روضة الشاعر عبد القادر الأسود
بعد الصلاة على الرحمة المهداة

أهلا وسهلا بك في روضتنا

يسرنا تسجيلك

روضة الشاعر عبد القادر الأسود
بعد الصلاة على الرحمة المهداة

أهلا وسهلا بك في روضتنا

يسرنا تسجيلك

روضة الشاعر عبد القادر الأسود
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

روضة الشاعر عبد القادر الأسود

منتدى أدبي اجتماعي يعنى بشؤون الشعر والأدب والموضوعات الاجتماعي والقضايا اللإنسانية
 
مركز تحميل الروضةالرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
بسـم الله الرحمن الرحيم  :: الحمد لله رب العالمين * الرحمن الرحيم * مالك يوم الدين * إياك نعبد وإياك نستعين * إهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين أنعمت عليهم * غير المغضوب عليهم ولا الضــالين ....  آميـــن

 

 فيض العليم .... سورة الأنعام، الآية: 141

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
عبد القادر الأسود

¤° صاحب الإمتياز °¤
¤° صاحب الإمتياز °¤
عبد القادر الأسود


عدد المساهمات : 3986
تاريخ التسجيل : 08/09/2011
العمر : 76
المزاج المزاج : رايق
الجنس : ذكر
فيض العليم .... سورة الأنعام، الآية:  141 Jb12915568671



فيض العليم .... سورة الأنعام، الآية:  141 Empty
مُساهمةموضوع: فيض العليم .... سورة الأنعام، الآية: 141   فيض العليم .... سورة الأنعام، الآية:  141 I_icon_minitimeالثلاثاء فبراير 18, 2014 11:05 am

وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشابِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ.
(141)
قَوْلُهُ ـ تَعَالَى شأنُه: {وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشاتٍ} عَوْدٌ إلى ما هو المقصودُ الأَصْليُّ وهوَ إقامةُ الدلائلِ على تقريرِ التَوحيدِ، أيْ وهوَ الذَي خَلَقَ وأَظهر تِلكَ الجَناتِ مِنْ غيرِ شِرْكَةٍ لأحَدٍ في ذلك بِوَجْهٍ مِنَ الوُجوهِ، فرَبُّكُمُ اللهُ، أيُّهَا النَّاسُ، هُوَ الذِي خَلَقَ كُلَّ شَيءٍ، و"أَنْشَأَ" أَيْ خَلَقَ، جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ أَيْ بَسَاتِينَ مَمْسُوكَاتٍ مَرْفُوعَاتٍ على سُمُكٍ وأعمدةٍ. وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ غَيْرَ مَرْفُوعَاتٍ على عرائش. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ـ رضي اللهُ عنهما: "مَعْرُوشاتلٍ" مَا انْبَسَطَ عَلَى الْأَرْضِ مِمَّا يَفْرِشُ مِثْلَ الْكُرُومِ وَالزُّرُوعِ وَالْبِطِّيخِ. "وَغَيْرَ مَعْرُوشاتٍ" مَا قَامَ عَلَى سَاقٍ مِثْلِ النَّخْلِ وَسَائِرِ الْأَشْجَارِ. وَقِيلَ: "الْمَعْرُوشَاتُ" مَا ارْتَفَعَتْ أَشْجَارُهَا. وَأَصْلُ التَّعْرِيشِ الرَّفْعُ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا: "الْمَعْرُوشَاتُ" مَا أَثْبَتَهُ وَرَفَعَهُ النَّاسُ. وَغَيْرُ الْمَعْرُوشَاتِ مَا خَرَجَ فِي الْبَرَارِي وَالْجِبَالِ مِنَ الثِّمَارِ. يَدُلُّ عَلَيْهِ قِرَاءَةُ أَميرِ المُؤمنين الإمامِ عَلِيٍّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ "مَغْرُوسَاتٍ وَغَيْرَ مَغْرُوسَاتٍ" بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ.
قَوْلُهُ: {وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ} تَخصيصٌ بعدَ تَعميمِ، أيْ أنشأهُما "مُخْتَلِفًا" في الهيئةِ والكَيْفِيَّةِ، وأَفْرَدَهُمَا بِالذِّكْرِ وَهُمَا دَاخِلَانِ فِي الْجَنَّاتِ لِمَا فِيهِمَا مِنَ الْفَضِيلَةِ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي "سورة الْبَقَرَةِ" عِنْدَ قولِه تَعالى: {مَنْ كانَ عَدُوًّا للهِ وَمَلائِكَتِهِ وجبريلَ وميكالَ} الْآيَةَ: 98. و"مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ" يَعْنِي "مُخْتَلِفاً"، طَعْمَهُ فمِنْهُ الْجَيِّدُ وَمنه الدُّونُ. أو هو مُختلِفُ الطَعْمِ والمَذاقِ، وَسَمَّاهُ أُكُلاً لأنَّهُ يُؤْكَلُ. أيْ فَأَعْلَمَ أَنَّهُ أَنْشَأَهَا مُخْتَلِفًا أُكُلُهَا، أَيْ أَنَّهُ أَنْشَأَهَا مُقَدِّرًا فِيهِ الِاخْتِلَافَ، أَيْ لَمَّا أَنْشَأَهُ كَانَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ، عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ لَكَانَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ. وَلَمْ يَقُلْ أُكُلُهُمَا، لِأَنَّهُ اكْتَفَى بِإِعَادَةِ الذِّكْرِ عَلَى أَحَدِهِمَا، كقولِهِ تعالى: {وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها} سورةُ الجُمُعة، الآية: 11. أَيْ إليْهِما. وقدْ تَقَدَّمَ هذا المَعنى.
قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشابِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ} فِي هَذِهِ أَدِلَّةٌ ثَلَاثَةٌ، أَحَدُهَا مَا تَقَدَّمَ مِنْ قِيَامِ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ الْمُتَغَيِّرَاتِ لَا بُدَّلَها مِنْ مُغَيِّرٍ. الثَّانِي دليلٌ عَلَى الْمِنَّةِ مِنْهُ ـ سُبْحَانَهُ ـ عَلَيْنَا، فَلَوْ شَاءَ إِذْ خَلَقَنَا أَلَّا يَخْلُقَ لَنَا غِذاءً، وإذْ خَلَقَهُ أَلَّا يَكُونَ جَمِيلَ الْمَنْظَرِ طَيِّبَ الطَّعْمِ، وَإِذْ خَلَقَهُ كَذَلِكَ أَلَّا يَكُونَ سَهْلَ الْجَنْيِ، فَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ ابْتِدَاءً، لأنَّه لا يَجِبُ عليْهِ شيءٌ. الثَّالِثُ دليلٌ عَلَى الْقُدْرَةِ فِي أَنْ يَكُونَ الْمَاءُ الَّذِي مِنْ شَأْنِهِ الرُّسُوبُ يَصْعَدُ بِقُدْرَةِ اللهِ الْوَاحِدِ عَلَّامِ الْغُيُوبِ مِنْ أَسَافِلِ الشَّجَرَةِ إِلَى أَعَالِيهَا، حَتَّى إِذَا انْتَهَى إِلَى آخِرِهَا نَشَأَ فِيهَا أَوْرَاقٌ لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِهَا، وَثَمَرٌ خَارِجٌ مِنْ صِفَتِهِ الْجُرْمُ الْوَافِرُ، وَاللَّوْنُ الزَّاهِرُ، وَالْجَنْيُ الْجَدِيدُ، وَالطَّعْمُ اللَّذِيذُ، فَأَيْنَ الطَّبَائِعُ وَأَجْنَاسُهَا، وَأَيْنَ الْفَلَاسِفَةُ وَأُنَاسُهَا، هَلْ فِي قُدْرَةِ الطَّبِيعَةِ أَنْ تُتْقِنَ هَذَا الْإِتْقَانَ، أَوْ تُرَتِّبَ هَذَا التَّرْتِيبَ الْعَجِيبَ! كَلَّا! لَا يَتِمُّ ذَلِكَ فِي الْعُقُولِ إِلَّا لِحَيٍّ عَالِمٍ قَدِيرٍ مُرِيدٍ. فَسُبْحَانُ مَنْ لَهُ في كلِّ شيءٍ آيَةٌ وَنِهَايَةٌ!.
وَوَجْهُ اتِّصَالِ هَذَا بِمَا قَبْلَهُ أَنَّ الْكُفَّارَ لَمَّا افْتَرَوْا عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَأَشْرَكُوا مَعَهُ وَحَلَّلُوا وَحَرَّمُوا دَلَّهُمْ عَلَى وَحْدَانِيَّتِهِ بِأَنَّهُ خَالِقُ الْأَشْيَاءِ، وَأَنَّهُ جَعَلَ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ أَرْزَاقًا لَهُمْ.
قَوْلُهُ: {كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ} هذان بناءان جاءا بصيغة أَفعل، أَحَدُهُما مُباحٌ كقول: {فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وابتغوا..} سورة الجمعة، الآية: 10. وَالثَّانِي وَاجِبٌ. وَلَيْسَ يَمْتَنِعُ فِي الشَّرِيعَةِ اقْتِرَانُ الْمُبَاحِ وَالْوَاجِبِ، وَبَدَأَ بِذِكْرِ نِعْمَةِ الْأَكْلِ قَبْلَ الْأَمْرِ بِإِيتَاءِ الْحَقِّ لِيُبَيِّنَ أَنَّ الِابْتِدَاءَ بِالنِّعْمَةِ كَانَ مِنْ فَضْلِهِ قَبْلَ التَّكْلِيفِ. "وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ" اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي تَفْسِيرِ هَذَا الْحَقِّ، مَا هُوَ، فَقَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَطَاوُسٌ وَالْحَسَنُ وَابْنُ زَيْدٍ وَابْنُ الْحَنَفِيَّةِ وَالضَّحَّاكُ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: هِيَ الزَّكَاةُ الْمَفْرُوضَةُ، الْعُشْرُ وَنِصْفُ الْعُشْرِ. وَرَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ وَابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ، وَبِهِ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ. وَحَكَى الزَّجَّاجُ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ قِيلَ فِيهَا إِنَّهَا نَزَلَتْ بِالْمَدِينَةِ. وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ وَعَطَاءٌ وَالْحَكَمُ وَحَمَّادٌ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَمُجَاهِدٌ: هُوَ حَقٌّ فِي المال سوى الزكاة أَمَرَ اللهُ بِهِ نَدْباً، وذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى في سورةِ الذاريات: {وَفِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} الآية: 19. فإنَّها مَكِّيَّةٌ. ورُويَ عنِ ابْنِ عُمَرَ وَمُحَمَّدِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ أَيْضًا، وَرَوَاهُ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ عَنِ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ مُجَاهِدٌ: إِذَا حَصَدْتَ فَحَضَرَكَ الْمَسَاكِينُ فَاطْرَحْ لَهُمْ مِنَ السُّنْبُلِ، وَإِذَا جَذَذْتَ فَأَلْقِ لَهُمْ مِنَ الشَّمَارِيخِ، وَإِذَا دَرَسْتَهُ وَدُسْتَهُ وَذَرَيْتَهُ فَاطْرَحْ لَهُمْ مِنْهُ، وَإِذَا عَرَفْتَ كَيْلَهُ فَأَخْرِجْ مِنْهُ زَكَاتَهُ. وَقَوْلٌ ثَالِثٌ: هُوَ مَنْسُوخٌ بِالزَّكَاةِ، لِأَنَّ هَذِهِ السُّورَةَ مَكِّيَّةٌ وَآيَةُ الزَّكَاةِ لَمْ تَنْزِلْ إِلَّا بِالْمَدِينَةِ وهي: {خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ} سورة التوبة، الآية: 103. وقولُه في سورة البقرةِ وغيرها: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ} الآية: 43. رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَسَنِ وَعَطِيَّةِ الْعَوْفِيِّ وَالنَّخَعِيِّ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ. وَقَالَ سُفْيَانُ: سَأَلْتُ السُّدِّيَّ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ فَقَالَ. نَسَخَهَا الْعُشْرُ وَنِصْفُ الْعُشْرِ. فَقُلْتُ عَمَّنْ؟ فَقَالَ عَنِ الْعُلَمَاءِ. وَقَدْ تَعَلَّقَ أَبُو حَنِيفَةَ بِهَذِهِ الْآيَةِ وَبِعُمُومِ مَا فِي قَوْلِهِ ـ عَلَيْهِ الصلاةُ والسَّلَامُ: ((فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ الْعُشْرُ وَفِيمَا سُقِيَ بِنَضْحٍ أَوْ دَالِيَةٍ نِصْفُ الْعُشْرِ)). فِي إِيجَابِ الزَّكَاةِ فِي كُلِّ مَا تُنْبِتُ الْأَرْضُ طَعَامًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ عَنْهُ: إِلَّا الْحَطَبَ وَالْحَشِيشَ وَالْقَضْبَ وَالتِّينَ وَالسَّعَفَ وَقَصَبَ الذَّرِيرَةِ وَقَصَبَ السُّكَّرِ. وهو الصوابُ فيما نرى لاسيَّما وإنَّ مناطقَ وأقاليم بكامِلِها تَعْتَمِدُ في زراعتها على الزيتون مثلاً كمحصول أَساسِيٍّ، ولا يَكادُ يُزْرَعُ فيها قمحٌ ولا غَيرُهُ ممَّا يُعْتَبَرُ قُوتاً، وهذا يَعني أَنَّ أَقاليمَ بِكامِلِها لا زَكاةَ فيها، ومن هنا تظهرُ أهميّة قول الإمام الأعظمِ أَبي حنيفةَ النُعمان ـ رضي اللهُ عنه ـ ومن وافقه مِنَ الأَئمَّة. وَأَبَاهُ الْجُمْهُورُ، مُعَوِّلِينَ عَلَى أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ الْحَدِيثِ بَيَانُ مَا يُؤْخَذُ مِنْهُ الْعُشْرُ وَمَا يُؤْخَذُ مِنْهُ نِصْفُ الْعُشْرِ. قَالَ أَبُو عُمَرَ: لَا اخْتِلَافَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِيمَا عَلِمْتُ أَنَّ الزَّكَاةَ وَاجِبَةٌ فِي الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا زَكَاةَ فِي غَيْرِهَا. رُوِيَ ذَلِكَ عَنِ الْحَسَنِ وَابْنِ سِيرِينَ وَالشَّعْبِيِّ. وَقَالَ بِهِ مِنَ الْكُوفِيِّينَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى والثوري والحسنُ بنُ صالِحٍ وابْنُ المُبارَكِ يَحْيَى بْنُ آدَمَ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَبُو عُبَيْدٍ. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي مُوسَى عَنِ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي مُوسَى، فَإِنَّهُ كَانَ لَا يَأْخُذُ الزَّكَاةَ إِلَّا مِنَ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ، ذَكَرَهُ وَكِيعٌ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ يَحْيَى عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ. وَقَالَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ: الزَّكَاةُ وَاجِبَةٌ فِي كُلِّ مُقْتَاتٍ مُدَّخَرٍ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إِنَّمَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِيمَا يَيْبَسُ يُدَّخَرُ وفي كلِّ مُقتاتٍ مأكولاً. ولا شيء فِي الزَّيْتُونِ لِأَنَّهُ إِدَامٌ. وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ مِثْلَهُ. وَقَالَ أَحْمَدُ أَقْوَالًا أَظْهَرُهَا أَنَّ الزَّكَاةَ إنَّما تَجِبُ في كُلِّ ما قالَ أَبو حَنيفةَ إذا كان يُوَسَّقُ، فَأَوْجَبَهَا فِي اللَّوْزِ لِأَنَّهُ مَكِيلٌ دُونَ الجَوْزِ لأنَّهُ مَعدودٌ. واحْتَجَّ بقولهِ ـ عَلَيْهِ الصلاةُ والسَّلَامُ: ((لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ مِنْ تَمْرٍ أَوْ حَبٍّ صَدَقَةٌ)). قَالَ: فَبَيَّنَ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ أَنَّ مَحِلَّ الْوَاجِبِ هُوَ الْوَسْقُ، وَبَيَّنَ الْمِقْدَارَ الَّذِي يَجِبُ إِخْرَاجُ الْحَقِّ مِنْهُ. وَذَهَبَ النَّخَعِيُّ إِلَى أَنَّ الزَّكَاةَ وَاجِبَةٌ فِي كُلِّ مَا أَخْرَجَتْهُ الْأَرْضُ، حَتَّى فِي عَشْرِ دَسَاتِجَ (حُزَمٍ) بَقْلٍ دَسْتَجَةٌ مِنْ بَقْلِ. وتعليقُ الحُكْمِ بالوَسْقِ لا يَتَّسِقُ مَعَ هذهِ الروايةِ لِتَخْصيصها، ولكنْ مَعَ روايةِ البُخاري: ((ليس فيما دونَ خَمْسةِ أَوْسُقٍ صدَقَةٌ)). وَقَدِ اخْتُلِفَ عَنْهُ فِي ذَلِكَ، وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَإِنَّهُ كَتَبَ أَنْ يُؤْخَذَ مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ الْعُشْرُ، ذَكَرَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ سِمَاكِ بْنِ الْفَضْلِ، قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ..، فَذَكَرَهُ. وَهُوَ قَوْلُ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ وَتِلْمِيذِهِ أَبِي حَنِيفَةَ. وَإِلَى هَذَا مَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي أَحْكَامِهِ فَقَالَ: وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَجَعَلَ الْآيَةَ مِرْآتَهُ فَأَبْصَرَ الْحَقَّ، وَأَخَذَ يَعْضُدُ مَذْهَبَ الْحَنَفِيِّ وَيُقَوِّيهِ. وَقَالَ فِي كِتَابِ (الْقَبَسِ بِمَا عَلَيْهِ الْإِمَامُ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ): قَالَ اللهُ تَعَالَى: "وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشابِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ". وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي جَمِيعِ مَا تَضَمَّنَتْهُ أَوْ بَعْضِهِ، وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ، فِي (الْأَحْكَامِ) لُبَابُهُ، أَنَّ الزَّكَاةَ إِنَّمَا تَتَعَلَّقُ بِالْمُقْتَاتِ كَمَا بَيَّنَّا دُونَ الْخَضْرَاوَاتِ، وَقَدْ كَانَ بِالطَّائِفِ الرُّمَّانُ وَالْفِرْسِكُ (الخوخ أو ضربٌ مِنْهُ أو ما ينفلق عن نواة) وَالْأُتْرُجُّ فَمَا اعْتَرَضَهُ رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَلَا ذَكَرَهُ وَلَا أَحَدٌ مِنْ خُلَفَائِهِ. قُلْتُ: هَذَا وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْأَحْكَامِ هُوَ الصَّحِيحُ فِي الْمَسْأَلَةِ، وَأَنَّ الْخَضْرَاوَاتِ لَيْسَ فِيهَا شيءٌ. وَأَمَّا الْآيَةُ فَقَدِ اخْتُلِفَ فِيهَا، هَلْ هِيَ مُحْكَمَةٌ أَوْ مَنْسُوخَةٌ أَوْ مَحْمُولَةٌ عَلَى النَّدْبِ. وَلَا قَاطِعَ يُبَيِّنُ أَحَدَ مَحَامِلِهَا، بَلِ الْقَاطِعُ الْمَعْلُومُ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ بُكَيْرٍ فِي أَحْكَامِهِ: أَنَّ الْكُوفَةَ افْتُتِحَتْ بَعْدَ مَوْتِ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَبَعْدَ اسْتِقْرَارِ الْأَحْكَامِ فِي الْمَدِينَةِ، أَفَيَجُوزُ أَنْ يَتَوَهَّمَ مُتَوَهِّمٌ أَوْ مَنْ لَهُ أَدْنَى بَصِيرَةٍ أَنْ تَكُونَ شَرِيعَةٌ مِثْلُ هَذِهِ عُطِّلَتْ فَلَمْ يُعْمَلْ بِهَا فِي دَارِ الْهِجْرَةِ وَمُسْتَقَرِّ الْوَحْيِ وَلَا فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ، حَتَّى عَمِلَ بِذَلِكَ الْكُوفِيُّونَ؟. إِنَّ هَذِهِ لَمُصِيبَةٌ فِيمَنْ ظَنَّ هَذَا وَقَالَ بِهِ! قُلْتُ: وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى هَذَا مِنْ مَعْنَى التَّنْزِيلِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ} سورة المائدة، الآية: 67. أَتَرَاهُ يَكْتُمُ شَيْئًا أُمِرَ بتبليغِهِ أوْ بِبيانِهِ؟ حاشاه عن ذلك. وَقَالَ تَعَالَى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي} سورة المائدة، الآية: 3. وَمِنْ كَمَالِ الدِّينِ كَوْنُهُ لَمْ يَأْخُذْ مِنَ الْخَضْرَاوَاتِ شَيْئًا. وَقَالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ فِيمَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ: إِنَّ الْمَقَاثِئَ (جمعُ مِقثأةٍ بفتحِ الثاءِ وضمِّها، مَوْضِعُ القِثّاءِ) كَانَتْ تَكُونُ عِنْدَنَا تُخْرِجُ عَشَرَةَ آلَافٍ فَلَا يكون فيها شيءٌ. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ وَالْحَسَنُ: تُزَكَّى أَثْمَانُ الْخُضَرِ إِذَا بِيعَتْ وَبَلَغَ الثَّمَنُ مِئَتَيْ دِرْهَمٍ، وَقَالَهُ الْأَوْزَاعِيُّ فِي ثَمَنِ الْفَوَاكِهِ. وَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ مُعَاذٍ أَنَّهُ كَتَبَ إِلَى النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ يَسْأَلُهُ عَنِ الْخَضْرَاوَاتِ وَهِيَ الْبُقُولُ فَقَالَ: (ليس فيها شيءٌ). وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْمَعْنَى عَنْ جَابِرٍ وَأَنْسٍ وَعَلِيٍّ وَمُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ جَحْشٍ وَأَبِي مُوسَى وَعَائِشَةَ. ذَكَرَ أَحَادِيثَهُمْ الدَّارَقُطْنِيُّ رَحِمَهُ اللهُ. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: لَيْسَ يَصِحُّ فِي هَذَا الْبَابِ عَنِ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ شيءٌ. وَاحْتَجَّ بَعْضُ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ بِحَدِيثِ صَالِحِ بْنِ مُوسَى عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الْأَسْوَدِ عَنْ أمِّ المؤمنين السيدة عَائِشَةَ ـ رضي اللهُ عنها ـ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((فِيمَا أَنْبَتَتِ الْأَرْضُ مِنَ الْخُضَرِ زَكَاةٌ)). قَالَ أَبُو عُمَرَ: وَهَذَا حَدِيثٌ لَمْ يَرْوِهِ مِنْ ثِقَاتِ أَصْحَابِ مَنْصُورٍ أَحَدٌ هَكَذَا، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ قَوْلِ إِبْرَاهِيمَ. قُلْتُ: وَإِذَا سَقَطَ الِاسْتِدْلَالُ مِنْ جِهَةِ السُّنَّةِ لِضَعْفِ أَسَانِيدِهَا فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا مَا ذَكَرْنَاهُ من تخصيصِ عُمومِ الآيةِ، وعُمومِ قولِه ـ عليه الصلاةُ والسلام: ((فيما سَقَتِ السَّماءُ العُشْرُ)) ما ذَكَرْنَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدُ: لَيْسَ فِي شيءٍ مِنَ الْخُضَرِ زَكَاةٌ إِلَّا مَا كَانَتْ لَهُ ثَمَرَةٌ بَاقِيَةٌ، سِوَى الزَّعْفَرَانِ وَنَحْوِهِ مِمَّا يُوزَنُ فَفِيهِ الزَّكَاةُ. وَكَانَ مُحَمَّدٌ يَعْتَبِرُ فِي الْعُصْفُرِ وَالْكَتَّانِ الْبَزْرَ، فَإِذَا بَلَغَ بَزْرُهُمَا مِنَ الْقُرْطُمِ وَالْكَتَّانِ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ كَانَ الْعُصْفُرُ وَالْكَتَّانُ تَبَعًا لِلْبَزْرِ، وَأَخَذَ مِنْهُ الْعُشْرَ أَوْ نِصْفَ الْعُشْرِ. وَأَمَّا الْقُطْنُ فَلَيْسَ فِيهِ عِنْدَهُ دُونَ خَمْسَةِ أَحْمالٍ شيءٌ، وَالْحَمْلُ ثَلَاثُمِئَةِ مَنٍّ بِالْعِرَاقِيِّ، والمَنُّ الواحدُ ما زِنَتُهُ رطلان. وَالْوَرْسُ وَالزَّعْفَرَانُ لَيْسَ فيما دون خمسةِ أَمْنانٍ منها شيءٌ. فَإِذَا بَلَغَ أَحَدُهُمَا خَمْسَةَ أَمْنَانٍ كَانَتْ فِيهِ الصَّدَقَةُ، عُشْرًا أَوْ نِصْفَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: وَكَذَلِكَ قَصَبُ السُّكَّرِ الَّذِي يَكُونُ مِنْهُ السُّكَّرُ، وَيَكُونُ فِي أَرْضِ الْعُشْرِ دُونَ أَرْضِ الْخَرَاجِ، فِيهِ مَا فِي الزَّعْفَرَانِ. وَأَوْجَبَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْمَاجِشُونَ الزَّكَاةُ فِي أُصُولِ الثِّمَارِ دون البَقولِ. وهذا خلافُ مَا عَلَيْهِ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ، لَا زَكَاةَ عِنْدَهُمْ لَا فِي اللَّوْزِ وَلَا فِي الْجَوْزِ وَلَا فِي الْجِلَّوْزِ (البندق) وَمَا كَانَ مِثْلَهَا، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ يُدَّخَرُ. كَمَا أَنَّهُ لَا زَكَاةَ عِنْدَهُمْ فِي الْإِجَّاصِ وَلَا فِي التُّفَّاحِ وَلَا فِي الْكُمَّثْرَى، وَلَا مَا كَانَ مِثْلَ ذَلِكَ كُلِّهِ مِمَّا لَا يُيْبَسُ وَلَا يُدَّخَرُ. وَاخْتَلَفُوا فِي التِّينِ، وَالْأَشْهَرُ عِنْدَ أَهْلِ الْمَغْرِبِ مِمَّنْ يَذْهَبُ مَذْهَبَ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا زَكَاةَ عِنْدَهُمْ فِي التِّينِ. إِلَّا عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ حَبِيبٍ فَإِنَّهُ كَانَ يَرَى فِيهِ الزَّكَاةَ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ، قِيَاسًا عَلَى التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ. وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ جماعةٌ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ البَغداديين الْمَالِكِيِّينَ، إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ وَمَنِ اتَّبَعَهُ. قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ: السُّنَّةُ الَّتِي لَا اخْتِلَافَ فِيهَا عِنْدَنَا، وَالَّذِي سَمِعْتُهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، أنَّه ليسَ في شيءٍ مِنَ الْفَوَاكِهِ كُلِّهَا صَدَقَةٌ: الرُّمَّانُ وَالْفِرْسِكُ وَالتِّينُ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ. وَمَا لَمْ يُشْبِهْهُ إِذَا كَانَ مِنَ الْفَوَاكِهِ. قَالَ أَبُو عُمَرَ: فَأَدْخَلَ التِّينَ فِي هَذَا الْبَابِ، وَأَظُنُّهُ (وَاللهُ أَعْلَمُ) لَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّهُ يُيْبَسُ وَيُدَّخَرُ وَيُقْتَاتُ، وَلَوْ عَلِمَ ذَلِكَ مَا أَدْخَلَهُ فِي هَذَا الْبَابِ، لِأَنَّهُ أَشْبَهُ بِالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ مِنْهُ بِالرُّمَّانِ. وَكان الْأَبْهَرِيِّ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ أَنَّهُمْ كَانُوا يُفْتُونَ بِالزَّكَاةِ فِيهِ، وَيَرَوْنَهُ مَذْهَبَ مَالِكٍ عَلَى أُصُولِهِ عِنْدَهُمْ. وَالتِّينُ مَكِيلٌ يُرَاعَى فِيهِ الْخَمْسَةُ الْأَوْسُقُ وَمَا كَانَ مِثْلَهَا وَزْنًا، وَيُحْكَمُ فِي التِّينِ عِنْدَهُمْ بِحُكْمِ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ الْمُجْتَمَعِ عليهما. وقال الشافعي: لا زكاةَ في شيءٍ مِنَ الثِّمَارِ غَيْرَ التَّمْرِ وَالْعِنَبِ، لِأَنَّ رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ أَخَذَ الصَّدَقَةَ مِنْهُمَا وَكَانَا قُوتًا بِالْحِجَازِ يُدَّخَرُ. قَالَ: وَقَدْ يُدَّخَرُ الْجَوْزُ وَاللَّوْزُ وَلَا زَكَاةَ فِيهِمَا، لِأَنَّهُمَا لَمْ يَكُونَا بِالْحِجَازِ قُوتًا فِيمَا عَلِمْتُ، وَإِنَّمَا كانا فاكهةً. ولا زَكاةَ في الزَّيتونِ، لقولهِ تَعَالَى: {وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ} فَقَرَنَهُ مَعَ الرُّمَّانِ، وَلَا زَكَاةَ فِيهِ. وَأَيْضًا فَإِنَّ التِّينَ أَنْفَعُ مِنْهُ فِي الْقُوتِ وَلَا زَكَاةَ فِيهِ. وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلٌ بزكاة الزيتون قالَهُ بالعِراقِ، والأوَّل قاله بِمِصْرَ، فَاضْطَرَبَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الزَّيْتُونِ، ذلك لأنَّ مصرَ لا زيتون فيها بينما هو زراعةٌ أساسيةٌ في الشام وبعض العراق، وَلَمْ يَخْتَلِفْ فِيهِ قَوْلُ مَالِكٍ. فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْآيَةَ مُحْكَمَةٌ عِنْدَهُمَا غَيْرُ مَنْسُوخَةٍ. وَاتَّفَقَا جَمِيعًا عَلَى أَنْ لَا زَكَاةَ فِي الرُّمَّانِ، وَكَانَ يَلْزَمُهُمَا إِيجَابُ الزَّكَاةِ فِيهِ. قَالَ أَبُو عُمَرَ: فَإِنْ كَانَ الرُّمَّانُ خَرَجَ بِاتِّفَاقٍ فَقَدْ بَانَ بِذَلِكَ الْمُرَادُ بِأَنَّ الْآيَةَ لَيْسَتْ عَلَى عُمُومِهَا، وَكَانَ الضَّمِيرُ عَائِدًا عَلَى بَعْضِ الْمَذْكُورِ دُونَ بعض. والله أعلم. وبِهَذَا اسْتَدَلَّ مَنْ أَوْجَبَ الْعُشْرَ فِي الْخَضْرَاوَاتِ فَإِنَّهُ تَعَالَى قَالَ: "وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ" وَالْمَذْكُورُ قَبْلَهُ الزَّيْتُونُ وَالرُّمَّانُ، وَالْمَذْكُورُ عَقِيبَ جُملةٍ يَنصرِفُ إلى الأخيرِ بِلا خِلافٍ، قالَه إِلْكِيَا الطَّبَرِيُّ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رضي اللهُ عنهما ـ أَنَّهُ قَالَ: مَا لُقِّحَتْ رُمَّانَةٌ قَطُّ إِلَّا بِقَطْرَةٍ مِنْ مَاءِ الْجَنَّةِ. وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ ـ كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ ـ أَنَّهُ قَالَ: إِذَا أَكَلْتُمُ الرُّمَّانَةَ فَكُلُوهَا بِشَحْمِهَا فَإِنَّهُ دِبَاغُ الْمَعِدَةِ. وَذَكَرَ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي تَارِيخِ دِمَشْقَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَا تَكْسِرُوا الرُّمَّانَةَ مِنْ رَأْسِهَا فَإِنَّ فِيهَا دُودَةً يَعْتَرِي مِنْهَا الْجُذَامُ. وَمِمَّنْ قَالَ بِوُجُوبِ زَكَاةِ الزَّيْتُونِ الزُّهْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَاللَّيْثُ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَأَبُو ثَوْرٍ. قَالَ الزُّهْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَاللَّيْثُ: يُخْرَصُ زَيْتُونًا وَيُؤْخَذُ زَيْتًا صَافِيًا. وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يُخْرَصُ، وَلَكِنْ يُؤْخَذُ الْعُشْرُ بَعْدَ أَنْ يُعْصَرَ وَيَبْلُغَ كَيْلُهُ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ: يُؤْخَذُ مِنْ حَبِّهِ. وَمِثْلُهُ الصِّرَامُ وَالصَّرَامُ وَالْجَذَاذُ وَالْجِذَاذُ وَالْقَطَافُ وَالْقِطَافُ.
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي وَقْتِ الْوُجُوبِ على ثلاثةِ أَقوالٍ: الأوَّلُ: أَنَّهُ وقتُ الجذاذِ، لقولِهِ تَعَالَى:"يَوْمَ حَصادِهِ". الثَّانِي: يَوْمُ الطِّيبِ، لِأَنَّ مَا قَبْلَ الطِّيبِ يَكُونُ عَلَفًا لَا قُوتًا وَلَا طَعَامًا، فَإِذَا طَابَ وَحَانَ الْأَكْلُ الَّذِي أَنْعَمَ اللهُ بِهِ وَجَبَ الْحَقُّ الَّذِي أَمَرَ اللهُ بِهِ، إِذْ بِتَمَامِ النِّعْمَةِ يَجِبُ شُكْرُها، ويكونُ الإيتاءُ الْحَصَادِ لِمَا قَدْ وَجَبَ يَوْمَ الطِّيبِ. الثَّالِثُ: أَنَّهُ يَكُونُ بَعْدَ تَمَامِ الْخَرْصِ (الحزرُ والتخمينُ لمقدار المحصول)، لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَتَحَقَّقُ الْوَاجِبُ فِيهِ مِنَ الزَّكَاةِ فَيَكُونُ شَرْطًا لِوُجُوبِهَا. أَصْلُهُ مَجِيءُ السَّاعِي فِي الْغَنَمِ، وَبِهِ قَالَ الْمُغِيرَةُ. وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ لِنَصِّ التَّنْزِيلِ. وَالْمَشْهُورُ مِنَ الْمَذْهَبِ الثَّانِي، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَفَائِدَةُ الخلاف إذا مات بعدَ الطِيبِ زُكِّيَتْ عَلَى مِلْكِهِ، أَوْ قَبْلَ الْخَرْصِ عَلَى وَرَثَتِهِ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ: إِنَّمَا قَدَّمَ الْخَرْصَ تَوْسِعَةً عَلَى أَرْبَابِ الثِّمَارِ، وَلَوْ قَدَّمَ رَجُلٌ زكاتَه بعدَ الخَرْصِ وقبلَ الجُذاذِ (القطاف) يُجْزِهِ، لِأَنَّهُ أَخْرَجَهَا قَبْلَ وُجُوبِهَا. وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْقَوْلِ بِالْخَرْصِ. فَكَرِهَهُ الثَّوْرِيُّ وَلَمْ يُجِزْهُ بِحَالٍ، وَقَالَ: الْخَرْصُ غَيْرُ مُسْتَعْمَلٍ. قَالَ: وَإِنَّمَا عَلَى رَبِّ الْحَائِطِ أَنْ يُؤَدِّيَ عُشْرَ مَا يَصِيرُ فِي يَدِهِ لِلْمَسَاكِينِ إِذَا بَلَغَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ. وَرَوَى الشَّيْبَانِيُّ عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ قَالَ: الْخَرْصُ الْيَوْمَ بِدْعَةٌ. وَالْجُمْهُورُ عَلَى خِلَافِ هَذَا، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فَالْمُعْظَمُ عَلَى جَوَازِهِ فِي النَّخْلِ وَالْعِنَبِ، لِحَدِيثِ عَتَّابِ بْنِ أُسَيْدٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ بَعَثَهُ وَأَمَرَهُ أَنْ يَخْرُصَ الْعِنَبَ كَمَا يَخْرُصُ النَّخْلَ وَتُؤْخَذُ زَكَاتُهُ زَبِيبًا كَمَا تُؤْخَذُ زَكَاةُ النَّخْلِ تَمْرًا. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. وَقَالَ دَاوُدُ بْنُ عَلِيٍّ: الْخَرْصُ لِلزَّكَاةِ جَائِزٌ فِي النَّخْلِ، وَغَيْرُ جَائِزٍ فِي الْعِنَبِ، وَدَفَعَ حَدِيثَ عَتَّابِ بْنِ أُسَيْدٍ لِأَنَّهُ مُنْقَطِعٌ وَلَا يَتَّصِلُ من طريق صحيح، قال أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْحَقِّ. وَصِفَةُ الْخَرْصِ أَنْ يُقَدَّرَ مَا عَلَى نَخْلِهِ رُطَبًا وَيُقَدَّرُ مَا يَنْقُصُ لَوْ يُتَمَّرُ، ثُمَّ يُعْتَدُّ بِمَا بَقِيَ بَعْدَ النَّقْصِ وَيُضِيفُ بَعْضَ ذَلِكَ إِلَى بَعْضٍ حَتَّى يَكْمُلَ الْحَائِطُ، وَكَذَلِكَ فِي الْعِنَبِ (في كلِّ داليةٍ). وَيَكْفِي فِي الْخَرْصِ الْوَاحِدُ كَالْحَاكِمِ. فَإِذَا كَانَ فِي التَّمْرِ زِيَادَةٌ عَلَى مَا خَرِصَ لَمْ يَلْزَمْ رَبَّ الْحَائِطِ الْإِخْرَاجُ عَنْهُ، لِأَنَّهُ حُكْمٌ قد نفذ، قال عبد الوهاب. وكذلك إذا نقصى لَمْ تَنْقُصِ الزَّكَاةُ. قَالَ الْحَسَنُ: كَانَ الْمُسْلِمُونَ يُخْرَصُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ يُؤْخَذُ مِنْهُمْ عَلَى ذَلِكَ الْخَرْصِ. فَإِنِ اسْتَكْثَرَ رَبُّ الْحَائِطِ الْخَرْصَ خَيَّرَهُ الْخَارِصُ فِي أَنْ يُعْطِيَهُ مَا خَرَصَ وَأَخْذِ خَرْصِهِ، ذَكَرَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: خَرَصَ ابْنُ رَوَاحَةَ أَرْبَعِينَ أَلْفَ وَسْقٍ (الوسق: حِمْلُ بَعيرٍ)، وَزَعَمَ أَنَّ الْيَهُودَ لَمَّا خَيَّرَهُمْ أَخَذُوا التَّمْرَ وَأَعْطَوْهُ عِشْرِينَ أَلْفَ وَسْقٍ. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ فَقُلْتُ لِعَطَاءٍ: فَحَقَّ على الخارص إذا استكثر سيِّدُ المالِ الْخَرْصَ أَنْ يُخَيِّرَهُ كَمَا خَيَّرَ ابْنُ رَوَاحَةَ الْيَهُودَ؟ قَالَ: أَيْ لَعَمْرِي! وَأَيُّ سُنَّةٍ خَيْرٌ مِنْ سُنَّةِ رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَلَا يَكُونُ الْخَرْصُ إِلَّا بَعْدَ الطِّيبِ، لِحَدِيثِ عَائِشَةَ ـ رضي اللهُ عنها ـ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ يَبْعَثُ ابْنَ رَواحةَ إلى اليهود فيَخْرُصُ عَلَيْهِمُ النَّخْلَ حِينَ تَطِيبُ أَوَّلُ التَّمْرَةِ قَبْلَ أَنْ يُؤْكَلَ مِنْهَا، ثُمَّ يُخَيِّرُ يَهُودًا يَأْخُذُونَهَا بِذَلِكَ الْخَرْصِ أَوْ يَدْفَعُونَهَا إِلَيْهِ. وَإِنَّمَا كَانَ أَمَرَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ بِالْخَرْصِ لِكَيْ تُحْصَى الزَّكَاةُ قَبْلَ أَنْ تُؤْكَلَ الثِّمَارُ وَتُفَرَّقَ. أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ ـ رضي اللهُ عنها. قَالَ: وَرَوَاهُ صَالِحُ بْنُ أَبِي الْأَخْضَرِ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَرْسَلَهُ مَالِكٌ وَمَعْمَرٌ وَعُقَيْلٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدٍ عَنِ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَإِذَا خَرَصَ الْخَارِصُ فَحُكْمُهُ أَنْ يُسْقِطَ مِنْ خَرْصِهِ مِقْدَارًا مَا، لِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالْبُسْتِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ كَانَ يَقُولُ: ((إِذَا خَرَصْتُمْ فَخُذُوا وَدَعُوا الثُّلُثَ فَإِنْ لَمْ تَدَعُوا الثُّلُثَ فَدَعُوا الرُّبُعَ)). لَفْظُ التِّرْمِذِيِّ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: الْخَارِصُ يَدَعُ الثُّلُثَ لِلْخُرْفَةِ: وَكَذَا قَالَ يَحْيَى الْقَطَّانُ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ الْبُسْتِيُّ لِهَذَا الْخَبَرِ صِفَتَانِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يَتْرُكَ الثُّلُثَ أَوِ الرُّبُعَ مِنَ الْعُشْرِ، وَالثَّانِي أَنْ يَتْرُكَ ذَلِكَ مِنْ نَفْسِ التَّمْرِ قَبْلَ أَنْ يُعْشَرَ، إِذَا كَانَ ذَلِكَ حَائِطًا كَبِيرًا يَحْتَمِلُهُ. الْخُرْفَةُ بِضَمِّ الْخَاءِ: مَا يُخْتَرَفُ مِنَ النَّخْلِ حِينَ يُدْرَكُ ثَمَرُهُ، أَيْ يُجْتَنَى. يُقَالُ: التَّمْرُ خُرْفَةُ الصَّائِمٍ. وَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يَتْرُكُ الْخَارِصُ شَيْئًا فِي حِينِ خَرْصِهِ مِنْ تَمْرِ النَّخْلِ وَالْعِنَبِ إِلَّا خَرَصَهُ. وَقَدْ رَوَى بَعْضُ الْمَدَنِيِّينَ أَنَّهُ يُخَفَّفُ فِي الْخَرْصِ وَيُتْرَكُ لِلْعَرَايَا وَالصِّلَةِ وَنَحْوِهَا (العرايا النخل يُعريها صاحبها رجلاً محتاجاً. والإعراء أنْ يَجعَلَ لَهُ ثَمرةَ عامِها). فَإِنْ لَحِقَتِ الثَّمَرَةَ جَائِحَةٌ بَعْدَ الْخَرْصِ وَقَبْلَ الْجَذَاذِ سَقَطَتِ الزَّكَاةُ عَنْهُ بِإِجْمَاعٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِيمَا بَقِيَ مِنْهُ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ فَصاعداً. وَلَا زَكَاةَ فِي أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةِ أَوَسُقٍ، كَذَا جَاءَ مُبَيَّنًا عَنِ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَهُوَ فِي الْكِتَابِ مُجْمَلٌ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ} سورة البقرة، الآية: 267. وَقَالَ تَعَالَى: "وَآتُوا حَقَّهُ يومَ حصاده".
ثُمَّ وَقَعَ الْبَيَانُ بِالْعُشْرِ وَنِصْفِ الْعُشْرِ. ثُمَّ لَمَّا كَانَ الْمِقْدَارُ الَّذِي إِذَا بَلَغَهُ الْمَالُ أُخِذَ مِنْهُ الْحَقُّ مُجْمَلًا بَيَّنَهُ أَيْضًا فَقَالَ: ((لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ مِنْ تَمْرٍ أَوْ حَبٍّ صَدَقَةٌ)) وَهُوَ يَنْفِي الصَّدَقَةَ فِي الْخَضْرَاوَاتِ، إِذْ لَيْسَتْ مِمَّا يُوسَقُ، فَمَنْ حَصَلَ لَهُ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ فِي نَصِيبِهِ مِنْ تَمْرٍ أَوْ حَبٍّ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ، وَكَذَلِكَ مِنْ زَبِيبٍ، وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالنِّصَابِ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ. يُقَالُ: وِسْقٌ وَوَسْقٌ (بِكَسْرِ الْوَاوِ وَفَتْحِهَا) وَهُوَ سِتُّونَ صَاعًا، وَالصَّاعُ أَرْبَعَةُ أَمْدَادٍ، وَالْمُدُّ رِطْلٌ وَثُلُثٌ بِالْبَغْدَادِيِّ وَمَبْلَغُ الْخَمْسَةِ الْأَوْسُقِ مِنَ الْأَمْدَادِ أَلْفُ مُدٍّ وَمِائَتَا مُدٍّ، وَهِيَ بِالْوَزْنِ أَلْفُ رِطْلٍ وَسِتُّمِائَةِ رِطْلٍ، والرطل بالبغدادي اثنا عشر أوقية والأوقية أستار وثلثا أستار والأستار أربعة مثاقيل ونصف مثقال والمثقال درهم وثلاثة أسباع درهم والدرهم ستة دوانق والدوانق ثمان حبات وخمسا حبة. وعلى هذا فالرطل تسعون مثقالاً. وهى مئة درهم وثمانية وعشرون درهما وأربعة أسباع درهم). وَمَنْ حَصَلَ لَهُ مِنْ تَمْرٍ وَزَبِيبٍ مَعًا خَمْسَةُ أَوْسُقٍ لَمْ تَلْزَمْهُ الزَّكَاةُ (إِجْمَاعًا لِأَنَّهُمَا صِنْفَانِ مُخْتَلِفَانِ. وَكَذَلِكَ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُضَافُ التَّمْرُ إِلَى الْبُرِّ وَلَا الْبُرُّ إِلَى الزَّبِيبِ، وَلَا الْإِبِلُ إِلَى الْبَقَرِ، وَلَا الْبَقَرُ إِلَى الْغَنَمِ. وَيُضَافُ الضَّأْنُ إِلَى الْمَعْزِ بِإِجْمَاعٍ. وَاخْتَلَفُوا فِي ضم البر إلى الشعير والسلت (يشبه الشعير) فَأَجَازَهُ مَالِكٌ فِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ خَاصَّةً فَقَطْ، لِأَنَّهَا فِي مَعْنَى الصِّنْفِ الْوَاحِدِ لِتَقَارُبِهَا فِي الْمَنْفَعَةِ وَاجْتِمَاعِهَا فِي الْمَنْبَتِ وَالْمَحْصَدِ، وَافْتِرَاقُهَا فِي الِاسْمِ لَا يُوجِبُ افْتِرَاقَهَا فِي الْحُكْمِ كَالْجَوَامِيسِ وَالْبَقَرِ، وَالْمَعْزِ وَالْغَنَمِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ: لَا يُجْمَعُ بَيْنَهَا، لِأَنَّهَا أَصْنَافٌ مُخْتَلِفَةٌ، وَصِفَاتُهَا مُتَبَايِنَةٌ، وَأَسْمَاؤُهَا مُتَغَايِرَةٌ، وَطَعْمُهَا مُخْتَلِفٌ، وَذَلِكَ يُوجِبُ افْتِرَاقَهَا. وَاللهُ أَعْلَمُ. قَالَ مَالِكٌ: وَالْقَطَانِيُّ كُلُّهَا صِنْفٌ وَاحِدٌ، يُضَمُّ إِلَى بَعْضٍ. وَقَالَ الشافعي: لا يضم حَبَّةٌ عُرِفَتْ بِاسْمٍ مُنْفَرِدٍ دُونَ صَاحِبَتِهَا، وَهِيَ خِلَافُهَا مُبَايِنَةٌ فِي الْخِلْقَةِ وَالطَّعْمِ إِلَى غَيْرِهَا يضم كُلُّ صِنْفٍ بَعْضُهُ إِلَى بَعْضٍ، رَدِيئُهُ إِلَى جَيِّدِهِ، كَالتَّمْرِ وَأَنْوَاعِهِ، وَالزَّبِيبِ أَسْوَدِهِ وَأَحْمَرِهِ، وَالْحِنْطَةِ وَأَنْوَاعِهَا مِنَ السَّمْرَاءِ وَغَيْرِهَا. وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ وأبي حنيفة وصاحبيه أبي يوسف ومحمد وأبي ثَوْرٍ. وَقَالَ اللَّيْثُ: تُضَمُّ الْحُبُوبُ كُلُّهَا: الْقُطْنِيَّةُ (بضم القاف وكسرها: ما كان سوى الحنطة والشعير والزبيب والتمر). وهو اسم جامع للحبوب التي تطبخ مثل العدس والبقلا واللوبيا والحمص ... إلخ). وَغَيْرُهَا بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ فِي الزَّكَاةِ. وَكَانَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ يَجْبُنُ عَنْ ضَمِّ الذَّهَبِ إِلَى الْوَرِقِ، وَضَمِّ الْحُبُوبِ بَعْضِهَا إِلَى بَعْضٍ، ثُمَّ كَانَ فِي آخِرِ أَمْرِهِ يَقُولُ فِيهَا بِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ.
قَالَ مَالِكٌ: وَمَا اسْتَهْلَكَهُ مِنْهُ رَبُّهُ بَعْدَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ أَوْ بعد ما أَفَرَكَ حُسِبَ عَلَيْهِ، وَمَا أَعْطَاهُ رَبُّهُ مِنْهُ فِي حَصَادِهِ وَجَذَاذِهِ، وَمِنَ الزَّيْتُونِ فِي الْتِقَاطِهِ، تَحَرَّى ذَلِكَ وَحُسِبَ عَلَيْهِ. وَأَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ يُخَالِفُونَهُ فِي ذَلِكَ، وَلَا يُوجِبُونَ الزَّكَاةَ إِلَّا فِيمَا حَصَلَ فِي يَدِهِ بَعْدَ الدَّرْسِ. قَالَ اللَّيْثُ فِي زَكَاةِ الْحُبُوبِ: يَبْدَأُ بِهَا قَبْلَ النَّفَقَةِ، وَمَا أَكَلَ مِنْ فَرِيكٍ هُوَ وَأَهْلُهُ فَلَا يحسب عليه، بمنزلة الَّذِي يُتْرَكُ لِأَهْلِ الْحَائِطِ يَأْكُلُونَهُ فَلَا يُخْرَصُ عَلَيْهِمْ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَتْرُكُ الْخَارِصُ لِرَبِّ الْحَائِطِ مَا يَأْكُلُهُ هُوَ وَأَهْلُهُ رُطَبًا، لَا يَخْرُصُهُ عَلَيْهِمْ. وَمَا أَكَلَهُ وَهُوَ رُطَبٌ لَمْ يُحْسَبْ عَلَيْهِ. قَالَ أَبُو عُمَرَ: احْتَجَّ الشَّافِعِيُّ وَمَنْ وَافَقَهُ بِقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: "كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ". وَاسْتَدَلُّوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُحْتَسَبُ بِالْمَأْكُولِ قَبْلَ الْحَصَادِ بهذه الآية. واحتجوا بقوله ـ عَلَيْهِ الصلاةُ والسَّلَامُ: ((إِذَا خَرَصْتُمْ فَدَعُوا الثُّلُثَ فَإِنْ لَمْ تَدَعُوا الثُّلُثَ فَدَعُوا الرُّبُعَ)). وَمَا أَكَلَتِ الدَّوَابُّ وَالْبَقَرُ مِنْهُ عِنْدَ الدَّرْسِ لَمْ يُحْسَبْ منه شيءٌ عَلَى صَاحِبِهِ عِنْدَ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ. وَمَا بِيعَ مِنَ الْفُولِ وَالْحِمَّصِ وَالْجُلْبَانِ أَخْضَرَ، تَحَرَّى مِقْدَارَ ذَلِكَ يَابِسًا وَأُخْرِجَتْ زَكَاتُهُ حَبًّا. وَكَذَا مَا بِيعَ مِنَ الثَّمَرِ أَخْضَرَ اعْتُبِرَ وَتُوُخِّيَ وَخُرِصَ يَابِسًا وَأُخْرِجَتْ زَكَاتُهُ عَلَى ذَلِكَ الْخَرْصِ زَبِيبًا وَتَمْرًا. وَقِيلَ: يُخْرَجُ مِنْ ثَمَنِهِ. وَأَمَّا مَا لَا يَتَتَمَّرُ مِنْ ثَمَرِ النَّخْلِ وَلَا يَتَزَبَّبُ مِنَ الْعِنَبِ كَعِنَبِ مِصْرَ (وَبَلَحِهَا)، وَكَذَلِكَ زَيْتُونُهَا الَّذِي لَا يُعْصَرُ، فَقَالَ مَالِكٌ: تُخْرَجُ زَكَاتُهُ مِنْ ثَمَنِهِ، لَا يُكَلَّفُ غَيْرَ ذَلِكَ صَاحِبُهُ، وَلَا يُرَاعَى فِيهِ بُلُوغُ ثَمَنِهِ عِشْرِينَ مِثْقَالًا أَوْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ، وَإِنَّمَا يُنْظَرُ إِلَى مَا يَرَى أَنَّهُ يَبْلُغُهُ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ فَأَكْثَرَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: (يُخْرِجُ عُشْرَهُ أَوْ نِصْفَ عُشْرِهِ مِنْ وَسَطِهِ تَمْرًا إِذَا أَكَلَهُ أهلُه رَطْباً أوْ أَطعموه. رَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ وَالْأَنْهَارُ وَالْعُيُونُ أَوْ كَانَ بَعْلًا الْعُشْرُ، وَفِيمَا سُقِيَ بِالسَّوَانِي أَوِ النَّضْحِ نِصْفُ الْعُشْرِ وَكَذَلِكَ إِنْ كَانَ يَشْرَبُ سَيْحًا فِيهِ الْعُشْرُ)). البعل: هو ما يَنْبُتُ مِنَ النخيل في أرض يَقرُبُ ماؤها، فرسختْ عروقُها في الماء واسْتَغْنَتْ عن ماءِ السماءِ والأنهار. والسواني: جمع سانية وهى الناقة التي يستقى عليها. وَهُوَ الْمَاءُ الْجَارِي عَلَى وجه الأرض، قال ابْنُ السِّكِّيتِ. وَلَفْظُ السَّيْحِ مَذْكُورٌ فِي الْحَدِيثِ، خَرَّجَهُ النَّسَائِيُّ. فَإِنْ كَانَ يَشْرَبُ بِالسَّيْحِ لَكِنَّ رَبَّ الْأَرْضِ لَا يَمْلِكُ مَاءً وَإِنَّمَا يَكْتَرِيهِ لَهُ فَهُوَ كَالسَّمَاءِ، عَلَى الْمَشْهُورِ مِنَ الْمَذْهَبِ. وَرَأَى أَبُو الْحَسَنِ اللَّخْمِيُّ أَنَّهُ كَالنَّضْحِ، فَلَوْ سُقِيَ مَرَّةً بِمَاءِ السَّمَاءِ وَمَرَّةً بِدَالِيَةٍ، فَقَالَ مَالِكٌ: يُنْظَرُ إِلَى مَا تَمَّ بِهِ الزَّرْعُ وَحَيِيَ وَكَانَ أَكْثَرَ، فَيَتَعَلَّقُ الْحُكْمُ عَلَيْهِ. هَذِهِ رِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْهُ. وَرَوَى عَنْهُ ابْنُ وَهْبٍ: إِذَا سُقِيَ نِصْفَ سَنَةٍ بِالْعُيُونِ ثُمَّ انْقَطَعَ فَسُقِيَ بَقِيَّةَ السَّنَةِ بِالنَّاضِحِ فَإِنَّ عَلَيْهِ نِصْفَ زَكَاتِهِ عُشْرًا، وَالنِّصْفُ الْآخَرُ نِصْفُ الْعُشْرِ. وَقَالَ مَرَّةً: زَكَاتُهُ بِالَّذِي تَمَّتْ بِهِ حَيَاتُهُ. وقال الشافعي: يزكى وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِحِسَابِهِ. مِثَالُهُ أَنْ يَشْرَبَ شَهْرَيْنِ بِالنَّضْحِ وَأَرْبَعَةً بِالسَّمَاءِ، فَيَكُونُ فِيهِ ثُلُثَا الْعُشْرِ لِمَاءِ السَّمَاءِ وَسُدُسُ الْعُشْرِ لِلنَّضْحِ! وَهَكَذَا مَا زاد ونقصي بحساب. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ: يُنْظَرُ إِلَى الْأَغْلَبِ فَيُزَكَّى، وَلَا يُلْتَفَتُ إِلَى مَا سِوَى ذَلِكَ. وَرُوِيَ عَنِ الشَّافِعِيِّ. قَالَ الطَّحَاوِيُّ: قَدِ اتَّفَقَ الْجَمِيعُ عَلَى أَنَّهُ لَوْ سَقَاهُ بِمَاءِ الْمَطَرِ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ أَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِهِ، وَلَا يُجْعَلُ لِذَلِكَ حِصَّةٌ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِالْأَغْلَبِ، وَاللهُ أَعْلَمُ.
قَوْلُهُ: {وَلا تُسْرِفُوا} الْإِسْرَافُ فِي اللُّغَةِ الْخَطَأُ، وَالْإِسْرَافُ فِي النَّفَقَةِ: التَّبْذِيرُ. وَالْمَعْنَى الْمَقْصُودُ مِنَ الْآيَةِ: لَا تَأْخُذُوا الشَّيْءَ بِغَيْرِ حَقِّهِ ثُمَّ تَضَعُوهُ فِي غَيْرِ حَقِّهِ، أو مَا جَاوَزْتَ به أمر الله فهو سَرَفُ وَإِسْرَافٌ. قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: هُوَ خِطَابٌ لِلْوُلَاةِ، يَقُولُ: لَا تَأْخُذُوا فَوْقَ حَقِّكُمْ وَمَا لَا يَجِبُ عَلَى النَّاسِ. وَالْمَعْنَيَانِ يَحْتَمِلُهُمَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصلاةُ والسَّلَامُ: ((الْمُعْتَدِي فِي الصَّدَقَةِ كَمَانِعِهَا)). وَقَالَ مُجَاهِدٌ: لَوْ كَانَ أَبُو قُبَيْسٍ ذَهَبًا لِرَجُلٍ فَأَنْفَقَهُ فِي طَاعَةِ اللهِ لَمْ يَكُنْ مُسْرِفًا، وَلَوْ أَنْفَقَ دِرْهَمًا أَوْ مُدًّا فِي مَعْصِيَةِ اللهِ كَانَ مُسْرِفًا. وَفِي هَذَا الْمَعْنَى قِيلَ لِحَاتِمٍ: لَا خَيْرَ فِي السَّرَفِ، فَقَالَ: لَا سَرَفَ فِي الْخَيْرِ. وَهَذَا ضَعِيفٌ، يَرُدُّهُ مَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ ـ رضي اللهُ عنهما ـ أَنَّ ثَابِتَ بْنَ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ ـ رضي اللهُ عنه ـ عَمَدَ إِلَى خَمْسِمِئَةِ نَخْلَةٍ فَجَذَّهَا ثُمَّ قَسَمَهَا فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ وَلَمْ يَتْرُكْ لِأَهْلِهِ شَيْئًا، فَنَزَلَتْ "وَلا تُسْرِفُوا" أَيْ لَا تُعْطُوا كُلَّهُ. وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: جَذَّ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ ـ رضي الله عنه ـ نَخْلَهُ فَلَمْ يَزَلْ يَتَصدَّقْ حتَى لمْ يَبْقَ مِنْهُ شيءٌ: فَنَزَلَ "وَلا تُسْرِفُوا". قَالَ السُّدِّيُّ: "وَلا تُسْرِفُوا" أَيْ لَا تُعْطُوا أَمْوَالَكُمْ فَتَقْعُدُوا فُقَرَاءَ. وَرُوِيَ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ ـ رضي اللهُ عنهما ـ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: "وَلا تُسْرِفُوا" قَالَ: الْإِسْرَافُ ما قصَّرتَ عنْ حَقِّ اللهِ تعالى فَعَلَى هَذَا تَكُونُ الصَّدَقَةُ بِجَمِيعِ الْمَالِ وَمِنْهُ إِخْرَاجُ حَقِّ الْمَسَاكِينِ دَاخِلَيْنِ، فِي حُكْمِ السَّرَفِ، وَالْعَدْلُ خِلَافُ هَذَا، فَيَتَصَدَّقُ وَيُبْقِي كَمَا قَالَ ـ عَلَيْهِ الصلاةُ والسَّلَامُ: ((خَيْرُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى)). أي ما كان عفواً قد فَضلَ عن غِنى. وقيلَ: أراد ما فضل عن العِيالِ. إِلَّا أَنْ يَكُونَ قَوِيَّ النَّفْسِ غَنِيًّا بِاللهِ مُتَوَكِّلًا عَلَيْهِ مُنْفَرِدًا لَا عِيَالَ لَهُ، فَلَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِجَمِيعِ مَالِهِ، وَكَذَلِكَ يُخْرِجُ الْحَقَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ مِنْ زَكَاةٍ وَمَا يَعِنُّ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ مِنَ الْحُقُوقِ الْمُتَعَيِّنَةِ فِي الْمَالِ. وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: الْإِسْرَافُ مَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى رَدِّهِ إِلَى الصَّلَاحِ. وَالسَّرَفُ مَا يَقْدِرُ عَلَى رَدِّهِ إِلَى الصَّلَاحِ. وَقَالَ النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ: الْإِسْرَافُ التَّبْذِيرُ وَالْإِفْرَاطُ، وَالسَّرَفُ الْغَفْلَةُ وَالْجَهْلُ. قَالَ جَرِيرٌ:
أَعْطَوْا هُنَيْدَةَ يَحْدُوهَا ثَمَانِيَةً .................. مَا فِي عَطَائِهِمُ مَنٌّ وَلَا سَرَفٌ
أَيْ إِغْفَالٌ، وَيُقَالُ: خَطَأٌ. وَرَجُلٌ سَرِفُ الْفُؤَادِ، أَيْ مُخْطِئُ الفؤاد غافلة. قال طَرَفة:
إن امرأً سَرِفَ الفؤادِ يَرى ...................... عَسَلاً بماءٍ سحابةً شَتْمي
قولُهُ تعالى: {مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ} مختلفاً: منصوبٌ على حالٍ مُقدَّرةٍ لأنَّ النخلَ والزَرْعَ وقتَ خروجِهما لا أَكْلَ فيهما حتى يُقالَ فيهِ مُتَّفِقٌ أوْ مُخْتَلِفٌ، فهو كقوله: {فادخلوها خَالِدِينَ} الزمر: 73. وكقولهم: "مررتُ برجلٍ معَهُ صقرٌ صائداً بِه غداً" أي: مقدِّراً الاصطياد به. أو أنَّها حالٌ مُقارنةٌ وذلك على حذفِ مُضافٍ أيْ: وثَمرُ النخلِ وحَبُّ الزرع. و"أُكُلُه" مرفوعٌ بـ "مختلفاً" لأنَّهُ اسْمُ فاعلٍ، وشروط الإِعمال موجودةٌ. وقدْ تقدَّمَ أَنَّهُ يُقْرأ بِضَمِّ الكافِ وسُكُونِها ومضى تَحقيقُهُ في سورة البقرة. والضميرُ في "أُكُله" الظاهرُ أنَّه يَعودُ على الزرعِ فَقط: إمَّا لأنَّه حُذِفَ حالاً مِنَ النَّخْلِ لِدَلالَةِ هذِه عليها تقديره: والنخلُ مختلِفاً أُكُلُه، والزرعُ مُختلِفاً أُكُلُه، وإمَّا لأنَّ الزَرْعَ هوَ الظاهرُ فيه الاخْتِلافُ بالنِّسبةِ إلى المأكولِ مِنْه كالقمحِ والشعيرِ والفولِ والحُمّصِ والعَدسِ وغير ذلك. وقيلَ إنَّها تعودُ عليهِما، قالَ الزمخشري: والضمير للنخل، والزرعُ داخلٌ ف
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
فيض العليم .... سورة الأنعام، الآية: 141
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» فيض العليم ... سورة الأنعام، الآية: 8
» فيض العليم ... سورة الأنعام، الآية: 24
» فيض العليم ... سورة الأنعام، الآية: 41
» فيض العليم ... سورة الأنعام، الآية: 56
» فيض العليم ... سورة الأنعام، الآية: 73

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
روضة الشاعر عبد القادر الأسود :: ...:: الروضة الروحانية ::... :: روضة الذكر الحكيم-
انتقل الى: