روضة الشاعر عبد القادر الأسود
بعد الصلاة على الرحمة المهداة

أهلا وسهلا بك في روضتنا

يسرنا تسجيلك

روضة الشاعر عبد القادر الأسود
بعد الصلاة على الرحمة المهداة

أهلا وسهلا بك في روضتنا

يسرنا تسجيلك

روضة الشاعر عبد القادر الأسود
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

روضة الشاعر عبد القادر الأسود

منتدى أدبي اجتماعي يعنى بشؤون الشعر والأدب والموضوعات الاجتماعي والقضايا اللإنسانية
 
مركز تحميل الروضةالرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
بسـم الله الرحمن الرحيم  :: الحمد لله رب العالمين * الرحمن الرحيم * مالك يوم الدين * إياك نعبد وإياك نستعين * إهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين أنعمت عليهم * غير المغضوب عليهم ولا الضــالين ....  آميـــن

 

 فيض العليم ... سورة المائدة، الآية: 48

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
عبد القادر الأسود

¤° صاحب الإمتياز °¤
¤° صاحب الإمتياز °¤
عبد القادر الأسود


عدد المساهمات : 3986
تاريخ التسجيل : 08/09/2011
العمر : 76
المزاج المزاج : رايق
الجنس : ذكر
فيض العليم ... سورة المائدة، الآية:  48 Jb12915568671



فيض العليم ... سورة المائدة، الآية:  48 Empty
مُساهمةموضوع: فيض العليم ... سورة المائدة، الآية: 48   فيض العليم ... سورة المائدة، الآية:  48 I_icon_minitimeالسبت سبتمبر 07, 2013 9:54 am

وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ عَمَّا جاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ. (48)
قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ} لَمَّا ذَكَرَ ـ تعالى شأنُه ـ التوراةَ التي أَنزَلَها اللهُ على مُوسى كليمِهِ ـ عليه السلام ـ ومَدَحَها وأَثْنى عليْها، وأَمَرَ باتِّباعِها حيثُ كانتْ سائغةَ الاتِّباعِ، وذَكَرَ الإنجيلَ ومَدَحَهُ، وأَمَرَ أَهْلَهُ بإقامتِهِ واتِّباعِ ما فيهِ، كَما تَقَدَّمَ بيانُه، شَرَعَ تَعالى في ذِكْرِ القرآنِ العَظيم، الذي أَنزَلَه على عبدِه ورَسولِهِ الكريمِ، فقال: "وَأَنزلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ" أيْ: بالصِدْقِ الذي لا رَيْبَ في أَنَّه مِنْ عندِ اللهِ، وهُوَ بِالْأَمْرِ الْحَقِّ. ونُزولُ الكتابِ بالحَقِّ يَحتاجُ إلى صِدْقِ دَليلٍ على أنَّه نَزَلَ مِنَ اللهِ حَقًّا، بأنْ تأتي كلُّ قوانينِ الحقِّ في حَرَكَةِ الحياةِ منسجمةً غيرَ متنافرَةً، ومن يستعرضْ القرآنَ الكريم يجد هذا جليّاً واضحًا تمامًا وما عرفَت البشريَّةُ منذ نزول هذا القرآن الكريم وحتى اليوم آية واحدة خلفت القوانين التي بنى اللهُ هذا الكون عليها، ولم يكتشف الإنسان حقيقة علميةً واحدةً خالفت ما جاء في هذا الكتاب الكتاب الكريم، بل العكس كلمّا اكتشف العلماءُ حقيقةً كونيَّةً وجدوا القران الكريم قد سبقهم إلى ذكرها، والأمثلة على ذلك كثيرة. وقد شرح لنا الحقُّ جلّت عظمتُه معنى كلمة "الحقِّ" في آيةٍ من سورةِ الإسراءِ فقال: {وبالحقِّ أَنْزَلْنَاهُ وبالحقِّ نَزَلَ} الإسراء: 105. أيْ أَنَّه نَزَلَ مِنْ عندِ اللهِ بالمِنْهَجِ الذي يُقيمُ مَنْطِقَ الحقِّ في كلِّ نفسٍ وفي كلِّ زمانٍ ومكان. إذًا فكلمة "الحقِّ" تَعني أنَّ كتابَ اللهِ (القرآنُ الكريم) الخاتِمُ لِكُتُبِهِ المُنَزَّلَةِ، قد نَزَلَ بالحَقِّ الثابتِ في كلِّ قضايا الكونِ ومَطلوبِ حَرَكَةِ الإنسان ولم يُصِبْهُ تحريفٌ ولا تَغييرٌ، ولن يكون لتكفُّل الحقِّ ـ سبحانه وتعالى بحفظِه ـ قال: {إنّا نحن نزلنا الذكر وإنّا له لحافظون} الحجر: 9. أَربعةَ عَشَرَ قَرْنًا مُنذ نَزَلَ هذا القرآنُ وإلى اليوم، لم يُعْرَفْ أَنَّ يَدًا استطاعتْ أَنْ تَمْتَدَّ إليْه بتغييرٍ أو أن تعبثَ به، وهذا أوثقُ دليلٍ على صدقه وأنَّه الحقُّ مِنَ الحَقِّ ـ تبارك وتعالى.
وقد نَزَلَ القرآنُ بعدَ كُتُبٍ أَنْزلَها اللهُ مُتناسِبَةً معَ الأَزْمِنَةِ التي نَزَلَتْ فيها؛ لأنَّه ـ سبحانه ـ خلقَ الخلقَ لِيشهدوا أنْ لا إلهَ إلَّا اللهَ، وأنْ يَعمُروا هذا الكونَ بما أَمَدَّهُمْ بِه مِنْ عَقْلٍ يُفَكِّرُ، وطاقاتٍ تُنَفِّذُ، ومادةٍ في الكونِ تَنْفَعِلُ، فإن أَرادوا الحياةَ مُجَرَّدةً عن أيِّ تَرَقٍ أو إسْعادٍ فلَهم في الأرض مُقوِّمات هذه الحياة، وإنْ أَرادوا أنْ يَرتَقوا بأنفُسِهم فعليهم أنْ يُعمِلوا عقولهم التي وهبهم الله لتخدمَ الطاقاتِ التي أَمَدَّهم بها في المادَّةِ التي خلقها لهم، وحينئذٍ يعرفون أَسرارَ اللهِ مِنَ الوُجودِ، وهي كثيرةٌ، وتَفْعَلُ لَنا وإنْ لَمْ نَعْرِفْ نحنُ سِرَّ ذلك. فالجاذبية التي تُمْسِكُ الأفلاكَ تَفعلُ لنا، وإنْ لم نَكُنْ قد اكتشفْنا الجاذبيَّةَ إلَّا في وقت متأخِّرٍ. والكهرباءُ الساريَةُ في الوجودِ سَلْبًا وإيجابًا تعملُ لنا وإن لم نعرِفْ ما تَنْطوي عليه مِنَ الأسرار. وحين يريد الحق ـ سبحانه ـ الكشفَ عن سِرٍّ من أسرار هذا الكونِ يُمِدُّ الخلقَ بأسبابِ ذلك.
فالْخِطَابُ في هذه الآيةِ الكريمة لِسيدنا مُحَمَّدٍ ـ عليه الصَلاةُ والسلامُ ـ وَ"الْكِتابَ" هو الْقُرْآنُ العظيمُ، وهو الفردُ الكاملُ الحَقيقُ بأنْ يُسَمَّى كتابًا على الإطلاقِ لتفوُّقِه على سائرِ الكُتُبِ السَماويَّةِ.
قولُه: {مُصَدِّقًا لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ} مُهَيْمِنًا عَلَيْهِ: أي عاليًا عليها وَمُرْتَفِعًا ورقيباً. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى تَأْوِيلِ مَنْ يَقُولُ بِالتَّفْضِيلِ أَيْ فِي كَثْرَةِ الثَّوَابِ، عَلَى مَا تَقَدَّمَتْ الْإِشَارَةُ إِلَيْهِ فِي "الْفَاتِحَةِ". وقيل الشاهدُ، وقيلَ الحافظُ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: "وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ" أَيْ مُؤْتَمَنًا عَلَيْهِ. قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: الْقُرْآنُ مُؤْتَمَنٌ عَلَى مَا قَبْلَهُ مِنَ الْكُتُبِ، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنِ أَيْضًا: الْمُهَيْمِنُ الْأَمِينُ، وَهُوَ مُهَيْمِنٌ بِمَعْنَى كَانَ أَمِينًا. وهُوَ مَنْ آمَنَ غَيْرَهُ مِنَ الْخَوْفِ، ويُقَالُ: هَيْمَنَ عَلَى الشَّيْءِ يُهَيْمِنُ إِذَا كَانَ لَهُ حَافِظًا، فَهُوَ مُهَيْمِنٌ، وقَالَ مُجَاهِدٌ: أَيْ مُحَمَّدٌ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ مُؤْتَمَنٌ عَلَى الْقُرْآنِ.
قَوْلُهُ: {فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ} فَاحْكُمْ: الفاءُ للإِفصاحِ عنْ شَرْطٍ مُقدَّرٍ، أي: إذا كان شأنُ القرآنِ كما ذكرتُ لكَ يا مُحمَّدُ فاحْكُمْ بيْنَ هؤلاءِ اليهودِ وبَيْنَ غيرِهم مِنَ النّاسِ بما أَنْزلَهُ اللهُ مِنْ أَحكامٍ، فإنَّ ما أَنزلَهُ هو الحَقُّ الذي لا باطلَ معَه، فالتزمْ في حُكمِكَ بينَهم بما يُؤيِّدُهُ القُرآنُ لأنَّه الكِتابُ الذي أَنزَلَه اللهُ عليك. وهذا يُفيدُ أنَّ اليهودَ الذين عاشروا النبيَّ ـ صلى الله عليه وسلَّمَ ـ ومَنْ جاءوا بعدَهم مُخاطَبونَ بِشريعةِ القرآن، وأنَّ القرآنَ نَسخ ما قبلَه مِنَ الشرائعِ إلَّا ما جاءَ النَصُّ بِوُجوبِ العملِ بِهِ كالقِصاصِ، أو ما لم يَثبتْ أنَّه نُسِخَ والمُعوَّلُ عليه في الحالين هو القرآنُ وما جاء بِهِ الرسولُ ـ صلى الله عليْه وسلَّم ـ ولقد رُوي أنَّه ـ عليه الصلاةُ والسلامُ ـ ذَكَرَ أَنَّ موسى لو كان حَيًّا ما وَسِعَهُ إلّا الإِيمانُ بِه ـ عليه الصلاةُ والسلامُ.
وقِيلَ: هَذَا نَسْخٌ لِلتَّخْيِيرِ فِي قَوْلِهِ: {فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} وَقِيلَ: لَيْسَ هَذَا وُجُوبًا، وَالْمَعْنَى: فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ إِنْ شِئْتَ، إِذْ لَا يَجِبُ عَلَيْنَا الْحُكْمُ بَيْنَهُمْ إِذَا لَمْ يَكُونُوا مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ. وَفِي أَهْلِ الذِّمَّةِ تَرَدُّدٌ وَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ فِيهِ. وَقِيلَ: أَرَادَ فَاحْكُمْ بَيْنَ الْخَلْقِ، فَهَذَا كَانَ وَاجِبًا عَلَيْهِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ} يَعْنِي لَا تَعْمَلْ بِأَهْوَائِهِمْ وَمُرَادِهِمْ عَلَى مَا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ، يَعْنِي لَا تَتْرُكِ الْحُكْمَ بِمَا بَيَّنَ اللهُ تَعَالَى مِنَ الْقُرْآنِ مِنْ بيانِ الحقِّ وبيانِ الْأَحْكَامِ. وَالْأَهْوَاءُ جَمْعُ هَوًى، فَنَهَاهُ عَنْ أَنْ يَتَّبِعَهُمْ فِيمَا يُرِيدُونَهُ، وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى بُطْلَانِ قَوْلِ مَنْ قَالَ: تُقَوَّمُ الْخَمْرُ عَلَى مَنْ أَتْلَفَهَا عَلَيْهِمْ، لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مَالًا لَهُمْ فَتَكُونُ مَضْمُونَةً عَلَى مُتْلِفِهَا، لِأَنَّ إِيجَابَ ضَمَانِهَا عَلَى مُتْلِفِهَا حُكْمٌ بِمُوجَبِ أَهْوَاءِ الْيَهُودِ، وَقَدْ  أُمِرْنَا بِخِلَافِ ذَلِكَ. وَمَعْنَى "عَمَّا جاءَكَ" عَلَى مَا جَاءَكَ.
قولُه: {لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً} يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ التَّعَلُّقِ بِشَرَائِعِ الْأَوَّلِينَ. وَالشِّرْعَةُ وَالشَّرِيعَةُ الطَّرِيقَةُ الظَّاهِرَةُ الَّتِي يُتَوَصَّلُ بِهَا إِلَى النَّجَاةِ. وَالشَّرِيعَةُ فِي اللُّغَةِ: الطَّرِيقُ الَّذِي يُتَوَصَّلُ مِنْهُ إِلَى الْمَاءِ. وَالشَّرِيعَةُ مَا شَرَعَ اللهُ لِعِبَادِهِ مِنَ الدِّينِ، وَقَدْ شَرَعَ لَهُمْ يَشْرَعُ شَرْعًا أَيْ سَنَّ. وَالْمِنْهَاجُ الطَّرِيقُ الْمُسْتَمِرُّ، وَهُوَ النَّهْجُ وَالْمَنْهَجُ، أَيِ الْبَيِّنُ، قَالَ الرَّاجِزُ:
مَنْ يَكُ ذَا شَكٍّ فَهَذَا فَلْجُ ........................ مَاءٌ رَوَاءٌ وَطَرِيقٌ نَهْجُ
وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ: الشَّرِيعَةُ ابتداءُ الطريقِ، والمِنهاجُ الطَّرِيقُ الْمُسْتَمِرُّ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنِ وَغَيْرِهِمَا "شِرْعَةً وَمِنْهاجاً" سُنَّةً وَسَبِيلًا. وَمَعْنَى الْآيَةِ أَنَّهُ جَعَلَ التَّوْرَاةَ لِأَهْلِهَا، وَالْإِنْجِيلَ لِأَهْلِهِ، وَالْقُرْآنَ لِأَهْلِهِ، وَهَذَا فِي الشَّرَائِعِ وَالْعِبَادَاتِ، وَالْأَصْلُ التَّوْحِيدُ لَا اخْتِلَافَ فِيهِ، رُوِيَ مَعْنَى ذَلِكَ عَنْ قَتَادَةَ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الشِّرْعَةُ وَالْمِنْهَاجُ دِينُ مُحَمَّدٍ ـ عَلَيْهِ الصلاةُ والسَّلَامُ، وَقَدْ نُسِخَ بِهِ كُلُّ مَا سِوَاهُ.
قَوْلُهُ: {وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً} أَيْ لَجَعَلَ شَرِيعَتَكُمْ وَاحِدَةً فَكُنْتُمْ عَلَى الْحَقِّ، فَبَيَّنَ أَنَّهُ أَرَادَ بِالِاخْتِلَافِ إِيمَانَ قَوْمٍ وَكُفْرَ قَوْمٍ.
قولُه: {وَلكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتاكُمْ} الِابْتِلَاءُ: الِاخْتِبَارُ، وفِي الْكَلَامِ حَذْفٌ تَتَعَلَّقُ بِهِ لَامُ كَيْ، أَيْ وَلَكِنْ جَعَلَ شَرَائِعَكُمْ مُخْتَلِفَةً لِيَخْتَبِرَكُمْ.
قَوْلُهُ: {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ} أَيْ سَارِعُوا إِلَى الطَّاعَاتِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ تَقْدِيمَ الْوَاجِبَاتِ أَفْضَلُ مِنْ تَأْخِيرِهَا، وَذَلِكَ لَا اخْتِلَافَ فِيهِ فِي الْعِبَادَاتِ كُلِّهَا إِلَّا فِي الصلاةِ في أَوَّلِ الْوَقْتِ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ يَرَى أَنَّ الْأَوْلَى تَأْخِيرُهَا، وَعُمُومُ الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَيْهِ. وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الصَّوْمَ فِي السَّفَرِ أَوْلَى مِنَ الْفِطْرِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ جَمِيعُ هَذَا فِي "الْبَقَرَةِ".
قولُه: {إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} أَيْ بِمَا اخْتَلَفْتُمْ فيه، وتَزولُ الشُكوكُ.
قوله تعالى: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الكتابَ بالحقِّ مصدِّقًا لِما بيْن يديْهِ مِنَ الكتابِ}: بالحقِّ: الباءُ يَجوزُ أنْ تَكونَ للحالِ مِنْ "الكتاب" أي: مُلْتَبِسًا بالحقِّ والصِدْقِ، وهي حالٌ مؤكِّدةٌ، ويَجوزُ أنْ تَكونَ حالًا مِنَ الفاعلِ أيْ: مُصاحِبينَ للحقِّ، أو حالًا منَ الكافِ في "إليك" أي: وأنتَ ملتبسٌ بالحقِّ. و"ألـ" في "الكتابَ" الأوَّلِ للعَهدِ، أي المَعهودِ الذي سَبقَ ذكرُه والذي تعرفونَه، أي الكتابُ المعهودُ المعروفُ وهو القرآنُ بِلا خِلافٍ، وكلمةُ "الكتاب" الثانية يُرادُ بِها الجِنْسُ، أيْ من جنسِ الكُتُبُ المُنَزَّلةُ على الأنبياءِ قبلَه، ويجوزُ أنْ تَكونَ للعَهدِ أيضًا، إذِ المُرادُ نوعٌ معلومٌ منَ الكتابِ، لا كلُّ ما يَقَعُ عليْه هذا الاسْمُ، والفرق بيْن الوَجهيْن أنَّ الأوَّلَ يَحتاجُ إلى حَذْفِ صِفةٍ، أيْ: الكتاب الإِلهي، وفي الثاني لا يَحتاجُ إلى ذلك؛ لأنَّ العَهْدَ في الاسْمِ يَتَضمَّنُه بجميعِ صفاتِه.
قوله: {وَمُهَيْمِنًا عليه} الجُمهورُ على كسرِ الميمِ الثانية، اسْمَ فاعلٍ وهو حالٌ مِنَ "الكِتابِ" الأوَّلِ لِعَطْفِهِ على الحالِ منْه وهي "مُصدقًا"، ويَجوزُ في "مُصَدِّقًا" و"مهيمنًا" أنْ يَكونا حاليْن مِنْ كافِ "إليكَ"، و"عليه" مُتعلِّقٌ "بمهيمِن". والمهيمنُ: الشاهدُ، و المهيمنُ: الرقيبُ وَمِنْهُ قَوْلُ حسان ـ رضي الله عنه:
إِنَّ الْكِتَابَ مُهَيْمِنٌ لِنَبِيِّنَا ..................... وَالْحَقُّ يَعْرِفُهُ ذَوُو الْأَلْبَابِ
والحافظُ أيضاً، قال أُمَيَّةُ بْنُ أبي الصَّلْتِ الثَقَفِيّ:
مليكٌ على عرشِ السماء مهيمِنٌ ............. لعزته تَعْنُو الوجوهُ وتَسْجُدُ
واختلفوا فيه: هل هو أصلٌ بِنَفْسِهِ، أي: ليس مُبَدَّلًا مِنْ شَيْءٍ، يُقالُ: هَيْمَن يُهَيْمن فهو مُهَيْمِن، كبَيْطَر يُبَيْطِر فهو مُبَيْطر قال أبو عبيدة: لم يَجِيءْ في كلامِ العربِ على هذا البناءِ إلَّا أَربعةُ أَلفاظٍ هي: "مبيطِر ومُسَيْطر ومُهَيْمِن ومُحَيْمِر" وزادَ أبو القاسِمِ الزَّجَّاجِيُّ في شَرْحِهِ لِخُطْبةِ "أدبِ الكاتِبِ" لَفظًا خامسًا وهو: مُبَيْقِر، اسمَ فاعلٍ مِنْ بَيْقَرَ يُبَيْقِرُ أي خَرَج مِنْ أُفُقٍ إلى أُفُقٍ، أوِ البُقَّيْرى، وقيلَ: إنَّ هاءه مبدَّلَةٌ مِنْ هَمزةٍ وأَنَّه اسْمُ فاعلٍ مِنْ آمَنَ غَيرَه مِن الخَوفِ، والأصلُ: "مُأَأْمِن" بهمزتيْن أُبْدِلتْ الثانيةُ ياءً كراهيةَ اجتماعِ همزتيْن ثمَّ أُبْدلتِ الأُولى هاءً، ك "هَرَاق" و"هَراحِ" وهَبَرْتُ الثوب في: أراقٍ وأراحٍ وأَبَرْتُ الثوبَ، وهذا ضعيفٌ أوْ فيه تكلٌّفٌ لا حاجةَ إليه، مع أنَّ لَه أَبْنيَةً يُمكنُ إلحاقَه بها كمُبَيْطِر وإخوانِه، وأيضًا فإنَّ همزةَ "مُأَأْمِن" اسْمَ فاعلٍ مِنْ "آمَنَ" قاعدَتُها الحذفُ فلا يُدَّعى فيها أُثْبِتَتْ ثم أُبْدِلَت هاءً، هذا ما لا نَظيرَ لَه. وقد سقَطَ ابْنُ قُتيبةَ سَقطةً فاحشةً حيثُ زَعَمَ أنَّ "مُهَيْمِنًا" مصغَّرٌ، وأنَّ أصلَه "مُؤَيْمِنٌ" تصغيرُ "مُؤْمنٍ" اسْمَ فاعلٍ، ثمَّ قُلبتْ هَمزتُه هاءً كهَراقِ، ويُعْزى ذلك لأبي العباسِ المبردِ أيْضًا. إلاَّ أنَّ الزَّجَّاجَ قال: وهذا حسنٌ على طريقِ العَرَبيَّةِ، وهو موافقٌ لِما جاءَ في التفسيرِ مِنْ أنَّ مَعنَى مُهَيْمِن: مُؤْمن وهذا الذي قاله الزَّجَّاجُ واسْتَحْسَنَهُ أَنْكَرَهُ الناسُ عليْه وعلى المُبَرِّدِ ومَنْ تَبِعَهُما، ولَمَّا بَلغَ أبا العباسِ ثعلبًا وهو أحمدُ بْنُ يَحيى، هذا القولُ أَنْكرَهُ أَشَدَّ إنْكارٍ وأَنْحى على ابْنِ قُتَيْبَةَ وكتَبَ إليْه: أَنِ اتَّقِ اللهَ فإنَّ هذا كُفْرٌ أو ما أَشْبَهَهُ، لأنَّ أَسماءَ اللهِ ـ تعالى ـ لا تُصَغَّرُ، وكذلكَ كلُّ اسْمٍ مُعَظَّمٍ شَرعًا. وقالَ ابْنُ عطيَّةَ: إنَّ النَّقاشَ حَكَى أنَّ ثَعْلَبًا قال لَمَّا بَلَغَه ذلك: إنَّ ما قالَه ابْنُ قُتيبةَ رَديءٌ باطِلٌ، والوُثوبُ على القرآنِ شديدٌ، وهو ما سَمِعَ الحديثَ مِنْ قَوِيٍّ ولا ضَعيفٍ، وإنَّما جَمَعَ الكُتُبَ مِنْ هَوَسٍ غَلَبَه. وقالَ أبو البَقاءِ: وأَصْلُ مُهَيْمن: مُؤْيْمِن لأنَّهُ مُشْتَقٌّ مِنَ الأمانةِ لأنَّ المُهَيْمِنَ هو الشاهدُ، وليس في الكلامِ "هَيْمن" حتى تكون الهاء أصْلاً. وهذا الذي قالَه ليس بشيءٍ لِما تقدَّمَ من حكايةِ أهلِ اللغة "هَيْمَن" وغايةُ ما في البابِ أَنَّهم لم يَسْتعملوه إلَّا مَزيدًا فيه الياءُ كبَيْطر وبابِه.
وقرأ ابْنُ مُحَيْصِنٍ ومُجاهدٌ: "ومُهَيْمَنًا" بفتح الميمِ الثانيةِ على أنَّهُ اسْمُ معفولٍ بمعنى أنَّه حُوفِظَ عليْه مِنَ التَبديلِ والتَغييرِ، والفاعلُ هو اللهُ تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذكر وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} الحجر: 9. أو لَحافظٌ لَه في كلِّ بَلَدٍ، حتَّى إنَّه إذا غُيِرتْ منْه الحَرَكةُ تَنَبَّه لَها الناسُ ورَدُّوا على قارئِها بالصوابِ، والضميرُ في "عليه" على هذه القراءةِ عائدٌ على الكتابِ الأوَّلِ، وعلى القراءةِ المَشهورةِ عائدٌ على الكتابِ الثاني. ورَوى ابْنُ أبي نَجيحٍ عن مُجاهدٍ قراءتَه بالفتحِ وقال: معناه: مُحَمَّدٌ مُؤْتَمَنٌ على القرآنِ، قال الطبريُّ: فعلى هذا يكونُ "مُهيمَنًا" حالًا مِنْ الكافِ في "إليك" وطَعَنَ على هذا القولَ لِوُجودِ الواوِ في "ومهيمنًا" لأنَّها عطفٌ على "مصدِّقاً" و"مُصَدِّقاً" حالٌ مِنَ الكِتابِ لا حالٌ مِنَ الكافِ؛ إذْ لو كان حالاً منها لكانَ التَركيبُ: "لِما بيْن يديْكَ" بالكاف. وتأويلُه على أنَّه مِنَ الالْتَفاتِ مِنْ الخطابِ إلى الغَيبَةِ بَعيدٌ عَنِ نَظْمِ القُرآن، وتقديرُه: "وجعلناك يا محمَّدُ مهيمَنًا" أبعدُ يَعني أنَّ هذيْن التأويليْن يَصلُحان أنْ يَكونا جَوابيْنِ عنْ قولِ مُجاهدٍ، لَكنَّ الأوَّلَ بَعيدٌ والثاني أبعدُ منْه. وقال ابنُ عطيَّةَ هُنا بَعْد أنْ حكى قراءةَ مجاهدٍ وتفسيرَه محمَّدًا ـ عليه الصلاةُ والسلامُ ـ أنَّه أَمينٌ على القرآنِ: قال الطبريُّ: وقولُه ومهيمنًا على هذا حالٌ مِنَ الكافِ في قولِه: "إليك" قال: وهذا تأويلٌ بعيدٌ مِنَ المَفهومِ، قالَ: وغَلِطَ الطَبَرِيُّ في هذِهِ اللَّفظَةِ على مُجاهدٍ، فإنَّه فَسَّرَ تأويلَه على قراءةِ النّاسِ: "مهيمِنًا" بكسر الميمِ الثانيِة فَبَعُدَ التأويلُ، ومُجاهدٌ ـ رحمَهُ اللهُ ـ إنَّما يَقرأُ هو وابْنُ مُحَيْصِنٍ: "ومهيمَنًا" بفتحِ الميمِ الثانيةِ فهو بِناءُ اسْمِ المَفعولِ، وهو حالٌ مِنَ الكِتابِ مَعطوفٌ على قولِه: "مُصدِّقاً" وعلى هذا يَتَّجهُ أَنَّ المؤتَمَنَ عليه هو ـ محمَّد ـ عليه الصلاةُ والسَّلامُ. قال: وكذلك مَشى مَكّيٌّ رَحِمَهُ اللهُ. وما قالَه ليس فيه ما يَرُدُّ على الطَبَرِيِّ، فإنَّ الطَّبَرِيَّ اسْتَشْكَلَ كونَ "مهيمنًا" حالاً مِنَ الكافِ على قراءةِ مُجاهِدٍ، وأيْضًا فقد قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ بعدَ ذلك: ويُحْتَمَلُ أنْ يَكونَ "مُصَدِّقًا ومُهَيْمِنًا" حالَيْن مِنَ الكافِ في "إليك"، ولا يَخُصُّ ذلك قراءةَ مُجاهدٍ وحدَه كما زَعَمَ مَكِّيٌّ، فالنَّاسُ إنَّما اسْتَشْكلوا كونَهُما حاليْنِ مِنْ كافِ "إليكَ" لِقَلَقِ التَرْكيبِ، وقدْ تَقَدَّمَ ما فيهِ وما نَقلَه الشيخُ من التأويلين، وقولُه: "لا يَخُصُّ ذلك" كلامٌ صحيحٌ، وإنْ كان مَكِيٌّ الْتَزَمَهُ وهو الظاهرُ.
وقولُه: {عليه} في مَوْضِعِ رَفْعٍ على قراءةِ ابْنِ مُحَيْصِنٍ ومُجاهدٍ لِقيامِه مَقامَ الفاعلِ، هذا إذا جعلْنا "مهيمنًا" حالًا مِنَ الكِتابَ، أَمَّا إذا جَعلناهُ حالًا مِنْ كافِ "إليك" فيكونُ القائمُ مقامَ الفاعلِ ضميرًا مستترًا يَعودُ على النبيِّ ـ عليْه الصلاةُ والسلامُ ـ ويَكون "عليه" أيْضًا في محلِّ نصبٍ كما لو قُرِئَ بِه اسمَ فاعلٍ.
قولُه: {عَمَّا جَاءَكَ} قيلَ هو حالٌ، أيْ: عادلًا عمَّا جاءَك، وهذا فيْه نظرٌ مِنْ حيثُ إنَّ "عن" حرفُ جَرٍّ ناقصٌ لا يَقَعُ خَبَرًا عن الجثّةِ، فكذا لا يقعُ حالًا عنها، وحرفُ الجَرِّ الناقصُ إنَّما يَتَعَلَّقُ بكونٍ مُطلَقٍ لا بِكَوْنٍ مُقَيَّدٍ، لكنَّ المُقَيَّدَ لا يَجوزُ حَذْفُه. وقيلَ إنَّ "عَنْ" على بابِها مِنَ المُجاوَزَةِ، لكنْ بِتَضمينِ "تَتَّبع" معنى "تتزَحْزَح وتنحرف" أي: لا تحرف متبِعًا.
قولُه: {مِنَ الحقِّ} هو إمّا حالٌ من الضمير المرفوع في "جاءك"، أو حالٌ مِنْ "ما" الموصولةِ، فيَتعلَّقُ بمَحذوفٍ، ويَجوزُ أَنْ تَكونَ للبَيانِ.
قولُه: {لكلٍّ جَعَلْنا منكم شِرْعةً} كلّ: مُضافةٌ لِشيءٍ مَحذوفٍ، وذلك المَحذوفُ يُحتَمِلُ أنْ يَكونَ لَفظةَ "أمة" أيْ: لِكلِّ أُمَّةٍ، ويُرادُ بهم جميعُ الناسِ مِنَ المُسلمين واليهودِ والنَّصارى، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكونَ ذلك المحذوفُ "الأنبياء" أيْ: لِكلِّ الأنبياءِ المُقدَّمِ ذِكْرُهم. و"جَعَلْنا" يُحتمل أنْ تَكونَ متَعدِّيةً لاثْنيْنِ بمَعنى صَيَّرْنا، فيَكون "لكلٍّ" مفعولًا مُقَدَّمًا، و"شِرْعةً" مفعولٌ ثانٍ. و"منكم" متعلِّقٌ بمَحذوفٍ، أيْ: أَعني مِنكمْ، ولا يَجوزُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بمَحذوفٍ على أنَّه صِفةٌ لـ "كل" لوجهيْن، أَحَدُهُما: أنَّه يَلزَمُ منْه الفَصلُ بيْنَ الصِفَةِ والمَوصوفِ بِقولِه: "جَعَلْنا" وهي جُملةٌ أَجنبيَّةٌ ليس فيها تأكيدٌ ولا تسديدٌ، وما شأنُه كذلك لا يَجوزُ الفصلُ بِه. والثاني، قال أبو البقاءِ: أنَّهُ يَلزَمُ منْه الفصلُ بيْن "جَعَلْنا" وبيْنَ مَعمولِها وهو "شِرْعةً" وفيه نَظَرٌ، فإنَّ العاملَ في "لِكُلٍّ" غيرُ أَجْنَبِيٍّ، ويَدُلُّ على ذلك قولُه: {أَغَيْرَ اللهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ} الأنعام: 14. ففَصَلَ بيْنَ الجَلالَةِ وصِفَتِها بالعَمَلِ في المَفعولِ الأَوَّلِ، وهذا نظيرُه.
وقرأَ إبْراهيمُ النُخَعِيُّ ويَحيى بْنُ وثاب: "شَرْعة" بفتح الشين، كأنَّ المَكسورَ للهَيئَةِ والمفتوحَ مَصدرٌ. والشِرْعةُ في الأصلِ: السُّنَّةُ، ومنْه: {شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدين} الشورى: 13. أيْ: سَنَّ. والشارع: الطريقُ، وهو مِنَ الشَريعةِ التي هي في الأصلِ الطريقُ المُوصِلُ إلى الماءِ، ومنْه قولُه:
وفي الشرائعِ منْ جِلاَّنَ مُقْتَنِصٌ ...... بالي الثيابِ خَفيُّ الصوتِ مُنْزَرِبُ
والمِنْهاجُ: مُشْتَقٌّ مِنَ الطَريقِ النَّهْجِ وهوَ الواضحُ، ومنْه قولُه:
مَنْ يَكُ ذا شَكٍّ فهذا فَلْجُ ....................... ماءٌ رُواءٌ وطريقٌ نَهْجُ
أيْ: واضحٌ، يُقالُ: طَريقٌ مَنْهَجٌ ونَهْجٌ. وقال ابْنُ عَطِيَّةَ: مِنْهاجٌ مِثالُ مبالغةٍ مِنْ نَهَجَ. يَعني نَحو قولِهم: "إنَّهُ لَمِنْحار بَوائِكَها" وهو حَسَنٌ، وهلِ الشِرْعةُ والمِنهاجُ بمعنى، كقول الحطيئة:
أَلا حبَّذا هندٌ وأرضٌ بها هندُ  .......... وهند أتى مِنْ دونِها النَّأْيُ والبُعْدُ
 وكقول عديٍّ بْنِ زيدٍ:
فَقَدَّمَتِ الأَدِيمَ لراهِشَيْهِ ......................... وأَلْفَى قولَها كَذِباً وَمَيْنَا
أو مختلفان؟ فالشِّرْعَةُ ابْتِداءُ الطريقِ، والمِنْهاج الطريقُ المُستَمِرُّ، قالَه المُبرِّدُ، أوِ الشِرْعَةُ الطريقُ واضحًا كان أو غيرَ واضح، والمِنهاجُ الطريقُ الواضِحُ فقط، فالأوَّلُ أَعَمُّ، أو هما الدِّينُ والدَليلُ. خلافٌ مشهورٌ.
قولُه: {ولكن لِّيَبْلُوَكُمْ} متعلقٌ بمحذوفٍ تقديرُه: ولكنْ فَرَّقكم ليبلوكَم. والأحسنُ منه: ولكن لم يَشَأْ جَعْلَكم أمةً واحدة" لدَلالةِ اللَّفظِ والمَعْنى عليه.
وقولُهُ: {جميعًا} حال من "كُم" في "مرجعكم"، والعاملُ في هذه الحالِ: إمَّا المصدرُ المُضافُ إلى "كُم" فإنَّ "كم" يُحتَمَلُ أَنْ يَكونَ فاعلًا، والمَصدرُ يَنْحَلُّ لِحَرْفٍ مَصْدَرِيٍّ وفعلٍ مَبْنِيٍّ للفاعِلِ، والأَصْلُ: "تَرْجعون جميعًا" ويُحْتَمَلُ أنْ يَكونَ مَعفولاً لمْ يُسَمَّ فاعلُه على أنَّ المَصدرَ يَنحَلُّ لفعلٍ مَبنيٍّ للمفعول أي: يُرْجِعُكم الله، وإمَّا أنْ يَعمَلَ فيها الاستقرارُ المُقدَّرُ في الجارِّ "إليه"، و"إليه مَرْجِعُكم" يُحتَمَلُ أنْ يَكونَ مِنْ بابِ الجُمَلِ الفِعْلِيَّةِ أوْ الجُمَلِ الاسْمِيَّةِ، وهذا واضحٌ بما تقدَّمَ في نَظائرِهِ.
وقولُهُ: {فَيُنَبِّئُكم} هنا مِنْ "نَبَّأَ" غيرَ متضمِّنةٍ مَعنى "أَعْلَمَ" فلذلك تَعَدَّت لواحدٍ بِنَفسِها وللآخَرِ بحرفِ الجَرِّ.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
فيض العليم ... سورة المائدة، الآية: 48
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» فيض العليم ... سورة المائدة، الآية: 14
» فيض العليم ... سورة المائدة، الآية: 30
» فيض العليم ... سورة المائدة، الآية: 60
» فيض العليم ... سورة المائدة، الآية: 76
» فيض العليم ... سورة المائدة، الآية: 91

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
روضة الشاعر عبد القادر الأسود :: ...:: الروضة الروحانية ::... :: روضة الذكر الحكيم-
انتقل الى: