روضة الشاعر عبد القادر الأسود
بعد الصلاة على الرحمة المهداة

أهلا وسهلا بك في روضتنا

يسرنا تسجيلك

روضة الشاعر عبد القادر الأسود
بعد الصلاة على الرحمة المهداة

أهلا وسهلا بك في روضتنا

يسرنا تسجيلك

روضة الشاعر عبد القادر الأسود
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

روضة الشاعر عبد القادر الأسود

منتدى أدبي اجتماعي يعنى بشؤون الشعر والأدب والموضوعات الاجتماعي والقضايا اللإنسانية
 
مركز تحميل الروضةالرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
بسـم الله الرحمن الرحيم  :: الحمد لله رب العالمين * الرحمن الرحيم * مالك يوم الدين * إياك نعبد وإياك نستعين * إهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين أنعمت عليهم * غير المغضوب عليهم ولا الضــالين ....  آميـــن

 

 فيض العليم ... سورة المائدة، الآية: 54

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
عبد القادر الأسود

¤° صاحب الإمتياز °¤
¤° صاحب الإمتياز °¤
عبد القادر الأسود


عدد المساهمات : 3986
تاريخ التسجيل : 08/09/2011
العمر : 76
المزاج المزاج : رايق
الجنس : ذكر
فيض العليم ... سورة المائدة، الآية:  54 Jb12915568671



فيض العليم ... سورة المائدة، الآية:  54 Empty
مُساهمةموضوع: فيض العليم ... سورة المائدة، الآية: 54   فيض العليم ... سورة المائدة، الآية:  54 I_icon_minitimeالأربعاء سبتمبر 11, 2013 3:47 pm

 
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ. (54)
قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ} خِطابٌ للمؤمنين على وجْهِ التَحذيرِ والوَعيدِ، وشُروعٌ في بيانِ حالِ المُرتدِّينَ على الإطلاقِ بعدَ أَن نَهى ـ سبحانَه وتعالى ـ فيما سَلَفَ عن مُوالاةِ اليهودِ والنَّصارى، وبيَّنَ أنَّ مُوالاتِهم مُسْتَدْعيةٌ للارْتِدادِ عنِ الدِّين، وفَصَّلَ مَصيرَ أَمْرِ مَنْ يُواليهم مِنَ المُنافقين. وهَذَا مِنْ إِعْجَازِ الْقُرْآنِ العظيمِ وَالنَّبِيِّ  الكريمِ ـ عليه أفضلُ صَلاةٍ وأَتمُّ تسليمٍ ـ إِذْ أَخْبَرَ عَنِ ارْتِدَادِهِمْ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فِي حينِه بلْ كَانَ ذَلِكَ غَيْبًا، فَكَانَ بعد مُدَّةٍ مِنَ الزمنِ كما أَخْبَرَ بِه، وَأَهْلُ الرِّدَّةِ كَانُ معظمُهم بَعْدَ انتقالِهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ إلى الرفيقِ الأعلى. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: لَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ ارْتَدَّتِ الْعَرَبُ إِلَّا ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ، مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ، وَمَسْجِدِ مَكَّةَ، وَمَسْجِدِ جُؤَاثَى، وَكَانُوا فِي رِدَّتِهِمْ عَلَى قِسْمَيْنِ: قِسْمٌ نَبَذَ الشَّرِيعَةَ كُلَّهَا وَخَرَجَ عَنْهَا، وَقِسْمٌ نَبَذَ وُجُوبَ الزَّكَاةِ وَاعْتَرَفَ بِوُجُوبِ غَيْرِهَا، قَالُوا نَصُومُ وَنُصَلِّي وَلَا نُزَكِّي، فَقَاتَلَ الصِّدِّيقُ جَمِيعَهُمْ، بأنْ بَعَثَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ ـرضي اللهُ عنه ـ إِلَيْهِمْ بِالْجُيُوشِ فَقَاتَلَهُمْ وَسَبَاهُمْ، على ما هو مَشهورٌ مِنْ أَخبارِهم. وقالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ: نَزَلَتْ في الوُلاةِ مِنْ قُريشٍ. وقالَ الحَسَنُ البَصْرِيُّ: نَزَلَتْ في أَهلِ الرِدَّةِ أَيَّامَ أَبي بَكْرٍ. وهذا ممَّا أَخَبَرَ بِه القُرآنُ الكريمُ قبلَ وُقوعِهِ ثمَّ كان، فقد رُويَ أنَّه ارْتَدَّ عن الإسلامِ إحْدى عَشْرَةَ فِرْقَةٍ، ثلاثٌ في عهدِ رَسولِ اللهِ ـ صلى اللهُ عليْه وسَلَّمَ ـ وسبعةٌ في عهدِ أبي بكرٍ الصِدِّيقِ ـ رضيَ اللهُ عنْه ـ وواحدةٌ في عهدِ عُمَرَ بْنِ الخطَّابِ ـ رضيَ اللهُ عنْه ـ
فأمَّا الذين ارتدّوا في عهد رسول الله ـ صلّ اللهُ عليه وسلَّمَ ـ فهم: بَنُو مُدْلِجٍ، ورئيسُهم ذو الخِمارِ، وهوَ الأَسْوَدُ العَنْسِيُّ، كانَ كاهِنًا تَنَبَأَ باليَمَنِ واسْتَولى على بلادِهِ فأَخْرَجَ منْها عُمَّالَ النَبِيِّ فكتَبَ ـ عليهِ الصَلاةُ والسلامُ ـ إلى معاذَ بْنِ جبَلٍ وإلى ساداتِ اليَمَنِ، فأهلَكَهُ اللهُ على يَدَيْ فَيروزَ الدَيْلَمِيِّ فقَتَلَه، وأَخبَرَ رَسولُ اللهِ ـ صلى اللهُ عليْه وسلَّمَ ـ بقتْلِهِ لَيْلَةَ قُتِلَ فَسُرَّ بِهِ المُسلمون، وقُبِضَ ـ عليه الصلاةُ والسلامُ مِنَ الغَدِ، وأَتى خبرُهُ في شهرِ ربيعٍ الأَوَّل.
ومنهم بَنُو حَنَيفَةَ، قومُ مُسَيْلَمَةَ بْنِ حَبيبٍ المُلَقَّبِ بالكَذَّابِ، تَنَبَّأَ وكَتَبَ إلى رسولِ الله ـ صلى اللهُ عليْه وسَلَّمَ ـ قائلًا: (مِنْ مُسَيْلَمَةَ ـ رسولِ اللهِ إلى مُحَمَّدٍ رَسولِ اللهِ، سَلامٌ عليكَ، أمَّا بعدُ: فإنِّي قدْ أُشْرِكْتُ في الأَمْرِ مَعَكَ وإنَّ لَنَا نِصْفَ الأرضِ ولِقُريْشٍ نِصْفُ الأَرضِ، ولكنَّ قُريشًا قومٌ يَعتَدون). فقدِمَ عليه ـ صلى اللهُ عليْه وسلَّمَ ـ رَسولانِ لِمُسَيْلَمَةَ بِذلك، فحينَ قَرَأَ كتابَهُ، قالَ لهما: ((فما تَقولانِ أَنْتُما))؟ قالا: نَقولُ كما قال، فقال ـ صلى اللهُ عليْه وسَلَّمَ: ((أَمَا واللهِ لَولا أنَّ الرُسُلَ لا تُقْتَلُ لَضَرَبْتُ أَعْناقَكُما))، ثمَّ كَتَبَ ـ صلى اللهُ عليه وسلَّمَ ـ إليْه: ((بسْمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيم، مِنْ مُحمَّدٍ رَسولِ اللهِ إلى مُسَيْلَمَةَ الكَذّابِ، السلامُ على مَنِ اتَّبَعَ الهُدى، أمَّا بَعْدُ: فإنَّ الأرْضَ للهِ يُورِثُها مَن ْيَشاءُ مِنْ عِبادِهِ والعاقبةُ للمُتَّقين)). وكان ذلك في سنةِ عَشْرٍ للهجرةِ، ثمَّ حارَبَهُ أَبو بَكْرٍ ـ رَضيَ اللهُ تعالى عنْه ـ عندما آل إليه أمرُ المسلمين، وقُتِلَ على يَدَيْ وحْشِيٍّ قاتِلِ حَمْزَةَ ـ رَضِيَ اللهُ تعالى عنْهُما ـ فكان وَحْشِيٌّ يَقولُ: قَتَلْتُ في جاهِلِيَّتي خَيْرَ النَّاسِ ـ بعدَ رسول اللهِ، وقَتَلْتُ في إِسْلامي شَرَّ النَّاسِ. وقيلَ: اشْتَرَكَ في قَتْلِهِ هو وعبدُ اللهِ بْنُ زَيْدٍ الأَنْصارِيُّ، طَعَنَهُ وَحْشِيٌّ وضَرَبَهُ عبدُ اللهِ بِسيْفِهِ، وهو القائلُ في أبياتٍ منها:
يُسائلني النَّاسُ عَنْ قَتْلِهِ ...................... فقلتُ: ضَرَبْتُ وهذا طَعَنْ
ومِمَّنِ ارْتدَّ في عهدِ رَسولِ اللهِ ـ صَلى اللهُ عليْه وسَلَّمَ ـ بَنو أَسَدٍ قومُ طُلَيْحَةَ بْنِ خُوَيْلِدٍ، تَنَبَّأَ فبَعثَ إليْه أَبو بَكْرٍ ـ عندما وَلِيَ أمرَ المُسلمين ـ خالدَ بْنَ الوَليدِ ـ رَضيَ اللهُ تَعالى عنْهما ـ فانْهزَمَ طليحةُ بَعدَ قِتالٍ إلى الشّامِ، ثمَّ أَسْلَمَ وحَسُنَ إسْلامُه.
وارْتَدَّتْ سَبْعٌ في عهدِ أَبي بَكْرٍ ـ رَضيَ اللهُ تعالى عنْه ـ فِزارةُ قومُ عُيَيْنَةَ بْنِ حُصَيْنٍ، وغَطَفانُ قومُ قُرَّةَ بْنِ سَلَمَةَ القُشَيْرِيِّ، وبنو سُلَيْمٍ قومُ الفُجاءةَ بْنِ عبدِ يالِيلٍ، وبَنو يَربوعٍ قومِ مالكٍ بْنِ نُويْرَةَ، وبَعْضُ بَني تَميمٍ قومِ سَجَاحِ بِنْتِ المُنْذِرِ الكاهنةِ، تَنَبَّأتْ وزَوَّجَتْ نَفْسَها مِنْ مُسَيْلَمَةَ في قِصَّةٍ شَهيرةٍ، وصَحَّ أَنَّها أَسْلَمَتْ بعدُ وحَسُنَ إسْلامُها. وكِنْدَةُ قومُ الأَشْعَثِ بْنِ قيسٍ وبَنُو بَكْرٍ بْنِ وائلَ بالبَحْرَيْنِ قومُ الحَطمِ بْنِ زَيْدٍ، وكفى اللهُ تَعالى أَمْرَهُمْ على يَدَيْ أَبي بَكْرٍ ـ رَضِيَ اللهُ تعالى عنْه.  
وفِرقةٌ واحدةٌ في عهدِ عُمَرَ ـ رَضيَ اللهُ تعالى عنه ـ وهمْ غسّانُ قومُ جَبَلَةَ بْنِ الأَيْهَمِ الذي تَنَصَّرَ بعد أنْ أَسْلَمَ بسبب حقٍّ لِفَزارِيٍّ لَطَمَهُ لأنَّه داس له إزارهُ دون قصدٍ، وأبى أميرُ المؤمنين إلّا أن يأخُذَ منه حقَّ الفَزاريِّ، فارتدَّ وعاد إلى نَصرانِيَّتِه ولَحِقَ بالشامِ وماتَ على رِدَّتِه، وقيل : إنَّه أَسْلَمَ، ويُرْوَى أنَّ عمرَ ـ رَضيَ اللهُ تعالى عنْه كَتَبَ إلى أَحبارِ الشامِ لَمَّا لَحِقَ بِهم جَبَلةُ كتابًا فيه: إنَّ جَبَلَةَ وَرَدَ إليَّ في سَراةِ قومِهِ فأَسْلَمَ فأَكْرَمْتُه ثمَّ سارَ إلى مَكَّةَ فَطافَ فَوَطِئَ إزارَهُ رَجُلٌ مِنْ بَني فَزارةَ فَلَطَمَهُ جَبَلَةُ فهَشَمَ أَنْفَهُ وكَسَرَ ثَناياهُ ـ وفي روايةٍ قَلَعَ عيْنَهُ ـ فاستَعْدَى الفَزَارِيُّ على جَبَلَةَ إليَّ، فحَكَمْتُ إمَّا بالعَفْوِ وإمَّا بالقِصاصِ، فقال: أَتَقْتَصُّ مِنّي وأَنَا مَلِكٌ وهو سُوْقَةٌ؟! فقُلتُ: شَمَلَكَ وإيَّاهُ الإسْلامُ فمَا تَفْضُلُه إلَّا بالعافيةِ، فسَأَلَ جَبَلَةُ التَأخيرَ إلى الغَدِ، فلمّا كان مِنَ اللَّيلِ رَكِبَ مَعَ بَني عَمِّه ولَحِقَ بالشَامِ مُرْتَدًّا، ورُوِي أَنَّه نَدِمَ على ما فَعَلَهُ وأَنْشَدَ:
تَنَصَّرْتُ بعدَ الحَقِّ عارًا لِلَطْمَةٍ ......... ولَمْ يَكُ فيها لَوْ صَبَرْتُ لَها ضَرَرْ
فأَدْرَكَني مِنْها لَجاجُ حَمِيَّةٍ .............. فبِعْتُ لَها العَيْنَ الصَحيحَةَ بالعِوَرْ
فيا لَيْتَ أُمِّي لَمْ تَلِدْني ولَيْتَني ........ صَبَرْتُ على القَوْلِ الذي قالَهُ عُمَرْ
هذا واعْتُرِضَ القولُ بأنَّ هذا مِنَ الكائناتِ التي أَخْبَرَ اللهُ تَعالى عنْها قبلَ وُقوعِها بأنَّ "مِنْ" شرطيَّةٌ، والشرطُ لا يَقتَضي الوُقوعَ إذْ أصلُه أَنْ يُستَعمَلَ في الأُمورِ المَفروضَةِ، وأُجيبَ بأنَّ الشرْطَ قدْ يُستَعمَلُ في الأُمورِ المُحَقَّقَةِ تَنبيهًا على أنَّها لا يَليقُ وُقوعُها بَلْ كان يَنبغي أَنْ تُدْرَجَ في الفَرَضيَّات وهو كَثيرٌ، وقد عُلِمَ مِنْ وُقوعِ ذلك بعدَ هذهَ الآيةِ أَنَّ المُرادَ هذا.
وقولُهُ: {فَسَوْفَ يَأْتِى اللهِ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} أيْ فسوف يأتي اللهُ تعالى مَكانَهم بَعْدَ إهْلاكِهم "بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ" مَحَبَّةً تَليقُ بشأنِهِ ـ تَعالى ـ على المعنى الذي أَرادَهُ "وَيُحِبُّونَهُ" أيْ يَميلونَ إليْه ـ جَلَّ شأنُه ـ مَيْلًا صادقًا فيُطيعونَه في امْتِثالِ أَوامِرِهِ واجْتِنابِ مَناهيه، فمَحَبَّةُ العِبادِ لِرَبِّهم التشوُّقُ إلى لِقائِهِ، فإنَّ "مَنْ أَحَبَّ لِقاءَ اللهِ أَحَبَّ اللهُ لِقاءَهُ"، وقد تَحَدَّى اللهُ اليهودَ الذينَ ادَّعو ولايَتَهُ ومَحَبَّتَه بأنْ يَتَمَنَّوا لِقاءَه فقال: {قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ للهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ} الجمعة: 6 و 7. ومن مَحَبَّةِ العَبْدِ لربِّه ـ جلَّ وعَلا ـ شوقُ النَظرِ إلى وجههِ الكريمِ، قال: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} القيامة: 22، 23. وعلامةُ صِدْقِ العبدِ في مَحَبَّتِهِ لِرَبِّهِ طاعتُه له وابْتِغاءُ مَرْضاتِه، قال الشاعر:
لوكان حبُّك صادقاً لأطعتَهُ ................. إنَّ المحبَّ لمن يُحِبُّ مطيعُ
 ومنها دوامُ ذِكرِهِ لِمَوْلاهُ فمن أَحَبَّ شيئًا أكثرَ مِنْ ذِكْرِهِ، فقد روى الديلميُّ وأبو نُعَيْمٍ عن السيدة عائشة أم المؤمنين ـ رضي اللهُ عنْها أنَّهُ ـ عليه الصلاةُ والسلامُ ـ قال: ((مَنْ أَحَبَّ شيئًا أكثرَ مِنْ ذِكْرِهِ)). ومنها الأُنْسُ بِمُجالَسَتِهِ، روى البيهقيُّ والديلميُّ وابنُ أبي شيبة أنه جاء في الحديث القدسيِّ: (أنا جليس مَنْ ذكرني) وله عاضدٌ مِنْ حديثِ أَبي هُريرةَ ـ رضي اللهُ عنه ـ عن رسولِ الله صلى اللهُ عليه وسلَّمَ ـ أنَّه قال: ((قال الله عزَّ وجَلَّ: أنا عندَ ظَنِّ عَبدِي بِي، وأَنَا مَعَه حيثُ يَذكرني)) البُخاريِّ 13/ 325، 326، ومسلم (2675) ومجالستُه ـ سبحانه وتعالى ـ لعبدِه مَعيَّتُه ومعيَّتُه بقولِه: "وأنَا مَعَهُ" أيْ: كما في قولِه: {إنَّني مَعَكُما أَسْمَعُ وأَرى}.  ومِن علاماتِ صِدْقِ عِبادِهِ في حبِّهِ اتِّباعُهم لنبيِّه ـ عليه الصلاةُ والسلامُ ـ في جميع أحواله، قال تعالى: {قُلْ إنْ كنتم تُحِبُّونَ اللهَ فاتَّبِعوني} آل عمران: 31. وأنْ لا يَفعلوا ما يُوجِبُ سَخَطَهُ وعقابَه.
ومَحَبَّةُ اللهِ ـ تَعالى ـ لِعبادِه أَنْ يُثيبَهم أَحْسَنَ الثَوابِ على طاعتِهم ويُعَظِّمَهُم بيْن خلقِه ويُثني عليهِم ويَرضى عنْهم، وقُدِّمَتْ مَحَبَّةُ اللهِ ـ تَعالى ـ على مَحَبَّتِهم لِشَرَفِها وسَبْقِها.
قَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ وَغَيْرُهُمَا: نَزَلَتْ فِي أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَأَصْحَابِهِ. وَقَالَ السُّدِّيُّ: نَزَلَتْ فِي الْأَنْصَارِ. وَقِيلَ: هِيَ إِشَارَةٌ إِلَى قَوْمٍ لَمْ يَكُونُوا مَوْجُودِينَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَأَنَّ أَبَا بَكْرٍ قَاتَلَ أَهْلَ الرِّدَّةِ بِقَوْمٍ لَمْ يَكُونُوا وَقْتَ نُزُولِ الْآيَةِ، وَهُمْ أَحْيَاءٌ مِنَ الْيَمَنِ مِنْ كِنْدَةَ وَبَجِيلَةَ، وَمِنْ أَشْجَعَ. وَقِيلَ: إِنَّهَا نَزَلَتْ فِي الْأَشْعَرِيِّينَ، فَفِي الْخَبَرِ أَنَّهَا لَمَّا نَزَلَتْ قَدِمَ بَعْدَ ذَلِكَ بِيَسِيرٍ سَفَائِنُ الْأَشْعَرِيِّينَ، وَقَبَائِلُ الْيَمَنِ مِنْ طَرِيقِ الْبَحْرِ، فَكَانَ لَهُمْ بَلَاءٌ فِي الْإِسْلَامِ فِي زَمَنِ رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَكَانَتْ عَامَّةُ فُتُوحِ الْعِرَاقِ فِي زَمَنِ عُمَرَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ عَلَى يَدَيْ قَبَائِلِ الْيَمَنِ، هَذَا أَصَحُّ مَا قِيلَ فِي نُزُولِهَا. وَاللهُ أَعْلَمُ. وَرَوَى الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللهِ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ" بِإِسْنَادِهِ: أَنَّ النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ أَشَارَ إِلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فَقَالَ: ((هُمْ قَوْمُ هَذَا)) قَالَ الْقُشَيْرِيُّ: فَأَتْبَاعُ أَبِي الْحَسَنِ مِنْ قَوْمِهِ، لِأَنَّ كُلَّ مَوْضِعٍ أُضِيفَ فِيهِ قَوْمٌ إِلَى نَبِيٍّ أُرِيدَ بِهِ الْأَتْبَاعُ.
قولُهُ: {أَذِلَّةٍ عَلَى المُؤمنين أَعِزَّةٍ عَلَى الكافرين} أَذِلَّةٍ: أي عاطفينَ "على المؤمنين" مُتَذَلِّلينَ لَهُم، أَيْ يَرْأَفُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ وَيَرْحَمُونَهُمْ وَيَلِينُونَ لَهُمْ، "أَعِزَّةٍ" يَغْلُظُونَ "عَلَى الكافرين" وَيُعَادُونَهُمْ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُمْ لِلْمُؤْمِنِينَ كَالْوَالِدِ لِلْوَلَدِ وَالسَّيِّدِ لِلْعَبْدِ، وَهُمْ فِي الْغِلْظَةِ عَلَى الْكُفَّارِ كَالسَّبُعِ عَلَى فَرِيسَتِهِ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: {أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ} الفتح: 29. وقيل معنى كونِهمْ "أَعِزَّةً على الكافرين" أنَّهم أَشدَّاءُ مُتَغَلِّبون عليهم مِنْ عَزَّهُ إذا غَلَبَهُ، قل تعالى: {وعَزَّنِي فِي الخِطَابِ} ص: 23. أي غَلَبَنِي فِي المُحَاجَّةِ.
قولُهُ: {يُجاهدون فِي سَبِيلِ اللهِ وَلاَ يخافون لَوْمَةَ لائِمٍ} يجاهدون: بالقتالِ "في سبيلِ اللهِ" لإعْلاءِ كَلِمَتِهِ ـ سبحانَه ـ وإعزازِ دينِه ـ جَلَّ شأنُه، وهو صِفَةٌ أُخْرى لِـ "قومٍ" مُترتِّبَةٌ على ما قبلَها مُبَيِّنَةٌ مع ما بعدَها لِكَيْفِيَّةِ عِزَّتِهم، أيْ يَعِزُّون مُجاهدين. و"وَلاَ يخافون" فيما يأتون مِنَ الجِهادِ أوْ في كلِّ ما يَأتون ويَذَرونَ "لَوْمَةَ لائِمٍ"، بمعنى أنَّهم جامعون بيْنَ المُجاهدَةِ والتزامِ أحكام الشرعِ والدينِ الحنيفِ، وفيه تعريضٌ بالمُنافقين، بانهم مُتقاعسون عن الجِهادِ مُتَفَلِّتونَ مِنْ أَحكامِ الشَريعةِ الغَرَّاءِ. فهم "لا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ" بِخِلَافِ الْمُنَافِقِينَ يَخَافُونَ الدَّوَائِرَ، فَدَلَّ بِهَذَا عَلَى تَثْبِيتِ إِمَامَةِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ ـ لِأَنَّهُمْ جَاهَدُوا فِي اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَاتَلُوا الْمُرْتَدِّينَ بَعْدَهُ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَنْ كانت فيه هذه الصفاتُ فهو وليٌّ للهِ تَعَالَى. وَقِيلَ: الْآيَةُ عَامَّةٌ فِي كُلِّ مَنْ يُجَاهِدُ الْكُفَّارَ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ. وَاللهُ أَعْلَمُ.
قولُهُ: {ذلك فَضَّلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ واللهُ واسعٌ عَلِيمٌ} ذلك: إشارةٌ إلى ما تقدَّمَ مِنَ الأَوصافِ لا إلى بعضِها كما قِيلَ، و"فَضَّلُ اللهِ" أيْ لُطفُهُ وبِرُّهُ وإحْسانُه "يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ" إيتاءَهُ إيَّاهُ "واللهُ واسعٌ" كثيرُ الفَضْلِ، جَوادٌ لا يُخافُ نَفادُ ما عِندَهُ، "عَلِيمٌ" يتعلَّقُ عِلْمُهُ بجميعِ الأَشياءِ التي مِنْ جُملَتِها مَنْ هُوَ أهلٌ لليتَفَضَّلَ عليه ربُّه ـ عَزَّ وجَلَّ. فهو ـ سبحانَه ـ وَاسِعُ الْفَضْلِ، عَلِيمٌ بِمَصَالِحِ خلقه.

ومنَ الأَحكامِ التي أَخَذَها العلماءُ من هذه الآيةِ الكَريمة: وُجوبُ المُجاهدةِ في سبيلِ إعلاءِ كلمةِ اللهِ عن طريقِ قتالِ أَعدائِه، أو عن طريقِ الجهرِ بكلمةِ الحقِّ، أو عن طريقِ إحقاقِ الحقِّ وإبطالِ الباطلِ دون أنْ يَخافَ المُجاهدُ لومةَ لائمٍ.
ولقد ساق الإِمامُ ابْنُ كثيرٍ عندَ تفسيرهِ لِهذِه الآيةِ جُملةً مِنَ الأَحاديثِ في هذا المعنى، منها: ما رَواهُ الإِمامُ أَحْمَدٌ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الصَّامِتِ، عَنْ أَبِى ذَرٍّ ـ رضي اللهُ عنهم: قَالَ: أَمَرَنِى رسول الله ـ صلى اللهُ عليْه وسلَّمَ ـ بِسَبْعٍ: أَمَرَنِى بِحُبِّ الْمَسَاكِينِ، وَالدُّنُوِّ مِنْهُمْ، وَأَمَرَنِى أَنْ أَنْظُرَ إِلَى مَنْ هُوَ دُونِى، وَلاَ أَنْظُرَ إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقِى، وَأَمَرَنِى أَنْ أَصِلَ الرَّحِمَ، وَإِنْ أَدْبَرَتْ، وَأَمَرَنِى أَنْ لاَ أَسْأَلَ أَحَدًا شَيْئًا، وَأَمَرَنِى أَنْ أَقُولَ بِالْحَقِّ، وَإِنْ كَانَ مُرًّا، وَأَمَرَنِى أَنْ لاَ أَخَافَ فِى اللهِ لَوْمَةَ لاَئِمٍ، وَأَمَرَنِى أَنْ أُكْثِرَ مِنْ قَوْلِ لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ، فَإِنَّهُنَّ مِنْ كَنْزٍ تَحْتَ الْعَرْشِ) وهو حديث صحيح حسن الإسنادِ (غايةُ المقصد في زوائد المُسْنَد (2/ 2957)
قولُه تعالى: {مَنْ يَرْتَدَّ منكم عن دينِه} "مَنْ" شَرْطيَّةٌ فقط لِظهورِ أَثَرِها، و"فسوفَ" جوابُها، وهي مبتدأةٌ، وفي خَبَرِها الخِلافُ المَشهورُ، وبِظاهِرِهِ يَتَمَسَّكُ مَنْ لا يَشْتَرِطُ عَوْدَ ضَميرٍ على اسْمِ الشَرْطِ مِنْ جُمْلَةِ الجَوابِ، ومَنِ الْتَزَمَ ذلك قَدَّرَ ضَميرًا مَحذوفًا تَقديرُه: "فسوفَ يَأْتي اللهُ بقومٍ غيرَهم" فـ "هِم" في "غيرِهم" يَعودُ على "مَنْ" على معناها. وقرَأَ ابْنُ عامرٍ ونافعٌ: "يَرْتَدِدْ" بدالين. وكُلُّ قارئٍ وافقَ مُصْحَفَه، فإنَّها في مَصاحفِ الشامِ والمَدينةِ، "يرتدد" بدالين، وفي الباقية: "يرتدَّ" وقد تقدَّمَ أَنَّ الإِدْغامَ لُغةُ تميمٍ، والإِظهارَ لُغةُ الحِجازِ، وأَنَّ وَجْهَ الإِظهارِ سُكونُ الثاني جَزْمًا أوْ وَقفًا، ولا يُدْغَمُ إلَّا في مُتحرِّكٍ، وأَنَّ وَجْهَ الإِدْغامِ تحريكُ هذا الساكنِ في بعضِ الأحوالِ نحوَ: رُدَّا، رُدُّوا، رُدِّي، ولم يَرُدَّا، ولم يَرُدُّوا، وارْدُدِ القَوْمَ، ثمَّ حُمِلَ "لَمْ يردَّ" و"رُدَّ" على ذلك، فكأنَّ التميميين اعتبروا هذه الحركةَ العارضةَ، والحِجازيين لم يَعْتَبِروها، و"منكم" في مَحَلِّ نَصْبٍ على الحالِ مِنْ فاعلِ "يرتد" و"عن دينه" متعلِّقٌ بـ "يرتدَّ".
قولُه: {يُحِبُّهُمْ} في محلِّ جَرٍّ لأنَّها صِفةٌ لـ "قومٍ" و"يُحِبُّونَهُ" معطوفٌ على ما قبلَه، فيَكونُ في مَحَلِّ جَرٍّ أَيْضًا فوَصَفَهم بصِفَتَيْن: وصفَهم بكونِه تعالى يحبُّهم وبكونِهم يُحِبُّونَه. أو في مَحَلِّ نَصْبٍ على الحالِ مِنْ الضَميرِ المَنصوبِ في "يحبهم" قال: "تقديرُه: وهم يحبّونَه. والأوّلُ أظهرُ. وقَدَّر أبو البقاءِ لفظةَ "هم" لِيَخْرُجَ بذلك مِنْ إشكالٍ وهو أنَّ المُضارِعَ المُثْبَتَ مَتى وَقَعَ حالًا وَجَبَ تَجَرُّدُه مِنَ الواوِ نحو: "قمتُ أضحَكُ" ولا يجوزَ: "وأضحك" وإنْ وَرَدَ شيءٌ أُوِّلَ بما ذَكَرَهُ أَبو البَقاءِ كقولِهم: "قمتُ وأَصُكُّ عَيْنَهُ" وقولِ عبدِ اللهِ بْنِ هَمّامٍ السَّلوُليِّ:
فلمّا خَشِيتُ أظافِيَره ....................... نجوتُ وأُرْهَنهُمْ مالِكا
أي: وأَنَا أَصُكُّ، وأَنَا أَرْهنُهم، فَتُؤَوَّلُ الجُملَةُ إلى جُمْلَةٍ اسْمِيَّةٍ فيَصِحُّ اقْتِرانُها بالواوِ، ولكنْ لا ضَرورَةَ في الآيةِ الكريمةِ تَدْعُو إلى ذلكَ حتَّى يُرْتَكَبَ، فهو قولٌ مَرْجوحٌ.
قولُهُ: {أَذِلَّةٍ عَلَى المؤمنين أَعِزَّةٍ عَلَى الكافرين} هاتان صِفتانِ أَيْضًا لـ "قومٍ"، واسْتَدَلَّ بعضُهم على جَوازِ تقديمِ الصِفَةِ غيرِ الصَريحةِ على الصِفَةِ الصريحةِ بهذِهِ الآيةِ، فإنَّ قولَه: "يُحِبُّهم" صفةٌ وهي غيرُ صريحةٍ، لأنَّها جُملةٌ مُؤوَّلةٌ بِمفرَدٍ، وقولُه: "أذلة ـ أعزة" صِفَتانِ صريحتانِ لأنَّهُما مُفردتان، وأَمَّا غيرُهُ مِنَ النَّحْويينَ فيقولُ: مَتى اجْتَمَعَتْ صِفَةٌ صَريحةٌ وأُخرى مُؤوَّلَةٌ وَجَبَ تقديمُ الصَريحةِ إلَّا في ضَرورةِ شِعْرٍ كقولِ امْرِئِ القيسِ:
وفَرْعٍ يُغَشِّي المَتْنَ أَسْودَ فاحِمٍ ............. أَثيثٍ كَقِنْوِ النَّخْلةِ المُتَعَثْكِلِ
فقدَّمَ قولَه "يُغَشِّي" ـ وهو جُملةٌ ـ على "أَسْودَ" وما بعدَه وهُنَّ مُفرداتٍ، وعندَ هذا القائلِ أَنَّه يُبْدَأُ بالمُفْرَدِ ثمَّ بالظَرْفِ أوْ عَديلِهِ ثمَّ بالجُمْلَةِ، وعلى ذلك جاءَ قولُه تعالى: {وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ} غافر: 28، وهذهِ الآيةُ حُجَّةٌ عليْهِ، وكذا قولُهُ تَعالى: {وهذا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ} الأنْعامُ: 92. وُيُحْتَمَلُ أنْ يَكونَ قولُه تعالى: "يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ" جُملةَ اعْتِراضٍ لأنَّ فيها تأكيدًا وتَسديدًا للكَلامِ، وجُمْلةُ الاعْتِراضِ تَقَعُ بيْنَ الصِفَةِ ومَوْصوفِها كقولِهِ تعالى: {وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ} الواقعة: 76. فـ "عظيم" صفةٌ لـ "قَسَم" وقد فَصَل بينَهما بقولِه: {لَّوْ تَعْلَمُونَ} فكذلك فَصَلَ هنا بين قولِه "بقوم" وبيْن صفتِهم وهي "أَذِلَّةٍ ـ أعزة" بقولِه "يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ" فعلى هذا لا يَكونُ لَها مَحَلٌّ مِنَ الإِعرابِ. وأمَّا {وهذا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ} فلا نُسَلِّمُ أنَّ "مبارك" صفةٌ، بلْ يَجوزُ أنْ يكونَ خَبرًا بعدَ خبَرٍ، ويَجوزُ أنْ يَكونَ خبرَ مبتدأٍ مَحذوفٍ أي: هو مباركٌ. ولو اسْتُدِلَّ على ذلك بآيتيْن غيرِ هاتيْن لَكانَ أَقوى، وهُما قولُه تعالى: {مَا يَأْتِيهِمْ مِّنْ ذِكْرٍ مِّن رَّبِّهِمْ مُّحْدَثٍ} الأنبياء: 2. و{وَمَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مِّنَ الرحمنِ مُحْدَثٍ} الشعراء: 5، فقدَّمَ الوَصْفَ بالجَارِّ على الوصفِ بالصَريحِ، ويُحْتَمَلُ أَنْ يُقالَ: لا نُسَلِّمُ أنَّ "مِنْ رَبِّهم" و"مِنَ الرحمن" صِفتانِ، لِجوازِ أَنْ يكونا حاليْن مُقَدَّمَيْن مِنَ الضَميرِ المُستَتِرِ في "مُحْدَثٍ" أيْ: مُحْدَثٍ إنزالُه حالَ كونِه مِنْ رَبِّهم.
و"أَذِلَّةٍ" جمعُ ذَليلٍ بمَعنى مُتَعَطِّفٍ، ولا يُرادُ به الذليل الذي هو ضعيفٌ خاضعٌ مُهانٌ، ولا يَجوزُ أنْ يَكونَ جَمْعَ "ذَلُول" لأنَّ ذَلولًا يُجْمَعُ على "ذُلُلٍ" لا على "أَذِلَّةٍ" وإنْ كان كلامُ بعضِهم يُوهِمُ ذلك. ومَنْ زَعَمَ أَنَّه مِنَ الذُّلِّ الذي هو نَقيضُ الصُعوبةِ فقد غَبِيَ عنْه أَنَّ ذَلُولًا لا يُجْمَعُ على "أَذِلة" و"أَذِلَّة" و"أَعِزة" جمعان لذليلٍ وعزيزٍ، وهُما مِثالا مُبالَغَةٍ، وعَدَّى "أذلة" بـ "على" وإن كان أصلُه أنْ يَتَعدَّى باللّامِ لِمَا ضُمِّنَ مِنْ مَعنى الحُنُوِّ والعَطْفِ، والمَعنى: عاطِفِين على المُؤمنين على وجهِ التَذَلُّلِ لهم والتواضعِ، ويَجوزُ أَنْ يكون المَعنى: أَنَّهم مَعَ شَرَفِهم وعُلُوِّ طَبَقَتِهم وفَضْلِهم على المؤمنين خافِضونَ لهم أَجْنِحَتَهم، ونحوُهُ قولُهُ ـ تعالى: {أَشِدَّاءُ عَلَى الكفار رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} الفتح: 29.
ووقعَ الوصفُ في جانبِ المَحَبَّةِ بالجُمْلَةِ الفِعْلِيَّةِ لأنَّ الفِعلَ يَدُلُّ على التَجَدُّدِ والحُدوثِ، هو مناسبٌ فإنَّ محبَّتهم للهِ ـ تعالى ـ تُجَدِّدُ طاعاتِه وعبادتَه كلَّ وقتٍ، ومحبةُ اللهِ إياهم تُجَدِّدُ ثوابَه وإنعامَه عليهم كل وقت. ووقع الوصفُ في جانبِ التواضعِ للمؤمنين والغِلْظَةِ على الكافرين بالاسمِ الدالِّ على المبالغة دَلالةً على ثُبوتِ ذَلكَ واسْتِقْرارِهِ وأَنَّه عَزيزٌ فيهم، والاسْمُ يَدُلُّ على الثبوتِ والاسْتِقْرارِ، وقَدَّمَ الوَصْفَ بالمَحَبَّةِ منْهم ولَهم على وَصفِهم بِأَذِلَّةٍ وأَعِزِّةٍ لأنَّهُما ناشِئَتانِ عنْ المَحَبَّتَيْن، وقَدَّمَ وصْفَهمُ المُتَعَلِّقَ بالمُؤمنين على وصْفِهمُ المُتَعَلِّقِ بالكافرينَ لأنَّهُ آكَدُ وأَلْزَمُ منْه، ولِشَرفِ المُؤمِنِ أَيضًا.
والجمهورُ على جَرِّ "أَذِلَّةٍ ـ أَعِزَّةٍ" على الوَصْفِ ـ كما تَقَدَّمَ، وقُرأَ عبدُ اللهِ بْنُ مَسْعودٍ ـ رضيَ اللهُ عنْه: "أَذِلَّةً" بالنَّصْبِ على الحالِ، إلَّا أَنَّه قَرَأَ بَدَلَ "أَعِزَّة": "غُلَظاءَ" على الكافرين. وهو تَفسيرٌ، وهي حالٌ مِنْ "قومٍ" وجازَ ذلك وإنْ كان "قومٍ" نَكِرةً لِقُرْبِه مِنَ المَعْرِفَةِ إذْ قدْ تَخصَّصَ بالوصفِ.
قولُهُ ـ تعالى: {يُجَاهِدُونَ} صِفَةٌ أُخْرى لـ "قومٍ" ولِذلكَ جاءَ بِغَيْرِ واوٍ، كما جاءَتِ الصِفَتَانِ قبلَه بغيرِها. أو أنَّه في مَحَلِّ نَصْبٍ على الحالِ مِنَ الضَميرِ المُسَكَّنِ في "أعزةٍ" أي: يَعُزُّون مُجاهدين، وعلى هذا فيَجوزُ أنْ تَكونَ حالًا مِنَ الضَميرِ في "أَذِلَّة" أيْ: يَتواضعون للمُؤمنين حالَ كونِهم مُجاهدين، أيْ: لا يَمْنعُهُم الجِهادُ في سبيلِ اللهِ مِنَ التَواضعِ للؤمنين، وحاليَّتُها مِنْ ضميرِ "أعزةٍ" أَظهرُ، ولذلك لم يَسُغْ أن تُجْعَلَ المسألةُ من التنازُع. أو أنْ يَكونَ مُسْتَأْنَفًا سِيق للإِخبارِ بأنَّهم يُجاهِدون في نُصْرَةِ دِينِ اللهِ تَعالى.
قولُه تَعالى: {وَلاَ يَخَافُونَ} مَعْطوفٌ على "يُجاهِدُون" فتَجْري فيهِ الأَوْجُهُ السابِقةُ فيما قبلَه. أو تكونُ الواوُ للحالِ، وصاحبُ الحالِ فاعلُ "يجاهدون" أي: يجاهِدُون وحالُهم في المجاهدةِ غيرُ حالِ المنافقين، وفيه نظرٌ، لأنَّهم نَصُّوا على أنَّ المُضارعَ المَنْفِيَّ بـ "لا" أو "ما" كالمُثبَتِ في أنَّه لا يَجوزُ أنْ تُباشِرَهُ واوُ الحالِ، وهذا كما تَرى مُضارِعٌ مَنْفِيٌّ بـ "لا" إلَّا أَنْ يُقالَ: إنَّ ذلك الشرطَ غيرُ مُجْمَعٍ عليْه، لكنَّ العِلَّةَ التي مَنَعوا لَها مباشرةَ الواوِ للمُضارِعِ المُثْبَتِ مَوجودةٌ في المُضارِعِ المَنْفِيِّ بـ "لا" و"ما" وهي: أنَّ المضارعَ المُثْبَتَ بِمَنْزِلَةِ الاسْمِ الصَريحِ، فإنَّك إذا قلتَ: "جازَ زَيدٌ لا يَضْحَكُ "كان" في قوةِ "ضاحكًا"، و"ضاحكًا" لا يَجوزُ دُخولُ الواوِ عليهِ، فكذلك ما أَشْبَهَهُ وهو في قوتِهِ، وهذه مَوجودَةٌ في المَنْفِيِّ، فإنَّ قولَكَ "جاءَ زَيْدٌ لا يَضحَكُ" في قوةِ "غيرَ ضاحكٍ" و"غيرَ ضاحِكٍ" لا تدخُلُ عليْه الواوُ، إلاَّ أنَّ هذا يُشْكِلْ بأنْهم نَصُّوا على أنَّ المَنْفيَّ بـ "لم" و"لمّا" يَجوزُ فيه دخولُ الواوِ، مَعَ أَنَّه في قولِك: "قامَ زيدٌ لمْ يَضْحَكْ" بِمَنْزِلَةِ "غيرَ ضاحِكٍ" ومِنْ دُخولِ الواوِ قولُه تَعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم} البَقَرَةُ: 214. ونحوُه. أوْ تكون هذه الواوُ للاسْتِئْنافِ، فيكونَ ما بعدَها جُملَةً مُستأنَفَةً مُستقِلَّةً بالإِخْبارِ، وبِهذا يَحصُلُ الفرقُ بيْن هذا الوَجْهِ وبيْنَ الوَجْهِ الذي جُوِّزَ فيه أَنْ تَكونَ الواوُ عاطفةً مَعَ الاعْتِقادِ بأنَّ "يُجاهدون" مُستَأْنَفٌ، وهو واضحٌ.
واللَّوْمَةُ: "المَرَّةُ مِنَ اللَّوْمِ، وفيها وفي التَنْكيرِ مُبالَغتانِ كأنَّه قيلَ: لا يَخافون شيئًا قَطُّ مِنْ لَومِ أَحَدٍ مِنَ اللُّوّامِ، و"لَوْمَةَ" مصدرٌ مضافٌ لِفاعِلِه في المَعنى، فإنْ قيلَ: ولا يَجوزُ عندَ الجُمهورِ أنْ يَكونَ مَفعولُه مَحذوفًا، أي: لا يَخافون لَومَةَ لائمٍ إيَّاهم، لأنَّ المَصْدَرَ المُحْدودَ بِتاءِ التَأْنيثِ لا يَعْمَلُ، فلو كان مَبْنِيًّا على التاءِ عَمِلَ كقولِه:
فولا رجاءُ النصر منك ورهبةٌ ................ عقابَك قد كانوا لنا بالموارِدِ
فأعْمَلَ "رَهْبَةٌ" لأنَّه مَبنيُّ على التاءِ، ولا يَجوزُ أنْ يَعمَلَ المَحدودُ
بالتاءِ إلَّا في قليلٍ مِنْ كَلامِهم كَقولِه:
يُحايي به الجَلْدُ الذي هو حازمٌ ............ بضربةِ كَفَّيهِ المَلا وَهُو راكِبُ
يَصِفُ رَجُلًا سَقى رَجُلًا ماءً فأحياه بِهِ وتيمَّمَ بالتُرابِ، والمَلا: التُراب، فنَصَبَ "المَلا" بـِ "ضَرْبَةِ" وهو مصدرٌ محدودٌ بالتاءِ. وأَصْلُ لائِمٍ: لاوِمٍ، لأنَّه مِنَ اللَّوْمِ فأُعِلَّ، كقائِمٍ.
قولُه: {ذلك فَضْلُ اللهِ يؤتيهِ مَنْ يشاءُ} ذلك: أَي جَميعُ ما تَقَدَّمَ مِنَ الأَوْصافِ التي وُصِفَ بِها القَوْمُ مِنَ المَحَبَّةِ والذِلَّةِ والعِزَّةِ والمُجاهَدَةِ في سبيلِ اللهِ وانتِفاءِ خَوْفِ اللائمَةِ مِنْ كلِّ أَحَدٍ، واسْمُ الإِشارةِ يَسُوغُ فيه ذلك، أَعْني أَنَّه يَقَعُ بِلَفْظِ الإِفرادِ مُشارًا بِهِ لِأكثَر مِنْ واحدٍ، وقد تقدَّمَ تحقيقُه في قولِه تعالى: {عَوَانٌ بَيْنَ ذلك} البقرة: 68. أو أَنَّه مُشارٌ بِهِ إلى حُبِّ اللهِ لهم وحُبِّهم له. أو أنَّه مشارٌ به إلى قولِه: "أَذِلَّةٍ" أيْ: لِينُ الجانِبِ وتَرْكُ التَرَفُّعِ، وفي هذيْنِ تَخصيصٌ غَيْرُ واضِحٍ، وكأنَّ الحاملَ على ذلك مَجيءُ اسْمِ الإِشارَةِ مُفْرَدًا. و"ذلك" مبتدأٌ، و"فَضْلُ الله" خبرُه، و"يؤتيه" إمّا أنَّهُ خبرٌ ثانٍ، أو مُستَأنَفٌ أو أنَّه في مَحَلِّ نَصْبٍ على الحالِ كقولِه: {وهذا بَعْلِي شَيْخًا} هُود: 89.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
فيض العليم ... سورة المائدة، الآية: 54
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» فيض العليم ... سورة المائدة، الآية: 21
» فيض العليم ... سورة المائدة، الآية: 37
» فيض العليم ... سورة المائدة، الآية: 51
» فيض العليم ... سورة المائدة، الآية: 67
» فيض العليم ... سورة المائدة، الآية: 83

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
روضة الشاعر عبد القادر الأسود :: ...:: الروضة الروحانية ::... :: روضة الذكر الحكيم-
انتقل الى: