روضة الشاعر عبد القادر الأسود
بعد الصلاة على الرحمة المهداة

أهلا وسهلا بك في روضتنا

يسرنا تسجيلك

روضة الشاعر عبد القادر الأسود
بعد الصلاة على الرحمة المهداة

أهلا وسهلا بك في روضتنا

يسرنا تسجيلك

روضة الشاعر عبد القادر الأسود
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

روضة الشاعر عبد القادر الأسود

منتدى أدبي اجتماعي يعنى بشؤون الشعر والأدب والموضوعات الاجتماعي والقضايا اللإنسانية
 
مركز تحميل الروضةالرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
بسـم الله الرحمن الرحيم  :: الحمد لله رب العالمين * الرحمن الرحيم * مالك يوم الدين * إياك نعبد وإياك نستعين * إهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين أنعمت عليهم * غير المغضوب عليهم ولا الضــالين ....  آميـــن

 

 فيض العليم ... سورة الرعد، الآية: 39

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
عبد القادر الأسود

¤° صاحب الإمتياز °¤
¤° صاحب الإمتياز °¤
عبد القادر الأسود


عدد المساهمات : 3986
تاريخ التسجيل : 08/09/2011
العمر : 76
المزاج المزاج : رايق
الجنس : ذكر
فيض العليم ... سورة الرعد، الآية: 39 Jb12915568671



فيض العليم ... سورة الرعد، الآية: 39 Empty
مُساهمةموضوع: فيض العليم ... سورة الرعد، الآية: 39   فيض العليم ... سورة الرعد، الآية: 39 I_icon_minitimeالأحد سبتمبر 03, 2017 7:47 am

فيض العليم ... سورة الرعد، الآية: 39


يَمْحُو اللهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ (39)


قولُهُ ـ جَلَّ مِنْ قائلٍ: {يَمْحُو اللهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ} يمَحْوِ: يُزيلُ، محا الشَيْءَ أَزالَهُ، وَكَثُرَ استعمالُ هذا الفعلِ فِي إِزَالَةِ الْخَطِّ أَوِ الصُّورَةِ، قَالَ تَعَالَى في الآية:12 منْ سُورَة الْإِسْرَاء: {فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً}. وَيُطْلَقُ مَجَازًا عَلَى تَغْيِيرِ الْأَحْوَالِ وَتَبْدِيلِ الْمَعَانِي، كَالْأَخْبَارِ وَالتَّكَالِيفِ، وَالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ، فَإِنَّ لَهَا نَسَبًا وَمَفَاهِيمَ إِذَا صَادَفَتْ مَا فِي الْوَاقِعِ كَانَتْ مُطَابَقَتُهَا إِثْبَاتًا لَهَا، وَإِذَا لَمْ تَطَابِقْهُ كَانَ عَدَمُ مُطَابَقَتِهَا مَحْوًا لِأَنَّهُ إِزَالَةٌ لِمَدْلُولاتِها. و "يُثْبِتُ" يُبْقِيهِ عَلى مَا هوَ عَلَيْهِ، والتَثْبيتُ: جَعْلُ الشَّيْءِ قَارًّا فِي مَكَانِهِ الذي هو فيهِ، مِنْ ذلك قَولُهُ تَعَالَى في الآية 45، مِنْ سورةِ الأنفال: {يا أَيَّها الذين آمنوا إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا} أَيْ: ابْقُوا حَيْثُ أَنْتُم ولا تَتَزَحْزَحُوا عَنْ أَماكِنِكُمْ، فارِّينَ عَنْها أَمَامَ عَدُوِّكم. وَيُطْلَقُ مَجَازًا عَلَى أَضْدَادِ مَعَانِي الْمَحْوِ الْمَذْكُورَةِ. فَيَنْدَرِجُ فِي مَا تَحْتَمِلُهُ الْآيَةُ عِدَّةُ مَعَانٍ: مِنْهَا أَنَّهُ يُعْدِمُ مَا يَشَاءُ مِنَ الْمَوْجُودَاتِ وَيُبْقِي مَا يَشَاءُ مِنْهَا، وَيَعْفُو عَمَّا يَشَاءُ مِنَ الْوَعِيدِ وَيُقْرِرُ، وَيَنْسَخُ مَا يَشَاءُ مِنَ التَّكَالِيفِ وَيُبْقِي مَا يَشَاءُ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ جَريرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَدْخِلِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، فِي قَوْلِهِ تعالى: "يَمْحُو اللهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ" قَالَ: يُبَدِّلُ اللهُ مَا يَشَاءُ مِنَ الْقُرْآنِ فيَنْسَخُهُ وَيُثْبِتُ مَا يَشَاءُ فَلَا يُبَدِّلُهُ: "وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ" يَقُولُ: وَجُمْلَةُ ذَلِكَ عِنْدَهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ، النَّاسِخُ، والمَنْسُوخُ، وَمَا يُبَدَّلُ، وَمَا يُثَبَّتُ، كُلُّ ذَلِكَ فِي كَتابِ اللهِ تَعَالَى.
وَأَخْرَجَ ابْنُ جَريرٍ عَنْ قَتَادَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فِي قَوْلِهِ تعالى: "يَمْحُو اللهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ" قَالَ: هِيَ مِثْلُ قَوْلِهِ في الآيةِ: 106، مِنْ سورةِ البقرةِ: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا}. وَقَوْلُهُ: "وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ" أَيْ: جُمْلَةُ الْكِتابِ وَأَصْلُهُ. فقد أَخْرَجَ ابْنْ جَريرٍ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ زَيْدٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فِي الْآيَةِ قَالَ: "يَمْحُو اللهُ مَا يَشَاءُ" مِمَّا يَنْزِلُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ "وَيُثْبِتُ" مَا يَشَاءُ مِمَّا يَنْزِلُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ: "وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ" لَا يُغَيَّرُ وَلَا يُبَدَّلُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَريرٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: "يَمْحُو اللهُ مَا يَشَاءُ" قَالَ: ينْسَخُ، "وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ" قَالَ: الذِّكْرُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَريرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، مثلَهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذَرَ عَنْ مُجَاهِدٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، مثلَهُ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبي شَيْبَةَ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فِي قَوْلِهِ: "يَمْحُو اللهُ مَا يَشَاءُ وَيَثْبُتُ" قَالَ: يَمْحُو اللهُ الْآيَةَ بِالْآيَةِ، "وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ" قَالَ: أَصْلُ الْكِتَابِ. وَكُلُّ ذَلِكَ مَظَاهِرٌ لِتَصَرُّفِ حِكْمَتِهِ وَعِلْمِهِ وَقُدْرَتِهِ. وَإِذْ قَدْ كَانَتْ تَعَلُّقَاتُ الْقُدْرَةِ الْإِلَهِيَّةِ جَارِيَةً عَلَى وَفْقِ عِلْمِ اللهِ تَعَالَى كَانَ مَا فِي عِلْمِهِ لَا يَتَغَيَّرُ فَإِنَّهُ إِذَا أَوْجَدَ شَيْئًا كَانَ عَالِمًا أَنَّهُ سَيُوجِدُهُ، وَإِذَا أَزَالَ شَيْئًا كَانَ عَالِمًا أَنَّهُ سَيُزِيلُهُ وَعَالِمًا بِوَقْتِ ذَلِكَ. وَقد أُبْهِمُ الْمَمْحُوُّ وَالْمُثَبَّتُ بِقَوْلِهِ: "مَا يَشاءُ" لِتَتَوَجَّهَ الْأَفْهَامُ إِلَى تَعَرُّفِ ذَلِكَ وَالتَّدَبُّرِ فِيهِ لِأَن تَحتَ ذَا الْمَوْصُولِ صُوَرًا لَا تُحْصَى، وَأَسْبَابُ الْمَشِيئَةِ لَا تُحْصَى.
وَمِنْ مَشِيئَةِ اللهِ تَعَالَى مَحْوَ الْوَعِيدِ أَنْ يُلْهِمَ الْمُذْنِبِينَ التَّوْبَةَ وَالْإِقْلَاعَ وَيَخْلُقَ فِي قُلُوبِهِمْ دَاعِيَةَ الِامْتِثَالِ. وَمِنْ مَشِيئَةِ التَّثْبِيتِ أَنْ يَصْرِفَ قُلُوبَ قَوْمٍ عَنِ النَّظَرِ فِي تَدَارُكِ أُمُورِهِمْ، وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي الْعَكْسِ مِنْ تَثْبِيتِ الْخَيْرِ وَمَحْوِهِ. وَمِنْ آثَارِ الْمَحْوِ تَغَيُّرُ إِجْرَاءِ الْأَحْكَامِ عَلَى الْأَشْخَاصِ، فَبَيْنَمَا تَرَى الْمُحَارِبَ مَبْحُوثًا عَنْهُ مَطْلُوبًا لِلْأَخْذِ فَإِذَا جَاءَ تَائِبًا قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ قُبِلَ رُجُوعُهُ وَرُفِعَ عَنْهُ ذَلِكَ الطَّلَبُ، وَكَذَلِكَ إِجْرَاءُ الْأَحْكَامِ عَلَى أَهْلِ الْحَرْبِ إِذَا آمَنُوا وَدَخَلُوا تَحْتَ أَحْكَامِ الْإِسْلَامِ. وَكَذَلِكَ الشَّأْنُ فِي ظُهُورِ آثَارِ رِضَى اللهِ تعالى أَوْ غَضَبِهِ عَلَى الْعَبْدِ فَبَيْنَمَا تَرَى أَحَدًا مَغْضُوبًا عَلَيْهِ مَضْرُوبًا عَلَيْهِ الْمَذَلَّةُ لِانْغِمَاسِهِ فِي الْمَعَاصِي إِذَا بِكَ تَرَاهُ قَدْ أَقْلَعَ وَتَابَ فَأَعَزَّهُ اللهُ وَنَصَرَهُ. وَمِنْ آثَارِ ذَلِكَ أَيْضًا تَقْلِيبُ الْقُلُوبِ بِأَنْ يَجْعَلَ اللهُ الْبَغْضَاءَ مَحَبَّةً، كَمَا قَالَتْ هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَةَ للنَبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَعْدَ أَنْ أَسْلَمَتْ: (مَا كَانَ أَهْلُ خِبَاءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ يُذِلِّوُا مِنْ أَهْلِ خِبَائِكَ وَالْيَوْمَ أَصْبَحْتُ وَمَا أَهْلُ خِبَاءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ يُعِزُّوا مِنْ أَهْلِ خِبَائِكَ). وَقَدْ مَحَا اللهُ وَعِيدَ مَنْ بَقِيَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ فَرَفَعَ عَنْهُمُ السَّيْفَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ قَبْلَ أَنْ يَأْتُوا مُسْلِمِينَ، وَلَوْ شَاءَ لَأَمَرَ النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِاسْتِئْصَالِهِمْ حِينَ دُخُولِهِ مَكَّةَ فَاتِحًا. وَبِهَذَا يَتَحَصَّلُ أَنَّ لَفْظَ مَا يَشاءُ عَامٌّ يَشْمَلُ كُلَّ مَا يَشَاؤُهُ اللهُ تَعَالَى وَلَكِنَّهُ مُجْمَلٌ فِي مَشِيئَةِ اللهِ بِالْمَحْوِ وَالْإِثْبَاتِ، وَذَلِكَ لَا تَصِلُ الْأَدِلَّةُ الْعَقْلِيَّةُ إِلَى بَيَانِهِ، وَلَمْ يَرِدْ فِي الْأَخْبَارِ الْمَأْثُورَةِ مَا يُبَيِّنُهُ إِلَّا الْقَلِيلُ عَلَى تَفَاوُتٍ فِي صِحَّةِ أَسَانِيدِهِ. وَمِنَ الصَّحِيحِ فِيمَا وَرَدَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلَّا ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فَيَدْخُلُهَا. وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلَّا ذِرَاعٌ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيَدْخُلُهَا)). وَالَّذِي يَلُوحُ فِي مَعْنَى الْآيَةِ أَنَّ مَا فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَا يَقْبَلُ مَحْوًا، فَهُوَ ثَابِتٌ وَهُوَ قَسِيمٌ لِمَا يَشَاءُ اللهُ مَحْوَهُ.
وهذا اسْتِئْنَافٌ بَيَانِيٌّ لِأَنَّ جُمْلَةَ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ تَقْتَضِي أَنَّ الْوَعِيدَ كَائِنٌ وَلَيْسَ تَأْخِيرُهُ مُزِيلًا لَهُ. وَلَمَّا كَانَ فِي ذَلِكَ تَأْيِيسٌ لِلنَّاسِ عَقَّبَ بِالْإِعْلَامِ بِأَنَّ التَّوْبَةَ مَقْبُولَةٌ وَبِإِحْلَالِ الرَّجَاءِ مَحَلَّ الْيَأْسِ، فَجَاءَت جملَة يَمْحُوا اللهُ مَا يَشاءُ وَيُثْبِتُ احْتِرَاسًا.
قولُهُ: {وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَا فِي أُمِّ الْكِتَابِ هُوَ عَيْنُ مَا يَشَاءُ اللهُ مَحْوَهُ أَوْ إِثْبَاتَهُ سَوَاءً كَانَ تَعْيِينًا بِالْأَشْخَاصِ أَوْ بِالذَّوَاتِ أَوْ بِالْأَنْوَاعِ وَسَوَاءً كَانَتِ الْأَنْوَاعُ مِنَ الذَّوَاتِ أَوْ مِنَ الْأَفْعَالِ، وَأَنَّ جُمْلَةَ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ أَفَادَتْ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ أَحَدٌ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ مُرَادًا بِهِ الْكُتَّابُ الَّذِي كُتِبَتْ بِهِ الْآجَالُ وَهُوَ قَوْلُهُ: لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ، وَأَنَّ الْمَحْوَ فِي غَيْرِ الْآجَالِ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أُمُّ الْكِتَابِ مُرَادًا بِهِ عِلْمُ اللهِ تَعَالَى، أَيْ يَمْحُو وَيُثْبِتُ وَهُوَ عَالِمٌ بِأَنَّ الشَّيْءَ سَيُمْحَى أَوْ يُثْبَتُ. وَفِي تَفْسِيرِ الْقُرْطُبِيِّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ ـ رضِيَ اللهُ عنهما، قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: ((يَمْحُو اللهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ إِلَّا السَّعَادَةَ وَالشَّقَاوَةَ وَالْمَوْتَ)). أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي معجَمِهِ (الأَوْسَطِ): (9/179)، وابْنُ مِرْدُوَيْهِ، بسندٍ ضَعَّفَهُ الإمامُ السُيوطيُّ.
وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاق الصَنْعانيُّ، وَالْفِرْيَابِيُّ، وَابْنُ جَريرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِي اللهُ عَنْهُمَا، فِي قَوْلِهِ تعالى: "يَمْحُو اللهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ" قَالَ: يَنْزِلُ اللهُ تَعَالَى فِي كُلِّ شَهْرِ رَمَضَانَ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا يُدَبِّرُ أَمْرَ السَّنَةِ إِلَى السَّنَةِ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ، فَيَمْحُو مَا يَشَاءُ، وَيُثْبِّتُ إِلَّا الشِّقْوَةَ والسَّعَادَةَ والحَياةَ وَالْمَمَاتَ.
وَأخرج ابْنُ جَريرٍ: (7/404)، وَابْن أبي حَاتِم، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، قال: "يَمْحُوا اللهُ مَا يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ" يَقُولُ: هُوَ الرَّجُلُ يَعْمَلُ الزَّمَانَ بِطَاعَةِ اللهِ ثُمَّ يَعُودُ لِمَعْصِيَةِ اللهِ، فَيَمُوتُ عَلَى ضَلَالَةٍ، فَهُوَ الَّذِي يَمْحُو، وَالَّذِي يُثْبِتُ الرَّجُلُ يَعْمَلُ بِمَعْصِيَةِ اللهِ، وَقَدْ كَانَ سَبَقَ لَهُ خَيْرٌ حَتَّى يَمُوتَ وَهُوَ فِي طَاعَةِ اللهِ وَهُوَ الَّذِي يُثْبِتُ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ جَريرٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: "يَمْحُوا اللهُ مَا يَشاءُ وَيُثْبِتُ" قَالَ: مِنْ أَحَدِ الْكِتَابَيْنِ، هُمَا كِتَابَانِ يَمْحُو اللهُ مَا يَشَاءُ مِنْ أَحَدِهِمَا وَيُثْبِتُ "وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ" أَيْ جُمْلَةُ الْكِتَابِ. المُسْتَدْرَكُ بِتَعليقِ الذَّهَبيِّ: (3/194) وقال الذهبيُّ: صَحيحٌ غَريبٌ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ جَريرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، قَالَ: إِنَّ للهِ لَوْحًا مَحْفُوظًا، مَسِيرَةَ خَمْسِ مِئَةِ عَامٍ، مِنْ دُرَّةٍ بَيْضَاءَ، لَهُ دَفَّتَانِ مِنْ يَاقُوتَةٍ حَمْرَاءَ، للهِ فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ ثَلَاثُ مِئَةٍ وَسِتُّونَ نَظْرَةً، يُثْبِتُ مَا يَشَاءُ وَيَمْحُو مَا يَشَاءُ). أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ فِي التَّفْسِيرِ: (13/570) و (22/215)، وَأَبُو الشَّيْخِ فِي العَظَمَةِ: (2/492 و 621)، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الكَبِيرِ: (10/260).
وَقَالَ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ: خَلَقَ اللهُ لَوْحًا مِنْ دُرَّةٍ بَيْضَاءَ، قَلَمُهُ مِنْ زُمُرُّدَةٍ خَضْرَاءَ، وَكِتَابُهُ نُورٌ، يَنْظُرُ اللهُ فِيهِ كَلَّ يَوْمٍ ثَلَاثَ مِئَةٍ وَسِتِّينَ نَظْرَةً، يُحْيِي وَيُمِيتُ، وَيُعِزُّ وَيُذِلُّ، وَيَرْفَعُ أَقْوَامًا وَيَخْفِضُ آخَرِينَ، وَيَحْكُمُ مَا يَشَاءُ، وَيَفْعَلُ مَا يُرِيدُ. رَوَاهُ أَبُو الشَّيْخِ فِي العَظَمَةِ: (2/705 و 706) وَفِيهِ طُولٌ.
وَقَالَ قَيْسُ بْنُ عُبَادٍ القيسيُّ الضَبُعيُّ وهو مِنْ ثِقاتِ التابعينَ ومنْ كِبَارِ صَالِحِيهم ـ فِي اليَوْمِ العَاشِرِ مِنْ رَجَبٍ: هُوَ اليَوْمُ الَّذِي يَمْحُو اللهُ فِيهِ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ مَا يَشَاءُ. رَوَاهُ الطَّبَرِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ: (13/571)، وَالبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الإيمان: (5/303 و 304).
وَأَخرجَ ابْنْ جَريرٍ، وَابْن أبي حَاتِم، وَابْن مِرْدُوَيْهِ، وَالطَّبَرَانِيُّ، عَنْ أبي الدَّرْدَاء ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَال: قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((إِنَّ اللهَ يَنْزِلُ فِي ثَلَاثِ سَاعَاتٍ يَبْقَيْنَ مِنَ اللَّيْلِ، فَيَفْتَحُ الذِّكْرَ فِي السَّاعَةِ الْأُولَى مِنْهَا، يَنْظُرُ فِي الذِّكْرِ الَّذِي لَا يَنْظُرُ فِيهِ أَحَدٌ غَيْرُهُ فَيَمْحُو اللهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ. ثمَّ يَنْزِلُ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ إِلَى جَنَّةِ عَدْنٍ، وَهِي دَارُهُ الَّتِي لم تَرَهَا عَيْنٌ، وَلمْ تَخْطُرْ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ، لَا يَسْكُنُهَا مِنْ بَني آدَمَ غَيْرُ ثَلَاثَةٍ: النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقينَ وَالشُّهَدَاءِ، ثمَّ يَقُولُ: طُوبَى لِمَنْ نَّزَلَكِ. ثمَّ يَنْزِلُ فِي السَّاعَة الثَّالِثَةِ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا بِرُوحِهِ وَمَلَائِكَتِهِ فَتَنْتَفِضُ، فَيَقُول: قُومِي بِعِزَّتي، ثمَّ يَطْلُعُ إِلَى عِبادِهِ فَيَقُولُ: هَل مِنْ مُسْتَغْفِرٍ فَأَغْفِرَ لَهُ؟ هَلْ مِنْ دَاعٍ فَأُجِيبَهُ؟ حَتَّى يُصَلَّي الْفجْرُ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ: {إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} الآية: 78، منْ سورةِ الْإِسْرَاءِ، يَقُولُ: يَشْهَدُهُ اللهُ ومَلائكَةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ)). وأَخْرَجَهُ ابْنُ أبي شَيْبَةَ في كتابِ العَرْشِ (86)، والطّبريُّ في تفسيرِهِ: (13/170، 15/139)، والطَبَرانيُّ في الأَوْسَطِ: (8635)، واللالكائي في أُصولِ اعْتِقادِ أهلِ السُّنَّةِ: (756).
وَأَخْرَجَ ابْنُ سَعْدٍ، وَابْنُ جريرٍ، وَابْنُ مِرْدُوَيْهِ، عَنِ الْكَلْبِيِّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فِي الْآيَةِ قَالَ: يَمْحُو مِنَ الرِّزْقِ وَيَزِيدُ فِيهِ، ويَمْحو مِنَ الْأَجَلِ وَيزِيدُ فِيهِ. فَقيلَ لَهُ: مَنْ حَدَّثَكَ بِهَذَا؟. قَالَ: أَبُو صَالِحٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ ربَابٍ الْأَنْصَارِيُّ عَنِ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ مِرْدُوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، أَنَّ النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، سُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ تعالى: "يَمْحُو اللهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ" قَالَ: ((ذَلِك كلَّ لَيْلَةِ الْقَدْرِ يَرْفعُ ويَخْفِضُ ويَرْزُقَ، غَيْرَ الْحَيَاةِ وَالْمَوْتِ والشَّقاوَةِ والسَّعادَةِ فَإِنَّ ذَلِك لَا يَزُولُ)).
وَأَخْرَجَ ابْنُ مِرْدُوَيْهِ، وَابْنُ عَسَاكِر عَنْ عَليٍّ أَميرِ المُؤْمِنينَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ فَقَالَ لَهُ: لأُقِرَّنَّ عَيْنَيْكَ بِتَفْسيرِهَا، ولأُقِرَنَّ عَيْنَ أُمَّتِي بَعْدِي بِتَفْسيرِها: الصَّدَقَةُ عَلَى وَجْهِهَا، وبِرُّ الْوَالِدينِ، واصْطِنَاعُ الْمَعْرُوفِ، يُحَوِّلُ الشَّقَاءَ سَعَادَةً، وَيَزِيدُ فِي الْعُمُرَ، ويَقي مَصَارِعَ السُّوءِ.
وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهِ عَنْهُمَا، قَالَ: لَا يَنْفَعُ الحَذَرُ مِنَ الْقَدَرِ وَلَكِنَّ اللهَ يَمْحُو بِالدُّعَاءِ مَا يَشَاءُ مِنَ الْقَدَرِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَريرٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ عَبَّادٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: الْعَاشِرُ مِنْ رَجَبٍ هُوَ يَوْمٌ يَمْحُو اللهُ فِيهِ مَا يَشَاءُ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ، وَابْنُ أَبي الدُّنْيَا فِي الدُّعَاءِ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: مَا دَعَا عَبْدٌ قَطُّ بِهَذِهِ الدَّعْوَاتِ إِلَّا وَسَّعَ اللهُ لَهُ فِي مَعِيشَتِهِ: يَا ذَا الْمَنِّ وَلَا يُمَنُّ عَلَيْهِ، يَا ذَا الْجَلَالِ والإِكْرامِ، يَا ذَا الطَّوْلِ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ ظَهْرَ اللّاجِينَ، وجارَ المُسْتَجيرينَ، ومَأْمَنَ الْخَائِفِينَ، إِنْ كُنْتَ كَتَبْتَني فِي أُمِّ الْكِتَابِ شَقِيًّا، فامْحُ عَنّي اسْمَ الشَّقَاءِ، وأَثْبِتْني عِنْدَكَ سَعيدًا، وَإِنْ كُنْتَ كَتَبْتَني عِنْدَكَ فِي أُمِّ الْكِتابِ مَحْرومًا مُقَتَّرًا عَلَيَّ رِزْقِي، فامْحُ حِرْماني، وَيَسِّرْ رِزْقِي، وأَثْبِتْنِي عِنْدَكَ سَعيدًا مُوَفَّقًا للخَيْرِ، فَإنَّكَ تَقولُ فِي كِتابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ: "يَمْحُوا اللهُ مَا يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ".
وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ، عَنْ قَيْسِ بْنِ عَباَدٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: للهُ أَمَرَ فِي كُلِّ لَيْلَةِ الْعَاشِرِ مِنْ أَشْهُرِ الْحُرُمِ أَمَّا الْعَاشِرُ مِنَ الْأَضْحَى فَيومُ النَّحْرِ، وَأَمَّا الْعَاشْرُ مِنَ الْمُحرَّمِ فَيَوْمُ عَاشُورَاءَ. وَأَمَّا الْعاشِرُ مِنْ رَجَبٍ فَفِيهِ "يَمْحُو اللهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ" قَالَ: ونَسِيتُ مَا قَالَ فِي ذِي الْقِعْدَةِ.
وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ جَريرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ وَهُوَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ: اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ كَتَبْتَ عَليَّ شَقَاوَةً أَوْ ذَنْبًا فامْحُهُ، فَإنَّكَ تَمْحُو مَا تَشَاءُ وَتُثْبِتُ وعِنْدَكَ أُمُّ الْكِتَابِ فاجْعَلْهُ سَعَادَةً ومَغْفِرَةً.
وَأخرجَ ابْنُ مِرْدُوَيْهِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الإِيمانِ، عَنِ السَّائِبِ بْنِ ملجان مِنْ أَهْلِ الشَّامِ ـ وَكَانَ قدْ أَدْرَكَ الصَّحَابَة ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُم، قَالَ: لَمَّا دَخَلَ عُمَرُ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، الشَّامَ، حَمِدَ اللهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَوَعَظَ، وَذَكَّرَ، وَأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ، وَنَهَى عَنِ الْمُنْكَرِ ثمَّ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَامَ فِينَا خَطِيبًا كَقِيامِي فِيكُم، فَأَمَرَ بِتَقْوَى اللهِ، وصِلَةِ الرَّحِمِ، وَصَلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ، وَقَالَ: عَلَيْكُم بِالْجَمَاعَةِ فَإِنَّ يَدَ اللهِ عَلَى الْجَمَاعَةِ وَإِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ الْوَاحِدِ، وَهُوَ مِنَ الِاثْنَيْنِ أَبْعَد، لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ ثالِثَهُمَا، وَمَنْ ساءَتْهُ سَيِّئَتُهُ، وسَرَّتْهُ حَسَنَتُهُ، فَهُوَ أَمارَةُ الْمُسْلِمِ الْمُؤْمِنِ، وأَمارَةُ الْمُنَافِقِ الَّذِي لَا تَسُوؤُهُ سَيِّئَتْهُ، وَلَا تَسُرُّهُ حَسَنَتُهُ، إِنْ عَمِلَ خَيْرًا لَمْ يَرْجُ مِنَ اللهِ فِي ذَلِكَ ثَوابًا، وَإِنْ عَمِلَ شَرًّا لَمْ يَخَفْ مِنَ اللهِ فِي ذَلِكَ الشَّرِّ عُقُوبَةً، وأَجْمِلُوا فِي طَلَبِ الدُّنْيَا، فَإِنَّ اللهَ قَدْ تَكَفَّلَ بِأَرْزاقِكُم، وكُلٌّ سَيَتِمُّ لَهُ عَمَلُهُ الَّذِي كَانَ عَامِلًا، اسْتَعِينُوا اللهَ عَلَى أَعْمالِكُم فَإِنَّهُ يَمْحُو مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ. صَلَّى اللهُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَعَلِيهِ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللهِ. السَّلَامُ عَلَيْكُمْ. قَالَ الْبَيْهَقِيّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: هَذِهِ خُطْبَةُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَلَى أَهْلِ الشَّامِ أَثَرَهَا عَنْ رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ مِرْدُوَيْهِ، والدَّيْلَمِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، قَالَ: كَانَ أَبُو رُومِي مِنْ شَرِّ أَهْلِ زَمَانِهِ، وَكَانَ لَا يَدَعُ شَيْئًا مِنَ الْمَحَارِمِ إِلَّا ارْتَكَبَهُ، وَكَانَ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ((لَئِنْ رَأَيْتُ أَبَا رُومي فِي بعضِ أَزِقَّةِ الْمَدِينَةِ لَأَضْرِبَنَّ عُنُقَهُ)). وَإِنَّ بَعْضَ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَتَاهُ ضَيْفٌ لَهُ فَقَالَ لامْرَأَتِهِ: اذْهَبِي إِلَى أَبي رُومي فَخُذِي لَنَا مِنْهُ بِدِرْهَمٍ طَعَامًا حَتَّى يُيَسِّرَهُ اللهُ تَعَالَى، فَقَالَتْ لَهُ: إِنَّكَ تَبْعَثُني إِلَى أَبي رُومي، وَهُوَ مِنْ أَفْسَقِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، فَقَالَ: اذْهَبي فَلَيْسَ عَلَيْكِ مِنْهُ بَأْسٌ ـ إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى. فَانْطَلَقَتْ إِلَيْهِ فَضَرَبَتْ عَلَيْهِ الْبَابَ فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَتْ: فُلَانَةٌ. قَالَ: مَا كُنْتِ لَنَا بِزَوَّارَةٍ، فَفَتَحَ لَهَا الْبَابَ، فَأَخَذَهَا بِكَلَامٍ رَفَثٍ، ومَدَّ يَدَهُ إِلَيْهَا، فَأَخَذَهَا رِعْدَةٌ شَدِيدَةٌ. فَقَالَ لَهَا: مَا شَأْنُكِ قَالَتْ: إِنَّ هَذَا عَمَلٌ مَا عَمِلْتُهُ قَطُّ. قَالَ أَبُو رُومي: ثَكِلَتْ أَبَا رُومي أُمَّهُ، هَذَا عَمَلٌ عَمِلَهُ مُنْذُ هُوَ صَغِيرٌ، لَا تَأْخُذُهُ رِعْدَةٌ، وَلَا يُبَالِي، عَلَى أَبي رُومي عَهْدُ اللهِ إِنْ عَادَ لِشَيْءٍ مِنْ هَذَا أَبَدًا. فَلَمَّا أَصْبَحَ غَدَا عَلَى النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: ((مَرْحَبًا بِأَبي رُومي))، وَأَخَذَ يُوسِعُ لَهُ بِالْمَكَانِ، وَقَالَ لَهُ: ((يَا أَبَا رُومِي مَا عَمِلْتَ البارِحَةَ؟)). فَقَالَ: مَا عَسَى أَنْ أَعْمَلَ يَا نَبِيَّ اللهِ، أَنَا شَرُّ أَهْلِ الأَرْضِ. فَقَالَ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِنَّ اللهَ قَدْ حَوَّلَ مَكْتَبَكَ إِلَى الْجَنَّةِ. فَقَالَ: "يَمْحُوا اللهُ مَا يَشاءُ وَيُثْبِتُ")).
وَأَخرَجَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَان، وَأَبُو نُعَيْمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ أَبُو رُومي مِنْ شَرِّ أَهْلِ زَمَانِهِ، وَكَانَ لَا يَدَعُ شَيْئًا مِنَ الْمَحَارِمِ إِلَّا ارْتَكَبَهُ، فَلَمَّا غَدَا عَلَى النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا رَآهُ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِنْ بَعِيدٍ قَالَ: ((مَرْحَبًا بِأَبي رُومي)) وَأَخَذَ يُوسِعُ لَهُ الْمَكَانَ فَقَالَ: ((يَا أَبَا رُومي مَا عَمِلْتَ البَارِحَةَ؟)). قَالَ: مَا عَسَى أَنْ أَعْمَلَ يَا نَبِيَّ اللهِ، أَنَا شَرُّ أَهْلِ الأَرْضِ. فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِنَّ اللهَ قَدْ حَوَّلَ مَكْتَبَكَ إِلَى الْجَنَّةِ)). فَقَالَ: "يَمْحُوا اللهُ مَا يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ".
وَأَخْرَجَ ابْنُ جَريرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَالطَّبَرَانِيُّ، عَن ابْنِ مَسْعُودٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ كَتَبْتَني فِي السُّعَدَاءِ فأَثْبِتْنِي فِي السُّعَدَاءِ، وَإِنْ كُنْتَ كَتَبْتَني فِي الأَشْقياءِ فامْحُنِي مِنَ الأَشْقِياءِ، وأَثْبِتْني فِي السُّعَدَاءِ، فَإنَّكَ تَمْحُو مَا تَشَاءُ وَتُثْبِتُ وعِنْدَكَ أُمُّ الْكِتابِ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ جَريرٍ عَنْ كَعْبِ الأَحْبارِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَهُ قَالَ لِعُمَرَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤمنِينَ، لَوْلَا آيَةٌ فِي كتابِ اللهِ لأَنْبَأْتُكَ بِمَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. قَالَ: وَمَا هِيَ؟ قَالَ: قَوْلُ اللهِ: "يَمْحُو اللهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ".
وَأَخْرَجَ ابْنُ جَريرٍ عَنِ الضَّحَّاكِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فِي الْآيَةِ قَالَ: يَقُولُ: أَنْسَخُ مَا شِئْتُ، وأَصْنَعُ فِي الْآجَالِ مَا شِئْتُ، وَإِنْ شِئْتُ زِدْتُ فِيهَا، وَإِنْ شِئْتُ نَقَّصْتُ. "وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ" قَالَ: جُمْلَةُ الْكِتابِ وَعِلْمُهُ، يَعْنِي بِذَلِكَ مَا يَنْسَخُ مِنْهُ وَمَا يُثْبِتُ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ جَريرٍ عَنْ مُجَاهِدٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فِي قَوْلِهِ: "يَمْحُوا اللهُ مَا يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ" قَالَ: إِنَّ اللهَ يُنَزِّلُ كُلَّ شَيْءٍ يَكونُ فِي السَّنَةِ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ، فَيَمْحُو مَا يَشَاءُ مِنَ الْآجَالِ والأَرْزاقِ والمَقَاديرِ، إِلَّا الشَّقَاء والسَّعَادَةَ فَإِنَّهُمَا ثابِتانِ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ جَريرٍ، عَنْ مَنْصُور ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: سَأَلتُ مُجَاهِدًا ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فَقُلْتُ: أَرَأَيْتَ دُعَاءَ أَحَدِنَا يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ اسْمِي فِي السُّعَدَاءِ فأَثْبِتْهُ فِيهم، وَإِنْ كَانَ فِي الأَشْقِياءِ فامْحُهُ مِنْهُم، واجْعَلْهُ فِي السُّعَدَاءِ. فَقَالَ: حَسَنٌ. ثمَّ لَقيتُه بَعْدَ ذَلِكَ بِحَوْلٍ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَة مباركة إِنَّا كُنَّا مُنْذِرينَ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} الآيَتان: 3 و 4، مِنْ سُورَة الدُّخانِ. قَالَ: يَعْنِي فِي لَيْلَة الْقدْرِ مَا يَكُونُ فِي السَّنَةِ مِنْ رِزْقٍ أَوْ مُصِيبَةٍ، ثُمَّ يُقَدِّمُ مَا يَشَاءُ وَيُؤَخِّرُ مَا يَشَاءُ، فَأَمَّا كِتابُ الشَّقَاءِ والسَّعادَةِ فَهُوَ ثَابِتٌ لَا يُغَيَّرُ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ جَريرٍ عَنْ شَقِيقِ بْنِ أَبي وَائِلٍ قَالَ: كَانَ مِمَّا يَكْثُرُ أَنْ يَدْعُو بِهؤلاءِ الدَّعْوَاتِ: اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ كَتَبْتَنَا أَشْقياءَ فامْحُنَا واكْتُبْنا سُعَداءَ، وَإِنْ كُنْتَ كَتَبْتَنا سُعَدَاءَ فأَثْبِتْنا، فَإنَّكَ تَمْحُو مَا تَشَاءُ وَتُثْبِتُ وعِنْدَكَ أُمُّ الْكِتَابِ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ جَريرٍ، وَابْنْ أَبي حَاتِمٍ، عَنِ الْحَسَنِ البَصْريِّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فِي قَوْلِهِ تعالى: "لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ" قَالَ: أَجَلُ بَنِي آدَمَ فِي كِتابِ اللهِ: "يَمْحُو اللهُ مَا يَشَاءُ" قَالَ: مَنْ جَاءَ أَجَلُهُ: "وَيُثْبِتُ" قَالَ: مَنْ لَمْ يَجِيءْ أَجَلُهُ بَعْدُ فَهُوَ يَجْرِي إِلَى أَجَلِهِ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ جَريرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ مُجَاهِد ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فِي قَوْلِهِ: "يَمْحُو اللهُ مَا يَشَاءُ وَيُثَبِّتُ} قَالَ: إِلَّا الْحَيَاةَ وَالْمَوْتَ، والشَّقاءَ والسَّعَادَةَ، فَإِنَّهُمَا لَا يَتَغَيَّرانِ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبي شَيْبَةَ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ، عَنِ الْحَسَنِ البَصْريِّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فِي الْآيَة قَالَ: "يَمْحُو اللهُ" رِزْقَ هَذَا الْمَيِّتِ "وَيُثْبِتُ" رِزْقَ هَذَا الْمَخْلُوقِ الْحَيِّ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَريرٍ، عَنْ سَعيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فِي قَوْلِهِ: "يَمْحُو اللهُ مَا يَشَاءُ وَيُثَبِّتُ" قَالَ: يُثَبِّتُ فِي الْبَطْنِ الشَّقَاءَ والسَّعَادَةَ وكلَّ شَيْءٍ هُوَ كَائِن، فَيُقَدِّمُ مِنْهُ مَا يَشَاءُ، وَيُؤَخِّرُ مَا يَشَاءُ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبي حَاتِمٍ عَنِ السُّدِّيِّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: "وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ" يَقُولُ: عِنْدَهُ الَّذِي لَا يُبَدَّلُ.
وَقَدْ تَفَرَّعَ عَلَى هَذَا قَوْلُ الْأَشْعَرِيِّ: إِنَّ السَّعَادَةَ وَالشَّقَاوَةَ لَا يَتَبَدَّلَانِ خِلَافًا لِلْمَاتُرِيدِيِّ. وَعَنْ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُما، مَا يَقْتَضِي أَنَّ السَّعَادَةَ وَالشَّقَاوَةَ يَقْبَلَانِ الْمَحْوَ وَالْإِثْبَاتَ. فَإِذَا حُمِلَ الْمَحْوُ عَلَى مَا يَجْمَعُ مَعَانِيَ الْإِزَالَةِ، وَحُمِلَ الْإِثْبَاتُ عَلَى مَا يَجْمَعُ مَعَانِيَ الْإِبْقَاءِ، وَإِذَا حُمِلَ مَعْنَى أُمُّ الْكِتابِ عَلَى مَعْنَى مَا لَا يَقْبَلُ إِزَالَةَ مَا قُرِّرَ أَنَّهُ حَاصِلٌ أَوْ أَنَّهُ مَوْعُودٌ بِهِ وَلَا يَقْبَلُ إِثْبَاتَ مَا قُرِّرَ انْتِفَاؤُهُ، سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْأَخْبَارُ وَالْأَحْكَامُ، كَانَ مَا فِي أُمِّ الْكِتَابِ قَسِيمًا لِمَا يُمْحَى وَيُثْبَتُ. وَإِذَا حُمِلَ عَلَى أَنَّ مَا يَقْبَلُ الْمَحْوَ وَالْإِثْبَاتَ مَعْلُومٌ لَا يَتَغَيَّرُ عِلْمُ اللهِ بِهِ كَانَ مَا فِي أُمِّ الْكِتَابِ تَنْبِيهًا على أَن التغييرات الَّتِي تَطْرَأُ عَلَى الْأَحْكَامِ أَوْ عَلَى الْأَخْبَارِ مَا هِيَ إِلَّا تغييرات مُقَرَّرَةٌ مِنْ قَبْلُ وَإِنَّمَا كَانَ الْإِخْبَارُ عَنْ إِيجَادِهَا أَوْ عَنْ إِعْدَامِهَا مُظْهِرًا لِمَا اقْتَضَتْهُ الْحِكْمَةُ الْإِلَهِيَّةُ فِي وَقْتٍ مَا.
وأُمُّ الْكِتابِ لَا مَحَالَةَ شَيْءٌ مُضَافٌ إِلَى الْكِتَابِ الَّذِي ذُكِرَ فِي قَوْلِهِ: لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ. فَإِنَّ طَرِيقَةَ إِعَادَةِ النَّكِرَةِ بِحَرْفِ التَّعْرِيفِ أَنْ تَكُونَ الْمُعَادَةُ عَيْنَ الْأُولَى بِأَنْ يُجْعَلَ التَّعْرِيفُ تَعْرِيفَ الْعَهْدِ، أَيْ وَعِنْدَهُ أُمُّ ذَلِكَ الْكِتَابِ، وَهُوَ كِتَابُ الْأَجَلِ. فَكَلِمَةُ أُمُّ مُسْتَعْمَلَةٌ مَجَازًا فِيمَا يُشْبِهُ الْأُمَّ فِي كَوْنِهَا أَصْلًا لِمَا تُضَافُ إِلَيْهِ أُمُّ لِأَنَّ الْأُمَّ يَتَوَلَّدُ مِنْهَا الْمَوْلُودُ فَكَثُرَ إِطْلَاقُ أُمِّ الشَّيْءِ عَلَى أَصْلِهِ، فَالْأُمُّ هَنَا مُرَادٌ بِهِ مَا هُوَ أَصْلٌ لِلْمَحْوِ وَالْإِثْبَاتِ اللَّذَيْنِ هُمَا مِنْ مَظَاهِرَ قَوْلِهِ: لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ، أَيْ لِمَا مَحْوُ وَإِثْبَاتُ الْمَشِيئَاتِ مَظَاهِرُ لَهُ وَصَادِرَةٌ عَنْهُ، فَأُمُّ الْكِتَابِ هُوَ عِلْمُ اللهِ تَعَالَى بِمَا سَيُرِيدُ مَحْوَهُ وَمَا سَيُرِيدُ إِثْبَاتَهُ كَمَا تَقَدَّمَ.
وَالْعِنْدِيَّةُ عِنْدِيَّةُ الِاسْتِئْثَارِ بِالْعِلْمِ وَمَا يَتَصَرَّفُ عَنْهُ، أَيْ وَفِي مِلْكِهِ وَعِلْمِهِ أُمُّ الْكِتَابِ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهَا أَحَدٌ. وَلَكِنَّ النَّاسَ يَرَوْنَ مَظَاهِرَهَا دُونَ اطِّلَاعٍ عَلَى مَدَى ثَبَاتِ تِلْكَ الْمَظَاهِرِ وَزَوَالِهَا، أَيْ أَنَّ اللَّهَ الْمُتَصَرِّفُ بِتَعْيِينِ الْآجَالِ وَالْمَوَاقِيتِ فَجَعَلَ لِكُلِّ أَجَلٍ حَدًّا مُعِينًا، فَيَكُونُ أَصْلُ الْكِتَابِ عَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ بِمَعْنَى كُلِّهِ وَقَاعِدَتِهِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ التَّعْرِيفُ فِي الْكِتابِ الَّذِي أُضِيفَ إِلَيْهِ أُمُّ أَصْلُ مَا يُكْتَبُ، أَيْ يُقَدَّرُ فِي عِلْمِ اللهِ مِنَ الْحَوَادِثِ فَهُوَ الَّذِي لَا يُغَيَّرُ، أَيْ يَمْحُو مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ فِي الْأَخْبَارِ مِنْ وَعْدٍ وَوَعِيدٍ، وَفِي الْآثَارِ مِنْ ثَوَابٍ وَعِقَابٍ، وَعِنْدَهُ ثَابِتُ التَّقَادِيرِ كُلِّهَا غَيْرِ مُتَغَيِّرَةٍ. وَالْعِنْدِيَّةُ عَلَى هَذَا عِنْدِيَّةُ الِاخْتِصَاصِ، أَيِ الْعِلْمُ، فَالْمَعْنَى: أَنَّهُ يَمْحُو مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ فِيمَا يُبَلِّغُ إِلَى النَّاسِ وَهُوَ يَعْلَمُ مَا سَتَكُونُ عَلَيْهِ الْأَشْيَاءُ وَمَا تَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ، فَاللهُ يَأْمُرُ النَّاسَ بِالْإِيمَانِ وَهُوَ يَعْلَمُ مَنْ سَيُؤْمِنُ مِنْهُمْ وَمَنْ لَا يُؤْمِنُ فَلَا يَفْجَؤُهُ حَادِثٌ. وَيَشْمَلُ ذَلِكَ نَسْخَ الْأَحْكَامِ التَّكْلِيفِيَّةِ فَهُوَ يُشَرِّعُهَا لِمَصَالِحَ ثُمَّ يَنْسَخُهَا لِزَوَالِ أَسْبَابِ شَرْعِهَا وَهُوَ فِي حَالِ شَرْعِهَا يعلم أَنَّهَا آيِلة إِلَى أَنْ تُنْسَخَ.
قولُهُ تعالى: {يَمْحُو اللهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ} يَمْحُو: فعلٌ مُضارعٌ مرفوعٌ لتجرُّدِهِ مِنَ الناصبِ والجازِمِ، وعلامةُ رفعِهِ الضمَّةُ المقدَّرَةُ على آخرِهِ لثِقَلِها على الواوِ، ولفظُ الجلالةِ "اللهُ" فاعلُهُ مرفوعٌ، و "مَا" موصولةٌ أو موصوفةٌ مبنيَّةٌ على السكونِ في محلٍّ النَّصْبِ مفعولٌ بِهِ، والجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ لا مَحَلَّ لها مِنَ الإعرابِ. و "يَشَاءُ" فِعْلٌ مُضَارِعٌ مَرْفوعٌ لتجرُّدِهِ مِنَ الناصِبِ والجازِمِ، وفاعِلُهُ ضَميرٌ مسْتترٌ فيهِ جوازًا تقديرُهُ "هو" يَعودُ عَلى "اللهُ" تَعَالَى، والجُمْلَةُ صِلَةُ "مَا" لا محلَّ لها مِنَ الإعرابِ، إنْ أُعْرِبَتْ "ما" موْصولةً، أَوْ صِفَةٌ لَهَا في محلِّ النَّصْبِ، إنْ أُعْرِبَتْ "ما" نَكِرَةً مَوْصوفةً، والعائدُ أوِ الرابطُ مَحْذوفٌ والتَقْديرُ: مَا يَشَاؤهُ. و "وَيُثْبِتُ" الواو: للعطفِ، و "يُثْبِتُ" فعلٌ مُضارعٌ مرفوعٌ لتجَرُّدِهِ مِنَ الناصِبِ والجازمِ، وفاعِلُهُ ضَميرٌ مسْتترٌ فيهِ جوازًا تقديرُهُ "هو" يَعودُ عَلى "اللهُ" تَعَالَى، والجُملةُ مَعطوفةٌ على جملةِ "يَمْحُو".
قولُهُ: {وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} الواوُ: للعطفِ، و "عِنْدَهُ" منصوبٌ على الظرفيَّةِ مُتَعَلِّقٌ بِمَحذوفِ خَبَرٍ مُقَدَّمٍ. وهو مضافٌ، والهاءُ: ضميرٌ متَّصلٌ بِهِ في محلِّ الجرِّ بالإضافةِ إِلَيْهِ. و "أُمُّ" مرفوعٌ بالابتِداءِ مُؤَخَّرٌ، وهو مضافٌ، و "الْكِتَابِ" مجرورٌ بالإضافةِ إليهِ، والجُمْلةُ مُسْتَأْنَفَةٌ لا مَحَلَّ لها مِنَ الإعرابِ.
قَرَأَ الْجُمْهُورُ: {وَيُثْبِّتُ} بِتَشْدِيدِ الباءِ الْمُوَحَّدَةِ، مِنْ ثَبَّتَ الْمُضَاعَفِ. وَقَرَأَهُ ابْنُ كَثِيرٍ، وَأَبُو عَمْرٍو، وَعَاصِمٌ، وَيَعْقُوبُ: "وَيُثْبِتُ" بِسُكُونِ الثاءِ الْمُثَلَّثَةِ وَتَخْفِيفِ الباءِ الْمُوَحَّدَةِ.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
فيض العليم ... سورة الرعد، الآية: 39
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» فيض العليم ... سورة الرعد، الآية: 2
» فيض العليم ... سورة الرعد، الآية: 18
» فيض العليم ... سورة الرعد، الآية: 34
» فيض العليم ... سورة الرعد، الآية: 3
» فيض العليم ... سورة الرعد، الآية: 19

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
روضة الشاعر عبد القادر الأسود :: ...:: الروضة الروحانية ::... :: روضة الذكر الحكيم-
انتقل الى: