وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي (26)
قوْلُهُ ـ تَعَالَى شَأْنُهُ: {وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي} أَيْ: سَهِّلْ عَلَيَّ أَمْرِي، حَتَّى لَا يَصْعُبَ عَلَيَّ شَيْءٌ أَقْصُدُ إِلَيْهِ. فقد سَأَلَ اللهَ تَعَالَى أَنْ يُيَسِّرَ أَمْرَهُ، وَأَنْ يَضْمَنَ لَهُ نَجَاحَ مَهَمَّتِهِ، وَإِذَا لَمْ يُيَسِّرِ اللهُ الأَمْرَ لِعَبْدِهِ فَإِنَّ العَبْدَ بِقُواهُ المَحْدُودَةِ لَا يَمْلِكُ ضَمَانَ النَّجَاحِ.
لَقَدْ عَلِمَ سَيِّدُنا موسَى ـ عَلَيْهِ السَّلامُ، مِنَ الأَمْرِ بِالذَّهَابِ إِلى فِرعونَ وما جاءَ بعدَ ذلكَ الأَمْرِ مِنَ التَعْليلِ في قَوْلِهِ: {إِنَّهِ طَغَى} أَنَّهُ قدْ كُلِّفَ القِيامَ بِمهَمَّةٍ عَظِيمَةٍ، وأَنَّ خَطْبًا جَسِيمًا يَنْتَظِرُهُ لَا يَحْتَمِلُهُ إِلَّا قَوِيُّ العَزْمِ، عَظيمُ الصَّبْرِ، رَابِطُ الجَأْشِ، واسِعُ الصَّدْرِ، فَطَلَبَ مِنْ رَبِّهِ أَنْ يَشْرَحَ صَدْرَهُ ويُيَسِّرَ أَمْرَهُ، ويَرزُقَهُ الحِلْمَ والأَنَاةَ وطولَ الصَّبرِ، لِيَسْتَطِيعَ تَحَمُّلَ ما هُوَ مقبِلٌ عَلَيْهِ في مَسيرَةِ تَبْلِيغِ ما كَلَّفَهُ بِهِ منْ رِسَالَةٍ يُبَلِّغُهَا إِلَى جَبَّارِ زَمَانِهِ، وطاغيَةِ عَصْرِهِ، الذي ادَّعَى الأُلُوهًةَ والرُّبُوبِيَّةِ، وَفِي طَلَبِهِ هَذا إِظْهَارٌ لعظيمِ افْتِقَارِهِ إِلَى عونِ مولاهُ ـ عَزَّ وَجَلَّ، وَرَحِمَ اللهُ سلْطانَ العاشِقينَ عُمَرَ بْنِ الفارِضِ إِذْ قالَ:
وَيَحْسُنُ إِظْهَارُ التَّجَلُّدِ للعِدَا ............. وَيَقْبُحُ إِلَّا العَجْزُ عِنْدَ الأَحِبَّةِ
والإِتْيانُ بِالجارِّ والمَجْرورِ: "لِي" لِتَأْكِيدِ الطَّلَبِ، لأَنَّ الكلامَ مُنْتَظمٌ تامٌّ بِدونِها، فَلَوْ أَنَّهُ قَالَ: رَبِّ اشِرَحْ صَدْرِي ويسِّرْ أَمْرِي، وَ .. . إلخ. لَتَمَّ المَعْنَى وَاتَّسَقَ النَّظْمُ، واللهُ أَعْلَمُ.
قوْلُهُ تَعَالَى: {وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي} الوَاوُ: للعَطْفِ، و "يَسِّرْ" فِعْلُ دُعَاءٍ مَجزومٌ بالطَّلَبِ عَطْفًا عَلَى {اشْرَحْ} مِنَ الآيَةِ التي قبلَها، وفاعِلُهُ ضميرٌ مُسْتترٌ فيهِ وُجوبًا تقديرُهُ (أنتَ) يَعُودُ عَلَى اللهِ تَعَالَى. و "لِي" اللامُ: حرفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِـ "يَسِّرْ"، وياءُ المُتَكَلِّمِ ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في محلِّ الجرِّ بحرفِ الجَرِّ. وَقد يَتَعَدَّى هَذا الفعلُ إلى المَفْعُولِ بِنَفْسِهِ فَيُقَالُ أَيْضًا: يَسَّرْتُهُ لِكَذَا، كَما في قولِهِ تَعَالَى مِنْ سورةِ اللَّيْلِ: {فَسَنُيَسِّرُهُ لليُسْرَى} الآيةَ: 7. وَ "أَمْرِي" مَفُعولُهُ منصوبٌ بِهِ، وهو مُضافٌ، وياءُ المُتكلِّمِ ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في محلِّ الجرِّ بالإضافةِ إِلَيْهِ، والجُملةُ الفِعْلِيَّةُ هَذِهِ مَعْطوفَةٌ على جملةِ {اشْرَحْ} عَلى كونِها في مَحَلِّ النَّصْبِ بِـ "قَالَ"، أَوْ اسْتِئْنافٌ بَيَانِيٌّ لا محلَّ لها مِنَ الإِعْرابِ.
المزاج
الجمعة مايو 01, 2020 1:01 pm