إلى المنصفين من أهل الدين
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قال الله تعالى في كتابه العزيز: {قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا} الكهف: 21، فلو كانَ مُجَرَّدُ وُجُودِ القبْرِ في المَسْجِدِ، أو بالقرب منه، أمراً محظوراً شرعاً لما ذَكَرَهُ الهَُ في قرآنه، أوْ لَكانَ ذَكَرَهُ ثمَّ فنَّدَهُ وبيَّنَ خطأَه ونهى عنه وذَمَّهُ، وما كان اللهُْ ليترك ذلك دون بيانٍ، ومِنَ المَقْطوعِ بِهِ أَنَّ هؤلاءِ الفتيةُ هم رجالٌ مؤمنون صالحونَ ليس إلاَّ، وإنَّما اتُّخِذَ المسجدُ عليهم للتذكير بقصتهم ليعتبرَ الناسُ بها وليقتدوا بهم، وللإشادةِ بهم ورفع قدرهم بين الناس لحسنِ ما قدَّموا من إيمان وعملٍ صالح.
ولما قالَ النبيُّ ـ عليْهِ الصَلاةُ والسَّلامُ: ((لَعَنَ الهَُ اليهود والنصارى اتَّخذوا قبورَ أنبيائهم مساجدَ)). أخرجه البخاريُّ، لم يكنْ يقصدُ ما فهمه بعض المتأخرين، من أنَّ مجرد وجود القبرِ في المسجد مروقٌ عن الدين وخروجٌ على تعاليمه، بدليلِ الآية المذكورة آنفاً، وبدليل أنَّ الصحابة رضوانُ اللهَ عليهم دفنوا جسد النبيِّ ـ صلَّى اللهَُ عليه وسَلَّمُ، في حجرة السيدةِ عائشةَ أُمِّ المؤمنين ـ رضِيَ اللهُ عنها وأرضاها، وهم مجتمعون لم يخرجْ عن ذلك أحدٌ ولم يعترضُ عليه أو يستنكره أحدٌّ.
ولو كان هذا خصوصيّةً لسيدنا رسول اللهَ لما دفنوا صاحبيه الصديق وعمر ـ رضي الله عنهما في جواره. فهل هؤلاء الذين يعترضونَ على وجود القبر في المسجد أتقى من الصحابة مجتمعين أو أعلم منهم بالدين أو أكثر فهماً لحديث رسول الله؟ أوْ أنَّ الحديثَ لم يَصِلَهم؟ وإذا كان كذلك فمن روى لهم هذا الحديثِ إذاً عن رسول اللهَ ـ صلى اللهُ عليه وسلم.
أمّا حديث ((لعنَ اللهّ ...)) فقد بيَّنَ العلماءُ المَقْصِدَ مِنْهُ، كما فهمه الصحابةُ ـ رضوانُ اللهِ عليهم، وهو الذي درج عليه جمهور الأمَّةِ، منذ وفاة النبيِّ وحتى اليوم، وأقوالهم فيه قد تستعصي على الحصرِ وملَّخَّصها، ما ذكره الإمامُ ابنُ حجر الهيثمي في كتابه الزواجر عن اقتراف الكبائر، بعد أن روى الحديث قال: (وَاِتِّخَاذُ الْقَبْرِ مَسْجِدًا مَعْنَاهُ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ أَوْ إلَيْهِ) فهل في المسلمين من يُصلي على قبرِ أحدٍ أو إليه؟
فليَتَّقِ اللهَ الذين خَرَجوا على ما أَجْمَعَتْ عَليْه أُمَّةُ الإسلامِ مُنْذُ عهدِ الصحابَةِ وإلى هذا اليوم فإنَ في إثارةِ مثل هذه الأمور مفارقةٌ لجماعة المسلمين وتفريق لصفوفهم وشقٌّ لعصا طاعتهم، في وقت نحن أحوج مانكون لتمتين عرى الإسلامِ والتمسُّك بأهداب الدين لأننا ما عرفنا أنَّ أهلَ الشرك اجتمعوا على أهل الإيمان كما هم اليومُ، ولنَضَعْ نُصْبَ أَعْيُنِنا قولَه تعالى: {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِين} التوبة: 36. فمن لم يتقِ اللهََ في نفسه وإخوانه لن يكون اللهَُ معه، ومن لم يكن اللهُْ معه، خسرَ الدنيا والآخرة، ويأتي قولُهُ تعالى في سورة الأنفال: {وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} الآية: 46. ليوجّه لنا أوضح بيانٍ ولينذرنا ليس بفشلنا وحسب وإنما بكسرِ شوكتنا وتلاشي أثرنا. اللهم بصرنا بعاقبة أمرنا واجمع عليك شتات قلوبنا ووحد صفوفنا وانصرنا على من عادانا فأنت أكرم مسؤولٍ وأعظم مأمول، وصلِّ اللهم على سيدنا ومولانا وقائدنا سيد الأولين والآخرين وإمام المجاهدين والمتقين وحبيب ربِّ العالمين سيدنا محمدٍ وعلى آله وأصحابه أجمعين ومن اقتدى بهم واهتدى بهديهم إلى يوم الدين وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمن وحسبنا اللهُ ونعم الوكيل.