روضة الشاعر عبد القادر الأسود
بعد الصلاة على الرحمة المهداة

أهلا وسهلا بك في روضتنا

يسرنا تسجيلك

روضة الشاعر عبد القادر الأسود
بعد الصلاة على الرحمة المهداة

أهلا وسهلا بك في روضتنا

يسرنا تسجيلك

روضة الشاعر عبد القادر الأسود
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

روضة الشاعر عبد القادر الأسود

منتدى أدبي اجتماعي يعنى بشؤون الشعر والأدب والموضوعات الاجتماعي والقضايا اللإنسانية
 
مركز تحميل الروضةالرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
بسـم الله الرحمن الرحيم  :: الحمد لله رب العالمين * الرحمن الرحيم * مالك يوم الدين * إياك نعبد وإياك نستعين * إهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين أنعمت عليهم * غير المغضوب عليهم ولا الضــالين ....  آميـــن

 

 فيض العليم ... سورة التوبة، الآية: 38

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
عبد القادر الأسود

¤° صاحب الإمتياز °¤
¤° صاحب الإمتياز °¤
عبد القادر الأسود


عدد المساهمات : 3986
تاريخ التسجيل : 08/09/2011
العمر : 76
المزاج المزاج : رايق
الجنس : ذكر
فيض العليم ... سورة التوبة، الآية: 38 Jb12915568671



فيض العليم ... سورة التوبة، الآية: 38 Empty
مُساهمةموضوع: فيض العليم ... سورة التوبة، الآية: 38   فيض العليم ... سورة التوبة، الآية: 38 I_icon_minitimeالسبت أبريل 04, 2015 3:39 am

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ  (38)

قولُهُ ـ تعالى شأنُه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ} خطابٌ جديدٌ مِنَ اللهِ تَعالى لِعبادِهِ المؤمنين يَتَضَمَّن عِتاباً مِنْهُ سبحانَه، لمن تَخَلَّف مِنهم عنْ رَسولِ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عليْهِ وسَلَّمَ، يَوْمَ غَزْوةِ تَبوك، وكانَتْ سَنَةَ تِسْعٍ مِنْ الهِجْرَةِ بعدَ فَتْحِ مكَّةَ بعامٍ، كما تقدَّم. وَكَانَ الْوَقْتُ قَائِظاً شديدَ الحَرِّ، فطَابَتْ لهمُ الثِّمَارُ وَالظِّلاَلُ والبقاءُ إلى جانب نسائهم وأولادهم وأَهليهم، ولم يلحقوا برسول اللهِ ـ صلى اللهُ عليه وسلم.
يَقُولُ تَعَالَى لَهُمْ في عتابِهِ: مَا لَكُمْ أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ إِذَا دُعِيْتُمْ إِلَى الجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللهِ تَكَاسَلْتُمْ وَتَبَاطَأْتُمْ، وَمِلْتُمْ إِلَى الراحةِ والدَّعَةِ وَالإِقَامَةِ فِي الظِّلِ بين نِسائكم ووِلْدانِكم، وأَطايبِ ثِّمَارِكم وتخلَّيتم عَنْ نَبِيِّكم وقد تَوَجَّهه لمقارعة أعدائكم، وأَعداءِ دِينكم في هذِهِ الظُروفِ القاسِيَةِ، مفضلينَ نفسكم عن نَفْسِهِ، زاهدين فيما أعَدَّ اللهُ للمجاهدين في سبيلِهِ من نعيم مقيم يوم يلقونَه. ويحثُّهم على أَنْ ينفُروا في سبيلِ اللهِ: مُقْدِمينَ على الجِهادِ والإسراعِ في الخُروجِ إليْهِ. والنَّفْرُ: هُوَ الانتِقالُ بِسُرْعَةٍ مِنْ مَكانٍ إلى آخرَ لأمْرٍ يحدُثُ.
ويُقالُ في ابْنِ آدَمَ: نَفَرَ إلى الأمرِ يَنْفُرُ نَفْراً نُفُوراً، وقومٌ نُفُورٌ، ومِنْهُ قولُهُ تَعالى في سورةِ الإسراءِ: {وَلُّوا عَلى أَدْبارِهم نُفُوراً} الآية: 46. كما يُقالُ: نَفَرَ الحاجُّ مِنْ مِنًى نَفْراً.
 ويُقالُ النَفْرُ في الدابَّةِ: نَفَرَتْ تَنْفُرُ (بِضَمِّ الفاءِ وكَسْرِها) نُفوراً ونِفاراً، والنِفارُ هو اسْمٌ مِثْلُ الحِرانِ.
وممّا جاء في سَبَبِ نُزولِ هَذِهِ الآيَةِ ما أَخْرَجَ ابْنُ أبي حاتمِ، وابْنُ جريرٍ، وابْنُ المُنذِرِ، وأَبو الشيخ، عَنْ مُجَاهِدٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَوْلَهُ: "مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ" حِينَ أُمِرُوا بِغَزْوَةِ تَبُوكَ بَعْدَ الْفَتْحِ، وَبَعْدَ الطَّائِفِ وَبَعْدَ حُنَيْنٍ، أُمِرُوا بِالنَّفْرِ فِي الصَّيْفِ حِينَ خَرَقَتِ النَّخْلُ، وَطَابَتِ الثِّمَارُ وَاشْتَهُوا الظِّلالَ وَشَقَّ عَلَيْهِمُ الْمَخْرَجُ. وأخرجَ ابْنُ أبي حاتِمٍ أيضاً عَنِ السُّدِّيِّ ـ رَضِيَ اللهُ عنه، قَوْلَهُ: "اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ"  يَقُولُ: "حِينَ قَعَدُوا وَأَبَوُا الْخُرُوجَ".
وقد اخْتَلَفوا في عُمومِ هذا الخِطابِ، فمِنْهم مَنْ قالَ: إنَّهُ أَرادَ بِهِ كلَّ المُؤمنين. وقال أَبو عليٍّ الجِبائي الآيَةُ مخْصوصَةٌ في الذين تخلَّفوا. واختلَفَ العُلَماءُ أيضاً في وُجوبِ هذا النفيرِ: فمِنْهم مَنْ قالَ: المُرادُ بِهِ وُجوبُ النَفْرِ إلى الرَسُولِ إذا دَعا إلى الجِهادِ وأَمَرَ بِهِ، وهوَ الأَصَحُّ. ومنهم مَنْ قالَ: إنَّ المُرادَ بِهِ النَفْرُ عِندَ الحاجَةِ وظُهورِ الكَفَرَةِ، واشْتِدادِ شَوْكَتِهم. وظاهرُ الآيةِ يَدُلُّ على أَنَّ ذلك على وَجْهِ الاسْتِدْعاءِ، فعَلى هَذا لا يَتَّجِهُ الحَمْلُ على وَقْتِ ظُهورِ المُشْرِكينَ، فإنَّ وُجوبَ ذلكَ لا يَخْتَصُّ بالاسْتِدْعاءِ، وإذا ثَبَتَ ذَلِكَ، فالاسْتِدْعاءُ والاسْتِبْقاءُ يَبْعُدُ أَنْ يَكون مُوجِباً شَيْئاً لمْ يَجْبْ مِنْ قَبْلُ، إلاَّ أَنَّ الإمامَ إذا عَيَّنَ قَوْماً ونَدَبَهم إلى الجِهادِ، لمْ يَكُنْ لهمْ أَنْ يَتَثاقَلوا عَنْهُ، ولَهُ ولايةُ التَعيينِ، ويَصيرُ بِعَيْنِهِ فَرْضاً عَلى مَنْ عَيَّنَهُ لا لِمَكانِ الجِهادِ، ولكنْ طاعةُ الإمامِ واجبةٌ، وإذا لمْ يَكُنْ كَذلِكَ وكانَ مِنْ أَهْلِ الثُغورِ كِفايةً، فالذي قالَوهُ أَنَّهُ يَجِبُ على الإمامِ أَنْ يُفَرِّقَ في الجِهاتِ الأَرْبَعَةِ قوماً في كُلِّ سَنَةٍ، يَظْهَرُ لهم النِكايَةُ في العَدُوِّ، ويَمْنَعُهم ذَلِكَ مِنِ انْتِهازِ فُرْصَةِ الاحْتِشادِ والاسْتِعدادِ، وإذا حَصَلَتِ الكِفايَةُ لِقَوْمٍ، سَقَطَ عَنِ الباقينَ، فَليسَ الجِهادُ عَلى هَذا الرَأْيِ فَرْضاً على كُلِّ واحِدٍ، وإنَّما هُوَ فَرْضُ كِفايةٍ، فإذا قامَ بِهِ البَعْضُ سَقَطَ عَنِ الباقين.
وقد انْتَقَلَ مِنَ الخِطابِ إلى الغَيْبَةِ لأنَّ المُتَحَدَّثَ عنهم هُنا بَعضُ المُتَثاقلين لا محالَةَ بِدَلِيلِ قولِهِ بَعْدَ ذَلكَ في الآيَةِ الخامِسَةِ بعدَ الأَرْبعين مِنْ هذِه السُورةِ: {إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ}. ومِنْ هذِهِ الآياتِ ابْتَدَأَ إشعارُ المُنافِقينَ بِأَنَّ اللهَ أَطْلَعَ رَسُولَهُ ـ صَلَّى اللهُ عليْهِ وسَلَّمَ، على دَخائلِهم.
قولُهُ: {أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ} أَفَعَلْتُمْ ذَلِكَ رِضاً مِنْكُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا بَدَلاً مِنَ الآخِرَةِ؟. فقد أَخْرَجَ ابْنُ أَبي حاتمٍ عَنْ شُرَيْحِ بْنِ عُبَيْدٍ، قَالَ: قَالَ أَبُو ثَعْلَبَةَ: اللهُ أَحَبُّ إِلَيْكُمْ أَمِ الدُّنْيَا؟ قَالُوا: بَلِ اللهُ، قَالَ: فَمَا بَالُكُمْ  "إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ" فَلَمْ تَخْرُجُوا حَتَّى يُخْرِجَكُمُ الشُرُطُ مِنْ مَنَازِلِكُمْ؟ وَإِذَا قِيلَ لَكُمُ انْصَرَفُوا عَلَى بَرَكَةِ اللهِ مَأْذُونًا لَكُمْ ضَرَبْتُمْ أَكَبْادَها وَأَسْهَرْتُمْ عُيُونَهَا، حَتَّى تَبْلُغُوا أَهْلِيكُمْ؟".
قولُهُ: {فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ} فمَا قِيمَةُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا مَتَاعُهَا إِلاَّ قَلِيلٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الآخِرَةِ، إِذْ يَنْتَظِرُونَ المُؤْمِنِينَ رِضْوانٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ، وَجَنَّاتٌ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ. وأَخْرَجَ ابْنُ أَبي حاتمٍ عَنِ الْمُسْتَوْرِدِ أَخَي بَنِي فِهْرٍ، قَال: قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَا الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلا كَمَا يَجْعَلُ أَحَدُكُمْ إِصْبُعَهُ فِي الْيَمِّ، فَلْيَنْظُرْ بِمَ تَرْجِعُ)). وأَخْرَجَ الحاكِمُ وصَحَّحَهُ عَنِ الْمُسْتَوْرِدِ ـ رَضِيَ اللهُ عنه، قالَ: كُنَّا عِنْدَ النبيِّ ـ صَلّى اللهُ عليْهِ وسَلَّمَ، فتَذاكروا الدنيا والآخرَةَ فقالَ بَعضُهم: إنَّما الدُنيا بَلاغٌ للآخِرَةِ، فيها العَمَلُ وفيها الصَلاةُ وفيها الزَكاةُ، وقالتْ طائفةٌ منهم: الآخِرَةُ فيها الجَنَّةُ. وقالوا ما شاءَ اللهُ، فقالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: ((ما الدُنيا في الآخِرَةِ إلاَّ كَما يَمْشي أَحَدُكم إلى اليَمِّ فأَدْخَلَ أُصْبُعَهُ فيه فما خَرَجَ مِنْهُ فَهِيَ الدُنيا)).
وأَخْرَجَ أيضاً الإمامان أَحمدُ والتِرمِذِيُّ وحَسَّنَهُ، وأخرجه أيضاً ابْنُ ماجةَ عَنِ الْمُسْتَوْرِدِ بْنِ شَدّادٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْه، قال: كُنتُ في رَكْبٍ مَعَ رَسُولِ اللهِ ـ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، إذْ مَرَّ بِسَخْلَةٍ مَيِّتَةٍ فقالَ: ((أَتَرَوْنَ هذِهِ هانَتْ عَلى أَهْلِها حِينَ أَلْقَوْها؟)) قالوا: مِنْ هَوانِها أَلْقَوْها يا رَسُولَ اللهِ، قال: ((فالدُنْيا أَهْوَنُ عَلى اللهِ مِنْ هَذِهِ على أَهْلِها)).
وأَخْرَجَ الحاكمُ وصَحَّحَهُ عَنْ سَهْلٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: مَرَّ رَسولُ اللهِ ـ صلَّى اللهُ علَيْهِ وسَلَّمَ، بِذِي الحَليفَةِ، فَرَأَى شاةً شائلةً بِرِجْلِها فقال: ((أَتَرَوْنَ هَذِهِ الشاةَ هَيِّنَةً على صاحِبِها؟)) قالوا: نَعَمْ يا رَسولَ اللهِ. قال: ((والذي نَفْسي بِيَدِهِ لَلْدُنيا أَهْوَنُ على اللهِ مِنْ هَذِهِ على صاحِبِها، ولو كانتْ تَعْدِلُ عِنْدَ اللهِ جَناحَ بَعُوضَةٍ ما سُقِيَ الكافِرُ مِنْها شَرْبَةَ ماءٍ)).
وأَخْرَجَ الحاكِمُ وصَحَّحَهُ عَنِ ابْنِ مَسْعودٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: قالَ رَسُولُ اللهِ ـ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: ((إنَّ اللهَ جَعَلَ الدُنيا قَليلاً، وما بَقيَ مِنْها إلاَّ القَليلُ، كالثَعْلَبِ في الغَديرِ شَرِبَ صَفْوَهُ وبَقِيَ كَدَرُهُ)).
وأخرجَ أيضاً عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما، وصحَّحَهُ أيضاً قال: دَخَلَ عُمَرُ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُ، على النَبيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلَّم، وهُوُ عَلى حَصِيرٍ قَدْ أَثَّرِ في جَنْبِهِ فقالَ: يا رَسُولَ اللهِ لَوِ اتَّخَذْتَ فَرْشاً أَوْثَرَ مِنْ هذا؟ فقالَ ـ صلى اللهُ عليه وسلَّمَ: ((ما لي وللدُنيا وما للدُنْيا وما لي، والذي نَفْسِي بِيَدِهِ ما مَثَلِي ومَثَلِ الدُنْيا إلاَّ كَراكِبٍ سارَ في يَوْمٍ صائفٍ فاسْتَظَلَّ تحتَ شَجَرَةٍ ساعَةً، ثمَّ راحَ وتَرَكَها.
وأخرجَ ابْنُ أَبي شَيْبَةَ وأَحمدُ والتِرمذيُّ وصَحَّحهُ وابنُ ماجَةَ والحاكمُ عَنِ ابْنَ مَسعودٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، مثلَه.
قولُهُ تعالى: {مَا لَكُمْ} ما: اسْتِفْهاميَّةٌ وفيها مَعنى الإِنكارِ وهي مبتدأٌ. والجار في "لكم" متعلق بالخبر،
وقولُهُ: {إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ} "قيل" فاعلُهُ المحذوفُ هو الرَسُولُ ـ صلّى اللهُ عليه وسلَّمَ. والجملة الشرطية حال من الضمير في "لكم".
وقولُه: {اثّاقلتُم} فعلٌ ماضي اللفظِ مُضارعُ المعنى، أَيْ: يَتَثاقَلونَ
وهوَ في مَوْضِعِ الحالِ، وهوَ عاملٌ في الظَرْفِ، أَيْ: مالَكمْ مُتَثاقِلينَ وقتَ القولِ. وقالَ أَبو البَقاءِ: "اثَّاقلتم" ماضٍ بمعنى المُضارِعِ أَيْ: مالَكُمْ تَتَثاقَلونَ، وهوَ في مَوْضِعِ نَصْبٍ، أيْ: أَيُّ شَيْءٍ لكم في التَثاقُلِ، أَوْ في مَوْضِعِ جَرٍّ على رأيِ الخَليلِ. وقيلَ: هُوَ في مَوْضِعِ حالٍ. قالَ الشيخُ أبو حيّان الأندلسيُّ: وهذا ليس بجيِّدٍ، لأنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ حَذْفُ "أَنْ"، لأنَّهُ لا يَنْسِبُكُ مَصْدَرٌ إلاَّ مِنْ حَرْفٍ مَصْدَرِيٍّ والفعل، وحَذْفُ "أَنْ"، في نحو هذا، قليلٌ جِدّاً، أَوْ ضَرورَةٌ، وإذا كان التقديرُ: "في التثاقل" فلا يمكن عملُه في "إذا"، لأنَّ معمولَ المَصْدَرِ المَوصُولَ لا يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ، فيكونُ الناصِبُ ل "إذا" والمُتَعلَّقُ بِهِ "في التثاقل" ما تعلَّق به "لكم" الواقعُ خبراً لِ "ما".
وأَصْلُ "اثّاقلتُمْ" تَثاقَلْتُمْ، فلَمَّا أُريدَ الإِدْغامُ سَكَنتِ الياءُ فاجْتُلِبتْ همزةُ الوَصْلِ كَما تَقدَّمَ بيانُ ذلك عندَ قولِهِ تعالى في سورة البقرة: {فادّارَأْتم فيها} الآية: 72، والأَصْلُ: تَدارَأْتم. والأصلُ هنا: "تثاقلتم" وقد قرئَ به.
لكنَّكَ إذا أَنْعَمْتَ النَظَرَ في هذِهِ المُفْرَدَةِ تَقِفُ على شيْءٍ مِنَ الإعْجازِ اللُّغَوِيِّ والبيانيَّ اللذانِ حَفِلَ بهما هذا في القرآنُ العظيم، فإنَّ الأَداءَ الفَنِيَّ الذي في "أثاقلتم" متحقِّقٌ في كُلِّ ما تَكوَّنَتْ بِهِ مِنْ حُروفٍ، ومِنْ صورةِ تَرتيبِها، ومِنْ حَرَكَةِ التَشْديدِ على الحَرْفِ اللَّثَوِيّةِ "الثاء" والمَدِّ بعدَهُ، ثمَّ القافِ أَحَدِ حُروفِ القَلْقَلَةِ، ثمَّ التاءِ المهموسةِ، والميمِ التي تَنْطَبِقُ عليْها الشَفَتان، ويَخْرُجُ صَوْتُها مِنَ الأَنْفِ، فتَجدُ نِظامَ الحُروفِ، وَصُورَةَ أَداءِ الكَلِمَةِ قد أَوحيا إليك بالمَعنى، قَبْلَ أَنْ تطَّلعَ عليه في المعاجم. فإنّكَ تَلْحَظُ في خَيالِكَ ذلِكَ الجسمَ المُثَّاقِلَ، يَرْفَعُهُ الرافعونَ في جُهْدٍ وهو يَعودُ للسُقوطِ. وتُحِسُّ بذلك البُطْءِ في الحَرَكَةِ المُتَثاقِلَةِ عندَ تَلَفُّظِ الكَلِمَةِ ذاتِها، موحِياً بالحَرَكَةِ البَطيئةِ التي تَكونُ مِنَ المُثَّاقِل. فإذا جَرَّبْتَ أَنْ تُبَدِّلَ المُفردَةَ القُرآنيَّةَ، بلفظةِ "تَثَاقَلْتُم" التي هي الأصلُ أحسستَ شيئاً مِنَ الخِفِّةِ والسُرْعَةِ والنشاطِ بِسَبَبِ زَوالِ الشِدَّةِ، وسَبْقِ التاءِ للثاءِ.
وقوله: {إِلَى الأَرْضِ} جارٌ ومجرورٌ ضُمِّنَ معنى المَيْل والإِخلادِ.
وقوله: {فما متاع الحياةِ الدنيا من الآخرة} ما: مهملة لانتقاض نفيها ب "إلا". و "مِنَ الآخرة" جارٌّ ومجرورٌ متعلِّقٌ بحالٍ مِنَ "الحياة".
وقد تظاهَرَتْ أقوالُ المُعْربين والمفسرين على أنَّ "مِنْ" بمعنى بَدَلٍ كَقَوْلِهِ تعالى في سورة الزخرف: {لَجَعَلْنَا مِنكُمْ مَّلاَئِكَةً} الآية: 60، أَيْ: بَدَلَكم، ومثلُه قولُ الشاعر الراجز أَبو نُخَيْلَةَ، يَعْمُر بْنِ حَزْنٍ السعديّ يَصِفُ امرأةً:
بَرِّيَةٌ لم تَأْكُلِ المُرَقَّقا ...................... ولم تَذُقْ من البُقول الفُسْتُقا
وقولُهُ هذا يُنْبِئُ بأَنَّهُ يجهلُ ماهيةَ الفُسْتُقِ إذْ عَدَّهُ مِنَ البَقولِ. وقالَ يَعْلى بْنُ الأَحْوَلِ الكنديُّ
فليت لنا مِنْ ماءِ زمزمَ شَرْبةً ................ مُبَرَّدَةً باتَتْ على طَهَيانِ
أَرَادَ لَيْتَ لَنَا بَدَلاً مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ شرْبَةً مُبَرَّدَةً باتَتْ على طَهْيان. وَالطَّهَيَانُ: عُودٌ يُنْصَبُ فِي سَاحَةِ الدَّارِ لِلْهَوَاءِ، وَيُعَلَّقُ عَلَيْهِ إنَاءٌ لَيْلاً
حَتَّى يَبْرُدَ، وقيلَ: هو اسمُ جَبَلٍ.
إلاَّ أنَّ أكثرَ النحويين لم يُثْبتوا لها هذا المعنى، ويتأوَّلون ما أوهم ذلك. والتقديرُ هُنا: اعتَصَمْتُمْ مِنَ الآخِرَةِ راضينَ بالحياةِ، وكذلكَ باقيها. وقالَ أَبو البَقاءِ: "مِن الآخرة" في مَوْضِعِ الحالِ، أيْ: بَدَلاً مِنَ الآخِرَةِ، فقدَّر المتعلَّقَ خاصّاً، ويجوزُ أَنْ يَكونَ أَرادَ تَفْسيرَ المَعنى.
قولُهُ: {فِي الآخرة} مُتَعَلِّقٌ بمَحْذوفٍ مِنْ حيثُ المعنى تقديرُهُ: فما مَتَاعُ الحياةِ الدُنيا محسوباً في الآخرَةِ. ف "محسوباً" حالٌ مِنْ "متاع". وقالَ الحوفيّ: إنَّهُ مُتَعَلِّقٌ ب "قليلٌ" وهو خَبرُ المبتدأ. قال: وجازَ أَنْ يتقدَّمَ الظَرْفُ على عامِلِهِ المَقرونِ بِ "إلاَّ" لأنَّ الظروفَ تعملُ فيها روائحُ الأَفعال. ولو قلتَ: ما زيدٌ عَمْراً إلا يَضْربُ لم يَجُزْ.
وقولُهُ: {أرضيتم} جملةٌ مُستأنفة، وكذلك قولُه: {فما متاعُ الحياة} جملة مُستأنَفَةٌ أيضاً.
قرأ العامَّةُ: {اثّاقلتُم} بالإدغامِ، وقرأَ الأعْمَشُ: "تثاقلتم" على الأَصلِ، وقُرِئَ: "أَثَّاقَلْتم"؟ بالاسْتِفْهامِ الذي مَعْناهُ الإِنْكارُ، وحينئذٍ لا يجوزُ أنْ يَعْملَ في "إذا"؛ لأنَّ ما بَعْدَ حَرْفِ الاسْتِفْهامِ لا يَعْمَلُ فيما قَبْلَهُ، فيكون العاملَ في هذا الظرف: إمَّا الاستقرارُ المقدَّرَ في "لكم"، أَوْ مُضمرٌ مَدْلولٌ عليه باللَّفظِ. والتقديرُ: ما تَصْنَعونَ إذا قيلَ لَكم. وإليه نحا الزَمخشَرِيُّ. والظاهرُ أَنْ يُقَدَّر: ما لكم تثاقلون إذا قيلَ، ليكون مدلولاً عليه مِنْ حَيْثُ اللفظُ والمعنى.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
فيض العليم ... سورة التوبة، الآية: 38
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» فيض العليم ... سورة التوبة، الآية: 16
» فيض العليم ... سورة التوبة، الآية: 95
» فيض العليم ... سورة التوبة، الآية: 17
» فيض العليم ... سورة التوبة، الآية: 33
» فيض العليم ... سورة التوبة، الآية: 48

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
روضة الشاعر عبد القادر الأسود :: ...:: الروضة الروحانية ::... :: روضة الذكر الحكيم-
انتقل الى: