روضة الشاعر عبد القادر الأسود
بعد الصلاة على الرحمة المهداة

أهلا وسهلا بك في روضتنا

يسرنا تسجيلك

روضة الشاعر عبد القادر الأسود
بعد الصلاة على الرحمة المهداة

أهلا وسهلا بك في روضتنا

يسرنا تسجيلك

روضة الشاعر عبد القادر الأسود
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

روضة الشاعر عبد القادر الأسود

منتدى أدبي اجتماعي يعنى بشؤون الشعر والأدب والموضوعات الاجتماعي والقضايا اللإنسانية
 
مركز تحميل الروضةالرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
بسـم الله الرحمن الرحيم  :: الحمد لله رب العالمين * الرحمن الرحيم * مالك يوم الدين * إياك نعبد وإياك نستعين * إهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين أنعمت عليهم * غير المغضوب عليهم ولا الضــالين ....  آميـــن

 

 فيض العليم ... سورة الأعراف، الآية: 12

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
عبد القادر الأسود

¤° صاحب الإمتياز °¤
¤° صاحب الإمتياز °¤
عبد القادر الأسود


عدد المساهمات : 3986
تاريخ التسجيل : 08/09/2011
العمر : 76
المزاج المزاج : رايق
الجنس : ذكر
فيض العليم ... سورة الأعراف، الآية: 12 Jb12915568671



فيض العليم ... سورة الأعراف، الآية: 12 Empty
مُساهمةموضوع: فيض العليم ... سورة الأعراف، الآية: 12   فيض العليم ... سورة الأعراف، الآية: 12 I_icon_minitimeالأربعاء مارس 12, 2014 6:29 am

[size=29.3333]قالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ[/size]
[size=29.3333](12)[/size]
[size=29.3333]قَوْلُهُ ـ تعالى شأنُه: {مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ} أيْ: لولا قهرُ الرُّبوبيَّةِ جرى عليك، وإلاَّ فما مُوجِبُ امْتِناعِك عن السجودِ لآدمَ، لو كُنْتَ تُعَظِّم أمري؟ فيتحقق الموحدون أن موجِبَ امتناعه عن السجود الخذلانُ الحاصلُ، ولو ساعدَهُ التوفيقُ لسجد. سؤالٌ للتوبيخ، أَيْ: أيُّ شيءٍ مَنَعَكَ. "أَلَّا تَسْجُدَ"، أَيْ مِنْ أَنْ تَسْجُدَ. وَفِي سورة (ص): {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ}، وفي الْمَنْعِ طَرَفٌ مِنَ الْقَوْلِ وَالدُّعَاءِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: مَنْ قَالَ لَكَ أَلَّا تَسْجُدَ؟ أَوْ مَنْ دَعَاكَ إِلَى أَلَّا تَسْجُدَ؟ كَمَا تَقُولُ: قَدْ قُلْتُ لَكَ أَلَّا تَفْعَلَ كَذَا. وَقِيلَ: فِي الْكَلَامِ حَذْفٌ، وَالتَّقْدِيرُ: مَا مَنَعَكَ مِنَ الطَّاعَةِ وَأَحْوَجَكَ إِلَى أَلَّا تَسْجُدَ. قَالَ الْعُلَمَاءُ: الَّذِي أَحْوَجَهُ إِلَى تَرْكِ السُّجُودِ هُوَ الْكِبْرُ وَالْحَسَدُ، وَكَانَ أَضْمَرَ ذَلِكَ فِي نَفْسِهِ إِذَا أُمِرَ بِذَلِكَ. وَكَانَ أَمَرَهُ مِنْ قَبْلِ خَلْقِ آدَمَ، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ} سورة الحجر، الآيتان: 28، 29. وقال في سورة (ص): {وإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ} الآيتان: 71، 72. فَكَأَنَّهُ دَخَلَهُ أَمْرٌ عَظِيمٌ مِنْ قَوْلِهِ {فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ}. فَإِنَّ فِي الْوُقُوعِ تَوْضِيعَ الْوَاقِعِ وَتَشْرِيفًا لِمَنْ وَقَعَ لَهُ، فَأَضْمَرَ فِي نَفْسِهِ أَلَّا يَسْجُدَ إِذَا أَمَرَهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ. فَلَمَّا نَفَخَ فِيهِ الرُّوحَ وَقَعَتِ الْمَلَائِكَةُ سُجَّدًا، وَبَقِيَ هُوَ قَائِمًا بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ، فَأَظْهَرَ بِقِيَامِهِ وَتَرْكِ السُّجُودِ مَا فِي ضَمِيرِهِ. فَقَالَ اللهُ تَعَالَى: "مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ" أَيْ مَا مَنَعَكَ مِنَ الِانْقِيَادِ لِأَمْرِي، فَأَخْرَجَ سِرَّ ضَمِيرِهِ فَقَالَ: "أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ". وقولهُ: "إِذْ أَمَرْتُكَ" يَدُلُّ على ما يَقُولُهُ الْفُقَهَاءُ مِنْ أَنَّ الْأَمْرَ بِمُطْلَقِهِ مِنْ غَيْرِ قَرِينَةٍ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ، لِأَنَّ الذَّمَّ عُلِّقَ عَلَى تَرْكِ الْأَمْرِ الْمُطْلَقِ الَّذِي هُوَ قَوْلُهُ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ لِلْمَلَائِكَةِ: (اسْجُدُوا لِآدَمَ) وَهَذَا بَيِّنٌ. [/size]
[size=29.3333]قَوْلُهُ: {قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} أَيْ مَنَعَنِي مِنَ السُّجُودِ فَضْلِي عَلَيْهِ، فادَّعى الخيريَّةَ، وكان الواجبُ عليه إيثِارَ التذلَّلَ على التكبُّر، لا سيَّما والخطابُ واردٌ عليه مِنَ الحقِّ ـ جلَّ وعلا. فَهَذَا مِنْ إِبْلِيسَ جَوَابٌ عَلَى الْمَعْنَى. كَمَا تَقُولُ: لمن هذه الدار؟ فيقولُ المُخاطَبُ: مالِكُها زَيْدٌ. فَلَيْسَ هَذَا عَيْنَ الْجَوَابِ، بَلْ هُوَ كَلَامٌ يَرْجِعُ إِلَى مَعْنَى الْجَوَابِ، "خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ" فَرَأَى أَنَّ النَّارَ أَشْرَفُ مِنَ الطِّينِ، لِعُلُوِّهَا وَصُعُودِهَا وَخِفَّتِهَا، وَلِأَنَّهَا جَوْهَرٌ مُضِيءٌ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنُ وَابْنُ سِيرِينَ: أَوَّلُ مَنْ قَاسَ إِبْلِيسُ فَأَخْطَأَ الْقِيَاسَ. فمَنْ قاسَ الدينَ بِرَأْيِهِ قَرَنَهُ مَعَ إِبْلِيسَ. قَالَ ابْنُ سِيرِينَ: وَمَا عُبِدَتِ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ إِلَّا بِالْمَقَايِيسِ. وَقَالَتِ الْحُكَمَاءُ: أَخْطَأَ عَدُوُّ اللهِ مِنْ حَيْثُ فَضَّلَ النَّارَ عَلَى الطِّينِ، وَإِنْ كَانَا فِي دَرَجَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ حَيْثُ هِيَ جَمَادٌ مَخْلُوقٌ. فَإِنَّ الطِّينَ أَفْضَلُ مِنَ النَّارِ مِنْ وُجُوهٍ عدّةٍ: [/size]
[size=29.3333]أَوَّلُهَا: أَنَّ مِنْ جَوْهَرِ الطِّينِ الرَّزَانَةَ وَالسُّكُونَ، وَالْوَقَارَ وَالْأَنَاةَ، وَالْحِلْمَ، وَالْحَيَاءَ، وَالصَّبْرَ. وَذَلِكَ هُوَ الدَّاعِي لِآدَمَ ـ عَلَيْهِ السَّلَامُ ـ بَعْدَ السَّعَادَةِ الَّتِي سَبَقَتْ لَهُ إِلَى التَّوْبَةِ وَالتَّوَاضُعِ وَالتَّضَرُّعِ، فَأَوْرَثَهُ الْمَغْفِرَةَ وَالِاجْتِبَاءَ وَالْهِدَايَةَ. وَمِنْ جَوْهَرِ النَّارِ الْخِفَّةُ، وَالطَّيْشُ، وَالْحِدَّةُ، وَالِارْتِفَاعُ، وَالِاضْطِرَابُ. وَذَلِكَ هُوَ الدَّاعِي لِإِبْلِيسَ بَعْدَ الشَّقَاوَةِ الَّتِي سَبَقَتْ لَهُ إِلَى الِاسْتِكْبَارِ وَالْإِصْرَارِ، فأورثه الهلاكَ والعذابَ واللَّعْنَةَ والشَّقاءَ. [/size]
[size=29.3333]الثَّانِي: أَنَّ الْخَبَرَ نَاطِقٌ بِأَنَّ تُرَابَ الْجَنَّةِ مِسْكٌ أَذْفَرُ، وَلَمْ يَنْطِقِ الْخَبَرُ بِأَنَّ فِي الْجَنَّةِ نَارًا وَأَنَّ فِي النَّارِ تُرَابًا. [/size]
[size=29.3333]الثَّالِثُ: أَنَّ النَّارَ سَبَبُ الْعَذَابِ، وَهِيَ عَذَابُ اللهِ لِأَعْدَائِهِ، وَلَيْسَ التُّرَابُ سَبَبًا لِلْعَذَابِ. [/size]
[size=29.3333]الرَّابِعُ: أَنَّ الطِّينَ مُسْتَغْنٍ عَنِ النَّارِ، وَالنَّارَ مُحْتَاجَةٌ إلى المكان ومكانُها التُرابِ. [/size]
[size=29.3333]خَامِسًا: التُّرَابُ مَسْجِدٌ وَطَهُورٌ، كَمَا جَاءَ فِي صَحِيحِ الْحَدِيثِ الشريف، قولُهُ ـ عليه الصلاةُ والسلامُ: ((.. وجُعلتْ لي الأرضُ مسجداً وطَهوراً)). وَالنَّارُ تَخْوِيفٌ وَعَذَابٌ، قَالَ تَعَالَى: {لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ الهُ بِهِ عِبَادَهُ} سورةُ الزُمُرِ، الآية: 16. [/size]
[size=29.3333]قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ـ رضي اللهُ عنهما: كَانَتِ الطَّاعَةُ أَوْلَى بِإِبْلِيسَ مِنَ الْقِيَاسِ فَعَصَى رَبَّهُ، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ قَاسَ بِرَأْيِهِ. وَالْقِيَاسُ فِي مُخَالَفَةِ النَّصِّ مَرْدُودٌ. [/size]
[size=29.3333]وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الْقِيَاسِ إِلَى قَائِلٍ بِهِ، وَرَادٍّ لَهُ، فَأَمَّا الْقَائِلُونَ بِهِ فَهُمُ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ، وَجُمْهُورُ مَنْ بَعْدَهُمْ، وَأَنَّ التَّعَبُّدَ بِهِ جَائِزٌ عَقْلًا وَاقِعٌ شَرْعًا، وهو الصحيح. وذهب القَفّالُ مِنَ الشافعيَّةِ وأَبو الحُسَيْنِ الْبَصْرِيِّ إِلَى وُجُوبِ التَّعَبُّدِ بِهِ عَقْلًا. وَذَهَبَ النَّظَّامُ إِلَى أَنَّهُ يَسْتَحِيلُ التَّعَبُّدُ بِهِ عَقْلًا وَشَرْعًا، وَرَدَّهُ بَعْضُ أَهْلُ الظَّاهِرِ. وَالْأَوَّلُ الصَّحِيحُ. قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي (كِتَابِ الِاعْتِصَامِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ): (الْمَعْنَى لَا عِصْمَةَ لِأَحَدٍ إِلَّا فِي كِتَابِ اللهِ أَوْ سُنَّةِ نَبِيِّهِ أَوْ فِي إِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ إِذَا وُجِدَ فِيهَا الْحُكْمُ فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فَالْقِيَاسُ). وَقَدْ تَرْجَمَ عَلَى هَذَا (بَابُ مَنْ شَبَّهَ أَصْلًا مَعْلُومًا بِأَصْلٍ مُبَيَّنٍ قَدْ بين الله حكمها لِيُفْهِمَ السَّائِلَ). وَتَرْجَمَ بَعْدَ هَذَا (بَابُ الْأَحْكَامِ الَّتِي تُعْرَفُ بِالدَّلَائِلِ وَكَيْفَ مَعْنَى الدَّلَالَةِ وَتَفْسِيرِهَا). وَقَالَ الطَّبَرِيُّ: الِاجْتِهَادُ وَالِاسْتِنْبَاطُ مِنْ كِتَابِ اللهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَإِجْمَاعُ الْأُمَّةِ هُوَ الْحَقُّ الْوَاجِبُ، وَالْفَرْضُ اللَّازِمُ لِأَهْلِ الْعِلْمِ. وَبِذَلِكَ جَاءَتِ الْأَخْبَارِ عَنِ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَعَنْ جَمَاعَةِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ. وَقَالَ أَبُو تَمَّامٍ الْمَالِكِيُّ: أَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَى الْقِيَاسِ، فَمِنْ ذَلِكَ أَنَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى قِيَاسِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ فِي الزَّكَاةِ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ ـ رضي اللهُ عنه: أَقِيلُونِي بَيْعَتِي. فَقَالَ عَلِيٌّ ـ كرَّم اللهُ وجهَه: وَاللهِ لَا نُقِيلُكَ وَلَا نَسْتَقِيلُكَ، رَضِيَكَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ لِدِينِنَا أَفَلَا نَرْضَاكَ لِدُنْيَانَا؟ فَقَاسَ الْإِمَامَةَ عَلَى الصَّلَاةِ. وَقَاسَ الصِّدِّيقُ الزَّكَاةَ عَلَى الصَّلَاةِ وَقَالَ: وَاللهِ لَا أُفَرِّقُ بَيْنَ مَا جَمَعَ اللهُ. وَصَرَّحَ عَلِيٌّ ـ رضي اللهُ عنه ـ بِالْقِيَاسِ فِي شَارِبِ الْخَمْرِ بِمَحْضَرٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَقَالَ: إِنَّهُ إِذَا سَكِرَ هَذَى، وَإِذَا هَذَى افْتَرَى، فَحَدُّهُ حَدُّ الْقَاذِفِ. وَكَتَبَ عُمَرُ إِلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ ـ رضي اللهُ عنهما ـ كتاباً فيه: الْفَهْمَ فِيمَا يَخْتَلِجُ فِي صَدْرِكَ مِمَّا لَمْ يَبْلُغْكَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، اعْرِفِ الْأَمْثَالَ وَالْأَشْبَاهَ، ثُمَّ قِسِ الْأُمُورَ عِنْدَ ذَلِكَ، فَاعْمِدْ إِلَى أَحَبِّهَا إِلَى اللهِ تَعَالَى وَأَشْبَهِهَا بِالْحَقِّ فِيمَا تَرَى. الْحَدِيثَ بِطُولِهِ، ذَكَرَهُ الدَّارقُطْنِيُّ. وَقَدْ قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ لِعُمَرَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا ـ فِي حَدِيثِ الْوَبَاءِ، حِينَ رَجَعَ عُمَرُ مِنْ سَرْغَ (موضع في الشام قريب من تبوك): نَفِرُّ مِنْ قَدَرِ اللهِ؟ فَقَالَ عُمَرُ: نَعَمْ! نَفِرُّ مِنْ قَدَرِ اللهِ إِلَى قَدَرِ اللهِ. ثُمَّ قَالَ لَهُ عُمَرُ ـ رضي اللهُ عنه: أَرَأَيْتَ.. فَقَايَسَهُ وَنَاظَرَهُ بِمَا يُشْبِهُ مِنْ مَسْأَلَتِهِ بِمَحْضَرِ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، وَحَسْبُكَ. وَأَمَّا الْآثَارُ وَآيُ الْقُرْآنِ فِي هَذَا الْمَعْنَى فَكَثِيرٌ. وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقِيَاسَ أَصْلٌ مِنْ أُصُولِ الدِّينِ، وَعِصْمَةٌ مِنْ عِصَمِ الْمُسْلِمِينَ، يَرْجِعُ إِلَيْهِ الْمُجْتَهِدُونَ، وَيَفْزَعُ إِلَيْهِ الْعُلَمَاءُ العاملون، فيستنبطون بِهِ الْأَحْكَامَ. وَهَذَا قَوْلُ الْجَمَاعَةِ الَّذِينَ هُمُ الْحُجَّةُ، وَلَا يُلْتَفَتُ إِلَى مَنْ شَذَّ عَنْهَا. وَأَمَّا الرَّأْيُ الْمَذْمُومُ وَالْقِيَاسُ الْمُتَكَلَّفُ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ فَهُوَ مَا لَمْ يَكُنْ عَلَى هَذِهِ الْأُصُولِ المذكورة، لأنَّ ذلكَ ظَنٌّ ونَزْغٌ مِنَ الشَّيْطَانِ، قَالَ اللهُ تَعَالَى في سورة الإسراءِ: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} الآية: 36. وَكُلُّ مَا يُورِدُهُ الْمُخَالِفُ مِنَ الْأَحَادِيثِ الضَّعِيفَةِ وَالْأَخْبَارِ الْوَاهِيَةِ فِي ذَمِّ الْقِيَاسِ فَهِيَ مَحْمُولَةٌ عَلَى هَذَا النَّوْعِ مِنَ الْقِيَاسِ الْمَذْمُومِ، الَّذِي لَيْسَ لَهُ فِي الشَّرْعِ أَصْلٌ مَعْلُومٌ. [/size]
[size=29.3333]قولُهُ تعالى: {أَلاَّ تَسْجُدَ} لا: قال بعضهم: الأَظهَرُ فيها أَنَّها زائدةٌ للتَوكيدِ، وأَحسَنَ الأدبَ مَنْ قال هي صلةٌ، كي لا يقول هي زائدة، لأنَّ معنى أَنَّها زائدة، أيْ هي فَضَلةٌ لامُبَرِّرَ لوجودِها، ومثل هذا وإن صَحَّ على كلام الآدميين لا يحسُنُ أن يقالَ على كتابِ ربِّ العالمين. وكلا الفريقين لم يفطنْ لمادَّةِ "منع" ولأيِّ أمرٍ تأتي، فـ "منعتُ فلاناً أنْ يفعل"، كأنَّه كان يهم أنْ يَفعَلَ فمَنَعتَهُ. وتأتي "منع" للامتناع بأن يمتنع هو عن الفعل وذلك بأن يقنعه غيره بتركه فيقتنع ويمتنع، وهناك فرق بين ممنوع، وممتنع؛ وقد أَوْرَدَ القرآنُ هذه المسألة بأُسلوبين، فقال الحقُّ هنا: "مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ". فجاء بـ "لا" النافية، وقال في سورة (ص): {مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ} الآية: 75. أي: ما حجزك عن السجود، فلم يستعملها في الأسلوبُ الثاني.فممنوع هي في {مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ}، وممتنع أي امْتنع من نفسه ولم يمنعْهُ أحدٌ ولكنَّه أقنعَهُ فاقتنع فامتنع. وإن كان المنع من الامتناع فالأسلوب قد جاء ليؤكد المعنى الفعلي وهو المنع عن السجود. وهذا هو السبب في وجود مثل هذا التكرارِ في القُرآن الكريم.[/size]
[size=29.3333]وقال الزمخشري: "لا" في "أن لا تسجد" صلةٌ بدليلِ قولِهِ تعالى في سورة: {مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} الآية: 75. ومثلُها: {لِّئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ الكتاب} سورة الحديد، الآيةُ: 29. بمعنى لِيَعلَمَ. ثمَّ قال: فإنْ قلتَ: ما فائدةُ زيادتها؟ قلتُ: توكيدُ معنى الفعلِ الذي تَدخُلُ عليه وتحقيقُه، كأنَّه قيلَ: لِيَتَحَقَّقَ عِلْمُ أَهْلِ الكِتابِ، وما مَنَعَكَ أَنْ تُحَقِّقَ السُّجودَ وتُلْزِمَهُ نفسَكَ إذْ أَمَرْتُك؟ وأَنْشدوا على زيادة "لا" قولَ الشاعر: [/size]
[size=29.3333]أَبَى جُودُهُ لَا الْبُخْلُ فَاسْتَعْجَلَتْ بِهِ....نَعَمْ مِنْ فَتًى لَا يَمْنَعُ الْجُودَ نَائِلُهُ [/size]
[size=29.3333]أَرَادَ أَبَى جُودَهُ الْبُخْلُ، فَزَادَ "لَا" ويُروى "البخل" بالنَّصْبِ والجَرِّ، والنصبُ ظاهرُ الدَلالةِ في زيادتها، تقديرُه: أبى جودُهُ البخلَ. وأمَّا في روايةِ الجَرِّ فالظاهرُ منها عدمُ الدَلالةِ على زيادَتِها. ولا حُجَّةَ في هذا البيْتِ على زيادةِ "لا" في رواية النَّصْبِ، ويَتخرَّجُ على وجهين أحدُهُما: أنْ تَكونَ "لا" مفعولاً بها، و"البخل" بَدَلٌ منها لأنَّ "لا" تُقالُ في المَنْعِ فهي مُؤدِّيَةٌ للبُخْلِ. والثاني: أنَّها مفعولٌ بها أَيْضاً، والبُخْلُ مفعولٌ مِنْ أَجْلِهِ، والمَعنى: أَبى جُودُهُ لَفْظَ "لا" لأَجْلِ البُخْلِ، أيْ كَراهَةَ البُخْلِ، ويُؤيِّدُ عَدَمَ الزِّيادَةِ رِوايةُ الجَرِّ. قال أَبو عَمْرٍو بْنُ العَلاءِ: الروايةُ فيه بِخَفْضِ "البُخْلِ" لأنَّ "لا" تُسْتَعْمَلُ في البُخلِ، وأَنَشدوا أَيضاً على زيادتِها قولَ ساعدةَ الهُذلي:[/size]
[size=29.3333]أَفَعَنْكَ لا برقٌ كأنَّ وميضَه ................. غابٌ تَسَنَّمَه ضِرامٌ مُثْقَبُ[/size]
[size=29.3333]يُريدُ: أَفَعَنْكَ بَرْقٌ. وقدْ خَرَّجَهُ الشيخُ أبو حيّان على احْتِمالِ كونِها عاطفةً وحَذْفِ المعطوفِ، والتقديرُ: أَفَعَنْكَ لا عَنْ غَيْرِكَ. وكونُ "لا" في الآيةِ زائدةً هو مَذْهَبُ الكِسائيِّ والفَرَّاءِ وأَبي إسحاقٍ. ومذهبُ الزجاجِ أنَّ "البُخل" بَدلاً مِنْ "لا" و"لا" مفعولٌ بها. وحكى بعضُهم عن يونس قال: كان أبو عمرو بْنُ العَلاء يَجُرُّ "البخلَ" ويَجعَلُ
"لا" مُضافةً إليْهِ، أَرادَ أَبى جُودُهُ "لا" التي هي للبُخْل لأنَّ "لا" قد تكونُ للبُخلِ وقد تكونُ للجُودِ، فالتي للبُخلِ مَعْروفَةٌ، والتي للجُودِ أَنَّه لو قال لَهُ: "امْنَعِ الحَقَّ" أوْ "لا تُعْطِ المساكين" فقال: "لا" كانَ جُوداً. يَعني فتَكون الإِضافةُ للتَبْيينِ، لأنَّ "لا" صارت مشتركةً فميَّزها بالإِضافةِ وخَصَّصَها بِه. وقدْ تَقَدَّمَ طَرَفٌ جَيِّدٌ مِنْ زِيادَةِ "لا" وأَقوالِ النّاسِ في ذلكَ أَواخِرَ الفاتِحَةِ.
[/size]
[size=29.3333]وزَعَم جَماعةٌ أَنَّ "لا" في هذه الآيةِ الكَريمَةِ غيرُ زائدةٍ، لكنِ اخْتَلَفَتْ عِبارَتُهم في تصحيحِ مَعنى ذلك، فقالَ بعضُهم: في الكلامِ حَذْفٌ يَصِحُّ بِهِ النَفْيُ، والتقديرُ: ما مَنَعَكَ فأحْوَجَكَ أَنْ لا تَسْجُدَ؟ وقالَ بعضُهم: المَعنى على ما أَلْجَأَكَ أَنْ لا تَسْجُدَ؟ وبعضُهم قال المعنى: مَنْ أَمَرَكَ أَنْ لا تَسْجُدَ؟ ومَنْ قالَ لَكَ أَنْ لا تَسْجُدَ، أوْ ما دَعاكَ أَنْ لا تَسْجُدَ؟ وهذا تَمَحُّلُ مَنْ يَتَحَرَّجُ مِنْ نِسْبَةِ الزِيادَةِ إلى القرآنِ، وقدْ تَقدَّمَ تَحْقيقُهُ، وأَنَّ مَعنى الزِيادَةِ على مَعْنًى يَفْهَمُهُ أَهلُ العِلْمِ، وإلاَّ فكيف يُدَّعى زيادةٌ في القرآنِ بالعُرْفِ العامِّ؟ هذا ما لا يقولُهُ أَحَدٌ مِنَ المُسْلِمين.[/size] [size=29.3333]و"[/size][size=29.3333]ما[/size][size=29.3333]" استفهاميةٌ في مَحَلِّ رَفْعٍ بالابْتِداءِ، والخَبَرُ بعدَها، أيْ: أَيُّ شيءٍ مَنَعَكَ. و"[/size][size=29.3333]أَنْ[/size][size=29.3333]" في مَحَلِّ نَصْبٍ أوْ جَرٍّ لأنَّها على حَذْفِ حَرْفِ الجَرِّ إذْ التقديرُ: ما مَنَعَكَ مِنَ السُّجودِ؟ و"[/size][size=29.3333]إذْ[/size][size=29.3333]" مَنْصوبٌ بِتَسْجُدَ، أيْ: ما مَنَعَكَ مِنَ السُجودِ في وقتِ أَمْري إيَّاكَ بِهِ. [/size]
[size=29.3333]وقولُهُ: {[/size][size=29.3333]خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ[/size][size=29.3333]} جُمْلةٌ لا مَحَلَّ لها مِنَ الإعْرابِ لأنَّها تفسيرٌ للجُمْلَةِ الخَبَريَّةِ وبَيانٌ لَها.[/size]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
فيض العليم ... سورة الأعراف، الآية: 12
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» فيض العليم ... سورة الأعراف، الآية: 17
» فيض العليم ... سورة الأعراف، الآية: 32
» فيض العليم ... سورة الأعراف، الآية: 427
» فيض العليم ... سورة الأعراف، الآية: 58
» فيض العليم ... سورة الأعراف، الآية: 72

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
روضة الشاعر عبد القادر الأسود :: ...:: الروضة الروحانية ::... :: روضة الذكر الحكيم-
انتقل الى: