روضة الشاعر عبد القادر الأسود
بعد الصلاة على الرحمة المهداة

أهلا وسهلا بك في روضتنا

يسرنا تسجيلك

روضة الشاعر عبد القادر الأسود
بعد الصلاة على الرحمة المهداة

أهلا وسهلا بك في روضتنا

يسرنا تسجيلك

روضة الشاعر عبد القادر الأسود
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

روضة الشاعر عبد القادر الأسود

منتدى أدبي اجتماعي يعنى بشؤون الشعر والأدب والموضوعات الاجتماعي والقضايا اللإنسانية
 
مركز تحميل الروضةالرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
بسـم الله الرحمن الرحيم  :: الحمد لله رب العالمين * الرحمن الرحيم * مالك يوم الدين * إياك نعبد وإياك نستعين * إهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين أنعمت عليهم * غير المغضوب عليهم ولا الضــالين ....  آميـــن

 

 فيض العليم ... سورة الأنفال، الآية: 5

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
عبد القادر الأسود

¤° صاحب الإمتياز °¤
¤° صاحب الإمتياز °¤
عبد القادر الأسود


عدد المساهمات : 3986
تاريخ التسجيل : 08/09/2011
العمر : 76
المزاج المزاج : رايق
الجنس : ذكر
فيض العليم ... سورة الأنفال، الآية: 5 Jb12915568671



فيض العليم ... سورة الأنفال، الآية: 5 Empty
مُساهمةموضوع: فيض العليم ... سورة الأنفال، الآية: 5   فيض العليم ... سورة الأنفال، الآية: 5 I_icon_minitimeالسبت يناير 17, 2015 6:35 am

كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ (5)
قولُه ـ تَعَالَى وعزَّ: {كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ} الخروج هو مُفارقةُ المنزلِ والبلَدِ إلى حينِ الرجوعِ إلى المكانِ الذي خَرَج مِنهُ، أَوْ إلى حينِ البُلوغِ إلى المَوضِعِ المُنْتَقَلِ إليْهِ. والخِطابُ لِسَيِّدِنا محمَّدٍ رسولِ اللهِ ـ صلى اللهُ عليه وسلمُ، لِيُخْبِرَهُ بأَنَّ فريقاً من أَصْحابِه قدْ كرِهُوا قِسْمَةَ الأَنْفالِ التي أَمَرَهُ اللهُ بها كَما كَرِهِوا الخُروجَ للقاءِ المُشركينَ مِنْ قَبْلُ، وفَضَّلوا اعْتِراضَ قافِلَةِ قُريْشٍ التِجارِيَّةِ التي كانتْ عائدةً مِنَ الشامِ بِقيادَةِ أَبي سُفيانَ، وكان ذلك في أوائلِ رَمضان من  السنة الثانيةِ للهجرةِ، وتلكَ الكراهيَةُ مِنْ قِبَلِ النَفْسِ وطَبْعِ البَشَرِيَّةِ، لا مِنْ قِبَلِ الإنْكارِ في قُلوبهم لأَمْرِ اللهِ ورَسُولِهِ، فإنهم راضون مُسْتَسْلِمونَ، غيرَ أَنَّ الطَبْعَ يَغْلِبُ أحياناً، والعبدُ مَأْمورٌ بمُخالَفَتِهِ وجِهادِهِ. واللهُ سبحانه قدَّرَ ما فِيهِ مَصْلَحَتُهم في الثانيَةِ كما قَدَّرَ ما فِيه مَصْلَحَتُهم في الأُولى، وكُلُّ ما فعلَ الرسولً ـ صلى اللهُ عليه وسلم، ويَفْعلُ إنّما هوَ حَقٌّ أَمْرَهُ اللهُ بِهِ، لا عن هوىً مِنْ نَفْسِهِ ورغبةً.
قولُه: {وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ} وَكَان فريقٌ مِنَ المُؤْمِنِينَ كَارِهُينَ لِلْحَرْبِ، وهؤلاءِ هُمُ الذين تَثاقَلُوا وَقْتَ العَزْمِ على الخُروجِ مِنَ المَدينةِ، والذين اختاروا العِيرَ دُونَ النَفيرِ حِينَ الاسْتِشارَةِ، لأنَّ ذلكَ كُلَّهُ مُقْتَرِنٌ بالخُروجِ. وَقدْ نَصَرَكُمْ عَلَيْهِمْ، فَكَانَ فِي ذَلِكَ مَصْلَحَةُ الإِسْلاَمِ وَالمُسْلِمِينَ. وذلك أَنَّ عِيرَ قريشٍ أَقْبَلَتْ مِنَ بلادِ الشامِ وعددُها أَلفُ بعيرٍ فيها أَمْوالٌ عَظيمَةٌ لقريشٍ، ومَعَها أَرْبَعُونَ راكِباً، فأَخْبَرَ جبريلُ ـ عليه السلامُ، النبيَّ ـ صَلى الله عليه وسَلَّم بِذلك، فخَرَجَ بالمُسْلِمينَ، فعلمَ قائدُ القافلةِ أبو سُفيانَ بِذَلِكَ فغَيَّرَ طريقَ القافلة وأَرسَلَ إلى أَهْلِ مَكَّةَ يعلمهم بذلك لينقذوا عيرَهم ويمنعوا مالهم، فاجْتَمَعت قُريشُ وخَرَجُوا في تِسْع مئةٍ وخمسين رجلاً؛ فيهم مِئتا فارسٍ ليَمْنَعوا عِيرَهم. فَنَزَلَ جِبْريلُ ـ عليهِ السَلامُ، فقالَ: يا محمَّدُ إنَّ اللهَ قدْ وَعَدَكُمْ إحْدَى الطائفتَين، إمَّا العيرَ وإمَّا النفيرَ، فاسْتَشارَ أصحابَهُ، فقالوا: العيرُ أَحَبُّ إلَيْنا مِنْ لقاءِ العَدُوِّ، فقالَ: إنَّ العِيرَ قدْ مَضَتْ على ساحِلِ البَحْرِ، وهذا أَبُو جهْلٍ قَدْ أَقْبَلَ. وذلك أَنهم خَرَجُوا عَلى نِيَّةِ التَعَرُّضِ للعِيرِ، وأَنْ ليسَ دُونَ العِيرِ قِتالٌ، فلمَّا أَخْبرَهم عَنْ تَجَمُّعِ قُريشٍ لِقتالهم تَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ فأَحْسَنَ، وتَكَلَّمَ عُمَرُ فأَحْسَنَ، وتكلَّمَ سَعْدُ ابْنُ عُبادَةَ فَأَحْسَنَ، ثمَّ قامَ المِقْدادُ بْنُ الأَسْوَدِ فقال: يا رَسُولَ اللهِ امْضِ لما أَراكَ اللهُ فَنَحْنُ مَعَكَ، واللهِ لا نَقولُ لكَ كَما قالتْ بَنُو إسْرائيلَ لموسى اذْهَبْ أَنْتَ ورَبُّكَ فقاتِلا إنَّا هَهُنا قاعِدونَ، ولكنْ اذْهَبْ أَنْتَ وربُّكَ فقاتِلا إنَّا مَعَكُما مُقاتِلونَ، نُقاتِلُ عَنْ يمينِكَ وعَنْ شمالِكَ وبَينَ يَديكَ وخَلْفَكَ، فوَ الذي بَعَثَكَ بالحَقِّ لَوْ سِرْتَ بِنا إلى "بَرْك الغَمادِ"  لجادَلْنا مَعَكَ مَنْ دُونَهُ حتى تَبْلُغَهُ. (وبركُ الغمادِ بِفَتْحِ باءِ بَركِ وغَينِ الغَمادِ مَوْضِعٌ باليَمَنِ بَعيدٌ جِداً عَنْ مَكَّةَ يشتهر بكثرة سِباعِه). ثمَّ قالَ رسولُ الله ـ صَلى اللهُ عليه وسلَّم: ((أشيروا عليَّ أَيُّها الناسُ)). وإنَّما يُريدُ الأَنْصارَ، لأنهم حينَ بايَعوهُ بالعَقَبَةِ قالوا يَوْمَئِذٍ: (إنَّا براءٌ مِنْ ذِمامِكَ حتى تََصِلَ إلى دِيارِنا فإذا وَصَلْتَ إليْنا فانَّكَ في ذِمَّتِنا نَمْنَعُكَ ممَّا نَمْنَعُ مِنْهُ أَبْناءَنا ونِساءَنا) فكانَ رَسُولُ اللهِ يَتَخَوَّفُ أَنْ يَكونَ الأَنْصارُ لا يَرَوْنَ نَصْرَهُ إلاَّ ممّنْ دَهَمَهُ بالمَدينةِ، وأَنْ لَيْسَ عَلَيْهِم أَنْ يَسيرَ بِهِمْ مِنْ بِلادِهم، فلمَّا قالَ رَسُولُ اللهِ ـ صلى اللهُ عليْه وسَلَّمَ: ((أَشيروا عليَّ)). قالَ لَهُ سَعْدُ بْنُ مُعاذٍ: "واللهِ لَكَأَنَّكَ تُريدُنا يا رَسولَ اللهِ؟ قالَ أَجَلْ. قالَ: فَقد آمَنّا بِكَ وصَدَّقْناكَ، وشَهِدْنا أَنَّ ما جِئْتَ بِهِ هُوَ الحَقُّ، وأَعْطيناكَ على ذلكَ عُهودَنا ومَواثيقَنا عَلى السَمْعِ والطاعَةِ، فامْضِ يا رَسولَ اللهِ لما أَرَدْتَ فنَحْنُ مَعَكَ، فو الذي بَعَثَكَ بالحَقِّ لَوْ اسْتَعْرَضْتَ بِنا هذا البَحْرَ فَخُضْتَهُ لخُضْناهُ مَعَكَ، وما تَخَلَّفَ مِنَّا رَجُلٌ واحدٌ، وما نَكرهُ أَنْ تَلْقى بِنا عَدَوَّنا غَداً، إنَّا لَصُبْرٌ في الحرْبِ صُدْقٌ في اللّقاءِ، لَعَلَّ اللهَ يُريكَ بِنا ما تَقَرَّبِهِ عَيْنُكَ، فَسِرْ بِنا على بَرَكَةِ اللهِ". فَسُرَّ رَسولُ اللهِ ـ صلى الله عليه وسلَّمَ، ثمَّ قالَ: ((سيروا وأبْشِروا فإنَّ اللهَ قَدْ وَعَدَني إحدى الطائفتين)). وأَخْرجَ ابْنُ جَريرٍ الطبريُّ، وابنُ أَبي حاتمٍ، وابْنُ مَردويْهِ، والبَيْهَقِيُّ في الدَلائلِ عَنْ أَبي أَيوبٍ الأَنْصارِيِّ ـ رضي اللهُ عنه، قال: (قال لنا رسولُ اللهِ ـ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ، ونحنُ بالمَدينةِ، وبَلَغَهُ أَنَّ عيرَ أَبي سُفيان قد أَقبلتْ فقالَ: ((ما تَرَوْنَ فِيها لَعَلَّ اللهَ يُغْنِمْناها وَيُسَلِّمَنا))، فخَرَجْنا، فلَمَّا سِرْنا يَوماً أَوْ يَوْمَينِ أَمَرَنا الرَسُولُ ـ صلى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ، أَنْ نَتَعادَّ فَفَعَلْنا، فإذا نحنُ ثلاثمئةٍ وثَلاثَةَ عَشَرَ رَجُلاً، فأَخْبَرْناهُ بِعِدَّتِنا، فَسُرَّ بِذلِكَ وحمَدَ اللهَ وقالَ: ((عِدَّةُ أَصْحابِ طالوتَ. فقالَ: ما تَرَوْنَ في القَوْمِ فإنَّهم قدْ أُخْبِروا بمَخْرَجِكُم؟)). فقُلْنا: بِذلك يا رَسولَ اللهِ، لا واللهِ ما لَنا طَاقَةٌ بِقِتالِ القَوْمِ، إنَّما خَرَجْنا للعِيرِ، ثمَّ قالَ: ((ما تَرَوْنَ في قِتالِ القَومِ؟)). فقُلْنا مثلَ ذلك، فقالَ المِقْدادُ: لا تَقُولُوا كَما قالَ أَصْحابُ مُوسى لمُوسى {اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إنَّا هَهُنا قاعِدونَ} سورة المائدة، الآية: 24. فأَنْزَلَ اللهُ: كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ" إلى قولِهِ: {وإذْ يَعِدُكُمُ اللهُ إحْدى الطائفتينِ أَنَّها لَكم} فَلَمّا وَعَدَنا اللهُ إحْدى الطائفتين (إمَّا القَوْمَ وإمَّا العِيرَ) طابَتْ أَنْفُسُنا، ثمَّ إنَّا اجْتَمَعْنا مَعَ القَوْمِ فَصَفَفْنا، فقالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلى اللهُ عليه وسَلَّمَ: اللُّهُمَّ إني أَنْشُدُكَ وَعْدَكَ. فقالَ ابْنُ رَواحَةَ: يا رسول الله إني أَريدُ أَنْ أُشيرَ عَلَيْكَ ـ ورَسُولُ اللهِ أَفْضَلُ مِنَ أَنْ نُشيرَ عَلَيْهِ، إنَّ اللهَ أَجَلُّ وأَعْظَمُ مِنْ أَنْ تَنْشُدَهُ وَعْدَهُ. فقال: ((يا بْنَ رَواحَةَ لأَنْشُدَنَّ اللهََ وَعْدَهُ، فإنَّ اللهَ لا يُخْلِفُ المَيعادَ))، فأَخَذَ قَبْضَةً مِنَ التُرابِ فرَمى بها رَسُولَ اللهِ ـ صلى الله عليه وسلم، في وُجُوهِ القومِ فانْهَزَمُوا، فَأَنْزَلَ اللهُ تعالى: {وما رَمَيْتَ إذْ رَميْتَ ولكنَّ اللهَ رَمَى} سورة الأنفال، الآية: 17. فقَتَلْنا وَأَسَرْنا. فقال عُمَرُ: يا رَسولَ اللهِ ما أَرَى أَنْ تَكونَ لَكَ أَسْرى، فإنَّما نحنُ داعونَ مُؤَلِّفون؟ فَقُلْنا مَعْشَرَ الأَنْصارِ: إنَّما يَحْمِلُ عُمَرُ على ما قالَ حَسَدٌ لَنا. فنامَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، ثمَّ اسْتَيْقَظَ، ثمَّ قال: ((اُدْعُو إليَّ عُمَرَ)) فدُعِيَ لَهُ، فقالَ لَهُ: ((إنَّ اللهَ قَدْ أَنْزَلَ عَلَيَّ: {ما كانَ لِنَبيٍّ أَنْ تَكونَ لَهُ أَسْرى ..} سورة الأنفال، الآية: 56.)).
وأَخْرَجَ ابْنُ أَبي شَيْبَةَ في مُصَنَّفِهِ، وابْنُ مَردوَيْهِ عَنْ محمَّدٍ بْنِ عَمْرٍو بْنِ عَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ اللَّيثِيِّ عَنْ أَبيهِ عَنْ جَدِّهِ قال: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، إلى بَدْرٍ، حتى إذا كانَ بالرّوحاءِ خَطَبَ النّاسَ فقالَ: ((كيف تَرَوْنَ؟)) فقالَ أَبُو بَكْرٍ: يا رَسُولَ اللهِ بَلَغَنا أنَّهم كَذا وكَذا، ثمَّ خَطَبَ النّاسَ فقالَ: ((كَيْفَ تَرَوْنَ؟)) فقالَ عُمَرُ مِثْلَ قَوْل أَبي بَكْرٍ، ثمَّ خَطَبَ الناسَ فقالَ: ((كيفَ تَرون؟)) فقالَ سَعْدُ بْنُ مُعاذٍ: يا رَسُولَ اللهِ إيَّانا تُريدُ ..؟ فو الذي أَكْرَمَكَ وأَنْزَلَ عَلَيْكَ الكِتابَ ما سَلَكْتُها قَطُّ، ولا لي بها عِلْمٌ، ولَئِنْ سِرْتَ حَتى تَأْتيَ بَرْكَ الغَمادِ مِنْ ذِي يَمَنٍ لَنَسيرَنَّ مَعَكَ، ولا نَكونَنَّ كالذين قالوا لموسى: {اذْهَبْ أَنْتَ ورَبُّكَ فَقاتِلا إنَّا هَهُنا قاعِدون} سورةُ المائدة، الآية: 24. ولكنِ اذْهَبْ أَنْتَ ورَبُّكَ فقاتِلا إنّا مَعَكُمْ مُتَّبِعون، ولَعَلَّكَ أَنْ تَكونَ خَرَجْتَ لأَمْرٍ وأَحدَثَ اللهُ إليْكَ غيرَهُ، فانْظُرِ الذي أَحْدَثَ اللهُ إليكَ فامْضِ لَهُ، فَصِلْ حِبالَ مَنْ شِئتَ، واقْطَعْ حِبالَ مَنْ شِئْتَ، وعادِ مَنْ شِئْتَ، وسالمْ مَنْ شِئْتَ، وخُذْ مِنْ أَمْوالِنا ما شِئْتَ. فَنَزَلَ القُرآنُ عَلى قولِ سَعْدٍ "كما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بالحَقِّ" إلى قولِهِ: {ويَقْطَع دابِرَ الكَافِرين} وإنَّما رَسُولُ اللهِ ـ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، يُريدُ غَنيمَةً مَعَ أَبي سُفْيانَ فَأَحْدَثَ اللهُ إلَيْهِ القِتالَ.
قوله تعالى: {كَمَا أَخْرَجَكَ} الكافُ في مَحَلِّ رَفْعٍ على أنّها خَبَرُ ابْتِداءٍ مُضْمَرٍ والمعنى: أَنَّهُ شَبَّهَ كَراهِيَةَ أَصْحابِ رَسولِ اللهِ ـ صلى اللهُ عليه وسلَّم، لخُروجِهِ مِنَ المَدينةِ حينَ تَحَقَّقُوا خُروجَ قُرَيْشٍ للدَفْعِ عَنْ أَبي سُفيانَ وحِفْظِ عِِيرِهِ بِكَراهِيَتِهمْ لِنَزْعِ الأنْفالِِِِِِِِِِِ مِنْ أَيْديهم وجَعْلِها للهِ ورَسُولِهِ يَحْكُمُ فيها ما يَشاءُ. وللعُلَماءِ فِي هذه الكاف عِشْرونَ قَولاً هذا، أَوَّلُها وهو قولٌ حَسَنٌ.
وثانيها: أنَّ الكافَ في محَلِّ رَفْعٍ، والتَقْديرُ: كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ فاتَّقوا اللهَ، كأنَّهُ ابتداءٌ وخَبَرٌ. قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وهذا المعنى وَضَعه هذا المفسِّر، وليس من ألفاظ الآية في وِرْدٍ ولا صَدَر.
وثالِثُها: أَنَّ الكافَ نَعْتٌ لمَصدَرٍ محذوفٍ تَقديرُه: الأَنفالُ ثابتةٌ للهِ ثبوتاً كَما أَخْرَجَكَ، أَيْ: ثُبوتاً بالحقِّ كإخْراجِكَ مِنْ بَيْتِكَ بالحَقِّ، يَعْني أَنَّهُ لا مِرْيَةَ في ذلك.
ورابعُها: أَنَّ تَقديرَهُ: وأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكم إصْلاحاً كَما أَخْرَجَكَ. وقد الْتَفَتَ مِنْ خِطابِ الجَماعةِ إلى خِطابِ الواحِدِ.
وخامسُها تَقديرُه: وأَطيعوا اللهََ ورَسُولَهُ طاعةً محقَّقَةً ثابِتَةً كما أخرجكَ، أَيْ: كما أَنَّ إِخراجَ اللهِ إيَّاكَ لا مِرْيَةَ فيهِ ولا شُبْهَةَ.  
وسادسُها: تَقْديرُهُ: يَتَوَكَّلونَ تَوَكُّلاً حَقيقيّاً كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ من بيتِكَ بالحقِّ.
وسابعُها: تَقديرُهُ: هُمُ: المُؤمنونَ حَقّاً كَما أَخْرَجَكَ، فَهو صِفَةٌ لِ "حقّاً".
وثامِنُها: تَقديره: استقرَّ لهم دَرجاتٌ وكذا اسْتِقْراراً ثابتاً كاستقرارِ إخْراجِكَ.
وتاسِعُها: أَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بما بَعدَهُ تقديرُهُ: يُجادِلونَكَ مُجادَلَةً كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ.
وعاشرُها: تقديرُه: "لكارهون" كَراهيةً ثابتةً كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ، أَيْ: إنَّ هَذيْن الشَيْئَينِ: الجدالَ والكراهيةَ ثابتان لا محالةَ، كما أَنَّ إخْراجَكَ ثابتٌ لا مَحالَةَ.
الحادي عشر: أَنَّ الكافَ بمعنى إذْ، و "ما" مَزيدةٌ. والتقديرُ: اذْكُرْ إذْ أَخْرَجَكَ. وهذا فاسدٌ جداً إذْ لم يَثْبُتْ في مَوْضِعٍ أَنَّ الكافَ تَكونُ بمعنى إذْ، وأَيْضاً فإنَّ "ما" لا تُزادُ إلاَّ في مَواضِعَ لَيْسَ هَذا مِنْها.
والثاني عشرَ: أَنَّ الكافَ بمَعنى واو القسم و "ما" بمعنى الذي، واقعةٌ على ذي العلم مُقْسَماً به، وقد وقعت على ذي العلم في قوله: {والسماءِ وَمَا بَنَاهَا} سورة الشمس، الآية: 5. و {وَمَا خَلَقَ الذكر والأُنْثى} سورة الليل، الآية: 3. والتقديرُ: والذي أَخْرَجَكَ، ويكونُ قولُهُ في الآيةِ التي تَليها: {يُجادِلونَكَ في الحقِّ بعدما تبيَّنَ} جوابَ القسم. وهذا قولُ أَبي عُبيدَةَ النحّاسِ. وقدْ رَدَّ الناسُ عَلَيْهِ قاطبةً. وقالوا: كانَ ضَعيفاً في النَحْوِ، ومَتى ثَبَتَ كَوْنُ الكافِ حَرْفَ قَسَمٍ بمَعنى الواوِ؟ وأَيْضاً فإنَّ "يجادلونك" لا يَصِحُّ كونُه جواباً؛ لأنَّهُ على مَذهَبِ البَصْرِيِّينَ مَتى كانَ مُضارِعاً مُثْبَتاً وَجَبَ فيهِ شَيْئانِ: اللامُ وإحْدى النُونَينِ، نحو قولِهِ تعالى في سورة يوسُفَ: {لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً}  الآية: 32، وعندَ الكُوفِيّين: إمَّا اللامُ وإمَّا إحْدى النُونين، و "يجادلونك" عارٍ عَنْهما.
الثالث عَشَرَ: أَنَّ الكافَ بمَعنى "على"، و "ما" بمعنى "الذي" والتقديرُ: امْضِ على الذي أَخْرَجَكَ. وهُوَ ضَعيفٌ لأنَّهُ لم يَثْبَتْ كَونُ الكافِ بمَعنى "على" البَتَّةَ إلاَّ في مَوْضِعٍ يَحْتََمِلُ النِزَاعَ كقولِهِ تعالى في سورة البقرة: {واذْكُروهُ كَمَا هَدَاكُمْ} الآية: 198. أَيْ عَلى هِدايَتِهِ إيَّاكُمْ.
الرابع عَشَرَ: أَنَّها في مَوْضِعِ رَفْعٍ أَيْضاً والتَقديرُ: لهم درجاتٌ عِنْدَ رَبِّهم ومَغْفِرَةٌ ورِزْقٌ كَريمٌ، هذا وعدٌ حقٌّ كَما أَخْرَجَكَ ربُّك بالحقِّ. وهذا فيه حذفُ مُبْتَدَأٍ وخَبرٍ، ولَوْ صَرَّحَ بِذَلِكَ لم يَلْتَئِمِ التَشْبيهُ ولم يَحْسُنْ.
الخامس عشر: أَنَّها في مَوْضِعِ رَفْعٍ أَيْضاً. والتَقديرُ: وأَصْلِحوا ذاتَ بَيْنِكُمْ ذَلِكُمْ خَيرٌ لَكُمْ كَما أَخْرَجَكَ ..، فالكافُ في الحَقيقَةِ نَعْتٌ لِخَبَرِ مُبْتَدَأٍ محذوفٍ. وهُوَ ضَعيفٌ أيضاً.
السادس عَشرَ: أَنَّها صفةٌ لخبر مبتدأ أيضاً وقد حُذف ذلك المبتدأُ وخبرُهُ. والتقديرُ: قِسْمَتُك الغنائمَ حقٌّ كما كانَ إخراجُك حقاً.
السابع عشر: أَنََّ التَشْبيهَ وَقَعَ بين إخراجين أيْ: إخراج رَبِّكَ إيَّاكَ مِنْ بَيْتِكَ وهوَ مَكَّةُ وأَنْتَ كارِهٌ لِخُروجِكَ، وكان عاقبةُ ذلك الإِخراجِ النَصْرَ والظَفَرَ كإخراجِهِ إياكَ مِنَ المدينةِ وبعضُ المؤمنين كارهٌ، ويكون عَقِبَ ذلك الخروجِ الظفرُ والنَصرُ والخيرُ، كما كانَتْ عَقِبَ ذَلك الخُروجِ الأَوَّلِ.
الثامن عَشَرَ: أَنْ تَتَعلَّقَ الكافُ بقولِهِ {فاضْرِبوا}. وبَسْطُ هذا على ما قالَهُ صاحِبُ هَذا الوَجْهِ: الكافُ للتَشْبيهِ على سَبيلِ المجاز، كقولِ القائلِ لِعَبْدِهِ: كما رَجَعْتُك إلى أعدائي فاسْتَضْعَفوكَ وسَأَلْتَ مَدَداً فَأَمْدَدْتُك وأَزَحْتُ عِلَلك فَخُذْهم الآنَ وعاقِبْهم كما أَحْسَنْتُ إليْكَ وأَجْرَيْتُ عليك الرِزْقَ فاعْمَلْ كَذا واشْكُرْني عليه، فتَقديرُ الآية: كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بالحَقِّ وغَشَّاكُمُ النُعاسَ أَمَنَةً مِنْهُ، وأَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ السَماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكم بِهِ، وأَنْزَلَ عَلَيْكم مِنَ السَماءِ مَلائكَةً مُرْدِفين، فاضْرِِبوا فوقَ الأَعْناقِ واضْرِبوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ، كأنَّه يَقولُ: قدْ أَزَحْتُ عِلَلكم وأَمْدَدْتكم بالملائِكَةِ فاضْرِبوا مِنْهم هذِهِ المَوَاضِعَ، وهُو القتلُ لِتَبْلُغوا مُرادَ اللهِ في إحْقاقِ الحَقِّ وإبْطالِ الباطِلِ. وهذا الوَجْهُ بَعْدَ طُولِه لا طائلَ تحتَهُ لبُعْدِهِ مِنَ المَعنى ولكَثْرَةِ الفَواصِلِ.
التاسع عشر: أَنَّ التَقديرَ: كما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بيتِكَ بالحَقِّ، أَيْ: بِسَبَبِ إظْهار دِينِ اللهِ وإعْزازِ شَريعَتِهِ، وقدْ كَرِهُوا خُروجَكَ تَهَيُّباً للقِتالِ وخَوْفاً مِنَ الموتِ؛ إذْ كانَ ـ صلى اللهُ عليه وسلَّمَ، قد أُمِرَ بخُروجِهم بَغْتَةً، ولم يَكونوا مُسْتَعدِّينَ للخُروجِ، وجادَلوكَ في الحَقِّ بَعدَ وُضُوحِهِ، نَصَرَكَ الله وأَمَدَّك بملائِكَتِهِ، ودَلَّ على هذا المحذوفِ الكلامُ الذي بَعدَهُ وهُوَ قولُهُ تعالى بعد ذلك في الآيةِ التاسعة: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ ..}. ويَظْهَرُ أَنَّ الكافَ لَيْسَتْ لِمَحْضِ التَشبيهِ بَلْ فيها مَعنى التَعْليلِ. وقدْ نَصَّ النَحْويّونَ على أَنَّها للتَعليلِ، وخَرَّجوا عَلَيْهِ قولَهُ تعالى في سورة البقرة: {واذكروه كَمَا هَدَاكُمْ } الآية: 198، وأَنْشَدوا عليه لرؤبة بن العجاج:
لا تَشْتُمِ الناس كما لا تُشْتَمُ ...
أي: لانتفاء شتم الناس لك لا تشتمهم. كقولِ الشاعر أبي النجم العجيلي:
قلت لشيبان ادن من لقائه ............... كما تغدِّى الناس من شوائه
ومن الكلام الشائع: كما تُطيعُ اللهَ يُدخِلك الجنَّةَ. أي: لأجلِ طاعتِكَ اللهَ يُدْخِلك، فكذا الآيةُ، والمعنى: لأَنْ خَرَجت لإِعْزازِ دِينِ اللهِ وقَتْلِ أَعدائِهِ نَصَرك وأَمَدَّك بالملائكة.
العشرون تقديرُه: وأَطيعوا اللهَ ورَسُولَهُ إنْ كنتُمْ مُؤمنين، كما إخْراجُكَ في الطاعةِ خيرٌ لَكم، كما كان إخراجُك خيراً لهم.
قوله: {بالحق} الباء في "بِالْحَقِّ" للمُصاحَبَةِ أَيْ إخْراجاً مُصاحِباً للحق، فيَتَعَلَّقُ بمَحذوفٍ على أَنَّهُ حالٌ مِنْ مَفْعولِ "أَخْرَجَكَ" أيْ: مُلْتَبِساً بالحَقِّ. أو يتَعلِّقٌ بالفِعْلِ، أَي: بِسَبَبِ الحَقِّ، أيْ: إنَّهُ إخْراجٌ بِسَبَبِ حَقٍّ يَظْهَرُ وهُوَ عُلُوُّ كَلِمَةِ الإِسْلامِ، والنَصرُ على أعداءِ اللهِ من المشركين بِهِ.
قولُهُ: {وَإِنَّ فَرِيقاً من المؤمنين لكارهون} الواو للحال، والجُمْلَةُ في محَلِّ نَصْبٍ على الحالِ مِنْ أَخْرَجَكَ، هذا ما أَفادَتْهُ "مَا" المَصْدَرِيَّةِ في "كَما"، أَيْ: أَخْرَجَكَ في حالِ كَراهِيَةِ فَريقٍ مِنَ المؤمنين. ولِذلِكَ كُسِرَتْ همْزةُ "إِنَّ". و "كارهون" مَفْعولُهُ محْذوفٌ، أَيْ: لَكارِهونَ الخُروجَ، وسَبَبُ الكَراهَةِ: إمَّا نَفْرَةُ الطَبْعِ ممَّا يُتَوقَّعُ مِنَ القِتالِ، وإِمَّا لِعَدَمِ الاسْتِعْدادِ.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
فيض العليم ... سورة الأنفال، الآية: 5
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» فيض العليم ... سورة الأنفال، الآية: 2
» فيض العليم ... سورة الأنفال، الآية: 18
» فيض العليم ... سورة الأنفال، الآية: 34
» فيض العليم ... سورة الأنفال، الآية: 50
» فيض العليم ... سورة الأنفال، الآية: 66

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
روضة الشاعر عبد القادر الأسود :: ...:: الروضة الروحانية ::... :: روضة الذكر الحكيم-
انتقل الى: