روضة الشاعر عبد القادر الأسود
بعد الصلاة على الرحمة المهداة

أهلا وسهلا بك في روضتنا

يسرنا تسجيلك

روضة الشاعر عبد القادر الأسود
بعد الصلاة على الرحمة المهداة

أهلا وسهلا بك في روضتنا

يسرنا تسجيلك

روضة الشاعر عبد القادر الأسود
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

روضة الشاعر عبد القادر الأسود

منتدى أدبي اجتماعي يعنى بشؤون الشعر والأدب والموضوعات الاجتماعي والقضايا اللإنسانية
 
مركز تحميل الروضةالرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
بسـم الله الرحمن الرحيم  :: الحمد لله رب العالمين * الرحمن الرحيم * مالك يوم الدين * إياك نعبد وإياك نستعين * إهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين أنعمت عليهم * غير المغضوب عليهم ولا الضــالين ....  آميـــن

 

 فيض العليم ... سورة الأعراف، الآية: 205

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
عبد القادر الأسود

¤° صاحب الإمتياز °¤
¤° صاحب الإمتياز °¤
عبد القادر الأسود


عدد المساهمات : 3986
تاريخ التسجيل : 08/09/2011
العمر : 75
المزاج المزاج : رايق
الجنس : ذكر
فيض العليم ... سورة الأعراف، الآية: 205 Jb12915568671



فيض العليم ... سورة الأعراف، الآية: 205 Empty
مُساهمةموضوع: فيض العليم ... سورة الأعراف، الآية: 205   فيض العليم ... سورة الأعراف، الآية: 205 I_icon_minitimeالأحد يناير 11, 2015 4:15 am

وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ
(205)
قولُهُ ـ تعالى شأنُه: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ} يَأْمُرُ اللهُ تَعَالَى عِبَادَهُ بِذِكْرِهِ كَثِيراً فيقولُ لِنَبِيِّهِ ـ صَلى اللهُ عليه وسَلَّمَ، ولمنْ تَبِعَهُ: "واذكر ربك في نفسك" أي: في قَلْبِكَ؛ بِحَرَكَةِ لِسانِ القَلْبِ، أَوْ في نفسِكِ؛ سِرًّا بحَرَكَةِ لِسانِ الحِسِّ. وَبِالقَوْلِ خُفْيَةً وَسِرّاً، لاَ جَهْراً، وَلِذَلِكَ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ الذِّكْرُ خَفِيّاً لاَ نِدَاءً وَلاَ جَهْراً بَلِيغاً، وَبِأنْ لاَ يَكُونَ الإِنْسَانُ غَافِلاً عَنْ ذِكْرِ اللهِ، وَأَنْ يَسْتَشْعِرَ قَلْبُهُ الخُضُوعَ لَهُ، وَالخَوْفَ مِنْ قُدْرَتِهِ. والذِكرُ ما كان باللّسان، وهُو المراد هنا، يَدُلُ على ذلك قولُهُ "وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ" ويَشْمَلُ قِراءَةَ القُرآنِ وما فيه تمجيدُ اللهِ وشُكْرُهُ مثلَ كَلِمَةِ التَوحيدِ، والحوقَلَةَ، والحمدلةَ، والتَسبيحِ، والتَكبيرَ، والدعاءَ والتَضَرُّعَ التَذَلُّلَ ولمَّا كانَ التَذَلُّلَ يَسْتَلْزِمُ الخِطابَ بالصَوْتِ المُرْتَفِعِ في عادَةِ العَرَبِ كُنّيَ بالتَضَرُّعِ عَنْ رَفْعِ الصَوْتِ مُراداً بِهِ مَعناهُ الأَصْلِيَّ والكِنائيَّ، ولِذلكَ قُوبِلَ بالخُفْيَةِ في قولِهِ: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً} في أوائل هذه السورةِ، وقُوبِلَ التَضَرُّعُ هُنا بالخِيفَةِ، وهيَ اسْمُ مَصْدَرِ الخَوْفِ.
قولُهُ: {تَضَرُّعًا وَخِيفَةً} مُتَضَرِّعًا وخائفًا، رَغْبَةً في رِضاهُ وقُربِهِ وعظيم إفضاله، وَرَهْبَةً مِنْ غِضِبِهِ وعَذابِهِ، وهو مُقابِلٌ لِكُلٍّ مِنَ التَضَرُّعِ والخِيفَةِ، وهُو الذِكُرُ المُتَوَسِّطُ بينَ الجَهْرِ والإسرارِ، والمَقْصُودُ مِنْ ذَلكَ اسْتيعابُ أَحْوالِ الذِكْرِ باللِّسانِ، لأنَّ بَعْضَها قَدْ تَكونُ النَفْسُ أَنْشَطَ إليْهِ مِنها إلى بَعضِها الآخَرَ.
قولُهُ: {وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ} أيْ: مُتَكَلِّمًا كَلامًا فوقَ السِرِّ ودُونَ الجَهْرِ، فإنَّهُ أَدْخَلُ في الخُشوعِ والإخْلاصِ. وفي الصحيحين عَنْ أَبي مُوسى الأَشْعَرِيِّ ـ رضي اللهُ عنه، قال: رَفَعَ النَّاسُ أَصْواتَهم بالدُعاءِ، فقالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلى اللهُ عليْهِ وسَلَّم: ((أَيُّها النَّاسُ ارْبَعوا على أَنْفُسِكم فإنَّكم لا تَدْعُونَ أَصَمَّ ولا غائباً، إنَّ الذي تَدْعونَ سميعٌ قَريبٌ" الحديث. وفي الذِكْرُ بالقولِ "دون الجهر"، تَعْظيمٌ لِجَنابِهِ تَعالى إذْ يَعْلَمُ اللهُ ما يَجُولُ في خَلَدِ الإنْسانِ وما يَنْطِقُ بِهِ لِسانُه سِرًّا كان أوْ جَهْرًا. وفيه كذلك اجتنابٌ مِنَ السُمْعَةِ والرِياءِ. وقد تَبَيَّنَ مِنْ هذِهِ الآيةِ الكَريمةِ أَنَّه لا يَتِم الذِكْرُ إلاّ بالقول. أَيْ بإخراجِ الحروفِ مِنْ مخارِجِها مَعَ صَوْتٍ أَدْناهُ أَنْ يُسْمِعَ الذاكرُ نَفْسَهُ. وإلاَّ بَطلَ الحُكمُ بالقَوْلِ، واخْتَفَتِ الحِكْمةُ، واقْتَصَرَ الأَمْرُ على مُجَرَّدِ التَصَوُّرِ والتَفَكُّرِ؛ مَعَ أَنَّ المُرادَ مِنَ الآيةِ الكَريمةِ هُو القولُ دونَ الجَهْرِ، ولَيْسَ التَصَوُّرُ والتَفَكُّرُ؛ وإنْ كانَ المَطْلوبُ مِنَ الذاكِرِ أَنْ يَكونَ حاضِرَ القَلْبِ مُتَأَمِّلاً في مَعْنى كُلِّ كَلِمَةٍ يَذْكُرُها. وفي هَذا البابِ يَقولُ الإمامُ النَوَوِيُّ رَحمهُ اللهُ: (اعْلَمْ أَنَّ الأَذْكارَ المَشْروعَةَ في الصَلاةِ وغيرِها واجبةً كانتْ أَوْ مُسْتَحَبّةً، لا يُحْسَبُ شَيْءٌ مِنْها، ولا يُعْتَدُّ بِهِ حتّى يُتَلَفَّظَ بِهِ بِحَيْثُ يُسْمِعَ نَفْسَهُ إذا كان صَحيحَ السَمْعِ لا عارضَ لَهُ). فالذِكْرُ شَيْءٌ والفِكْرُ شَيْءٌ آخَرُ. وَقَدْ جَمَعَ اللهُ تعالى بَينَ هذَيْنِ المَفْهومَيْنِ وبَيَّنَ، سُبْحانَهُ وتَعالى، الفَرْقَ بَيْنَهُما في آيةٍ واحدةٍ، وهُوَ مِثالٌ رائعٌ مِنَ الإعْجازِ القُرآنيّ، بقولِهِ في سورة آلِ عمران: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاِت وَاْلأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُولِي اْلأَلْبَابِ* الّذينَ يَذْكُرُونَ الله قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَاْلأَرْضِ} الآيتان: 190 و 191.
ولا حُجَّة في الآيةِ لمنْ مَنَعَ الذِكْرَ جَهْرًا؛ لأنَّ الآيةَ مَكِيَّةً حينَ كانَ الكُفْرُ غالبًا، فكان المشركون يَسبًّون الذِكْرَ والمَذْكورَ، ولمَّا هاجَرَ المصطفى ـ صلى الله عليهِ وسَلَّم، إلى المَدينةِ، جَهَرَ وجَهَرَ الصَحابةُ بالتَكْبيرِ والذِكْرِ. فالآيةُ مَنْسوخَةٌ بقولِهِ تَعالى في سورةِ الحجر: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ} الآية: 94، وفي هذا تَعليمٌ للمُسْلِمين باسْتِواءِ الجَهْرِ والسِرِّ في الدُعاءِ، وإبْطالٌ لِتَوَهُّمِ المُشْرِكينَ أَنَّ الجَهْرَ أَقْرَبُ إلى عِلْمِ اللهِ مِنَ السِرِّ، كَما دَلَّ عليه الخَبرُ المَرْوِيُّ عَنْ ابْنِ مَسْعودٍ ـ رضي اللهُ عنه،  في صحيحِ البُخاريِّ أنَّهُ قالَ: اجْتَمَعَ عِنْدَ البَيْتِ ثَقَفِيَّانِ وقُرَشِيٌّ، أوْ قُرَشِيَّانِ وَثَقَفِيٌّ، كَثيرةٌ شَحْمُ بُطونهم، قليلةٌ فِقْهُ قُلوبهم، فقالَ أَحَدُهم: أَتَرَوْنَ أَنَّ اللهَ يَسْمَعُ ما نَقولُ? قالَ الآخَرُ: يَسْمَعُ إنْ جَهَرْنا ولا يَسْمَعُ إنْ أَخْفَيْنا?، وقالَ الآخَرُ: إنْ كانَ يَسْمَعُ إذا جَهَرْنا، أَيْ: وَهُوَ بَعيدٌ عَنَّا فإنَّهُ يَسْمَعُ إذا أَخْفَيْنا. فأَنْزَلَ اللهُ تَعالى: {وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصَارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ} سورةُ فُصِّلَتْ، الآية:22. وقد ذَكَرَ الإمامُ السُيوطِيُّ في كِتابِهِ الحاوي في الفتاوي. مَسْألةَ الجهرِ بالذِكْرِ والإسْرارِ فيهِ فأَجابَ عَنْ كُلِّ التَساؤلاتِ المَطْروحَةِ في هذِهِ المَسْأَلَةِ. وقدْ صَنَّفَ ـ رحمَه اللهُ، كتاباً خاصّاً بمشروعيَّةِ الجَهْرِ بالذكْرِ اخْتَارَ فِيهِ خمسةً وعِشْرينَ حديثاً مِنَ الأَحاديثِ الواردةِ في هذا البابِ، تحُضُّ على الجهرِ بذِكرِ اللهِ تعالى، شَرَحَها وَعلَّقَ عَلَيْها، سماهُ (نَتيجَةُ الفِكْرِ في الجَهْرِ بالذِكْر) ومنْ الأَحاديثِ التي تبيِّنُ مشروعيَّةَ الجهر بذكر اللهِ تعالى مَا أَخْرِجَ مُسْلِمٌ عَنْ عَبْدِ اللهِ ابْنِ الزُبيرِ ـ رَضي الله عنهما، قالَ: كانَ رَسُولُ اللهِ ـ صلى اللهُ عليْهِ وسَلَّمَ، إذا سَلَّمَ مِنْ صلاتِهِ يَقولُ بِصَوْتِهِ الأََعْلى: ((لا إلهَ إلاَّ اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ، لَهُ المُلكُ ولَهُ الحمدُ وهُوَ عَلى كُلِّ شيءٍ قديرٌ، لا حَوْلَ ولا قُوَّةَ إلاَّ باللهِ، ولا نَعْبُدُ إلاَّ إيَّاهُ، لَهُ النِعْمَةُ ولَهُ الفَضْلُ ولَهُ الثَناءُ الحَسَنُ، لا إِلهَ إلاَّ اللهُ مُخْلِصينَ لَهُ الدِينَ ولَوْ كَرِهَ الكافرون)). صحيح مسلم، كتاب المساجد ومواقع الصلاة، والترمذي في كتاب الصلاة. وأخرج مسلم في كتاب الذكرِ والترمذيُّ في كتاب الدعوات عن معاويةَ بنِ أبي سفيان ـ رضي اللهُ عنهما، أنَّ النبيَّ ـ صلى اللهُ عليه وسلمَ، خرجَ على حلقةٍ من أصحابِهِ فقال: ((ما يُجلِسُكم؟)) قالوا: جَلَسْنا نَذْكُرُ اللهَ ونَحمَدُهُ فقال: إنَّه أتاني جبريلُ فأخبرني أنَّ اللهَ يباهي بكمُ الملائكةَ)). ومِنْ ذلك ما أَخْرَجَ البُخاريُّ في صَحيحِهِ، والنَسائيُّ، والتِرْمِذِيُّ، وابْنُ ماجة، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ ـ رضي اللهُ عَنْهُ ـ أَنَّه قال: قالَ رَسولُ الله ـ صلى اللهُ عليه وسلم: ((يقولُ اللهُ: أنَا عندَ ظنِّ عَبْدي بي، وأَنَا مَعَهُ إذا ذَكَرَني، فإنْ ذَكَرَني في نفسِهِ ذَكَرْتُهُ في نَفْسي، وإنْ ذَكَرَني في مَلأٍ ذَكرتُهُ في مَلأٍ خَيْرٍ مِنْهم)). أي: في مَلأِ المَلائِكَةِ والنبيين، ولا يَكونُ الذِكْرُ في مَلأٍ إلاَّ جَهْراً. وأَخْرَجَ البَيْهَقِيُّ عَنْ زَيْد بْنِ أَسْلَمَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قالَ ابْنُ الأَدْرَعِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: (انْطَلَقْتُ مَعَ النَبيِّ ـ صلى اللهُ عليه وسلَّمَ، ليلةً؛ فمرَّ برجُلٍ في المسجدِ يَرْفَعُ صَوْتَهُ، قلتُ: يا رَسولَ اللهِ، عَسى أَنْ يَكونَ هذا مُرائِياً؟ قال: ((لا، ولكنَّهُ أَوَّهٌ)), الحاوي للفَتاويِ للإمامِ السيُوطيِّ: ج1 ص: 391. وفي صحيح البُخاريِّ عن ابْنِ عبَّاسٍ ـ رضيَ اللهُ عنهما، قال: (إنَّ رفعَ الصوتِ بالذكرِ حينَ يَنْصَرِفُ النَّاسُ مِنَ المَكْتُوبَةِ كانَ عَلى عَهْدِ النبيِّ ـ صَلّى اللهُ عليهِ وسَلَّم. قالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كُنْتُ أَعْلَمُ إذا انْصَرَفوا بِذَلِكَ إذا سمِعْتُهُ). قالَ الحافظُ ابْنُ حَجر العَسقلانيُّ: المعنى كنتُ أَعْلَمُ انْصرافَهم بِسَماعِ الذِكْرِ. فتحُ الباري شرح صحيح البُخاري: ج2، ص: 259. وأَخْرَجَ الإمامُ أحمد، والتِرْمِذِيُّ وأَبو داوودَ عَنِ السائبِ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُ، أنَّ رسولَ اللهِ ـ صلى اللهُ عليه وسلَّمَ، قالَ: ((جاءني جبريلً قال: مُرْ أصحابكَ يرفعوا أَصْواتَهم بالتَكْبيرِ)). صَحَّحَهُ الإمامُ السيُوطِيُّ في الحاوي للفَتاوي: ج1 ص: 389. وقدْ جمَعَ الإمامُ النووِيُّ ـ رحمَهُ اللهُ، بَيْنَ الأدِلَّةِ على صِحَّةِ الجَهْرِ بالذِكْرِ والإسْرارِ به فَقالَ: الإخفاءُ أَفْضَلُ حَيْثُ خافَ الرياءَ، أَوْ تَأذّى بِهِ مُصلُّونَ، أَوْ نِيامٌ، والجَهْرُ أَفْضَلُ في غَيرِ ذَلكَ لأَنَّ العَمَلَ فيهِ أَكْثَرُ، ولأنَّ فائدتَه تَتَعَدَّى للمُسْلِمين، ولأنَّهُ يُوقِظُ القارئََ، ويجمَعُ هَمَّهُ إلى الفِكْرِ، ويَصْرِفُ سمعَهُ إليْهِ، ويَطْرُدُ النومَ، ويَزيدُ في النَشاطِ. وقالَ بعضُهم، يُسْتَحَبُّ الجَهْرُ بِبَعضِ القِراءَةِ والإسْرارُ بِبَعْضِها لأنَّ المُسِرَّ قدْ يَمَلُّ فَيَأْنَسُ بالجَهْرِ، والجاهِرَ قَدْ يَكِلُّ فَيَسْتَريحُ بالإسْرارِ. وكَذلِكَ القولُ في الذِكْرِ على هذا التَفْصيلِ، واللهُ أعلم. أخيراً فإنَّ قولَهُ تَعالى في الآيةِ السابِقَةِ: {وإذا قُرئَ القرآنُ فاستمعوا لَهُ} تَخُصُّ بما لا يَدَعُ مجالاً للشكِّ، التِلاوَةِ الجَهْرِيَّةِ للقُرْآنِ الكَريمِ ـ وهُوَ مِنَ الذِكْرِ ـ لأنَّ الاسْتِماعَ إنما يكونُ للمَجهورِ بِهِ لا للمَهْمُوسِ الخافتِ أَوِ المُسَرِّ بِهِ. وقَدْ فَصَّل العُلَماءُ في ذِكْرِ الأَوْقاتِ والحالاتِ التي يُسْتَحَبُّ فيها الجَهْرُ بالذِكْرِ والتي يُسْتَحَبُّ فيها الإسرارَ به. ورووا على ذلك الكثيرَ الكثيرَ من الأحاديث الشريفة، فَلْيُطْلَبْ ذَلكَ في مَظَانِّهِ، وقدْ أوردنا هُنا ما فيهِ بًلْغةٌ وذِكْرى لمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أوْ أَلْقى السَمْعَ وهُوَ شَهيدٌ، أمّا أولئك الذين طمس اللهُ على قلوبهم فاستحوذ عليها الشيطانُ حتى ناصَبُوا أَوْلياءَ اللهِ العِداءَ، فإنّهم معانِدونَ مجادِلونَ، يُشْبِهونَ في تَعَنُّتِهم وعدم انصياعهم للدليل الواضحِ الصريح مَنْ قالَ اللهُ في حَقِّهم: {وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ سورة البَقَرَةِ، الآية: 145. فإنَّ الهدى هدى اللهِ ومَنْ يضللِ اللهُ فما له من هاد.
وقَدْ نُميَ إليَّ أَنَّ أَحَدَهُم اعْتَرَضَ على تِلاوَةِ سُورَةِ الإخلاصِ بين الترويحاتِ خلال صلاةِ قيامِ رَمضانَ محْتَجّاً بما نُسِبَ إلى الصحابيِّ الجليلِ عَبْدِ اللهِ ابْنِ مَسعودٍ ـ رضيَ اللهُ تعالى عَنْهُ، مِنْ أنَّهُ رَأى جماعةً من المسلمين يَذْكُرونَ اللهَ تعالى في المَسْجِدِ فاتَّهمَهم بالابْتِداعِ، وما زَالَ بهم حَتى أَخْرَجَهم مِنَ المَسْجدِ، فذَهَبْتُ إلى المَسْجِدِ الذي خَطَبَ فِيهِ، وبيَّنْتُ أَنَّ هَذا النَقْلَ عَنِ ابْنِ مَسْعودٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ غيرُ صَحيحٍ، بِدَليلِ ما قالَ السيوطيُّ في كتابِهِ (نَتيجَةُ الفِكْرِ في الجَهْرِ بالذِكْرِ) ما نَصُّهُ: فإنْ قُلْتَ: فَقَدْ نُقِلَ عَنِ ابْنِ مَسعودٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّه رَأَى قَوْماً يُهَلِّلونَ بِرَفْعِ الصَوْتِ في المَسْجِدِ فقالَ: ما أَراكُم إلاَّ مُبْتَدِعينَ حتى أَخْرَجَهم مِنَ المَسْجِدِ، قُلْتُ: هَذا الأَثَرُ عَنِ ابْنِ مَسْعودٍ يحتاجُ إلى بَيانِ سَنَدِهِ، ومَنْ أَخْرَجَهُ مِنَ الأَئِمَّةِ الحُفّاظِ في كُتُبِهم، وعَلى تَقديرِ ثُبوتِهِ، فَهُوَ مُعارَضٌ بالأَحاديثِ الكَثيرةِ الثابِتَةِ المًتَقَدِّمَةِ، وهيَ مُقدَّمةٌ عَليْهِ عِنْدَ التَعارُضِ، ثمَّ رَأَيْتُ ما يَقْتَضي إِنْكارَ ذلكَ عَنِ ابْنِ مَسْعودٍ، قالَ الإمامُ أَحمد بْنُ حَنْبَل في كتابِ الزُهْدِ: حَدَّثنا حُسَينُ ابْنُ محمّدٍ، حدَّثَنا المَسْعودِيُّ عَنْ عامِرٍ بْنِ شَقيقٍ عَنْ أَبي وائلٍ قالَ: هَؤلاءِ الذينَ يَزْعمونَ أَنَّ عَبْدَ اللهِ كانَ يَنْهى عَنِ الذِكْرِ، ما جالَسْتُ عَبْدَ اللهِ مجلِساً إلاَّ ذَكَرَ اللهَ فيهِ. ثمَّ ذكرتُ لهم أَربعةَ أحاديث صحيحةٍ في مشروعيَّةِ الجهرِ بذِكْرِ اللهِ تَعالى والاجتماعِ على ذلك، ورجوت الجميع عدمَ إثارة ما من شأنِه شقُّ صفوف المسلمين في وقتٍ نحن أشدُّ ما نكونُ فيه أحوجُ إلى رصّها خاصةً وإنَّ الأممَ قد تداعتْ علينا ما لم نعرفْ من قبلُ مثلَهُ، ولْيَعْذُرْ بَعْضُنا بَعْضاً فيما ذَهَبَ إليْهِ مِنْ فَهمِ النُصوصِ، لكنَّ ذلك كُلَّهُ لم يَنْفَعْ في كَفِّ هؤلاءِ عَنْ تَغَوُّلهم، عَلى النَّاسِ، وحملِهم على اتِّباعِ ما يَذْهبونَ إلَيْهِ مِنْ مَفاهيمَ خالَفُوا فيها جماعةَ المُسلمين، فما كانَ مِنْ هَؤلاءِ إلاَّ أَنْ مَنَعُوا ذَلِكَ بِقُوَّةِ السِلاحِ، وفَرَضُوا على الناسِ مذهبهم في هذِهِ كما يَفْرِضونَهُ في غَيرِها، دُونما فهمٍ ولا تَعَقُّلٍ، ولا وقفٍ عند أَمْرِ اللهِ ونهيِهِ، ولا وازِعٍ، ولا خَوْفٍ مِنَ  عاقبةِ الاجْتِراءِ على اللهِِ تَعالى، ولا رادعٍ، فَلا حولَ ولا قوَّةَ إلاَّ باللهِ العليِّ العظيم، وحَسْبُنا اللهُُ ونِعْمَ الوَكِيلُ.                  
قولُهُ: {بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ} فِي أَوْلِ النَّهَارِ وَفِي آخِرِهِ، كَمَا أَمَرَ عِبَادَه بِعِبَادَتِهِ فِي هَذينِ الوَقْتَينِ، وَكَانَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ تُفْرَضَ الصَّلَوَاتُ الخَمْسُ لَيْلَةَ الإِسْرَاءِ، و "الغُدُوّ" اسْمٌ لِزَمَنِ الصَباحِ وهُوَ النِصْفُ الأَوَّلُ مِنَ النَهارِ. و "الآصال" جمعُ أَصيلٍ وهوَ العَشِيُّ وهُوَ النِصْفُ الثاني مِنَ النَهارِ إلى الغُروبِ. والمقصودُ اسْتيعابُ أَجْزاءِ النَهارِ بحسَبِ المُتَعارَفِ فأمَّا الليلُ فَهُوَ زَمَنُ النَوْمِ، و خُصَّتِ الأَوْقاتُ التي تَحْصُلُ فيها اليَقَظَةُ مِنْهُ بِأَمْرٍ خاصٍّ مِثلَ قولِهِ تَعالى في سورة المزّمِّل: {قُمِ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً} الآية:2. على أنها تَدْخُلُ في عُمومِ قولِهِ: "وَلا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ".
قولُهُ: {وَلا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ} تحذيرٌ مِنَ الغَفْلَةِ عَنْ ذِكْرِ اللهِ، وهو أَشَدُّ في الانْتِفاءِ وفي النَهْيِ مِنْ نحْوِ: "ولا تَغْفَلْ"، لأَنَّهُ يَفْرِضُ جماعةً يَحِقُّ عَليهم وَصْفُ "الغافلين" فَيُحَذِّرُ مِنْ أَنْ يَكونَ في زُمْرَتِهمْ وذلكَ أَبينُ للحالَةِ المَنْهِيِّ عَنْها. وهذا الأَمْرُ خاصٌّ بالرَسُولِ ـ صلى اللهُ عليه وسَلَّم ـ وكُلُّ ما خُصَّ بِهِ الرَسُولُ مِنَ الوُجوبِ يُسْتَحْسَنُ لِلأمَّةِ أن يقتدوا بِهِ فِيهِ إلاَّ ما نُهُوا عَنْهُ كالوِصالِ في الصَوْمِ.
قالوا: إنَّ الذِكْرَ على خمسَةِ أَقْسامٍ: ذِكْرُ اللِّسانِ فَقَط؛ لِعَوامِ المُسْلِمينَ، وذِكْرُ اللِّسانِ مَعَ القَلْبِ، لخَواصِّ الصَالحينَ، وأوَّلِ المُتَوَجِّهين، وذِكْرُ القَلبِ فَقْط؛ للأقوياءِ مِنَ السائرين، وذِكْرُ الرُوحِ؛ لخَواصِّ أَهْلِ الفَناءِ مِنَ المُوَحِّدين، وذِكْرُ السِرِّ؛ لأَهْلِ الشُهودِ والعِيانِ مِنَ المُتَمَكِّنين، وفي قَطْعِ هذِهِ المَقاماتِ يَقَعُ السَيرُ للسائرين، فَيَتَرَقّى مِنْ مَقامِ، إلى مَقامٍ، حتى يَبْلُغَ إلى ذِكْرِ السِرِّ، فيَكونُ ذِكْرُ اللِّسانِ في حَقِّهِ غَفْلَةً. وفي هذا المقامِ قالَ الواسِطِيُّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: الذاكرون في حالِ ذِكْرِهِ أَشَدُّ غَفْلَةً مِنَ التاركينَ لِذِكْرِهِ؛ لأنَّ ذِكْرَهُ سِواهُ. وفيهِ أَيضًا قالَ الإمامُ الغَزاليُّ: ذِكْرُ اللِّسانِ يُوجِبُ كَثْرَةَ الذُنوبِ.
قالَ الشاعِرُ:
مَا إِنْ ذَكَرْتُكَ إلاَّ هَمَّ يَلْعَنُني ..... سرِّي، وقَلْبِي، وَرُوحِي، عِنْدَ ذِكْرَاكَ
حَتَّى كَأنَّ رَقِيبًا مِنْكَ يهْتِفُ بِي: ......... إِيَّاكِ، وَيْحَكَ، والتَّذكَارَ إيَاكَ
أَمَا تَرَى الحَقِّ قَدْ لاحَتْ شَوَاهِدِهُ ...... وَوَاصِل الكُلِّ مِنْ مَعْنِاهُ مَعْنَاكَ
قولُه تعالى: {تَضَرُّعاً وَخِيفَةً} نَصْبٌ على أَنَّهُما مَفعولانِ مِنْ أَجْلِهِما لأنَّهُ يَتَسَبَّبُ عَنْهُما الذِّكْر. أو على المَصْدَر الواقِعِ مَوقِعَ الحالِ، أيْ: مُتَضَرِّعين خائفين، أَوْ ذَوِي تَضَرُّعٍ وخِيفَةٍ.
قولُهُ: {وَدُونَ الجَهْرِ} صِفَةٌ لِشَيْءٍ محذوفٍ، هو الحالُ والتقديرُ: ومُتَكَلِّماً كَلاماً دونَ الجَهْرِ. وقيل هو عطفٌ على "تَضَرُّعاً" والتقديرُ: ومُقْتَصدين. وهو ضَعيفٌ لأَنَّ "دونَ" ظَرْفٌ لا يَتَصَرَّفُ (على المشهورِ).
قولُهُ: {بالغُدُوِّ والآصالِ} مُتَعَلِّقٌ ب "اذكر"، أي: اذْكُرْهُ في هذيْن الوَقْتَينِ، وهما عبارةٌ عَنِ الليلِ والنهار.
قَرَأَ العامَّةُ: {خِيفَةً}، وقُرِئَ "خُفْيَةً" بِتَقديمِ الفاءِ. وقيلَ: وهما مصدران للفِعْلِ مِنْ مَعْناهُ لا مِنْ لَفْظِهِ، وهو بعيدٌ.
وقرأ العامَّةُ: {والآصال} وقرأَ لاحِق بْنُ حميدٍ السَدوسِيُّ البَصْرِيُّ المكنى بأبي مِجْلَزٍ: "والإِيصالِ" مَصْدرُ "آصَلَ"، أَيْ: دَخَلَ في الأَصيلِ.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
فيض العليم ... سورة الأعراف، الآية: 205
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» فيض العليم ... سورة الأعراف، الآية: 11
» فيض العليم ... سورة الأعراف، الآية: 26
» فيض العليم ... سورة الأعراف، الآية: 41
» فيض العليم ... سورة الأعراف، الآية: 54
» فيض العليم ... سورة الأعراف، الآية: 66

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
روضة الشاعر عبد القادر الأسود :: ...:: الروضة الروحانية ::... :: روضة الذكر الحكيم-
انتقل الى: