فيض العليم ... سورة الحجر، الآية: 67

الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الحجر، الآية: 67


وَجاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ (67)


قوْلُهُ ـ تَعَالَى شَأْنُهُ: {وَجاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ} الْمُرَادَ بِأَهْلِ الْمَدِينَةِ قَوْمُ لُوطٍ ـ عليهِ السَّلامُ، وهم أَصْحابُ مَدينَةِ سَذُوم، وَلَيْسَ فِي الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى الْمَكَانِ الَّذِي جَاءُوهُ فيهِ، إِلَّا أَنَّ الْقِصَّةَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ جَاؤوا دَارَ لُوطٍ. قِيلَ: إِنَّ الصُّورَةَ التي جاءَ فيها الْمَلَائِكَةُ كَانتْ فِي غَايَةِ الْحُسْنِ والجمالِ، فاشْتُهِرَ خَبَرُهُمْ حَتَّى وَصَلَ إِلَى قَوْمِ لُوطٍ. وَقِيلَ: أَخْبَرَتْهُمْ بِذَلِكَ امْرَأَةُ لُوطٍ، فقَالَ الْقَوْمُ: نَزَلَ بِلُوطٍ ثلاثةٌ مِنَ المُرْدِ مَا رَأَيْنَا قَطُّ أَصْبَحَ وَجْهًا، وَلَا أَحْسَنَ شَكْلًا مِنْهُمْ، لِمَا رَأَوْا بِهمْ مِنْ جَمَالِ الهَيْئَةِ و حُسْنِ المَنْظَرِ، وَرِفْعَةِ اللِّباسِ. فَأَظْهَرَ القومُ البِشْرَ والفَرِحِ والسُّرُورِ، ورَاحَ بَعْضُهم يُبَشَّرُ بَعْضَهُمُ الآخَرَ، وذَهَبُوا إِلَى دَارِ لُوطٍ طَالِبينَ مِنْهُ أَنْ يعطيَّهم هؤلاءِ الشُبَّانَ المُرْدَ. وأَخْرَجَ ابْنُ جَريرٍ، وابْنُ أَبي حاتِمٍ، عَنْ قَتَادَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: "وَجَاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ" قَالَ: اسْتَبْشَرُوا بِأَضْيافِ نَبِيِّ اللهِ لُوطٍ، حِينَ نَزَلُوا بِهِ لِمَّا أَرَادُوا أَنَّ يَأْتُوا إِلَيْهِمْ مِنَ المُنْكَرِ.
وَقَدْ كانَ مجيءُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ إِلَيْهِ وَمُحَاوَرَتُهُم مَعَهُ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُمْ مَلَائِكَةٌ، فَالْوَاوُ لَا تُفِيدُ تَرْتِيبَ مَعْطُوفِهَا، وَلَوْ أَنَّهُ عَلِمَ ذَلِكَ مِنْ قبلِ مجيءِ قومِهِ لَمَا أَشْفَقَ مِمَّا عَزَموا عَلَيْهِ، لَمَّا عَلِمَ بِمُرادِهم وما عَزَمُوا عَلَيْهِ، فَقَدْ جَاءَ فِي سُورَةِ هُودٍ ـ عَلَيْهِ السَّلامُ، قولُهُ تعالى: {قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ} الآيةَ: 81. وهذا يؤكِّدُ أَنَّهُ ما كانَ يعرفُ حقيقةَ ضيوفِهِ عندما جاءَ أهلُ المدينةِ يُجَادِلُونَهُ فيهم.
قولُهُ تَعَالَى: {وَجاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ} الواو: استِئنافيَّةٌ، و "جاءَ" فِعْلٌ ماضٍ مَبْنِيٌّ على الفَتْحِ، و "أهلُ" فاعِلُهُ مَرْفوعٌ بِهِ، وهوَ مُضافٌ، و "المَدينَةِ" مَجرورٌ بالإضافةِ إِلَيْهِ. وَالجُمْلَةُ هذِهِ مُسْتَأْنَفَةٌ لا مَحَلَّ لها مِنَ الإعرابِ، و "يَسْتَبْشِرُونَ" فِعْلٌ مُضارعٌ مَرْفوعٌ لِتَجرُّدِه مِنَ الناصِبِ والجازَمِ، وعَلامَةُ رَفْعِهِ ثَبَاتُ النُّونِ في آخِرِهِ، لأَنَّهُ مِنَ الأَفْعَالِ الخَمْسَةِ، وواوُ الجَمَاعةِ ضميرٌ متَّصِلٌ بهِ، مبنيٌّ على السُّكونِ في محلِّ الرَّفْعِ بالفَاعِلِيَّةِ، وهَذِهِ الجُمْلةُ الفعليَّةُ فِي مَحَلِّ النَّصْبَ عَلى الحَالِ مِنْ: "أَهْلُ الْمَدِينَةِ".