روضة الشاعر عبد القادر الأسود
بعد الصلاة على الرحمة المهداة

أهلا وسهلا بك في روضتنا

يسرنا تسجيلك

روضة الشاعر عبد القادر الأسود
بعد الصلاة على الرحمة المهداة

أهلا وسهلا بك في روضتنا

يسرنا تسجيلك

روضة الشاعر عبد القادر الأسود
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

روضة الشاعر عبد القادر الأسود

منتدى أدبي اجتماعي يعنى بشؤون الشعر والأدب والموضوعات الاجتماعي والقضايا اللإنسانية
 
مركز تحميل الروضةالرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
بسـم الله الرحمن الرحيم  :: الحمد لله رب العالمين * الرحمن الرحيم * مالك يوم الدين * إياك نعبد وإياك نستعين * إهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين أنعمت عليهم * غير المغضوب عليهم ولا الضــالين ....  آميـــن

 

 فيض العليم ... سورة المائدة، الآية: 41

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
عبد القادر الأسود

¤° صاحب الإمتياز °¤
¤° صاحب الإمتياز °¤
عبد القادر الأسود


عدد المساهمات : 3986
تاريخ التسجيل : 08/09/2011
العمر : 76
المزاج المزاج : رايق
الجنس : ذكر
فيض العليم ... سورة المائدة، الآية: 41 Jb12915568671



فيض العليم ... سورة المائدة، الآية: 41 Empty
مُساهمةموضوع: فيض العليم ... سورة المائدة، الآية: 41   فيض العليم ... سورة المائدة، الآية: 41 I_icon_minitimeالأحد سبتمبر 01, 2013 7:17 pm

يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قالُوا آمَنَّا بِأَفْواهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَنْ يُرِدِ اللهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللهِ شَيْئاً أُولئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ (41)
قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ} لقد نادى اللهُ ـ سبحانَه ـ كُلَّ الرُّسُلِ بأسمائهم، فقالَ: يا آدمُ، يا نوحُ، يا إبراهيم، يا موسى، يا عيسى، يا زكريا، يا يحيا... إلخ. أمَّا رَسولُ اللهِ محمّدٌ ـ صلّى الله عليه وسلَّمَ ـ فما ناداه باسْمِهِ أَبَدًا، إنَّما ناداهُ اللهُ بالوَصْفِ الزائدِ عنْ مُشَخَّصاتِ الذاتِ فقال: "يا أيُّها الرسول، ويا أيُّها النَبِيُّ، لأنَّه خاتَمُ الرُّسُلِ. نَعَمْ إنَّ الجَميعَ رُسُلُ الله، ولَكنَّه ـ سبحانه ـ يُريدُ أَنْ يُبْلِغَنا أنَّ مُحَمَّدًا هو الرسولُ الذي جاءَ ناسِخًا للكُلِّ ومُؤمِنًا بِهم، صلى اللهُ عليه وعليهم أَجمعين وسلَّم تسليمًا كثيرًا. وهذا نوعٌ مِنَ التكريم. فقد خُوطِبَ ـ عليه الصلاةُ والسلامُ ـ بالرسولِ تَشريفًا وإشعارًا بما يُوجِبُ عدُمُ الحُزنِ، والمُسارعةُ في الشيءِ الوُقوعُ فيه بِسُرعةٍ ورَغْبةٍ، وجاءت "في" بدَلاً مِنْ "إلى" إيذانًا بأنَّهم مُستقرُّون في الكُفْرِ لا يَبْرَحون، وإنَّما يَنتقلون بالمُسارعةِ عن بعضِ فنونِه وأَحكامِه إلى بعضٍ آخرَ، كإظهارِ مُوالاةِ المُشركين وإبرازِ آثارِ الكَيْدِ للإسْلامِ ونحوِ ذلك. و"لا يحزنُك" نهيٌ لهُ ـ عليه الصلاةُ والسلامُ ـ عن التأثُّرِ مِنْ مسارعتِهم في الكُفْرِ، والغرضُ منْه مُجَرَّدُ التَسْلِيَةِ على أَبْلَغِ وَجْهٍ وآكَدِهِ، فإنَّ النَهيَ عنْ أَسبابِ الشيءِ ومَباديهِ المُؤدِّيَةِ إليْه نَهْيٌ عنْه بالطَريقِ البُرهانيِّ وقَطْعٌ لهُ مِنْ أَصلِه. و"لَا يَحْزُنْكَ" تَأْنِيسٌ لِلنَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيْ لَا يَحْزُنْكَ مُسَارَعَتُهُمْ إِلَى الْكُفْرِ، فَإِنَّ اللهَ قَدْ وَعَدَكَ النَّصْرَ عَلَيْهِمْ.
قولُهُ: {مِنَ الذين قَالُواْ آمَنَّا بأفواههم ولم تؤمنْ قُلوبهم} بيانٌ للمُسارِعين في الكُفْرِ، وهم المنافقون، والباءُ متعلِّقةٌ بِـ "قالوا" لا بآمَنَّا لِظهورِ فسادِهِ وتَعَلُّقِها بِه على مَعْنى بِذي أَفْواهِهِم، أيْ يؤمنون بما يَتَفَوَّهون بِهِ مِنْ غيرِ أَنْ تَلْتَفَّ بِه قلوبُهم مما لا يَنْبَغي أنْ يَلْتَفِتَ إليْه مَنْ لَه أَدنى تَمييزٍ. "وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ" أَيْ لَمْ يُضْمِرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ كَمَا نَطَقَتْ بِهِ أَلْسِنَتُهُمْ.
قولُهُ: {وَمِنَ الَّذِينَ هادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ} الذين هادوا: يَعْنِي يَهُودَ الْمَدِينَةِ وَيَكُونُ هَذَا تَمَامَ الْكَلَامِ، ثُمَّ ابْتَدَأَ فَقَالَ: "سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ" أَيْ هُمْ سَمَّاعون، ومثله: {طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ} النور: 58. وَقِيلَ الِابْتِدَاءُ مِنْ قَوْلِهِ: "وَمِنَ الَّذِينَ هادُوا" أيْ وَمِنَ الذِينَ هَادُوا قَوْمٌ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ، أَيْ قَابِلُونَ لِكَذِبِ رُؤَسَائِهِمْ مِنْ تَحْرِيفِ التَّوْرَاةِ. وَقِيلَ: أَيْ يَسْمَعُونَ كَلَامَكَ يَا مُحَمَّدُ لِيَكْذِبُوا عَلَيْكَ، فَكَانَ فِيهِمْ مَنْ يَحْضُرُ النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ ثُمَّ يَكْذِبُ عَلَيْهِ عِنْدَ عَامَّتِهِمْ، وَيُقَبِّحُ صُورَتَهُ فِي أَعْيُنِهِمْ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ: "سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ" وَكَانَ فِي الْمُنَافِقِينَ مَنْ يَفْعَلُ هَذَا.
قَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: إِنَّ اللهَ ـ سُبْحَانَهُ ـ ذَكَرَ الْجَاسُوسَ فِي الْقُرْآنِ
بِقَوْلِهِ: "سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ" وَلَمْ يَعْرِضِ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ لَهُمْ مَعَ عِلْمِهِ بِهِمْ، لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ حِينَئِذٍ تَقَرَّرَتِ الْأَحْكَامُ وَلَا تَمَكَّنَ الْإِسْلَامُ.
قَوْلُهُ: {يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ} أَيْ يَتَأَوَّلُونَهُ عَلَى غَيْرِ تَأْوِيلِهِ بَعْدَ أَنْ فَهِمُوهُ عَنْكَ وَعَرَفُوا مَوَاضِعَهُ الَّتِي أَرَادَهَا اللهُ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ وَبَيَّنَ أَحْكَامَهُ، فَقَالُوا: شَرْعُهُ تَرْكُ الرَّجْمِ، وَجَعْلُهُمْ بَدَلَ رَجْمِ الْمُحْصَنِ جَلْدَ أَرْبَعِينَ تَغْيِيرًا لِحُكْمِ اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ. وَالتَّحْرِيفُ إِنَّمَا هُوَ مِمَّنْ يَشْهَدُ وَيَسْمَعُ فَيُحَرِّفُ. وَالْمُحَرِّفُونَ مِنَ الْيَهُودِ بَعْضُهُمْ لَا كُلُّهُمْ، وَلِذَلِكَ كَانَ حَمْلُ الْمَعْنَى عَلَى "مِنَ الَّذِينَ هادُوا" فَرِيقٌ سَمَّاعُونَ أَشْبَهَ.
قولُه: {يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ} أَيْ إِنْ أَتَاكُمْ مُحَمَّدٌ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ بِالْجَلْدِ فَاقْبَلُوا وَإِلَّا فَلَا.
قَوْلُهُ: {وَمَنْ يُرِدِ اللهُ فِتْنَتَهُ) أَيْ ضَلَالَتَهُ فِي الدُّنْيَا وَعُقُوبَتَهُ فِي الْآخِرَةِ.
قولُه: {فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللهِ شَيْئًا} أَيْ فَلَنْ تَنْفَعَهُ شيئًا ولن يستطيع أحدٌ أن يدفع عنه شيئًا من عذاب الله ـ سبحانه.
قولُه: {أُولئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ} بَيَانٌ مِنْهُ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ أَنَّهُ قَضَى عَلَيْهِمْ بِالْكُفْرِ. وَدَلَّتِ الْآيَةُ عَلَى أَنَّ الضَّلَالَ بِمَشِيئَةِ اللهِ تَعَالَى رَدًّا عَلَى مَنْ قَالَ خِلَافَ ذَلِكَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، أَيْ لَمْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ مِنَ الطَّبْعِ عَلَيْهَا وَالْخَتْمِ كَمَا طَهَّرَ قُلُوبَ الْمُؤْمِنِينَ ثَوَابًا لَهُمْ.
قولُه: {لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ} قِيلَ: هُوَ فَضِيحَتُهُمْ حِينَ أَنْكَرُوا الرَّجْمَ، ثُمَّ أُحْضِرَتِ التَّوْرَاةُ فَوُجِدَ فِيهَا الرَّجْمُ. وَقِيلَ: خِزْيُهُمْ فِي الدُّنْيَا أَخْذُ الْجِزْيَةِ والذِلُّ. واللهُ أَعْلَمُ.
وفِي سَبَبِ نُزُولِهَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: قِيلَ نَزَلَتْ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرِ، قَتَلَ قُرَظِيٌّ نَضِيرِيًّا وَكَانَ بَنُو النَّضِيرِ إِذَا قَتَلُوا مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ لَمْ يُقِيدُوهُمْ، وَإِنَّمَا يُعْطُونَهُمُ الدِّيَةَ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ، فَتَحَاكَمُوا إِلَى النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فَحَكَمَ بِالتَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْقُرَظِيِّ وَالنَّضِيرِيِّ، فَسَاءَهُمْ ذَلِكَ وَلَمْ يَقْبَلُوا. وَقِيلَ، إِنَّهَا نَزَلَتْ فِي شَأْنِ أَبِي لُبَابَةَ حِينَ أَرْسَلَهُ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ إلى بني قُريظةَ فَخَانَهُ حِينَ أَشَارَ إِلَيْهِمْ أَنَّهُ الذَّبْحُ، كان ذلك يومَ حِصارِهم، فَسَأَلوهُ ما الأمرُ؟ وعلامَ نَنْزِلُ مِنَ الحُكمِ؟ فأشارَ إلى حَلْقِهِ بمَعنَى أنَّه الذبحُ. وَقِيلَ: إِنَّهَا نَزَلَتْ فِي زِنَى الْيَهُودِيَّيْنِ وَقِصَّةِ الرَّجْمِ، وهذا أصح الأقوالِ، رواه الْأَئِمَّةُ مَالِكٌ وَالْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ أَنَّ النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ قَالَ لَهُمْ: ((ائْتُونِي بِأَعْلَمِ رَجُلَيْنِ مِنْكُمْ)) فَجَاءُوا بِابْنَيْ صُورِيَّا فَنَشَدَهُمَا اللهَ تَعَالَى ((كَيْفَ تَجِدَانِ أَمْرَ هَذَيْنَ فِي التَّوْرَاةِ))؟ قَالَا: نَجِدُ فِي التَّوْرَاةِ إِذَا شَهِدَ أَرْبَعَةٌ أَنَّهُمْ رَأَوْا ذَكَرَهُ فِي فَرْجِهَا كَالْمِرْوَدِ فِي الْمُكْحُلَةِ رُجِمَا. قَالَ: ((فَمَا يَمْنَعُكُمَا أَنْ تَرْجُمُوهُمَا))، قَالَا: ذَهَبَ سُلْطَانُنَا فَكَرِهْنَا الْقَتْلَ. فَدَعَا النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ بِالشُّهُودِ، فَجَاءُوا فَشَهِدُوا أَنَّهُمْ رَأَوْا ذَكَرَهُ فِي فَرْجِهَا مِثْلَ الْمِيلِ فِي الْمُكْحُلَةِ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ بِرَجْمِهِمَا. وَفِي غَيْرِ الصَّحِيحَيْنِ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ جَابِرٍ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: زَنَى رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ فَدَكَ، فَكَتَبَ أَهْلُ فَدَكَ إِلَى نَاسٍ مِنَ الْيَهُودِ بِالْمَدِينَةِ أَنْ سَلُوا مُحَمَّدًا عَنْ ذَلِكَ، فَإِنْ أَمَرَكُمْ بِالْجَلْدِ فَخُذُوهُ، وَإِنْ أَمَرَكُمْ بِالرَّجْمِ فَلَا تَأْخُذُوهُ، فَسَأَلُوهُ فَدَعَا بِابْنِ صُورِيَّا وَكَانَ عَالِمَهُمْ وَكَانَ أَعْوَرَ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((أَنْشُدُكَ اللهَ كَيْفَ تَجِدُونَ حَدَّ الزَّانِي فِي كِتَابِكُمْ))، فَقَالَ ابْنُ صُورِيَّا: فَأَمَّا إِذْ نَاشَدْتَنِي اللهَ فَإِنَّا نَجِدُ فِي التَّوْرَاةِ أَنَّ النَّظَرَ زَنْيَةٌ، وَالِاعْتِنَاقَ زَنْيَةٌ، وَالْقُبْلَةَ زَنْيَةٌ، فَإِنْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ بِأَنَّهُمْ رَأَوْا ذَكَرَهُ فِي فَرْجِهَا مِثْلَ الْمِيلِ فِي الْمُكْحُلَةِ فَقَدْ وَجَبَ الرَّجْمُ. فَقَالَ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((هُوَ ذَاكَ)). وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: مُرَّ عَلَى النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ بِيَهُودِيٍّ مُحَمَّمًا (مَطْلِيَّ الوَجْهِ بالفَحْمِ) مَجْلُودًا، فَدَعَاهُمْ فَقَالَ: ((هَكَذَا تَجِدُونَ حَدَّ الزَّانِي فِي كِتَابِكُمْ)) قَالُوا: نَعَمْ. فَدَعَا رَجُلًا مِنْ عُلَمَائِهِمْ فَقَالَ: ((أَنْشُدُكَ بِاللهِ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى أَهَكَذَا تَجِدُونَ حَدَّ الزَّانِي فِي كِتَابِكُمْ)) قَالَ: لَا، وَلَوْلَا أَنَّكَ نَشَدْتَنِي بِهَذَا لَمْ أُخْبِرْكَ، نَجِدُهُ الرَّجْمَ، وَلَكِنَّهُ كَثُرَ فِي أَشْرَافِنَا فَكُنَّا إِذَا أَخَذْنَا الشَّرِيفَ تَرَكْنَاهُ، وَإِذَا أَخَذْنَا الضَّعِيفَ أَقَمْنَا عَلَيْهِ الْحَدَّ، قُلْنَا: تَعَالَوْا فلْنَجْتَمعْ على شيْءٍ نُقِيمُهُ عَلَى الشَّرِيفِ وَالْوَضِيعِ، فَجَعَلْنَا التَّحْمِيمَ وَالْجَلْدَ مَكَانَ الرَّجْمِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((اللَّهُمَّ إِنِّي أَوَّلُ مَنْ أَحْيَا أَمْرَكَ إِذْ أَمَاتُوهُ)) فَأَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى: "يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ" إِلَى قَوْلِهِ: "إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ" يَقُولُ: ائْتُوا مُحَمَّدًا، فَإِنْ أَمَرَكمْ بالتَحميمِ وَالْجَلْدِ فَخُذُوهُ وَإِنْ أَفْتَاكُمْ بِالرَّجْمِ فَاحْذَرُوا، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ} المائدة: 44، {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} المائدة: 45، {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ} المائدة: 47، فِي الْكُفَّارِ كُلُّهَا. هَكَذَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ (مُرَّ عَلَى النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: أُتِيَ بِيَهُودِيٍّ وَيَهُودِيَّةٍ فد زَنَيَا فَانْطَلَقَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ حَتَّى جاء يَهودُ، قل: ((مَا تَجِدُونَ فِي التَّوْرَاةِ عَلَى مَنْ زَنَى)). الْحَدِيثَ. وَفِي رِوَايَةٍ، أَنَّ الْيَهُودَ جَاءُوا إِلَى رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ بِرَجُلٍ وَامْرَأَةٍ قَدْ زَنَيَا. وَفِي كِتَابِ أَبِي دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: أَتَى نَفَرٌ مِنَ الْيَهُودِ، فَدَعَوْا رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ إِلَى الْقُفِّ (وادٍ مِنْ أَوْدِيَةِ المَدينةِ) فَأَتَاهُمْ فِي بَيْتِ الْمِدْرَاسِ (البيت الذي يَدرُسون فيه) فَقَالُوا: يَا أَبَا الْقَاسِمِ، إِنَّ رَجُلًا مِنَّا زَنَى بِامْرَأَةٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا. وَلَا تَعَارُضَ في شيءٍ مِنْ هَذَا كُلِّهِ، وَهِيَ كُلُّهَا قِصَّةٌ وَاحِدَةٌ، وفد سَاقَهَا أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ سِيَاقَةً حَسَنَةً فَقَالَ: زَنَى رَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ وَامْرَأَةٌ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: اذْهَبُوا بِنَا إِلَى هَذَا النَّبِيِّ، فَإِنَّهُ نَبِيٌّ بُعِثَ بِالتَّخْفِيفَاتِ، فَإِنْ أَفْتَى بِفُتْيَا دُونَ الرَّجْمِ قَبِلْنَاهَا وَاحْتَجَجْنَا بِهَا عِنْدَ اللهِ، وَقُلْنَا فُتْيَا نَبِيٍّ مِنْ أَنْبِيَائِكَ، قَالَ: فَأَتَوُا النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَهُوَ جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ فِي أَصْحَابِهِ، فَقَالُوا: يَا أَبَا الْقَاسِمِ مَا تَرَى فِي رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ مِنْهُمْ زَنَيَا؟ فَلَمْ يُكَلِّمْهُمُ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ حَتَّى أَتَى بَيْتَ مِدْرَاسِهِمْ، فَقَامَ عَلَى الْبَابِ، فَقَالَ: ((أَنْشُدُكُمْ بِاللهِ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى مَا تَجِدُونَ فِي التَّوْرَاةِ عَلَى مَنْ زَنَى إِذَا أُحْصِنَ))، فَقَالُوا: يُحَمَّمُ وَجْهُهُ وَيُجَبَّهُ وَيُجْلَدُ، وَالتَّجْبِيَةُ أَنْ يُحْمَلَ الزَّانِيَانِ عَلَى حِمَارٍ وَتُقَابَلَ أَقْفِيَتُهُمَا وَيُطَافَ بِهِمَا، قَالَ: وَسَكَتَ شَابٌّ مِنْهُمْ، فَلَمَّا رَآهُ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ سَكَتَ أَلَظَّ (ألحَّ) بِهِ النِّشْدَةَ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِذْ نَشَدْتَنَا فَإِنَّا نَجِدُّ فِي التَّوْرَاةِ الرَّجْمَ. وَسَاقَ الْحَدِيثَ إِلَى أَنْ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((فإنّي أحْكُمُ بما في التَوراةِ)) فأَمَرَ بِه فرُجِما. وَالْحَاصِلُ مِنْ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ أَنَّ الْيَهُودَ حَكَّمَتِ النَّبِيَّ ـ عليه الصَلاةُ وَالسَلامُ ـ فَحَكَمَ عَلَيْهِمْ بِمُقْتَضَى مَا فِي التَّوْرَاةِ. وَاسْتَنَدَ فِي ذَلِكَ إِلَى قَوْلِ ابْنَيْ صُورِيَّا، وَأَنَّهُ سَمِعَ شَهَادَةَ الْيَهُودِ وَعَمِلَ بِهَا، وَأَنَّ الْإِسْلَامَ لَيْسَ شَرْطًا فِي الْإِحْصَانِ. فَهَذِهِ مَسَائِلُ أَرْبَعٌ. فَإِذَا تَرَافَعَ أَهْلُ الذِّمَّةِ إِلَى الْإِمَامِ، فَإِنْ كَانَ مَا رَفَعُوهُ ظُلْمًا كَالْقَتْلِ وَالْعُدْوَانِ وَالْغَصْبِ حَكَمَ بَيْنَهُمْ، وَمَنَعَهُمْ مِنْهُ بِلَا خِلَافٍ. وَأَمَّا إِذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَالْإِمَامُ مُخَيَّرٌ فِي الْحُكْمِ بَيْنَهُمْ وَتَرْكِهِ عِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ، غَيْرَ أَنَّ مَالِكًا رَأَى الْإِعْرَاضَ عَنْهُمْ أَوْلَى، فَإِنْ حَكَمَ حَكَمَ بَيْنَهُمْ بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي الْحُدُودِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَهُوَ قَوْلُ الزُّهْرِيِّ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالْحَكَمِ، وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ} المائدة: 49. عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ بَعْدُ، احْتَجَّ مَالِكٌ بقولِه تعالى: {فَإِنْ جاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} المائدة: 42. وَهِيَ نَصٌّ فِي التَّخْيِيرِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إِذَا جَاءَ الْأَسَاقِفَةُ وَالزَّانِيَانِ فَالْحَاكِمُ مُخَيَّرٌ، لِأَنَّ إِنْفَاذَ الْحُكْمِ حَقٌّ لِلْأَسَاقِفَةِ. وَالْمُخَالِفُ يَقُولُ: لَا يُلْتَفَتُ إِلَى الْأَسَاقِفَةِ. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَهُوَ الأصح، لان مسلمين لَوْ حَكَّمَا بَيْنَهُمَا رَجُلًا لَنَفَذَ، وَلَمْ يُعْتَبَرْ رِضَا الْحَاكِمِ. فَالْكِتَابِيُّونَ بِذَلِكَ أَوْلَى. وَقَالَ عِيسَى عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ: لَمْ يَكُونُوا أَهْلَ ذِمَّةٍ إِنَّمَا كَانُوا أَهْلَ حَرْبٍ. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ عِيسَى عَنْهُ إِنَّمَا نَزَعَ بِهِ لِمَا رَوَاهُ الطَّبَرِيُّ وَغَيْرُهُ: أَنَّ الزَّانِيَيْنِ كَانَا مِنْ أَهْلِ خَيْبَرَ أَوْ فَدَكَ، وَكَانُوا حَرْبًا لِرَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَكَانُوا بَعَثُوا إِلَى يَهُودَ الْمَدِينَةِ يَقُولُونَ لَهُمُ اسْأَلُوا مُحَمَّدًا عَنْ هَذَا، فَإِنْ أَفْتَاكُمْ بِغَيْرِ الرَّجْمِ فَخُذُوهُ مِنْهُ وَاقْبَلُوهُ، وَإِنْ أَفْتَاكُمْ بِهِ فَاحْذَرُوهُ، الْحَدِيثَ. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَهَذَا لَوْ كَانَ صَحِيحًا لَكَانَ مَجِيئُهُمْ بِالزَّانِيَيْنِ وَسُؤَالُهُمْ عَهْدًا وَأَمَانًا، وَإِنْ لَمْ يكن عهدٌ وذِمَّةٌ لكانَ لَهُ حُكْمُ الْكَفِّ عَنْهُمْ وَالْعَدْلِ فِيهِمْ، فَلَا حُجَّةَ لِرِوَايَةِ عِيسَى فِي هَذَا، وَعَنْهُمْ أَخْبَرَ اللهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ: {سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ} وَلَمَّا حَكَّمُوا النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ نَفَّذَ الْحُكْمَ عَلَيْهِمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمُ الرُّجُوعُ، فَكُلُّ مَنْ حَكَّمَ رَجُلًا فِي الدِّينِ فَأَصْلُهُ هَذِهِ الْآيَةُ. قال مالك: إذا حَكَّمَ رَجُلًا فَحُكْمُهُ مَاضٍ وَإِنْ رُفِعَ إِلَى قَاضٍ أَمْضَاهُ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ جَوْرًا بَيِّنًا. وَقَالَ سحنون: يمضيه إنْ رَآهُ صَوابًا. قال ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَذَلِكَ فِي الْأَمْوَالِ وَالْحُقُوقِ الَّتِي تَخْتَصُّ بِالطَّالِبِ، فَأَمَّا الْحُدُودُ فَلَا يَحْكُمُ فِيهَا إِلَّا السُّلْطَانَ، وَالضَّابِطُ أَنَّ كُلَّ حَقٍّ اخْتُصَّ بِهِ الْخَصْمَانِ جَازَ التَّحْكِيمُ فِيهِ وَنُفِّذَ تَحْكِيمُ الْمُحَكَّمِ فِيهِ، وَتَحْقِيقُهُ أَنَّ التَّحْكِيمَ بَيْنَ النَّاسِ إِنَّمَا هُوَ حَقُّهُمْ لَا حَقَّ الْحَاكِمِ بَيْدَ أَنَّ الِاسْتِرْسَالَ عَلَى التَّحْكِيمِ خَرْمٌ لِقَاعِدَةِ الْوِلَايَةِ، فَلَا بُدَّ مِنْ فَاصِلٍ، فَأَمَرَ الشَّرْعُ بِنَصْبِ الْوَالِي لِيَحْسِمَ قَاعِدَةَ الْهَرْجِ، وَأَذِنَ فِي التَّحْكِيمِ تَخْفِيفًا عَنْهُ وَعَنْهُمْ فِي مَشَقَّةِ التَّرَافُعِ لِتَتِمَّ الْمَصْلَحَتَانِ وَتَحْصُلَ الْفَائِدَةُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ: التَّحْكِيمُ جَائِزٌ وَإِنَّمَا هُوَ فَتْوًى. وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: إِنَّمَا كَانَ حَكَمَ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ عَلَى الْيَهُودِ بِالرَّجْمِ إِقَامَةً لِحُكْمِ كِتَابِهِمْ، لِمَا حَرَّفُوهُ وَأَخْفَوْهُ وَتَرَكُوا الْعَمَلَ بِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَالَ: ((اللَّهُمَّ إِنِّي أَوَّلُ مَنْ أَحْيَا أَمْرَكَ إِذْ أَمَاتُوهُ)) وَأَنَّ ذَلِكَ كَانَ حِينَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ، وَلِذَلِكَ اسْتَثْبَتَ ابْنَيْ صُورِيَّا عَنْ حُكْمِ التَّوْرَاةِ وَاسْتَحْلَفَهُمَا عَلَى ذَلِكَ. وَأَقْوَالُ الْكُفَّارِ فِي الْحُدُودِ وَفِي شَهَادَتِهِمْ عَلَيْهَا غَيْرُ مَقْبُولَةٍ بِالْإِجْمَاعِ، لَكِنْ فَعَلَ ذَلِكَ عَلَى طَرِيقِ إِلْزَامِهِمْ مَا الْتَزَمُوهُ وَعَمِلُوا بِهِ. وَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ بكون حُصُولُ طَرِيقِ الْعِلْمِ بِذَلِكَ الْوَحْيَ، أَوْ مَا أَلْقَى اللهُ فِي رَوْعِهِ مِنْ تَصْدِيقِ ابْنَيْ صُورِيَّا فِيمَا قَالَاهُ مِنْ ذَلِكَ لَا قَوْلُهُمَا مُجَرَّدًا، فَبَيَّنَ لَهُ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَأَخْبَرَ بِمَشْرُوعِيَّةِ الرَّجْمِ، وَمَبْدَؤُهُ ذَلِكَ الْوَقْتُ، فَيَكُونُ أَفَادَ بِمَا فَعَلَهُ إِقَامَةَ حُكْمِ التَّوْرَاةِ، وَبَيَّنَ أَنَّ ذَلِكَ حُكْمُ شَرِيعَتِهِ، وَأَنَّ التَّوْرَاةَ حُكْمُ اللهِ سُبْحَانَهُ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا} المائدة: 44. وَهُوَ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ. وَقَدْ قَالَ عَنْهُ أَبُو هُرَيْرَةَ: ((فَإِنِّي أَحْكُمُ بِمَا فِي التَّوْرَاةِ))
وَاللهُ أَعْلَمُ.
وَالْجُمْهُورُ عَلَى رَدِّ شَهَادَةِ الذِّمِّيِّ، لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا فَلَا تُقْبَلُ عَلَى مُسْلِمٍ وَلَا عَلَى كَافِرٍ، وَقَدْ قَبِلَ شَهَادَتَهُمْ جماعةٌ مِنَ التابعين وغيرِهم إذا لَمْ يُوجَدْ مُسْلِمٌ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ آخِرَ السُّورَةِ. فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ حَكَمَ ـ صلى الله عليه وسلَّمَ ـ بِشَهَادَتِهِمْ وَرَجَمَ الزَّانِيَيْنِ: فَالْجَوَابُ، أَنَّهُ إِنَّمَا نَفَّذَ عَلَيْهِمْ مَا عَلِمَ أَنَّهُ حُكْمُ التَّوْرَاةِ وَأَلْزَمَهُمُ الْعَمَلَ بِهِ، عَلَى نَحْوِ مَا عَمِلَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ إِلْزَامًا لِلْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ، وَإِظْهَارًا لِتَحْرِيفِهِمْ وَتَغْيِيرِهِمْ، فَكَانَ مُنَفِّذًا لَا حَاكِمًا. وَهَذَا عَلَى التَّأْوِيلِ الأَوَّلِ، وعلى مَا ذُكِرَ مِنِ الِاحْتِمَالِ فَيَكُونُ ذَلِكَ خَاصًّا بِتِلْكَ الْوَاقِعَةِ، إِذْ لَمْ يُسْمَعْ فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ مَنْ قَبِلَ شَهَادَتَهُمْ فِي مِثْلِ ذَلِكَ. وَاللهُ أَعْلَمُ.
قولُه تعالى: {يا أيّها} يا: حرفُ الإقبالِ ودخوله على "المُنادى" يفيد طلَبَ إقباله.
{لاَ يَحْزُنْكَ الذين} قد تقدَّم أنَّ "يَحْزُنُ" يُقرأُ بفتحِ الياءِ وضَمِّها وأَنَّهُما لُغَتَانِ، حَزَنَهُ لُغَةُ قُرَيْشٍ، وَأَحْزَنَهُ لُغَةْ تَمِيمٍ، وَقَدْ قُرِئَ بِهِمَا. وَاحْتَزَنَ وَتَحَزَّنَ بِمَعْنًى. والنهيُ للذين في الظاهرِ وهو مِنْ بابِ قولِه: "لا أُرَيَنَّكَ ههنا" أي: لا تتعاطَ أسبابًا يحصُلُ لكَ بها حُزْنٌ مِنْ جِهَتِهم، وقولُ أَبي البَقاءِ: "والجَيِّدُ فتْحُ الياءِ وضَمُّ الزايِ، ويُقرَأُ بِضَمِّ الياءِ وكَسْرِ الزايِ مِنْ أَحْزَنَني وهي لغةٌ"، ليس بِجَيِّدٍ، لأنَّها قراءةٌ مُتواترةٌ، وقد تقدَّمَ دَليلُها في آل عُمرانَ.
قولُهُ: {يُسارعون في الكفرِ} يُسارعون: مِنَ المُسارَعَةِ، و"في الكفرِ"
متعلِّقٌ بالفعلِ قبلَه، وقد تقدَّم نظيرُها في آلِ عمران.
قولُه: {مِنَ الذين قالوا} يَجوزُ أَنْ يَكونَ حالًا مِنَ الفاعلِ في "يُسارعون" أي: يُسارعون حالَ كونِهم بعضَ الذين قالوا، ويَجوزُ أنْ يَكونَ حالًا منْ نفسِ المَوصولِ وهو قريبٌ مِنْ مَعنى الأوَّلِ، ويَجوزُ أنْ تَكونَ "مِنْ" بيانًا لِجِنْسِ الموصولِ الأوَّلِ وكذلك "مِنْ" الثانية، فتَكون تَبْيينًا وتقسيمًا للذين يُسارعون في الكُفْرِ، ويَكونُ "سَمَّاعون" على هذا خبرَ مُبْتَدَأٍ محذوفٍ. و"آمنَّا" منصوبٌ بـ "قالوا" وبـ "أَفواهِهم" متعلِّقٌ بـ "قالوا" لا بـ "آمنًّا" بمعنى أنَّه لم يُجَاوِزْ قولُهم أفواهَهم، إنَّما نطقوا به غيرَ معتقدين له بقلوِبهم وقوله: {وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ} جملةٌ حاليَّةٌ.
قوله: {وَمِنَ الذين هِادُواْ سمّاعون للكذب} معطوفٌ على "من الذين قالوا" بيانًا وتقسيمًا. ويمكن أن يكونَ خبرًا مقدَّمًا، و"سَمَّاعون" مبتدأ والتقدير: "ومنَ الذين هادوا قومٌ سَمَّاعون" فتكونُ جملةً مُستَأنَفَةً، إلَّا أنَّ الوَجْهَ الأوَّلَ مُرَجَّحٌ بقِراءةِ الضَحَّاكِ: "سَمَّاعين" نصبًا على الذَّمِّ بفعلٍ مَحذوفٍ، فهذا يَدُلُّ على أنَّ الكلامَ ليس جُمْلَةً مُسْتَقِلَّةً، بل قوله: "وَمِنَ الذين هِادُواْ" عطفٌ على "من الذين قالوا". وقولُه "سَمَّاعون" مثالُ مُبالَغَةٍ، و"للكذبِ" اللامُ زائدةٌ، و"الكذب" هو المفعولُ، أي: سَمَّاعون الكَذِبَ، وزيادةُ اللامِ هنا مُطَّرِدَةٌ لكونِ العاملِ فَرْعًا فَقَوِيَ باللَّامِ، ومثلُه: {فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ} هود: 107. أو أنَّ اللامَ على بابِها مِنَ التَعليلَ، ومفعولُ "سَمَّاعون" محذوفٌ، أي: سَمَّاعون أخبارَكم وأَحاديثَكم لِيَكْذِبوا فيها بالزِيادةِ والنقصِ والتبديلِ، بأَنْ يُرْجِفوا بقتْلِ المؤمنين في السَرايا كَما نُقِلَ عنْهم مَخازٍ.
وقولُه: {سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ لم يأتوك} يَجوزُ أنْ تَكونَ هذه تَكريرًا للأولى، فعلى هذا يَجوزُ أَنْ يتعلَّقَ قولُه "لقوم" بنفسِ الكَذِبِ أي: يَسْمعون لِيكْذِبوا لأَجْلِ قَوْمٍ، ويَجوزُ أنْ تتعلَّق اللامُ بنفسِ "سَمَّاعون" أي: سَمَّاعون لأَجْلِ قومٍ لم يَأتوكَ لأنَّهم لِبُغْضِهم لا يَقرَبونَ مَجْلِسَكَ وهُمُ اليَهودُ، و"لم يأتوك" في محلِّ جرٍّ صفةً لِـ "قوم".
قولُه: {يُحَرِّفُونَ الكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ يقولون} فعل وفاعلٌ و"الكَلِمَ" مفعولٌ به، وجملةُ: "يُحَرِّفُونَ" صِفَةٌ لـ "سَمَّاعون" أي: سَمَّاعون مُحَرِّفون، أوْ حالٌ منَ الضميرِ في "سَمَّاعون" ويَجوزُ أنْ تكونَ استِئنَافًا لا مَحَلَّ لَه، ويَجوزُ أنْ تَكونَ خبرَ مُبتدأٍ محذوفٍ، أي: هُمْ مُحَرِّفون، ويَجوزُ أَنْ تَكونَ في محلِّ جرٍّ صِفةً لـ "قوم" أي: لِقَوْمٍ مُحَرِّفين. و"مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ" قدْ تقَدَّمَ في "النساء" و"يقولون" ك "يحرِّفون" ويَجوزُ أنْ يكونَ حالًا مِنْ ضميرِ "يحرفون".
قولُهُ: {إِنْ أُوتِيتُمْ هذا} جُمْلَةٌ شَرْطِيَّةٌ مَفعولةٌ بالقولِ، و"هذا" مفعولٌ ثان لأُوتِيتُم، والأوَّلُ قائمٌ مَقامَ الفاعِلِ، والفاءُ جَوابُ الشَرْطِ وهي واجبةٌ لِعَدَمِ صلاحِيَةِ الجَزاءِ لأنْ يَكونَ شَرْطًا.
وقولُهُ: {وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ} كسابقتِها تمامًا في الإعراب ، فهي معطوفةٌ
عليها.
قولُهُ: {وَمَن يُرِدِ اللهُ فتنتَه} مَنْ: شرطيَّةٌ، و"يُرِدْ" فعلُ الشَرْطِ، مَجزومٌ
به، و"اللهُ" فاعلٌ و"فتنتَه" مفعولٌ به والهاء: مضاف إليه.
وقولُه: {فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللهِ شَيْئًا} فَلَن تَمْلِكَ: جوابُ الشرطِ، والفاءُ أيْضًا واجبةٌ لِمَا تقدَّمَ، و"شيئًا" مفعولٌ بِهِ أوْ مَصْدَرٌ. و"من الله" متعلقٌ بـ "تملكَ"، وقيل: هو حالٌ من "شيئًا" لأنَّه صِفَتُه في الأصلِ.
قولُهُ: {أُولئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللهُ} أولئك: مبتدأٌ، و"لَمْ يُرِدِ اللهُ" جُملةٌ فِعْلِيَّةٌ خَبَرُه.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
فيض العليم ... سورة المائدة، الآية: 41
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» فيض العليم ... سورة المائدة، الآية: 17
» فيض العليم ... سورة المائدة، الآية: 33
» فيض العليم ... سورة المائدة، الآية: 47
» فيض العليم ... سورة المائدة، الآية: 62
» فيض العليم ... سورة المائدة، الآية: 79

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
روضة الشاعر عبد القادر الأسود :: ...:: الروضة الروحانية ::... :: روضة الذكر الحكيم-
انتقل الى: