روضة الشاعر عبد القادر الأسود
بعد الصلاة على الرحمة المهداة

أهلا وسهلا بك في روضتنا

يسرنا تسجيلك

روضة الشاعر عبد القادر الأسود
بعد الصلاة على الرحمة المهداة

أهلا وسهلا بك في روضتنا

يسرنا تسجيلك

روضة الشاعر عبد القادر الأسود
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

روضة الشاعر عبد القادر الأسود

منتدى أدبي اجتماعي يعنى بشؤون الشعر والأدب والموضوعات الاجتماعي والقضايا اللإنسانية
 
مركز تحميل الروضةالرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
بسـم الله الرحمن الرحيم  :: الحمد لله رب العالمين * الرحمن الرحيم * مالك يوم الدين * إياك نعبد وإياك نستعين * إهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين أنعمت عليهم * غير المغضوب عليهم ولا الضــالين ....  آميـــن

 

 فيض العليم ... سورة آل عمران، الآية: 161

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
عبد القادر الأسود

¤° صاحب الإمتياز °¤
¤° صاحب الإمتياز °¤
عبد القادر الأسود


عدد المساهمات : 3986
تاريخ التسجيل : 08/09/2011
العمر : 76
المزاج المزاج : رايق
الجنس : ذكر
فيض العليم ... سورة آل عمران، الآية:  161 Jb12915568671



فيض العليم ... سورة آل عمران، الآية:  161 Empty
مُساهمةموضوع: فيض العليم ... سورة آل عمران، الآية: 161   فيض العليم ... سورة آل عمران، الآية:  161 I_icon_minitimeالأربعاء مارس 27, 2013 3:54 am

وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ
يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ
وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ.
(161)


قولُه
ـ تبارك وتعالى: {
وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ} أيْ ما صَحَّ ولا اسْتَقامَ لنبيٍّ مِن الأنبياءِ أنْ
يَخونَ في المَغْنَمِ لأنَّ الخِيانةَ تُنافي النُّبوَّةَ، وأصلُ الغَلِّ الأخذُ بِخِفْيَةٍ،
ولِذا اسْتُعْمِلَ في السَرِقة ثمَّ خُصَّ في اللُّغةِ بالسَرِقة من المغنمِ قبلَ
القِسمةِ وتُسمَّى غُلولاً أيضاً، قيلَ: وسُمِّيَتْ بذلك لأنَّ الأيدي فيها مغلولةٌ
أيْ ممنوعَةٌ مجعولٌ فيها غِلٌّ وهي الحديدةُ التي تَجمَعُ يَدَ الأسيرِ إلى عُنُقِه،
وفي هذه الآية الكريمة يُنَزِّهُ اللهُ ـ تَعَالَى ـ رَسُولَهُ الكَرِيمَ عَنْ
أخْذِ شَيءٍ مِنَ المَغْنَمِ خِلْسَةً "عَنِ الغُلُولِ"، وَعَنِ الخِيَانَةِ
فِي أَدَاءِ الأَمَانَةِ، فَقَالَ ـ تَعَالَى: مَا يَنْبَغِي لِنَبيٍّ أنْ يَغُلَّ
لأنَّ اللهَ عَصَمَهُ مِنْ ذَلِكَ وَيُهَدِّدُ اللهُ تَعَالَى مِنْ يَغُلُّ
بأنَّهُ سَيَأتِي يَوْمَ القِيَامَةِ وَهُوَ يَحْمِلُ مَا غَلَّ لِيُحَاسَبَ
عَلَيهِ، وَاللهُ لاَ يَظْلِمُ أَحَداً مِنْ خَلْقِهِ.



قيل
إنَّه لَمَّا أَخَلَّ الرُّمَاةُ يَوْمَ أُحُدٍ بِمَرَاكِزِهِمْ ـ عَلَى مَا
تَقَدَّمَ ذكرُه ـ خَوْفًا مِنْ أَنْ يَسْتَوْلِيَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى
الْغَنِيمَةِ فلا يُصرَفُ إليهم شيءٌ، بَيَّنَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ أَنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَجُورُ فِي الْقِسْمَةِ، فَمَا
كَانَ مِنْ حَقِّكُمْ أَنْ تَتَّهِمُوهُ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: بَلِ السَّبَبُ
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ طَلَائِعَ فِي
بَعْضِ غَزَوَاتِهِ ثُمَّ غَنِمَ قَبْلَ مَجِيئِهِمْ، فَقَسَمَ لِلنَّاسِ وَلَمْ
يَقْسِمْ لِلطَّلَائِعِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ عِتَابًا: "
وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ
يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ
"
أَيْ يَقْسِمُ لِبَعْضٍ وَيَتْرُكُ بَعْضًا. وَرُوِيَ نَحْوُ هَذَا الْقَوْلِ عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أيضا وعِكْرِمَةُ وابنُ جُبَيْرٍ وغيرُهم:
نَزَلَتْ بِسَبَبِ قَطِيفَةٍ حَمْرَاءَ فُقِدَتْ فِي الْمَغَانِمِ يَوْمَ بَدْرٍ،
فَقَالَ بَعْضُ مَنْ كَانَ مَعَ النَّبِيِّ: لَعَلَّ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ ـ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ أَخَذَهَا، فَنَزَلَتِ الْآيَةُ أَخْرَجَهُ أَبُو
دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. قَالَ ابْنُ
عَطِيَّةَ: قِيلَ كَانَتْ هَذِهِ الْمَقَالَةُ مِنْ مُؤْمِنِينَ لَمْ يَظُنُّوا
أَنَّ فِي ذَلِكَ حَرَجًا. وَقِيلَ: كَانَتْ مِنَ الْمُنَافِقِينَ. وَقَدْ رُوِيَ
أَنَّ الْمَفْقُودَ كَانَ سَيْفًا. وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ تُخَرَّجُ عَلَى
قِرَاءَةِ "يَغُلَّ" بِفَتْحِ الْيَاءِ وَضَمِّ الْغَيْنِ. وَرَوَى
أَبُو صَخْرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ "وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ
يَغُلَّ" قَالَ: تَقُولُ وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكْتُمَ شَيْئًا مِنْ
كِتَابِ اللَّهِ. وَقِيلَ: اللَّامُ فِيهِ مَنْقُولَةٌ، أَيْ وَمَا كَانَ نَبِيٌّ
لِيَغُلَّ، كَقَوْلِهِ: {مَا كانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحانَهُ}
مريم: 35. أي ما كان الله لِيتَّخِذ ولدًا. وقُرئ "يُغَلِّ" بِضَمِ
الْيَاءِ وَفَتْحِ الْغَيْنِ. وَقَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: لَمْ نَسْمَعْ فِي الْمَغْنَمِ
إِلَّا غَلَّ غلولا، وقرئ و"ما كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَيُغَلَّ.
قَالَ: فَمَعْنَى "يَغُلَّ" يَخُونُ، وَمَعْنَى "يُغَلَّ" يُخانَ،
وَيَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا يُخَانُ أَيْ يُؤْخَذُ مِنْ غَنِيمَتِهِ،
وَالْآخَرُ يُخَوَّنُ أَنْ يُنْسَبَ إِلَى الْغُلُولِ: ثُمَّ قِيلَ: إِنَّ كُلَّ
مَنْ غَلَّ شَيْئًا فِي خَفَاءٍ فَقَدْ غَلَّ يَغُلُّ غُلُولًا: قَالَ ابْنُ
عَرَفَةَ: سُمِّيَتْ غُلُولًا لِأَنَّ الْأَيْدِيَ مَغْلُولَةٌ مِنْهَا، أَيْ
مَمْنُوعَةٌ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الْغُلُولُ مِنَ الْمَغْنَمِ خَاصَّةً،
وَلَا نَرَاهُ مِنَ الْخِيَانَةِ وَلَا مِنَ الْحِقْدِ. وَمِمَّا يُبَيِّنُ ذَلِكَ
أَنَّهُ يُقَالُ مِنَ الْخِيَانَةِ: أَغَلَّ يُغِلُّ، وَمِنَ الْحِقْدِ: غَلَّ
يَغِلُّ بِالْكَسْرِ، وَمِنَ الْغُلُولِ: غَلَّ يَغُلُّ بِالضَّمِّ. وَغَلَّ
الْبَعِيرُ أَيْضًا يَغَلُّ غَلَّةً إِذَا لَمْ يَقْضِ رِيَّهُ وَأَغَلَّ
الرَّجُلُ خَانَ، قَالَ النَّمِرُ:



جَزَى اللَّهُ عَنَّا حَمْزَةَ ابْنَةَ
نَوْفَلٍ ................. جَزَاءَ مُغِلٍّ بِالْأَمَانَةِ كَاذِبِ



وَفِي
الْحَدِيثِ: ((لَا إِغْلَالَ وَلَا إِسْلَالَ)) أَيْ لَا خِيَانَةَ وَلَا
سَرِقَةَ، وَيُقَالُ: لَا رِشْوَةَ. وَقَالَ شُرَيْحٌ: لَيْسَ عَلَى
الْمُسْتَعِيرِ غَيْرِ الْمُغِلِّ ضَمَانٌ. وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((ثَلَاثٌ لَا يُغِلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبُ مُؤْمِنٍ)) مَنْ رَوَاهُ بِالْفَتْحِ
فَهُوَ مِنَ الضِّغْنِ. وَغَلَّ دخل يتعدى ولا يتعدى، يُقال: غَلَّ فُلَانٌ
الْمَفَاوِزَ، أَيْ دَخَلَهَا وَتَوَسَّطَهَا. وَغَلَّ مِنَ الْمَغْنَمِ غُلُولًا،
أَيْ خَانَ. وَغَلَّ الْمَاءَ بَيْنَ الْأَشْجَارِ إِذَا جَرَى فِيهَا، يَغُلُّ
بِالضَّمِّ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ. وَقِيلَ: الْغُلُولُ فِي اللُّغَةِ أَنْ يَأْخُذَ
مِنَ الْمَغْنَمِ شَيْئًا يَسْتُرُهُ عَنْ أَصْحَابِهِ، وَمِنْهُ تَغَلْغَلَ
الْمَاءُ فِي الشَّجَرِ إِذَا تَخَلَّلَهَا. وَالْغَلَلُ: الْمَاءُ الْجَارِي فِي
أُصُولِ الشَّجَرِ، لِأَنَّهُ مُسْتَتِرٌ بِالْأَشْجَارِ، كَمَا قَالَ الحُويدرة:



لَعِبَ السُّيُولُ بِهِ فَأَصْبَحَ
مَاؤُهُ ............. غَلَلًا يُقَطِّعُ فِي أُصُولِ الْخِرْوَعِ



وَمِنْهُ
الْغِلَالَةُ لِلثَّوْبِ الَّذِي يُلْبَسُ تَحْتَ الثِّيَابِ. وَالْغَالُّ: أَرْضٌ
مُطْمَئِنَّةٌ ذَاتُ شَجَرٍ. وَمَنَابِتُ السَّلْمِ وَالطَّلْحِ يُقَالُ لَهَا:
غَالٌّ. وَالْغَالُّ أَيْضًا نَبْتٌ، وَالْجَمْعُ غُلَّانُ بِالضَّمِّ. وَقَالَ
بَعْضُ النَّاسِ: إِنَّ مَعْنَى" يَغُلَّ" يُوجَدُ غَالًّا، كَمَا
تَقُولُ: أَحْمَدْتُ الرَّجُلَ وَجَدْتُهُ مَحْمُودًا. فَهَذِهِ الْقِرَاءَةُ
عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ تَرْجِعُ إِلَى مَعْنَى" يَغُلَّ" بِفَتْحِ
الْيَاءِ وَضَمِّ الْغَيْنِ. وَمَعْنَى" يَغُلُّ" عِنْدَ جُمْهُورِ
أَهْلِ الْعِلْمِ أَيْ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَغُلَّهُ، أَيْ يَخُونُهُ فِي
الْغَنِيمَةِ. فَالْآيَةُ فِي مَعْنَى نَهْيِ النَّاسِ عَنِ الْغُلُولِ فِي
الْغَنَائِمِ، وَالتَّوَعُّدِ عَلَيْهِ. وَكَمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُخَانَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُخَانَ غَيْرُهُ،
وَلَكِنْ خَصَّهُ بِالذِّكْرِ لِأَنَّ الْخِيَانَةَ مَعَهُ أَشَدُّ وَقْعًا
وَأَعْظَمُ وِزْرًا، لِأَنَّ الْمَعَاصِيَ تَعْظُمُ بِحَضْرَتِهِ لِتَعَيُّنِ
تَوْقِيرِهِ. وَالْوُلَاةُ إِنَّمَا هُمْ عَلَى أَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَهُمْ حَظُّهُمْ مِنَ التَّوْقِيرِ. وَقِيلَ: مَعْنَى"
يَغُلَّ" أَيْ مَا غَلَّ نَبِيٌّ قَطُّ، وَلَيْسَ الْغَرَضُ النَّهْيَ.



قَوْلُهُ
تَعَالَى: {
وَمَنْ
يَغْلُلْ يَأْتِ بِما غَلَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ
}
أَيْ يَأْتِي بِهِ حَامِلًا لَهُ عَلَى ظَهْرِهِ وَرَقَبَتِهِ، مُعَذَّبًا
بِحَمْلِهِ وَثِقَلِهِ، وَمَرْعُوبًا بِصَوْتِهِ، وَمُوَبَّخًا بِإِظْهَارِ
خِيَانَتِهِ عَلَى رُءُوسِ الْأَشْهَادِ، عَلَى مَا يَأْتِي. وَهَذِهِ
الْفَضِيحَةُ الَّتِي يُوقِعُهَا اللَّهُ تَعَالَى بِالْغَالِّ نَظِيرُ
الْفَضِيحَةِ الَّتِي تُوقَعُ بِالْغَادِرِ، فِي أَنْ يُنْصَبَ لَهُ لِوَاءٌ
عِنْدَ إِسْتِهِ بِقَدْرِ غَدْرَتِهِ. وَجَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ
الْمُعَاقَبَاتِ حَسْبَمَا يَعْهَدُهُ الْبَشَرُ وَيَفْهَمُونَهُ، أَلَا تَرَى
إِلَى قَوْلِ الحارِد:



أَسُمَيَّ وَيْحَكِ هَلْ سَمِعْتِ
بِغَدْرَةٍ .......... رُفِعَ اللِّوَاءُ لَنَا بِهَا في المجمع



وَكَانَتِ
الْعَرَبُ تَرْفَعُ لِلْغَادِرِ لِوَاءً، وَكَذَلِكَ يُطَافُ بِالْجَانِي مَعَ
جِنَايَتِهِ. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَامَ فِينَا
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ فَذَكَرَ
الْغُلُولَ فَعَظَّمَهُ وَعَظَّمَ أَمْرَهُ ثُمَّ قَالَ: ((لَا ألفين أحدكم يجئ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ بَعِيرٌ لَهُ رُغَاءٌ يَقُولُ يَا رَسُولَ
اللَّهِ أَغِثْنِي فَأَقُولُ لَا أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا قَدْ أَبْلَغْتُكَ لَا
أُلْفِيَنَّ أحدكم يجئ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ فَرَسٌ لَهُ
حَمْحَمَةٌ فَيَقُولُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَغِثْنِي فَأَقُولُ لَا أَمْلِكُ لَكَ
شَيْئًا قَدْ أَبْلَغْتُكَ لَا أُلْفِيَنَّ أحدكم يجئ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى
رَقَبَتِهِ شَاةٌ لَهَا ثُغَاءٌ يَقُولُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَغِثْنِي فَأَقُولُ
لَا أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا قَدْ أَبْلَغْتُكَ لَا أُلْفِيَنَّ أحدكم يجئ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ نَفْسٌ لَهَا صِيَاحٌ فَيَقُولُ يَا رَسُولَ
اللَّهِ أَغِثْنِي فَأَقُولُ لَا أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا قَدْ أَبْلَغْتُكَ لَا
أُلْفِيَنَّ أحدكم يجئ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ رِقَاعٌ تَخْفِقُ
فَيَقُولُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَغِثْنِي فَأَقُولُ لَا أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا
قَدْ أَبْلَغْتُكَ لَا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يجئ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى
رَقَبَتِهِ صَامِتٌ فَيَقُولُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَغِثْنِي فَأَقُولُ لَا
أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا قَدْ أَبْلَغْتُكَ)).



وَرَوَى
أَبُو دَاوُدَ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَصَابَ غَنِيمَةً أَمَرَ بِلَالًا فَنَادَى فِي
النَّاسِ فَيَجِيئُونَ بِغَنَائِمِهِمْ فَيُخَمِّسُهُ وَيَقْسِمُهُ، فَجَاءَ
رَجُلٌ يَوْمًا بَعْدَ النِّدَاءِ بِزِمَامٍ مِنَ الشَّعْرِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ هَذَا كَانَ فِيمَا أَصَبْنَاهُ مِنَ الْغَنِيمَةِ. فَقَالَ: (أَسْمَعْتَ
بِلَالًا يُنَادِي ثَلَاثًا)؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: (فما منعك أن تجئ به)؟ فاعتذر
إليه. فقال: (كلا أنت تجئ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَلَنْ أَقْبَلَهُ مِنْكَ).
قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: أَرَادَ يُوَافِي بِوِزْرِ ذَلِكَ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ، كَمَا قَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى: {وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزارَهُمْ
عَلى ظُهُورِهِمْ أَلا ساءَ مَا يَزِرُونَ} الأنعام: 31. وَقِيلَ: الْخَبَرُ
مَحْمُولٌ عَلَى شُهْرَةِ الْأَمْرِ، أَيْ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَدْ
شَهَّرَ اللَّهُ أَمْرَهُ كَمَا يُشَهَّرُ لَوْ حَمَلَ بَعِيرًا لَهُ رُغَاءٌ أَوْ
فَرَسًا لَهُ حَمْحَمَةٌ. وَهَذَا عُدُولٌ عَنِ الْحَقِيقَةِ إِلَى الْمَجَازِ
وَالتَّشْبِيهِ، وَإِذَا دَارَ الْكَلَامُ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ
فَالْحَقِيقَةُ الْأَصْلُ كَمَا فِي كُتُبِ الْأُصُولِ. وَقَدْ أَخْبَرَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالحقيقة، وَلَا عِطْرَ بَعْدَ
عَرُوسٍ. وَيُقَالُ: إِنَّ مَنْ غَلَّ شَيْئًا فِي الدُّنْيَا يُمَثَّلُ لَهُ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي النَّارِ، ثُمَّ يُقَالُ لَهُ: انْزِلْ إِلَيْهِ
فَخُذْهُ، فَيَهْبِطُ إِلَيْهِ، فَإِذَا انْتَهَى إِلَيْهِ حَمَلَهُ، حَتَّى إِذَا
انْتَهَى إِلَى الْبَابِ سَقَطَ عَنْهُ إِلَى أَسْفَلِ جَهَنَّمَ، فَيَرْجِعُ
إِلَيْهِ فَيَأْخُذُهُ، لَا يَزَالُ هَكَذَا إِلَى مَا شَاءَ اللَّهُ. وَيُقَالُ "
يَأْتِ بِما غَلَّ" يَعْنِي تَشْهَدُ عَلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
تِلْكَ الْخِيَانَةُ وَالْغُلُولُ. وَالْغُلُولُ كَبِيرَةٌ مِنَ الْكَبَائِرِ،
بِدَلِيلِ هَذِهِ الْآيَةِ وَمَا رُوي مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّهُ
يَحْمِلُهُ عَلَى عُنُقِهِ. وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي
مُدْعِمٍ ـ عبد أسود أهداه رفاعة بن زيد لرسول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عَامَ خَيْبَر: ((وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّ الشَّمْلَةَ الَّتِي
أَخَذَ يَوْمَ خَيْبَرَ مِنَ الْمَغَانِمِ لَمْ تُصِبْهَا الْمَقَاسِمُ
لَتَشْتَعِلُ عَلَيْهِ نَارًا)). قَالَ: فَلَمَّا سَمِعَ النَّاسُ ذَلِكَ جَاءَ
رَجُلٌ بِشِرَاكٍ أَوْ شِرَاكَيْنِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((شِرَاكٌ
أَوْ شِرَاكَانِ مِنْ نَارٍ)). أَخْرَجَهُ الْمُوَطَّأُ. فَقَوْلُهُ عَلَيْهِ
السَّلَامُ: ((وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ)) وَامْتِنَاعُهُ مِنَ الصَّلَاةِ عَلَى
مَنْ غَلَّ دَلِيلٌ عَلَى تَعْظِيمِ الْغُلُولِ وَتَعْظِيمِ الذَّنْبِ فِيهِ وَأَنَّهُ
مِنَ الْكَبَائِرِ، وَهُوَ مِنْ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ وَلَا بُدَّ فِيهِ مِنَ
الْقِصَاصِ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ، ثُمَّ صَاحَبَهُ فِي الْمَشِيئَةِ.
وَقَوْلُهُ: ((شِرَاكٌ أَوْ شِرَاكَانِ مِنْ نَارٍ)) مِثْلَ قَوْلِهِ: ((أَدُّوا
الْخِيَاطَ وَالْمِخْيَطَ)). وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ
لَا يَحِلُّ أَخْذُهُ فِي الْغَزْوِ قَبْلَ الْمَقَاسِمِ، إِلَّا مَا أَجْمَعُوا
عَلَيْهِ مِنْ أَكْلِ الْمَطَاعِمِ فِي أَرْضِ الْغَزْوِ وَمِنَ الِاحْتِطَابِ
وَالِاصْطِيَادِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: لَا يُؤْخَذُ
الطَّعَامُ فِي أَرْضِ الْعَدُوِّ إِلَّا بِإِذْنِ الْإِمَامِ. وَهَذَا لَا أَصْلَ
لَهُ، لِأَنَّ الْآثَارَ تُخَالِفُهُ، عَلَى مَا يَأْتِي. قَالَ الْحَسَنُ: كَانَ
أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا افْتَتَحُوا
الْمَدِينَةَ أَوِ الْحِصْنَ أَكَلُوا مِنَ السَّوِيقِ وَالدَّقِيقِ وَالسَّمْنِ
وَالْعَسَلِ. وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: كَانُوا يَأْكُلُونَ مِنْ أَرْضِ الْعَدُوِّ
الطَّعَامَ فِي أَرْضِ الْحَرْبِ وَيَعْلِفُونَ قَبْلَ أَنْ يَخْمُسُوا. وَقَالَ
عَطَاءٌ: فِي الْغُزَاةِ يَكُونُونَ فِي السَّرِيَّةِ فَيُصِيبُونَ أَنْحَاءَ
ـ جمعُ نِحى
وهو الزِقُّ ـ السَّمْنِ وَالْعَسَلِ وَالطَّعَامِ فَيَأْكُلُونَ، وَمَا بَقِيَ
رَدُّوهُ إِلَى إِمَامِهِمْ، وَعَلَى هَذَا جَمَاعَةُ الْعُلَمَاءِ.



وَفِي
هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْغَالَّ لَا يُحَرَّقُ مَتَاعُهُ، لِأَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُحَرِّقْ مَتَاعَ الرَّجُلِ
الَّذِي أَخَذَ الشَّمْلَةَ، وَلَا أَحْرَقَ مَتَاعَ صَاحِبِ الْخَرَزَاتِ الذِي
تَرَكَ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ، وَلَوْ كَانَ حَرْقُ مَتَاعِهِ وَاجِبًا لَفَعَلَهُ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَوْ فَعَلَهُ لَنُقِلَ ذَلِكَ فِي
الْحَدِيثِ. وصاحِبُ الخَرَزات: رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ توفي يوم خيبر، فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ
فقال: ((صلوا على صاحبكم)). فتغيّرت وُجوهُ الناسِ لذلك، فقال: ((إنَّ صاحبَكم غَلَّ
في سبيلِ اللهِ)) ففتشوا متاعَه فوجدوا خرزًا مِن خَرَزِ يَهود لا يُساوي درهمين.



وَأَمَّا
مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((إِذَا وَجَدْتُمُ الرَّجُلَ قَدْ
غَلَّ فَأَحْرِقُوا مَتَاعَهُ وَاضْرِبُوهُ)). فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ
وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ صَالِحِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ زَائِدَةَ، وَهُوَ
ضَعِيفٌ لَا يُحْتَجُّ بِهِ. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: سَأَلْتُ مُحَمَّدًا ـ يَعْنِي
الْبُخَارِيَّ ـ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ: إِنَّمَا رَوَى هَذَا صَالِحُ
بْنُ مُحَمَّدٍ وَهُوَ أَبُو وَاقِدٍ اللَّيْثِيُّ وَهُوَ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ.
وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ أَيْضًا عَنْهُ قَالَ: غَزَوْنَا مَعَ الْوَلِيدِ بْنِ
هِشَامٍ وَمَعَنَا سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ
الْعَزِيزِ، فَغَلَّ رَجُلٌ مَتَاعًا فَأَمَرَ الْوَلِيدُ بِمَتَاعِهِ فَأُحْرِقَ،
وَطِيفَ بِهِ وَلَمْ يُعْطِهِ سَهْمَهُ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَهَذَا أَصَحُّ
الْحَدِيثَيْنِ. وَرُوِيَ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ
جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبَا بَكْرٍ
وَعُمَرَ حَرَّقُوا مَتَاعَ الْغَالِّ وَضَرَبُوهُ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَزَادَ
فِيهِ عَلِيُّ بْنُ بَحْرٍ عَنِ الْوَلِيدِ ـ وَلَمْ أَسْمَعْهُ مِنْهُ:
وَمَنَعُوهُ سَهْمَهُ. قَالَ أَبُو عُمَرَ: قَالَ بَعْضُ رُوَاةٍ هَذَا
الْحَدِيثِ: وَاضْرِبُوا عُنُقَهُ وَأَحْرِقُوا مَتَاعَهُ. وَهَذَا الْحَدِيثُ
يَدُورُ عَلَى صَالِحِ ابن مُحَمَّدٍ وَلَيْسَ مِمَّنْ يُحْتَجُّ بِهِ. وَقَدْ
ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: ((لَا
يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ)). وَهُوَ يَنْفِي
الْقَتْلَ فِي الْغُلُولِ. وَرَوَى ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ
جَابِرٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((لَيْسَ عَلَى
الْخَائِنِ وَلَا عَلَى الْمُنْتَهِبِ وَلَا عَلَى الْمُخْتَلِسِ قَطْعٌ)).
وَهَذَا يُعَارِضُ حَدِيثَ صَالِحِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَهُوَ أَقْوَى مِنْ جِهَةِ
الْإِسْنَادِ. وَالْغَالُّ خَائِنٌ فِي اللُّغَةِ وَالشَّرِيعَةِ وَإِذَا انْتَفَى
عَنْهُ الْقَطْعُ فَأَحْرَى الْقَتْلُ. وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ: لَوْ صَحَّ حَدِيثُ
صَالِحٍ الْمَذْكُورُ احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ حِينَ كَانَتِ الْعُقُوبَاتُ فِي
الْأَمْوَالِ، كَمَا قال في مانع الزَّكَاةِ: ((إِنَّا آخِذُوهَا وَشَطْرَ
مَالِهِ، عَزْمَةً ـ حقٌّ أو واجب ـ مِنْ عَزَمَاتِ اللَّهِ تَعَالَى)). وَكَمَا
قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ في ضالة الإبل المكتومة: فيها غرامتها ومثله مَعَهَا.
وَكَمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فِي الثَّمَرِ
الْمُعَلَّقِ غَرَامَةُ مِثْلَيْهِ وَجَلْدَاتُ نَكَالٍ. وَهَذَا كُلُّهُ
مَنْسُوخٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.



فَإِذَا
غَلَّ الرَّجُلُ فِي الْمَغْنَمِ وَوُجِدَ أُخِذَ مِنْهُ، وَأُدِّبَ وَعُوقِبَ
بِالتَّعْزِيرِ. وَعِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ
وَأَصْحَابِهِمْ وَاللَّيْثِ: لَا يُحَرَّقُ مَتَاعُهُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ
وَاللَّيْثُ ودَاوُدُ: إِنْ كَانَ عَالِمًا بِالنَّهْيِ عُوقِبَ. وَقَالَ
الْأَوْزَاعِيُّ: يُحَرَّقُ مَتَاعُ الْغَالِّ كُلُّهُ إِلَّا سِلَاحَهُ
وَثِيَابَهُ الَّتِي عَلَيْهِ وَسَرْجَهُ، وَلَا تُنْزَعُ مِنْهُ دَابَّتُهُ،
وَلَا يُحْرَقُ الشَّيْءُ الَّذِي غُلَّ. وَهَذَا قَوْلُ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ،
وَقَالَهُ الْحَسَنُ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ حَيَوَانًا أَوْ مُصْحَفًا. وَرُوِيَ
أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ضَرَبَا الْغَالَّ
وَأَحْرَقَا مَتَاعَهُ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَمِمَّنْ قَالَ يُحَرَّقُ
رَحْلُ الْغَالِّ وَمَتَاعُهُ مَكْحُولٌ وَسَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ.
وَحُجَّةُ مَنْ ذَهَبَ إِلَى هَذَا حَدِيثُ صَالِحٍ الْمَذْكُورُ. وَهُوَ
عِنْدَنَا حَدِيثٌ لَا يَجِبُ بِهِ انْتَهَاكُ حُرْمَةٍ، وَلَا إِنْفَاذُ حُكْمٍ،
لِمَا يُعَارِضُهُ مِنَ الْآثَارِ الَّتِي هِيَ أَقْوَى مِنْهُ. وَمَا ذَهَبَ
إِلَيْهِ مَالِكٌ وَمَنْ تَابَعَهُ مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَصَحُّ مِنْ جِهَةِ
النَّظَرِ وَصَحِيحِ الْأَثَرِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.






أَجْمَعَ
الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ لِلْغَالِّ أَنْ يَرُدَّ جَمِيعَ مَا غَلَّ إِلَى صَاحِبِ
الْمَقَاسِمِ قَبْلَ أَنْ يَفْتَرِقَ النَّاسُ إِنْ وَجَدَ السَّبِيلَ إِلَى
ذَلِكَ، وَإِنَّهُ إِذَا فَعَلَ ذَلِكَ فَهِيَ تَوْبَةٌ لَهُ، وَخُرُوجٌ عَنْ
ذَنْبِهِ. وَاخْتَلَفُوا فِيمَا يَفْعَلُ بِهِ إِذَا افْتَرَقَ أَهْلُ الْعَسْكَرِ
وَلَمْ يَصِلْ إِلَيْهِ، فَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ: يَدْفَعُ إِلَى
الْإِمَامِ خُمُسَهُ وَيَتَصَدَّقُ بِالْبَاقِي. هَذَا مَذْهَبُ الزُّهْرِيِّ
وَمَالِكٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَاللَّيْثِ وَالثَّوْرِيِّ، وَرُوِيَ عَنْ عُبَادَةَ
بْنِ الصَّامِتِ وَمُعَاوِيَةَ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ. وَهُوَ يُشْبِهُ
مَذْهَبَ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ، لِأَنَّهُمَا كَانَا يَرَيَانِ أَنْ
يُتَصَدَّقَ بِالْمَالِ الَّذِي لَا يُعْرَفُ صَاحِبُهُ، وَهُوَ مَذْهَبُ أحمد ابن
حَنْبَلٍ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَيْسَ لَهُ الصَّدَقَةُ بِمَالِ غَيْرِهِ.
قَالَ أَبُو عُمَرَ: فَهَذَا عِنْدِي فِيمَا يُمْكِنُ وُجُودُ صَاحِبِهِ
وَالْوُصُولُ إِلَيْهِ أَوْ إِلَى ورثته، وأما إن لم يكن شي مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّ
الشَّافِعِيَّ لَا يَكْرَهُ الصَّدَقَةَ حِينَئِذٍ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. وَقَدْ
أَجْمَعُوا فِي اللُّقَطَةِ عَلَى جَوَازِ الصَّدَقَةِ بِهَا بَعْدَ التَّعْرِيفِ
لَهَا وَانْقِطَاعِ صَاحِبِهَا، وَجَعَلُوهُ إِذَا جَاءَ مُخَيَّرًا بَيْنَ الْأَجْرِ وَالضَّمَانِ،
وَكَذَلِكَ الْمَغْصُوبُ.



وفي
تحريم الْغُلُولِ دَلِيلٌ عَلَى اشْتَرَاكِ الْغَانِمِينَ فِي الْغَنِيمَةِ، فَلَا
يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَسْتَأْثِرَ بِشَيْءٍ مِنْهَا دُونَ الْآخَرِ، فَمَنْ
غَصَبَ شَيْئًا مِنْهَا أُدِّبَ اتِّفَاقًا، عَلَى مَا تَقَدَّمَ.






وَمِنَ
الْغُلُولِ هَدَايَا الْعُمَّالِ، وَحُكْمُهُ فِي الْفَضِيحَةِ فِي الْآخِرَةِ
حُكْمُ الْغَالِّ. رَوَى أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ وَمُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ
عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ اسْتَعْمَلَ رَجُلًا مِنَ الْأَزْدِ يُقَالُ لَهُ ابْنُ اللُّتْبِيَّةِ ـ
قَالَ ابْنُ السَّرْحِ ابْنُ الْأُتْبِيَّةِ ـ عَلَى الصَّدَقَةِ، فَجَاءَ
فَقَالَ: هَذَا لَكُمْ وَهَذَا أُهْدِيَ لِي. فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ
وَقَالَ: ((مَا بَالُ الْعَامِلِ نَبْعَثُهُ فَيَجِيءُ فَيَقُولُ هَذَا لَكُمْ وَهَذَا
أُهْدِيَ لِي أَلَا جَلَسَ فِي بَيْتِ أُمِّهِ أَوْ أَبِيهِ فَيَنْظُرَ أَيُهْدَى
إِلَيْهِ أَمْ لَا، لَا يَأْتِي أَحَدٌ مِنْكُمْ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ إِلَّا
جَاءَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنْ كَانَ بَعِيرًا فَلَهُ رُغَاءٌ وَإِنْ
كَانَتْ بَقَرَةً فَلَهَا خُوَارٌ أَوْ شَاةً تَيْعَرُ)) ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ
حَتَّى رَأَيْنَا عُفْرَتَيْ إِبْطَيْهِ ثُمَّ قَالَ
: ((اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ
اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ)). وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ عن بريدة عن النبي صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((مَنِ اسْتَعْمَلْنَاهُ عَلَى عَمَلٍ
فَرَزَقْنَاهُ رِزْقًا فَمَا أَخَذَ بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ غُلُولٌ)). وَرَوَى
أَيْضًا عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَاعِيًا ثُمَّ قَالَ: ((انْطَلِقْ أَبَا مَسْعُودٍ
وَلَا أُلْفِيَنَّكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تَأْتِي عَلَى ظَهْرِكَ بَعِيرٌ مِنْ
إِبِلِ الصَّدَقَةِ لَهُ رُغَاءٌ قَدْ غَلَلْتَهُ)). قَالَ: إِذًا لَا أَنْطَلِقُ.
قَالَ: ((إِذًا لَا أُكْرِهُكَ)). وَقَدْ قَيَّدَ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ مَا
رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ أَيْضًا عَنِ الْمُسْتَوْرِدِ بْنِ شَدَّادٍ قَالَ:
سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ((مَنْ كَانَ
لَنَا عَامِلًا فَلْيَكْتَسِبْ زَوْجَةً فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ خَادِمٌ
فَلْيَكْتَسِبْ خَادِمًا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَسْكَنٌ فَلْيَكْتَسِبْ
مَسْكَنًا)). قَالَ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أُخْبِرْتُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((مَنِ اتَّخَذَ غَيْرَ ذَلِكَ فَهُوَ غَالٌّ
سَارِقٌ)). وَاللَّهُ أَعْلَمُ.



وَمِنَ
الْغُلُولِ حَبْسُ الْكُتُبِ عَنْ أَصْحَابِهَا، وَيَدْخُلُ غَيْرُهَا فِي
مَعْنَاهَا. قَالَ الزُّهْرِيُّ: إِيَّاكَ وَغُلُولَ الْكُتُبِ. فَقِيلَ لَهُ:
وَمَا غُلُولُ الْكُتُبِ؟ قَالَ: حَبْسُهَا عَنْ أَصْحَابِهَا. وَقَدْ قِيلَ فِي
تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: "
وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ" أَنْ يَكْتُمَ شَيْئًا مِنَ الْوَحْيِ رَغْبَةً
أَوْ رَهْبَةً أَوْ مُدَاهَنَةً. وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَكْرَهُونَ مَا فِي
الْقُرْآنِ مِنْ عَيْبِ دِينِهِمْ وَسَبِّ آلِهَتِهِمْ، فَسَأَلُوهُ أَنْ يَطْوِيَ
ذَلِكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ.



قوله
تعالى: {
وَمَا
كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ
} أَنْ يَغُلَّ: في محلِّ رفعٍ اسمَ كان، و"لنبي" خبرٌ مقدم أي: ما كان له غُلولٌ أو إغْلالٌ على حَسَبِ
القراءتين. وقرأ ابنُ كثيرٍ وأبو عَمْرٍو وعاصمٌ بفتح الياء وضم الغين مِنْ "
غَلَّ" مبنيًّاً للفاعل، ومعناه: أنَّه لا يَصِحُّ أنْ يَقَعَ
من النبيِّ غُلولٌ لتنافِيهما، فلا يَجوزُ أنْ يُتَوَهَّمَ ذلك فيه البتّة. وقرأ
الباقون "
يُغَلَّ"
مبنِيّاً للمفعول. وهذه القراءةُ فيها احتمالان، أحدُهما: أنْ يكونَ مَنْ "
غَلَّ" ثلاثياً، والمعنى: ما صَحَّ لنبيٍّ أَنْ يَخُونَه
غيرُه ويَغُلَّه، فهو نفيٌ في معنى النهيِ أيْ: لا يَغُلُّه أحدٌ. والاحتمال
الثاني: أَنْ يكونَ مِنْ أغلَّ رباعياً، وفيها وجهان، أحدُهما: أَنْ يكونَ مَنْ أَغَلَّه:
أي نَسَبه إلى الغُلولِ كقولِهم: أَكْذَبْتُه أي: نَسَبْتُه إلى الكذب، وهذا في
المعنى كالذي قبله أي: نفيٌ في معنى النهي أي: لا يَنْسِبه أحدٌ إلى الغُلول.
والثاني: أنْ يكونَ مِنْ أَغَلَّه أي وجده غالاًّ كقولهِم: أَحْمَدْتُ الرجلَ
وأَبْخَلْتُه وأجبنتُه أي: وجدته محموداً وبخيلاً وجباناً. والظاهر أن قراءة "يَغُلَّ"
بالياء للفاعل لا يُقَدَّر فيها مفعولٌ محذوفٌ؛ لأنَّ الغَرَضَ نفيُ هذه الصفة عن
النبي من غيرِ نظرٍ إلى تَعَلُّقٍ بمفعولٍ كقولك: "هو يعطي ويمنع" تريدُ
إثباتَ هاتَين الصفتين. والتقدير: أَنْ يَغُلَّ المالَ أو الغنيمةَ.



قوله: {وَمَن يَغْلُلْ}
الظاهرُ أنَّ هذه الجملةَ الشرطيّةَ مستأنَفةٌ لا محلَّ لها من الإِعراب، وإنما
جِيء بها للرَّدْع عن الإِغلالِ. و"
ما"
موصولةٌ بمعنى الذي، فالعائدُ محذوفٌ أي: غِلُّه، ويَدُلُّ على ذلك الحديثُ: "إنَّ
أحدَهم يأتي بالشيء الذي أخذَه على رقبتِه". ويجوزُ أَنْ تكونَ مصدريةً،
وتكونُ على حَذْفِ مضاف أي: بإثمِ غلولِه.



وقولُه: {ثُمَّ توفى}
هذه الجملةُ معطوفةٌ على الجملة الشرطيّة، وفيها إعلامٌ أنَّ الغالَّ وغيرَه مِنْ
جميعِ الكاسبين لا بُدَّ وأن يُجازوا فيندرجَ الغالُّ تحت هذا العموم أيضاً فكأنه
ذُكِر مرتين.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
فيض العليم ... سورة آل عمران، الآية: 161
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» فيض العليم ... سورة آل عمران، الآية: 60
» فيض العليم ... سورة آل عمران، الآية: 74
» فيض العليم ... سورة آل عمران، الآية: 91
» فيض العليم ... سورة آل عمران، الآية: 110
» فيض العليم ... سورة آل عمران، الآية: 125

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
روضة الشاعر عبد القادر الأسود :: ...:: الروضة الروحانية ::... :: روضة الذكر الحكيم-
انتقل الى: