فيض العليم ... سورة الحجر، الآية: 62

الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الحجر، الآية: 62


قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (62)


قولُهُ ـ تَعَالَى شَأْنُهُ: {قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ} بَيَّنَ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ أَنْ لُوطًا ـ عَلَيْهِ وَعَلَى نَبِيِّنَا أَفضَلُ الصَّلَاةِ وَأَتَمُّ السَّلَامُ، لَمَّا جَاءَهُ الْمَلَائِكَةُ الْمُرْسَلُونَ لِإِهْلَاكِ قَوْمِهِ قَالَ لَهُمْ: "إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ" أَيْ: غَيْرُ مَعْروفِين؛ لأَنَّهُمْ أَتَوْهُ عَلى صُورَةِ فِتْيَةٍ مُرْدٍ حِسانٍ صِباحِ الوُجُوهِ، فَلَمْ يِعْرِفْهُمْ، فقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ أَبي حَاتِمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُ، فِي قَوْلِهِ: "إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ" قَالَ: أَنْكَرَهُمْ لُوطٌ. وَقد صَرَّحَ فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ أَنَّهُ حَصَلَتْ لَهُ مَسَاءَةٌ بِمَجِيئِهِمْ، وَأَنَّهُ ضَاقَ بهم ذَرْعًا، فَقَالَ فِي سورةِ هُودٍ: {وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ} الآية: 77، وَقَال فِي سورةِ الْعَنْكَبُوتِ: {وَلَمَّا أَنْ جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا} الآية: 33، ومُنْكَرُونَ: غَيْرُ مَعْرُوفِينَ، وَالنَّكِرَةُ ضِدُّ الْمَعْرِفَةِ، قالَ الأَعْشَى:
وأَنْكَرَتْني وَمَا كانَ الذي نَكِرَتْ ...... مِنَ الحَوادِثِ إِلَّا الشَّيْبَ وَالصَلَعَا
قالَ أَبُو عَمْرٍو: أَنَا الذي زِدْتُ هَذَا البَيْتَ في شِعْرِ الأَعْشَى إِلى آخِرِهِ فَذَهَبَ، فَأَتُوبُ إِلى اللهِ مِنْهُ.
والنَّكِرَةُ: نَقِيضُ المَعْرِفَةِ، ويُقالُ: أَنْكَرْتُ الشَّيْءَ، ونَكِرْتُهُ إِنْكارًا بِمَعْنًى، وَلا يُسْتَعْمَلُ في غابِرٍ، ولا أَمْرٍ ولا نَهْيٍ ولا مَصْدَرٍ. وإِنَّما أَتَوْهُ فِي صُورَةِ الأَضْيافِ؛ ليُرُوهُ مُعْجِزًا مِنْ مَقْدورِ اللهِ في صُورَتِهم. ومُنْكَرُونَ أَيْ تُنْكِرُكُمْ نَفْسِي وَتَفِرُّ مِنْكُمْ، فَأَخَافُ أَنْ تَطْرُقُونِي بِشَرٍّ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالى بعدَها عَلَى لِسَانِهم: {بَلْ جِئْنَاكَ بِمَا كَانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ وَأَتَيْنَاكَ بِالْحَقِّ} الْآيَتان: (63 ـ 64).
قولُهُ تعالى: {قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ} قَالَ: فِعْلٌ مَاضٍ مبنيٌّ على الفتحِ، وَفاعِلُهُ ضَمِيرٌ مُسْتتِرٌ فيهِ جوازًا تقديرُهُ (هو) يَعُودُ عَلى "لُوطٍ" عليهِ السَّلامُ، وَالجُمْلَةُ جَوابُ "لمَّا"، وَجُمْلَةُ "لمَّا" مَعْطُوفَةٌ عَلى ذَلِكَ المَحْذُوفِ، و "إِنَّكُمْ" إِنَّ: حرفٌ ناصِبٌ ناسِخٌ مُشَبَّهٌ بالفِعْلِ للتوكيدِ، وكافُ الخِطابِ ضميرٌ متَّصِلٌ بِهِ في محلِّ النَّصْبِ اسْمُ "إنَّ" والميمُ علامةُ جمعِ المُذكَّرِ، وَ "قَوْمٌ" خَبَرُهُ مرفوعٌ، و "مُنْكَرُونَ" صِفَةُ "قَوْمٌ" مرفوعةٌ مثلُهُ، وعلامةُ الرفعِ الواوُ لأنَّهُ جمعُ المُذكَّرِ السَّالمُ، والنونُ عِوَضٌ مِنَ التنوينِ في الاسمِ المُفْرَدِ، والجُمْلَةُ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ مقولُ "قَالَ".