روضة الشاعر عبد القادر الأسود
بعد الصلاة على الرحمة المهداة

أهلا وسهلا بك في روضتنا

يسرنا تسجيلك

روضة الشاعر عبد القادر الأسود
بعد الصلاة على الرحمة المهداة

أهلا وسهلا بك في روضتنا

يسرنا تسجيلك

روضة الشاعر عبد القادر الأسود
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

روضة الشاعر عبد القادر الأسود

منتدى أدبي اجتماعي يعنى بشؤون الشعر والأدب والموضوعات الاجتماعي والقضايا اللإنسانية
 
مركز تحميل الروضةالرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
بسـم الله الرحمن الرحيم  :: الحمد لله رب العالمين * الرحمن الرحيم * مالك يوم الدين * إياك نعبد وإياك نستعين * إهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين أنعمت عليهم * غير المغضوب عليهم ولا الضــالين ....  آميـــن

 

 الموسوعةُ القرآنيةُ (فيضُ العليم مِن معاني الذكْر الحكيم) سورةُ (الأنبياء) الآية: 90

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
عبد القادر الأسود

¤° صاحب الإمتياز °¤
¤° صاحب الإمتياز °¤
عبد القادر الأسود


عدد المساهمات : 3986
تاريخ التسجيل : 08/09/2011
العمر : 76
المزاج المزاج : رايق
الجنس : ذكر
الموسوعةُ القرآنيةُ (فيضُ العليم مِن معاني الذكْر الحكيم) سورةُ (الأنبياء) الآية: 90 Jb12915568671



الموسوعةُ القرآنيةُ (فيضُ العليم مِن معاني الذكْر الحكيم) سورةُ (الأنبياء) الآية: 90 Empty
مُساهمةموضوع: الموسوعةُ القرآنيةُ (فيضُ العليم مِن معاني الذكْر الحكيم) سورةُ (الأنبياء) الآية: 90   الموسوعةُ القرآنيةُ (فيضُ العليم مِن معاني الذكْر الحكيم) سورةُ (الأنبياء) الآية: 90 I_icon_minitimeالأحد ديسمبر 27, 2020 10:07 am

فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ
(90)
قولُهُ ـ تَعَالَى شَأْنُهُ: {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ} تَقَدَّمَ أَنَّ زِيادةَ السِّينِ وَالتَّاءِ عَلَى "أَجبنا" أَبلغُ في التَّعبيرِ عَنْ سُرعَةِ الإِجابَةِ وَتَأْكِيدٌ لِوُقوعِهَا، فقدِ اسْتِجَابَ اللهُ دُعاءَ نَبِيِّهِ زكريَّا ـ عليهِ السَّلامُ، كما اسْتَجَابَ مِنْ قَبْلُ دُعَاءَ أَنبيائِهِ إِبْراهِيمَ، ونوحًا وَلُوطًا، وَأَيُّوبَ، وَيُونُسَ ـ على نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِمُ جميعًا أَزْكَى الصَّلَاةِ والسَّلامِ.
قولُهُ: {وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى} مَعْنَى "وَهَبْنَا" أَيْ: أَعْطَيْنَاهُ سُؤْلَهَ ورَزَقْنَاهُ وريثًا وَلَدًا ذَكَرًا لأنَّهُ طلبَ وريثًا لِنُبُوَّتِهِ، ولوْ رَزَقهُ أُنْثَى لمَّا تَحَقَّقَ المُرادُ مِنَ السُّؤالِ فإنَّ النُّبوَّةَ لا تَكُونُ إِلَّا في الذُّكورِ لقولِهِ تَعَالَى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ} الآيةَ: 109مِنْ سُورَةِ يوسفَ، وَالآيةَ: 43، مِنْ سُورَةِ  النَّحلِ، والآية: 7، مِنْ هَذِهِ السّورةِ المُباركةِ.
لَقَدْ كانَ في هَذِهِ الاسْتجابَةِ إِعْجَازٌ كَمَا كانَ فِي مَا قَبْلَهَا مِنِ اسْتِجَابَاتٍ لأَدْعِيَةِ النَّبِيِّينَ ـ عَلَيْهِمُ السَّلامُ، وَتَضَرُّعاتِهِمْ، وَقَدْ سَبَقَ أَنْ أشَرْنا إلى ذَلِكَ في مَوضِعِهِ، وسَنُبَيِّنُ وَجْهَ الإعجازِ هُنَا عندَ تَفْسِيرِنَا لقولِهِ ـ تَعَالَى: "وأَصْلحنا لَهُ زوجَهُ. ولكِنَّنا سَنَقِفَ هُنَا قليلًا عِنْ قولِهِ ـ تَعَالَى: "يحْيى" فقدْ سَمَّى اللهُ تعالى المولودَ بِنَفْسِهِ، قبلَ ولادَتِهِ، وَللهِ سِرٌّ فِي هَذِهِ التَّسْمِيَةِ؛ لِأَنَّ النَّاسَ في العادِةِ إنَّما يكونَ أَحْرارًا فِي وَضْعِ الأَسْمَاءِ للمُسَمَّياتِ فَلَا مَانِعَ أَنْ تُسَمَّى الفَتَاةُ الزِّنْجِيَّةُ ذاتُ البَشَرةِ السَّوداءِ "قَمَرًا" مثَلًا؛ وَكَثِيرًا مَا خَرَجَ الاسْمُ عَنْ مَعْنَاهُ الأَصْلِيِّ. فَقَدْ تُخْتارُ الأَسْمَاءُ تَفَاؤلًا أَنْ يَتَحَقَّقَ معنَى التسْميَةِ في المُسَمَّى، فَيسمُّونَ الفتاةَ "عائشَةَ" وَيُسَمُّونَ والصبيَّ "يَحْيَى"، تَفَاؤلًا أَنْ يَكُونَا مِنْ أَهْلِ الحَيَاةِ، والظَّاهِرُ أَنَّ الشّاعِرَ العَبَّاسِيَّ مُحمدُ بْنُ كُناسَةَ كانَ يُعَاني مِنْ مَوتِ الأَوْلادِ فسَمَّى مَوْلُودَهُ الجديدَ "يَحْيَى" وَقَالَ:
فَسمَّيْتُهُ يَحْيَى لِيَحْيَى فَلَمْ يَكُنْ ................ لِرَدِّ قَضَاءِ اللهِ فِيهِ سَبِيلُ
تَيَمَّمْتُ فِيهِ الفَأْلَ حِينَ رُزِقْتُهُ ............... وَلَمْ أَدْرِ أَنَّ الفَأْلَ فِيهِ يَفِيلُ
يَقولُ الشَّاعِرُ: سَمَّيْتُهُ "يَحْيَى" تفاؤلًا مِنِّي وأَمَلًا فِي أَنْ يَحْيَا، لَكِنَّ هَذَا الاسْمَ لَمْ يَرُدَّ عَنْهُ قَضَاءَ اللهِ ـ تَعَالَى.
 كما يُسَّمُّونَ البنتَ "صاَلِحَةً" وَالصَّبيَّ "صَالِحًا" تَفَاؤُلًا مِنْهُمْ بِأَنْ يَكونَا مِنْ أَهلِ الصَّلاحِ، وَهَكَذا.
ومِنْ ذَلِكَ أَنَّ عَبْدَ المُطَّلِبِ جَدَّ نَبِيِّنا وَرَسُولِنَا ـ عَلَيْهِ وآلِهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ، سَمَّى حَفِيدَهُ "مُحَمَّدًا" وَقالَ: سَمَّيْتُهُ مُحَمَّدًا لِيُحْمَدَ فِي الأَرْضِ وَفِي السَّمَاءِ.
أَمَّ سَيِّدُنا "يَحْيَى" فإِنَّ الَّذي سَمَّاهُ هوَ الإلهُ الذي بِيَدِهِ الموتُ والحَيَاةُ، إذًا لَا بُدَّ أَنْ يَكونَ اسْمًا عَلَى مُسَمَّى، فإنَّ تَسْمِيَتَهُ بِشارةٌ لأَبويْهِ بأَنَّهُ سَيَحْيا، وسَيَموتُ شَهِيدًا، حينَ انْقِضاءِ أَجَلِهِ لِتَتَحَقَّقَ لَهُ الحَيَاةُ، حَتَّى بَعْدَ المَوْتِ، لأَنَّ الشُّهَداءَ أَحْياءٌ يرزقونَ عنْدَ ربِّهِم، كما قالَ منْ سورةِ آلِ عِمْرَانَ: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُون} الآيةَ: 169،.
قولُهُ: {وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٌ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ: كَانَتْ عَاقِرًا لَا تَلِدُ فَوَلَدَتْ، وهوَ ما عَلَيْهِ جُمْهُورُ المُفسِّرِينَ، فإنَّ قولَهُ تَعَالَى: "وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ" أَيْ: أَصْبحَتْ شابَّةً وَلُودًا بِحَيْثُ يمكنُها الحَمْلُ والإنْجَابُ؛ لِأَنَّهُ ـ عليْهِ السَّلامُ، لَمَّا سَأَلَ اللهَ الوَلَدَ قال: {وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا} الآيةَ: 5، مِنْ سُورةِ مريم، ولَمَّا بُشِّرَ بِيَحْيَى أَعادَ القولَ ذاتَهُ، قَالَ تَعَالَى: {يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا * قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا} الآيتانِ: (7 و Cool، مِنْ سورةِ مَرْيمَ، وَالعَاقِرُ: الَّتِي لَا تَلِدُ، فَيَكُونَ مَعْنَى قَوْلِهِ: "وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ"، أَنَّا أَعَدْنا لَهَا قوَّتَها وَصِباهَا بحيثُ أَصْبَحَتْ وَلُودًا.
فقد أَخْرَجَ ابْنُ جَريرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، فِي قَوْلِهِ ـ تَعَالَى: "وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ"، قَالَ: كَانَتْ لَا تَلِدُ. وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْهُ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: "وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ" أَيْ: وَهَبْنَا لَهُ وَلَدًا مِنْهَا.
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبي شَيْبَةَ، وَابْنُ جَريرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ عَسَاكِرَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فِي قَوْلِهِ ـ تَعَالَى: "وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ"، قَالَ: كَانَتْ لَا تَلِدُ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ جَريرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ، عَنْ قَتَادَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فِي قَوْلِهِ: "وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ"، قَالَ: كَانَتْ عاقِرًا فَجَعَلَهَا اللهُ وَلُودًا، وَوَهَبَ لَهُ مِنْهَا يَحْيَى.
وَلَمْ، يَقُلْ اللهُ لِزَكَرِيَّا: وَأَصْلَحْنَاكَ، ذَلِكَ لِأَنَّهمْ قالوا: إنَّ الرَّجُلَ يُمْكِنُهُ الإنَجابَ مَهْمَا بَلَغَ بِهِ العُمُرُ مَا دَامَ قَادَرًا عَلَى العَمَلِيَّةِ الجِنْسِيَّةِ، بِخِلافِ المَرْأَةِ، واللهُ أَعْلَمُ.
وَيَجُوزُ أَيْضًا أَنْ يكونَ إِصْلَاحُها جَعْلَهَا حَسَنَةَ المَنْظَرِ ذَاتَ هَيْئَةٍ بِحَيْثُ يَرْغَبُ فِيهَا زَوْجُها؛ لِأَنَّها كانَتْ قدْ بَلَغَتِ المِئَةَ مِنْ عُمْرِها، وأَصْبحَتْ بحيثُ لا ينجَذِبَ الرَّجُلُ إليْها، وَلَا يَرْغَبُ فيها، كما فُعِلَ بِزُلَيخَةَ حينَ تزوجَها يوسُفُ ـ عَلَيْهِما السَّلامُ، فقد كانَتْ عَجُوزًا مُنَفِّرةً للرَّجُلِ، فردَّ اللهُ لها جمالَها وجَاذِبِيَّتَهَا وصِباها حَتَّى عادتَ أحْسَنَ ممَّا كانَتْ، فإِنَّ كلِمةَ "أَصْلَحْنا" تتَّسِعُ للمَعنَييْنِ مَعًا.
وقَدْ وَرَدَ عَنْ بعضِهِم ما يَتَعَارَضُ ما وَصَفَ اللهُ بِهِ هَذِهِ الأُسْرةَ النَّبَوَيَّةَ الكَريمةَ حِينَ قالَ: "إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ". فقدْ نُقِلَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ رباحٍ ـ رَضِيَ اللهُ ـ تعالى، عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: كَانَ فِي لِسَانِهَا طُولٌ، فَأَصْلَحَهَا اللهُ، وَفِي رِوَايَةٍ: كَانَ فِي خَلْقِهَا شَيْءٌ فَأَصْلَحَهَا اللهُ. أَخْرَجَهُ عَنْهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ جَريرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ، والخَرَائِطِيُّ فِي "مَسَاوِئُ الْأَخْلَاقِ"، وَابْنُ عَسَاكِرَ.
وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ ـ تَعَالَى، عَنْهُمَا فِي قَوْلِهِ: "وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ" قَالَ: كَانَ فِي لِسَان امْرَأَةِ زَكَرِيَّا طُولٌ فَأَصْلَحَهُ اللهُ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ جَريرٍ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ، وَابْنُ عَسَاكِرَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ فِي قَوْلِهِ: "وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ"، قَالَ: كَانَ فِي خُلْقِهَا شَيْءٌ.
فإِنَّ ذَلِكَ لَا يَحِلُّ أَنْ يُقَالَ ـ اللَّهُمَّ إِلَّا إِذَا جاءَ بَثَبْتٍ صَحِيحٍ، لِأَنَّهُ عَلَى خِلَافِ مَا ذَكَرَهُمْ ربُّهُمْ بِهِ في قُرْآنِهِ، وَعكْسَ مَا وَصَفَهُمْ بِهِ.
إِذًا: لَقَدْ خَلَقَ اللهُ يَحْيَى ـ عَلَيْهِ السَّلامُ، بِمَعْزِلٍ عَنِ الأَسْبَابِ الكَوْنِيَّةِ المُعتادةِ للوِلادَةِ؛ لِأَنَّ الخالِقَ المُكَوِّنَ ـ سُبْحانَهُ، أَرَادَ ذَلِكَ.
قولُهُ: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ} يُوَضِّحُ اللهُ ـ تَعَالى، سَبَبَ إِكْرَامِهِ لِنَبِيِّهِ زكَرِيّا وأَهْلِ بيْتِهِ ـ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ، وَعِلَّةَ اسْتِجَابَتِهِ لَهُ فيقولُ: "إِنَّهُمْ كَانُواْ يُسَارِعُونَ فِي الخَيْراتِ" بالإحْسانِ إِلَى المُحتاجينَ مِنْ خلْقِ اللهِ تَعَالَى، فَهَذِهِ أُولَى الصِّفَاتِ الَّتي أَهَّلَتْ زَكَرِيَّا وَأَهْلَهُ لِهَذَا العَطَاءِ الإِلَهِيِّ العَظِيمِ.
قولُهُ: {وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا} صفةٌ ثانيةٌ مِنَ الصِّفاتِ التي أهَّلتْ زكرِيَّا وأَهَلَهُ ـ عَلَيْهِمْ السَّلامُ، لِعَطَاءِ مَولاهُ وتَكرُّمِهِ عَلَيْهِ، وَهِيَ أَنَّهمْ كانوا ذَوِي رَغَبٍ إِلى اللهِ ـ تَعَالَى، وَرَهَبٍ مِنْهُ ـ سُبْحانَهُ، أَوْ رَاغِبِينَ فِي الثَّوَابِ رَاجِينَ الاسْتِجابَةَ، وَخَائفِينَ مِنَ العِقَابِ عَلَى التقْصيرِ فِي عِبَادَتِهِ ـ سُبْحانَهُ وَتَعَالَى، أَوْ خائفينَ مِنَ مَعْصِيَتِهِ ـ جَلَّ جلالُهُ، رَاغِبِينَ في طَاعَةِ أَوامِرِهِ ـ تَبَارَكَتْ أَسْماؤُهُ. وقدْ سُئِلَ رَسُولُ اللهِ ـ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، عَنْ قَوْلِ اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ: "وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا" فقَالَ: "وَرَهَبًا" هَكَذَا، وَبَسَطَ ـ  عَلَيْهِ صلاةُ اللهِ وسلامُهُ، كَفَّيْهِ. أَخْرَجَهُ ابْنُ مِرْدُوَيْهِ مِنْ حديثِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ ـ رَضِيَ اللهُ ـ تَعَالَى، عَنْهُ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبي شَيبَةَ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ، وَأَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي "شُعَبُ الإِيمانِ" عَنْ عَبْدِ اللهِ ابْنِ حَكِيمٍ، قَالَ: خَطَبَنَا أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فَحَمِدَ اللهَ، وَأَثْنى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ. فَإِنِّي أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللهِ، وَأَنْ تُثْنُوا عَلَيْهِ بِمَا هُوَ لَهُ أَهْلٌ، وَأَنْ تَخْلِطُوا الرَّغْبَةَ بِالرَّهْبَةِ، فَإِنَّ اللهَ أَثْنَى عَلَى زَكَرِيَّا وَأَهْلِ بَيْتِهِ، فَقَالَ: "إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ".
وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنِ الْحَسَنِ البَصْرِيِّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فِي قَوْلِهِ ـ تَعَالى: "وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا" قَالَ: مَا دَامَ خَوْفُهُمْ رَبَّهُمْ فَلَمْ يُفَارِقْ خَوْفُهُ قُلُوبَهُمْ، إِن نَّزَلَتْ بِهِمْ رَغْبَةٌ خَافُوا أَنْ يَكونَ ذَلِكَ اسْتِدْرَاجًا مِنَ اللهِ لَهُمْ، وَإِنْ نَزَلَتْ بِهِمْ رَهْبَةٌ خَافُوا أَنْ يَكونَ اللهُ ـ عَزَّ وَجَلَّ، قَدْ أَمَرَ بِأَخْذِهِمْ لِبَعْضِ مَا سَلَفَ مِنْهُمْ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فِي قَوْلِهِ ـ تَعَالَى: "وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا"، قَالَ: "رَغَبًا" طَمَعًا، و "خَوْفًا"، وَلَيْسَ يَنْبَغِي لِأَحَدِهِمَا أَنْ يُفَارِقَ الآخَرِ.
قوْلُهُ: {وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} الخُشُوعُ: التَّذَلُّلُ بِالْبَدَنِ مَعَ التَّذَلُّلِ بِالْقَلْبِ. وَسُئِلَ الجُنَيْدِ عَنِ الخُشُوعِ فَقَالَ: تَذَلُّلُ القُلُوبِ لِعَلَّامِ الغُيُوبِ، وَقالَ سَهْلُ بْنُ عَبْدِ اللهِ التَّسْتُريُّ: مَنْ خَشَعَ قَلْبُهُ لَمْ يَقْرُبِ الشَّيْطَانُ منْهُ.
فمعنى "خاشِعينَ" أَيْ: رَاضِينَ بِقَضائِنا وَقَدَرِنَا فِيهِمْ، وبما ابْتَلَيْنَاهُمْ بِهِ مِنْ عُقْمٍ وَعَدَمِ إنْجابِ الولَدِ، فإنَّهُ ابْتِلَاءٌ وَقَضَاءٌ، وَلَا يُرْفَعُ القَضَاءُ عَنِ العَبْدِ حَتَّى يَرْضَى بِهِ، فَلَا يَنْبَغِي للمُؤْمِنِ أَنْ يَتَمَرَّدَ عَلَى قَدَرِ اللهِ، وَالتَّطَامُنُ لِلمَقَادِيرِ مِنَ الخُشُوعِ للهِ ـ جَلَّ شَأْنُهُ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الخُشُوعُ: هُوَ الخَوْفُ الدَّائِمُ المُلازِمُ لِلْقَلْبِ لَا يُفَارِقُهُ. وقَالَ بَعْضُهُمْ، المَعْنَى: مُتَوَاضِعِينَ ذَلِيلِينَ لِأَمْرِ اللهِ، مُخْبِتِينَ مُتَضَرِّعِينَ، أَوْ دَائِمِي الوَجَلِ مِنْهُ ـ جلَّ وعزَّ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنِ الْحَسَنِ البَصْرِيِّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فِي قَوْلِهِ ـ تَعَالى: "وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ"، قَالَ: الخُشُوعُ: الْخَوْفُ الدَّائِمُ فِي الْقَلْبِ.
فَقَدْ نَالَ سيِّدُنا زكَرِيَّا وأَهْلَهُ ـ عَلَيْهِمُ السّلامُ، مِنَ اللهِ ـ تَعَالَى، مَا نَالُوا بِاتَّصافِهِمْ بِهَذِهِ الخِصَالِ الحَمِيدَةِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ} الفاءُ: للعَطْفِ والترْتيبِ والتَّعقيبِ. وَ "اسْتَجَبْنَا" فِعْلٌ ماضٍ، مَبْنِيٌّ عَلى السُّكونِ لاتِّصالِهِ بضميرِ رفعٍ مُتَحِرِّكٍ، هُوَ "نا" المعَظِّمِ نفسَهُ ـ سُبْحانَهُ وَتَعَالى، وضَميرُ التَّعْظيمِ هَذَا مُتَّصِلٌ بِهِ، مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكونِ في محلِّ الرَّفعِ بالفاعِلِيَّةِ. وَ "لَهُ" اللَّامُ: حَرْفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِـ "اسْتَجَبْنَا"، والهاءُ: ضَمِيرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في مَحَلَّ الجَرِّ بِحَرْفِ الجَرِّ. والجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ هَذِهِ فِي مَحَلِّ الجرِّ عَطْفًا عَلى جُمْلَةِ {نَادَى}.
قولُهُ: {وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى} الوَاوُ: للعطْفِ، وَ "وَهَبْنَا لَهُ" مثْلُ "اسْتَجَبْنَا لَهُ" مَعْطُوفٌ عَلَيْهِ، وَلَهُ مِثلُ إِعْرَابِهِ. و "يَحْيَى" مَفْعُولُهُ منصوبٌ بِهِ، وعلامةُ نَصْبِهِ فتْحَةٌ مُقدَّرةٌ على آخِرِهِ، لتعذُّرِ ظهورِها على الأَلِفِ. وَالجُمْلَةُ الفِعْليَّةُ هَذِهِ في مَحَلِّ الجَرِّ عَطْوفًا عَلَى جُمْلَةِ "اسْتَجَبْنَا".
قولُهُ: {وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ}  وَأَصْلَحْنَا لَهُ: مثلُ "اسْتَجَبْنَا لَهُ" مَعْطُوفٌ عَلَيْهِ. و "زَوْجَهُ" مَفْعُولُهُ مَنْصوبٌ بِهِ، مُضافٌ، والهاءُ: ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في محلِّ الجَرِّ بالإضافةِ إلَيْهِ. وَالجُمْلَةُ الفِعْليَّةُ هَذِهِ في مَحَلِّ الجَرِّ عَطْوفًا عَلَى جُمْلَةِ "اسْتَجَبْنَا".
قولُهُ: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ} إِنَّهُمْ: "إِنَّ" حَرْفٌ نَاصِبٌ، ناسِخٌ، مُشَبَّهٌ بالفعلِ، للتَّوكيدِ، وَالهَاءُ: ضَمِيرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في مَحَلِّ النَّصِبِ، اسْمُهُ، والميمُ لتذْكيرِ الجَمْعِ. وَ "كَانُوا" فِعْلٌ مَاضٍ نَاقِصٌ، مَبْنِيٌّ عَلَى الضَّمِّ لاتِّصالِهِ بواوِ الجماعةِ، وواوُ الجماعَةِ ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ، مَبْنِيٌّ على السُّكونِ في مَحَلِّ الرَّفْعِ، على أَنَّهُ اسْمٌ لِـ "كانَ"، والأَلِفُ هِيَ الفارِقةُ. وَ "يُسَارِعُونَ" فِعْلٌ مُضارِعٌ مَرْفوعٌ لِتَجَرُّدِهِ مِنَ الناصِبِ والجازمِ، وعلامَةُ رَفْعِهِ ثَبَاتُ النُّونِ في آخِرِهِ لأَنَّهُ مِنَ الأَفْعَالِ الخَمْسَةِ، وَواوُ الجَماعَةِ ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ، مَبْنِيٌّ عَلى السُّكونِ في مَحَلِّ الرَّفعِ بالفاعِلِيَّةِ. و "فِي" حَرْفُ جَرٍّ، متَعَلِّقٌ بـ "يُسارعونَ". وَ "الْخَيْرَاتِ" مَجْرُورٌ بِحَرْفِ الجَرِّ، والجُمْلَةُ الفعلِيَّةُ هَذِهِ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ على كونِها خَبَرًا لِـ "كانوا". وَجُمْلَةُ "كانوا" في محلِّ الرَّفعِ خَبَرًا لـ "إِنَّ"، وَجُمْلَةُ "إِنَّ" مِنِ اسْمِها وخبرِها جُمْلةٌ تَعْلِيلِيَّةٌ لَا مَحَلَّ لَهَا مِنَ الإعرابِ.
قولُهُ: {وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا} الواوُ: حَرْفٌ للعَطْفِ، وَ "يَدْعُونَ" مِثْلُ قولِهِ: "يُسَارِعُونَ" فهوَ مَعْطوفٌ عَلَيْهِ، وَلَهُ مِثلُ إِعْرابِهِ، و "نَا" ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ، مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكونِ في مَحَلِّ النَّصْبِ بالفاعليَّةِ. وَ "رَغَبًا" وَ "رَهَبًا" مَصْدَرَانِ مَنْصُوبَانِ عَلَى الحَالِيَّةِ، مِنْ ضميرِ الفَاعِلِ في قَوْلِهِ "يَدْعُونَ"، وَلَكِنْ بَعْدَ تَأْوِيلِهِ بِمُشْتَقٍّ، والتَّقْديرُ: حَالَةَ كَوْنِهِمْ رَاغِبِينَ فِي الثَّوابِ، رَاهِبينَ مِنَ العِقَابِ، ويجوزُ أَنْ يكونَ نَصْبُهُما عَلَى أَنَّهُما المَفْعُوليَّةِ لأَجْلِهِ، أَوْ عَلَى المَصْدَرِيَّةِ لِفِعْلٍ مَحْذوفٍ، والتقديرُ: يَرْغَبُونَ رَغَبًا فِي الثَّوابِ، وَيَرْهَبُونَ رَهَبًا مِنَ العِقَابِ. والجُمْلَةُ الفعليَّةُ هَذِهِ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ عَطْفًا عَلَى جُمْلَةِ "يُسَارِعُونَ".
قولُهُ: {وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} الوَاوُ: للعَطْفِ، و "كَانُوا" معطوفٌ على "كانُوا" قبلَهُ ولهُ ما لَهُ مِنْ إِعْرَابٍ. و "لَنَا" اللامُ حرفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِـ. وَ "خَاشِعِينَ" خَبَرُ "كان" منصوبٌ بِهِ، وَالجُمْلَةُ في مَحَلِّ الرَّفْعِ عَطْفًا عَلَى جُمْلَةِ "كانُوا يُسَارِعُونَ" قبلَها.
قرأَ العامَّةُ : {وَيَدْعُونَنَا} عَلَى ثُبُوتِ النُّونَ عَلَامَةً للرَّفْعَ قَبْلَ ضميرِ المَفعولِ بِهِ "نَا"، مَفْكُوكَةً مِنْهَا. وَقَرَأَتْ فِرْقَةٌ "يَدْعُوْنا" بِحَذْفِ نُونِ الرَّفْعِ. وقَرَأَ طَلْحَةُ بِإِدْغَامِهَا فِيهَا.
وَهَذَانَ الوَجْهَانِ فِيهِمَا إِجْرَاءُ نُونِ الرَّفعِ مُجْرَى نُونِ الوِقَايَةِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ في غيرِ مَكانٍ.
قَرأَ العامَّةُ: {رَغَبًا وَرَهَبًا} بِفَتْحِ الغَيْنِ وَالهَاءِ مِنْهُما. وقرأَ ابْنُ وَثَّابٍ، والأَعْمَشُ، وأَبو عَمْرِو بْنُ العلاءِ: "رَغْبًا ورَهْبًا" بِسُكونِهِما. وَنُقِلَ عَنِ الأَعْمَشِ أَنَّهُ قرأ: "رُغُبًا ورُهُبًا" بِضَمِّ الرَّاءِ ومَا بَعْدَهَا، وَهُوَ الأَشْهَرُ عَنْهُ. وَقَرَأَتْ فِرْقَةٌ: "رُغْبًا ورُهْبًا" بِضَمَّةٍ وَسُكُونٍ فِيهِمَا.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الموسوعةُ القرآنيةُ (فيضُ العليم مِن معاني الذكْر الحكيم) سورةُ (الأنبياء) الآية: 90
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
روضة الشاعر عبد القادر الأسود :: ...:: الروضة الروحانية ::... :: روضة الذكر الحكيم-
انتقل الى: