روضة الشاعر عبد القادر الأسود
بعد الصلاة على الرحمة المهداة

أهلا وسهلا بك في روضتنا

يسرنا تسجيلك

روضة الشاعر عبد القادر الأسود
بعد الصلاة على الرحمة المهداة

أهلا وسهلا بك في روضتنا

يسرنا تسجيلك

روضة الشاعر عبد القادر الأسود
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

روضة الشاعر عبد القادر الأسود

منتدى أدبي اجتماعي يعنى بشؤون الشعر والأدب والموضوعات الاجتماعي والقضايا اللإنسانية
 
مركز تحميل الروضةالرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
بسـم الله الرحمن الرحيم  :: الحمد لله رب العالمين * الرحمن الرحيم * مالك يوم الدين * إياك نعبد وإياك نستعين * إهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين أنعمت عليهم * غير المغضوب عليهم ولا الضــالين ....  آميـــن

 

 الموسوعةُ القرآنيةُ (فيضُ العليم مِن معاني الذكْر الحكيم) سورةُ (الأنبياء) الآية: 83 (1)

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
عبد القادر الأسود

¤° صاحب الإمتياز °¤
¤° صاحب الإمتياز °¤
عبد القادر الأسود


عدد المساهمات : 3986
تاريخ التسجيل : 08/09/2011
العمر : 76
المزاج المزاج : رايق
الجنس : ذكر
الموسوعةُ القرآنيةُ (فيضُ العليم مِن معاني الذكْر الحكيم) سورةُ (الأنبياء) الآية: 83 (1) Jb12915568671



الموسوعةُ القرآنيةُ (فيضُ العليم مِن معاني الذكْر الحكيم) سورةُ (الأنبياء) الآية: 83 (1) Empty
مُساهمةموضوع: الموسوعةُ القرآنيةُ (فيضُ العليم مِن معاني الذكْر الحكيم) سورةُ (الأنبياء) الآية: 83 (1)   الموسوعةُ القرآنيةُ (فيضُ العليم مِن معاني الذكْر الحكيم) سورةُ (الأنبياء) الآية: 83 (1) I_icon_minitimeالأربعاء ديسمبر 16, 2020 2:30 pm

الموسوعةُ القرآنيةُ (فيضُ العليم مِن معاني الذكْر الحكيم) سورةُ (الأنبياء) الآية: 83


وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ
(83)


قوْلُهُ ـ تَعَالَى شَأْنُهُ: {وَأَيُّوبَ} القولُ في هَذِهِ الجملةِ كالقوْلِ في الجُمْلةِ الأُولى مِنَ الآيةِ الَّتي قَبْلَها، والمَعْنَى: وَاذْكُرْ يا محمَّدُ ـ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، لَمَّا نادانا عَبْدُنَا أَيُّوبُ ـ عَلَيْهِ السَّلامُ. فَسَنَكونُ إِذًا مَعَ قصَّةٍ جديدةٍ لِنَبِيٍّ آخَرَ مِنَ الأَنْبِياءِ الكرامِ ـ عَلى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِمُ جَمِيعًا أَزْكَى التَّحِيَّةِ وأَعْطَرُ السَّلامُ.
وَقَدْ ذَكَرَ اللهُ ـ تَعَالَى، الحَكْمَةَ فِي سَرْدِ هَذِهِ القِصَصِ عَلى سَيِّدِنا محمدٍّ ـ صلَّى اللهَ عَلَيْهِ وسلَّمَ، فَقَالَ في الآيَةِ: 120، مِنَ سورةِ هودٍ: {وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ}.
إِذًا فالحِكْمَةُ الأُولَى: هِيَ تَثْبيتُ فؤَادِ نَبِيِّهِ الخَاتَمِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلَّمَ، أَمامَ مَا يُكابدُهُ ويُعانِيهِ مِنْ صُعوباتِ تَبْلِيغِ الرِّسالةِ مِنْ مَشَاقّ، لِيَصْبِرَ عَلَى تكذيبِ قومِهِ وعِدائهم لَهُ ولِرِسالَتِهِ، ومُقاومتِها وَالحَرْب التي يَشُنُّونَها، عَلَى هَذِهِ الرِّسالةِ ورسُولِها، وَكُلِّ مَنْ آمَنَ بِهِ وصَدَّقَها.
ففِي ذِكْرِ صَبْرِ مَنْ كانَ قَبْلَهُ مِنَ الأَنْبِيَاءِ ـ صَلَّى اللهُ عَليْهِ وَعَلَيْهِمْ وَسَلَّمَ، تَشْجِيعٌ لَهُ عَلى الصَّبرِ كَمَا صَبَرُوا، وَتَحَمُّلِ الَأَذَى كَمَا تحَمَّلوا، قالَ تَعَالَى مِنْ سُورةِ الأَحْقَافِ: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ} الآيةَ: 35. ثمَّ قالَ مِنَ الآيَةِ: نَفْسِها: {وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ}، كَذَلِكَ فإِنَّ المُؤْمِنَ حينَ يَطَّلِعُ عَلى سِيرَةِ أَولِئَكَ الأَنْبِيَاءِ والمُقَرَّبِينَ مِنَ اللهِ ـ تَعَالَى، وحالِهِمْ مَعَهُ ـ تَبَاركتْ أَسْماؤُهُ، فإِنَّهُمْ يَسْتَسْهِلُونَ الصَّبَرَ عَلَى ما يَتَعَرَّضونَ إليْهِ مِنْ مَصَاعِبَ في سَيْرِهِمْ إِلَى مَوْلاهم، وتحمُّلِ جَميعِ ما بهِ ابْتَلاهُم.
وَهَذَا في الشِّقِّ الصَّعْبِ مِنَ الثَّبَاتِ عَلى الدِّينِ، والسَّيْرِ إلى ربِّ العالمينَ، أَمَّا الشِّقُّ الثاني مِنْ سِيرَةِ الأَنْبِيَاءِ وَالمُرسَلينَ، وَالذي يَشْتَمِلُ عَلَى تضَرُّعِهم إلى رَبِّهِم، وَالْتِجَائِهِمْ إِلَيْهِ، فَفِيهِ تَعليمٌ للمُؤْمِنِينَ، كيفيَّةَ التقرُّبِ إِليْهِ ـ تَبَارَكَ وَتَعَالى، والْتِمَاسِ رِضَاهُ عنهم وَتَتَابُعِ نِعَمِهِ عليهِمْ.
وفي ذِكْرِ نِعَمِهِ عَلى هَؤُلاءِ الصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِهِ، حَافزٌ للمُؤْمِنِينَ، وتَشْجِيعٌ لَهُمْ عَلَى الِاقْتِداءِ بِأَنْبِيائِهِ وذلكَ بأَنْ يَصْبِروا كَمَا صَبَرُوا، والالتِجَاءِ إِلى مَوْلَاهُم كَمَا الْتَجَأُوا عَسَى أَنْ تَشْمَلَهُمْ عِنايتُهُ ـ سُبْحانَهُ، وتعُمَّهم نِعْمَتَهُ.
أَمَّا نَبِيُّ اللهِ أَيُّوبُ الَّذي تَرْوَي لِنَا هَذِهِ الآيَةُ الكريمةُ قِصَّتَهُ فَهُوَ: أَيُّوبُ بْنُ أَمُوصَ بْنِ رَزَاحِ بْنِ عِيصَ بْنِ إِسْحَقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلَ ـ عليْهِ السَّلامُ. أَخْرَجَهُ الْحَاكِم عَنْ التابعيِّ الإِمَامِ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ الصَّنعانيِّ ـ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ سَعْدٍ عَنِ الْكَلْبِيِّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: أَوَّلُ نَبِيٍّ بُعِثَ إِدْرِيسُ، ثمَّ نُوحٌ، ثُمَّ إِبْرَاهِيمُ، ثُمَّ إِسْمَاعِيلُ وَإِسْحَقُ، ثُمَّ يَعْقُوبُ، ثُمَّ يُوسُفُ، ثُمَّ لُوطُ، ثُمَّ هُودٌ، ثُمَّ صَالِحٌ، ثُمَّ شُعَيْبٌ، ثُمَّ مُوسَى وَهَارُونُ، ثُمَّ إلْيَاسُ، ثُمَّ اليَسَعُ، ثُمَّ يُونُسُ، ثُمَّ أَيُّوبُ ـ على نبيِّنا وَعَلَيْهِمُ السَّلامُ جميعًا.
وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقَ سَمُرَةَ عَنْ كَعْبٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَهُ قَالَ: كَانَ أَيُّوبُ بْنُ أَمُوصَ نَبِيُّ اللهِ الصَّابِرُ، طَويلًا جَعْدًا الشَّعْرِ وَاسِعَ الْعَينَيْنِ، حَسَنَ الْخَلْقِ، وَكَانَ مَكْتُوبًا عَلَى جَبِينِهِ: الْمُبْتَلَى الصَّابِرُ، وَكَانَ قَصِيرَ الْعُنُقِ، عَرَيضَ الصَّدْرِ، غَلِيظَ السَّاقَيْنِ والساعديْن، وَكَانَ يُعْطِي الأَرَامِلَ وَيَكْسُوهُمْ، مَجَاهِدًا، ناصِحًا للهِ.
وروِيَ أَيْضًا عَنْ وَهْبٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: هُوَ رَجُلٌ مِنَ الرُّومِ، وَاسْمُهُ أَيُّوبُ بْنُ أَنُوصَ، مِنْ وَلَدِ عِيصِ بْنِ إِسْحَاقَ ـ عليْهِمُ السَّلامُ، أَمَّا أُمُّهُ فَمِنْ وَلَدِ نَبِيِّ اللهِ لُوطٍ ـ عَليْهِ السَّلامُ، وَقَدِ اصْطَفَاهُ َاللهُ ـ تَعَالَى، واجْتباهُ، وَجَعَلَهُ مِنْ أَنْبِيائهِ، وَأَعْطَاهُ مِنَ الدُّنْيَا حَظًّا وَافِرًا مِنَ النِّعَمِ وَالدَّوَابِّ وَالْبَسَاتِينِ، وَأَعْطَاهُ أَهْلًا وَوَلَدًا مِنْ رِجَالٍ وَنِسَاءٍ، وَكَانَ رَحِيمًا بِالْمَسَاكِينِ، وَكَانَ يَكْفُلُ الْأَيْتَامَ وَالْأَرَامِلَ وَيُكْرِمُ الضَّيْفَ، وَكَانَ مَعَهُ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ قَدْ آمَنُوا بِهِ وَعَرَفُوا فَضْلَهُ.
وقالَ وهْبٌّ أَيْضًا: وَإِنَّ لِجِبْرِيلَ ـ عَلَيْهِ السَّلَامُ، بَيْنَ يَدَيِ الله ـ تَعَالَى، مَقَامًا لَيْسَ لِأَحَدٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مِثْلُهُ فِي الْقُرْبَةِ وَالْفَضِيلَةِ، وَهُوَ الَّذِي يَتَلَقَّى الْكَلَامَ فَإِذَا ذَكَرَ اللهُ عَبْدًا بِخَيْرٍ، تَلَقَّاهُ جِبْرِيلُ ـ عَلَيْهِ السَّلَامُ، ثُمَّ تَلَقَّاهُ مِيكَائِيلُ ـ عَلَيْهِ السَّلَامُ، ثُمَّ مَنْ حَوْلَهُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ، فَإِذَا شَاعَ ذَلِكَ فَهُمْ يُصَلُّونَ عَلَيْهِ. ثُمَّ صَلَّتْ مَلَائِكَةُ السَّمَوَاتِ ثُمَّ مَلَائِكَةُ الْأَرْضِ.
وَكَانَ إِبْلِيسُ لَمْ يُحْجَبْ عَنْ شَيْءٍ مِنَ السَّمَوَاتِ، وَكَانَ يَقِفُ فِيهِنَّ حَيْثُمَا أَرَادَ، وَمِنْ هُنَاكَ وَصَلَ إِلَى آدَمَ ـ عَلَيْهِ صَّلاةُ اللهِ وَسَلَامُهُ، حَتَّى أَخْرَجَهُ مِنَ الْجَنَّةِ.
وَلَمْ يَزَلْ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى رُفِعَ عِيسَى ـ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَحُجِبَ عَنْ أَرْبَعٍ. فَكَانَ يَصْعَدُ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى ثَلَاثٍ إِلَى زَمَانِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَحُجِبَ عِنْدَ ذَلِكَ عَنْ جَمِيعِ السَّمَوَاتِ، إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ، قَالَ: فَسَمِعَ إِبْلِيسُ تَجَاوُبَ الْمَلَائِكَةِ بِالصَّلَاةِ عَلَى أَيُّوبَ، فَأَدْرَكَهُ الْحَسَدُ، فَصَعِدَ سَرِيعًا حَتَّى وَقَفَ مِنَ السَّمَاءِ مَوْقِفًا كَانَ يَقِفُهُ، فَقَالَ:
يَا رَبِّ إِنَّكَ أَنْعَمْتَ عَلَى عَبْدِكَ أَيُّوبَ فَشَكَرَكَ، وَعَافَيْتَهُ فَحَمِدَكَ، ثُمَّ لَمْ تُجَرِّبْهُ بِشِدَّةٍ وَلَا بَلَاءٍ، وَأَنَا لَكَ زَعِيمٌ لَئِنْ ضَرَبْتَهُ بِالْبَلَاءِ لَيَكْفُرَنَّ بِكَ، فَقَالَ اللهُ تَعَالَى: انْطَلِقْ فَقَدْ سَلَّطْتُكَ عَلَى مَالِهِ. فَانْقَضَّ الْمَلْعُونُ حَتَّى وَقَعَ إِلَى الْأَرْضِ وَجَمَعَ عَفَارِيتَ الشَّيَاطِينِ، وَقَالَ لَهُمْ: مَاذَا عِنْدَكُمْ مِنَ الْقُوَّةِ فَإِنِّي سُلِّطْتُ عَلَى مَالِ أَيُّوبَ؟ قَالَ عِفْرِيتٌ: أُعْطِيتُ مِنَ الْقُوَّةِ مَا إِذَا شِئْتُ تَحَوَّلْتُ إِعْصَارًا مِنْ نَارٍ فَأَحْرَقْتُ كُلَّ شَيْءٍ آتِي عَلَيْهِ، فَقَالَ إِبْلِيسُ: فَأْتِ الْإِبِلَ وَرِعَاءَهَا فَذَهَبَ وَلَمْ يَشْعُرِ النَّاسُ حَتَّى ثَارَ مِنْ تَحْتِ الْأَرْضِ إِعْصَارٌ مِنْ نَارٍ لَا يَدْنُو مِنْهَا شَيْءٌ إِلَّا احْتَرَقَ فَلَمْ يَزَلْ يُحْرِقُهَا وَرِعَاءَهَا حَتَّى أَتَى عَلَى آخِرِهَا، فَذَهَبَ إِبْلِيسُ عَلَى شَكْلِ بَعْضِ أُولَئِكَ الرُّعَاةِ إِلَى أَيُّوبَ فَوَجَدَهُ قَائِمًا يُصَلِّي، فَلَمَّا فَرَغَ مِنَ الصَّلَاةِ، قَالَ: يَا أَيُّوبُ هَلْ تَدْرِي مَا صَنَعَ رَبُّكَ الَّذِي اخْتَرْتَهُ بِإِبِلِكَ وَرِعَائِهَا؟ فَقَالَ أَيُّوبُ: إِنَّهَا مَالُهُ أَعَارَنِيهِ، وَهُوَ أَوْلَى بِهِ، إِذَا شَاءَ نَزَعَهُ. قَالَ إِبْلِيسُ: فَإِنَّ رَبَّكَ أَرْسَلَ عَلَيْهَا نَارًا مِنَ السَّمَاءِ فَاحْتَرَقَتْ وَرِعَاؤُهَا كُلُّهَا، وَتَرَكَتِ النَّاسَ مَبْهُوتِينَ مُتَعَجِّبِينَ مِنْهَا. فَمِنْ قَائِلٍ يَقُولُ: مَا كَانَ أَيُّوبُ يَعْبُدُ شَيْئًا، وَمَا كَانَ إِلَّا فِي غُرُورٍ، وَمِنْ قَائِلٍ يَقُولُ: لَوْ كَانَ إِلَهُ أَيُّوبَ يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ لَمَنَعَ مِنْ وَلِيِّهِ، وَمِنْ قَائِلٍ آخَرَ يَقُولُ: بَلْ هُوَ الَّذِي فَعَلَ مَا فَعَلَ لِيُشْمِتَ عَدُوَّهُ بِهِ، وَيُفْجِعَ بِهِ صَدِيقَهُ. فَقَالَ أَيُّوبُ ـ عَلَيْهِ السَّلَامُ: الْحَمْدُ لله حِينَ أَعْطَانِي وَحِينَ نَزَعَ مِنِّي، عُرْيَانًا خَرَجْتُ مِنْ بَطْنِ أُمِّي، وَعُرْيَانًا أَعُودُ فِي التُّرَابِ، وَعُرْيَانًا أُحْشَرُ إِلَى الله تَعَالَى، وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيكَ أَيُّهَا الْعَبْدُ خَيْرًا لَنَقَلَ رُوحَكَ مَعَ تِلْكَ الْأَرْوَاحِ، وَصِرْتَ شَهِيدًا، وَآجَرَنِي فِيكَ، وَلَكِنَّ اللهَ عَلِمَ مِنْكَ شَرًّا فَأَخَّرَكَ. فَرَجَعَ إِبْلِيسُ إِلَى أَصْحَابِهِ خَاسِئًا. فَقَالَ عِفْرِيتٌ آخَرُ: عِنْدِي مِنَ الْقُوَّةِ مَا إِذَا شِئْتَ صِحْتُ صَوْتًا لَا يَسْمَعُهُ ذُو رُوحٍ إِلَّا خَرَجَتْ رُوحُهُ، فَقَالَ إِبْلِيسُ: فَأْتِ الْغَنَمَ وَرِعَاءَهَا فَانْطَلَقَ فَصَاحَ بِهَا فَمَاتَتْ وَمَاتَ رِعَاؤُهَا.
فَخَرَجَ إِبْلِيسُ مُتَمَثِّلًا بِقَهْرَمَانِ الرُّعَاةِ إِلَى أَيُّوبَ فَقَالَ لَهُ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ: وَرَدَّ عَلَيْهِ أَيُّوبُ الرَّدَّ الْأَوَّلَ، فَرَجَعَ إِبْلِيسُ صَاغِرًا. فَقَالَ عِفْرِيتٌ آخَرُ: عِنْدِي مِنَ الْقُوَّةِ مَا إِذَا شِئْتُ تَحَوَّلْتُ رِيحًا عَاصِفَةً أَقْلَعُ كُلَّ شَيْءٍ أَتَيْتُ عَلَيْهِ، قَالَ فَاذْهَبْ إِلَى الْحَرْثِ وَالثِّيرَانِ، فَأَتَاهُمْ فَأَهْلَكَهُمْ، ثُمَّ رَجَعَ إِبْلِيسُ مُتَمَثِّلًا، حَتَّى جَاءَ أَيُّوبَ وَهُوَ يُصَلِّي، فَقَالَ مِثْلَ قَوْلِهِ الْأَوَّلِ فَرَدَّ عَلَيْهِ أَيُّوبُ الرَّدَّ الْأَوَّلَ، فَجَعَلَ إِبْلِيسُ يُصِيبُ أَمْوَالَهُ شَيْئًا فَشَيْئًا حَتَّى أَتَى عَلَى جَمِيعِهَا.
فَلَمَّا رَأَى إِبْلِيسُ صَبْرَهُ عَلَى ذَلِكَ وَقَفَ الْمَوْقِفَ الَّذِي كَانَ يَقِفُهُ عِنْدَ الله ـ تَعَالَى، وَقَالَ: يَا إِلَهِي هَلْ أَنْتَ مُسَلِّطِي عَلَى وَلَدِهِ، فَإِنَّهَا الْفِتْنَةُ الْمُضِلَّةُ. فقال الله تَعَالَى: انْطَلِقْ فَقَدْ سَلَّطْتُكَ عَلَى وَلَدِهِ، فَأَتَى أَوْلَادَ أَيُّوبَ فِي قَصْرِهِمْ فَلَمْ يَزَلْ يُزَلْزِلُهُ بِهِمْ مِنْ قَوَاعِدِهِ حَتَّى قَلَبَ الْقَصْرَ عَلَيْهِمْ، ثُمَّ جَاءَ إِلَى أَيُّوبَ مُتَمَثِّلًا بِالْمُعَلِّمِ وَهُوَ جَرِيحٌ مَشْدُوخُ الرَّأْسِ يَسِيلُ دَمُهُ وَدِمَاغُهُ، فَقَالَ: لَوْ رَأَيْتَ بَنِيكَ كَيْفَ انْقَلَبُوا مَنْكُوسِينَ عَلَى رُؤُوسِهِمْ، تَسِيلُ أَدْمِغَتُهُمْ مِنْ أُنُوفِهِمْ، لَتَقَطَّعَ قَلْبُكَ، فَلَمْ يَزَلْ يَقُولُ هَذَا وَيُرَقِّقُهُ حَتَّى رَقَّ أَيُّوبُ ـ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَبَكَى وَقَبَضَ قَبْضَةً مِنَ التُّرَابِ، وَوَضَعَهَا عَلَى رَأْسِهِ. فَاغْتَنَمَ ذَلِكَ إِبْلِيسُ، ثُمَّ لَمْ يَلْبَثْ أَيُّوبُ ـ عَلَيْهِ السَّلَامُ، حَتَّى اسْتَغْفَرَ وَاسْتَرْجَعَ، فَصَعِدَ إِبْلِيسُ، وَوَقَفَ مَوْقِفَهُ، وَقَالَ: يَا إِلَهِي إِنَّمَا يَهُونُ عَلَى أَيُّوبَ خَطَرُ الْمَالِ وَالْوَلَدِ، لِعِلْمِهِ أَنَّكَ تُعِيدُ لَهُ الْمَالَ وَالْوَلَدَ، فَهَلْ أَنْتَ مُسَلِّطِي عَلَى جَسَدِهِ، وَإِنِّي لَكَ زَعِيمٌ لَوِ ابْتَلَيْتَهُ فِي جَسَدِهِ لَيَكْفُرَنَّ بِكَ، فَقَالَ تَعَالَى: انْطَلِقْ فَقَدْ سَلَّطْتُكَ عَلَى جَسَدِهِ وَلَيْسَ لَكَ سُلْطَانٌ عَلَى عَقْلِهِ وَقَلْبِهِ وَلِسَانِهِ، فَانْقَضَّ عَدُوُّ الله سَرِيعًا، فَوَجَدَ أَيُّوبَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، سَاجِدًا لله ـ تَعَالَى، فَأَتَاهُ مِنْ قِبَلِ الْأَرْضِ فَنَفَخَ فِي مَنْخَرِهِ نَفْخَةً اشْتَعَلَ مِنْهَا جَسَدُهُ، وَخَرَجَ بِهِ مِنْ فَرْقِهِ إِلَى قَدَمِهِ ثَآلِيلُ، وَقَدْ وَقَعَتْ فِيهِ حَكَّةٌ لَا يَمْلِكُهَا، وَكَانَ يَحُكُّ بِأَظْفَارِهِ حَتَّى سَقَطَتْ أَظْفَارُهُ، ثُمَّ حَكَّهَا بِالْمُسُوحِ الْخَشِنَةِ ثُمَّ بِالْفَخَّارِ وَالْحِجَارَةِ، وَلَمْ يَزَلْ يَحُكُّهَا حَتَّى تَقَطَّعَ لَحْمُهُ وَتَغَيَّرَ وَنَتَنَ، فَأَخْرَجَهُ أَهْلُ الْقَرْيَةِ، وَجَعَلُوهُ عَلَى كُنَاسَةٍ، وَجَعَلُوا لَهُ عَرِيشًا، وَرَفَضَهُ النَّاسُ كُلُّهُمْ، غَيْرَ امْرَأَتِهِ رَحْمَةَ بِنْتِ أَفْرَايِمَ بْنِ يُوسُفَ ـ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَكَانَتْ تُصْلِحُ أُمُورَهُ، ثُمَّ إِنَّ وَهْبًا طَوَّلَ فِي الْحِكَايَةِ إِلَى أَنْ قَالَ: إِنَّ أَيُّوبَ ـ عَلَيْهِ السَّلَامُ، أَقْبَلَ عَلَى الله ـ تَعَالَى، مُسْتَغِيثًا مُتَضَرِّعًا إِلَيْهِ، فَقَالَ: يَا رَبِّ لِأَيِّ شَيْءٍ خَلَقْتَنِي يَا لَيْتَنِي كُنْتُ حَيْضَةً أَلْقَتْنِي أُمِّي، وَ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ عَرَفْتُ الذَّنْبَ الَّذِي أَذْنَبْتُهُ، وَالْعَمَلَ الَّذِي عَمِلْتُ حَتَّى صَرَفْتَ وَجْهَكَ الْكَرِيمَ عَنِّي، أَلَمْ أَكُنْ لِلْغَرِيبِ دَارًا، وَلِلْمِسْكِينِ قَرَارًا، وَلِلْيَتِيمِ وَلِيًّا، وَلِلْأَرْمَلَةِ قَيِّمًا، إِلَهِي أَنَا عَبْدٌ ذَلِيلٌ إِنْ أَحْسَنْتُ فَالْمَنُّ لَكَ وَإِنْ أَسَأْتُ فَبِيَدِكَ عُقُوبَتِي، جَعَلْتَنِي لِلْبَلَاءِ غَرَضًا، وَلِلْفِتْنَةِ نَصْبًا، وَسَلَّطْتَ عَلَيَّ مَا لَوْ سَلَّطْتَهُ عَلَى جَبَلٍ لَضَعُفَ مِنْ حَمْلِهِ. إِلَهِي تَقَطَّعَتْ أَصَابِعِي، وَتَسَاقَطَتْ لَهَوَاتِي، وَتَنَاثَرَ شَعْرِي وَذَهَبَ الْمَالُ، وَصِرْتُ أَسْأَلُ اللُّقْمَةَ فَيُطْعِمُنِي مَنْ يَمُنُّ بِهَا عَلَيَّ وَيُعَيِّرُنِي بِفَقْرِي وَهَلَاكِ أَوْلَادِي.
قولُهُ: {إِذْ نَادَى رَبَّهُ} أَي: حينَ دعا رَبَّهُ. فالنِّدَاءُ للهِ ـ تَعَالى، دُعَاءٌ وتَضَرُّعٌ ورجاءٌ لإِنْزالِ رَحْمَةٍ، أَوْ إِسْباغِ نِعْمَةٍ، أَو رفعِ بلاءٍ، وَكَشْفِ ضًرٍّ. أَمَّا نِداءُ العَبْدِ عَبدًا مِثْلَهٌ فهُوَ طَلَبُ إِقْبَالٍ إليْهِ. ورُبَّما أَشْكَلَ عَلَى بَعْضِهِمْ كيفَ يَليقُ بِنَبِيٍّ أَنْ يَتَوَجَّعَ مِنِ ابْتِلَاءِ اللهِ؟ وكيفَ يُنَادِيهِ ويدعوهُ وَهُوَ عَالِمٌ بِمَا مَسَّهُ مِنَ الضُرُّ؟. أَمَّا الجوابُ فهوَ عندَ سيِّدِنا عَلِيٍّ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُ وَكَرَّمَ وَجْهَهُ، فإِنَّهُ دَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ يَعُودُهُ وَهُوَ يَتَأَلَّمُ مِنْ مَرَضِهِ وَيَتَوَجَّعُ، فَقَالَ لَهُ: أَتَتَوَجَّعُ وَأَنْتَ أَبُو الحَسَنِ؟ فَقَالَ: أَنَا لَا أَشْجَعُ عَلَى اللهِ. يَعْنِي: أَنَا لَسْتُ قَويًّا شُجَاعًا أَمَامَ اللهِ. فَإِنَّهُ مِنَ الأَدَبَ مَعَ اللهِ ـ تَعَالَى، أَنْ يُظْهِرَ العَبْدَ عَجْزَهُ وضَعفَهُ عَنْدَهُ، ويسْألَهُ ويدعوهُ ويَتَضَرَّعُ إلَيْهِ.
وسيِّدُنا أيُّوبُ ـ عليْهِ السَّلامُ، هوَ مِنْ الذينَ يقيمُ اللهُ بِهِمُ الحُجَّةَ على عبادِهِ يومَ القيامةِ، فَقد أَخْرَجَ الإمامُ أَحْمَدُ فِي الزُّهْدِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الإيمانِ، وأبو نُعيمٍ في الحُلْيَةِ، والنَّصُّ لهُ، عَنْ مُجَاهِدٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنْهُ، قَالَ: (يُؤْتَى بِثَلَاثَةِ نَفَرٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: بِالْغَنِيِّ، وَبِالْمَرِيضِ، وَالْعَبْدِ، فَيَقُولُ لِلْغَنِيِّ: مَا مَنَعَكَ عَنْ عِبَادَتِي؟ فَيَقُولُ: أَكْثَرْتَ لِي مِنَ الْمَالِ فَطَغَيْتُ، فَيُؤْتَى بِسُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ ـ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فِي مُلْكِهِ، فَيُقَالُ لَهُ: أَنْتَ كُنْتَ أَشَدَّ شُغْلًا أَمْ هَذَا؟ قَالَ: بَلْ هَذَا، قَالَ: فَإِنَّ هَذَا لَمْ يَمْنَعْهُ شُغْلَهُ عَنْ عِبَادَتِي، قَالَ: فَيُؤْتَى بِالْمَرِيضِ، فَيَقُولُ: مَا مَنَعَكَ عَنْ عِبَادَتِي؟ قَالَ: يَا رَبُّ أُشْغِلْتُ عَلَى جَسَدِي، قَالَ: فَيُؤْتَى بِأَيُّوبَ ـ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فِي ضُرِّهِ، فَيَقُولُ لَهُ: أَنْتَ كُنْتَ أَشَدَّ ضُرًّا أَمْ هَذَا؟ قَالَ: فَيَقُولُ: لَا، بَلْ هَذَا، قَالَ: فَإِنَّ هَذَا لَمْ يَمْنَعْهُ ذَلِكَ أَنْ عَبْدنيَ، قَالَ: ثُمَّ يُؤْتَى بِالْمَمْلُوكِ، فَيُقَالُ لَهُ: مَا مَنَعَكَ مِنْ عِبَادَتِي؟ فَيَقُولُ: جَعَلْتَ عَلَيَّ أَرْبَابًا يَمْلِكُونِي، قَالَ: فَيُؤْتَى بِيُوسُفَ الصِّدِّيقِ ـ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فِي عُبُودِيَّتِهِ فَيُقَالُ: أَنْتَ أَشَدُّ عُبُودِيَّةً أَمْ هَذَا؟ قَالَ: لَا، بَلْ هَذَا، قَالَ: فَإِنَّ هَذَا لَمْ يَشْغَلْهُ شَيْءٌ عَنْ عِبَادَتِي). حلْيَةُ الأَوْلِياءِ وَطَبَقاتُ الأَصْفِياءَ: (3/288).
قولُهُ: {أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ} والضُّرُّ بِضَمِّ الضَّادِ: الابْتِلاءُ مِنَ اللهِ ـ تَعَالَى فِي الجِسَدِ، سَوَاءٌ كانَ بِمَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِ. أَمَّا الضَّرُّ ـ بِفَتْحِ الضَّادِ، الضَّرَرُ فِي كُلِّ شَيْءٍ فَهُوَ أَعَمُّ مِنَ الأَوَّلِ وأَشْملُ، فَهُوَ إِيذاءٌ وَابْتِلَاءٌ فِي أَيِّ شَيْءٍ آخَرَ غَيْرِ الجَسَدِ، وَالمَرَضُ جائزٌ في حَقِّ الأَنْبِيَاءُ لِكِنْ بِمَرَضٍ غَيْرِ مُنَفِّرٍ.
قَالَ الْإِمَامُ أَبُو الْقَاسِمِ الْأَنْصَارِيُّ ـ رَحِمَهُ الله، وَفِي جُمْلَةِ هَذَا الْكَلَامِ: لَيْتَكَ لَوْ كَرِهْتَنِي لَمْ تَخْلُقْنِي، ثُمَّ قَالَ: وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ صَحِيحًا لَاغْتَنَمَهُ إِبْلِيسُ، فَإِنَّ قَصْدَهُ أَنْ يَحْمِلَهُ عَلَى الشَّكْوَى، وَأَنْ يُخْرِجَهُ عَنْ حِلْيَةِ الصَّابِرِينَ، والله تَعَالَى لَمْ يُخْبِرْ عَنْهُ إِلَّا قَوْلَهُ: "أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ" ثُمَّ قَالَ: {إِنَّا وَجَدْناهُ صابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} الآيةَ: 44، مِنْ سورةِ (ص).
وَاخْتُلِفَ فِي مُدَّةِ البلاءِ وَالسَّبَبِ الَّذِي حَمَلَ أَيُّوبَ على قَوْلِهِ هَذَا، فَرَوَى ابْنُ شِهَابٍ، وَابْنُ أَبي الدُّنْيَا، وَأَبُو يَعْلى، وَابْنُ جريرٍ، وَابْنُ أَبي حَاتِم، وَابْنُ حِبَّانَ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَابْنُ مِرْدُوَيْهِ عَنْ أَنَسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِنَّ أَيُّوبَ ـ عَلَيْهِ السَّلَامُ، بَقِيَ فِي الْبَلَاءِ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ سَنَةً، فَرَفَضَهُ الْقَرِيبُ وَالْبَعِيدُ، إِلَّا رَجُلَيْنِ مِنْ إِخْوَانِهِ، كَانَا يَغْدُوَانِ وَيَرُوحَانِ إِلَيْهِ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ ذَاتَ يَوْمٍ: والله لَقَدْ أَذْنَبَ أَيُّوبُ ذَنْبًا مَا أَذَنَبَهُ أَحَدٌ مِنَ الْعَالَمِينَ، فَقَالَ لَهُ صَاحِبُهُ: وَمَا ذَاكَ؟ فَقَالَ: مُنْذُ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ سَنَةً لَمْ يَرْحَمْهُ اللهُ ـ تَعَالَى، وَلَمْ يَكْشِفْ مَا بِهِ. فَلَمَّا رَاحَا إِلَى أَيُّوبَ، لَمْ يَصْبِرِ الرَّجُلُ حَتَّى ذَكَرَ ذَلِكَ لِأَيُّوبَ ـ عَلَيْهِ السَّلَامُ. فَقَالَ أَيُّوبُ: مَا أَدْرِي مَا تَقولانِ، غَيْرَ أَنَّ اللهَ ـ تَعَالَى، يَعْلَمُ أَنِّي كُنْتُ أَمُرُّ عَلَى الرَّجُلَيْنِ يَتَنَازَعَانِ فَيَذْكُرَانِ اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ، فَأَرْجِعُ إِلَى بَيْتِي، فَأُكَفِّرُ عَنْهُمَا كَرَاهِيَةَ أَنْ يُذْكَرَ اللهُ إِلَّا فِي حَقٍّ)). وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى أَنَّ الرَّجُلَيْنِ لَمَّا دَخَلَا عَلَيْهِ وَجَدَا رِيحًا فَقَالَا: لَوْ كَانَ لِأَيُّوبَ عِنْدَ الله خَيْرٌ مَا بَلَغَ إِلَى هَذِهِ الْحَالَةِ، قَالَ: فَمَا شَقَّ عَلَى أَيُّوبَ شَيْءٌ مِمَّا ابْتُلِيَ بِهِ أَشَدُّ مِمَّا سَمِعَ مِنْهُمَا، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي لَمْ أَبِتْ شَبْعَانًا، وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَكَانِ جَائِعٍ، فَصَدِّقْنِي، فَصَدَّقَهُ وَهُمَا يَسْمَعَانِ، ثُمَّ خَرَّ أَيُّوبُ ـ عَلَيْهِ السَّلَامُ، سَاجِدًا، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي لَا أَرْفَعَ رَأْسِي حَتَّى تَكْشِفَ مَا بِي قَالَ فَكَشَفَ اللهُ مَا بِهِ)).
وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ عَنْ نَوْفٍ الْبِكَالِيِّ أَنَّهُ قَالَ: مَرَّ نَفَرٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِأَيُّوبَ ـ عَلَيْهِ السَّلامُ، فَقَالُوا: مَا أَصَابَهُ مَا أَصَابَهُ إِلَّا بِذَنْبٍ عَظِيمٍ أَصَابَهُ.
فَسَمِعَهَا أَيُّوبُ، فَعِنْدَ ذَلِكَ قَالَ: "مَسَّنِي الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ" وَكَانَ قَبْلَ ذَلِكَ لَا يَدْعُو.
وَأَخْرَجَ ابْنُ جَريرٍ عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنْهُ، قَالَ: لَمْ يَكُنْ بِأَيُّوبَ الْأَكَلَةُ، إِنَّمَا يَخْرُجُ مِنْهُ مِثْلُ ثَدْيِ النِّسَاءِ، ثُمَّ يَتَفَقَّأُ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ جَريرٍ ـ أَيْضًا، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنْهُما، فِي قَوْلِهِ: "أَنِّي مَسَّنِي الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ" قَالَ: إِنَّهُ لَمَّا مَسَّهُ الضُّرُّ أَنْسَاهُ اللهُ الدُّعَاءَ، أَنْ يَدْعُوهُ فَيَكْشِفَ مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ، غَيْرَ أَنَّهُ كَانَ يَذْكُرُ اللهَ كَثِيرًا، وَلَا يَزِيدُهُ الْبَلَاءُ فِي اللهِ إِلَّا رَغْبَةً وَحُسْنَ إِيقَانٍ، فَلَمَّا انْتَهَى الْأَجَلُ وَقَضَى اللهُ أَنَّهُ كاشِفٌ مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ، أَذِنَ لَهُ فِي الدُّعَاءِ، وَيَسَّرَهُ لَهُ، وكَانَ قَبْلَ ذَلِكَ يَقُولُ ـ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: (لَا يَنْبَغِي لِعَبْدِي أَيُّوبَ أَنْ يَدْعُوَني ثُمَّ لَا أَسْتَجِيبُ لَهُ).
فَلَمَّا دَعَا اسْتَجَابَ لَهُ وَأَبْدَلَهُ بِكُلِّ شَيْءٍ ذَهَبَ لَهُ ضِعْفَيْنِ، رَدَّ لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ، وَأَثْنى عَلَيْهِ فَقَالَ: {إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ العَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} الآيةَ: 44، مِنْ سورةِ (ص).
وَأَخْرَج ابْنُ جَريرٍ، عَنْ لَيْثٍ، أَنَّهُ قَالَ: أَرْسَلَ مُجَاهِدٌ ـ رَضِيَ اللهُ عنْهُ، رَجُلًا يُقَالُ لَهُ "قَاسِمٌ" إِلَى عِكْرِمَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عنْهُ، يَسْأَلُهُ عَنْ قَوْلِ اللهِ لِأَيُّوبَ ـ عَلَيْهِ السَّلامُ: {وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ} فَقَالَ: قِيلَ لَهُ: إِنَّ أَهْلَكَ لَكَ فِي الْآخِرَةِ، فَإِنْ شِئْتَ عَجَّلْناهُمْ لَكَ فِي الدُّنْيَا، وَإِن شِئْتَ كَانُوا لَكَ فِي الْآخِرَةِ وَآتَيْنَاكَ مِثْلَهُمْ فِي الدُّنْيَا. فَقَالَ أَيُّوبُ: يَكونُونَ فِي الْآخِرَةِ، وأُوتَى مِثْلَهُمْ فِي الدُّنْيَا. فَرَجَعَ إِلَى مُجَاهِدٍ، فَقَالَ: أَصَابَ.
وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ فِي الزُّهْدِ عَنِ الْحَسَنِ البَصْرِيِّ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُ، قَالَ: مَا كَانَ بَقِي مِنْ أَيُّوبَ ـ عَلَيْهِ السَّلَامُ، إِلَّا عَيناهُ وَقَلْبُهُ وَلِسَانُهُ، فَكَانَتِ الدَّوَابُّ تَخْتَلِفُ فِي جَسَدِهِ، وَمَكَثَ فِي الكُنَاسَةِ سَبْعَ سِنِينَ وَأَيَّامًا.
وَأَخْرَجَ ابْنُ جَريرٍ عَنْهُ أَيضًا أَنَّهُ قَالَ: لَقَدْ مَكَثَ أَيُّوبُ مَطْرُوحًا عَلَى كُنَاسَةٍ سَبْعَ سِنِينَ وَأَشْهُرًا مَا يَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَكْشِفَ مَا بِهِ، وَمَا عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ خَلْقٌ أَكْرَمَ مِنْ أَيُّوبَ، فَيَزْعُمُونَ أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ قَالَ: لَو كَانَ لِرَبِّ هَذَا فِيهِ حَاجَةٌ مَا صَنَعَ بِهِ هَذَا، فَعِنْدَ ذَلِك دَعَا.
وَرويَ عنْهُ أَيضًا ـ رَضِيَ اللهُ عنْهُ، قولُهُ: مَكَثَ أَيُّوبُ ـ عَلَيْهِ السَّلَامُ، بَعْدَ مَا أُلْقِيَ عَلَى الْكُنَاسَةِ سَبْعَ سِنِينَ وَأَشْهُرًا، وَلَمْ يَبْقَ لَهُ مَالٌ، وَلَا وَلَدٌ، وَلَا صَدِيقٌ، غَيْرَ امْرَأَتِهِ (رَحْمَةَ)، صَبَرَتْ مَعَهُ وَكَانَتْ تَأْتِيهِ بِالطَّعَامِ وَتَحْمَدُ اللهَ ـ تَعَالَى، مَعَ أَيُّوبَ، وَكَانَ أَيُّوبُ مُوَاظِبًا عَلَى حَمْدِ اللهِ ـ تَعَالَى، وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ، وَالصَّبْرِ عَلَى مَا ابْتَلَاهُ.
فَصَرَخَ إِبْلِيسُ صَرْخَةً جَزَعًا مِنْ صَبْرِ أَيُّوبَ، فَاجْتَمَعَ جُنُودُهُ مِنْ أَقْطَارِ الْأَرْضِ، وَقَالُوا لَهُ مَا خَبَرُكَ؟. قَالَ: أَعْيَانِي هَذَا الْعَبْدُ الَّذِي سَأَلْتُ اللهَ أَنْ يُسَلِّطَنِي عَلَيْهِ، وَعَلَى مَالِهِ وَوَلَدِهِ، فَلَمْ أَدَعْ لَهُ مَالًا وَلَا وَلَدًا، وَلَمْ يَزْدَدْ بِذَلِكَ إِلَّا صَبْرًا وَحَمْدًا للهِ تَعَالَى، ثُمَّ سُلِّطْتُ عَلَى جَسَدِهِ فَتَرَكْتُهُ مُلْقًى فِي كُنَاسَةٍ، وَمَا يَقْرَبُهُ إِلَّا امْرَأَتُهُ، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ لَا يَفْتُرُ عَنِ الذِّكْرِ وَالْحَمْدِ لله، فَاسْتَعَنْتُ بِكُمْ لِتُعِينُونِي عَلَيْهِ، فَقَالُوا لَهُ: أَيْنَ مَكْرُكَ! أَيْنَ عَمَلُكَ الَّذِي أَهْلَكْتَ بِهِ مَنْ مَضَى؟. قَالَ: بَطَلَ ذَلِكَ كُلُّهُ فِي أَيُّوبَ، فَأَشِيرُوا عَلَيَّ، قَالُوا: أَدْلَيْتَ آدَمَ حِينَ أَخْرَجْتَهُ مِنَ الْجَنَّةِ، مِنْ أَيْنَ أَتَيْتَهُ؟ قَالَ: مِنْ قِبَلِ امْرَأَتِهِ، قَالُوا: فَشَأْنُكَ بِأَيُّوبَ مِنْ قِبَلِ امْرَأَتِهِ، فَإِنَّهُ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَعْصِيَهَا، لِأَنَّهُ لَا يَقْرُبُهُ أَحَدٌ غَيْرَهَا. قَالَ: أَصَبْتُمْ فَانْطَلَقَ حَتَّى أَتَى امْرَأَتَهُ، فَتَمَثَّلَ لَهَا فِي صُورَةِ رَجُلٍ، فَقَالَ: أَيْنَ بَعْلُكِ يَا أَمَةَ الله؟ قَالَتْ: هُوَ هَذَا يَحُكُّ قُرُوحَهُ، وَتَتَرَدَّدُ الدَّوَابُّ فِي جَسَدِهِ، فَلَمَّا سَمِعَهَا طَمِعَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ كُلُّهُ جَزَعًا، فَوَسْوَسَ إِلَيْهَا وَذَكَّرَهَا مَا كَانَ لَهَا مِنَ النِّعَمِ وَالْمَالِ، وَذَكَّرَهَا جَمَالَ أَيُّوبَ وَشَبَابَهُ.
قَالَ ـ رَضِيَ اللهُ عنْهُ: فَصَرَخَتْ، فَلَمَّا صَرَخَتْ عَلِمَ أَنَّهَا قَدْ جَزِعَتْ، فَأَتَاهَا بِسَخْلَةٍ، وَقَالَ لِيَذْبَحْ هَذِهِ لِي أَيُّوبُ وَيَبْرَأْ، قَالَ: فَجَاءَتْ تَصْرُخُ إِلَى أَيُّوبَ، يَا أَيُّوبُ، حَتَّى مَتَى يُعَذِّبُكَ رَبُّكَ، أَلَا يَرْحَمُكَ؟ أَيْنَ الْمَالُ؟، أَيْنَ الْمَاشِيَةُ؟، أَيْنَ الْوَلَدُ؟، أَيْنَ الصَّدِيقُ؟، أَيْنَ اللَّوْنُ الْحَسَنُ؟، أَيْنَ جِسْمُكَ الَّذِي قَدْ بَلِيَ وَصَارَ مِثْلَ الرَّمَادِ، وَتَرَدَّدَ فِيهِ الدَّوَابُّ، اِذْبَحْ هَذِهِ السَّخْلَةِ وَاسْتَرِحْ. فَقَالَ أَيُّوبُ ـ عَلَيْهِ السَّلَامُ: أَتَاكِ عَدُوُّ اللهِ وَنَفَخَ فِيكِ فَأَجَبْتِيهِ! وَيْلَكِ أَتَرَيْنَ مَا تَبْكِينَ عَلَيْهِ مِمَّا تَذْكُرِينَ مِمَّا كُنَّا فِيهِ مِنَ الْمَالِ وَالْوَلَدِ وَالصِّحَّةِ، مَنْ أَعْطَانَا ذَلِكَ؟ قَالَتِ اللهُ. قَالَ: فَكَمْ مَتَّعَنَا بِهِ؟ قَالَتْ: ثَمَانِينَ سَنَةً. قَالَ: فَمُنْذُ كَمِ ابْتَلَانَا اللهُ بِهَذَا الْبَلَاءِ؟ قَالَتْ: مُنْذُ سَبْعِ سِنِينَ وَأَشْهُرٍ، قَالَ: وَيْلَكِ، وَاللهِ مَا أَنْصَفْتِ رَبَّكِ، أَلَا صَبَرْتِ فِي الْبَلَاءِ ثَمَانِينَ سَنَةً كَمَا كُنَّا فِي الرَّخَاءِ ثَمَانِينَ سَنَةً. والله لَئِنْ شَفَانِي اللهُ لَأَجْلِدَنَّكِ مِئَةَ جَلْدَةٍ. أَمَرْتِيني أَنْ أَذْبَحَ لِغَيْرِ اللهِ، وَحَرَامٌ عَلَيَّ أَنْ أَذُوقَ بَعْدَ هَذَا شَيْئًا مِنْ طَعَامِكِ وَشَرَابِكِ الَّذِي تَأْتِينِي بِهِ، فَطَرَدَهَا فَذَهَبَتْ، فَلَمَّا نَظَرَ أَيُّوبُ فِي شَأْنِهِ وَلَيْسَ عِنْدَهُ طَعَامٌ وَلَا شَرَابٌ وَلَا صَدِيقٌ، وَقَدْ ذَهَبَتِ امْرَأَتُهُ خَرَّ سَاجِدًا، وَقَالَ: "رَبِّ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ". فَقَالَ: ارْفَعْ رَأْسَكَ فَقَدِ اسْتَجَبْتُ لَكَ: ارْكُضْ بِرِجْلِكَ، فَرَكَضَ بِرِجْلِهِ، فَنَبَعَتْ عَيْنُ مَاءٍ، فَاغْتَسَلَ مِنْهَا، فَلَمْ يَبْقَ فِي ظَاهِرِ بَدَنِهِ دَابَّةٌ إِلَّا سَقَطَتْ مِنْهُ، ثُمَّ ضَرَبَ بِرِجْلِهِ مَرَّةً أُخْرَى فَنَبَعَتْ عَيْنٌ أُخْرَى فَشَرِبَ مِنْهَا، فَلَمْ يَبْقَ فِي جَوْفِهِ دَاءٌ إِلَّا خَرَجَ، وَقَامَ صَحِيحًا، وَعَادَ إِلَيْهِ شَبَابُهُ وَجِمَالُهُ حَتَّى صَارَ أَحْسَنَ مِمَّا كَانَ، ثُمَّ كُسِيَ حُلَّةً، فَلَمَّا قَامَ جَعَلَ يَلْتَفِتُ فَلَا يَرَى شَيْئًا مِمَّا كَانَ لَهُ مِنَ الْأَهْلِ وَالْوَلَدِ وَالْمَالِ، إِلَّا وَقَدْ ضَعَّفَهُ اللهُ ـ تَعَالَى، حَتَّى صَارَ أَحْسَنَ مِمَّا كَانَ، حَتَّى ذُكِرَ أَنَّ الْمَاءَ الَّذِي اغْتَسَلَ مِنْهُ تَطَايَرَ عَلَى صَدْرِهِ جَرَادًا مِنْ ذَهَبٍ، قَالَ: فَجَعَلَ يَضُمُّهُ بِيَدِهِ، فَأَوْحَى الله إِلَيْهِ يَا أَيُّوبُ أَلَمْ أُغْنِكَ؟ قَالَ: بَلَى، وَلَكِنَّهَا بَرَكَتُكَ فَمَنْ يَشْبَعُ مِنْهَا.
وَأَخْرَجَ ابْنُ مِرْدُوَيْهِ، وَابْنُ عَسَاكِرَ، مِنْ طَرِيقِ جُوَيْبِرٍ عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُما، قَالَ: سَأَلتُ النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَن قَوْلِهِ: {وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهم} قَالَ: رَدَّ اللهُ امْرَأَتَهُ، وَزَادَ فِي شَبَابِهَا حَتَّى وَلَدَتْ لَهُ سِتَّةً وَعِشْرينَ ذَكَرًا، وأَهْبَطَ اللهُ إِلَيْهِ مَلَكًا فَقَالَ: يَا أَيُّوبُ رَبُّكَ يُقْرِئُكَ السَّلَامَ بِصَبْرِكَ عَلَى الْبلَاءِ، فَاخْرُجْ إِلَى أَنْدَرِكَ. وَالأَنْدَرُ: هُوَ البَيْدَرُ.
فَبَعَثَ اللهُ سَحَابَةً حَمْرَاءَ فَهَبَطَتْ عَلَيْهِ بِجَرَادِ الذَّهَبِ، وَالْمَلَكُ قَائِمٌ يَجْمَعُهُ فَكَانَتِ الْجَرَادُ تَذْهَبُ فَيَتْبَعُهَا حَتَّى يَرُدُّهَا فِي أَنْدَرِهَ.
قَالَ الْمَلَكُ: يَا أَيُّوبُ أَوَ مَا تَشْبَعُ مِنَ الدَّاخِلِ حَتَّى تَتْبَعَ الْخَارِجَ فَقَالَ: إِنَّ هَذِهِ بَركَةٌ مِنْ بَرَكَاتِ رَبِّي، وَلَسْتُ أَشْبَعُ مِنْهَا.
وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ، وَالْبُخَارِيُّ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي (الْأَسْمَاءُ وَالصِّفَاتُ) عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ((بَيْنَا أَيُّوبُ يَغْتَسِلُ عُرْيَانًا، خَرَّ عَلَيْهِ جَرَادٌ مِنْ ذَهَبٍ، فَجَعَلَ أَيُّوبُ يَحْثِي فِي ثَوْبِهِ، فَنَادَاهُ رَبُّهُ: يَا أَيُّوبُ أَلَمْ أَكُنْ أَغْنَيْتُكَ عَمَّا تَرَى؟ قَالَ: بَلَى وَعِزَّتِكَ، وَلَكِنْ لَا غِنًى لِي عَنْ بَرَكَتِكَ)).
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبي حَاتِمٍ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَابْنُ مِرْدُوَيْهِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ ـ رَضِيَ اللهُ ـ تَعَالى، عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: لَمَّا عَافَى اللهُ أَيُّوبَ ـ عليْهِ السَّلامُ، أَمْطَرَ عَلَيْهِ جَرَادًا مِنْ ذَهَبٍ، فَجَعَلَ يَأْخُذهُ بِيَدِهِ وَيَجْعَلُهُ فِي ثَوْبِهِ، فَقِيلَ لَهُ: يَا أَيُّوبُ أَمَا تَشْبَعُ؟ قَالَ: وَمَنْ يَشْبَعُ مِنْ فَضْلِكَ وَرَحْمَتِكَ؟)).
ثمَّ إنَّهُ خَرَجَ حَتَّى جَلَسَ عَلَى مَكَانٍ مُشْرِفٍ، ثُمَّ إِنَّ امْرَأَتَهُ قَالَتْ: هَبْ أَنَّهُ طَرَدَنِي أَفَأَتْرُكُهُ حَتَّى يَمُوتَ جُوعًا وَتَأْكُلَهُ السِّبَاعُ؟ لَأَرْجِعَنَّ إِلَيْهِ، فَلَمَّا رَجَعَتْ مَا رَأَتْ تِلْكَ الْكُنَاسَةَ وَلَا تِلْكَ الْحَالَ وَإِذَا بِالْأُمُورِ قَدْ تَغَيَّرَتْ، فَجَعَلَتْ تَطُوفُ حَيْثُ كَانَتِ الْكُنَاسَةُ وَتَبْكِي، وَذَلِكَ بِعَيْنِ أَيُّوبَ ـ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَهَابَتْ صَاحِبَ الْحُلَّةِ أَنْ تَأْتِيَهُ وَتَسْأَلَهُ عَنْهُ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا أَيُّوبُ ـ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَدَعَاهَا، وَقَالَ: مَا تُرِيدِينَ يَا أَمَةَ الله؟ فَبَكَتْ، وَقَالَتْ: أَرَدْتُ ذَلِكَ الْمُبْتَلَى الَّذِي كَانَ مُلْقًى عَلَى الْكُنَاسَةِ، فَقَالَ لَهَا: مَا كَانَ مِنْكِ، فَبَكَتْ، وقالتْ: بَعْلِي، فَقَالَ: أَتَعْرِفِينَهُ إِذَا رَأَيْتِيهِ؟. قَالَتْ: وَهَلْ يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ يَرَاهُ! فَتَبَسَّمَ، وَقَالَ: أَنَا هُوَ، فَعَرَفَتْهُ بِضَحِكِهِ، فَاعْتَنَقَتْهُ، ثُمَّ قال: إِنَّكَ أَمَرْتِيني أَنْ أَذْبَحَ سَخْلَةً لِإِبْلِيسَ، وَإِنِّي أَطَعْتُ اللهَ وَعَصَيْتُ الشَّيْطَانَ، وَدَعَوْتُ اللهَ ـ تَعَالَى، فَرَدَّ عَلَيَّ مَا تَرَيْنَ.
وقَالَ الضَّحَّاكُ وَمُقَاتِلٌ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: بَقِيَ فِي الْبَلَاءِ سَبْعَ سِنِينَ وَسَبْعَةَ أَشْهُرٍ وَسَبْعَةَ أَيَّامٍ وَسَبْعَ سَاعَاتٍ. وَأَخْرَجَ اسْحَقُ بْنُ بِشْرٍ، وَابْنُ عَسَاكِرَ مِنْ طَرِيق جُوَيْبِرٍ عَنِ الضَّحَّاكِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُما، أَن أَيُّوب ـ عَلَيْهِ السَّلامُ، عَاشَ بَعْدَ ذَلِكَ سَبْعِينَ سَنَةً بِأَرْضِ الرُّومِ عَلى دِينِ الحَنِيفِيَّةِ، وَعَلَيها مَاتَ وَتَغَيَرُوا بَعْدَ ذَلِكَ، وَغَيَّرُوا دِينَ إِبْرَاهِيمَ كَمَا غَيَّرَهُ مَنْ كَانَ قَبْلَهُمْ.
وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ عَنْ وَهْبٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُما، أَنَّهُ قَالَ: عَاشَ أَيُّوب ثَلَاثًا وَتِسْعِينَ سَنَةً، وَأَوْصَى عِنْدَ مَوْتِهِ إِلَى ابْنِهِ حَرْمَلَ، وَقَدْ بَعَثَ اللهُ بَعْدَهُ بِشْرَ بْنَ أَيُّوبَ نَبِيًّا وَسَمَّاهُ ذَا الكِفْلِ، وَكَانَ مُقِيمًا بِالشَّامِ عُمرَهُ حَتَّى مَاتَ ابْنَ خَمْسٍ وَسَبْعِينَ سَنَةً، وَأَنَّ بِشْرًا أَوْصَى إِلَى ابْنِهِ عَبْدَانَ، ثُمَّ بَعَثَ اللهُ بَعْدَهُمْ شُعَيْبًا ـ عليهِمُ السَّلامُ.
وَقَالَ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ رَضِيَ اللهُ عنْهُ: بَقِيَ فِي الْبَلَاءِ ثَلَاثَ سِنِينَ، فَلَمَّا غَلَبَ أَيُّوبُ إِبْلِيسَ ـ لَعَنَهُ اللهُ، ذَهَبَ إِبْلِيسُ إِلَى امْرَأَتِهِ عَلَى هَيْئَةٍ لَيْسَتْ كَهَيْئَةِ بَنِي آدَمَ فِي الْعِظَمِ وَالْجَمَالِ، عَلَى مَرْكَبٍ لَيْسَ كَمَرَاكِبَ النَّاسِ، وَقَالَ لَهَا: أَنْتِ صَاحِبَةُ أَيُّوبَ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ: فَهَلْ تَعْرِفِينِي؟ قَالَتْ: لَا. قَالَ: أَنَا إِلَهُ الْأَرْضِ، أَنَا صَنَعْتُ بِأَيُّوبَ مَا صَنَعْتُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ عَبَدَ إِلَهَ السَّمَاءِ وَتَرَكَنِي فَأَغْضَبَنِي، وَلَوْ سَجَدَ لِي سَجْدَةً وَاحِدَةً رَدَدْتُ عَلَيْكِ وَعَلَيْهِ جَمِيعَ مَا لَكُمَا مِنْ مَالٍ وَوَلَدٍ، فَإِنَّ ذَلِكَ عِنْدِي.
قَالَ وَهْبٌ: وَسَمِعْتُ أَنَّهُ قَالَ: لَوْ أَنَّ صَاحِبَكِ أَكَلَ طَعَامًا وَلَمْ يُسَمِّ اللهَ ـ تَعَالَى، لَعُوفِيَ مِمَّا هُوَ فِيهِ مِنَ الْبَلَاءِ.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الموسوعةُ القرآنيةُ (فيضُ العليم مِن معاني الذكْر الحكيم) سورةُ (الأنبياء) الآية: 83 (1)
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الموسوعةُ القرآنيةُ (فيضُ العليم مِن معاني الذكْر الحكيم) سورةُ (الأنبياء) الآية: 13
» الموسوعةُ القرآنيةُ (فيضُ العليم مِن معاني الذكْر الحكيم) سورةُ (الأنبياء) الآية: 29
» الموسوعةُ القرآنيةُ (فيضُ العليم مِن معاني الذكْر الحكيم) سورةُ (الأنبياء) الآية: 46
» الموسوعةُ القرآنيةُ (فيضُ العليم مِن معاني الذكْر الحكيم) سورةُ (الأنبياء) الآية: 61
» الموسوعةُ القرآنيةُ (فيضُ العليم مِن معاني الذكْر الحكيم) سورةُ (الأنبياء) الآية: 77

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
روضة الشاعر عبد القادر الأسود :: ...:: الروضة الروحانية ::... :: روضة الذكر الحكيم-
انتقل الى: