" فَلَا بُدَّ مِنْ جَعْلِ كُلِّ أَحَدٍ رَائِيًا للبَاقِي، بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنِ اتِّصَافِهِ بِالسُّكْرِ.
قوْلُهُ: {وَمَا هُمْ بِسُكَارَى} الواوُ: حَالِيَّةٌ، و "ما" حِجَازِيَّةٌ. و "هُمْ" فِي مَحَلِّ الرَّفْعِ اسْمُهَا. و "بِسُكَارَى" الباءُ: زَائِدَةٌ، و "سُكَارَى" مجْرورٌ بِحَرْفِ الجَرِّ الزائدِ لفظًا، وعَلَامةُ الجَرِّ مقدَّرةٌ على آخِرِهِ لتعذُّرِ ظهورِهِ على الألِفِ، وهوَ منصوبٌ مَحَلًا على كونِهِ خَبَرَ "مَا"، وَعَلَامَةُ النَّصْبِ مُقَدَّرَةٌ عَلَى آخِرِهِ، مَنَعَ مِنْ ظُهُورِهَا اشْتِغَالُ المَحَلِّ بِالْكَسْرَةِ المَجْلُوبَةِ لِحَرْفِ الجَرِّ الزَّائدِ، المَمْنُوعَةِ للتَّعَذُّرِ، وَجُمْلَةُ "ما" الحجازيةُ مِنِ اسْمِها وخَبَرِها فِي مَحَلِّ النَّصْبِ، عَلى أَنَّها حَالٌ ثَانِيَةٌ مِنَ "النَّاسَ".
قوْلُهُ: {وَلَكِنَّ عَذَابَ اللهِ شَدِيدٌ} الواوُ: عَاطِفَةٌ، و "لَكِنَّ" حَرْفٌ نَاصْبٌ مُشَبَهٌ بالفعْلِ للاسْتِدرَاكِ. و "عَذَابَ" اسْمُها مَنصوبٌ بِها، وهوَ مُضافٌ، ولفظُ الجلالةِ "اللهِ" مجرورٌ بالإضافةِ إلَيْهِ. و "شَدِيدٌ" خَبَرُهَا مَرْفوعٌ بِها، وَالجُمْلَةُ اسْتِدْرَاكِيَّةٌ، مَعْطُوفَةٌ عَلَى مَحْذُوفٍ، مُخالِفٍ لِمَا بَعْدَ "لَكِنَّ" وهوَ مُطَّرِدٌ فِيهَا.
قَرَأَ العَامَّةُ: {تَذْهَلُ} بِفَتْحِ التَّاءِ وَالهَاءِ، مِنْ ذَهِلَ عَنْ كَذَا، يَذْهَلُ. وَقَرَأَ ابْنُ أَبي عَبْلَةَ، وَاليَمَانِيُّ "تُذْهِل" بِضَمَّ التَّاءِ وَكَسْرِ الهَاءِ وَنَصْبِ "كُلّ" عَلى المَفْعُولِيَّةِ، مِنْ أَذْهَلَهُ عَنْ كَذَا يُذْهِلُهُ، عَدَّاهُ بِالْهَمْزَةِ.
قَرَأَ العامَّةُ: {تَرى} بِفَتْحِ التَّاءِ مِنْ عَلَى خِطَابِ الواحِدِ. وَقَرَأَ زَيْدُ ابْنُ عَلِيٍّ "تُرِي" بِضَمِّ التَّاءِ وَكَسْرِ الرَّاءِ، عَلَى أَنَّ الفاعِلَ ضَمِيرُ الزَّلْزَلَةِ، أَوِ السَّاعَةِ. وَعَلَى هَذِهِ القِراءَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ مَفْعُولٍ أَوَّلَ مَحْذُوفٍ لِيَتِمَّ المَعْنَى بِهِ. أَيْ: وَتُرِي الزَّلْزَلَةُ أَوِ السَّاعَةُ الخَلْقَ النَّاسَ سُكَارَى. وَيُؤَيِّدُ هَذَا قِراءَةُ أَبي هُرَيْرَةَ، وَأَبي زَرْعَةَ، وَأَبِي نُهَيْكٍ: "تُرَى النَّاسَ سُكَارَى" بِضَمِّ التَّاءِ وَفَتْحِ الرَّاءِ عَلى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ، وَنَصْبِ "النَّاسَ"، فقد بَنَوْهُ مِنَ المُتَعَدِّي لِثَلَاثَةٍ: فَالْأَوَّلُ قَامَ مَقامَ الفَاعِلِ، وَهُوَ ضَمِيرُ الخِطَابِ، وَ "الناسَ سُكارى" هُمَا الثَّاني والثالثُ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكونَ مُتَعَدِّيًا لِاثْنَيْنِ فَقَط عَلَى مَعْنَى: وَتُرِي الزَّلْزَلَةُ، أَوِ السَّاعَةُ النَّاسَ قَوْمًا سُكَارَى. فَـ "النَّاسَ" هُوَ الأَوَّلُ، وَ "سُكَارَى" هُوَ الثاني.
وَقَرَأَ الزَّعْفَرانِيُّ وَعَبَّاسٌ فِي اخْتِيارِهِ: "وَتُرَى" كَقِرَاءَةِ أَبي هُرَيْرَةَ إِلَّا أَنَّهُمَا رَفَعَا "النَّاسُ" عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ. وَالتَّأْنِيثُ فِي الفِعْلِ بناء عَلَى تَأْويلِهِمْ بِالْجَمَاعَةِ.
وَقد قُرِئَ أَيْضًا: "وَيَرَى النَّاسُ سُكارَى وماهُمْ بسُكارَى"، بالياءِ مِنْ تَحْتُ وَرَفْعِ "النَّاسُ".
قَرَأَ العامَّةُ: {سُكَارَى} بِضَمِّ السِّينِ. وَقَرَأَ الأَخَوانِ: (الكِسائيُّ وحَمْزَة): "سَكْرَى وَمَا هُمْ بِسَكْرَى" عَلَى وَزْنِ وَصْفِ المُؤْنَّثَةِ بِذَلِكَ. وَاخْتُلِفَ فِيهِ: هَلْ هُوَ صِيغَةُ جَمْعٍ عَلَى وزنِ "فَعْلَى" ك "مَرْضَى" و "قَتْلى"، أَوْ صِفَةٌ مُفْرَدَةٌ اسْتُغْنِيَ بِهَا فِي وَصْفِ الجَمَاعَةِ؟ وهوَ خِلَافٌ مَشَهُورٌ. وَظَاهِرُ كَلَامِ سيبَوَيْهِ أَنَّهُ جَمْعُ تَكْسيرٍ، فإِنَّهُ قَالَ: وَقَومٌ يَقُولونَ: سَكْرَى، جَعَلُوهُ مِثْلَ مَرْضَى لِأَنَّهًما شَيْئَانَ يَدْخُلانِ عَلى الإِنْسَانِ، ثُمَّ جَعَلُوا "رَوْبى" مِثْلَ "سَكْرَى" وَهُمُ المُسْتَثْقِلونَ نَوْمًا مِنْ شُرْبِ الرائبِ. وَقَالَ أَبو عليٍّ الفَارِسِيُّ: ويَصِحُّ أَنْ يَكونَ جَمْعَ "سَكِر" كَ "زَمِن" وَ "زَمْنَى". وَحُكِيَ "رَجُلٌ سَكِرٌ" بِمَعْنَى سَكْران، فَيَجِيءُ حينئذٍ "سَكَرى" لَتَأْنيثِ الجَمْعِ. وَمِنْ وُرُودِ "سَكِر" بِمَعْنَى "سَكْرانَ" قوْلُ عَمْرِو بْنِ أَحْمَرَ:
وقد جَعَلْتُ إذا ما قُمْتُ يُثْقِلُني ... ثَوْبي فأنهضُ نَهْضَ الشاربِ السَّكِرِ
وكَنْتُ أَمْشي عَلى رِجْلَيْنِ مُعْتَدِلًا ... فَصِرْتُ أَمْشِي عَلى أُخْرَى مِنَ الشَّجَرِ
وَنُسِبَ أَيْضًا لِأَبي حَيَّةَ النُّمَيْرِيِّ، وَ للحَكَمِ بِنْ عَبْدَلَ. وَيُرْوَى البَيْتُ الأَوَّلُ "الشَّارِبِ الثَّمِلِ"، والأَوَّلُ أَصَحُّ لِدَلَالَةِ البَيْتِ الثَاني عَلَيْهِ.
وَقَرَأَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَأَبُو نُهَيْكٍ وَعِيسَى "سَكَارَى وما هُمْ بسَكارى" بِفَتْحِ السِّينِ فِيهِمَا، وَهُوَ جَمْعُ تَكْسيرٍ، وَاحِدُهُ "سَكْران". قَالَ أَبُو حاتِمٍ: "وَهِيَ لُغَةُ تَميمٍ".
وَقَرَأَ الحَسَنُ، وَالأَعْرَجُ، وأَبُو زَرْعَةَ، وَالأَعْمَشُ: "سُكْرَى ومَا هُمْ بسُكْرى" بِضَمِّ السَّينِ فَيهِمَا. فَقَالَ ابْنُ جِنِّي: هِيَ اسْمٌ مُفْرَدٌ ك "البُشْرَى". وَبِهَذَا أَفْتَاني أَبُو عَلِيٍّ. وَقَالَ أَبُو الفَضْلِ: "فُعْلَى" بِضَمِّ الفَاءِ مِنْ صِفَةِ الوَاحِدَةِ مِنَ الإِناثِ، لَكِنَّها لَمَّا جُعِلَتْ مِنْ صِفَاتِ النَّاسِ، وَهُمْ جَمَاعَةٌ، أُجْرِيَتِ الجَمَاعَةُ بِمَنْزِلَةِ المُؤَنَّثِ المُوَحَّدِ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: هُوَ غَريبٌ. وقال السَّمينُ: وَلَا غَرَابَةَ؛ فَإِنَّ "فُعْلَى" بِضَمِّ الفَاءِ كَثُرَ مَجيئُهَا فِي أَوْصَافِ المُؤَنَّثَةِ نَحْوَ الرُّبَى والحُبْلَى.
وجَوَّزَ أَبُو البَقَاءِ العُكْبُريُّ فِيهِ أَنْ يَكونَ مَحْذُوفًا مِنْ "سُكَارَى". وَكانَ مِنْ حَقِّ هَذَا القارِئِ أَنْ يُحَرِّكَ الكافَ بالفَتْحِ إِبْقَاءً لَهَا عَلى مَا كانَتْ عَلَيْهِ. وَقَدْ رَوَاهَا بَعْضُهُمْ كَذَلِكَ روايةً عَنِ الحَسَنِ. وَقَرَأَ أَبو زَرْعَةَ في رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْهُ: "سَكْرَى" بِالفَتْحِ، وَ "بِسُكْرَى" بالضَّمِّ.
وَرُوِيَ عَنِ سَعِيدِ ابْنِ جُبَيْرٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُ، أَنَّهُ قَرَأَ كَذَلِكَ، إِلَّا أَنَّهُ حَذَفَ الأَلِفَ مِنَ الأَوَّلِ دُونَ الثاني.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الموسوعةُ القرآنيةُ (فيضُ العليم مِن معاني الذكْر الحكيم) سورةُ الحج، الآية: 2
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الموسوعةُ القرآنيةُ (فيضُ العليم مِن معاني الذكْر الحكيم) سورةُ الحج، الآية: 18
» الموسوعةُ القرآنيةُ (فيضُ العليم مِن معاني الذكْر الحكيم) سورةُ الحج، الآية: 33
» الموسوعةُ القرآنيةُ (فيضُ العليم مِن معاني الذكْر الحكيم) سورةُ الحج، الآية: 48
» الموسوعةُ القرآنيةُ (فيضُ العليم مِن معاني الذكْر الحكيم) سورةُ الحج، الآية: 64
» الموسوعةُ القرآنيةُ (فيضُ العليم مِن معاني الذكْر الحكيم) سورةُ الحج، الآية: 3

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
روضة الشاعر عبد القادر الأسود :: ...:: الروضة الروحانية ::... :: روضة الذكر الحكيم-
انتقل الى: