وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى
(134)
قولُهُ ـ تَعَالى شَأْنُهُ: {وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ} يَقولُ اللهُ تَعَالى في هَذِهِ الآيةِ الكَريمةِ لَوْ أَنَّهُ أَنْزَلَ عَذابًا عَلَى مُشْرِكِي قُرَيْشٍ مِنْ قَبْلِ إِرْسَالِهِ سيِّدِنا مُحَمَّدٍ ـ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ، إِلَيْهِمْ فأَهَلَكَهم بِه، لقَالُوا: "رَبَّنَا لَوْلاَ أَرْسَلْتَ إلَيْنَا رَسُولًا" الآيَةَ.
قوَلُهُ: {لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ} ونَظيرُها قولُهُ تَعَالى في الآيةِ: 156، مِنْ سُورَةِ الأَنَعَامِ: {وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ أَنْ تَقُولُوا إِنَّما أُنْزِلَ الْكِتابُ عَلى طائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِراسَتِهِمْ لَغافِلِينَ أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتابُ لَكُنَّا أَهْدى مِنْهُمْ فَقَدْ جاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ}. فَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ مِنْ قَبْلِهِ عَائِدٌ إِلَى الْقُرْآنِ الَّذِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ، أَوْ عَلَى الرَّسُولِ بِاعْتِبَارِ وَصْفِهِ بِأَنَّهُ بَيِّنَةٌ، أَوْ عَلَى إِتْيَانِ الْبَيِّنَةِ الْمَأْخُوذِ مِنْ قولِهِ تعالى في الآيةِ: 133، السابقةَ مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ المُباركةِ سورةِ "طَهَ": {أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ مَا فِي الصُّحُفِ الْأُولى}. وَرَوَى أَبُو سَعِيدٍ الخِدْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَليْهِ وَسَلَّمَ، قالَ: ((يَحْتَجُّ عَلَى الله تَعالى يَوْمَ القِيَامَةِ ثَلاَثَةٌ: الهَالِكُ فَي الفَتْرَةِ، والمَغْلُوبُ على عَقْلِهِ، والصَّبِيُّ الصَّغيرُ: فَيَقُولُ المَغْلُوبُ عَلى عَقْلِهِ: رَبِّ، لَمْ تَجْعَلْ لِيَ عَقْلًا، وَيَقَولُ الصَّبِيُّ نَحْوَهُ، ويَقُولُ الهَالِكُ فِي الفَتْرَةِ: رَبِّ لَمْ تُرْسِلْ إِلَيَّ رَسَولًا، وَلَوْ جَاءَنِي، لَكُنْتُ أَطْوَعَ خَلْقِكَ لَكَ، قَالَ: فَتَرْتَفِعُ لَهُمْ نَارٌ، وَيَقَالُ لَهُمُ: رُدُوهَا، فَيَرِدُهَا مَنْ كَانَ فِي عِلْمِ اللهِ أَنَّهُ سَعِيدٌ، وَيَكَعُ عَنْهَا الشَّقِيُّ، فَيَقُولُ اللهُ تَعَالى: إيَّايَ عَصَيْتُمْ، فَكَيْفَ بِرْسُلِي لَوْ أَتَتْكُمْ)). أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ في تَفَسْيرِهِ: (8/481، برقم: 24466). وابْنُ كَثيرٍ في تفْسيرِهِ: (5/52)، وابنُ الجَعْدِ فِي مُسْنَدِهِ: (1/300)، والبَزَّارُ في مُسْنَدِهِ كَمَا وَرَدَ في كَشْفِ الأَسْتَارِ: (3/34، برقم: 2176)، وابْنُ أَبي حاتِمٍ في تَفْسِيرِهِ: (9/2984)، واللَّالْكائي في شَرْحِ أٌصُولِ اعْتِقادِ أَهْلِ السُّنَّةِ: (4/603)، وَابْنُ عَبْدِ البَرِّ فِي التَمْهيدِ: (18/127).
والصَّحِيحُ في هَذَا البابِ: ((أَنَّ أَوْلَادَ المُشْرِكينَ في الجَنَّةِ، وَأَمَّا أَوَلاَدُ المُسْلِمِينَ فَفِي الجَنَّةِ مِنْ غَيْرِ شَكٍّ)). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. فقد أَسْنَدَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ البَرِّ فِي "التَّمْهِيدِ" مِنْ طَرِيقِ أَنَسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: ((سَأَلْتُ رَبِّيَ في اللاَّهينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ البَشَرِ أَلَّا يُعَذَّبَهُمْ فَأَعْطانِيهِمْ)). وَذَكَرَهُ المُلَّا عَلِي القَارِي في شَرْحِهِ لِصَحِيحِ البُخَارِيِّ: (15/70). وأَسْنَدَ أَيضًا، عَنْ أَنَسٍ رَضيَ اللهُ عنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ((أَوْلاَدُ المُشْرِكِينَ خَدَمُ أَهْلِ الجَنَّةِ)). قَالَ أَبْو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ البَرِّ، وَرَوَى شُعْبَةُ، وسَعِيدُ بْنُ أَبي عَرُوبَةَ العَدَوِيِّ، ومُحَدِّثُ البَصْرةِ أَبُو عَوَانَةَ الوَضَّاحُ بنُ عَبْدِ اللهِ الوَاسِطِيِّ، عَنْ قُدْوَةِ المُفَسِّرينَ والمُحدِّثينَ، قَتَادَةَ بْنِ دِعَامَةَ بْنِ قَتَادَةَ بِنِ عَزِيْزٍ السَّدُوْسِيِّ، عَنْ أَبي مُرَايَةَ الْعِجْلِيِّ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ سَلْمَان الفارسِيِّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ: قَالَ: أَطْفَالُ المُشْرِكِينَ خَدَمُ أَهْلِ الجَنَّةِ. وأَخْرَجَهُ مِنْ حديثِ أَنَسٍ ـ رضِيَ اللهُ تعالى عَنْهُ، مَرفوعًا إِلَى النَّبِيِّ ـ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ، الإِمامُ الطَّبَرَانِيُّ في الأَوْسَطِ: (5/294، بِرقم: 5355). كما أَخْرَجَهُ الإمامُ البَزَّارُ في مُسْندِهِ.
وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي مُعَاذٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ بْنِ العَوَّمِ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُما، عَنْ أُمِّ المُؤْمِنينَ السَّيِّدَةِ عَائِشَةَ الصدِّيِقَةِ ـ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهَا، قَالَتْ سَأَلَتِ السَّيِّدَةُ خَدِيجَةُ أُمُّ المُؤْمِنينَ ـ رَضِيَ اللهُ تَعَالى عَنْهَا النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنْ أَوْلَادِ الْمُشْرِكِينَ، فَقَالَ: ((هُمْ مَعَ آبَائِهِمْ)). ثُمَّ سَأَلَتْهُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَقَالَ: ((اللهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ)). ثُمَّ سَأَلَتْهُ بعد مَا اسْتَحْكَمَ الْإِسْلَامُ، فَنَزَلَ: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} الآية: 164، مِنْ سُورةِ الأَنْعامِ، قَالَ: ((هُمْ عَلَى الْفِطْرَةِ))، أَوْ قَالَ: ((فِي الْجَنَّةِ)).
وَأَخْرجَ أَحْمَدُ في مُسْنَدِهِ وَالْحَاكِمُ في مُسْتَدْرَكِهِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ ـ رَضِيَ اللهُ تَعَالى عنْهُ، رفَعَهُ، قالَ: ((أَوْلَاد الْمُؤمنِينَ فِي جَبَلٍ فِي الْجنَّة، يَكْفُلُهُمْ إِبْرَاهِيم ـ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَام، حَتَّى يَرُدَّهُمْ إِلَى آبَائِهِم يَوْم الْقِيَامَةِ)). المُسنَدُ: (2/326، برقم: 8307). ومُسْتَدْرَكُ الحاكِمِ: (1/541، برقم: 1418)، وَصَحَّحَهُ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخيْنِ، وافَقَهُ الإمامُ الذَّهَبِيُّ. وأَخرجَهَ البَيْهَقِيُّ في "البَعْثِ": (ص: 155، بِرقم: 211). وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا: ابْنُ أَبي شَيْبَةَ: (3/54، برقم: 12052). وللحَديثِ طَرَفٌ آخَرُ، قالَ: ((أَوْلادُ المُؤْمِنينَ في جَبَلٍ في الجَنَّةِ)). وأَصْلُهُ في صَحِيحِ البُخارِيِّ فِي حَديثِ المِعْرَاجِ.
وذكرِ الأئمَّةُ حَدِيثَ الرُّؤْيا الطَّويلَ، وفيهِ: ((وَأَمَّا الرَّجُلُ الطَّوِيلُ الَّذِي فِي الرَّوْضَةِ، فَإنَّهُ إبْرَاهِيمُ ـ عَلَيْهِ السَّلامُ، وأَمَّا الوِلْدَانُ حَوْلَهُ، فَكُلُّ مَوْلُودٍ يُولدُ عَلَى الفِطْرَةِ))، قَالَ: فقِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، وأَوْلاَدُ المُشْرِكِينَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهُ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((وأَوْلاَدُ المُشْرِكِينَ))، وفي رواية: ((والصِّبْيانُ حَوْلَهُ أَوْلاَدُ النَّاسِ)). ونَصُّ الحديثِ عِنْدِ الإِمامِ أَحْمَدٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنْهُ: عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ الْفَزَارِيِّ ـ رَضِيَ اللهُ تَعَالى عنْهُ: قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِمَّا يَقُولُ لِأَصْحَابِهِ: ((هَلْ رَأَى أَحَدٌ مِنْكُمْ رُؤْيَا))، قَالَ فَيَقُصُّ عَلَيْهِ مَنْ شَاءَ اللهُ أَنْ يَقُصَّ، قَالَ وَإِنَّهُ قَالَ لَنَا ذَاتَ غَدَاةٍ: ((إِنَّهُ أَتَانِي اللَّيْلَةَ آتِيَانِ، وَإِنَّهُمَا ابْتَعَثَانِي، وَإِنَّهُمَا قَالَا لِي: انْطَلِقْ، وَإِنِّي انْطَلَقْتُ مَعَهُمَا، وَإِنَّا أَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ مُضْطَجِعٍ، وَإِذَا آخَرُ قَائِمٌ عَلَيْهِ بِصَخْرَةٍ، وَإِذَا هُوَ يَهْوِي عَلَيْهِ بِالصَّخْرَةِ لِرَأْسِهِ، فَيَثْلَغُ بِهَا رَأْسَهُ، فَيَتَدَهْدَهُ الْحَجَرُ هَاهُنَا، فَيَتْبَعُ الْحَجَرَ يَأْخُذُهُ، فَمَا يَرْجِعُ إِلَيْهِ حَتَّى يَصِحَّ رَأْسُهُ كَمَا كَانَ، ثُمَّ يَعُودُ عَلَيْهِ فَيَفْعَلُ بِهِ مِثْلَ مَا فَعَلَ الْمَرَّةَ الْأُولَى. قَالَ: قُلْتُ: سُبْحَانَ اللهِ مَا هَذَانِ؟. قَالَ: قَالَا لِي: انْطَلِقْ انْطَلِقْ، فَانْطَلَقْتُ مَعَهُمَا، فَأَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ مُسْتَلْقٍ لِقَفَاهُ، وَإِذَا آخَرُ قَائِمٌ عَلَيْهِ بِكَلُّوبٍ مِنْ حَدِيدٍ، وَإِذَا هُوَ يَأْتِي أَحَدَ شِقَّيْ وَجْهِهِ، فَيُشَرْشِرُ شِدْقَهُ إِلَى قَفَاهُ، وَمَنْخِرَاهُ إِلَى قَفَاهُ، وَعَيْنَاهُ إِلَى قَفَاهُ. قَالَ: ثُمَّ يَتَحَوَّلُ إِلَى الْجَانِبِ الْآخَرِ فَيَفْعَلُ بِهِ مِثْلَ مَا فَعَلَ بِالْجَانِبِ الْأَوَّلِ، فَمَا يَفْرُغُ مِنْ ذَلِكَ الْجَانِبِ حَتَّى يَصِحَّ الْأَوَّلُ كَمَا كَانَ، ثُمَّ يَعُودُ فَيَفْعَلُ بِهِ مِثْلَ مَا فَعَلَ بِهِ الْمَرَّةَ الْأُولَى، قَالَ: قُلْتُ: سُبْحَانَ اللهِ مَا هَذَانِ؟. قَالَ: قَالَا لِي: انْطَلِقْ انْطَلِقْ. قَالَ: فَانْطَلَقْنَا، فَأَتَيْنَا عَلَى مِثْلِ بِنَاءِ التَّنُّورِ، قَالَ عَوْفٌ: وَأَحْسَبُ أَنَّهُ قَالَ: وَإِذَا فِيهِ لَغَطٌ وَأَصْوَاتٌ، قَالَ: فَاطَّلَعْتُ فَإِذَا فِيهِ رِجَالٌ وَنِسَاءٌ عُرَاةٌ، وَإِذَا هُمْ يَأْتِيهِمْ لَهِيبٌ مِنْ أَسْفَلَ مِنْهُمْ، فَإِذَا أَتَاهُمْ ذَلِكَ اللَّهَبُ ضَوْضَوْا، قَالَ: قُلْتُ مَا هَؤُلَاءِ؟: قَالَ: قَالَا لِي: انْطَلِقْ انْطَلِقْ. قَالَ: فَانْطَلَقْنَا، فَأَتَيْنَا عَلَى نَهَرٍ، حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ أَحْمَرَ مِثْلِ الدَّمِ، وَإِذَا فِي النَّهَرِ رَجُلٌ يَسْبَحُ، ثُمَّ يَأْتِي ذَلِكَ الرَّجُلُ الَّذِي قَدْ جَمَعَ الْحِجَارَةَ، فَيَفْغَرُ لَهُ فَاهُ، فَيُلْقِمُهُ حَجَرًا حَجَرًا. قَالَ: فَيَنْطَلِقُ فَيَسْبَحُ مَا يَسْبَحُ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِ، كُلَّمَا رَجَعَ إِلَيْهِ فَغَرَ لَهُ فَاهُ، وَأَلْقَمَهُ حَجَرًا، قَالَ: قُلْتُ مَا هَذَا؟: قَالَ: قَالَا لِي: انْطَلِقْ انْطَلِقْ. فَانْطَلَقْنَا: فَأَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ كَرِيهِ الْمَرْآةِ، كَأَكْرَهِ مَا أَنْتَ رَاءٍ رَجُلًا مَرْآةً، فَإِذَا هُوَ عِنْدَ نَارٍ لَهُ يَحُشُّهَا، وَيَسْعَى حَوْلَهَا، قَالَ: قُلْتُ لَهُمَا: مَا هَذَا؟. قَالَ: قَالَا لِي: انْطَلِقْ انْطَلِقْ، قَالَ: فَانْطَلَقْنَا، فَأَتَيْنَا عَلَى رَوْضَةٍ مُعْشِبَةٍ، فِيهَا مِنْ كُلِّ نَوْرِ الرَّبِيعِ، قَالَ: وَإِذَا بَيْنَ ظَهْرَانَيِ الرَّوْضَةِ رَجُلٌ قَائِمٌ طَوِيلٌ، لَا أَكَادُ أَنْ أَرَى رَأْسَهُ طُولًا فِي السَّمَاءِ، وَإِذَا حَوْلَ الرَّجُلِ مِنْ أَكْثَرِ وِلْدَانٍ رَأَيْتُهُمْ قَطُّ، وَأَحْسَنِهِ، قَالَ: قُلْتُ لَهُمَا: مَا هَذَا، وَمَا هَؤُلَاءِ؟. قَالَ: قَالَا لِي: انْطَلِقْ انْطَلِقْ. قَالَ: فَانْطَلَقْنَا، فَانْتَهَيْنَا إِلَى دَوْحَةٍ عَظِيمَةٍ لَمْ أَرَ دَوْحَةً قَطُّ أَعْظَمَ مِنْهَا وَلَا أَحْسَنَ، قَالَ: فَقَالَا لِي: ارْقَ فِيهَا، فَارْتَقَيْنَا فِيهَا، فَانْتَهَيْتُ إِلَى مَدِينَةٍ مَبْنِيَّةٍ بِلَبِنٍ ذَهَبٍ وَلَبِنٍ فِضَّةٍ، فَأَتَيْنَا بَابَ الْمَدِينَةِ، فَاسْتَفْتَحْنَا، فَفُتِحَ لَنَا، فَدَخَلْنَا، فَلَقِينَا فِيهَا رِجَالًا شَطْرٌ مِنْ خَلْقِهِمْ كَأَحْسَنِ مَا أَنْتَ رَاءٍ، وَشَطْرٌ كَأَقْبَحِ مَا أَنْتَ رَاءٍ، قَالَ: فَقَالَا لَهُمْ: اذْهَبُوا فَقَعُوا فِي ذَلِكَ النَّهَرِ، فَإِذَا نَهَرٌ صَغِيرٌ مُعْتَرِضٌ، يَجْرِي كَأَنَّمَا هُوَ الْمَحْضُ فِي الْبَيَاضِ، قَالَ: فَذَهَبُوا، فَوَقَعُوا فِيهِ، ثُمَّ رَجَعُوا إِلَيْنَا وَقَدْ ذَهَبَ ذَلِكَ السُّوءُ عَنْهُمْ، وَصَارُوا فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ، قَالَ: فَقَالَا لِي: هَذِهِ جَنَّةُ عَدْنٍ، وَهَذَاكَ مَنْزِلُكَ. قَالَ: فَبَيْنَمَا بَصَرِي صُعُدًا فَإِذَا قَصْرٌ مِثْلُ الرَّبَابَةِ الْبَيْضَاءِ، قَالَا لِي: هَذَاكَ مَنْزِلُكَ. قَالَ: قُلْتُ لَهُمَا بَارَكَ اللهُ فِيكُمَا، ذَرَانِي فَلَأَدْخُلُهُ. قَالَ: قَالَا لِي: الْآنَ فَلَا، وَأَنْتَ دَاخِلُهُ. قَالَ: فَإِنِّي رَأَيْتُ مُنْذُ اللَّيْلَةِ عَجَبًا، فَمَا هَذَا الَّذِي رَأَيْتُ؟. قَالَ: قَالَا لِي: أَمَا إِنَّا سَنُخْبِرُكَ، أَمَّا الرَّجُلُ الْأَوَّلُ الَّذِي أَتَيْتَ عَلَيْهِ يُثْلَغُ رَأْسُهُ بِالْحَجَرِ، فَإِنَّهُ رَجُلٌ يَأْخُذُ الْقُرْآنَ فَيَرْفُضُهُ، وَيَنَامُ عَنْ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَةِ. وَأَمَّا الرَّجُلُ الَّذِي أَتَيْتَ عَلَيْهِ يُشَرْشَرُ شِدْقُهُ إِلَى قَفَاهُ، وَعَيْنَاهُ إِلَى قَفَاهُ، وَمَنْخِرَاهُ إِلَى قَفَاهُ، فَإِنَّهُ الرَّجُلُ يَغْدُو مِنْ بَيْتِهِ، فَيَكْذِبُ الْكَذِبَةَ تَبْلُغُ الْآفَاقَ. وَأَمَّا الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ الْعُرَاةُ الَّذِينَ فِي بِنَاءٍ مِثْلِ بِنَاءِ التَّنُّورِ، فَإِنَّهُمْ الزُّنَاةُ وَالزَّوَانِي. وَأَمَّا الرَّجُلُ الَّذِي يَسْبَحُ فِي النَّهَرِ وَيُلْقَمُ الْحِجَارَةَ، فَإِنَّهُ آكِلُ الرِّبَا. وَأَمَّا الرَّجُلُ الْكَرِيهُ الْمَرْآةِ الَّذِي عِنْدَ النَّارِ يَحُشُّهَا، فَإِنَّهُ مَالِكٌ خَازِنُ جَهَنَّمَ. وَأَمَّا الرَّجُلُ الطَّوِيلُ الَّذِي رَأَيْتَ فِي الرَّوْضَةِ، فَإِنَّهُ إِبْرَاهِيمُ ـ عَلَيْهِ السَّلَامُ. وَأَمَّا الْوِلْدَانُ الَّذِينَ حَوْلَهُ، فَكُلُّ مَوْلُودٍ مَاتَ عَلَى الْفِطْرَةِ. قَالَ: فَقَالَ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَأَوْلَادُ الْمُشْرِكِينَ؟. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَأَوْلَادُ الْمُشْرِكِينَ. وَأَمَّا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَانَ شَطْرٌ مِنْهُمْ حَسَنًا وَشَطْرٌ قَبِيحًا، فَإِنَّهُمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا، فَتَجَاوَزَ اللهُ عَنْهُمْ)). مُسْنَدُ الإمام أَحْمَدٍ: (5/84، برقم: 20354). وصحيحُ الإمامِ البُخَاريِّ: (5/65، برقم: 1143). وَسُنَنُ الإمامِ التِّرْمِذِيِّ: برقم: (2294). وَ "السُننُ الكُبْرَى" للنَّسائيِّ: برقم: (7611). وصحيحُ ابْنِ خُزَيْمَةَ: برقم: (942).
وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ الكريمةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْإِيمَانَ بِوَحْدَانِيَّةِ خَالِقِ الْخَلْقِ يَقْتَضِيهِ الْعَقْلُ لَوْلَا حَجْبُ الزَّيغِ الضَّلَالَاتِ وَالْهَوَى لِهَذا العَقْلِ عَنْ إدْراكَ الحَقِيقَةِ الواضِحَةِ الجَلِيَّةِ التي هيَ وُجُودُهُ ـ سُبْحانَهُ وتَعَالَى، ووَحْدَانِيَّتُهُ، وتَصَرُّفُهُ في هَذَا الكونِ إِيجادًا وإِمْدادًا، وَأَنَّ مَجِيءَ الرُّسُلِ ـ عليْهِمُ السَّلامُ، إِنَّما هُوَ لِإِيقَاظِ الْعُقُولِ وَالْفِطَرِ وتَنْبِيهِها إِلى هَذِهِ الحَقيقَةِ، ودَلالتِها إِلَيْها، وَأَنَّ اللهَ ـ عَزَّ وجَلَّ، لَا يُؤَاخِذُ أَهْلَ الْفَتْرَةِ عَلَى الْإِشْرَاكِ حَتَّى يَبْعَثَ إِلَيْهِمْ رَسُولًا يقومُ بهَذِهِ المُهِمَّةِ، وَأَنَّ قُرَيْشًا كَانُوا أَهْلَ فَتْرَةٍ قَبْلَ بَعْثَةِ خاتمِ المُرسَلينَ سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ ـ أَفْضَلُ الصَّلَواتِ وأَتَمُّ التَسْليمِ، وَعَلَى أهلِ بيتِهِ وأَصْحابِه أْمَعينَ.
قولُهُ: {مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى} الذُّلُّ: هُوَ الْهَوَانُ، وَيَكونَ في الآخِرةِ بالعَذابِ. وَالْخِزْيُ: الِافْتِضَاحُ، وَيكونُ فِي حَشْرِهِمْ مَعَ أَمثالهِمْ مِنَ الكَفَرَةِ والمُشْركينَ والمُنَافقينَ، والعُصاةِ والْجُنَاةِ والفاسقينَ، ولِذَلِكَ طَلَبَ سيِّدُنا إبراهيم ـ عَلَيْهِ السَّلَامُ، مِنْ ربِّهِ أَلَّا يُعَرِّضَهُ لهَذا المَوْقِفِ فَقَالَ مِنْ سُورَةِ الشُّعَرَاءِ: {وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ} الآيةَ: 87. والذُّلُ وَالْخِزْيُ مُقْتَرِنَانِ بِعَذابِ الآخِرَةِ.
قولُهُ تَعَالى: {وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ} الواوُ: اسْتِئْنَافِيَّةٌ، و "لَوْ" شَرْطِيَّةٌ غيْرُ جازمةٍ. و "أَنَّا" أَنَّ: حَرْفٌ ناصِبٌ، ناسِخٌ مُشَبَّهٌ بالفِعْلِ، وَ "نَا" المُعَظِّمِ نَفْسَهَ ـ سُبحانَهُ، ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكونِ في مَحَلِّ النَّصْبِ اسْمُهُ. و "أَهْلَكْنَاهُمْ" فِعْلٌ ماضٍ مَبْنيٌّ عَلى السُّكونِ لاتِّصالِهِ بضميرِ رفعٍ مُتَحَرِّكٌ هوَ "نا" المُعظِّمِ نفسَهَ ـ سُبْحانَهَ، و "نا" التعظيمِ هَذِهِ ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ مبنيٌّ على السُّكونِ في محلِّ الرَّفعِ بالفاعِلِيَّةِ، والهاءُ: ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في محلِّ النَّصْبِ عَلَى المَفْعُولِيَّةِ، والميمُ علامةُ الجَمْعِ المُذكَّرِ. و "بِعَذَابٍ" الباءُ حرفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِـ "أَهْلَكْنَا" و "عَذَابٍ" مجرورٌ بحرف الجَرِّ. و "مِنْ" حرفُ جَرٍّ متعلِّقٌ بِصِفَةٍ لِـ "عَذَابِ" أَوْ بِـ "أَهْلَكْنَا" و "قَبْلِهِ" مَجْرُورٌ بحرفِ الجَرِّ مُضافٌ، والهَاءُ: ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في محلِّ الجَرِّ بالإضافةِ إِليْهِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَعُودَ هذا الضَّميرُ للرَّسُولِ ـ صلَّى اللهُ عليْهِ وسَلَّمَ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالى: "لولا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا". وَجَوَّزَ الزَّمَخْشَرِيُّ وَغَيْرُهُ أَنْ تَعُودَ عَلَى "بَيِّنَةٍ" باعْتِبارِ أَنَّها فِي مَعْنَى البُرْهانِ والدَّليلِ. وَالجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ هَذِهِ فِي مَحَلِّ الرَّفْعِ خَبَرُ "أَنَّ"، وَجُمْلَةُ "أَنَّ" فِي تَأْويلِ مَصْدَرٍ مَرْفوعٍ بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ هُوَ فِعْلُ شَرْطٍ لِـ "لَوْ" والتَّقْديرُ: وَلَوْ ثَبَتَ إِهْلاكُنا إِيَّاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ
قولُهُ: {لَقَالُوا} لَقَالُوا: اللَّامُ: رَابِطَةٌ لِجَوَابِ "لَوْ" الشَّرْطِيَّةِ. و "قَالُوا" فِعْلٌ ماضٍ مَبْنِيٌّ عَلَى الضَّمِّ لاتِّصالِهِ بواوِ الجَماعةِ، وواوُ الجَمَاعَةِ ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ مَبْنِيٌّ على السُّكونِ في مَحَلِّ الرَّفعِ بالفاعِلِيَّةِ، والأَلِفُ فارقةٌ. والجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ هذهِ جَوَابُ "لو" لَا مَحَلَّ لَهَا مِنَ الإِعْرابِ، وَجُمْلَةُ "لَوْ" الشَّرْطِيَّةِ مُسْتَأْنَفَةٌ لا مَحَلَّ لَهَا مِنَ الإِعْرَابِ.
قوْلُهُ: {رَبَّنَا} رَبَّ: مَنْصُوبٌ عَلَى النِّداءِ مُضافٌ، وَ "نَا" ضَمِيرُ جَمَاعَةِ المُتَكَلِّمينَ مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكونِ في محلِّ الجَرِّ بالإضافةِ إليْهِ، وجُمْلَةُ النِّداءِ هذهِ في محلِّ النَّصْبِ مَقُولُ القَوْلِ لِـ "قَالُوا".
قَولُهُ: {لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا} لَوْلَا: حَرْفُ تَحْضِيضٍ بِمَعْنَى "هَلَّا" مُسْتَعْمَلٌ فِي اللَّوْمِ أَوِ الِاحْتِجَاجِ لِأَنَّهُ قَدْ فَاتَ وَقْتُ الْإِرْسَالِ، فَالتَّقْدِيرُ: هَلَّا كُنْتَ أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُول. وَ "أَرْسَلْتَ" فِعْلٌ ماضٍ مَبْنيٌّ عَلى السُّكونِ لاتِّصالِهِ بضميرِ رفعٍ مُتَحَرِّكٌ هوَ "ت" الفاعِلِ، وتاءُ الفاعِلِ ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في محلِّ الرَّفْعِ بالفاعِلِيَّةِ. و "إِلَيْنَا" إِلَى: حَرْفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِـ "أَرْسَلْتَ"، و "نا" ضميرُ جَمَاعَةِ المُتَكَلِّمِينَ مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكونِ في محلِّ الجَرِّ بحرفِ الجَرِّ. و "رَسُولًا" مَفْعُولُهُ منصوبٌ بِهِ، والجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ هَذِهِ جَوابُ النِّداءِ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ مَقُولُ القوْلِ لـ "قَالُوا".
قولُهُ: {فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ} الفاءُ: عاطفةٌ سَبَبِيَّةٌ، و "نَتَّبِعَ" فِعْلٌ مُضَارِعٌ مَنْصُوبٌ بـ "أَنْ" مُضْمَرَةٍ وُجوبًا بَعْدَ فاءِ السَّبَبِيَّةِ الواقِعَةِ فِي جَوَابِ التَّحْضيضِ، وَفَاعِلُهُ ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ فِيهِ وُجُوبًا والتقديرُ: "نَحْنُ" يَعُودُ عَلى الكَفَرَةِ. و "آيَاتِكَ" مَنصوبٌ على المَفْعُولِيَّةِ بِهِ، وعلامةُ النَّصْبِ الكسْرةُ نيابةً عَنِ الفتحةِ لأنَّهُ جمعُ المُؤنَّسِ السَّالمُ، وهوَ مُضافٌ، وكافُ الخِطابِ ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في محلِّ الجَرِّ بالإضافةِ إِلَيْهِ. وَ "مِنْ" حرفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِـ "نَتَّبِعَ" والجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ هَذِهِ صِلَةُ "أَنْ" المُضْمَرَةِ لا مَحَلَّ لها مِنَ الإعرابِ، وَ "أَنْ" مَعَ صِلَتِها في تَأْويلِ مَصْدَرٍ مَعْطُوفٍ عَلَى مَصْدَرٍ مُتَصَيَّدٍ مِنَ الجُمْلَةِ الَّتي قَبْلَهَا مِنْ غَيْرِ سَابِكٍ لِإِصْلاحِ المَعْنَى، والتقديرُ: هَلَّا إِرْسَالُكَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَاتِّباعُنَا آيَاتِكَ.
قوْلُهُ: { أَنْ نَذِلَّ} أَنْ: حَرْفُ نَصْبٍ وَمَصْدَرٍ. و "نَذِلَّ" فِعْلٌ مُضَارِعٌ مَنْصُوبٌ بـ "أَنْ" المَصْدَرِيَّةِ هَذِهِ، وَفاعِلُهُ ضميرٌ مُسْتتِرٌ فيهِ وُجوبًا تَقْديرُهُ: "نَحْنُ" يَعُودُ عَلَى المُتَكَلِّمِينَ مِنْ قُرَيْشٍ المُحْتَجِّينَ عَلَى تعْذِيبِ اللهِ تَعَالَى لَهُمْ. وَالْجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ هَذِهِ فِي تَأْويلِ مَصْدَرٍ مَجْرُورٍ بإضَافَةِ الظَّرفِ إِلَيْهِ، والتَّقْديرُ: مِنْ قَبْلِ ذُلِّنَا.
قولُهُ: {وَنَخزَى} الواوُ: للْعَطْفِ. و "نَخْزَى" فِعْلٌ مُضَارِعٌ مَنْصوبٌ بِـ "أَنْ" المَصْدَرِيَّةِ عَطْفًا على "نَذِلَّ"، وعَلامَةُ نَصْبِهِ فَتْحَةٌ مُقدَّرةٌ عَلى آخِرِهِ لِتَعَذُّرِ ظُهُورِهَا عَلَى الأَلِفِ. وَفاعِلُهُ ضَمِيرٌ مُسْتتِرٌ فِيهِ وُجُوبًا تَقْديرُهُ: "نَحْنُ" يَعُودُ عَلى المُتَكَلِّمِينَ المُحْتَجِّينَ. وَالْجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ هذِهِ فِي تَأْويلِ مَصْدَرٍ مَجْرُورٍ بإضَافَةِ الظَّرفِ إِلَيْهِ، والتَّقْديرُ: مِنْ قَبْلِ خَزِينْا.
قَرَأَ الجمهورُ: {نَذِلَّ ونَخْزى} مبنيًّا للفاعِلِ، وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَابْنُ الحَنَفِيَّةِ، والحَسَنُ البصْرِيُّ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُم جميعًا، وَجَمَاعَةٌ كَثِيرَةٌ مِنَ القُرَّاءِ: "نُذَلَّ وَنُخْزَى". بالبِنَاءِ للمَفْعُولِ.