روضة الشاعر عبد القادر الأسود
بعد الصلاة على الرحمة المهداة

أهلا وسهلا بك في روضتنا

يسرنا تسجيلك

روضة الشاعر عبد القادر الأسود
بعد الصلاة على الرحمة المهداة

أهلا وسهلا بك في روضتنا

يسرنا تسجيلك

روضة الشاعر عبد القادر الأسود
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

روضة الشاعر عبد القادر الأسود

منتدى أدبي اجتماعي يعنى بشؤون الشعر والأدب والموضوعات الاجتماعي والقضايا اللإنسانية
 
مركز تحميل الروضةالرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
بسـم الله الرحمن الرحيم  :: الحمد لله رب العالمين * الرحمن الرحيم * مالك يوم الدين * إياك نعبد وإياك نستعين * إهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين أنعمت عليهم * غير المغضوب عليهم ولا الضــالين ....  آميـــن

 

 فيض العليم .... سورة الأنعام، الآية: 152

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
عبد القادر الأسود

¤° صاحب الإمتياز °¤
¤° صاحب الإمتياز °¤
عبد القادر الأسود


عدد المساهمات : 3986
تاريخ التسجيل : 08/09/2011
العمر : 76
المزاج المزاج : رايق
الجنس : ذكر
فيض العليم .... سورة الأنعام، الآية:  152 Jb12915568671



فيض العليم .... سورة الأنعام، الآية:  152 Empty
مُساهمةموضوع: فيض العليم .... سورة الأنعام، الآية: 152   فيض العليم .... سورة الأنعام، الآية:  152 I_icon_minitimeالإثنين فبراير 24, 2014 7:05 am

وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ.
(152)
قَوْلُهُ ـ تَعَالَى شأنُه: {وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} مالُ اليَتيمِ أَمانةٌ في يَدِ وَصِيِّهِ، وفي رِعايَةِ الأُمَّةِ مجتمعةً ممثَّلَة بالقضاء، حتَّى يَبْلُغَ السِنَّ التي يَقْدِرُ فيها أنْ يُحافِظَ على مالِهِ، والقيامِ على شؤونِ تفسِه، فإنَّ رعايةَ اليتيمِ تَجعَلُه قريباً بِنَفْسِهِ إلى الناسِ، ولا يَنْشَأُ نافراً مِنْهم؛ لأنَّهُ لَا يَجِدُ الحِمايَةَ والرِعايَةَ، ويَنْشَأُ عَدُوّاً للمجتمعِ الذي يَعيشُ فيه، ولِذا قال تعالى في سورة الضحى: {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ} الآية: 9، وقال ـ صلى الله عليه وسلَّم: ((شَرُّ البُيوتِ بيتٌ يَقْهَرُ يَتيماً، وخَيْرُ بُيوتِ المُسْلِمين بَيْتٌ يُكْرَمُ فيه يَتيمٌ)). والآيةُ الكريمةُ هذِهِ خِطابٌ للأولياءِ والأِوْصياءِ، أَيْ لا تتعرَّضوا لمال اليتيمِ إلاَّ بِمَا فيه صلاحُه وتثميرُه، وذلك بِحِفْظِ أُصولهِ وَتَثْمِيرِ فُرُوعِهِ. وَهَذَا أَحْسَنُ الْأَقْوَالِ فِي هَذَا، فَإِنَّهُ جَامِعٌ. وقيلَ: المُرادُ لا تَقْرَبوا مالَ اليتيمِ إلاَّ وأَنتم مُتَّصفونَ بالخَصْلَةِ التي هيَ أَحْسَنُ الخِصالِ في مَصْلَحَتِهِ، فمَنْ لمْ يَجْدْ نَفسَه على أَحْسَنِ الخَصالِ يَنْبَغي أَنْ لا يَقربَه. وفيهِ بُعدٌ؛ وقَالَ مُجَاهِدٌ: "وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ" بِالتِّجَارَةِ فِيهِ، ولا تشتري مِنْهُ وَلَا تَسْتَقْرِضْ، وقالَ آخَرونَ لا بأس بأنْ يَسْتَقْرِضَ إنْ كان معسِراً. وقَالَ بَعْضُهُمْ: هو أنْ يَعمَلَ لَهُ فيَأْكُلَ مِنْ مالِهِ أَجْرًا لِعَمَلِهِ. وقال غيرُهم: هُوَ أَنْ يَنْتَفِعَ بِدَوابِّهِ، ويَسْتَخْدِمَ جَواريهِ، ونَحوَ ذلك، لِما يَقَعُ لَهُمْ مِنَ الضرورةِ في اسْتِخْدامِ مَمالِيكِهِ، ورُكوبِ دَوابَّه، مما تقتضيهِ المُخالَطَةُ بَأَمْوالِ اليَتامى؛ وهو كقولِهِ: {وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ} سورة البقرة، الآية: 220. وقد فصَّلنا في ذلك هناك أكثرَ، فإذا كان لهم المُخالَطَةُ، فلا يَسْلَمون مِنِ الانْتِفاعِ بما ذَكَرْنا. وقال الحسَنُ: "وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ"، أيْ: إلاَّ بالوَجْهِ الذي جُعِلَ لَهُ، وهو أنْ يَكونَ فقيرًا، وهو ممَّنْ يُفْرَضُ نَفَقَتُهُ في مالِهِ، فلَهُ أَنْ يَقْرَبَ مالَهُ، كأنْ يكون جَدَّه أو من المحارم فإنَّ نَفَقَةَ المَحارِمِ تُفْرَضُ في مالِ اليَتيمِ إذا كان الأرحامُ فُقَراء. والذي نَرْتاحُ إليهِ وجهان: الأوَّلُ: ألاَّ تقربوا مالَ اليَتيمِ إلاَّ بالحِفْظِ والتَعاهُدِ لَهُ. والثاني: طَلَبُ الزِيادةِ لَهُ والنَّماءِ؛ ولذلك قالَ أَبو حنيفةَ ـ رضيَ اللهُ عنهُ ـ بأنَّه يَجوزُ لِكافِلِ اليَتيمِ إذا كان وصيًّا أَنْ يَقْرَبَ مالَهُ بَيْعًا إذا كانَ ذلكَ خَيْرًا لليَتيمِ؛ إذا وَقَعَ لَهُ الفَضْلُ، وطَلَبَ لَهُ الزِيادَةَ والنَّماءَ.
قَوْلُهُ: {حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ} يَعْنِي قُوَّتَهُ، وَقَدْ تَكُونُ فِي الْبَدَنِ، وَقَدْ
تَكُونُ فِي الْمَعْرِفَةِ بِالتَّجْرِبَةِ، وَلَا بُدَّ مِنْ حُصُولِ الْوَجْهَيْنِ، فَإِنَّ الْأَشُدَّ وقعت هنا مُطْلَقَةً، وَقَدْ جَاءَ بَيَانُ حَالِ الْيَتِيمِ فِي سُورَةِ "النِّسَاءِ" مُقَيَّدَةً، فَقَالَ: {وَابْتَلُوا الْيَتامى حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً} فَجَمَعَ بَيْنَ قُوَّةِ الْبَدَنِ وَهُوَ بُلُوغُ النِّكَاحِ، وَبَيْنَ قُوَّةِ الْمَعْرِفَةِ وَهُوَ إِينَاسُ الرُّشْدِ، فَلَوْ مُكِّنَ الْيَتِيمُ مِنْ مَالِهِ قَبْلَ حُصُولِ الْمَعْرِفَةِ وَبَعْدَ حُصُولِ الْقُوَّةِ لَأَذْهَبَهُ فِي شَهْوَتِهِ وَبَقِيَ صُعْلُوكًا لَا مَالَ لَهُ. وَخُصَّ الْيَتِيمُ بِهَذَا الشَّرْطِ لغفلة الناس عنْه وافتقادِ الآباءِ لأبنائهم فَكَانَ الِاهْتِبَالُ (اغتنام الفُرصة) بِفَقِيدِ الْأَبِ أَوْلَى. وَلَيْسَ بُلُوغُ الْأَشُدِّ مِمَّا يُبِيحُ قُرْبَ مَالِهِ بِغَيْرِ الْأَحْسَنِ، لِأَنَّ الْحُرْمَةَ فِي حَقِّ الْبَالِغِ ثَابِتَةٌ. وَخُصَّ الْيَتِيمُ بِالذِّكْرِ لِأَنَّ خَصْمَهُ اللهُ. وَالْمَعْنَى: وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ عَلَى الْأَبَدِ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ. وَفِي الْكَلَامِ حَذْفٌ، فَإِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَأُونِسَ مِنْهُ الرُّشْدُ فَادْفَعُوا إِلَيْهِ مَالَهُ. وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي أَشُدِّ الْيَتِيمِ، فَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: بُلُوغُهُ. وَقَالَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ. بُلُوغُهُ وَإِينَاسُ رُشْدِهِ. والمُرادُ هُنا بِبلوغِ الأَشُدِّ بلوغ الحُلُمِ في قولِ الأَكْثَرِ لأنَّه مَظِنَّة ذلك. وقيل : هو مبلغ الرجال من الحيلة والمعرفة. فقيل هو ثماني عشرة سنةً، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ: خَمْسٌ وَعِشْرُونَ سَنَةً. وقيل: هو أن يبلغ خمس عشرة إلى ثلاثين. وقيل: أن يبلغ ثلاثة وثلاثين. وقيل: أربعين. وقيل: سِتّين، وهذا لا يَليقُ بهذِه الآية، إنما تليق بقولِهِ تعالى {حتى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً} الأحقاف: 15.
قَوْلُهُ: {وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ} يوصينا ـ تعالى ـ بالأمانةِ في
الجَماعَةِ، فهي رباطُ المَوَدَّةِ،  و"بالقسط" أَيْ بِالِاعْتِدَالِ فِي الْأَخْذِ وَالْعَطَاءِ عِنْدَ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ، فالقِسْطُ: الْعَدْلُ. والوفاءُ بالكيلِ في المَكِيلاتِ، والوفاءُ بالوَزْنِ في المَوْزونِ بالقِسْطِ مِنْ غَيْرِ بَخْسٍ ولا شَطَطٍ، زيادةٍ أو نقصٍ، بَلْ للنّاسِ مِنْ وَفاءِ الكَيْلِ بمِقدارِ ما تَطْلُبُ، وذَلك على حَسَبِ الطاقةِ في تَحَرّي الحَقِّ، ولذا قال: "لا نُكَلِّف نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا" وإنَّ اللهَ تعالى إذْ يُطالِبُ بالوفاءِ في الكَيْلِ والمِيزانِ، يَذُمُّ المُطَفِّفينَ لَهُما، بقوله في سورة المُطفِّفين: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (1) الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (2) وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (3). وإنَّ الوَفاءَ في الكَيْلِ والمِيزانِ يَرْمِزُ إلى حُسْنِ التَعامُلِ في الأُمَّةِ.
قولُهُ: {لَا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها} أَيْ طَاقَتَهَا فِي إِيفَاءِ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ. وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ هَذِهِ الْأَوَامِرَ إِنَّمَا هِيَ فِيمَا يَقَعُ تَحْتَ قُدْرَةِ الْبَشَرِ من التَحَفُّظِ والتَحَرُّرِ. وَمَا لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ مِنْ تَفَاوُتِ مَا بَيْنَ الْكَيْلَيْنِ، وَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ قُدْرَةِ الْبَشَرِ فَمَعْفُوٌّ عَنْهُ. وَقِيلَ: الْكَيْلُ بِمَعْنَى الْمِكْيَالِ. يُقَالُ: هَذَا كَذَا وَكَذَا كَيْلًا، وَلِهَذَا عُطِفَ عَلَيْهِ بِالْمِيزَانِ. وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: لَمَّا عَلِمَ اللهُ سُبْحَانَهُ مِنْ عِبَادِهِ أَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ تَضِيقُ نَفْسُهُ عَنْ أَنْ تَطِيبَ لِلْغَيْرِ بِمَا لَا يَجِبُ عَلَيْهَا لَهُ أَمَرَ الْمُعْطِيَ بِإِيفَاءِ رَبِّ الْحَقِّ حَقَّهُ الَّذِي هُوَ لَهُ، وَلَمْ يُكَلِّفْهُ الزِّيَادَةَ، لِمَا فِي الزِّيَادَةِ عَلَيْهِ مِنْ ضِيقِ نَفْسِهِ بِهَا. وَأَمَرَ صَاحِبَ الْحَقِّ بِأَخْذِ حَقِّهِ وَلَمْ يُكَلِّفْهُ الرِّضَا بِأَقَلَّ مِنْهُ، لِمَا فِي النُّقْصَانِ مِنْ ضِيقِ نَفْسِهِ. وَفِي مُوَطَّأِ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: (مَا ظَهَرَ الْغُلُولُ فِي قَوْمٍ قَطُّ إِلَّا أَلْقَى اللهُ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ، وَلَا فَشَا الزِنى في قومٍ إلاَّ كَثُرَ فِيهِمُ الْمَوْتُ، وَلَا نَقَصَ قَوْمٌ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِلَّا قُطِعَ عَنْهُمُ الرِّزْقُ، وَلَا حَكَمَ قَوْمٌ بِغَيْرِ الْحَقِّ إِلَّا فَشَا فِيهِمُ الدَّمُ، وَلَا خَتَرَ قَوْمٌ بِالْعَهْدِ إِلَّا سَلَّطَ اللهُ عَلَيْهِمُ الْعَدُوَّ). ورواه الطبراني حديثاً عنِ ابْنِ عِياضٍ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَيْضًا: إِنَّكُمْ مَعْشَرَ الْأَعَاجِمِ قَدْ وُلِّيتُمْ أَمْرَيْنِ بِهِمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ: الكَيْلَ والمِيزان.
قَوْلُهُ: {وَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا ولو كان ذا قربى} يَتَضَمَّنُ الْأَحْكَامَ وَالشَّهَادَاتِ، والعَدْلُ في القولِ تَحَرّي الحَقَّ فيه، فلا يَنْطقُ بِأَمْرٍ لَا يَكونُ حَقّاً. ويَشْمَلُ العدلُ في القولِ الحُكْمَ بيْنَ المُتَخاصِمين، كما قالَ تعالى في سورةِ النساء: {وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ} الآية: 58. فلا يَقولُ إلاَّ الحَقَّ، لأنَّ الحَقَّ يَحْسمُ النِزاعَ ويَقْطَعُ دابرَ الخِلافِ، كما يَشْمَلُ الشهادةَ، فلا يَشهدُ إلاَّ بِما رأى وعايَنَ، فإنَّ الشهادةَ حُكمٌ، أوْ هيَ طَريقُ الحُكْمِ ودَليلُهُ، وإذا قلتَ في مباراةٍ فَكُنْ عادِلاً، وإذا قلتَ في امْتِحانٍ فَكُنْ عادلاً؛ لأنَّ الامْتِحانَ تقديرُ كِفايَةٍ فهو حُكْم. "وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى" أَيْ وَلَوْ كَانَ الْحَقُّ عَلَى مِثْلِ قَرَابَاتِكُمْ. كَمَا تَقَدَّمَ فِي النِّسَاءِ. وإنَّما العدلُ حَيْثُ تَتنازَعُ العواطِفُ، وتُمْتَلَكُ النُّفوسُ هُو فعلُ الأَبْرارِ، وهُوَ المِقْياسُ الذي تَتفاوَتُ بِهِ مَراتِبُ العُدولِ.
قولُه: {وَبِعَهْدِ اللهِ أَوْفُوا} عَامٌّ فِي جَمِيعِ مَا عَهِدَهُ اللهُ إِلَى عباده. ومُحتَمَلٌ أَنْ يُرَادَ بِهِ جَمِيعُ مَا انْعَقَدَ بَيْنَ إِنْسَانَيْنِ. وَأُضِيفَ ذَلِكَ الْعَهْدُ إِلَى اللهِ مِنْ حيثُ أَمَرَ بِحِفْظِهِ والوفاءِ بِهِ. وإذ كانَ العدْلُ ميزانِ التَرابُطِ بَيْنَ الجماعاتِ في الأُمَّةِ، فالوفاءُ بالعَهْدِ مِيزانُ العَدَالَةِ في الأُمَمِ، ولذا قال تعالى: "وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفوا" وهي الوَصيَّةُ العاشِرَةُ مِنْ وصايا اللهِ تَعالى، وهي تُطْلَبُ مِنَ النَّاسِ أَجْمعين، وقدَّمَ "بِعَهْدِ اللهِ" لأَهَمِيَّةِ الوَفاءِ وتنبيهاً إلى خَطَرِهِ، ولِمَعْنى الاختصاصِ، أَيْ احْرَصوا على الوفاء بعهدِ اللهِ دُونَ غَيْرِه.
وعَهْدُ اللهِ تَعالى الذي يَتَّجِهُ إليْهِ الأمرُ للوفاءِ بِهِ، ما عَهِدَهُ إلى بَني آدمَ مِنْ فِطْرَةٍ مُسْتَقيمَةٍ أَنْشَأَهُم علَيْها، كما قال تعالى في سورةِ الأَعْرافِ: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} الآية: 172. وإنَّ تكليفات اللهِ تَعالى عُهودٌ عَلَيْهِم. والعهودُ بيْنَ العبادِ عُهودُ اللهِ تَعالى عليهم؛ لأنَّهم عادةً يُوثِّقونَها بأَيْمانِهم، وقدْ قرَّرَ ذلك ـ سبحانه وتعالى ـ فقال في سورة النحل: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (91) وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} (92).
فحثَّ على الوفاءِ بما يَكونُ مِنَ العهود بين الأفْرادِ والجَماعاتِ، ومَنْ وثَّقَ عهدَه بالله فقد جَعَلَ اللهَ تعالى كَفيلاً بالوفاءِ، فخيانة العهدِ وخفرُه خِيانَةٌ للهِ تعالى. والوفاءُ بالعهد يقوّي الأُمَّةَ فيَجعَلُ النَّاسَ يَثِقونَ بِها، وتِلْكَ قوَّةٌ، ولِذلك شَبَّه اللهُ تَعالى مَنْ يَنْقُضُ عَهْدَهُ بالحَمْقاءِ التي تَنْقُضُ ما فَتَلَتْهُ مِنْ غَزْلٍ، فتَجْعَلُهُ أَنْكاثاً، شَعْراً مُتَفَرِّقاً.
وهذه الوصايا مُجْمَعٌ عليها في الأديان، وهيَ الأَساسُ النَفْسِيُّ والعَمَلِيُّ لتكوينِ الجَماعاتِ الفاضِلَةِ، وقد جاءتْ بِها الأدْيانُ كُلُّها، ورَضِيَتْها الشَرائِعُ الوَضْعِيَّةُ المُسْتَقيمةُ.
قولُه: {لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} أيْ تَتَّعِظون بذلك فتَأْخُذونَ ما أَمَرَكمْ بِهِ. ولمَّا كانت الخَمْسَةُ المَذكورةُ في الآية السابقة مِنَ الأُمورِ الظاهِرَةِ الجَلِيَّةِ مِمَّا يَجِبُ تَعَقُّلُها وتُفُهُّمُها خُتِمَتِ الآيةُ بقولِهِ: {لعلَّكم تعقلون}، ولمَّا كانتْ هذِهِ الأَرْبَعَةُ المذكورة في هذه الآية الكريمة خَفِيَّةً غامِضَةً لا بُدَّ فيها مِنَ الاجْتِهادِ والذِكْرِ الكَثيرِ حَتّى يَقِفَ المرءُ عَلى مَوْضِعِ الاعْتِدالِ خُتِمَتْ بقوله: "لعلكم تذكرون".
قولُهُ تعالى: {إِلاَّ بالتي هِيَ أَحْسَنُ} اسْتِثناءٌ مُفَرَّغٌ، أيْ: لا تَقْرَبُوه إلاَّ بالخَصْلَةِ الحُسْنَى، فيَجوزُ أنْ يَكونَ حالاً، وأَنْ يَكونَ نَعْتَ مَصْدَرٍ، وأَتى بِصيغَةِ التَفْضيلِ تَنبيهاً على أنَّهُ يُتَحَرَّى في ذلك، ويُفْعَلُ الأَحْسَنُ ولا يُكْتَفى بالحَسَنِ.
قولُه: {حتى يَبْلُغَ أشُدَّهُ} هذِهِ غايةٌ مِنْ حيثُ المَعنى فإنَّ المَعنى: احْفَظوا مالَهُ حتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ ولو جَعَلْنَاهُ غايةً للَّفْظِ كانَ التَقديرُ: لا تَقربوهُ حتَّى يَبْلُغَ فاقْرَبوهُ، وليْسَ ذلكَ مُراداً، وقد سبق توضيحُ المُرادِ بالأمر الإلهيِّ. و"أَشَدَّهُ" اخْتَلَفَ النَّحْويّونَ في الأَشُدِّ فقيلَ: هو جَمع لا واحدَ لَهُ، وقيلَ: هو مُفرَدٌ لا جَمْعٌ، وقيلَ: هو جَمْعُ "شِدَّةٍ"، ووزنُ فِعْلةٍ يُجمَعُ على أَفْعُلٍ كَنِعْمَةٍ وأَنْعُمٍ، وكأنَّ الهاءَ في الشِدَّةِ والنِعْمَةِ لم تَكُنْ في الحَرْفِ إذْ كانتْ زائدةً، وكان الأَصْلُ نِعمَ وشِدَّ فجُمِعا على أَفْعُلٍ كما قالوا: رَجُلٌ وأَرْجُل، وقَدَحٌ وأَقْدُح، وضِرس وأَضْرُس. وقيلَ: هو جَمْعُ شُدَّ بِضَمِّ الشينِ كقولِكَ: هُوَ وُدٌّ، وهُم أَوَدُّ. وقيلَ: هُو جَمْعُ شَدَّ بفتحِ الشين وهو مُحْتَمَلٌ. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ انْتِهَاءَ الْكُهُولَةِ فِيهَا مُجْتَمَعُ الْأَشُدِّ، كَمَا قَالَ سُحَيْمُ بْنُ وَثِيلٍ:
أَخُو خَمْسِينَ مُجْتَمِعٍ أَشُدِّي .................. وَنَجَّذَنِي مُدَاوَرَةُ الشُّؤُونِ
يُرْوَى" نَجَّدَنِي" بِالدَّالِ وَالذَّالِ من نجّذ الأمورَ (أيْ جَرَّبَها وأَحْكَمَها) وَقيل أَصْلُهُ مِنْ شَدَّ النَّهَارُ أَيِ ارْتَفَعَ، يُقَالُ: أَتَيْتُهُ شَدَّ النَّهَارِ وَمَدَّ النَّهَارِ. وَكَانَ مُحَمَّدُ بْنُ الضَّبِّيِّ يُنْشِدُ بَيْتَ عَنْتَرَةَ:
عَهْدِي بِهِ النَّهار كأنَّما .................... خَضَبَ اللَّبانَ ورَأسَهُ بالعَظْلَمِ
اللَّبانُ: الصَدْرُ. والعظْلَم: صبغٌ أحمرُ اللون. وَقَالَ آخَرُ:
تُطِيفُ بِهِ شَدَّ النَّهَارِ ظَعِينَةٌ ................... طَوِيلَةُ أَنْقَاءِ الْيَدَيْنِ سَحُوقُ
شَدَّ النهارُ: ارْتَفَعَ وعَلَتْ شَمْسُه. والظَعينَةُ: يَعني بها زَوْجَتَه. الأَنْقاء: جَمْعُ نِقْوٍ، وهو كُلُّ عَظْمٍ فيهِ مُخٌّ، كعِظامِ اليَديْنِ والساقَيْنِ، وامرأةٌ سَحوقٌ: أي طويلةٌ كأنَّها نَخْلَةٌ مُسْتَويةٌ قد انْجَرَدَ عَنْها كَرْبُها.
وَكَانَ سِيبَوَيْهِ يَقُولُ: وَاحِدُهُ شِدَّةٌ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَهُوَ حَسَنٌ فِي الْمَعْنَى، لِأَنَّهُ يُقَالُ: بَلَغَ الْغُلَامُ شِدَّتَهُ، وَلَكِنْ لَا تُجْمَعُ فِعْلَةٌ عَلَى أَفْعُلٍ، وَأَمَّا أَنْعُمٌ فَإِنَّمَا هُوَ جَمْعُ نُعْمٍ، مِنْ قَوْلِهِمْ: يَوْمَ بُؤْسٍ وَيَوْمَ نُعْمٍ. وَأَمَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ: وَاحِدُهُ شَدٌّ، مِثْلَ كَلْبٍ وَأَكْلُبٍ، وَشِدٌّ مِثْلَ ذِئْبٍ وَأَذْؤُبٍ فَإِنَّمَا هُوَ قِيَاسٌ. كَمَا يَقُولُونَ فِي وَاحِدِ الْأَبَابِيلِ: إِبَّوْلُ، قِيَاسًا عَلَى عِجَّوْلٍ، وَلَيْسَ هُوَ شَيْئًا سُمِعَ مِنَ الْعَرَبِ. قَالَ أَبُو زَيْدٍ: أَصَابَتْنِي شُدَّى عَلَى فُعْلَى، أَيْ شِدَّةٌ. وَأَشَدَّ الرَّجُلُ إِذَا كَانَتْ مَعَهُ دَابَّةٌ شَدِيدَةٌ.
والأَشَدُّ: مشتق من الشِدَّة وهي القوة والجَلادة، قال عَدِيٌّ بن الرِّقاع:
قَدْ سادَ وهُوَ فَتىً حَتَّى إِذا بَلَغَتْ ......... أَشُدُّهُ وَعلا في الأَمْرِ وَاجْتَمَعَا
اجتمعَ: اكتملت قوّتُه، كما يقال استجمع السيلُ عندما يجتمع من كلِّ ناحيةٍ فيصبح قوياً جارفاً هادراً.
وقولُه: {وأوفو الكيلَ والميزان بالقسطِ} الكَيْلُ: هو الآلةُ التي يُكالُ بها، وأَصْلُ الكَيْلِ المَصْدَرُ ثمَّ أُطْلِقَ على الآلة. والميزانُ: هو الآلة التي يوزَنُ بها، مِفْعالٌ مِنَ الوَزْن لِهذِه الآلةِ كالمِصْباحِ لما يُسْتَصْبَحُ بِه، وكالمِقْياسِ لما يُقاس به، وأصل ميزان مِوْزان ففُعِلَ به ما فُعِلَ بميقات وقد تقدَّمَ في البقرة. و"بالقِسْطِ" حالٌ مِنْ فاعلِ "أَوْفوا" أي: أوفوهما مُقْسِطين أي: مُتلَبِّسين بالقِسْطِ، وقيل يَجوزُ أَنْ يَكونَ حالاً مِنَ المَفعولِ أَيْ: أَوْفوا الكَيْلَ والمِيزانَ مُتَلَبِّسينَ بالقسط أي تامَّيْنِ. ويَجوزُ أَنْ يكونَ فيه حَذْفُ مُضافٍ، تقديرُه: مَكَيلَ الكَيْلِ ومَوزونَ المِيزانِ، ولا حاجَةَ إلى ذلك لأنَّ المَعنى صَحيحٌ بِدونِهما.
قولُهُ: {لاَ نُكَلِّفُ} جملة مُعْتَرِضَةٌ بيْنَ هذِه الأَوامِرِ، فلا محلَّ لها من
الإعراب.
وقولُه: {ولو كان} أيْ: ولو كانَ المَقولُ لَهُ أو المَقولُ عَليه ذا قرابة. وقد تقدَّمَ نَظيرُ هذا التركيب مِراراً.
وقولُهُ: {وبعهدِ الله} يَجوزُ أَنْ يكونَ مِنْ بابِ إضافةِ المَصْدَرِ إلِى فاعِلِهِ أيْ: بِما عاهَدَكم اللهُ عليْه، وأَنْ يَكونَ مُضافاً لِمَفعولِهِ، أيْ: بما عاهدتّمُ اللهَ عليه، كقولِهِ تعالى: {صَدَقُواْ مَا عَاهَدُواْ الله عَلَيْهِ} الأحزاب: 23. وكقولِه: {بِمَا عَاهَدَ عَلَيْه الله} الفتح: 10. وأنْ تكونَ الإِضافةُ لِمُجَرَّدِ البَيانِ، أُضيفَ إلى اللهَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ الآمرُ بِحِفْظِهِ، والمُرادُ بِهِ العَهْدُ الواقِعُ بيْن الآيَتَيْن.
و"تَذَكَّرون" حيثُ وَقَعَ يَقْرؤهُ الأَخوانِ وعاصمٌ في روايةِ حَفْصٍ بالتَخفيفِ، ويقرؤه الباقونَ بالتَشديدِ والأَصْلُ: تَتَذَكَّرون، فَمَنْ خَفَّفَ حَذَفَ إحْدى الياءين، ومَنْ ثقَّلَ أَدْغَمَ التاء في الذالِ، وثَمَّةَ خِلافٌ مَشهورٌ في هذه التّاءِ، فمنهم مَنْ قال هي تاءُ المُضارَعَةِ، ومنهم مَنْ قالَ هي تاءُ الفَاعِلِ.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
فيض العليم .... سورة الأنعام، الآية: 152
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» فيض العليم ... سورة الأنعام، الآية: 8
» فيض العليم ... سورة الأنعام، الآية: 24
» فيض العليم ... سورة الأنعام، الآية: 41
» فيض العليم ... سورة الأنعام، الآية: 56
» فيض العليم ... سورة الأنعام، الآية: 73

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
روضة الشاعر عبد القادر الأسود :: ...:: الروضة الروحانية ::... :: روضة الذكر الحكيم-
انتقل الى: