روضة الشاعر عبد القادر الأسود
بعد الصلاة على الرحمة المهداة

أهلا وسهلا بك في روضتنا

يسرنا تسجيلك

روضة الشاعر عبد القادر الأسود
بعد الصلاة على الرحمة المهداة

أهلا وسهلا بك في روضتنا

يسرنا تسجيلك

روضة الشاعر عبد القادر الأسود
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

روضة الشاعر عبد القادر الأسود

منتدى أدبي اجتماعي يعنى بشؤون الشعر والأدب والموضوعات الاجتماعي والقضايا اللإنسانية
 
مركز تحميل الروضةالرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
بسـم الله الرحمن الرحيم  :: الحمد لله رب العالمين * الرحمن الرحيم * مالك يوم الدين * إياك نعبد وإياك نستعين * إهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين أنعمت عليهم * غير المغضوب عليهم ولا الضــالين ....  آميـــن

 

 فيض العليم .... سورة الأنعام، الآية: 94

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
عبد القادر الأسود

¤° صاحب الإمتياز °¤
¤° صاحب الإمتياز °¤
عبد القادر الأسود


عدد المساهمات : 3986
تاريخ التسجيل : 08/09/2011
العمر : 76
المزاج المزاج : رايق
الجنس : ذكر
فيض العليم .... سورة الأنعام، الآية: 94 Jb12915568671



فيض العليم .... سورة الأنعام، الآية: 94 Empty
مُساهمةموضوع: فيض العليم .... سورة الأنعام، الآية: 94   فيض العليم .... سورة الأنعام، الآية: 94 I_icon_minitimeالإثنين يناير 13, 2014 2:01 pm

وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْناكُمْ وَراءَ ظُهُورِكُمْ وَما نَرى مَعَكُمْ شُفَعاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ.
(94)
قَوْلُهُ تَعَالَى شأنُه: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادَى} وَلَقَدْ جِئْتُمُونا: يَوْمَ الحَشْرِ فالحَديثُ هُنا عَنْهُ، و"فُرادى" الْمَعْنَى: جِئْتُمُونَا وَاحِدًا وَاحِدًا، كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مُنْفَرِدًا بِلَا أَهْلٍ وَلَا مَالٍ وَلَا وَلَدٍ وَلَا نَاصِرٍ مِمَّنْ كَانَ يُصَاحِبُكُمْ فِي الْغَيِّ، وَلَمْ يَنْفَعْكُمْ مَا عَبَدْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ.
وقولُهُ: {كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} أَيْ مُنْفَرِدِينَ كما خُلِقْتُم. وقيلَ: عُراةً كما خَرَجْتم إلى الدنيا مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ "حُفَاةً غُرْلًا بُهْمًا" ( "الغُرْلُ" جَمْعُ الأَغْرَلِ وهْوَ الأَقْلَفُ الذي لَمْ يُخْتَنْ. و"البُهْمُ" جَمْعُ بَهيمٍ، وهو في الأَصْلِ الذي لا يُخالِطُ لَوْنُهُ لَوْنَ سِواهُ. يَعني ليس فيهم شيءٌ مِنَ العاهاتِ والأَعْراضِ التي تكونُ في الدُنيا كالعَمَى والمَوْرِ والعَرَجِ، وغيرِ ذلك). رَوى ابْنُ عَبَّاسٍ عَنِ النَبِيِّ ـ صلى اللهُ عليْهِ وسَلَّمَ ـ في مَوْعِظَةٍ لَهُ: ((أَيُّها النَّاسُ إنَّكمْ تُحْشَرونَ إلى اللهِ حُفاةً عُراةً غُرْلاً))، أَخْرَجَهُ الشيخان، والبيهقيُّ في شُعَبِ الإيمانِ وغيرُهم. أيْ لَيْسَ مَعَكُمْ شيءٌ. أيْ جِئْتُم مُنْفَردينَ عَنِ النُصَراءِ الذينَ كُنْتُمْ تَعْتَزُّونَ بِهم، فما لَكْمْ مِنْ نُصَراءَ، وذَهَبَ عَنْكم افْتِراؤكم، وما كُنْتُمْ تَقولونَ: نحنُ أَعَزَّ نَفَراً، وذَهَبَتْ عَنْكُمْ أَمْوالُكم التي كانتْ تُعِزُّكم، وتَدْفَعُكم إلى الاسْتِكْبارِ والتَطاوُلِ بِها، وتَقولونَ مُعْتَزِّينَ نَحْنُ أَكْثرُ مالاً. ذَهَبَ عَنْكُم كُلُّ هذا وجِئْتُم إلى اللهِ بأنْفُسِكُم مُنْفَرِدين، وَقَالَ الْعُلَمَاءُ: يُحْشَرُ الْعَبْدُ غَدًا وَلَهُ مِنَ الْأَعْضَاءِ مَا كَانَ لَهُ يَوْمَ وُلِدَ، فَمَنْ قُطِعَ مِنْهُ عُضْوٌ يُرَدُّ فِي الْقِيَامَةِ عَلَيْهِ. وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ: "غُرْلًا" أَيْ غَيْرُ مَخْتُونِينَ، أيْ يُرَدُّ عليهِمْ ما قُطِعَ منهم عِنْدَ الْخِتَانِ.
وفي النَصِّ إشارةٌ إلى حُجَّةِ البَعْثِ مِنْ بَعدِ المَوْتِ، والحشرِ، على الذين يُنْكرونَهُ، ويَسْتَغْرِبونَهُ، إذْ مُؤَدّاها أَنَّه خَلَقَكم ابْتِداءً بِقُدْرَتِهِ، ويُعيدُكم بقدرتِهِ كما بَدَأَكم، ومَنْ كان قادراً على الإنْشاءِ، هو على الإعادةِ أَقْدَرُ، وهوَ العَزيزُ الحَكيمُ.
قَوْلُهُ: {وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْناكُمْ وَراءَ ظُهُورِكُمْ} أَيْ وتركتم ما أَعْطَيْنَاكُمْ وَمَلَّكْنَاكُمْ خَلْفَ ظهورِكُمْ، وَالْخَوْلُ: مَا أَعْطَاهُ اللهُ لِلْإِنْسَانِ مِنَ الْعَبِيدِ وَالنِّعَمِ. وهو تَشْبيهٌ لِحالِهم في أَنَّهم لَا يَأْخُذونَ شَيْئاً مَعَهم كَمَنْ تَرَكَ ما يَمْلكُ وراءَ ظَهْرِهِ، وذَهَبَ تاركاً لَهُ، أَوْ مَنْ وَلَّى الأَدْبارَ مِنَ اللِّقاءِ، فقد كانوا يَغْتَرُّونَ بأَموالِهم، وأَصْبَحَ الواحدُ منهم لَا يَعْرِفُ مالَهُ، فَضْلاً عَنْ أَنْ يَغْتَرَّ بِهِ كَما كانَ في الدُنْيا، ولَمْ يَكُنِ المالُ للفَطِنِ إلاَّ لِحِفْظِ الحياةِ بالقُوتِ والكِساءِ والصَدَقَةِ، كما قال النبي ـ صلى اللهُ عليْهِ وسَلَّمَ ـ فيما رواهُ مُسْلِمٌ أَنَّه قالَ: ((يقولُ ابْنُ آدَمَ: مَالي، مالي، وهلْ لَكَ مِنْ مالِكَ إلاَّ ما أَكَلْتَ فَأَفْنَيْتَ، أَوْ لَبِسْتَ فأَبْلَيْتَ، أوْ تَصَدَّقْتَ فأَمْضَيْتَ، وما سِوى ذلك فهو ذاهِبٌ، وتارِكُهُ للناس))، فلسوفَ تَذهَبُ عنهم كلُّ قُواهُمُ الذاتيَّةُ التي غَرَّتْهم واسْتَكْبَروا بها عن آياتِ اللهِ ـ تعالى، وغَرَّتْهم في الحياة الدنيا، فاغْتَروا بِها، وغَرَّهُم باللهِ الغَرورُ.
قولُهُ: {وَما نَرى مَعَكُمْ شُفَعاءَكُمُ} أَيِ الَّذِينَ عَبَدْتُمُوهُمْ وَجَعَلْتُمُوهُمْ شُرَكَاءَ ـ يُرِيدُ الْأَصْنَامَ ـ أَيْ شُرَكَائِي. وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ يَقُولُونَ الْأَصْنَامُ شُرَكَاءُ اللهِ وَشُفَعَاؤُنَا عِنْدَهُ. لأنَّها لمْ يَكُنْ لها وُجودٌ في الدُنْيا إلاَّ بِزَعْمِهم، فَهي مَوْجودةٌ في أَوْهامِهمْ، ولا وُجودَ لَها في ذاتِها غير أَنَّها حِجارةٌ، والزَعْمُ هُوَ الاعْتِقادُ الباطِلُ الذي ليسَ لَهُ أَساسٌ مِنَ العَقْلِ أَوِ النَّقْلِ. والشيطانُ الذي سَوَّلَ لَهم عبادتها يَتَبَرَّأُ هناك منهم كَما يَتَبَرَّأُ المَتْبوعونَ منَ التابعينَ في قولِهِ تَعالى: {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ * وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ} البقرة: 166 و 167.
قولُهُ: {لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ} أيْ تَقَطَّعَتْ الصِلَةُ التي كانتْ بينَكم في وَهمِكم، وقدْ تَكَشَّفَ لكمُ الحَقُّ البَيِّنُ الآنَ، ثمَّ أَكَّدَ ـ تعالى ـ هذا المعنى، فقالَ: "وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ" أيْ غابَ عَنْكمُ الزَعْمُ الذي كُنْتُمْ عليه. المَعْنَى لَقَدْ تَقَطَّعَ وَصْلُكُمْ بَيْنَكُمْ. وَدَلَّ عَلَى حَذْفِ الْوَصْلِ قَوْلُهُ: "وَما نَرى مَعَكُمْ شُفَعاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ". فَدَلَّ هَذَا عَلَى التَّقَاطُعِ وَالتَّهَاجُرِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ شُرَكَائِهِمْ: إِذْ تَبَرَّؤوا مِنْهُمْ، وَلَمْ يَكُونُوا مَعَهُمْ. وَمُقَاطَعَتُهُمْ لَهُمْ هُوَ تَرْكُهُمْ وَصْلَهُمْ لَهُمْ، فَحَسُنَ إِضْمَارُ الْوَصْلِ بَعْدَ "تَقَطَّعَ" لِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ. كَأَنَّهُ قَالَ: لَقَدْ تَقَطَّعَ الْوَصْلُ بَيْنَكُمْ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى لَقَدْ تَقَطَّعَ الْأَمْرُ بَيْنَكُمْ. وَالْمَعْنَى مُتَقَارِبٌ.
قولُهُ: {وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ} أَيْ ذَهَبَ عَنْكُمْ ما كُنْتُمْ تَكْذِبُونَ بِهِ فِي الدُّنْيَا. وَرُوِيَ أَنَّ السيدةَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَرَأَتْ قَوْلَ اللهِ تَعَالَى: "وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ" فَقَالَتْ: يا رسولَ اللهِ، وا سوءَتاهُ! إنَّ الرِّجَالَ وَالنِّسَاءَ يُحْشَرُونَ جَمِيعًا، يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إِلَى سَوْأَةِ بَعْضٍ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ، لَا يَنْظُرُ الرِّجَالُ إِلَى النِّسَاءِ وَلَا النِّسَاءُ إِلَى الرِّجَالِ شُغِلَ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ)). وَهَذَا حَدِيثٌ ثَابِتٌ فِي الصَّحِيحِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ بِمَعْنَاهُ.
وفي سبب نزولها ما رُوِيَ عن عكرمةَ أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي، النَّضْرِ بْنِ الْحَارِثِ، لِقيلِهِ: إنَّ اللاّتَ والعُزَّى يَشفعان لَهُ عِنْدَ اللهِ يَوْمَ القِيامَةِ. وقالَ السُّدِّيُّ: إنَّ ذلك كانَ قولُ كافَّةِ عَبَدَةِ الأَوْثان.
قولُه تعالى: {فُرادَى}: مَنْصوبٌ على الحالِ مِنْ فاعلِ "جِئْتُمونا"، و"جئتمونا" إمّا بمَعنى المُسْتَقبَلِ أي: تَجيئونَنا، وإنَّما أَبْرَزَهُ في صورةِ الماضي لِتَحَقُّقِهِ كقولِهِ تعالى: {أتى أَمْرُ الله} النحل: 1. {ونادى أَصْحَابُ الجَنَّةِ} الأَعراف: 44. أوْ أَنَّه ماضٍ والمُرادُ بِه حِكايَةَ الحالِ بَيْنَ يَدَيِ اللهِ تَعالى يَومَ يُقالُ لَهم ذلك، فذلك اليومَ يَكونُ مَجيئُهم ماضِياً بالنِسْبَةِ إلى ذلك اليَوْمِ.
واخْتَلَفُوا في "فُرادى" هل هُو جَمْعٌ أَمْ لا؟ والقائلونَ بأنَّه جَمْعٌ اخْتَلَفُوا في مُفْرَدِهِ، فقالَ الفَرّاءُ: فُرادى جَمْعُ فَرْدٍ وفَريدٍ وفَرِدٍ وفَرْدان. فجَوَّزَ أَنْ يَكونَ جَمْعاً لِهَذِهِ الأَشياءِ. وقالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: هُو جَمْعُ فَرْدان ك سَكْران وسُكارى، وعَجْلان وعُجالى. وقالَ قوْمٌ: هُوَ جَمْعُ فَريدٍ كَرديفٍ ورُدَافى، وأَسيرٍ وأُسارى، قالَهُ الراغبُ، وقيلَ: هُو جَمْعُ فَرَدٍ بِفَتْحِ الرّاءِ، وقيلَ بِسُكونِها، وعلى هذا فأَلِفُهُ للتأنيثِ كأَلِفِ سُكارى وأُسارى، فَمِنْ ثَمَّ لَمْ يَنْصَرِفْ، وقِيلَ: هُو اسْمُ جَمْعٍ؛ لأَنَّ فَرْداً لا يُجْمَعُ على فُرادى، وقَوْلِ مَنْ قالَ: إنَّهُ جَمْعٌ لَهُ فإنَّما يُريدُ في المَعْنى، ومَعنى فُرادى: فرْداً فَرْداً، فإذا قُلتَ: جاءَ القومُ فُرادى فمَعناهُ واحداً واحداً، قال الشاعر:
تَرى النَعَراتِ الزُّرْقَ تحت لَبانِه ............ فُرادى ومثنى أَثْقَلَتْهَا صواهِلُهْ
ويُقالُ: فَرِدَ يَفْرُدُ فُروداً فهو فارِدٌ وأَفْرَدْتُهُ أَنا، ورَجُلٌ أَفْرَدٌ وامْرَأَةٌ فَرداءُ كأَحْمَرَ وحَمراءَ، والجَمْعُ على هذا فُرْدٌ كَحُمْرٍ، ويُقالُ في فُرادى: فُرادٌ على زِنَةِ فُعالٍ فيَنْصَرِفُ، وهي لُغَة تميمٍ، وبِها قَرأَ عيسى بْنُ عُمَرٍ وأَبو حَيَوَةَ: "ولقدْ جِئْتُمونا فُرَاداً" وقال أَبو البَقاءِ: وقُرِئَ في الشاذِّ بالتَنْوينِ على أَنَّهُ اسْمٌ صَحيحٌ، يُقالُ في الرَّفْعِ فُرادٌ مِثلُ نُوامٍ ورُجالٍ، وهُوَ جَمْعٌ قليلٌ، ويُقالُ أَيْضاً: "جاءَ القومُ فُرادَ" غيرَ مُنْصَرِفٍ فهو كَأُحادَ ورُباعَ في كونِهِ مَعْدولاً صِفَةً، وهي قراءةٌ شاذَّةٌ هُنا. ورَوى خارِجَةُ عَنْ نافعٍ وأَبي عَمْرٍو كِلَيِهِما أَنَّهما قَرآ "فَرْدى" مثل سَكْرى اعتباراً بتأنيثِ الجَماعةِ كَقَوْلِهِ تعالى: {وَتَرَى الناس سَكْرَى وَمَا هُمْ بِسَكْرى} الحج: 2. فهذهِ أَرْبَعُ قِراءاتٍ: المشهورةُ فُرادَى، وثلاثٌ في الشاذِّ: فُراداً  كرُجالٍ، فُرادَ كأُحادَ، وفَرْدَى كَسَكْرى. قولُهُ: {كَمَا خَلَقْنَاكُمْ} كَما: الكافُ إمّا منصوبةُ المَحَلِّ على الحالِ مِنْ فاعلِ "جِئْتُمونا"، فَمَنْ أَجازَ تَعَدُّدَ الحالِ أَجازَ ذَلكَ مِنْ غَيْرِ تَأْويلٍ، ومَنْ مَنَعَ ذلك جَعَلَها بَدَلاً مِنْ "فُرادى". أوْ أَنَّها في مَحَلِّ نَصْبٍ نَعْتاً لِمَصْدرٍ مَحْذوفٍ، أيْ: مَجيئُنا مِثلُ مَجيئِكم يَومْ خَلَقْناكُمْ، وقَدَّرَهُ مَكِّيٌّ: مُنْفَردين انْفِراداً مِثْلَ حالِكم أَوَّلَ مَرَّةٍ، والأَوَّلُ أَحْسَنُ لأنَّ دَلالَةَ الفِعْلِ على المَصْدَرِ أَقْوى مِنْ دَلالَةِ الوَصْفِ عَلَيْهِ. أو أنَّها في مَحَلِّ نَصْبٍ على الحالِ مِنَ الضَميرِ المُسْتَكِنِّ في فُرادى أيْ: مُشْبِهينَ ابْتِداءَ خَلْقِكُم، كذا قدَّرَهُ أَبو البَقاءِ، وفيهِ نَظَرٌ؛ لأنَّهم لم يُشَبَّهوا بابْتِداءِ خَلْقِهم، وصَوابُه أَنْ تُقَدِّرَ مُضافاً أيْ: مُشْبِهةً حالُكم حالَ ابْتِداءِ خَلْقِكم.
قولُهُ: {أَوَّلَ مَرَّةٍ} مَنْصوبٌ على ظَرْفِ الزَمانِ والعاملُ فيهِ: خَلَقْناكم، و"مَرَّةٍ" في الأصل مَصْدَرٌ لِـ: مَرَّ يَمُرُّ مَرَّةً، ثمَّ اتُّسِعَ فيها فصارتْ زَماناً، قال أَبو البَقاء: وهذا يَدُلُّ على قُوَّةِ شبَهِ الزَمانِ، بالفِعْلِ. وقالَ أبو حيَّان: وانْتَصَبَ "أَوَّلَ مَرَّةٍ" على الظَرْفِ، أيْ: أًوَّلَ زَمانٍ، ولا يَتَقَدَّرُ أَوْلَ خَلْقٍ، لأنَّ أَوَّلَ خَلْقٍ يَسْتدعي خَلْقاً ثانِياً، ولا يَخْلُقُ ثانياً، إنَّما ذلك إعادةٌ لا خَلْقٌ. يَعْني أَنَّهُ لا يَجوزُ أَنْ تَكونَ المَرَّةُ على بابِها مِنَ المَصْدَرِيَّةِ، ويُقَدَّرُ "أَوَّلَ مرةٍ" مِنَ الخَلْقِ لِما ذُكِرَ.
قولُهُ: {وَتَرَكْتُمْ ما خوَّلْناكم} هي إمَّا في مَحَلِّ نَصْبٍ على الحالِ مِنْ فاعلِ "جِئْتُمونا"، و"قد" مُضْمَرَةٌ على رَأيٍ، أَيْ: وقدْ تَرَكْتُمْ. وإمّا هي استئنافيةٌ لا مَحَلَّ لها، و"ما" مَفعولة بـ "ترك"، و"مَا" مَوصولَةٌ اسْمِيَّةٌ، ويَضْعُفُ جَعْلُها نَكِرَةً مَوْصوفَةً، والعائدُ مَحذوفٌ، أيْ: ما خوَّلْناكموهُ، و"ترك" هُنا مُتَعّدِّيَةٌ لِواحدٍ لأنَّها بِمَعْنى التَخْلِيَةِ، ولَوْ ضُمِّنَتْ مَعنى صَيَّرَ تَعَدَّت لاثْنَيِنِ، و"خَوَّل" يَتَعدَّى لاثْنَيِنِ لأنَّه بِمَعنى أَعْطى ومَلَّكَ. والخَوَلُ: ما أَعْطاهُ اللهُ مِنَ النِّعَمِ، قالَ أَبُو النَّجْمِ:
أَعْطَى فَلَمْ يَبْخَلْ وَلَمْ يُبَخَّلِ ...............كُومَ الذَّرَى مِنْ خِوَلِ الْمُخَوِّلِ
فمعنى خَوَّلْتُه كذا: مَلَّكْتُهُ الخَوَلَ فِيهِ، كقولِهم: مَوَّلْتُهُ، أيْ: مَلَّكتُه المَالَ، وقال الراغبُ الأصفهانيُّ: والتَخويلُ في الأصْلِ: إعْطاءُ الخَوَلِ، وقيلَ: إعْطاءُ ما يَصيرُ لَهُ خَوَلاً، وقيلَ: إعْطاءُ ما يَحتاجُ أَنْ يَتَعَهَّدَهُ، وهو مِنْ قولِهم: فلانٌ خالُ مالٍ وخائلُ مَالٍ، أيْ: حَسَنُ القِيامِ عَلَيْهِ.
وقولُهُ: {وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ} مُتَعلِّقٌ بـ "تَرَكْتُم"، ويَجوزُ أنْ يُضَمَّنَ "ترك" هُنا مَعْنى صَيَّرَ فَيَتَعَدَّى لاثْنَيْنِ أَوَّلُهُما المَوْصولُ، والثاني: هذا الظَرْفُ فَيَتَعَلَّقُ بِمَحذوفٍ، أيْ: وصيَّرْتُمُ تُرْكَ الذي خَوَّلْناكُمُوه كائناً وراءَ ظُهورِكم.
قولُهُ: {وَمَا نَرى مَعَكُمْ} الظاهرُ أَنَّ "نرى" هنا هيَ المُتَعَدِّيَةُ لِواحِدٍ، فهيَ بَصَرِيَّةٌ، فَعلى هَذا يَكونُ "مَعَكُمْ" مُتُعُلِّقاً بِـ "نَرى"، ويَجوزُ أَنْ يَكونَ "نرى" بمَعنى عَلِمَ، فيتعدَّى لاثْنَيْنِ، أوَّلُهما محذوفٌ وثانيهِما هُو الظَرْفُ "مَعَ" فيَتَعَلَّقَ بِمَحْذوفٍ أيْ: مَا نَراهُمْ كائنينَ مَعَكُمْ، أيْ: مُصاحِبيكمْ، إلاَّ أَنَّ أبا البقاءِ قالَ: هذا الوجهَ ضعيفٌ إذْ يَصيرُ المَعنى: وما يَعْلَمُ شُفعاؤكم مَعكم، وليسَ المَعْنى عليْه قطعاً. ولا يَجوزُ أنْ يكون معكم حالاً مِنَ الشُفعاءِ، إذِ يصير المَعْنى أَنَّ شُفعاءهُم مَعَهم ولا نَراهُم. وفيما قالهُ نظرٌ: وذلك أَنَّ النَفْيَ إذا دَخَلَ على ذاتٍ بقيدٍ ففيهِ وجْهانِ أَحَدُهُما: نَفْيُ تلك الذاتِ بِقيْدِها، والثاني نَفْيُ القيدِ فقط دون نَفْيِ الذاتِ، فإذا قلتَ: ما رأيتُ زَيْداً ضاحكاً، فيَجوزُ أَنَّكَ لَمْ تَرَ زيداً البَتَّةَ، ويَجوزُ أَنَّكَ رَأيْتَهُ مَنْ غَيْرِ ضَحِكٍ فكذا هُنا، إذِ التَقديرُ: وما نَرى شفعاءَكم مُصاحِبيكُم، يَجوزُ أنْ لَمْ يَرَوْا الشُفعاءَ البَتَّةَ، ويَجوزُ أَنْ يَرَوْهم دُونَ مُصاحِبيهم، فمِنْ أَيْنَ يَلْزَمُ أَنَّهم يَكونونُ مَعَهم ولا يَرَوْنَهم في هذا التَركيب؟ وقد تَقَدَّمَ تحقيق هذه القاعدة في أوائل البقرة وفي قوله: {لاَ يَسْأَلُونَ الناس إِلْحَافاً} البقرة: 273. و"أَنَّهم" سادٌّ مَسَدَّ المَفْعولَيْنِ لِـ "زَعَمَ"، و"فِيكم" مُتَعَلِّقٌ بِنَفْسِ شُركاء، والمَعْنى: الذين زَعَمْتمْ أَنَّهم شُركاءُ للهِ فيكم، أيْ: في عِبادتِكم أوْ في خَلْقِكم لأَنَّكم أَشْرَكْتُموهم مَعَ اللهِ في عِبادتِكم وخَلْقِكمْ. وقِيلَ "في" بِمَعْنى "عند" ولا حاجةَ إليْهِ. وقيلَ: المَعنَى أَنَّهم يَتَحَمَّلون عَنْكم نَصيباً مِنَ العذابِ، أيْ: شُرَكاءُ في عَذابِكم إنْ كُنتم تَعتَقِدونَ فيهم أَنَّكم إذا أَصابَكم نائبةٌ شارَكوكم فيها.
قولُهُ: "بَيْنَكم" قَرَأَ نافعٌ والكِسائيُّ وعاصِمٌ في رِوايَةِ حَفْصٍ عنْهُ: "بَيْنَكم" نَصْباً، وقَرَأَ الباقون: "بَينُكم" رَفْعاً. فَأَمَّا القِراءَةُ الأُولى ففيها سَبْعَةُ أَوْجُهٍ، أَحْسَنُها: أَنَّ الفاعلَ مُضْمَرٌ يَعودُ على الاتِّصالِ، والاتِّصالُ لَمْ يَكُنْ مَذْكوراً حتَى يَعودَ عَلَيْهِ ضَميرٌ لكنَّهُ تَقَدَّمَ ما يَدُلُّ علَيْهِ وهُوَ لَفْظَةُ "شُرَكاء"، فإنَّ الشِرْكَةَ تُشْعِرُ بالاتِّصالِ، والمَعْنى: لقدْ تَقَطَّعَ الاتِّصالُ بينَكم فانْتَصَبَ "بَيْنَكم" على الظَرْفِيَّةِ. والوجهُ الثاني: أنَّ الفاعِلَ هُو "بَيْنَكم" وإنَّما بَقِيَ على حالِهِ مَنْصوباً حَمْلاً لَهُ على أَغْلَبِ أَحْوالِهِ وهو مَذْهَبُ الأَخْفَشِ، وجَعَلُوا مِنْ ذَلك أَيْضاً قولَه: {يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ} المُمْتَحِنَةُ: 3. فيمنْ بَناه للمَفعولِ، وكذا قولُه تَعالى: {وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ} الجن: 11. قالَ الوَاحِدِيُّ: كما جَرى في كلامِهمْ مَنْصوباً ظَرْفاً، تَرَكوهُ على ما يَكونُ عَلَيْهِ في أَكْثَرِ الكَلامِ. ثُمَّ قالَ: في قولِهِ: {ومِنَّا دُونَ ذَلِكَ} فـ "دونَ" في مَوْضِعِ رَفْعٍ عِنْدَهُ، وإنْ كان مَنْصوبَ اللَّفْظِ، أَلاَّ تَرى أَنَّكَ تقولُ: مِنَّا الصالِحونَ ومِنَّا الطالِحُونَ. إلاَّ أَنَّهم لَمَّا حَكَوا هذا المَذْهَبَ لَمْ يَتَعَرَّضُوا لِبِناءِ هذا الظَرْفِ بَلْ صَرَّحوا بِأنَّه مُعْرَبٌ مَنْصوبٌ، وهُوَ مَرْفوعُ المَحَلِّ، قالُوا: وإنَّما بَقيَ على نَصْبِهِ اعْتِباراً بِأَغْلَبِ أَحْوالِهِ. وخرَّجَهُ الأَخْفَشُ على أَنَّهُ فاعِلٌ ولكنَّهُ مَبْنِيٌّ حَمْلاً على أَكْثَرِ أَحْوالِ هذا الظَرْفِ. وفيهِ نَظَرٌ لأنَّ ذلك لا يَصْلُحُ أَنْ يَكونَ عِلَّةً للبِناءِ، وعِلَلُ البِناءِ مَحْصورةٌ لَيْسَ هذا مِنْها. قالَ الشيخُ التَوْحيدِيُّ: وقدْ يُقالُ لإِضافتِهِ إلى مَبْنِيٌّ كقولِهِ: {وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ} الجنّ: 11. وهذا ظاهر في أنه جَعَل حَمْله على أكثرِ أحواله علةً لبنائه كَما تقدم. الوجهُ الثالثُ: أَنَّ الفاعِلَ مَحْذوفٌ، و"بَيْنَكم" صِفَةٌ لَهُ قامَتْ مُقامَهُ، تَقديرُهُ: لَقد تَقَطَّعَ وصْلٌ بَيْنَكُم، ورَدَّه التوحيديُّ بأَنَّ الفاعِلَ لا يُحذَفُ، وهذا في الحقيقة ليس بِرَدٍّ عَلَيْهِ، لأنَّهُ يَعني بالحَذْفِ عَدَمَ ذِكْرِهِ لَفْظاً، وأَنَّ شَيْئاً قامَ مَقامه فكأنَّه لَمْ يُحْذَفْ. وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: ويَكونُ الفِعْلُ مُسْنَداً إلى شيءٍ مَحْذوفٍ، أيْ: لَقَدْ تَقَطَّعَ الاتِّصالُ بَينَكم والارْتِباطُ ونَحْوُ هذا، وهذا وَجْهٌ واضِحٌ، وعليْهِ فَسَّروا. فقد عبَّرَ بالحَذْف ِعَنِ الإِضْمارِ لأنَّ كلاً مِنْهُما غيرُ مَوْجودٍ لَفْظاً. الوجهُ الرابِعُ: أَنَّ "بينَكم" هو الفاعلُ، وإنَّما بُنِيَ لإِضافَتِهِ إلى غيرِ مُتَمَكِّنٍ كَقَوْلِهِ تعالى: {إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ} الذاريات: 23. ففتَحَ "مِثْلَ" وهو تابِعٌ لِـ "حَقٌّ" المَرْفوعِ، ولكنَّهُ بُنِيَ لإِضافَتِه إلى غَيْرِ مُتَمَكِّنٍ، ومثلُهُ قولُ الآخر:
تَتَداعى مَنْخِراه بدَمٍ ......................... مثلَ ما أثمرَ حُمَّاضُ الجَبَلْ
بفتحِ "مِثْلَ" مَعَ أَنَّها تابعةٌ لِـ "دَمٍ"، ومِثْلُهُ قولُ الآخر:
لم يمنعِ الشُّربَ منها غيرَ أَنْ نطقَتْ ...... حمامةٌ في غصونٍ ذاتِ أوقال
بِفَتْحِ "غيرَ" وهي فاعلُ "يَمْنَع"، ومِثْلُهُ قولُ النّابِغَةِ:
أتاني ـ أَبَيْتَ اللعنَ ـ أَنَّك لُمْتني ......... وتلك التي تَسْتَكُّ منها المسامعُ
مَقالَةَ أَنْ قَدْ قُلْتَ سَوْفَ أَنالُه ............... وذلك مِنْ تِلْقاءِ مِثْلِكَ رائِعُ
فـ "مَقالةَ" بَدَلٌ مِنْ "أَنَّكَ لُمْتَني" وهو فاعلٌ، والرِوايَةُ بِفَتْحِ تاءِ "مَقالةَ" لإِضافَتِها إلى أَنْ وما في حَيِّزِها. الوجْهُ الخامسُ: أَنَّ المَسْأَلَةَ مِنْ بابِ الإِعْمالِ، وذلك أَنَّ "تَقَطَّعَ" و"ضَلَّ" كِلاهُما يَتَوَجَّهان على "ما كُنْتُمْ تَزْعُمون" كُلٌّ منهُما يَطْلُبُهُ فاعلاً، فيَجوزُ أَنْ تَكونَ المَسْأَلَةُ مِنْ بابِ إعْمالِ الثاني، وأَنْ تَكونَ مِنْ إعْمالِ الأَوَّلِ، لأنَّهُ لَيْسَ هُنا قَرينَةٌ تُعَيِّنُ ذَلِكَ، إلاَّ أَنَّ مَذْهَبَ البَصْرِيّينَ اخْتِيارُ إعْمالِ الثاني، ومَذْهَبُ الكُوفِيّين بالعَكْسِ، فعلى اختيارِ البَصْرِيّينَ يَكونُ "ضَلَّ" هُو الرافِعُ لِـ "ما كُنْتُم تَزعُمون" واحتاجَ الأَوَّلُ لِفاعلٍ فَأعطيناهُ ضَميرَه فاسْتَتَرَ فيهِ، وعلى اخْتِيارِ الكُوفِيّينَ يَكونُ "تَقَطَّعَ" هو الرافِعُ لِـ "ما كنتم تَزْعُمون"، وفي "ضَلَّ" ضَميرُه فاعلاً بِهِ، وعلى كِلا القَوْلَيْنِ فَـ "بَيْنَكم" مَنْصوبٌ على الظَرْفِ وناصِبُهُ "تَقَطَّعَ". السادسُ: أَنَّ الظَرْفَ صِلَةٌ لِمَوْصولٍ مَحْذوفٍ تقديرُه: تَقَطَّعَ ما بَيْنَكم، فَحَذَفَ المَوصُولَ وهُو "ما" وقدْ تَقَدَّمَ أَنَّ ذلك رَأْي الكُوفِيّين، وتَقَدَّمَ ما اسْتَشْهَدوا بِهِ عَلَيْهِ مِنَ القُرآنِ وأَبْياتُ العَرَبِ، واسْتَدَلَّ القائلُ بِذلِكَ بِقَوْلِ الشاعِرِ:
يُدِيرونني عن سالمٍ وأُديرُهمْ .............. وجِلْدَةُ بيْنَ الأَنْفِ والعَيْنِ سالمُ
قالَ الأَصْمَعِيُّ: كَتَبَ عَبْدُ المَلِكِ بْنُ مَرْوانَ إلى الحَجَّاجِ: أَنْتَ عِنْدي كَسالِمٍ، فلَمْ يَدْرِ ما هُوَ، فَكتَبَ إلى قُتَيْبَةَ يَسْأَلُهُ، فكَتَبَ إليْهِ قُتَيْبَةُ: إنَّ الشاعِرَ يَقول: يديرونني ... وذَكَرَ لَهُ البَيْتَ.
وبَقولُ جَرير:
ما بين عَوْفٍ وإبراهيمَ مِنْ نَسَبٍ ............... إلا قرابةُ بين الزنج والرومِ
تَقْديرُهُ: "وجِلْدَةُ ما بين"، و"إلاَّ قَرابَةُ ما بين"، ويَدُلُّ على ذلك قراءةُ عبدِ اللهِ ومُجاهِدٌ والأَعْمَشُ: "لَقدْ تَقَطَّعَ ما بَيْنَكم". الوجهُ السابِعُ: قالَ الزَمَخْشَريُّ: "لَقدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكم": لقدْ وَقَعَ التَقَطُّعُ بَيْنَكم، كَما تَقولُ: جَمَعَ بَيْنَ الشَيْئيْن، تُريدُ أَوْقَعَ الجَمْعَ بَيْنَهُما على إسْنادِ الفِعْلِ إلى مَصْدَرِهِ بهذا التَأْويلِ. وقولُه: "بهذا التأويل" قولٌ حَسَنٌ: وذلك أَنَّهُ لَوْ أُضْمِرَ في "تَقَطَّعَ" ضَميرُ المَصْدَرِ المَفْهومِ مِنْهُ لَصارَ التَقديرُ: تَقَطَّعَ التَقَطُّعُ بينَكم، وإذا تَقَطَّعَ التَقَطُّعُ بينَهم حَصَل الوَصْلُ، وهو ضِدُّ المَقْصودِ فاحْتاجَ أَنْ قالَ: إنَّ الفِعلَ أُسْنِدَ إلى مَصْدَرِهِ بالتأويلِ المَذْكورِ. إلاَّ أَنَّ أبا حيّان اعْتَرَضَ فقالَ: وظاهِرُهُ أَنّهُ ليس بِجَيِّدٍ، وتَحريرُهُ أَنَّهُ أَسْنَدَ الفِعْلَ إلى ضَميرِ مَصْدَرْهِ فأَضْمَرَهُ فيه، لأنَّه إنْ أَسْنَدَهُ إلى صَريحِ المَصْدَرِ فهُو مَحذوفٌ، ولا يَجوزُ حَذفُ الفاعِلِ، ومَعَ هذا التقديرِ فَليْسَ بِصحيحٍ؛ لأنَّ شَرْطَ الإِسْنادِ مَفقودٌ فيهِ وهو تَغايُرُ الحُكْمِ والمَحْكومِ عليْهِ. يَعني أَنَّه لا يَجوزُ أَنْ يَتَّحِدَ الفِعلُ والفاعلُ في لَفْظٍ واحدٍ مِنْ غيرِ فائدةٍ لا تَقولُ: قامَ القائمُ ولا قَعَدَ القاعدُ فتَقول: إذا أُسْنِدَ الفِعْلُ إلى مَصْدَرِهِ: فأمَّا إلى مَصْدَرِهِ الصريحِ مِنَ غيرِ إضْمارٍ فيَلْزَمُ حَذْفُ الفاعِلِ، وأَمَّا إلى ضميرِه فيَبْقى تَقَطَّعَ التَقَطُّعَ، وهو مثل: قامَ القائمُ، وذلك لا يَجوزُ مَعَ أَنَّهُ يَلْزَمُ عليْه أَيْضاً فَسادُ المَعنى كما تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّه يَلْزَمُ ما يَحْصُلُ لَهم الوَصْلُ. وهذا الذي أَوْرَدَهُ الشيخُ وقرَّرْتُه مِنْ كلامِهِ حتَى فُهِم لا يَرِدُ؛ لِما تَقدَم مِنْ قولِ الزَمَخْشَرِيِّ على إسْنادِ الفِعْلِ إلى مَصْدَرِهِ بِهذا التَأْويلِ، وقدْ تَقَدَّمَ ذلك التأويلُ.
وأَمَّا القراءةُ الثانيةُ فهي إمَّا على أَنَّهُ اتُّسِعَ في هذا الظَرْفِ، فَأُسْنِدَ الفِعْلُ إليْهِ فَصارَ اسْماً كَسائرِ الأسماءِ المُتَصَرَّفِ فيها، ويَدُلُّ على ذلكَ قولُه تَعالى في سورة فُصِّلت: {وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ} الآية: 5. فاسْتَعْمَلَهُ مَجْروراً بِـ "مِنْ"، ومثلُه قولُهُ تبارك وتعالى في سورة الكهف: {قالَ هذا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ} الآية: 78. وكذلك قولُهُ {فلمّا بلَغا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا} الكهف: 61. وقولُهُ في سورةِ المائدةِ: {شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ} الآية: 106. وحكى سيبويه: هو أحمر بينِ العَيْنَيْن. وقالَ عَنْتَرَةُ:
وكأَنَّما أَقِصُ الإِكامَ عَشِيَّةً .................. بِقَريبِ بيْنِ المَنْسِمَيْنِ مُصَلَّمِ
وقال مُهَلْهِلٌ:
كَأَنَّ رِماحَنا أشطانُ بِئْرٍ ......................... بَعيدةِ بَيْنِ جالَيْها جَرُورِ
فقد اسْتُعْمِلَ في هذِه المَواضِعِ كُلِّها مُضافاً إليهِ مُتَصَرَّفاً فيهِ فَكَذا هُنا، ومثلُه أيضاً قولُهُ:
يُدِيرونني عن سالمٍ وأُديرُهمْ ............. وجِلْدَةُ بَيْنِ الأَنْفِ والعَيْنُ سالِمُ
وقد مرَّ آنفاً. ومن ذلك أيضاً قولُ جَريرٍ:
مَا بَيْنَ عَوْفٍ وإبْرَاهِيمَ مِنْ نَسَبٍ .............. إلاَّ قرابةُ بَيْنِ الزِنْجِ والرُومِ
وقولُه:
ولَمْ يَتْركِ النُبْلُ المُخالِفُ بينُها ......... أَخاً لاحَ قَدْ يُرْجى وما ثَورةُ الهِنْدِ
يُروى بِرَفْعِ "بَينُها" وفتحِهِ على أَنَّه فاعلٌ لِـ "مُخالِف"، وإنَّما بُنِيَ لإِضافَتِهِ إلى مَبْنِيٍّ، ومِثلُه في ذلك: "أَمام" و"دون" كقولِ لَبيدٍ:
فَغَدَتْ كلا الفَرْجَيْنِ تَحْسَبُ أَنَّه ............ مَوْلَى المخافةِ خَلْفُها وأَمامُها
بِرَفْعِ "أَمام"، وقولُه:
أَلَمْ تَرَ أَني قدْ حَمَيْتُ حَقيقَي ....... وباشَرْتُ حدَّ الموتِ والموتُ دونُها
بِرَفْعِ "دون".
وإمَّا أَنَّ "بَيْن" اسمٌ غيرُ ظَرْفٍ، وإنَّما مَعناها الوَصْلُ، أيْ: لقد تَقَطَّعَ
وَصْلُكُم. ولهم بعدَ ذلك عبارةٌ تُؤذِنُ بأنَّ "بَيْن" مَصْدَرٌ من: "بانَ يَبينُ بَيْناً" بمَعنى بَعُدُ، فَيَكونُ مِنَ الأَضْدادِ، أيْ إنَّه مُشْتَرَكٌ لَفْظِيٌّ يُسْتَعْمَلُ للوَصْلِ والفِراقِ كقولِكَ "الجَوْن" للأَسْوَد والأَبيض، ويُعْزى هذا لأَبي عَمْرٍو وابْنِ جِنّيٍّ والمَهْدَوِيُّ والزهراويُّ، وقالَ أبو عُبيدٍ: وكانَ أَبو عَمْرٍو يَقول: مَعنى "تَقَطَّع بَينكم" تَقَطَّعَ وَصْلُكُم، فصارتْ هُنا اسْماً مِنْ غيرِ أَنْ يَكونَ مَعَها "ما". وقالَ الزَّجَّاجُ: والرَّفْعُ أَجْوَدُ، ومَعناهُ: لقد تَقَطَّعَ وَصْلُكم، فقدْ أَطْلَقَ هؤلاءِ أَنَّ "بَيْن" بَمَعْنى الوَصْلِ، والأَصْلُ في الإطلاقِ الحَقيقةُ. إلاَّ أَنَّ ابْنَ عَطِيَّةَ طَعَنَ في هذا، وزَعَمَ أَنَّه لم يُسْمَعْ مِنَ العَرَبِ الـ "بَيْن" بمعنى الوَصْلِ، وإنَّما انْتُزِعَ ذلكَ مِنْ هذِهِ الآيةِ، أَوْ أَنَّهُ أُريدَ بالـ "بَيْن" الافْتِراقُ، وذلك مَجازٌ عَنِ الأَمْرِ البَعيدِ، والمَعنى: لَقدْ تَقَطَّعتِ المَسافَةُ بَيْنَكُمْ لِطولِها فَعَبَّرَ عن ذلك بالبَيْن. وظاهرُ هذا الكلامِ يُؤذِنُ بأنَّهُ فَهِمَ أَنَّها بمَعنى الوَصْلِ حقيقةً، ثمَّ رَدَّه بكونِه لم يُسْمَعْ مِنَ العَربِ، وهذا غيرُ مُرْضٍ، لأنَّ أَبا عَمْروٍ وأبا عُبَيْدٍ وابْنَ جِنّي والزهراوي والمهدوي والزَجَّاجَ أَئمَّةٌ يُقْبَلُ قَولُهم. وقولُه: "وإنَّما انتُزِع مِنْ هذِهِ الآية". ممنوعٌ بلْ إنَّ ذلكَ مفهومٌ مِنْ لُغَةِ العَرَبِ، ولو لم يَنْقُلْها إلاَّ أَبو عَمْرٍو لَكفى، وعِبارَتُهُ تُؤْذِنُ بأنَّ المعنى من المجازِ، ووجْهُ المَجازِ أنَّهُ لَمَّا اسْتَعْمَلَ "بين" مَعَ الشيئين المُتَلابِسَيْنِ في نَحوِ: بَيني وبينك شِركَةٌ، وبيني وبينكَ رَحِمٌ وصَداقةٌ، صارتْ بمعنى الوصلةِ خلافَ الفُرقةِ لاسْتِعْمالِها في هذِه المَواضِعَ، فلِهذا جاءَ لَقَدْ تَقَطَّعَ وَصْلُكم. وإذا تقرَّر هذا فالقولُ بكونِه مجازاً أَوْلى مِنَ القولِ بكونِه مُشْتَرَكاً، لأنَّه مَتى تَعارَضَ الاشْتِراكُ والمَجازُ فالمَجازُ عندَ الجُمهورِ خيرٌ مِنْهُ. وقال أبو عليٍّ الفارسيُّ: ويَدُلُّ على أَنَّ هذا المَرْفوعَ هو الذي اسْتُعْمِلَ ظَرْفاً أَنَّه لا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكونَ الذي هُو ظَرْفٌ اتُّسِعَ فيه، أَوْ يَكونَ الذي هو مَصدرٌ، فلا يَجوزُ أَنْ يَكونَ هذا القسم لأنَّ التَقديرَ يَصيرُ: لَقْدَ تَقَطَّعَ افْتِراقُكُم، وهذا خلافُ القَصْدِ والمَعنى، أَلا تَرى أنَّ المُرادَ: وَصلُكم وما كنتُم تَتألَّفون عَلَيْه. فإنْ قُلتَ: كيف جازَ أَنْ يَكونَ بمَعنى الوَصْلِ وأَصْلُه الافْتِراقُ والتَبايُنُ؟ فالجوابُ: إنَّه لمَّا اسْتُعْمِلَ مَعَ الشيئين المُتَلابِسَيْنِ في نحوِ: "بَيْني وبَيْنَكَ شِرْكَةٌ"، ذُكِر ما قدَّمْتُه عنْهُ مِنْ وجهِ المَجازِ. وأَجازَ أَبو عُبيدٍ والزَجّاجُ وجَماعةٌ قِراءةَ الرَّفعِ. قالَ أَبو عُبيدٍ: وكذلك نَقرَؤها بالرَّفْعِ لأنَّا قد وَجَدْنا العَرَبَ تَجْعَلُ "بين" اسْماً مِنْ غيرِ "ما"، ومصَداقُ ذلك قولُهُ تَعالى في سورة الكهفِ: {فلمّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا} الآية: 61. فجَعَلَ "بين" اسْماً من غير "ما"، وكذلك قولُهُ فيها: {هذا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ} الآية: 78. قال: "وقد سَمِعْناهُ في غيرِ مَوْضِعٍ مِنْ أَشعار العَرَبِ" ثمَّ ذَكَرَ ما ذَكَرْتُه عَنْ أَبي عَمْرٍو بْنِ العَلاءِ، ثمَّ قالَ: وقَرأَها الكسائيُّ نَصْباً، وكان يَعْتَبِرُها بِحَرْفِ عَبدِ اللهِ "لقد تقطع ما بينكم". وقالَ الزَجَّاجُ: والرَّفعُ أَجْوَدُ والنَّصْبُ جائِزٌ، والمَعنى: لَقَدْ تَقَطَّعَ ما كان مِنَ الشِرْكَةِ بينَكم.
وثَمَّ وجْهٌ ثالثٌ للقراءةِ الثانيةِ وهو: أَنَّ هذا كلامٌ محمولٌ على مَعناهُ إذِ المَعْنى: لَقد تَفَرَّقَ جَمْعُكم وتَشَتَّتَ، وهذا لا يَصلُحُ أَنْ يَكونَ تَفْسيرَ إعْرابٍ.
قولُه: {ما كُنتُمْ} ما: يِجوزُ أَنْ تَكونَ مَوْصولةً اسْمِيَّةً أوْ نَكِرَةً مَوْصوفَةً أوْ مَصْدَرِيَّةً، والعائدُ على الوَجْهَيْنِ الأَوَّليْنِ مَحذوفٌ بِخِلافِ الثالثِ، والتقديرُ: تَزعمونَهم شُركاءَ أوْ شُفعاءَ، فالعائدُ هوَ المَفعولُ الأوَّلُ و"شُركاء" هو الثاني، فالمَفعولانِ مَحذوفان اخْتِصاراً للدَلالةِ عليهِما إنْ قلنا: إنَّ "[font:17e5=Tradi
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
فيض العليم .... سورة الأنعام، الآية: 94
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» فيض العليم ... سورة الأنعام، الآية: 10
» فيض العليم ... سورة الأنعام، الآية: 26
» فيض العليم ... سورة الأنعام، الآية: 43
» فيض العليم ... سورة الأنعام، الآية: 59
» فيض العليم .... سورة الأنعام، الآية: 109

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
روضة الشاعر عبد القادر الأسود :: ...:: الروضة الروحانية ::... :: روضة الذكر الحكيم-
انتقل الى: